الفوائد الأصوليّة

الشيخ مرتضى الأنصاري

الفوائد الأصوليّة

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: حسن المراغي « غفارپور »
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: شمس تبريزي
المطبعة: ايران يكتا
الطبعة: ١
ISBN: 969-94215-0-5
الصفحات: ٧٧٠

ترتكب تزويجها سرّا عن ابنك اذا مضى من زمان وطئه بقدر عدة الشبهة ، وتحرمها من ميراث الولد ولا تعطيها الّا مهر المثل لا الصداق المسمى ، كل ذلك لانها ليست بزوجة للولد وانما كان معذورا فى ترتيب احكام الزوجة عليها.

وكذا القول فى الملك مضافا الى لزوم اختلال النظام والحرج كما لا يخفى فى هذا المقام.

ومنه يظهر ضعف ما كنا نسمعه من فتوى بعض بان من قلد مجتهدا لا يصح عنده شراء المحقّرات من الاطفال لا يجوز له ان يأكل مما اشتراه منهم من قلد مجتهدا يصح ذلك عنده ، فان لازم ذلك جواز تزويج زوجته ايضا اذا كان مجتهده لا يصحح العقد الذى وقع عليها وان كان العاقد قلد مجتهدا يصح ذلك عنده.

فان قلت : اذا ظن المجتهد بكفاية فرى الودجين فذبح هو او مقلده ذبيحة على هذا الوجه ، فعلى ما ذكرت هل يجوز لمن قلد مجتهدا يعتبر فرى الاوداج الاربعة ان يأكل من تلك الذبيحة.

وكذا لو غسل مجتهد ثوبا مرة لانه يرى الاكتفاء بالمرة الواحدة ، فهل يجوز للمجتهد الذى يعتبر المرتين ان يصلى فى ذلك الثوب ام لا؟

قلت : لا يجوز للمجتهد المخالف ولا لمقلده الاكل من تلك الذبيحة ولا الصلاة فى ذلك الثوب ، لان جعل التذكية والطهارة شرعا فى حق ذلك المجتهد لا ينافى جعل عدمها بالنسبة الى المجتهد المخالف ، بان يكون الذبيحة مذكاة بالنسبة الى احدهما ، ميتة بالنسبة الى الآخر ، وكذا الثوب

٦٤١

ظاهرا بالنسبة الى احدهما نجسا بالنسبة الى الآخر.

بل لو قلنا بالتصويب وكون المجعول بالنسبة الى كل مجتهد حكما واقعيا وشرعيا مستقلا لم يكن فى ذلك تناف وتناقض بخلاف مسئلة الزوجية والملكية ، فان المرأة اذا حكم بكونها زوجة للعاقد ظاهرا عند المخطئة او واقعا عند المصوبة وحكم على الشيء ايضا بانه ملك المشترى ظاهرا او واقعا وجب على كل احد ترتيب آثار زوجية العاقد وملك المشترى عليهما بخلاف مثل الذبيحة والثوب فانه اذا حكم بتذكية الاوّل وطهارة الثانى ظاهرا وواقعا بالنسبة الى الذابح والغاسل لم يجب على غيرهما المخالف لهما ان يترتب آثار الطهارة والتذكية على الذبيحة والثوب.

والسرّ الفارق بين مسئلتى الزوجية والملك وبين مسئلتى الذبيحة والثوب هو ان الزوجية والملكية اذا تثبتا مضافتين الى الاشخاص بان ثبت ان هذا ملك بالنسبة الى الشخص الخاص او زوجة بالنسبة اليه والمفروض ان لهما فى الشرع مضافتين الى الاشخاص آثار عامة لهم ولغيرهم فيترتب عليهما تلك الآثار مثلا اذا فرض ان هذه المرأة محكوم عليها بانها زوجة زيد ظاهرا او واقعا يترتب على ذلك جميع الآثار الثابتة لزوجة زيد من حرمتها على ابيها وارثها من زيد واستحقاقها الصداق من صلت ما له ونحو ذلك ، وكذا اذا ثبت ان الشيء الفلانى ملك زيد.

وامّا التذكية والطهارة فحلّ الاكل وجواز الصلاة لم يثبت لهما من حيث اضافتهما الى الاشخاص ، فاذا ثبت ان هذا الثوب طاهر بالنسبة الى زيد ظاهرا او واقعا فلا يترتب على هذا حل الصلاة فيه لغيره ، لانه انما ثبت للظاهر

٦٤٢

المجرد عن الاضافة فيجب على كل احد ان يعمل فيه بما جعل فيه حقه ، فان جعلت الطهارة فى حقه صحت الصلاة فيه وإلّا فلا ، وكذا الكلام فى حل الأكل بالنسبة الى الذبيحة.

