الفوائد الأصوليّة

الشيخ مرتضى الأنصاري

الفوائد الأصوليّة

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: حسن المراغي « غفارپور »
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: شمس تبريزي
المطبعة: ايران يكتا
الطبعة: ١
ISBN: 969-94215-0-5
الصفحات: ٧٧٠

والمعنى الاوّل اخذناه من حاقّ العبارة وبقرينة صدور هذا القول من متكلمى الاصحاب قبال الاشاعرة القائلين : ب «جواز التكليف بما لا يطاق» مستدلين بانّ افعال العباد حين الوجود يخرج بالاخرة عن صفة الاختيار وتتّصف بالاضطرار والامتناع الّذي لا شبهة فى كون التكليف بها تكليفا بالمحال وبما لا يطاق. (١)

ودعوى : انّ التكاليف الالهية كواشف عن المصالح والمفاسد النفس الامرية ولا استحالة فى تعلقها ـ بهذا المعنى ـ بالممتنعات العرضية لحصول الغرض من التكليف حينئذ وهو الكشف ـ كما عن سلطان العلماء ـ مدفوعة :

اولا ـ بالممتنعات الذاتية.

وثانيا ـ بانّ قصر التكاليف فى مجرّد الكشف لا يكاد ينطبق على شيء من الآثار وكلمات الاخيار فانّهما بمشاركة [...](٢) قاضيان باشتمال التكاليف الالهية على الطلب والارادة نحو ما فى الاوامر العرفية ، وانّها ليست كاوامر الطبيب فى مجرد الكشف والتجرد عن الطلب والارادة.

وكيف كان فهذا تحقيقه يطلب فى مقام آخر والمقصود فى المقام هو الاشارة الى وضوح فساد القول بجواز التكليف بما لا يطاق التكليف الحقيقى مطلقا ، ولعل المستدلّ ـ وهو الفاضل القمى ـ لا يريد بذلك التكليف الحقيقى بل انّما يريد به معنى آخر قريب من قول المشهور بارتفاع الخطاب و

__________________

(١) ـ راجع : البحر المحيط : للزركشى ج ١ ص ٣٨٦ وبعدها.

(٢) ـ الكلمة الموجودة هنا لا تسهل قراءته.

٣٢١

بقاء العقاب كما يرشد اليه ما ذكره فى آخر المسألة : (١)

وقد يورد عليه ايضا بانّ النسبة بين الدليلين هى العموم والخصوص المطلقين ، لان الغصب له افراد أخر غير الخروج بخلاف التخلّص فانه منحصر فى ذلك ، فيكون «لا تغصب» اعم من الامر بالتخلّص.

وقضية ما اتّفق عليه المانعون والمجوزون لاجتماع الامر والنهى من تخصيص العام بالخاص عرفا اذا كان احدهما عاما والآخر خاصا تخصيص النهى هنا بالامر ، فيكون الخروج واجبا خاصة.

واجاب عنه الفاضل القمى بما حاصله : انّ التخلّص وان كان فرده المامور به فى الخارج منحصرا فى الخروج ، الّا انّه بحسب المفهوم والماهيّة اعم من ذلك فيكون الامر بالتخلص ايضا اعم من النهى عن الغصب لتناوله بحسب المفهوم لغير الخروج الذى هو مادة الاجتماع وان كان غير متناول له بحسب المصداق ، لانّ المناط فى ملاحظة النسبة بين الادلة المعارضة هو احد النسبة بين عنوانى الدليلين مع قطع النظر عن المصاديق ، فاذا كان النسبة بين العنوانين هو العموم من وجه عومل معها معاملة العامين من وجه ، وان كان احدهما بحسب المصداق والمفرد اخص من الآخر.

واعترض بعض من تأخّر عنه ـ كصاحب الاشارات (٢) وبعض من تأخّر عنه : بانّ ذلك خلاف طريقة الاصحاب والعرف ، فانّهم لا يتوقفون فى اجراء حكم الخاص على ما كان افراده النفس الامرية منحصرة فى الفرد امّا بحسب

__________________

(١) ـ القوانين المحكمة : ابو القاسم القمى ـ صص ١٥١ و ١٥٢ الطبعة الحجرية ـ ١٣١٨.

(٢) ـ انظر : مطارح الانظار : ص ١٥٤

٣٢٢

العقل او بحسب العادة ، بل لا يعدّ مثله عاما لعدم الاستغراق على انّ انحصار الافراد فى واحد بعينه يعين كون مراد المتكلم بالعام هو ذلك الفرد ، فلا وجه لمعاملة العموم معه فى باب التعارض.

وقد يذبّ عن هذا الاعتراض بما سبق اليه الاشارة فى بعض مقدّمات المسألة عند بيان الفرق بينها وبين مسئلة النهى فى العبادات وحاصله : انّ المناط فى اخذ النسبة بين الدليلين فى باب التعارض وان كان هو ملاحظة العنوانين بحسب المصداق ، الّا ان المتعارضين الّذين احدهما اخصّ من الآخر بحسب المصداق ربما يكون البحث عنهما شغل هذه المسألة لا مسئلة النهى فى العبادة وذلك حيثما يكون عنوان الخاص مغايرا لعنوان العام كقوله : «صلّ ولا تغصب فى الصلاة».

