الفوائد الأصوليّة

الشيخ مرتضى الأنصاري

الفوائد الأصوليّة

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: حسن المراغي « غفارپور »
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: شمس تبريزي
المطبعة: ايران يكتا
الطبعة: ١
ISBN: 969-94215-0-5
الصفحات: ٧٧٠

فائدة [٢]

فى بيان حال الواجب عند كون مقدّمة وجوده غير مقدورة

كما قد يتوقّف وجوب شيء على امر آخر مقدورا او غير مقدور ، مباح او محرّم ، بحيث يكون وجوبه متأخّرا عن حصول ذلك الامر. فقد يتوقّف الواجب على مقدّمة وجودية غير مقدورة فيصير التكليف مراعى بحصولها وحصولها كاشف عن سبق الوجوب. مثلا : اذا كلف الشارع [العبد] بصوم الغد ، فالواجب منجّز قبل الغد لكن البقاء الى الغد من مقدمات وجود الصوم ، فعدم حصوله كاشف عن عدم تعلّق الوجوب بهذا الشخص من اوّل الامر ، كما ان حصوله كاشف عن تعلّقه ، فالّذى علّق عليه الوجوب الثابت فى الحال هو كون الشخص بحيث لا يبقى فى الغد ، وهذا امر مقارن لزمان الوجوب فان تحقّق تنجّز والّا فلا. وليس المعلّق عليه نفس مجيء الغد والّا لم يتحقّق الوجوب قبله.

والحاصل : ان المعلّق عليه الوجوب لا يعقل تحقّق الوجوب قبله ، لاستحالة تقدّم المشروط على الشرط. فكلّا كان امر متاخر بحسب الظاهر شرطا. فالشرط فى الحقيقة هو تحقق ذلك الشيء فى المستقبل ، اعنى : كونه بحيث يتحقّق فيه لا تحقّقه المطلق ، ومن هذا القبيل اشتراط لزوم العقد الفضولى باجازة المالك على القول بالكشف الحقيقى.

١٤١

ثمّ انّه قد يراعى وجوب الشيء بتحقّق امر مقدور ، فان كان نفس ذلك الامر شرطا فلا يتحقّق الوجوب الّا بعده ولا فرق بين كونه فعلا مباحا او محرّما ، ولا بين كونه مقدّمة وجودية للفعل ام لا.

فانّ وجوب التصدّق بالدينار مشروط بالوطى فى الحيض وان كان الشرط تحقّقه فى المستقبل بالنسبة الى زمان الوجوب ، فقد عرفت ان الشرط فى الحقيقة هو كون الشخص ممن يتحقّق منه هذا الامر ، لا نفس ذلك الامر وحينئذ : فان كان ذلك الفعل مباحا فلا قبح فى التكليف سواء كان ذلك الفعل مقدّمة وجودية للواجب ام لا ، كما اذا نذر التصدق بدرهم لو خرج من البيت ، بناء على ان الوجوب فى النذر المشروط يتحقّق بالنذر لا بتحقّق الشرط ، فحينئذ يجب فى هذا الزمان التصدّق على هذا الشخص عند الخروج باختياره ، فحينئذ لو علم انه سيخرج علم انه يجب عليه الآن التصدّق عند الخروج فيجب عليه اتيان مقدمات لا يتمكن منها فى زمان الخروج ، لكنّ لو فوّت بعض المقدمات على نفسه لم يكن معاقبا. وان قلنا بالعقاب فى تفويت مقدمات المنذور المعلّق على امر خارج عن الاختيار كقدوم زيد : غاية الامر فيما نحن فيه وجوب الخروج ، لئلا يقع فى مخالفة النذر بالاختيار.

وكيف كان فلا اشكال فى امكان كون تنجّز التكليف مراعى بامر مباح مقدور ، وامّا المقدور المحرّم فان لم يكن مقدمة وجودية فلا اشكال فى الجواز ايضا ، كما اذا اوجب النذر وجوب التصدّق لو ارتكب المحرم الفلانى ، فانّه يجب عليه هنا الآن الفعل بعد صدور ذلك المحرم ، فصدوره كاشف عن تنجّز التكليف حين النذر.

١٤٢

فاذا علم انه يصدر عنه لا محالة ، علم تنجّز الوجوب قبل وقت الواجب وهذا واضح. وامّا اذا كان المحرّم مقدّمة وجودية فيظهر من كلام بعض المعاصرين (١) الجواز ايضا. قال : «واعلم انه كما يصحّ ان يكون وجوب الواجب على تقدير [حصول](٢) امر غير مقدور كذلك يصحّ ان يكون [وجوبه] على تقدير [حصول] امر مقدور فيكون بحيث لا يجب على تقدير

عدم حصوله ، وعلى تقدير حصوله يكون واجبا قبل حصوله» ومثل لذلك بما اذا توقف الحجّ المنذور على ركوب الدابة المغصوبة.