نعم لو فرض فى المثالين انهما استلزما اثرا شرعيا من حيث اضافتهما الى الشخص وجب على كل احد ترتبه ان كون الذبيحة مذكاة بالنسبة اليه يستلزم كونه ملكا له فيحرم التصرف فيها بدون اذنه على كل احد حتى من يراها ميتة غير مملوكة من جهة انها ملك فى حق الغير ويحرم التصرف فيما هو ملك للغير بالنسبة اليه.

فالحاصل : انه اذا ثبت بالاجتهاد حكم بالنسبة الى مجتهد او مقلد فكل اثر مترتب فى الشريعة على ذلك الحكم بوصف اضافته الى شخص معين او غير معين يجب على كل احد حتى المجتهد المخالف ترتيبه كالاحكام والآثار المترتبة على ازواج الناس واملاكهم وكل اثر مترتب عليه فى نفسه كالصلاة فى الطاهر والتوضى به وحلّ اكل الميتة ونحوها ، فذلك تتبع تحقق الموضوع عند من يريد الترتيب فان تحقق الموضوع عنده ترتيب وإلّا فلا.

فان قلت : فهل يجوز لمجتهد يعتقد بطلان صلاة امامه المجتهد ان يقتدى به فيقتدى معتقد معتقد وجوب السورة بمن تركها معتقدا العدم وجوبها ام لا.

قلت : مقتضى ما ذكرنا الصحة ولا بعد نظرا الى ان صحة الائتمام من آثار صحة صلاة الامام والمفروض ان صلاة الامام صحيحة بالنسبة اليه حتى عند المخالف مخالفة ، فيجب عليه آثار ترتيب آثار الصلاة الصحيحة عليها

٦٤٣

كما ذهب اليه جماعة من متاخرى المتاخرين. (١)

اللهم الّا ان يمنع ان صحة الائتمام من آثار صحة الصلاة من حيث اضافتها الى المصلى بل من آثار صحتها فى نفسها من غير ملاحظة اضافتها الى الفاعل ، او يدعى ان صلاة الامام بمنزلة صلاة الماموم حيث انه ضامن ومتحمل عنه ، فلا يجوز التفكيك بينهما وظاهران الجائز لمجتهد آخر او الواجب ترتيب آثار ما عمله المجتهد الآخر المخالف لا ان يعمل عمله ، فانه غير جائز اتفاقا والمقتدى بالامام كان صلاة الامام صلاته فتأمل.

ومن هذين الوجهين يظهر وجه المنع عن استيجار احد المخالفين الآخر للصلاة او استنابته فى الحج مع اختلافهما اذا أحل النائب والاجير بما يراه صاحبه مبطلا ، فان وجه المنع ان عمل النائب بمنزلة عمل المنوب فكان المنوب اوقع العمل الذى اوقعه النائب ، ولا شك فى بطلانه وكذا لا يجوز للموكل فى اجراء الصيغة المانع عن تقديم القبول التصرف فى المبيع مع علمه بان الوكيل قدم القبول لان عمل الوكيل لعلمه فتدبر.

__________________

(١) ـ هذا لفظ الكتاب فى المخطوط اثبتنا أصله.

٦٤٤

بسم الله الرحمن الرحيم

[فائدة ٢٢]

فى حكم المتجزّى انه يجوز ان يعمل بظنّه ام لا ، والغير يجوز ان يعمل بقوله ام لا

قد ذكرنا ان الاقوى جواز عمل المتجزى بظنه اذا علم حجية ظنه باجتهاده او بتقليده لمن رأى جواز التجزى ، وان مجرد عدم انتهاء ظنه الى العلم الحاصل عن اجتهاده لا يقدح فى صحة اجتهاده بل انما يعتبر انتهاء الظنّ الى العلم من اجل العمل مطلقا.

وامّا عمل الغير بقوله ففيه مقامان :

الاوّل ـ فيما اذا عمل هو مستنبطاته اجتهادا علميا منه او تقليد الغير.

والثانى ـ فيما اذا ترك مستنبطاته وقلد غيره اجتهادا علميا او تقليدا.