فانّك قد عرفت فيما تقدّم انّ موضوع البحث فى هذه المسألة ما اذا كان عنوان الدليلين مختلفا بحسب المفهوم سواء كان النسبة بينهما عموما من وجه كقوله : «صلّ ولا تغصب فى الصلاة» او عموما مطلقا كالمثال المزبور.

وانّ موضوع البحث فى المسألة الآتية التى اتّفقوا على وجوب التخصيص فيهما ما اذا كان العنوانان متحدين ولو كان النسبة عموما من وجه مثل قوله : «اسجد لله ولا تسجد للشمس» اذا فرض امكان اجتماعهما فى بعض المصاديق ، وحينئذ فنحو قوله : «لا تغصب وتخلّص عن الغصب» لا بدّ ان يكون مندرجا تحت هذه المسألة فيجرى فيه حكمها.

وان كان النسبة بينهما العموم والخصوص المطلقين فمراده (ره) ملاحظة النسبة بين العنوانين من دون النظر الى المصاديق ليس انّ الدليل اذا

٣٢٣

كان بحسب المصداق اخص وبحسب المفهوم اعم معدودا فى العامّين من وجهين ، بل انما اراد انّه مع كونه اخص بحسب العرف قد يجرى فيه حكم العامّين الّذين يبحث عن جواز اجتماعهما وعدمه في هذه المسألة.

ولعمرى ان هذه فائدة جليلة مستورة عن كثير من الانظار لم يسبقه اليها غيره ، فلا وجه للاعتراض عليه بزعم انّه اراد درج العام المنحصر فى الفرد فى العام فى باب التعارض.

نعم بعض عباراته قاصر عن افادة ما وجهنا به كلامه الشريف موهم بخلاف المدعى ولكن الامر فيه سهل بعد التأمل فى اطراف الكلام.

ثم ان نسبة هذا القول الى ظاهر الفقهاء لا يخلو من منع لانّهم مصرّحون بصحة صلاته زمن الخروج اذا لم تفتقر الى زيادة تصرف عليه بالسجود ونحوه ، كما فى حال الضيق وهذا لو لم يكن ظاهرا فى عدم التحريم فلا ريب فى كونه اوفق بذلك من القول بالتحريم كما عرفت آنفا.

وهذا صاحب المدارك قد صرح بعدم كون الخروج معصية وانّ القول بجريان حكم المعصية فيه غلط صدر من بعض الاصوليين.

٣٢٤

حجة القول : بانّه منهى عنه وليس بمأمور به

انّ الخروج تصرّف فى ارض الغير وفرد من افراد الغصب قابل لتعلّق النهى به فى ضمن النهى عن مطلق الغصب ، فيكون منهيا عنه نحو غيره من افراد الغصب وامّا عدم كونه مامورا به فلان الواجب المامور به عقلا وشرعا هو عدم التصرف فى ملك الغير بغير اذنه والخروج ليس منه ، وانّما هو مقدّمة لعدم التصرّف فى الزمن المتأخر عن زمن الخروج والمقدمة ليست بواجبة.

وهذه الحجّة لم اجد تصريحا بها فى شيء من الكلمات ، كما لم اجد مصرحا بعدم وجوب الخروج غير ان صاحب الاشارات لما اختار هذا القول وقال : الحق انه لا امر بالخروج بل الواجب عليه عدم التصرف فى ملك الغير بغير اذنه والخروج هنا مقدمة له وليس واجبا.

استظهرنا من كلامه هذا وجوابه : انّ النهى عن المقدمة المنحصرة مع بقاء الواجب بصفة الوجوب تكليف بما لا يطاق ، فان اراد انّ الخروج واجد للنهى الفعلى مع بقاء عدم التصرف فى مال الغير على صفة الوجوب فهذا تكليف بالمحال ، لانحصار مقدمته فى الخروج المفروض تعلق النهى به فعلا ، وان كان يدّعى انّ عدم التّصرف قد خرج عن صفة الوجوب بعد الدخول فى ارض الغير ، فهذا واضح البطلان لانّ امتثال النهى المتعلق بالتصرف المتأخر عن مقدار زمان الخروج ممكن ولا وجه لمنع تعلّق النهى به حينئذ ، وان اراد انّ الخروج واجد للنهى السابق وان كان فاقدا له فعلا ، فهذا جوابه يظهر مما نذكره فى ابطال حجة من زعم كونه منهيا عنه قبل الدخول ، هذا مضافا الى ان

٣٢٥

جعل الخروج مقدمة لعدم التصرّف لا يخلو عن اشكال بل منع لان الخروج تخلية لمال الغير وتفريغ للنفس عنه ، فيكون فردا من المامور به اعنى عدم التصرف فتأمل.