قال : «فالتحقيق ان وجوب الواجب [حينئذ] ثابت على تقدير حصول تلك المقدّمة (لا انّه مشروط) (٣) بحصولها كما سبق الى كثير من الانظار.»

ثم مثل ايضا بتوقف الطهارة الحدثية على الاغتراف من الاناء المغصوب (وكما اذا توقف فعل الصلاة على ترك الازالة) ، «والذى يدلّ على المذهب المختار انّما دلّ على عدم وجوب الواجب عند حرمة مقدّمته المتعيّنة هو لزوم التكليف بالمحال ، ولا ريب ان ذلك انّما يكون لو كلّف بالواجب [مطلقا] على تقدير اتيان المقدمة وعدمها ، وامّا لو كلّف على تقدير الاتيان بها خاصّة فلا يبقى اطلاق الامر بحاله». (٤)

__________________

(١) ـ هو صاحب الفصول سيأتى كلامه فى الهامش الآتى.

(٢) ـ ما بين المعقوفتين ليس فى المخطوط زيادة من الفصول كما اوردناه فى الهامش.

(٣) ـ ما بين القوسين ورد فى المخطوط فقط وليس فى الفصول المطبوعة فى سنة ١٣٠٥ ه

(٤) ـ لاجل اختلاف واضح بين عبارات الفصول ـ كما وردت فى المخطوط تقطيعا ـ والفصول المطبوعة بين ايدينا نرجّح نقل كلام صاحب الفصول لتدقيق مرامه وهو قال :

١٤٣

اقول : ولا يخفى ما فيه ، فانّ المفروض ـ باعتراف الفاضل ـ ان المعلق عليه ليس هو الاتيان بالمقدمة والّا لم يجب الواجب قبل الاتيان ، بل المعلق عليه هو كونه بحيث ياتى بها فى المستقبل ، فالوجوب ثابت قبل الاتيان الّا انّه لا يعلم الّا لمن علم انه يأتى بذلك الفعل وحينئذ فاذا علم الشخص انّه ممّن يأتى بتلك المقدّمة فاللازم العلم حينئذ بتنجّز الواجب عليه وهو مستلزم

__________________

«واعلم انه كما يصحّ ان يكون وجوب الواجب على تقدير حصول امر غير مقدور وقد عرفت بيانه كذلك يصحّ ان يكون وجوبه على تقدير حصول امر مقدور ، فيكون بحيث لا يجب على تقدير عدم حصوله وعلى تقدير حصوله يكون واجبا قبل حصوله وذلك كما توقف الحج المنذور على ركوب الدابة المغصوبة. فالتحقيق ان وجوب الواجب حينئذ ثابت على تقدير حصول تلك المقدمة وليس مشروطة. بحصولها كما سبق الى كثير من الانظار. والفرق ان الوجوب على التقدير الاوّل يثبت قبل حصولها وعلى الثانى انما يثبت بعد تحققها لامتناع المشروط بدون الشرط ، وبعبارة اخرى حصول المقدمة على الاول كاشف عن سبق الوجوب ، وعلى الثانى مثبت له كما مرّ وتظهر الثمرة فى وجوب المقدمات التى يؤتى بها قبلها ، فعلى الاول يجب الاتيان بها على تقدير اتيانه بها لاطلاق الامر حينئذ فيصحّ قصد القربة بها وايقاعها على وجه الوجوب ، بخلاف الوجه الثانى ويظهر ايضا فى ما لو كانت المقدمة المحرمة مما يعتبر حصولها فى اثناء التشاغل بالواجب كالاغتراف من الآنية المغصوبة فى الطهارة الحدثية مع الانحصار وكترك الواجب المتوصل به الى فعل الضد ، فان العبادة تصحّ على الوجه الاول لوجوبها ومطلوبيتها على تقدير حصول تلك المقدّمة وعلى الثانى لا يصحّ لانتفاء الطلب والوجوب قبلها ، والذى يدلّ على المذهب المختار انما دل على عدم وجوب الواجب عند حرمة مقدّمته المتعيّنة هو لزوم التكليف بالمحال الممتنع وقوعه بالعقل والسمع ولا ريب انّه انما يلزم ذلك لو كلف بالواجب مطلقا على تقدير الاتيان بالمقدمة المحرّمة وعدمه ، واما لو كلّف به مطلقا على تقدير الاتيان بها خاصة فلا يبقى اطلاق الامر فيه بحاله ... (الفصول : ص ٨١)

١٤٤

لوجوب تلك المقدّمة المحرّمة ، ضرورة ان العلم بالاتيان بالمقدّمة لا يرفع وجوبها فيلزم المحال.