امّا المقام الاوّل : فالحق فيه الجواز امّا فى الصورة الاولى منه ، فلعموم ما دل على جواز تقليد الفقيه العالم من الكتاب والسنة ولا ينافى ذلك ما دل على وجوب الرجوع الى الاعلم ، لو قلنا به لمنع اعلمية المطلق عرفا من المتجزى ، بل الظاهر من الاعلم والأفقه هو الاقوى ملكة ولهذا لا يصدق الاعلم على احد المطلعين المساويين فى القوة مع كونه اكثر استنباطا فتأمل.

٦٤٥

وامّا فى الصورة الثانية : فلانّ عمدة ادلة التقليد هو بقاء التكليف للمقلد والعجز عن الاجتهاد والاحتياط فيجب الرجوع الى غير العاجز والمفروض عدم تفاوت المتجزى والمطلق فى كون فتوى احدهما اقرب الى الواقع فى نظر العقل فيتخير ، وكون تقليد المطلق متيقنا لوقوع الخلاف فى صحّة اصل التجزى ، ثم فى عمل الغير بقوله ، او لان المتيقن من الرجوع من كان جازما فى مرحلة الظاهر باجتهاد نفسه لا عاملا به تعبدا غير مسلم ، اما وقوع الخلاف فللجزم بفساد دليل المخالف ، وامّا لزوم جزمه باجتهاده فليس الّا لصحة تعويل المقلد عليه ، والمفروض ان المقلد انما يعول فى ذلك على فتوى المطلق.

وحاصل ذلك ان العقل الحاكم بوجوب الرجوع الى المستنبط لا يعتبر جزمه الّا لانتهاء عمل المقلد الى الجزم ويكفى فى ذلك فتوى المطلق فتأمل.

وامّا المقام الثانى : فالظاهر فيه ايضا جواز التقليد ، بمعنى ان للمقلد بفتوى المطلق ان يعمل بفتاوى المتجزى وان لم يكن هو عاملا بها ، والدليل ما ذكرنا فى الصورة الثانية.

وان جزم المتجزى بصحة اجتهاده اذ جواز عمله به فى مرحلة الظاهر لا دخل له فى طريقيته وثبوت تفاوت بينه وبين المطلق فيما له دخل فى قوة الملكة وضعفها.

بل لو اجتهد المتجزى اجتهادا علميا بعدم جواز عمله وعمل المقلد بظنه كان للمقلد ان يقلده بشرط ان ياذن فى ذلك مجتهد مطلق ، نظير ما لو راى الاعلم حرمة العمل بقوله مع وجود الاعلم ، فيجوز للمقلد ان يقلده بشرط

٦٤٦

اخذ ذلك من الاعلم.

واوضح منه ما اذا بنى مجتهد على عدم البقاء على تقليده بعد الموت فيبقى المقلد بفتوى مجتهد حى وبالجملة قلد غيره فى تقليد المفتى بفتوى نفسه فى حكم هذا التقليد لا جوازا ولا منعا.

وامّا قضاء المتجزى بين الناس فالظاهر جوازه فى جميع الصور المذكورة الّا اذا اجتهد او قلد فى عدم جواز القضاء فليس له حينئذ ان يقضى لان القضاء يرجع الى الزام احد المترافعين بما يراه وليس له ذلك فى الفرضين المذكورين فتامّل.

٦٤٧

بسم الله الرحمن الرحيم

[فائدة ٢٣]

بيان حكم الجاهل فى معاملاته وعباداته من جهة العقاب وعدمه والصحة وعدمها

اعلم ان جهل الجاهل بالعبادة التى اتى بها اما متعلق بنفس الحكم الشرعى ـ مثل حكم العبادة نفسها ـ او جزئية شيء لها او شرطيته او مانعيته ، واما ان يتعلق بالامور الخارجية المتعلقة بها كالوقت والقبلة والنجاسة ونحوها.

والجهل بحكمها اما من جهة جهالة جنس الحكم كاصل المطلوبية او فعله كالوجوب والاستحباب بعد العلم بالمطلوبية او مشخصاته الآخر ككونه واجبا تعيينيا او تخييريا ونحو ذلك.

وعلى التقادير فالجاهل اما جاهل مركب واما بسيط سواء كان شاكّا او ظانّا او متوهما. وايضا فاما ان يكون جهله مستندا الى دليل شرعى او عقلى او ليس مستندا وايضا فاما ان لا يتنبه ويتفطن لجهله اصلا او يتفطن فى اتيان العبادة او بعدها فى الوقت او خارجه ، والكلام يقع تارة فى الجاهل من جهة العقاب وعدمه واخرى من جهة الصحة والبطلان ووجوب الاعادة فقط ، او مع القضاء ولنتكلم لاستيفاء هذه الاقسام واحكامها فى مقامات.

