جواهر الكلام - ج ٢٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

جاز الوصية إلى المجنون الأدواري ، وجاز الإيصاء إلى زيد فإن مات فإلى عمرو ، وإلى ولده إن بلغ رشيدا ، كما نص عليه في الدروس ، وكذا في القواعد ، وحينئذ فالمتجه كون المنضم على الوجه المزبور على وفق الأصل لا على خلافه ، بل المتجه جواز الانضمام كذلك والاستقلال إن لم يقم إجماع على خلافه ، ودونه خرط القتاد.

ودعوى أن محل البحث الوصاية فعلا ، لا المعلقة على البلوغ ، وقد ثبت في المنضم للخبرين السابقين ، دون المستقل الذي لا ريب في مخالفة وصايته الفعلية للأصل ، لعدم قابليته للولاية ، وبذلك صح للمصنف وغيره الفرق بين وصاية المنضم والمستقل.

واضحة الفساد ، ضرورة عدم صحة الوصاية فعلا للمنضم أيضا ، ولا صراحة في الخبرين بذلك بل ولا ظهور ، بل لعل ظاهر هما خلافه ، وإلا كان شريكا فعلا ، وتوقف التصرف في المال إلى بلوغه ، أو يقوم وليه مقامه ، أو يضم الحاكم نائبا عنه والجميع مخالف لما عرفت من النص والفتوى ، بل قد يقال ببطلان وصاية الموصى ان صرح بوصاية الصبي فعلا ، لعدم مشروعيتها ، وهو معنى اشتراطهم البلوغ في الوصي الذي مقتضاه انعدام المشروط بانعدامه.

نعم لو صرح بعدم تصرف الكبير حتى يبلغ الصغير صح ، لعموم « المؤمنون عند شروطهم » بل الظاهر الصحة أيضا مع التصريح بانعزال الكبير عند بلوغ الصغير لذلك ، كما هو صريح القواعد والدروس وجامع المقاصد ، بل يصح غير ذلك من الشرائط التي لم تحلل حراما ، ولا تحرم حلالا ، ولا تخالف كتاب ولا سنة ، كالترتيب في الوصية بأن يقول : أوصيت إلى زيد ، فإن مات فإلى عمرو ، ونحو ذلك ، وعن فاطمة عليها‌السلام (١) « أنها أوصت في وقفها إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فإن حدث به حدث فإلى ولديها » وقد تقدم سابقا أن الوصاية قريبة من التأمير ، كما اعترف به في جامع المقاصد.

وقد‌ روى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال (٢) « الأمير زيد ، فان قتل فجعفر ، فإن قتل فعبد الله بن رواحة ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات الحديث ـ ١.

(٢) المغازي للواقدي ج ٢ ص ع ٧٥.

٤٠١

وبذلك كله يعلم أن موضوع المسألة في المتن وغيره ما لو أطلق الوصاية إلى الصغير والكبير ، فإنه الذي حكمه تصرف الكبير حتى يبلغ الصغير ، فيشاركه ، وأنه ليس للصغير الاعتراض عليه فيما تصرف فيه الكبير سابقا على بلوغه كما عرفته وتعرفه فيما يأتي إن شاء الله تعالى فتأمل جيدا.

فإنه قد ظهر لك عدم الفرق بين المميز وغيره في المسألة ، ولا بين البالغ خمس سنين وغيره ، وإن كان ظاهر‌ زياد بن أبي الحلال (١) الثاني : قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هل أوصى إلى الحسن والحسين عليهما‌السلام : مع أمير المؤمنين عليه‌السلام؟ قال : نعم قلت : وهما في ذلك السن؟ قال : نعم ولا يكون لغيرهما في أقل من خمس سنين » لكن لم أجد عاملا به ، بل ظاهر غيره من النصوص والفتاوى خلافه ، والله العالم.

وكيف كان فـ ( لو مات الصغير ، أو بلغ فاسد العقل ، كان للعاقل الانفراد بالوصية ، ولم يداخله الحاكم لأن للميت وصيا ) مستقلا ، لعدم شريك له الكون الفرض موت الصبي قبل البلوغ الذي هو شرط صحة نصبه وصيا ، وكذا الكمال فلم يشاركه أحد في وصايته ، ولا وجد ما يزيلها فهي مستصحبة على الحال الأول ، لكن ومع ذلك تردد فيه في الدروس من ذلك ، ومن دلالة لفظ الوصي على الضم في وقت إمكانه عادة ، بل في الرياض أنه الأظهر لقوة دليلة ، قال : « وينبغي القطع به فيما إذا بلغ الصبي رشيدا ثم مات بعده ولو بلحظة ، لانقطاع الاستصحاب الأول حينئذ بلا خلاف ، وتبدله باستصحاب عدم الاستقلال ، فيتبع ».

قلت : كيف ينبغي القطع به مع أن أقصاه صيرورته كالوصية إلى اثنين كاملين ثم مات أحدهما ، وستعرف أن المشهور بين الأصحاب استقلال الباقي ، وأنه لا يضم إليه الحاكم.

ومنه يعلم ضعف القول به في الفرض الذي هو مرجوح بالنسبة إلى ذلك قطعا ضرورة عدم حصول الشريك للوصي أصلا ، بل يمكن القطع بكون مراد الموصى الشركة له إذا بقي وبلغ قابلا للشركة ، ومن هنا جزم المصنف وغيره باستقلال الكبير في الفرض والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٣.

٤٠٢

وقد ظهر لك من ذلك الحكم في جميع أطراف المسألة حتى ما ذكره المصنف وغيره ونص عليه في الخبرين السابقين ، بل لا أجد فيه خلافا من أنه لو تصرف البالغ ثم بلغ الصبي لم يكن له نقض شي‌ء مما أبرمه في الزمن السابق الذي لا شركة له فيه؟ إذ لا ريب في ظهور عبارة الموصى في إرادة الوصاية للكبير وأنه إذا بلغ الصبي شاركه ، فليس له نقض شي‌ء من ذلك إلا أن يكون مخالفا لمقتضى الوصية بل مثله منقوض لنفسه ، لا يحتاج إلى نقض كما هو واضح.

ومن الغريب ما في القواعد ، فإنه بعد أن ذكر ما هنا بتمامه ، قال : « وهل يقتصر البالغ من التصرف على ما لا بد منه؟ نظر » وهو مناف لإطلاق النص والفتوى ، بل ولما هو كالصريح من خبر علي بن يقطين (١) فلاحظ وتأمل.

بقي الكلام في شي‌ء لم أجد تصريحا به من أحد ، وهو لو مات الكبير مثلا قبل بلوغ الصبي والمتجه على ما قلناه صحتها لو بلغ ، وإن رجع الأمر إلى الحاكم قبل البلوغ فإذا بلغ استقل في وجه ، وداخله الحاكم في آخر ، وأما احتمال بطلان وصاية الصبي ـ ولو بعد البلوغ ، باعتبار اشتراط صحتها ابتداء ، واستدامة بالانضمام المفروض انعدامه قبل البلوغ ـ فهو واضح الضعف ـ لمنافاته الاستصحاب وغيره.