والحاصل ان العصيان بارتكاب المقدّمة المحرمة امّا ان يكون بنفسه شرطا للوجوب كالعصيان بوطء الحائض لوجوب الكفارة ، وامّا ان يكون الشرط كون الشخص بحيث يعصى فيما بعد الامر حتى يرجع الشرط الى امر مقارن للوجوب كاشتراط العقد متعقبا للاجازة لا بنفسها. فان كان الاول فلا يتحقّق الوجوب الّا بعد المعصية اذا بقى محلّه كالحجّ بعد طىّ المسافة على الوجه المحرّم لا كالمثالين الاخيرين.

وان كان الثانى فتنجّز الوجوب يحصل بمجرد كونه ممن يعصى بعد ذلك فاذا تنجّز الوجوب وجب المقدمات الّتى من جملتها فعل ذلك المحرم فيلزم المحال ، اللهم الّا ان يمنع وجوب المقدّمات بتنجّز التكليف نظرا الى ان العقل انّما يحكم بوجوب المقدّمة الّتى يحصل بتركها فوات الواجب وهذه المقدّمة يحصل بتركها فوات الوجوب ولو على وجه الكشف.

وتوضيحه : انّه اذا جعل التقدير تقدير وجود ذلك الشيء فلا يعقل تركه حتى يمنع العقل من تركه ويلزم بايجاده فهو كمقدمات الوجود الحاصلة حين الامر بذى المقدّمة ، ولكنّ هذا مدفوع بانّ غاية الامر عدم وجوب المقدّمة وهو لا يصحّ ، كما اذا فرض اباحة مثل هذه المقدمة لكن القبح ايجاب الشيء مع الزام تفويت وجوبه ، الّا انّ القبح الحاصل من جهة الامر بالشيء مع توقّف وجوده على محرم ، قبيح.

وما ذكر من كون الوجوب مراعى باختيار ذلك المحرم لا ينفع فى رفع

١٤٥

القبح المنجرّ مع حرمة ما يتوقّف عليه ، الراجعة الى وجوب تفويت وجوب الواجب ولو لم يكن فى ذلك الّا فهم المنافاة فى العرف بين ايجاب الشيء وحرمة مقدّمته ، لكفى فى تخصيص ادلة الوجوب بغير صورة حرمة المقدّمة. (١)

__________________

(١) ـ انظر فى نشأة موضوع هذه الفائدة : التقريب والارشاد ـ ج ٢ ص ١٠٠ وما بعدها للباقلانى.

المعتمد : ج ١ ص ٩٣ لابى الحسين البصرى ـ المحصول : ج ٢ ص ١٩٢ لفخر الدين الرازى ، شرح الكوكب المنير ج ١ ص ٣٦٠ وما بعدها لابن النجار.

هداية المسترشدين : للشيخ محمد تقى الايوانكى ـ الطبعة الحجرية سنة ١٣١٠ ه

١٤٦

[فائدة ـ ٣]

فى ثمرات الخلاف فى وجوب المقدّمة وعدمه (١)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله على اعدائهم اجمعين الى يوم الدين.

ذكروا للخلاف فى وجوب المقدّمة ثمرات :

منها : انّه لو نذر ان يأتى بواجبات عديدة ، او انّه لو فعل واجبات عديدة ـ فعليه كذا وكذا شكرا ، او انّه لو ترك واجبات عديدة فعليه كذا وكذا زجرا.

ويرد عليه ـ مضافا الى انّ النذر وشبهه لا يصير ثمرة للمسألة الاصولية كما لا يخفى ـ انّه لا يكتفى باتيان الواجب مع مقدّماته ، او تركه مع مقدّماته على كل قول.

امّا اوّلا : فلانصراف لفظ الواجب الى الاصلى بل النفسى.

وامّا ثانيا : فلأنّ قيد «التعدّد» يقيد ذلك ، لانّ الواجب الواحد مما يمتنع وجوده على القول بوجوب المقدمة اذ لا يخلو واجب عن مقدّمات متعدّدة.

__________________

(١) ـ فى هذه الثمرات انظر : مطارح الانظار : ص ٨٠ ـ هداية المسترشدين ـ كفاية الاصول.