٦٤٨

الاوّل

فى حكم الجاهل بالجهل المركب

فى الجاهل بالجهل المركب الذى ياتى بعبادته فيه اما الكلام فيه من جهة العقاب وعدمه ، فالذى يقتضيه حكم العقل هو التفصيل بين من كان جهله مسببا عن تقصير منه ومن لم يكن كذلك.

ودعوى ان الجاهل بالجهل المركب قاصر مطلقا ولا يوجد فيه المقصر مكذبة بالوجدان.

فانا نرى كثيرا من اعتقادات العوام الفاسدة المخالفة للواقع ناش عن تقصيرهم فى ترك تحصيل المعرفة وعدم مجالسة اهلها.

وكيف كان فعلى تقدير تحقق الصغرى يحكم العقل باستحقاق القسم الاوّل للعقاب بخلاف الثانى.

لكن المستفاد من الادلة الشرعية هو وضع العقاب عن هذا القسم ايضا مثل قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ «رفع عن امتى تسعة ومنها ما لا يعلمون» (١)

ولذا يستدلون بها على وضع العقاب عن الناسى ، وان كان نسيانه مسببا عن التقصير فى التحفظ وكذا ما لا يطاق وما استكره عليه اذا كان مسببا عن

__________________

(١) ـ وسائل الشيعة ـ كتاب الجهاد ـ باب ٥٦ كذا فى الخصال والتوحيد للصدوق (ره)

٦٤٩

اختيار الشخص.

بل الظاهر من جعل رفع هذه الامور من خواص امة نبيّنا ـ صلى الله على وآله وسلم ـ فى مقام الامتنان هو الرفع حتى فى خصوص هذه الصورة وإلّا فما لا يستند الى تقصير المكلف مرفوع عن الامم السابقة ايضا.

ومؤيد الخبر المذكور قوله ـ عليه‌السلام ـ «اى امرئ ركب امرا بجهالة فلا شيء عليه» (١) ورواية عبد الاعلى [بن أعين] قال : «سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عمن لم يعرف شيئا هل عليه شيء؟ قال : لا.» (٢) وتعليل معذورية الجاهل بحرمة التزويج فى «العدّة» فى صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج بانه لا يقدر على الاحتياط ، فان هذه العلة قرينة على ان المراد بالجاهل هو العاقل رأسا لا الشاكّ فانه قادر على الاحتياط هذا كله مع ان حكم العقل بعدم معذورية الغافل عن تقصير هو فيمن حصل التقصير منه بعد التكليف.

وامّا من حصل التقصير منه قبل تعلق التكليف به فيقبح تكليفه حال الغفلة.

فلا يعاقب على مخالفة حكمه الواقعى الذى لم يكلف به اصلا إلّا ان يقال ان ذلك موجب لرفع العقاب عن الجاهل البسيط الذى قصر عن تحصيل المعرفة قبل تنجّز التكاليف عليه ، مثل من بلغ وتفطّن لتعلق التكليف عليه عند الزوال بالصلاة ولن يقدر على تحصيل مسائلها بعد الزوال ، فان الظاهر انه

__________________

(١) ـ وسائل الشيعة : كتاب الحج باب ٤٥ وفى لفظه اختلاف يسير لا يغير معنى الحديث

(٢) ـ توحيد الصدوق : ص ٤١٢

٦٥٠

يجب عليه التعلم بمقتضى عمومات تحصيل العلم بل ظهور الاتفاق ايضا.

ويمكن الفرق بان الجاهل البسيط قائل لتوجه التكليف بالامر الواقعى اليه فيعاقب على مخالفته المستندة الى تقصيره ، بخلاف الجاهل المركب فتامل.

ثم ان الظاهر وجوب تنبيه الجاهل المذكور مطلقا اذا رجع جهله الى «الحكم الشرعى» ورعى منه التنبيه لما دل على وجوب التعليم ، وانه ما اخذ على الجاهل ان يتعلم ، حتى اخذ على العالم ان يعلم على وجوب الانذار بعد التفقه ، وعلى حرمة كتمان ما انزل الله من البينات والهدى ، وعلى وجوب الدعاء الى اخير وعلى وجوب ان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر احد شخصين اما جاهل فيتعلّم او مؤمن فيتيقظ.

وامّا اذا ارجع جهله الى «الموضوع الخارجى» فلا دليل على وجوب التنبيه الّا فيما اذا كان عدم التنبه موجبا لتضرر مسلم فى نفسه او بدنه او ماله لما دل على وجوب دفع الضرر عن المسلمين ونصرة المظلوم.