نعم قد يشكل تولى الحاكم الأمر قبل البلوغ ـ بناء على ما عساه يظهر من بعضهم من ثبوت الوصاية للصبي حال الانضمام وإن لم يجز له التصرف ، ـ بأنه لا ولاية له مع وجود الوصي ، فالمتجه له حينئذ الانتظار إلى البلوغ ، إلا فيما لا بد منه ، إلا أن ذلك كما ترى ، ضرورة عدم تعقل ثبوت ولاية وسلطنة للطفل على غيره ، سيما إذا كان مميزا وهو غير مميز ، كما هو مقتضى إطلاق كلامهم هذا.

وقد عرفت سابقا أن من شرائط الوصي الإسلام فـ ( لا تجوز ) حينئذ الوصية من المسلم إلى الكافر ولو كان رحما بلا خلاف كما في الرياض لقصوره عن منصب الولاية عن المسلم وعليه ، إذا (٢) ( الْمُؤْمِنُونَ ( وَالْمُؤْمِناتُ ) بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) ، بل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٣.

(٢) سورة التوبة الآية ـ ٧١.

٤٠٣

قال الله تعالى (١) ( لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْ‌ءٍ ) إلى آخر الآية وقال جل شأنه : أيضا (٢) ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) ومن هنا أطلق المصنف ـ وغيره عدم وصايته عن المسلم من غير فرق بين تعلقها بالمسلمين وما في حكمهم أو غيرهم.

نعم يجوز أن يوصى إليه أي الكافر مثله في الكفر كما صرح به غير واحد ، بناء على عدم اشتراط العدالة ، بل وعلى اشتراطها ، بناء على ارادة الوقوف من اشتراطها ، ويكفي حينئذ عدالته في دينه ، إذ الغرض صيانة مال الطفل ، وأداء الأمانة ، وهو يحصل بالعدل منهم ، فما في الروضة ـ « من أن الأقوى المنع ، بالنظر إلى مذهبنا ، ولو أريد صحتها عندهم وعدمه ، فلا غرض لنا في ذلك ، ولو ترافعوا إلينا فإن رددناهم إلى مذهبهم وإلا فاللازم الحكم ببطلانها بناء على اشتراط العدالة في الوصي ، إذ لا وثوق بعدالته في دينه ، ولا ركون إلى أفعاله ، لمخالفتها لكثير من أحكام الإسلام » لا يخلو من نظر ، لحصول الوثوق وجدانا بل ربما يحصل الوثوق ببعض عدولهم أكثر مما يحصل عدول المسلمين سيما المخالفين منهم ، ومخالفة أفعالهم لكثير من أحكام الإسلام تنافي عدالته في دينه.

ولعله لذا قال في المسالك : « ويحتمل قويا الحكم بصحتها مطلقا مع عدالته في دينه ، لأن الغرض منها صيانة مال الطفل وحفظ ماله وأداء الأمانة ، وإذا كان الكافر في دينه مجانبا للمحرمات ، قائما بالأمانات حصل الغرض المطلوب منه ، بخلاف فاسق المسلمين ، وإن كان فيه أيضا أنه يمكن فرض الوثوق بفاسق المسلمين ، كما عرفته سابقا هذا.

وقد يقال في أصل المسألة يمنع اشتراك الكفار مع المسلمين في هذا الحكم وإن قلنا به في غير المقام ، لاختصاص الدليل بالنهي عن اتخاذ المؤمنين الكافرين أولياء ، دون الكافرين بعضهم مع بعض ، بل مقتضى الآية الأخرى (٣) كونهم كذلك ، وحينئذ فحمل عبارة المصنف وغيره ـ « صحة وصية الكافر إلى الكافر » ـ على إرادة الإلزام بما في مذهبه وإن كان فاسدا عندنا ـ خلاف الظاهر.

__________________

(١) سورة آل عمران الآية ٢٨.

(٢) سورة النساء الآية ١٣١.

(٣) سورة الأنفال الآية ٧٣.

٤٠٤

نعم ينبغي تقييد ذلك كما عن جماعة بما إذا لم يستلزم ذلك ولاية على مسلم لما عرفت ، ولو أوصى الكافر إلى المسلم صح ، وتصرف فيما يجوز للمسلم التصرف فيه من تركته دون غيره ، كالخمر. والله العالم.

ولا يعتبر في الوصي الذكورة ، ولا البصر ولا كونه غير وارث بلا خلاف فيه بيننا فـ ( تجوز الوصية ) حينئذ إلى المرأة إذا جمعت الشرائط وكذا الأعمى والوارث ، لإطلاق الأدلة وعمومها ، والإجماع بقسميه ، وخصوص خبر علي بن يقطين (١) السابق في الوصية إلى المرأة والطفل ، فما عن بعض العامة ـ من الخلاف في ذلك لبعض الوجوه الاعتبارية التي لا تصلح مدركا للأحكام الشرعية عندنا ـ واضح الفساد وعليه يحمل‌ مرسل السكوني (٢) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « المرأة لا يوصى إليها ، لأن الله تعالى يقول ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ ) » أو على فقد شرط من الشرائط السابقة ، أو غير ذلك والله العالم.

ولو أوصى إلى اثنين فصاعدا جاز إجماعا بقسميه ، وسنة عموما وخصوصا ، فإن أطلق أو شرط اجتماعهما ، لم يجز لأحدهما أن ينفرد عن صاحبه بشي‌ء من التصرف بلا خلاف أجده في الثاني سواء ذكر الاجتماع شرطا في التصرف ، أو جعل الولاية لهما مجتمعين ، فإن الظاهر جوازه أيضا ، لإطلاق الأدلة السالم عما يقتضي الاتحاد في الوصي ، بل لعل ذلك هو المراد من شرط الاجتماع في العبارة وغيرها ، بل ستعرف فيما يأتي التصريح من ثاني الشهيدين وغيره بأن كلا منهما في صورة الاجتماع جزء ولي ، وعليه يبنى ما قيل : من بطلان الوصية برد أحدهما ، وإن قبل الآخر.

وعلى كل حال فلا إشكال كما لا خلاف في عدم جواز تفرد أحدهما في هذه الصورة ، إنما الكلام فيما إذا أطلق ، ولم يكن في اللفظ ما يدل على الاستقلال ، ولا على الاجتماع ، والمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة مساواتهما ، في الحكم لصورة الاجتماع ، لكونه المتيقن ، بناء على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١.