١٤٧

ولو فرض انّه أتى بالمقدّمة دون ذى المقدّمة ، فاقلّ ما يتحقّق من المقدّمات اكثر من الاثنين اذا لا اقل من تعلّق الارادة بذى المقدّمة وارادته يستلزم ارادات متعدّدة لكل مقدّمة مقدّمة.

نعم لو لم يقيد الواجب بالمتعدد وتعلق نذره بفعل مطلق الواجب ، فيظهر الثمرة فيما اذا اتى بالمقدمة من دون ذيها بناء على المشهور من اتصاف المقدمة المأتى بها بالوجوب وان اتفق عدم حصول ذيها.

ومنها : استحقاق الثواب والعقاب ، ويرد عليه ـ مضافا الى عدم كون هذه ثمرة للمسألة الاصولية بل ولا الفقهية لانّ الفقيه لا يبحث عن الثواب والعقاب ـ انّه : امّا ان يكون المراد ظهور الثمرة فى تعدّد العقاب والثواب وعدمه ، وامّا ان يكون المراد انّه على القول بوجوب المقدّمة يكون العقاب على تركها لافضائه الى ترك ذيها على ما هو ظاهر المحقق السبزوارى (ره) فى رسالته.

فان اريد لزوم التعدد على القول بالوجوب ، فقيه : ان القول بالتعدد غير معروف صريحا لاحد ، ولا قام الدليل من العقل والنقل الّا على خلافه ، مع ان المشهور بل المجمع عليه بل البديهى ـ كما عن الدوانى ـ هو الوجوب.

وامّا القول بوجوب المقدّمة بمعنى استحقاق العقاب على ترك المقدّمة دون ذى المقدّمة فهو ايضا غير معروف لاحد من العلماء الّا من المحقق السبزوارى فى رسالته ، وكانّه تبع فيه ما ربما يستظهر من المدارك فى كتاب الطهارة فى مسئلة المصلّى مع النجاسة جهلا بالحكم الشرعى عن تقصير حيث قال : انّ من عدم معذوريّة الجاهل انّه كالعالم فى استحقاق العقاب

١٤٨

فمشكل ، لانّ تكليف الجاهل بما هو جاهل تكليف بما لا يطاق. نعم هو مكلّف بالبحث والنظر مع قضاء العقل بوجوبها ، فيأثم بتركها لا بترك ذلك المجهول كما لا يخفى ، وكانه تبع فى ذلك شيخه المحقق الاردبيلى (ره) (١) فيما حكى عنه فى مسئلة «الصلاة فى المكان المغصوب جهلا بعد الحكم بمعذوريّة جاهل الغصبيّة» معلّلا بانّ البطلان تابع للنهى وهو انّما يتوجّه الى العالم. ثمّ قال : وامّا الجاهل بالحكم فقد قطع الاصحاب بانّه غير معذور لتقصيره فى التعلّم وقوّى بعض مشايخنا المحقّقين الحاقه بجاهل الغصب لعين ما ذكر فيه ولا يخلو عن قوّة انتهى.

واحتمل العلّامة (ره) فى النهاية ما قوّاه هؤلاء الجماعة.

اقول : الكلام يقع تارة فى ترتّب الثمرة على هذا القول ، واخرى فى صحّة هذا القول فى مقابل الجماعة القائلين به ، وثالثة : فى انّ الوجوب الذى يقول به المشهور هل هو بهذا المعنى كما هو ظاهر ارباب هذا القول وصريح بعضهم ام لا؟ امّا الكلام فى الثمرة فحاصله انّه لا يترتب ثمرة عليه ، لانّ تعيين ما يستحق عليه العقاب ، وانّه هل هو ترك المقدّمة او ترك ذيها عند تركها ، او عند ترك ذيها ـ ليس وظيفة الفقيه فلا ينبغى تعرض الاصولى لبيان مأخذه ومبناه.

نعم ربّما يحتمل انّ الثمرة تظهر فى الفسق والعدالة ، لانّ التارك للمشى الى مكّة قبل الموسم يصير فاسقا على القول بالوجوب بهذا المعنى وان لم يجئ زمان الحج ، بخلاف القول بعدم الوجوب فانّه لا سبب لفسقه اذ

__________________

(١) ـ مجمع الفائدة والبرهان : ج ٢ ص ١١٠ للمقدس الاردبيلى. الطبعة الحديثة.