٣٢٦

حجّة من قال بانّه مامور به مع كونه معصية بالنظر الى النهى السابق

وهو صاحب «الفصول» زاعما انّه مذهب الفخر الرازى (١) «انّ المقدار من الزمان الّذى لا يتمكّن من الخروج فيما دونه لا يتمكن من ترك الغصب فيه مطلقا ، فلا يصح تعلّق النهى به فعلا اذ التكليف بالمحال محال عندنا ، وان كان ناشئا من قبل المكلف ولكنه يجرى عليه حكم المعصية فى تلك المدّة على تقدير الخروج بالنسبة الى النهى السابق على وقوع السبب ، اعنى الدخول لتمكنه من الامتثال لهذا النهى بترك الدخول رأسا ...».

قال : «وهذا حكم كلى يجرى فى جميع ذوات الاسباب الّتى لا تقارن حصولها حصول اسبابها كالقتل المستند الى الالقاء من الشاهق ومثله ترك الحج عند الاتيان بما يوجب ترك المسير وغير ذلك فانّ التحقيق فى مثل ذلك انّ التكليف الفعلى يرتفع بارتفاع تمكّن المكلّف منها ويبقى حكم المعصية من استحقاق الذمّ والعقاب جاريا عليه وكذا الكلام فى الامر فان التكليف بالمامور به يرتفع عند الاتيان بالسبب الموجب له ويبقى حكم الامتثال والطاعة من استحقاق المدح والثواب جاريا عليه حال حصوله».

وقال فى توضيح هذا المرام فى آخر المسألة تخلصا عن اجتماع الطاعة

__________________

(١) ـ المحصول : ٢ / ٢٨٥ ، فخر الدين الرازى ـ بيروت

٣٢٧

والعصيان فى شيء واحد ما حاصله : «انّ ترك الغصب بجميع انحائه دخولا وخروجا وبقاء مطلوب مراد من المكلف بإرادات فعلية مشروطا بقائها ببقاء التمكن منه وحيث انّه قبل الدخول كان متمكّنا من ترك جميع انحاء الغصب دخولا وخروجا وبقاء كان ترك الجميع مرادا منه قبل الدخول فاذا دخل فيه ارتفع تمكّنه من الجميع مقدار ما يتوقّف عليه التخلّص من الزمان وهو مقدار الخروج فيمتنع بقاء ارادة تركه حينئذ وقضية ذلك جواز اتّصاف الخروج بالوجوب بخلوّه عن المنافى فيكون الخروج بالقياس الى ما قبل الدخول وما بعده حكمان متضادان احدهما مطلق وهو النهى والآخر مشروط بالدخول وهو الامر وهما غير مجتمعين فيه ليلزم الجمع بين الضدين بل يتصف بكل فى زمان ويلحقه حكمهما من استحقاق الثواب والعقاب باعتبار الحالتين انتهى خلاصة كلامه». (١)

__________________

(١) ـ كما ذكر الشيخ الاعظم (ره) اورد خلاصة كلام صاحب الفصول ـ لا لفظه ـ مع حذف وتغيير فيه وهذا يخلّ فى مقصود كل مصنّف وإذ قام قدس‌سره بنقد قوله وتزييفه ومستنده فى هذا العمل ملخص الكلام رجّحنا ايراد منقول الشيخ فى المتن بلفظه دون تصحيح وتصرّف ، اما لفظ الفصول فيما يرتبط بمنقول الشيخ هو هكذا فى الاصل :

«... والحق انّه مامور بالخروج مطلقا او بقصد التخلص وليس منهيا عنه حال كونه مامورا به لكنّه عاص به بالنظر الى النهى السابق وكان ما عزى الى الفخر الرازى من القول بانه مامور بالخروج وحكم المعصية جار عليه راجع الى ما ذكرناه لنا ـ ان المكلف فى الزمن الذى لا يتمكن من الخروج فيما دونه لا يتمكن من ترك الغصب فيه مطلقا فلا يصح النهى عنه مطلقا اذ التكليف بالمحال محال عندنا وان كان ناشئا من قبل المكلف للقطع بكونه سفها. نعم ربما يجوز ان يؤمر به حينئذ على وجه التعجيز والسخرية لكنه