٤٠٥

دوران الأمر بينه وبين الانفراد الترخيصى لا العزيمي ، ولتساويهما في استحقاق الولاية ، فهي العين الموصى بها لاثنين مثلا ، المحكوم باشتراكها بينهما ، فكذا الولاية المجعولة لهما ، ضرورة تصور الاشتراك فيها على وجه يكون مجموعهما الولي.

ولظاهر‌ الصحيح (١) « في رجل مات وأوصى الى رجلين ، أيجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة ، والآخر بالنصف؟ فوقع عليه‌السلام لا ينبغي لهما أن يخالفها الميت ويعملان على حسب ما أمرهما إن شاء الله ».

المؤيد‌ بالرضوي بناء على كونه رواية (٢) « وإذا أوصى رجل الى رجلين ، فليس لهما أن ينفرد كل واحد منهما بنصف التركة ، وعليهما إنفاذ الوصية على ما أوصى الميت ».

بل وب‌ خبر صفوان بن يحيى (٣) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل كان لرجل عليه مال ، فهلك وله وصيان فهل يجوز أن يدفع المال الى أحد الوصيين؟ فقال : لا يستقيم إلا أن يكون السلطان قد قسم المال ، فوضع على يد هذا النصف ، وعلى يد هذا النصف أو يجتمعان بأمر السلطان » بناء على أن المراد سلطان العدل.

والمناقشة في الأول ـ باشتماله على لفظ لا ينبغي ، الذي هو غير صريح في الحرمة ـ يدفعها أنه لا بد من إرادة ذلك منه هنا ، وأن قلنا بعدم صراحته في غير المقام ، باعتبار جعل الانفراد فيه مخالفة للميت ، والاجتماع عملا بأمره ، ومن المعلوم حرمة المخالفة المزبورة ، ووجوب العمل بأمره ، وإلا كان تبديلا للوصية المعلوم عدم جوازه كتابا ، وسنة ، وإجماعا ، على أن قوله « ويعملان » معطوف على جملة لا ينبغي لا على متعلقها ، فيكون أمرا بالعمل بمقتضى امره المكنى به عن الاجتماع ، وإلا لم يكن الجواب مطابقا للسؤال.

نعم فيما حضرني من نسخة الكافي « وأن يعملا » إلى آخره ، وحينئذ يكون معطوفا على سابقه ، إلا أن المقدر حينئذ من العامل فيه ـ لو سلم أنه ـ ينبغي ، وجب إرادة الوجوب منه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١.

(٢) المستدرك ج ٢ ص ٥٢٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٢.

٤٠٦

لما عرفت ، كل ذلك مضافا الى الانجبار بفهم المعظم والاعتضاد بما عرفت.

ولا ينافيه‌ الموثق (١) « أن رجلا مات وأوصى الى رجلين فقال أحدهما لصاحبه خذ نصف ما ترك ، وأعطني نصف ما ترك ، فأبى عليه الآخر ، فسألوا أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك فقال ذلك له » لإجماله وبناء المنافاة فيه على رجوع الإشارة إلى القسمة ، والضمير المجرور الى الطالب ، مع أنه يحتمل رجوع الإشارة إلى الإباء ، والضمير الى المطلوب ، بل لعل هذا أولى ، كما عن المختلف وغيره ، لقرب مرجع الإشارة ، وموافقته لما عرفت.

ودعوى أولوية العكس ـ لوضع ذلك للإشارة إلى البعيد ـ يدفعها معلومية عدم ملاحظة ذلك في استعمالهما في أمثال هذه الخطابات التي يراد منها محض التفهيم ، بل في الرياض أنه يدفعها توقف ذلك على وجود اللام ، وهي في نسخة الكافي والفقيه مفقودة.

نعم في نسخة الشيخ موجودة ، لكنها مرجوحة بالنسبة إلى تلك النسخة سيما مع وحدتها وتعدد تلك ، مع كون الأصل لها ، وهي منها مأخوذة ، وعلى تقدير تكافؤ النسختين يبقى الاجمال بحاله ، لعدم المرجح لأحدهما في البين ، والأمر سهل بعد وضوح الحال لديك.

ومنه يعلم ضعف المحكي عن ظاهر النهاية أتى ليست كتاب فتوى ، والقاضي من جواز الانفراد في صورة الإطلاق ، ولعلهما يريدان أن ما لو قال : « لكل منهما » بعبارة مستقلة أنت وصيي على كذا ، فإنه ظاهر حينئذ في جواز الانفراد ، كما في الوكالة ، وإن كان هو خارجا عن محل النزاع ، بل قد يقال بعدم ظهوره في ذلك ، كما هو مقتضى إطلاق العبارة وغيرها.

بل في القواعد والدروس وغيرهما ما هو كالصريح في ذلك ، في مسألة ما لو أوصى إلى زيد ثم إلى عمرو ، قال في القواعد « ولو أوصى إلى زيد ثم إلى عمرو لم يكن رجوعا ، ولو لم يقبل عمرو انفرد زيد ، ولو قبلا لم ينفرد أحدهما بالتصرف إلا مع قرينة دالة على الرجوع أو التفرد » وقال في الدورس : « ولو أوصى الى زيد ثم الى عمرو اشتركا ولا انفراد ، ولا يعزل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٣ الفقيه ج ٤ ص ١٠١ الكافي ج ٢ ص ٢٤٧ الطبعة الأولى.

٤٠٧

الأول بالوصية الى الثاني ، ولو قبل أحدهما دون الآخر قيل : يتصرف وحده ، بخلاف ما لو أوصى إليهما معا ، فإنه ينعزل القابل برد صاحبه ، وفي الفرق نظر ، لأن الضم قد حصل في الموضعين ، فإن كان شرطا ثبت فيهما وإلا انتفا فيهما » وتبعه على ذلك المحقق الثاني ، بعد أن حكى القيل المزبور عن التذكرة.

قلت : قد يفرق بينهما بظهور المعية في وصاية المجتمعين وكونهما معا الوصي بخلاف غيره ، فإنه ظاهر في الاستقلال ، حتى لو قبلا معا ، فان تعدد الأولياء كما هو ظاهر العبارة غير عزيز ، وكذا الكلام في الوكالة ولو سلم فالمراد شركته على تقدير قبوله ، نحو ما لو قال لزيد أوصيت إليك ، ثم قال ضممت إليك عمروا ، فإنه كما في القواعد ان قبل عمرو شارك ، وإلا استقل زيد ، ولو قبل عمرو خاصة لم يكن له الانفراد لو جعله مضموما ، وهل ينعزل أو يضم إليه الحاكم؟ فيه نظر ، كما في الدروس ، وجزم الفاضل بالثاني.