١٤٩

لم يترك بعد واجبا. (١)

ويرد عليه ان الفسق ان كان من جهة ترك واجب او واجبات وهى المقدّمات ، ففيه انّ ادلّة شدت الفسق بالمعاصى مختصة بالواجبات والمحرمات الاصلية بل النفسية والّا لكان الموجب للفسق فى كل معصية تركا او فعلا ارادته المستتبعة لارادة مقدماته وهذا مخالف للادلّة الدالّة على ان ان الكبائر هى نفس المعاصى ، بل مخالف للاجماع ظاهرا.

وان كان الفسق من جهة خصوص فعل مقدّمة الكبيرة الّتى يوجب وقوعها لا محالة وبعبارة اخرى جعل الكبيرة واجب الوقوع ومعجوزا عن الترك.

ففيه : ان الفسق كان لفعلية استحقاق الذمّ المترتب على الكبيرة فهو فاسق حتّى على القول بعدم الوجوب لفعليّة استحقاق الذمّ على هذا القول بمجرد حصول الداعى الى فعل الكبيرة ، وان كان تابعا للعنوانات الخاصة فلم يحصل حتى على القول بوجوب المقدّمة كما لا يخفى.

وامّا حال هذا القول وما استدل به عليه ، فحاصله على ما ذكره المحقق السبزوارى (ره) فى رسالته انّه : «اذا فرضنا ان العبد بعد ترك المقدمات كان نائما فى زمان الفعل ، فامّا ان يكون مستحقّا للعقاب ام لا ، لا وجه للثانى لانّه ترك المامور به مع كونه مقدورا [له](٢) ، فثبت الاوّل. (٣)

__________________

(١) ـ انظر فى تقرير هذه الثمرة : هداية المسترشدين ، كذلك لها تقرير آخر للشيخ الاعظم فى مطارح الانظار ص ٨١.

(٢) ـ زيادة من رسالة السبزوارى المخطوطة.

(٣) ـ فى المصدر : «فيثبت»

١٥٠

فامّا ان يحدث استحقاقه للعقاب فى حالة النوم ام حدث قبل ذلك لا وجه للاوّل ، لانّ استحقاق العقاب انما يكون لفعل (١) القبيح وفعل النائم او (٢) الساهى لا يتصف بالحسن والقبح بالاتفاق ، ولا وجه للثانى لانّ السابق على النوم لم يكن الّا ترك مقدمات الفعل مع ان المفروض عدم وجوبها انتهى». فانّه يرد عليه منع قوله اخيرا «لانّ الحاصل قبل النوم لم يكن الّا ترك المقدمات» (٣).

فانا نقول ـ تحقّق ايضا ترك ذى المقدّمة وهو : الفعل الواقع فى الزمان المستقبل وهذا الترك ليس مستندا الى عدم تحقّق الزمان المستقبل بل الى ترك المقدمات.

والحاصل : انّه ان اريد اثبات كون استحقاق العقاب بسبب ترك ذى المقدّمة فهو شيء يعترف به القائل بعدم الوجوب ، وان اريد به استحقاق العقاب على ترك المقدّمة لا ذيها ، لان ترك ذيها لا يتصف فى زمانه بالامتناع فلا يحسن المؤاخذة عليه.

ففيه : ما عرفت من ان ترك ذى المقدّمة وهو الفعل الواقع فى الزمان المخصوص حاصل فى حال ترك المقدّمة لعدم انفكاك المعلول عن العلّة التامّة.

نعم لو اخذ ترك ذى المقدّمة مقيّدا بالزمان المستقبل لم يجز تحقّقه حال ترك المقدّمة ، لانّ انقضاء ذلك المقدار من الزمان ايضا من مقدّماته و

__________________

(١) ـ فى المصدر : بفعل

(٢) ـ فى المصدر : و

(٣) ـ نقل الشيخ كلام السبزوارى ـ كما ترى ـ مع تصرّف يسير فى لفظه.

١٥١

ان لم يكن مقدورة ، فترك المقدّمة ليس علّة تامّة لترك ذيها.

فتبيّن مما ذكرنا انّه لا فرق بين اتّصال زمان المقدّمة المتروكة بزمان ذى المقدّمة كمن ترك الطواف مع وقوفه عند الحجر الاسود جامعا لشرائط الطواف ، وبين انفصاله عنه كمن ترك المشى قبل اشهر الحج مع مسير الرفقة ، فانّ ترك الواجب فى كل منهما يحصل عند ترك المقدّمة.

وما ذكره من اتصاف ذى المقدّمة حين تركه بكونه معجوزا عنه ـ مشترك الورود ، اذ كل متروك ممتنع بالعرض وكل موجود واجب بالعرض.