٣٢٨

__________________

خارج عن المتنازع فاذن لا بدّ من ارتفاع النهى عن الغصب فى تلك المدّة على بعض الوجوه وليس إلا صورة الخروج اذ لا قائل بغيره ولدلالة العقل على انه مامور بالخروج وهو يقتضى عدم النهى عنه وإلّا لعاد المحذور من التكليف المحال والتكليف بالمحال. نعم يجرى عليه حكم المعصية فى تلك المدّة على تقدير الخروج بالنسبة الى النهى السابق على وقوع السبب اعنى : الدخول لتمكّنه منه حينئذ وهذا حكم كلى يجرى فى جميع ذوات الاسباب الّتى لا تقارن حصولها حصول الاسباب اسبابها كالقتل المستند الى الالقاء من الشاهق ومثله ترك الحج عند الاتيان بما يوجبه من ترك المسير وغير ذلك فان التحقيق فى مثل ذلك ان التكليف بالفعل يرتفع عند ارتفاع تمكن المكلف منهما ويبقى حكم المعصية من استحقاق الذم والعقاب جاريا عليه. وكذا الكلام فى الامر فان التكليف بالمامور به يرتفع عند الاتيان بالسبب الموجب له ويبقى حكم الامتثال والطاعة من استحقاق المدح والثواب جاريا عليه حال حصوله ... وقد بيّنا ان زمن الامر غير زمن النهى وتوضيح المقام ان ترك الغصب مراد من المكلف بجميع انحائه الّتى يتمكن من تركه ارادة فعليّة مشروطا بقائها ببقاء تمكّنه منه وحيث انّه قبل الدخول يتمكن من ترك الغصب بجميع انحائه دخولا وخروجا فترك الجميع مراد منه قبل دخوله فاذا دخل فيه ارتفع تمكّنه من تركه بجميع انحائه مقدار ما يتوقّف التخلص عليه وهو مقدار خروجه مثلا فيمتنع بقاء ارادة تركه كذلك وقضية ذلك ان لا يكون بعض انحاء تركه حينئذ مطلوبا فيصح ان يتصف بالوجوب لخلوّه عن المنافى ، والعقل والنقل قد تعاضدا على ان ليس ذلك الّا التصرف بالخروج فيكون للخروج بالقياس الى ما قبل الدخول وما بعده حكمان متضادان احدهما : مطلق وهو النهى عن الخروج ، والآخر مشروط بالدخول وهو الامر وهما غير مجتمعين فيه ليلزم الجمع بين الضدين بل يتّصف بكل فى زمان ويلحق حكمهما من استحقاق العقاب والثواب باعتبار الحالتين ولو كانت مبغوضيته شيء فى زمان مضادّة لمطلوبيته فى زمان آخر لامتنع البقاء فى حقّنا مع وضوح جوازه وانما لا يترّتب هنا اثر الاول لرفع البداء له بخلاف المقام ولا يشكل بانتفاء الموصوف فى الزمن السابق لوجوده فى علم العالم

٣٢٩

ونحن نقول : انّ ما ذكره فى اثبات تعلّق الامر بالخروج كلام جيّد لا غائلة فيه كما ذكرناه اوّلا ، وامّا قوله «بانه منهى عنه بالنهى السابق على الدخول» فلا ارى له وجها صحيحا يعتمد عليه ، لانّ ذات الخروج وان كان غصبا قبيحا الّا انّ وجوده الخارجى ملزوم لحيثية يمتنع مفارقتها عن الوجوب وهى كونه تخلّصا عن الغصب ودافعا للاقبح.

وهذا حكم كلى جار فى كل ما يدور الامر فيه بين القبح والاقبح كالكذب وهلاك النبى ، فانّ التحقيق انّ القبح الّذى يدفع به الاقبح لا يتّصف الّا بالوجوب وان كان فى حد ذاته مع قطع النظر عن وصف الدافعية لا تتّصف الّا بالحرمة ، وحينئذ فامّا ان يلاحظ حيثية كونه مخلّصا عن الغصب ودافعا للاقبح فيحكم بالوجوب او يلاحظ جهة ذاته وحيثية كونه غصبا ، فيحكم بالحرمة ضرورة استحالة اتّصافه بالحكمين معا ، وحيث انّ العقل والنقل قد تعاضدا على اعتبار حيثية التخلص وحكما فيه بالوجوب ، امتنع اتّصافه بالحرمة ايضا.

وامّا ما قال : «من التفكيك بين الامر والنهى بحسب الزمان ، وتخصيص الاوّل بما بعد الدخول ، والثانى بما قبله احترازا عن اجتماع الضدين وكونه تكليفا بالمحال» ، فبعيد عن التحقيق جدّا ولا ينفع بحاله ابدا لانّ اختلاف

__________________

ولو بوجهه الذى هو نفسه بوجه ولو لا ذلك لامتنع تحقّق الطلب الا مع تحقق المطلوب فى الخارج وهو محال ...» ـ الفصول الغروية : ص ١٤٠

امّا فى مذهب فخر الدين الرازى انظر : المحصول : ٢ / ٢٨٥ وبعدها وشرحيه : الكاشف عن المحصول : ٤ / ١٥٠ وبعدها لابى عبد الله محمد الاصفهانى

نفائس الاصول : ٣ / ١٧٤٣ وبعدها للقرافى

٣٣٠

الزمان انّما يجدى فى رفع التناقض والتضاد ، اذا كان طرفا للفعل مثل قيام زيد فى يوم الجمعة وقيامه فى يوم السبت ، وامّا اذا كان طرف زمان الفعل واحدا فلا يختلف حكمه باختلاف زمان التصور والطلب.