ثم ان وجوب تنبيه هذا الجاهل هو اذا لم يخرج عن فرط جهله واعتقد وجوب العمل بمقتضى اعتقاده بل لم ير معتقده الا الواقع.

وامّا اذا اتفق له ان شك فى حجية قطعه وان لم يكن الشك فى حجية القطع عند التامّل لكن قد يشك فيه العامى بل الخواص ايضا من جهة احتمال مدخلية خصوص طريق علمى او ظنى فى مطلوبية متعلق العلم ، فان الذى لا يعقل هو الشك فى طريقية القطع لا الشك فى كون القطع الحاصل من طريق خاص دخيلا فى تعلق الحكم الشرعى موضوع حتى لا يتحقق ذلك الحكم

٦٥١

اذا انتفى القطع بذلك الموضوع من ذلك الطريق الخاص ، وان حصل القطع به من غيره وبعبارة لا يشك فى طريقية قطع دون قطع لا انه لا يشك فى مدخليته قطع دون قطع فى متعلق الحكم.

وكيف كان فعلى فرض شك الشخص الجاهل المركب فى حجية قطعه ، فان تعلق قطعه بالاحكام فيجب افتائه بعدم الحجيّة لانه غير مأذون شرعا فى حجيّته.

والمفروض ان العقل لا يحكم برفع التكليف بالواقع من جهة انه ليس جازما بكون قطعه حجة بالنسبة اليه حتى يكون غافلا عما عداه ليقبح التكليف به مع انه لو فرض حكم العقل ايضا لكنه لا يؤثر فى جواز تقريره على مقتضى اعتقاده الفاسد وان لم يعاقب عليه ، ولهذا اوجبنا تنبيهه معه انه معذور غير آثم.

وامّا اذا كان جهله متعلقا بالموضوعات فيجب افتاؤه بوجوب العمل بقطعه وان كان يجب تنبيهه عليه لو علمنا بفساد اعتقاده ، مثلا لو استفتى فى انه : «هل يجوز ان اقتل احدا اقطع بانه قاتل ابى»؟

فنقول له نعم لكن لو رأينا انه يريد قتل من يعتقد انه قاتل ابيه ، ونعلم جزما انه ليس ذلك وانه اشتبه عليه الامر اشتباها بدويا لا اشتباها حاصلا عن الدقة والملاحظة ، وجب تنبيهه.

وامّا الاشتباه الحاصل بعد الدقة والملاحظة والاجتهاد ففى وجوب انفاذه اشكال ولا يبعد الوجوب مع التمكن ، والفرق بين الاحكام والموضوعات ان الاحكام منوطة بطرق خاصة والعمل فيها بمطلق القطع

٦٥٢

الحاصل عن غيرها يوجب الهرج واختلال الشريعة ، بخلاف طرق الموضوعات فان متابعة القطع فيها لا يوجب ذلك فافهم.

واعلم ان فائدة افتاء هذا القاطع بعدم حجية قطعه هو اما ان يحصل له التزلزل ويرتفع قطعه ، وامّا ان يعمل بالطريق الشرعى الذى يامره المفتى تعبدا اما غفلة عن عدم جوازه لانه مقطوع الخلاف ، وامّا لاحتمال مدخلية الاخذ عن الطريق الشرعى فى اعمال الشريعة وعدم اناطتها بمجرد الواقع.

ثم ان هذا الجاهل يثاب على العمل بمقتضى معتقده من انقياده للشارع وكونه فى حكم المطيع عرفا ، إلّا انّه مطيع حقيقة اذ لم يتوجه اليه امر وخطاب من الشرع وانما اعتقد ذلك واعتقاد الامر ليس امرا كما انه لو ترك معتقده فيعاقب من جهة التجرى وكونه فى حكم العاصى لا انه عاص حقيقة.

وقد اشتبه الامر على بعض المعاصرين (١) حيث ظن ان القاطع مكلف بالعمل بمعتقده ولم يتفطّن ان ايجاب عمله بمعتقده لا يعقل تعلقه بهذا الشخص القاطع لا انه فى اعتقاده مصيب للواقع ومخاطب بالحكم النفس الامرى ، وغير ملتفت الى ان اعتقاده لا يلزم الواقع بل لا يطابقه وانه مكلف به ظاهرا ، نعم هنا حكم عقلى يحكم به غير هذا الشخص وهو حسن الاتيان بهذا المعتقد وقبح تركه.