وعلى كل حال فالإنصاف اختلاف ذلك باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال ، التي ليس من وظائف الفقيه تنقيحها ، والتحقيق ما عرفت ، ومنه يعلم أن الناظر المستعمل في زماننا ليس وصيا مستقلا ، بل ولا شريكا في الوصاية لعدم ظهور عبارة الموصى فيه بل لعلها ظاهرة في إرادة الصرف باطلاعه ، وقد تعرض له بعض الأصحاب كالمحقق الثاني حيث قال : « ويجوز أن يوصى الى واحد ، ويجعل آخر مشرفا عليه ، ولا يكون للمشرف شي‌ء من التصرفات لكن يشترط صدورها عن اذنه ، ولو امتنع ، فهل يستقل الوصي؟ فيه وجهان أقربهما لا ، بل يرفع الأمر إلى الحاكم ».

قلت : التحقيق فيه كونه أيضا مختلفا باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة والأحوال ، ومن هنا لم يمكن ضبطه بحال ، فإنه قد يراد اطلاعه فقط ، لئلا يخون الوصي ، وقد يراد نظره في الصرف والمصرف ، وقد يراد غير ذلك ، والحكم يختلف باختلافه ، حتى مدخلية الحاكم فيما لو مات أو جن مثلا ، وعدمها ، ثم المراد باجتماعها اتفاقهما على الرأي على وجه يحكمان بكونه مصلحة ، وإيقاع العقد لو احتيج إليه عن رأيهما بمباشرة أحدهما ، وإذن الآخر ، أو غيرهما بإذنهما.

٤٠٨

وعلى كل حال فـ ( لو تشاحا ) على وجه لا ينافي عدالتهما ، بناء على اعتبارها ، لتخيل كل منهما الصلاح في ضد ما يقوله الآخر لم يمض ما ينفرد به كل واحد منهما عن صاحبه ، إلا ما لا بد منه ، مثل كسوة اليتيم ومأكوله والرقيق والدواب وإصلاح العقار ، وشراء كفن الميت ، ونحو ذلك مما لا يمكن تأخيره إلى وقت الاتفاق ، بل عن بعضهم زيادة قضاء ديونه ، وإنفاذ الوصية المعينة ، وقبول الهبة عن الصغير مع خوف فوات النفع ، والخصومة عن الميت ، وله عن الطفل ، وله الحاجة ، ورد الوديعة المعينة والعين المغصوبة.

وفي القواعد الفرق بين صورتي الإطلاق ، والنهي عن الانفراد ، فيجوز ذلك ، في الأول ، ولا يجوز في الثاني ، وفيه أنه لا فرق بينهما بعد تنزيل الإطلاق على عدم جواز الانفراد إلا بالظهور والصراحة ، وذلك لا يصلح فارقا ، كما أنه قد يناقش فيما قبله بأن ذلك لا ضرورة تقتضي فعله قبل الرجوع الى الحاكم ، أو عدول المؤمنين ، بل الأول أيضا كذلك ، فالمتجه ما عن المبسوط والحلبي من عدم جواز الانفراد مطلقا حتى في كسوة اليتيم ومأكوله امتثالا لنهي الموصى عنه.

نعم قد يتجه ذلك فيما تشتد الضرورة إليه ، على وجه لا يمكن الوصول الى الحاكم أو من يقوم مقامه ، فيتولاه حينئذ أحدهما أو غيرهما من العدول من باب الحسبة لا من حيث الوصاية ، ولعل الضابط ذلك ، وهو خارج عما نحن فيه من انفراد أحدهما من حيث الوصاية.

وكيف كان فلا ريب في أن ـ للحاكم الشرعي المعد لحسم أمثال ذلك جبرهما على الاجتماع مع الإمكان من غير استبدال ، لعدم ولاية له فيما فيه للميت وصي ، وعن الحلبي أنه يرد الحاكم إلى أعلمهما وأقومهما ، ويجعل الثاني تبعا له.

وأشكل بأن فيه تخصيصا لأحدهما بالنظر ، وقد منعه الموصى ، وقد يدفع بأن المراد الإجبار على الاجتماع الذي منه رد غير الأعلم إلى الأعلم ، ونحو ذلك مما مرجعه الى رد المرجوح في نظر الحاكم الى الراجح ، ولعله بذلك لا يكون منافاة بين القولين.

فان تعاسرا على وجه يتعذر جمعها جاز له الاستبدال بهما حذرا من الترجيح بلا مرجح ، وصونا لوصايا الميت عن التعطيل ، وحفظا للمال عن التلف ، ولبقاء‌

٤٠٩

المال بلا ولي بعد فرض تعذر الاجتماع الذي هو شرط ولايتهما فينتفى المشروط بانتفائه ، ويكون حينئذ وجودهما بمنزلة عدمهما.

وفي الدروس « وله عزل أحدهما والضم إليه ، وليس له جعله منفردا » وقال الحلبي « له جعله منفردا إذا كان أعلم وأقوى ، فيتبعه الباقون من الأوصياء » هذا ولكن في الروضة « كذا أطلق الأصحاب ، وهو يتم مع عدم اشتراط عدالة الوصي ، أما معه فلا ، لأنهما بتعاسرهما يفسقان ، لوجوب المبادرة إلى إنفاذ الوصية مع الإمكان فيخرجان بالفسق عن الوصاية ، ويستبدل بهما الحاكم ، فلا يتصور إجبارهما على هذا التقدير ، وكذا لو لم نشترطها ، وكانا عدلين ، لبطلانها بالفسق حينئذ على المشهور نعم لو لم نشترطها ، ولا كانا عدلين أمكن إجبارهما مع التشاح ».

وفيه أن تشاحهما إذا كان مستندا الى اعتقاد رجحان ما رأياه بحسب المصلحة لا التشهي والمعائدة لا يقتضي الفسق. لكن يرد حينئذ أن جواز جبر الحاكم لهما على الاجتماع محل نظر ، فاشتراط العدالة لا يتم مع التعاسر الذي كان للحاكم معه إجبارهما ، وقد يدفع كما في بعض حواشي الروضة ـ بأنه لا مانع من التزام جواز جبر الحاكم لهما بما هو الأصلح عنده في نظره ، ومع التساوي يتخير ، وهذا لا ينافي عدالتهما وفيه أن جبر الحاكم لا يكون إلا مع امتناع المخالف على ما يجب عليه ، ومع فرض عدالتهما وكون تكليفهما الرجوع الى الأصلح في نظر الحاكم لا امتناع منهما ، فلا جبر ، فالأولى إبدال الجبر بأمر الحاكم لهما بما هو تكليفهما في التعاسر المفروض ، كما أن الأولى التصريح بالتفصيل على القول باشتراط العدالة ، بأن التشاح إن كان لاختلاف النظر لم يلزم فسقهما ، وإن كان يوجب الاختلال بالواجب مع إمكان الاجتماع يلزم فسقهما إن إصرا على ذلك ، إذا لم يثبت كونه من الكبائر ، ولعله مراد من أطلق ممن اشتراطها من الأصحاب.