نعم يمكن ان يقال : ان ترك ذى المقدّمة فى زمان ترك المقدّمة مستند الى عدم حضور زمانه الذى هو من مقدّمات وجوده وعدم هذه المقدّمة اسبق من الصارف ، فعدم الفعل قبل حضور زمانه مستند الى عدم الزمان الخارج عن قدرة المكلف ، فالترك المتحقق فى هذا الزمان مقدور لاستناده الى غير مقدور فلا يجوز العقاب عليه.

نعم الترك المحقق عند حضور زمان الفعل مستند الى الصارف ، فالمتيقن فى الجواب ان يقال : انّ استحقاق العقاب عند ترك المقدّمة انّما هو لاجل التّجري القبيح عقلا ، فامّا ان يتّفق كون ترك هذه المقدّمة مفضيا الى ترك ذيها وامّا ان لا يتفق ، كان يحصل له المقدّمة بضرب من الاتفاق خارج عن اختياره ، فان حصلت وفعل الواجب كان هذا الاستحقاق لمحض التجرّي ، وان تركه بعد حصول المقدّمة اتفاقا استحقّ عقابا آخر على ترك

الواجب ، وان لم يتفق له المقدّمة فترك الواجب فان قلنا بعدم مدخلية الامور الخارجة عن الاختيار فى اصل العقاب او زيادته ، كان عقابه كعقاب

١٥٢

المتجرّى السابق والّا عوقب عقابا يناسب المعصية ، فالاستحقاق المنجّز عند ترك المقدّمة هو استحقاق العقاب المردّد فى علم الله بين كونه لمحض التّجري او لمحض العصيان ، ولا يمتنع تقدّمه على حصول العصيان لعدم تقبيح العقل ايّاه اذا كان سبب المعصية مقدّما وكان تاخّر تحقق المعصية لاجل مانع خارجى عن اختيار المكلف ، كاستحقاق المدح قبل تحقق الطاعة اذا لم يبق من علل فعل الطاعة الّا امر واجب الحصول بغير اختيار المكلف.

ثمّ انّ ما ذكره يستدعى كون الثواب ايضا على فعل العلّة التامّة دون المعلول ، لانّه ايضا واجب لا يتصف بالحسن والقبح كما اذا اوجد السبب بان رمى السهم او قطع الاوداج فنام ، فانه يثاب على فعل المقدمات دون ذى المقدّمة على ما ذكرت مع انّ العرف والشرع مملوّان من الحكم باستحقاق الثواب والعقاب على نفس الواجبات فعلا وتركا ، وتأويلها بكون الاستحقاق من جهتها لا عليها كما ترى.

ثمّ انّ هذا القول مستلزم لحصر المقدّمة الواجبة فى الارادة دون غيرها ، اذ معها يمتنع تخلّف غيرها من المقدّمات ، فغيرها من المقدّمات مع وجودها واجب ومع عدمها ممتنع الّا ان يلتزم بذلك. ويقال انّ كل فعل له مقدّمة مقدورة لا يعاقب الّا على ترك مقدّماتها ، لانّه مفض الى تركه فينتهى استحقاق العقاب فى ترك اىّ واجب كان الى سوء الاختيار الكاشف عن الشقاوة الباطنية ، نعم سوء الارادة والاختيار لا يعاقب على ترك مقدماته ، لانّ مقدّماته غير داخلة فى الاختيارات لانّ المراد من الاختيارى ما كان مسبوقا بالاختيار لا سابقا عليه. وشبهة الجبر مدفوع بما فى محلّه.

١٥٣

وممّا ذكرنا يظهر انّ ما اجاب به المحقق الخوانسارى (ره) من الدليل المذكور بالنقض : «بانّه يوجب رفع استحقاق العقاب على كل فعل وترك» ليس فى محلّه ، اذ له ان يلتزم بانّ كل فعل او ترك اختيارى فالعقاب ليس الّا على ترك مقدّمته.

وربما يتخيّل انّ معنى وجوب المقدمة عند المشهور طلبها بمعنى استحقاق العقاب على تركها لا فضائه الى ترك ذيها وانه ليس استحقاق آخر فى زمان ترك ذى المقدّمة لوجوه :

الاوّل ـ انّ استدلالهم بانّها لو لم تجب لزم التكليف بما لا يطاق ان بقى وجوب ذى المقدّمة بعد تركها ، والّا لزم خروج الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا.

فانّ مفاد ذلك انقطاع التكليف عند ترك المقدّمة مع ثبوت العقاب حينئذ ، اذ لو لم ينقطع لزم التكليف بما لا يطاق بناء على انّ الامتناع مانع عن التكليف والطلب ، ولو كان ناشئا عن اختيار المكلف. ولو انقطع ولن يتنجّز العقاب لزم خروج الواجب عن الواجب المطلق اذ حينئذ يصير الوجوب مقيدا بحال وجود المقدّمة بمقتضى انّ مع عدمها لا يعاقب اصلا.