والحاصل : ان الآتى بشيء مخالف للواقع اذا اعتقد انه المامور به واقعا ، فترك لاجل ذلك المامور به الواقعى لا يخاطب باتيان الواقع ، لانه غافل عنه ولا بالعمل على طبق اعتقاده المغاير للواقع ، من حيث انه معتقده ، لانه غافل

__________________

(١) ـ وهو صاحب الفصول (ره) راجع الى الفصول ص ٤٢٣

٦٥٣

عن ان اعتقاده هذا مخالف للواقع ، هذا كله فى عقاب الجاهل وثوابه.

وامّا الكلام فى صحة ما اتى به وفساده فهو انه لا ريب فى [ان] الفساد والصحة عند المتكلمين عبارة عن موافقة امر الشارع ـ وقد عرفت ان ماتى به غير مطابق لامر الشارع ، امّا الامر الواقعى فلان المفروض مخالفته له ، وامّا الامر الظاهرى فقد عرفت انه ليس قابلا لتعلق الامر الظاهرى لانه غافل عن كون معتقده مغايرا للواقع.

والامر الظاهرى المتصور هنا ليس إلّا تكليف المعتقد بمقتضى اعتقاده المباين للواقع بالتباين الجزئى ومن توهم هنا ثبوت التكليف الظاهرى نظرا الى الحكم الذى يحكم به غير هذا المعتقد المطلع على مخالفة اعتقاده للواقع بحسن اتيانه بمعتقده وقبح تركه ولو خالف الواقع ، والّا فلا خطاب يتوجّه الى نفس المعتقد كما هو واضح بادنى تأمّل.

وامّا الصحة عند الفقهاء فلانه بعد كشف خطأ اعتقاده يتوجه اليه نفس الخطاب بالامر الواقعى وما صدر منه لم يكن مامورا به فى الواقع ولا فى الظاهر عقلا ولا شرعا ، حتى ان هذا التكليف الظاهرى الشرعى او العقلى بدل عن الواقعى فيستصحب بدليته فى فرض كشف الخطأ مع انه لو سلم التكليف الظاهرى لكن ليس من حيث كونه بدلا عن الواقع حتى يستصحب البدلية.

ولا يمكن التمسك هنا باستصحاب سقوط الامر بالواقع عنه لان سقوط الامر الواقعى عنه حين الغفلة انما كان بحكم العقل لاجل الغفلة ومنوطا بها.

وقد ثبت فى محله ان العقل اذا حكم فى الآن السابق بشيء واناطته بعلة معلومة ، ثم علم ارتفاع العلة فى الآن اللاحق فلا يجوز استصحابه لامتناع بقاء

٦٥٤

المعلول بدون العلّة ، بل الحكم الشرعى ايضا كذلك ، لكن الغالب فى الشرعيات اناطتها بعلل لا تعلم بقائها وارتفاعها فى الآن اللاحق وعلى فرض الارتفاع فلا يعلم ان المرتفع كان مناطا للحكم حدوثا فقط او يدور الحكم معه بقاء وارتفاعا.

هذا مع انه لو اغمضنا عن ذلك لا مجرى للاستصحاب فى مقابل العمومات ، فان قوله : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) مثلا بعمومه يدل على وجوب الاتيان بالصلاة الواقعية فى جزء من اجزاء الزمان المحدود خرج منه حال الغفلة عن الصلاة الواقعية ، فانه لا يجب حينئذ الصلاة لا عينا ولا تخييرا بحكم العقل فبقى الباقى.

وان شئت تقريرا اوضح فنقول ان قوله (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) ـ بعد اخراج الغافل والغير المتمكن عن التكليف لفقد الشرائط الشرعية او العقلية ـ يرجع الى انه يجب على المكلف الاتيان بالصلاة الواقعية فى اى جزء

تمكن المكلف منها فاذا فرض كونه غافلا فى زمان ثم استشعر فتكليفه ثابت بحكم العموم ، وحديث بدلية ما اتى به عما تركه قد عرفت فساده.

وامّا التمسك بمثل قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ «رفع عن امتى ... ما لا يعلمون» واشباهه فى رفع الاعادة ففيه :

اولا ـ ان الظاهر رفع المؤاخذة

وثانيا ـ ان وجوب الاعادة ليس من آثار الجهل والشيء المجهول ، حتى يرتفع بل من آثار الامر المتوجه اليه بعد الالتفات هذا هو الكلام فى الاعادة ، وامّا القضاء فهو تابع فى كل فعل للتكليف الجديد بفعله بعد ذهاب وقته ، فان

٦٥٥

ثبت والّا فالاصل البراءة عنه.