وعلى كل حال فـ ( لو أراد قسمة المال بينهما حيث يجب عليهما الاجتماع لم يجز بلا خلاف ولا إشكال ، لأنه خلاف مقتضى الوصية من الاجتماع في التصرف ولو مرض أحدهما أو عجز على وجه لا يقوى على القيام بتمام ما أوصى‌

٤١٠

إليه ، ولو بالتوكيل والاستيجار ضم إليه الحاكم من يقويه ويعينه على ما كلف به على حسب ما تسمعه في شرح قوله « ولو ظهر من الوصي عجز » الى آخره.

وفي الدروس : إطلاق كون الضم الى الآخر بالعجز ، لا إلى العاجز ، بل عن الكفاية أن ذلك هو الأشهر ، وتظهر الثمرة في وجوب قيام ثلاثة على التصرف في الوصية على الأول ، واثنين على الثاني ، وفي المسالك « إمكان حمل كلامه على العجز بالكلية لا في الجملة ، وهو جيد ، وإلا لأشكل بأن العجز في الجملة لا يخرج الوصي عن الوصاية ، لجواز الوصية إلى العاجز كذلك ابتدأ.

بل عن التذكرة وجامع المقاصد الإجماع عليه ، فكذا في الاستدامة بل أولى من الابتداء بذلك كما هو واضح.

أما لو مات أو فسخ مثلا على وجه ينعزل عن الوصاية لم يضم الحاكم الى الآخر ، وجاز له الانفراد كما عن الأكثر على ما في محكي الشرائع للصيمري والكفاية لأنه لا ولاية للحاكم مع وجود وصي وشرطية الشركة ـ التي مقتضاها انتفاء المشروط بانتفائها ، فتنتقل الولاية إلى الحاكم ـ مقيدة بحسب العرف والعادة ببقاء كل منهما على قابلية الوصاية ، فكأنه قال : كل وصى على الاشتراك بشرط بقاء كل منهما عي قابلية الوصاية ، ولكن مع ذلك فيه تردد مما سمعت ومن أن ظاهر الشرطية عدم رضى الموصى برأي أحدهما منفردا ، والوصي إنما هما معا ، لا أحدهما منفردا ، فلا بد أن ينضم إليه أمين ، ومن هنا كان ذلك خيرة الفاضل في قواعده ومحكي إرشاده وتحريره والشهيدين ، وفاضل الرياض ، بل هو المحكي عن فخر الدين وجماعة.

إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه ، بعد ما عرفت من تقييد الاشتراط بذلك ، وإلا كان مقتضى ما ذكروه انتفاء وصاية الآخر أيضا ، ضرورة كونها مشروطة بشرط ، والفرض انتفاؤه فيستقل الحاكم بالوصاية ، وبقاء أحدهما كعدمه حينئذ لعدم الاذن له في هذه الحال كما لو تشاحا.

٤١١

ومن ذلك يعلم الحال فيما فرعه في الرياض على الثانى بعد ان اختاره « من أنه هل للحاكم أن يفوض جميع الولاية الى الثاني منهما بدلا عن الضميمة ، تنزيلا له مقامها ، وجهان : من أن النظر قد صار للحاكم ، فيولي من اختاره ، ومن أن الموصى لم يرض برأي الآخر على الانفراد ، فليس للحاكم تفويض جميع الأمر إليه ، وإلا لزم التبديل المنهي عنه في الشريعة ، وهذا أجود ، بخلاف ما لو حصل لهما معا العجز أصلا ، فإن للحاكم أن ينصب من قبل الموصى ، ولم يرض برأيه منفردا كما مضى ، وهنا قد انقطع نظره لعجزهما وصار النظر إليه ، كملا ، فله نصب من شاء ولو واحدا ـ إذ لا يخفى عليك أن الموصى لم يرض برأي أحدهما إلا مجتمعا مع خصوص الآخر ، فإذا تعذر انتفت الوصاية من رأس ، واستقل الحاكم ، لا أنه يريد انضمامه إلى شخص آخر ، أى شخص يكون ، كي يقوم أمين الحاكم مقامه ، وهو واضح بأدنى تأمل.

ومنه يعلم قوة ما عن الأكثر على ما عرفت ، من تقييد الشرطية بحال الإمكان ، وإلا انفرد الآخر ، ولكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه ، ز والله هو العالم.

وعلى كل حال فـ ( لو شرط لهما الاجتماع والانفراد ) بمعنى أنه قد أذن له في كل منهما كان تصرف كل واحد منهما ماضيا ولو انفرد للاذن وكذا يجوز أن يقتسما المال ويتصرف كل واحد منهما فيما يصيبه وفيما في يد صاحبه كما يجوز انفراده قبل القسمة بلا خلاف ولا إشكال في شي‌ء من ذلك ، لكون الفرض شمول الاذن ، أما لو شرط لهما الانفراد ففي جواز الاجتماع حينئذ نظر ، من مخالفة الشرط ، فلا يصح ، ومن اقتضاء الاتفاق على الاجتماع صدوره عن رأي كل منهما ، وشرط الانفراد اقتضى الرضا برأي كل منهما ، وهو حاصل إن لم يكن هنا آكد ، فيكون شرط الانفراد رخصة لا تضييق.

وفي الرياض « وهذا ظاهر العبارة » والروضة « وهو حسن حيث تقوم قرينة على كون اشتراط الانفراد رخصة لا عزيمة ، ومع هذا لو حصل لهما حال الاجتماع نظر مخالف له حاله الانفراد ينبغي القطع بالمنع ، لجواز كون المصيب حالة الانفراد ، ولم يرض الموصى إلا به ».

٤١٢

قلت : كما أنه ينبغي القطع بمراعاة الانفراد ، وعدم التردد في الرأي مجتمعين مع اشتراط الانفراد الذي لم تقم قرينة على إرادة الرخصة منه ، فان ذلك بمنزلة ما لو نهاهما عن الاجتماع ، فإنه لا إشكال في أتباعه عملا بمقتضى الوصية المنهي عن تبديلها ، والله هو العالم.

وكيف كان فـ ( للموصى إليه أن يرد الوصية ) وإن كان قد قبلها ما دام الموصى حيا ، بشرط أن يبلغه الرد كم أن للموصى عزل الوصي بلا خلاف أجده في الثاني ، للأصل والمعتبرة المستفيضة (١) في جواز الرجوع في الوصية ، الشاملة إطلاقا في بعض وفحوى في آخر لمفروض المسألة.

بل وفي الأول من غير الصدوق في خصوص ما إذا كان الموصى أبا ، أو كان الأمر منحصرا فيه ، أى الموصى إليه ، فلم يجز الرد فيهما لمكاتبة علي بن الريان (٢) إلى أبي الحسن عليه‌السلام « رجل دعاه والده إلى قبول وصيته ، هل له أن يمتنع من قبول وصيته؟ فوقع عليه‌السلام ليس له أن يمتنع ».