الثانى ـ انّ المشهور بل المجمع عليه : هو ان الغاصب المنهى عن مطلق التصرف فى مال الغير ، اذا دخل مكانا مغصوبا صحّت صلاته حال الخروج اذا كان على اقصر وجه من حيث الزمان والتصرف ، ومعلوم انّ التصرف فى حال الخروج حرام لعموم أدلّة النهى عن التصرف وقبحه وهو مسبّب عن فعل علته ، فلو صحّ تعلق العقاب به لم يصحّ الصلاة الواقعة لكون القبيح جزء

١٥٤

من الصلاة حينئذ ، فلو لا ارتفاع القبح والتكليف عن هذا الفرد من الغصب لم يكن لحكمهم بصحّة الصلاة وجه.

الثالث ـ انّ الاصحاب مطبقون على عدم تحريم ضد الحج المتروك لمن كان جالسا يوم عرفة فى بيته ، ولو كان الحج فى ذلك الوقت متّصفا بالوجوب او الحسن كان ترك ضدّه حسنا ايضا ، فكان فعله قبيحا وكان باطلا اذا كان من العبادات ، مع انّ احدا لم يقل بذلك مع كون كثير منهم قائلين باقتضاء الامر بالشيء النهى عن ضدّه الخاص ، فيعلم انّ النهى والقبح كليهما مرتفعان عن ترك الحج فى ذلك الزمان.

ولكن التحقيق انّ هذه الوجوه لا تدلّ على كون وجوب المقدمة بمعنى استحقاق العقاب على تركها لجواز قول المشهور باستحقاق العقاب على ترك ذى المقدّمة عند ترك مقدّمته ، وهذا لا ينافى ارتفاع التكليف عنه وعن ضدّه بعد تحقّق امتناعه بسبب ترك المقدّمة ، بل لا ينافى كون الترك المذكور مقدّمة لواجب آخر لانّ المفروض عدم وجوب المقدّمة ، وامتناع الامر بالشيء مع حرمة مقدّمته انّما هو مع بقاء الحرمة وطلب تركها لا بعد صيرورتها واجب الحصول لوجود علّتها التامّة.

فمن دخل دارا مغصوبة فقبل الدخول يحرم عليه التصرف بجميع افراده الّتي منها التصرف عند الخروج وترك هذا الحرام يحصل بالصارف عن الدخول ، فاذا دخل وصار التصرف المحرم واجب الحصول سواء مكث او خرج كان الخروج لا بدّ منه بحكم العقل فانّ تركه لم يعاقب على تركه بل يعاقب على تصرّف الزائد.

١٥٥

فان قلت : ارتفاع التكليف عنه لا يوجب ارتفاع القبح عنه فهو قبيح ممتنع ، اذ لو لم يكن قبيحا على القول بعدم وجوب المقدّمة لزم ان لا يصدر من تارك الواجب قبيح اصلا مع اتفاق العقلاء على صدور قبيح منه ، فاذا كان قبيحا فلا يكون متحدا مع العبادة او جزئها فى الوجود الخارجى ولا يجوز ايضا ان يكون مقدّمتها الحسن.

قلت : الامر بالقبيح او بما اشتمل على القبيح او بما كان متوقفا على القبيح انّما يقبح من جهة كونه تحريض (١) المكلف للقبيح او ايقاعه فيه وطلبا لاختياره.

واما اذا فرض القبيح واجب الحصول بسوء اختيار سابق على الامر المفروض ، فلا يعلم وجه لقبحه ، فمن هنا صحّ الامر فى يوم النحر بضد الطواف الذى يتوقف على ترك الطواف وصحّ الامر الخارج عن المكان المغصوب بالصلاة حال الخروج مع كون الايماء للركوع والسجود تصرّفا فى المغصوب.

نعم لو قلنا بان امتناع اجتماع الامر والنهى من جهة امتناع اجتماع المصلحة والمفسدة او الحسن والقبح الذاتيين الغير الملازمين للطلب الفعلى كان طلب هذا القبيح كالصادر من الناس ، فمن قال بعدم الاجتماع فيه ، قال بعدمه هنا ، الّا انّ المشهور انّ امتناع الاجتماع من جهة امتناع الامر والنهى دون اجتماع الحسن والقبح وان فرض عدم النهى الّا ان الفرق بين من سبق نهيه كالناسى المسبوق بالتكليف وهذا العاجز عن ترك الخروج وبين من لم

__________________

(١) ـ فى الاصل : تعريض.