ثم ان ما ذكرنا من وجوب الاعادة انما هو بحسب مقتضى القاعدة والّا فربّ مقام دل الدليل على عدم وجوبها فعليك بمراعات القواعد ووارداتها والله العالم بحقيقة الحال.

وامّا الجاهل الذى يستند اعتقاد المخالف للواقع الى الادلة الشرعية ، فلا اشكال فى عدم استحقاقه العقاب بالمخالفة ، لان فرض الاخذ عن الادلة والامارات الشرعية ينافى التقصير.

وامّا صحة عمله بمعنى عدم الاعادة ، فقد يقال بعدم الصحة وان قيل بان الاتيان بالعمل المامور به بالامر الظاهرى الشرعى كالصلاة مع الطهارة المستصحبة يفيد الاجزاء وسقوط الاعادة مع كشف المخالفة.

وذلك لان هذا الجاهل الناشى اعتقاده القطعى عن الادلة الشرعية ، انما يأتى بالعمل باعتقاده انه يمتثل الامر الواقعى ، ولا يتخيّل فى ذهنه ان هذا الحكم ظاهرى له فلا يتوجه اليه الخطاب الظاهرى الشرعى ، فمن حيث انه لم يات بالمطلوب الواقعى لم يمتثل الامر الواقعى ، ومن حيث انه غير قابل لتوجه الخطاب الظاهرى اليه لم يمتثل الامر الظاهرى فلا يكون آتيا بالبدل ولا بالمبدل.

مثلا اذا قطع المكلف بكون جهة خاصة قبلة لاجل شهادة العدلين بذلك ، فصلاته الى تلك الجهة ليس إلّا باعتقاد انه امتثال للامر الواقعى المتعلق بالصلاة الى القبلة الواقعية لا انه امتثال لقول الشارع : «اعمل بالبينة» او «صل الى الجهة التى تشهد البينة بانها قبلة» فان مثل هذا حكم ظاهرى

٦٥٦

متعلق بالجاهل بالواقع جهلا بسيطا.

وامّا الجاهل المركب فليس عمله فى اعتقاده بواسطة الامارات والاسباب الظاهرية.

والحاصل : ان الحكم الظاهرى الشرعى انما يثبت بجعل الشارع طريقا للمكلف فى مرحلة الظاهر والشخص القاطع انما يعمل بقطعه ولم يجعل الشارع طريقا له بل هو باعتقاده عامل بالطريق الواقعى ، ولا يعقل خطائه بالطريق الجعلى.

اللهم الّا ان يقال ان المقصود من حكم الشارع بالعمل بالطريق وجعله الطريق الظاهرى هو محض موافقته والعمل على طبقه ، فالشارع جعل موافقة البينة فى القبلة مثلا بدلا عن القبلة الواقعية ان لم يصادفها وان كان الخطاب الدال على ذلك لا يمكن توجيهه الّا الى الجاهل البسيط ويكون عمل الجاهل المركب باعتقاد امتثال الحكم الواقعى الظاهرى لكن مجرد موافقته يكفى فى البدلية عن الواقع.

وبعبارة اخرى : ان الشارع جعل مؤدى الطريق الظاهرية بدلا عن الواقع لا امتثال الاوامر الظاهرية بدلا عن امتثال الواقع ، فافهم! هذا خلاصة الكلام فى الجاهل المركب.

٦٥٧

فى الجاهل المستند عمله الى الاجتهاد او التقليد او الاحتياط وغير المستند اليها فى العمل

وامّا الجاهل فالكلام فى عمله يقع فى مقامات :

الاول ـ ما اذا كان عمله مستندا الى الاجتهاد او التقليد.

الثانى ـ فيما اذا كان مستندا الى الاحتياط.

الثالث ـ فيما اذا لم يكن مستندا الى هذا ولا الى ذاك.

امّا المقام الاول : فنقول لا ريب فى صحة عباداته بمعنى مطابقة الامر وترتّب الثواب عليها وامّا اذا انكشف فى الوقت مخالفتها للواقع ، فالانكشاف اما ان يكون بالاجتهاد الظنى وامّا ان يكون بالقطع.

فان كان بالقطع فوجوب الاعادة وعدمه مبنيان على ما سبق من ان الامر الظاهرى الشرعى والاتيان بالعمل على طبق الطرق الظاهرية الشرعية ، هل يوجب استمرار بدليته ولو عند انكشاف الخلاف ام لا ، مقتضى الاستصحاب بقاء البدلية ولا ينافى عموم الاوامر الواقعية مثل قوله : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) كما لا يخفى.