ومن الواضح ان زمان الخروج متاخر عن زمان الدخول ومتّحد فى جميع الحالات فلا يتحمل فى طرف وجوده من الزمان حكمين مختلفين ، سواء تصور الحكم قبل الدخول او بعده ، لانّ اختلاف ازمنة التصور والارادة لا يقتضى اختلاف الفعل فى الحكم ، اذا كان له فى الواقع زمان معيّن لا يتقدّم عليه ولا يتأخّر عنه.

فمتى تصوّره الامر قبل الدخول فامّا ان ينقدح فى نفسه ارادة وجوده او ينقدح فيها ارادة عدمه.

والتوضيح هو انّ التصرّف العدوانى فى ارض الغير ينقسم باعتبار الدخول والخروج والبقاء الى ثلاثة اقسام لا اشكال فى ان الدخول والبقاء مطلوب تركهما من المكلف فى جميع الاوقات والازمنة ، وامّا الخروج الذى هو عبارة عن التصرف المترتّب عليه رفع الظلم والعدوان ، فليس حاله الّا كحال شرب الخمر الّذى يترتّب عليه نجاة النفس المحترمة فى الاتّصاف بالوجوب خاصة فى جميع الاوقات والازمنة.

ومن هنا ظهر ما فى قوله : «انّ ترك جميع انحاء الغصب مراد من المكلف قبل الدخول من المنع» كما ظهر ما فى قوله : «انّه قبل الدخول يتمكن من ترك الجميع حتى الخروج من الفساد» لانّه اذا لم يدخل فى ارض الغير كيف يتمكن من ترك الخروج ، الموقوف على الدخول فان من ترك

٣٣١

التصرف الخروجى بترك الدخول رأسا فليس هو تاركا للخروج بل انّما هو تارك للدخول أترى ان من لم يقع فى مهلكة وترك شرب الخمر يصدق عليه انّه ترك شرب الخمر فى المهلكة ولعلّ هذا مغالطة بين السالبة بانتفاء الموضوع وبين السالبة بانتفاء المحمول وشبيه بالشبهة المعروفة بالخمرية.

نعم هنا كلام آخر به يتمّ نسبة ارادة ترك الخروج قبل الدخول الى الامر ولكنه لا يفيد تعلق النهى بما تعلّق به الامر ، وهو انّه قبل الدخول فى ارض الغير مامور بترك الدخول حتما وكذا مامور بترك البقاء على تقدير الدخول ، وامّا الخروج فليس مامورا بتركه لا قبل الدخول لانتفاء القدرة كما مرّ ولا بعده لتعلق الامر بفعله حينئذ ، ولكنّه مامور بعدم جعل الغصب موضوعا للخروج بان لا يجعل التصرف فى ارض الغير سببا للتخلص ، نظير ما فى شرب الخمر اذا قيس بحال المهلكة وعدمها ، فانّه قبل الوقوع فى المهلكة ليس مامورا بترك الشرب فيها ، بل مأمور بفعله فيها ولكنّه مامور بان لا يقع باختياره فى المهلكة حتى يجب عليه شرب الخمر فيجعله سببا للنجاة.

فالنهى ـ حقيقة فيما نحن فيه ونظائره ـ راجع الى التسبب اى جعل القبيح سببا لدفع الاقبح ، والامر متعلق بذلك الفعل الدافع لذلك الاقبح لمعارضة قبحه الذاتى بمثله مع زيادة تركه فى القباحة من حيث انجراره الى الوقوع فى الاقبح ، فالقبيح الدافع ما شمّ برائحة النهى ابدا فى شيء فى الازمنة فلا يكون فى فعله معصية اصلا لانّ المعصية تابعة للنهى.

نعم يمكن جريان حكم المعصية فيه اذا كان سبب المدافعة سوء [الاختيار] والتحريم اختيار المكلّف من حيث كونه من توابع المعصية ، مثل

٣٣٢

عصيان المرتد فى ترك الفروع باعتبار كونه من توابع المعصية ، مثل عصيان المرتد فى ترك الفروع باعتبار كونه من توابع معصية الارتداد وعصيان من يقع يديه قبل الوقت فى ترك الوضوء باعتبار كونه من توابع معصية قطع اليد ولعلّ تنزيل كلام «الفخر» على هذا المعنى اولى من تنزيله على كلام صاحب الفصول.

وعلى ما ذكرنا ـ من جريان المعصية حكما فى ترك الواجبات وفعل المحرمات قبل تعلق التكليف بها ، اذا كان سلب القدرة مستندا الى سوء الاختيار ـ ينطق جملة من الاخبار كما ورد فى العود الى الارض الّتى لا يقدر فيها على الوضوء وفى الاستيطان فى البلاد التى لا يتمكن من اقامة التكليف فيها.

ثمّ انّك اذا احطت بما ذكرنا وقررنا لما ظنك موردا علينا بان الخروج قبل الدخول ، ان كان واجبا مطلقا لزم التكليف بالمحال لحرمة مقدمة المنحصرة ـ اعنى الدخول ـ وان كان مشروطا بالدخول لم يكن واجبا قبله لانّ الواجب المشروط لا يتّصف بالوجوب قبل تحقّق شرطه.