ومفهوم‌ صحيح ابن يسار عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل يوصى اليه ، فقال : إذا بعث بها إليه من بلد ، فليس له ردها ، وإن كان في مصر يوجد فيه غيره فذاك إليه (٣) ».

ونحوه غيره ، وعن المختلف الميل إليه ، مؤيدا للأول بأن امتناع الولد نوع عقوق والثاني بأن من لا يوجد غيره يتعين عليه ، لأنه فرض كفاية إلى أن قال : وبالجملة أصحابنا لم ينصوا على ذلك فلا بأس بقوله.

وفي الرياض « وهو كذلك ان لم ينعقد الإجماع على خلافه ، ولا يمكن دعواه بإطلاق عبائر الأصحاب بجواز الرد مطلقا ، لعدم تبادر المقامين منه جدا ، ومنه يظهر الجواب عن إطلاقات النصوص بذلك أيضا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب أحكام الوصايا.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٢.

٤١٣

مضافا إلى وجوب حمل المطلق على المقيد ، حيث تضمن شرائط الحجية كما هنا.

قلت : لكن يعتبر فيه المقاومة ، ولا ريب في عدمها هنا لتعدد نصوص الإطلاق واتحاد خبر التقييد ، واعتضاد الأول بإطلاق الفتاوى الذي لا وجه لدعوى عدم شموله لذلك ، خصوصا بعد معلومية خلاف الصدوق عندهم ، فيمكن حينئذ دعوى كون الإطلاق كالصريح فيما يخالفه والعقوق مبني على أمر الوالد بذلك على وجه يؤذيه عدم القبول وعلى وجوب طاعة الولد في مثل ذلك ، وان كان هو الظاهر ، لإطلاق ما دل على وجوبها من الكتاب والسنة ، لكن محل البحث عدم قبول الوصية من حيث كونها كذلك لا ما إذا اشتملت مع ذلك على أمر بالقبول ، ويمكن حمل المكاتبة المزبورة على ذلك ، بل لعله الظاهر منها ، فتخرج حينئذ عن محل البحث.

ودعوى أن مجرد إيجاب الوصية طلب للقبول على وجه الحتم ممنوعة ، على أن مقتضى ذلك تعميم الحكم للآباء وإن علوا ، والأمهات وإن نزلن ، وهو خلاف ظاهر القائل.

ثم إن الولد لو رد حيث يأمره الوالد بالقبول يأثم ، ولا يكون وصيا؟ أو أن رده كلا رد وجهان : أقواهما الأول ، ودعوى كون قبول الوصاية من فروض الكفاية كي يتعين مع الانحصار واضحة المنع ، خصوصا بعد قيام الحاكم بأمثال هذه الأمور فالمتجه حينئذ جواز الرد مطلقا مع الشرط المزبور.

قال الصادق عليه‌السلام في خبر محمد بن مسلم (١) « إن أوصى رجل إلى رجل وهو غائب ، فليس له أن يرد وصيته ، وأن أوصى إليه وهو بالبلد ، فهو بالخيار إن شاء قبل وان شاء لم يقبل ».

وفي خبر منصور بن حازم (٢) « إذا أوصى الرجل إلى أخيره وهو غائب ، فليس له أن يرد عليه وصيته ، لأنه لو كان شاهدا فأبى أن يقبلها طلب غيره » إلى غير ذلك مما هو دال منطوقا أو مفهوما على جواز الرد.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٣.

٤١٤

نعم الظاهر أن المراد بالغيبة والحضور في النصوص : المزبورة الكناية عن بلوغ الرد إليه وهو حي ، للإجماع على مدخلية ذلك ، وللتعليل في خبر منصور مؤيدا ذلك كله بفتاوى الأصحاب.

وبالرضوى (١) « إذا أوصى رجل إلى رجل وهو شاهد ، فله أن يمتنع من قبول الوصية لازمة له ».

نعم في المسالك ، وكذا الرياض : هل يشترط مع بلوغ الموصى الرد ، إمكان إقامته وصيا غيره ، أم يكفي مطلقا بلوغه حيا؟ ظاهر الفتاوى الثاني ، ومقتضى التعليل الأول ، لأنه إذا لم يمكنه نصب وصى آخر يكون بمنزلة ما لو لم يعلم بالرد ، والأجود اعتبار الإمكان ، كما يرشد إليه‌ قوله عليه‌السلام (٢) « لو كان شاهدا » الى آخره ، فإن العلة المنصوصة تتعدى على الأقوى ولانتفاء الفائدة بدونه ، فعلى هذا لو كان حيا ولا يمكنه نصب أحد ولو بالإشارة لم يصح الرد ، ولو أمكن ولكن كان المنصوب غائبا بحيث يتوقف ثبوت وصايته على البينة ، ولم يحضر الموصى من يثبت به الوصاية ، ففي تنزيله منزلة عدم التمكن من الوصاية وجهان : من حصول أصل القدرة وتحقق الشرط ، ومن انتفاء فائدته باعتبار عدم ثبوته.

قلت : لكن قد يناقش بكون المنساق من التعليل إرادة بيان واقع ، فهو شبه الحكمة ، لا أن المراد من التعليل قصد دوران الحكم مداره ، ضرورة عدم لزوم طلب غيره ، إذ قد لا يريد وصية غير هذا الذي ردها ، فاستصحاب بقاء الرد بحالة حينئذ ، من غير فرق بين المتمكن وغيره من حيث البينة وغيرها ، والله العالم.

وعلى كل حال فـ ( لو مات ) الموصى قبل الرد أو بعده ولم يبلغه لم يكن للرد أثر ، وكانت الوصية لازمة للموصى بلا خلاف أجده فيه فيما لو كان قد قبلها قبل الرد ، بل في المسالك ومحكي المبسوط والخلاف والتذكرة الإجماع عليه بل وإن لم يكن قد قبلها على المشهور بين الأصحاب ، بل عن صريح الغنية ، وظاهر الدروس الإجماع عليه لما سمعته من النصوص السابقة.

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٥٢٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٣.

٤١٥

و‌خبر هشام بن سالم (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يوصى إلى رجل بوصية ، فيكره أن يقبلها ، فقال أبو عبد الله : لا يخذله على هذا الحال ».

وخبر الفضيل (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « في الرجل يوصى إليه قال : إذا بعث بها اليه من بلد فليس له ردها » إلى غير ذلك من النصوص المحمولة على التفصيل المزبور لما عرفت ، خلافا للفاضل في المختلف والتحرير فجوز الرد أيضا بعد أن اعترف بنسبة عدم الجواز إلى الأصحاب كافة ، ومال إليه في المسالك ، للأصل المانع من إثبات حق على الموصى إليه على وجه قهري ، وتسليط الموصى على إثبات وصيته على من شاء ، ولاستلزام ذلك الحرج العظيم ، والضرر الكثير في أكثر مواردها ، وهما منفيان بالآية (٣) والرواية (٤) ، ولعدم صراحة النصوص في الدلالة على المطلوب ، لاحتمال حملها على الاستصحاب : أو سبق القبول ، أو نحو ذلك مما لا بأس بحملها عليه ، بخلاف إثبات مثل هذا الحكم العظيم المخالف للأصول العقلية والشرعية بمثل ذلك.