فان سقوط الامر الواقعى قبل الانكشاف انما كان لحكم الشارع ببدلية الماتى به على طبق الطريق الظاهرى عن الواقع ، وجعل امتثاله كامتثال الامر الواقعى فى عدم ثبوت الوجوب عليه بعد هذا الفعل ، فعدم توجه الامر الواقعى قبل الانكشاف لم يكن من جهة المانع كما كان ، كذلك فى الجاهل المركب

٦٥٨

الذى لم يستند عمله الى طريق شرعى بل كان من جهة عدم المقتضى لاجل حصول الامتثال ببدله الذى جعله الشارع بمنزلة الامتثال به.

وقد يقال ان ادلة الطرق الظاهرية لا تفيد الا الرخصة فى اتيان المامور به على طبقها فى مقابل وجوب الاحتياط ، وليست فى مقام اطلاق البدلية واستمرارها حتى فى صورة كشف الخطاء فتأمل.

ومما ذكرنا يظهر عدم وجوب الاعادة فيما لو انكشف الخطاء بالظن الاجتهادى بطريق اولى بل لو قلنا فى صورة القطع بعدم الاجزاء امكن القول هنا بالاجزاء لبعض ما سيجيء ، هذا بيان حال نفس العمل من جهة الاعادة والقضاء.

وامّا الآثار المترتبة على العمل القابلة للاستمرار فهل ترفع بالانكشاف ـ وان قلنا بعدم وجوب اعادة العمل ـ ام لا : مثلا اذا توضأ الشخص المجتهد او المقلد ولم يبدأ فى غسل اعضائه بالاعلى فصلى به ثم انكشف خطائه وقلنا بعدم وجوب اعادة الصلاة ، فهل يعيد الوضوء للصلاة الآخر ولو لم يحدث ام يبقى متطهّرا الى حين الحدث :

وجهان من ان الوضوء الماتى به باذن الشارع كان قائما مقام الوضوء الواقعى فى سببيّته للطهارة ، فهو كالمتطهر الواقعى فى كل شيء حتى فى استمرار طهارته الى حين الحدث ، وغاية مقتضى انكشاف الخطاء انه بعد ذلك لا يكون مثل وضوئه السابق موجبا للطهارة لا ارتفاع آثار الطهارة السابقة الواقعية حين كونها بمنزلة الطهارة الواقعية التى من حكمها عدم الارتفاع الا بالحدث.

٦٥٩

والحاصل ان تنزيل العمل الواقع بالطريق الشرعى منزلة العمل الشرعى وان كان مشروطا بما دام وصف الاجتهاد او التقليد ، إلّا ان ترتيب آثار العمل الواقع فى زمان التنزيل ليس مشروطا وإلّا لم يكن العمل الواقع فى ذلك الزمان منزلة الواقع ، لان من شأن الواقع ان يترتّب عليه آثاره مستمرا الى حين المزيل الواقعى له.

ومن هذا القبيل فى المعاملات ما اذا اعتقد اجتهادا او تقليدا صحة العقد بالفارسية فعقد بها على امرأة فان زوجيّتها مستمرة وان انكشف الخلاف بتغير الاجتهاد ، لان السبب وهو العقد انما وقع فى حال تنزيله منزلة الواقع فكانه قد حصل السبب الواقعى للزوجية المستمرة الى ثبوت المزيل بالطلاق والموت او نحوهما.

والحاصل ان القضية المشروطة بما دام الاجتهاد هى كون السبب الظاهرى سببا وبمنزلة السبب الواقعى ، وامّا ترتب الآثار على مسببه بعد وقوع السبب فى زمان التنزيل فليس مشروطا بل مستمرة كالآثار المترتبة على السبب الواقعى قضاء ، لحكم المنزلة والبدلية التى حكم بها حين وقوع هذا السبب الظاهرى.

ومن ان العمل السابق الواقع اجتهادا لم يؤثر فى ايجاد المسبب ـ اعنى الطهارة فى مثل الوضوء والزوجية فى مسئلة العقد ـ حيت يستمر الى حين ثبوت المزيل وانما افاد ترتب آثار الطهارة والزوجية ، فغاية ما استفيد من كون الوضوء السابق بمنزلة الوضوء الواقعى هو انه يترتّب عليه جميع آثار مسبّبه ـ اعنى الطهارة ـ لا انه يترتب عليه نفس المسبب اعنى الطهارة.

٦٦٠