فيثبت دعوى الخصم من كون الخروج واجبا قبل الدخول ، لانّه ان اعتبر حيثية الخروجية فى موضوع الحكم كان واجبا مطلقا ، وان نعتبرها فى اصل الموضوع وجعلنا الوجوب متعلقا بذات التصرف الباطل كان مشروطا بالدخول ، نظير ما فى قولك : «اكرم العالم» فان وجوب اكرامه واجب مطلق ، ان اخذنا العلم قيدا فى الموضوع وجعلنا الوجوب متعلقا باكرام من يتّفق اتّصافه بالعلم.

٣٣٣

ولا يلزم من ذلك وجوب جعل الشخص عالما من باب المقدمة لو لم يكن فى الدهر عالم ، كما لا يلزم من جعل الوجوب متعلقا بالتصرف الملحوظ فيه حيثيّة الخروجية الّتى يتوقّف على الدخول وجوب الدخول من باب المقدّمة ، حتى يكون التكليف به محالا مع فرض تعلق النهى بمقدمة الوجودية اعنى الدخول.

لانّ الاطلاق حينئذ يلاحظ بالنسبة الى ما عدى موضوع الواجب ويحكم به ويقال انه واجب مطلق ، كما يقال انّ اكرام العالم واجب مطلق من دون وجوب تحصيل عنوان العلم من باب المقدمة.

وان جعلنا وصف العلم خارجا عن متعلّق الطلب ، وجعلناه متعلقا باكرام ذات العالم من دون ملاحظة صفة العلم ، كان اكرامه واجبا مشروطا باتّصافه بصفة العلم نحو كون الخروج واجبا مشروطا بالدخول ، ان لاحظنا تعلّق الوجوب بذات التصرف مع الاغماض عن حيثية وقوعه بعد الدخول واعتبارها فى موضوعه.

وعلى التقديرين فما قلناه من اتّصاف الخروج بالوجوب قبل الدخول فى محله كما لا يخفى ، لانّ اعتبار الشيء قيدا للموضوع وشرطا لتعلّق الخطاب من صيرورة الحكم بالنسبة اليه مطلقا ، لكونه حينئذ من المقدّمات الوجودية يجب تحصيلها من باب المقدّمة.

ثمّ لا يخفى عليك ما فى جعله النهى عن الخروج مطلقا والامر به مشروطا بالدخول من المحال ، لانّ حرمة الشيء مطلقا وعلى جميع الاحوال ضدّ لوجوبه على بعض الاحوال والتقادير كما لا يخفى.

٣٣٤

وكذا لا يخفى عليك انّ كل من يقول بتعلّق النهى بالخروج قبل الدخول يلزمه بفساد الصلاة زمن الخروج ، لانّك عرفت آنفا انّ ارتفاع النهى الفعلى مع بقاء المعصية كما اذا نشأ الارتفاع من قبل المكلف لا يكفى فى تعلّق الامر به ولا يقتضى صحة الامتثال بالواجب فى ضمنه ، بل لا بد من الحكم فيه بعدم تعلّق الامر وبالفساد نظير الحكم بهما مع بقاء النهى الفعلى كما عرفت ايضا دعوانا صدق النهى الفعلى حينئذ باعتبار كون المطلق بالنهى من اوّل الامر قبل الدخول ترك هذا الخروج الّذى اضطر اليه المكلف باختياره فارجع الى ما هناك وتأمّل.

ثم لا يخفى عليك ايضا انّ من يقول بصحة الصلاة زمن الخروج ينبغى ان لا يفرق بين الصلاة الواجبة والمستحبّة ، ولا بين ضيق الوقت وسعته ، اذا لم تفتقر فى حال السعة الى زيادة تصرّف على الخروج من الاستقرار والركوع والسجود ونحوهما من الافعال الّتى لا يحصل فى حال الخروج الّا بالتصرف الزائد ، مثل ان يكون تكليفه فى الركوع والسجود الايماء بعجزه عن الاتيان بوظيفة المختار ووجه كل ذلك واضح على ما قلنا من عدم كون الخروج منهيا عنه مطلقا ولعلّه مطابق لفتاوى الاصحاب ايضا ، لانّ تخصيص الحكم بالصحة بما اذا ضاق الوقت فى كلماتهم ليس للاحتراز عن حال السعة مطلقا بل اذا كان الشخص من وظيفته صلاة المختار.

فما فى «الفصول» من التردّد فى صحّة (١) النافلة المشعر تحريمه بالصحة فى الفريضة خاصّة منظور فيه من وجهين :

__________________

(١) ـ فصول الاصول : ص ١٤٠

٣٣٥

احدهما ـ انّ الحكم بصحة الصلاة على مذاقه من كون الخروج معصية ومنهيا عنه بالنهى السابق ، مما لا يشمّ رائحة التحصيل كما مر بيانه بما لا مزيد عليه.