وفيه أن ذلك كله كالاجتهاد في مقابلة النص ، ضرورة الخروج عن الأصل المزبور بالدليل من النص والإجماع وغيرهما ، والحرج والضرر مع فرض عدم إمكان تحملهما يسقط التكليف معهما ، كما عن التنقيح التصريح به ، وهو غير ما نحن فيه ، وإلا لم يكن بهما بأس بعد قيام الدليل ، وعدم الصراحة لو سلم لا ينفى أصل الاستدلال ، إذا أكثر الفقيه مبني على الظواهر ، والمحملان لو سلم إمكان الجمع لهما ، إنما يرتكبان بعد قوة المعارض وليست ، بل الأمر بالعكس كما عرفت.

ومما ذكرنا في الحرج والضرر ، يعلم ما في المسالك حيث أنه بعد أن مال إلى قول الفاضل قال : « ولو حصل للوصي ضرر ديني ، أو دنيوي ، أو مشقة لا يحتمل مثلها عادة ، أو لزم من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٤.

(٣) سورة الحج الآية ـ ٧٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الخيار.

٤١٦

تجملها ما لا يليق بحالة من شتم ونحوه ، قوى جواز الرجوع » وظاهره أنه كذلك على القولين ، إلا أن المتجه بناء على عدم جواز الرجوع الاقتصار في الضرورة على قدرها ، لا رد الوصية وفسخها كما ستعرفه في مسألة العجز وغيره من نظائر المسألة ، بل‌ في خبر إسماعيل قال (١) : « سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل حضره الموت فأوصى إلى ابنه وأخويه شهد الابن وصيته ، وغاب الاخوان فلما كان بعد أيام أبيا أن يقبلا الوصية ، مخالفة أن يتوثب عليهما ابنه ، ولم يقدرا أن يعملا بما ينبغي ، فضمن لهما ابن عم لهما ، وهو مطاع فيهم أن يكفيهما ابنه فدخلا بهذا الشرط فلم يكفهما ابنه ، وقد اشترطا عليه ابنه ، فقالا نحن برآء من الوصية ، ونحن في حل من ترك جميع الأشياء والخروج منه ، أيستقيم أن يخليا عما في أيديهما ويخرجا منه؟ فقال : هو لازم لك ، فارفق على أي الوجوه كان ، فإنك مأجور » ولعل ذلك يحل بابنه إيماء إليه ، بناء على أن الخطاب فيه لأحد الوصيين.

ثم إن الظاهر اعتبار اللفظ أو ما يقوم مقامه في إفادة إنشاء الرد ، فلا يكفي فيه مجرد عدم الرضا الباطني ، نحو ما سمعته في إجازة الفضولي ونحوها مع احتماله ، إلا أن الأول هو الأقوى. للأصل المقتصر في انقطاعه على المتيقن.

ومنه يعلم صحة الوصية لمن يعلم عدم رضاه بقبولها لو علم ، مع إخفائها إلى أن مات الموصى ، بل لو ردها على وجه يعلم منه استمراره على معنى الرد ، ثم أوجب الموصى بعد الإيجاب المردود ، ثم أخفاه إلى أن مات اتجه لزومها له ، لعدم العبرة بما في نفسه ، بل يمكن ذلك لو صدر منه ما يقتضي الرد مع عدم علمه بالإيجاب ، لكن يقوى في النظر خلافه ، والله العالم. فتأمل جيدا ، بأني لم أجد تحريرا لذلك في كلماتهم.

ولو ظهر من الوصي عجز عن الاستقلال بإنفاذ الوصية أو هرم أو غير ذلك من موانع الاستقلال ، ولو على جهة التوكيل والاستيجار ضم إليه مساعد ، ولا ينعزل بذلك ، بلا خلاف أجده فيه بل عن التذكرة وجامع المقاصد الإجماع عليه ، بل الظاهر جواز‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٦.

٤١٧

الوصاية للعاجز ابتداء كما عن التذكرة نسبته إلى أصحابنا ، وفي القواعد وإن ذكر كفاية الوصي واهتدائه إلى ما فوض إليه في شرائطه ، لكنه صرح بإرادة شرطية ذلك في الاستقلال دون أصل الوصية ، وكذا شارحه الكركي.

نعم في الدروس سابعها : أي الشرائط كفاية الوصي ، فلو أوصى إلى هرم يعجز عن التصرف أو إلى مريض مدنف أو إلى سفيه ، ففي بطلانها من رأس ، أو صحتها ويضم إليه الحاكم مقوما نظر ، ينشأ من وجوب العمل بقوله ما أمكن ، ومن عدم الفائدة المقصودة بالوصية ـ لكن قال : ـ ولو عرض العجز في الأثناء ضم الحاكم إليه قطعا ، ولا ينعزل ».

وفيه أن عدم انعزاله بالتجدد ، يقتضي مانعيته في الابتداء ، وأنه يمكن أن يكون العاجز ذا رأي وتدبير ، ولكنه عاجز عن الاستقلال ، فيفوض إليه الموصى أمره لذلك ، ويعتمد في تمام الفعل على نصب الحاكم له معينا لتحصل الفائدة المطلوبة من الوصية ، ويسلم من تبديلها المنهي عنه ، بل قد يفرض غير ذلك من الأغراض والفوائد على وصايته ـ وان كان عاجزا ـ نظرا وتدبيرا فضلا عن عجز المباشرة بنفسه أو بغيره ، وبالجملة عمومات الوصاية وإطلاقاتها تقتضي جواز الوصاية لمثل ذلك ، والأغراض الباعثة عليه كثيرة ، ولا يحتاج إلى تقسيم العجز إلى أقسام ، وكثرة الكلام في تشقيقه على وجه لا فائدة فيه.

انما البحث في أن هذا الضم باعتبار قصور ولايته ، فتكون الولاية التامة مشتركة بينه وبين الحاكم الذي تكون له الولاية خاصة ، بعد فقد الوصي ، أو أن الولاية بتمامها للوصي ، ولكن بضم إليه مساعدا على ما كلف به ، وجهان بل قد يقوى في النظر الثاني لعدم معهودية شركة الحاكم وغيره في الولاية ، بل حال الوصي حال الأب العاجز مثلا ، فان الظاهر عدم شركة الحاكم له ، وان ضم إليه مساعد أيضا ، بل إن لم يقم إجماع على اعتبار الضم من الحاكم ، أمكن القول بوجوبه كفاية على الناس ، للأمر بالمعاونة على البر والتقوى وغيره مما دل على ذلك ، ويكون ذلك هو النكتة في بناء الضم للمجهول في المتن لا ما في المسالك من أنه اتكالا على المعلوم من قيام الحاكم بهذه الوظائف ، ولبيان أنه مع التمكن من الحاكم يقوم عدول المؤمنين مقامه في هذا الضم ، كما يقومون مقامه في غيره من ولاياته.

٤١٨

ومما ذكرنا يعلم أن الوجه مع زوال العجز يستقل الوصي ، وليس للمساعد مشاركته قهرا ، وإن قال في جامع المقاصد : « ان في ذلك وجهين » كما أنه علم مما ذكرنا حال العجز ابتداء ، وفي الأثناء ، بل لعل قول المصنف « ولو ظهر » ظاهر في الأول ويمكن شموله لهما معا ، وكذا علم حال العجز عن النظر والتدبير ، أو عن المباشرة وعن التوكيل والاستيجار وعدمه ، فتأمل جيدا ، فان ذلك كله غير محرر في كلماتهم والله العالم.

وكيف كان فـ ( إن ظهر منه ) : أي الوصي خيانة في وصيته وجب على الحاكم عزله ، وقيم مكانه أمينا بل في المسالك « إنما يتوقف على عزل الحاكم لو لم نشترط عدالته ، فللحاكم حينئذ أن يعزل الخائن ، مراعاة لحق الأطفال وأموال الصدقات ونحوهما ، أما إذا اشترطنا عدالته ، فإنه ينعزل بنفس الفسق ، وإن لم يعزله الحاكم ، وقد تقدم مثله ، ولعلم المصنف يريد بعزل الحاكم منعه من التصرف ، أو ما هو أعم منه ، ومن مباشرة عزله ، فيجري على المذهبين إذ لم يتقدم منه ترجيح لأحد المذهبين » انتهى ، وظاهره أن الخيانة في الوصية غير باقي أسباب الفسق فإن الحاكم يعزله ، وان لم يشترط العدالة في الوصي ولعله وجهه ما سمعته سابقا في أول الشرائط من خبر الدعائم (١) ، وأن ظاهر حال الموصى ملاحظة أمانته في تنفيذ وصاياه ، فمع فرض خيانته في ذلك لا ولاية له من الموصى ، فهو كما لو أوصى إلى عدل من حيث عدالته ففسق ، فإنه لا وصاية له ، وان لم نقل باشتراط العدالة ، لكن قد يشكل ذلك فيما إذا علم الموصى بحاله ، ومع ذلك قد أوصاه فيما له الوصاية عليه وإن كان خائنا ، ويشكل أيضا في اقتضاء ذلك انعزاله حتى فيما لم نحن فيه ، فيضمن حينئذ كل وصية أنفذها على وجهها ، بعد الخيانة ، بل قد يشكل أصل عزله بذلك ، بل أقصاه منع الحاكم له في استقلاله بالتصرف ، بل يجعل عليه ناظرا منفذا للوصايا معه على وجهها ، اللهم إلا أن يفهم من الموصى اشتراط وصايته بأمانته ، وأنه متى خان لم يكن وصايا ، وحينئذ يتجه منع الحاكم له ، ولا يحتاج إلى عزل ، وكذا الوكيل ، ولعل التمسك بأصالة بقاء حكم الوصي عليه هو المتجه ، فإنه كالوكيل في المعنى ، بل هو أقوى ولاية ، ولم يثبت ما يقتضي انعزال الوكيل بمجرد خيانته حتى لو جاء بباقي ما وكل فيه على وجهه ، فضلا عن الوصي وخبر الدعائم (٢) يمكن إرادة زوال الاستقرار بالتصرف فيه بالنسبة‌

__________________

( ١ـ٢) المستدرك ج ٢ ص ٥٢٨.

٤١٩

إلى الخيانة فالمتجه حينئذ عدم بطلان وصايته ، وأولى منه بذلك المجتهد الأب والجد الذين ولايتهم من الشارع ، فلا ترتفع بذلك ونحوه ، وإن منعوا من التصرف مستقلين حتى يتوبوا ، فإن تابوا رجعوا إلى حالهم الأول ، ولعل الوصي كذلك أيضا.

نعم لو قلنا بانفساخ إيجاب الوصية بذلك ، كما المتجه عدم عودها ، لعدم المقتضي ، إلا أن يفهم من الموصى ذلك ، وهو خارج عما نحن فيه فتأمل جيدا ، والله العالم.

وكيف كان فـ ( الوصي أمين ) بلا خلاف أجده فيه ، بل في جامع المقاصد نفيه بين أهل الإسلام ولا إشكال ، ضرورة كون استيلاء يده على ما أوصى عليه بإذن مالكية وشرعية ، فلا يكون إلا أمينا وحينئذ فـ ( لا يضمن ما يتلف في يده إلا ما كان عن مخالفته لشرط الوصية أو تفريط ) كما هو الحال في كل أمين ، وإطلاق بعض النصوص بضمانه محمول على ذلك ، ومنه ما استفاضت النصوص بتبديله الوصية ، كالصحيح (١) « عن رجل أوصى إلى رجل وأمر أن يعتق عنه نسمة بستمائة درهم من ثلثه ، فانطلق الوصي وأعطى الستمائة درهم رجلا يحج بها عنه؟ فقال عليه‌السلام : أرى أن يغرم الوصي من ماله ستمائة درهم ويجعل الستمائة درهم فيما أوصى به الموصى » وربما كان فيه إيماء إلى عدم انعزال الوصي بالخيانة ، اللهم إلا أن يكون ذلك ليس منها ، بل هو شي‌ء قد فعله الوصي بجهله ، بتخيل أنه أنفع للميت ، ولكن حيث كان تبديلا للوصية لم يمض ، ووجب عليه الضمان ، وكأن المصنف أراد بمخالفة شرط الوصية ما يشمل التعدي كما اعترف به في المسالك قال : « فإنه إذا لبس الثوب مثلا فقد خالف شرط الوصية ، لأن مقتضاها حفظ مال الطفل ، أو بيعه وصرفه في الجهة المأمور بها ونحو ذلك ، فاستعماله لا يدخل في شرط الوصية ، ومثل ذلك ركب الدابة وغيره ذلك ، هذا إذا لم يتعلق به غرض يعود على ماله من الولاية ، بحيث لا يتم بدونه كما لو ركب الدابة لقضاء حوائج الطفل واستيفاء دينه حيث يتوقف على الركوب ، أو دخل داره لإصلاح أمره ، أو لبس الثوب ليدفع عنه الدود ، ونحو ذلك » انتهى ، والظاهر أنه من التفريط ، التكاسل في أمر الوصية والتهاون. والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١.

٤٢٠