والثانى ـ انّ الفرق بين النافلة والفريضة ايضا مما لا وجه له هذا تمام الكلام فى ذكر حجج المثبتين وابطالها وقد ظهر حجّة المختار من المنع ايضا من لزوم اجتماع الضدّين.

بقى الكلام فى نقل كلام المفصّلين بين الجواز العقلى والعرفى كسلطان العلماء والمحقّق الاردبيلى والفاضل القمى والسيد الطباطبائى الحائرى وبعض آخر ، وكلامهم فى تعميم التفصيل بالنسبة الى المسألتين مختلف : فمنهم من قال به فى المسألتين فيحكم بالجواز عقلا هنا وفى مسئلة النهى فى العبادة وبالامتناع عرفا كذلك ، وهو صريح السيد المزبور فى رسالة منسوبة اليه ، ولعلّه الظاهر من الاردبيلى حيث حكم فى شرح الارشاد بفساد العبادة فيما هو من قبيل هذه المسألة كالوضوء بالماء المغصوب مستندا الى الامتناع العرفى بعد الحكم بالجواز العقلى.

ولكن صريح «القوانين» ان الامتناع العرفى انما هو فى مسئلة النهى فى العبادة.

وكيف كان فهذا التفصيل بمعزل عن التحقيق يظهر وجهه مما اشرنا اليه فى ذكر ثمرة النزاع من انّ ثمرة القول بجواز الامتناع انّما هى عدم وقوع المعارضة بين الامر والنهى فى مادة الاجتماع ، اذا كانت النسبة بينهما هى العموم من وجه ، وثمرة القول بالامتناع وقوع المعارضة لانّ الامتناع العرفى

٣٣٦

عبارة عن تعارضهما وتنافى مدلوليهما فى المصداق الجامع بينهما ، فاذا قلنا بان المدلولين لا تنافى بينهما عقلا لزم القول بعدم الامتناع العرفى ايضا.

توضيح ذلك : انّ القائل بالامتناع العرفى ـ دون العقلى ـ ان اراد ان ما يدلّ عليه لفظ الامر وما يدلّ عليه لفظ النهى عرفا اذا عرضا على العقل حكم بجواز اجتماعهما فى الواحد الشخصى باعتبار ملاحظة اختلاف الحيثية ، ولكن اذا عرضا على العرف حكم بامتناع الاجتماع ، فهذا واضح البطلان لانّ اهل العرف لا طريق لهم الى ادراك امكان الشيء وامتناعه الّا بالعقل فاذا حكم عقولهم بالجواز كانوا مجوّزين واذا حكم بالامتناع كانوا مانعين فلا وجه للحكم بالجواز عقلا لا عرفا وهذا واضح.

وان اراد انّ العقل يفهم من الامر شيئا يمكن اجتماعهما فى الواحد الشخصى بخلاف اهل العرف فانّهم يفهمون منهما شيئين لا يجوز اجتماعهما فى مورد واحد.

ففيه انّ العقل لا مدخلية له فى مفاهيم الالفاظ وتشخيص المعانى لانّ تشخيص ما [هو] شغل العرف ، فالتفكيك بين العقل والعرف فى مداليل الاوامر والنواهى مما لا يرى له وجه.

وان اراد انّ العقل اذا نظر الى معناهما اللغوى جوّز اجتماعهما فى شيء واحد ، لانّهما بحسب الوضع اللغوى لا يد لانّ الّا على طلب الماهية فعلا او تركا واذا نظر الى معناهما العرفى منع عن ذلك.

ففيه : ان الكلام ليس فى اتحاد المعنى اللغوى مع العرفى للامر والنهى ، واختلافهما بل لا اظنّ احدا من القائلين بالتفصيل بناء على تعارض العرف و

٣٣٧

اللغة فى الاوامر والنواهى ، ومع الغض عن ذلك ففساده من الواضحات ايضا لانّ العرف واللغة متّفقان فى المراد فى الاوامر والنواهى من هذه الجهة.

ومن هنا يسقط ما قد يوجه به الامتناع العرفى من ان الظاهر من الامر والنهى او من احدهما عرفا ، تعلّق الطلب بالماهية بحيث لا يجامعها ماهيّة ممنوعة ، او تعلّق النهى بها بحيث لا يقارنها ماهيّة مطلوبة ، فيكون المتبادر من الامر عرفا سلامة الماهية المطلوبة فى جميع مصاديقها عن معارضة حرمة ماهية اخرى ، والمتبادر من النهى سلامة الطبيعة المنهى عنها فى جميع مصاديقها عن معارضة طبيعة مطلوبة اخرى ، واذا كان كذلك امتنع اجتماع مدلوليهما فى بعض الموارد لثبوت المدافعة بينهما بحسب ما هو المتبادر عند اهل العرف حينئذ لانّا لا ننكر صحّة هذا التوضيح للامتناع العرفى ، ولكنّا نقول انّه بعينه اثبات للامتناع العقلى ، لانّ الحاكم باستحالة اجتماع هذين المعنيين البائنتين بحكم التبادر ، انّما هو العقل لانّ العرف انّما يشخص المعنى والمراد من جهة العرضية واما حكمه بالامتناع فليس من هذه الجهة قطعا بل من جهة العقل.

وقد يوجه التفصيل المزبور ايضا بان المراد انه اذا تعلق الطلب بماهية والنهى بماهية اخرى ، فلا استحالة فى نظر العقل من اجتماعهما فى شيء واحد ، ولكن العرف يفهمون (١) من الامر والنهى شيئا آخر غير مجرد مطلوبية الماهية ومبغوضيتها ، ولذا يحكمون بامتناع اجتماعهما.

__________________

(١) ـ كذا فى الاصل

٣٣٨

فالمراد بالجواز العقلى حينئذ امكان اجتماع الماهية المطلوبة مع الماهية المنهى عنها فى نظر العقل مع قطع النظر عن فهم العرف ، وبالامتناع العرفى استحالة الاجتماع عند العقل بملاحظة فهم العرف وهذا لا غائلة فيه.

وفيه ان الحكم باجتماع الامر والنهى حينئذ غلط فاحش ، لان الامر والنهى على ما اعترف به يدلّان على شيء آخر زائد عن صرف وجوب الماهية وحرمتها ، فلا بدّ من تغيير العنوان بان يقال : ان اجتماع الوجوب والحرمة فى شيء واحد اذا اثبتا بغير الامر والنهى جائز عند العقل وليس بجائز اذا أثبتا بهما ، وايضا الكلام فى مداليل الاوامر والنواهى العرفية او الشرعية خاصة وما ذكر ليس تفصيلا فى محل الكلام ، بل هو تفصيل بينه وبين غيره مضافا الى ان الوجوب والحرمة الثابتين بغير الادلة اللفظية لا يكاد يتصور النزاع.

والاشكال فى جواز اجتماعهما وعدمه لانّ الدليل اللّبى اما اجماع او عقل وكلاهما لا يتصوّر الاجمال فى حكمهما ، لانّ الاجماع امّا ان ينعقد على حرمة مادّة الاجتماع لا على وجوبها فيندفع الوجوب بالاصل ، او ينعقد على الوجوب خاصة فالحرمة يندفع بالاصل او لا ينعقد على شيء منهما فيدفعان بالاصل او على الوجوب والحرمة معا.

فهذا ممتنع عندنا لكونه اجماعا على اجتماع الضدّين ففرض الاجتماع حينئذ فرض امر ممتنع لا ينبغى التكلّم فيه ، وهذا الكلام فى حكم العقل فانّه لا يحكم بشيء الّا بعد الالتفات الى جميع خصوصياته ، ففى مورد الاجتماع اما يحكم بالوجوب او بالحرمة او لا يحكم بشيء منهما الى آخر الكلام.

فهذا التفصيل مما لا مساس له بحقيقة التحقيق لا فى هذه المسألة ولا فى

٣٣٩

مسئلة النهى فى العبادة ، فكل من يجوز الاجتماع فى هذه المسألة يلزمه القول به فى مسئلة النهى فى العبادات ، وكل من يقول بالامتناع يلزمه القول به فى المقامين.

بقى هنا شيء وهو انّ ظاهر الاصحاب فى باب التعادل والتراجيح انّ نحو قول القائل :

«اكرم العلماء ولا تكرم الفساق» خارج عن محل النزاع ، لانّهم لا يزالون يطالبون المرجّحات فى مثلهما ويعملون فيهما عمل المتعارضين ، فلو كان داخلا تحت النزاع لكان اجراء حكم المتعارضين فيهما مبنيا على القول بامتناع اجتماع الامر والنهى ، مع انّه لم يعهد من احد بناء الحكم بالتعارض فيهما على ذلك.

وعلى هذا يكون البحث فى هذه المسألة مختصّا بما اذا كان الامر والنهى من قبيل : صلّ ولا تغصب ، مما اختلف فيه عنوان الامر والنهى ، وهذا يؤيد ما قلنا ـ فى ذكر الفرق بين هذه المسألة وبين مسئلة النهى فى العبادات ـ بانّ عنوان الامر والنهى اذا اختلفا من حيث الذات كالصلاة والغصب جرى فى جواز اجتماعهما وعدمه اقوال هذه المسألة سواء كانا عامين من وجه ، او كان العام احدهما لاندراجه تحت موضوع هذه المسألة.

ولكن اذا اتّحدا من حيث الماهية والذات ك «السجود لله وللشمس واكرام العالم والفاسق» لم يجر هذه الاقوال بل اقوال مسئلة النهى فى العبادات او ان كان النسبة بينهما العموم من وجه.

ولعل وجه ذلك هو انّ : ضمّ الاعتبارات والاضافات بشيء واحد لا

٣٤٠