١٥٦

يسبق نهيه كالجاهل بالغصب رأسا.

بقى هنا سؤال : [ما] الفرق بين الغافل عن تقصير وهو : الجاهل الذى حكم المشهور بفساد عبادته اذا اتّحد مع الحرام كالغصب حيث لا يعلم حرمته ، وبين العاجز عن ترك التصرف فى المغصوب عند خروجه منه؟ حيث حكموا بصحّة عبادته المتّحدة مع الغصب فى الوجود الخارجى كالايماء للركوع والسجود ، وكذا ناسى الغصب مع سبقه بالعلم وتقصيره فى التحفظ ، وكذا ناسى الحكم مع تقصيره بترك التذكر.

فانّ النهى لو صحّ توجهه الى العاجز عن الامتثال لم يكن وجه لصحّة صلاة الخارج عن المحل المغصوب عند الضيق ، لكون ايمائه للركوع والسجود تصرّفا منهيا ، ولذا حكموا بفساد النافلة اختيارا (١) فى المكان المغصوب وان لم يصحّ توجّهه اليه لم يكن وجه لفساد صلاة الجاهل المقصّر ، نعم فرق بينهما من حيث ان الغافل المقصر فى تحصيل العلم عاجز عن امتثال النهى لا عن اصل الفعل ، اذ الفعل لا يخرج عن المقدورية بمجرّد عدم العلم بالنهى عنه او بالامر به انّما المحال فعله او تركه على وجه الامتثال وهذا معنى : «انّ تكليف الجاهل تكليف بما لا يطاق» بخلاف العاجز عن ترك التصرف فى المغصوب عند الخروج عنه.

لكن هذا الفرق مع انّه غير مؤثّر فى حسن النهى فى الغافل وقبحه فى العاجز يوجب الحاق ناسى الحكم ، بل الموضوع مع التقصير بالجاهل المقصر ، مع ان الخلاف فى ناسى الغصبيّة معروف بين من لم يعرف منهم

__________________

(١) ـ فى الاصل : توجيهه.

١٥٧

خلاف فى عدم معذوريّة الجاهل فتأمّل.

ويمكن الفرق بين الجاهل المقصر والعاجز فى مثال الخروج عن المكان المغصوب : بان العاجز انما يؤمر بالصلاة بعد العجز عن امتثال النهى بترك التصرف الحاصل بالخروج ، بخلاف الجاهل فانّه بعد امره بالصلاة قادر على تحصيل العلم بالمسائل.

ومنها : تحريم الغصب ليعلم انه حرام لا يحصل امتثال الصلاة وفرض عدم تمكنه من تحصيل العلم بعد دخول الوقت الذى هو وقت الصلاة لا ينفع بعد ما اخترناه من انه يجب تحصيل مسائل الصلاة قبل الوقت ، وكيف كان فالممكن تعلّق الامر بما كان منهيّا قبل الامر وصار ممتنعا حين تعلق الامر.

وامّا ما تعلّق به الامر قبل الامتناع فلا يجوز امتثال ذلك الامر فى ضمنه ، الّا ان يفرض صيرورته فى بعض الازمنة ولو عند ضيق الوقت عاجزا عن التحصيل لفقد مقدماته ولو باختياره ، ولعلّ هذا داخل فى القاصر فيريدون بالمقصر الذى يتمكن من تحصيل العلم حين الصلاة وبعبارة اخرى المتلبّس بالتقصير حين الامر بالصلاة لا العاجز قبله فتأمّل.

ومن جملة ما يمكن ان يعدّ فى ثمرات وجوب المقدّمة صحّة التّيمم لمسّ كتابة القرآن اذا وجب ، حيث انه يتصف بالوجوب على القول بوجوب المقدّمة فيصح ، وامّا على القول بعدم الوجوب فلا مصحّح له لانتفاء الوجوب بالفرض وانتفاء الاستحباب لعدم استحبابه فى نفسه كما يستحب الوضوء والغسل ، فان قصد غاية اخرى مستحبّة ورد استحباب التيمم لها ، او واجبة ورد وجوب التّيمم لها فيبيح المسّ بذلك التّيمم ، والّا فلا يصحّ التّيمم

١٥٨

لخصوص استباحة المسّ هذا.

ويمكن الايراد عليه بانّ امتثال وجوب المسّ اذا توقف على ايجاد مقدّمة اباحيّة ـ والمفروض انّ التيمّم لا يقع مبيحا الّا اذا وقع بعنوان التعبد المتوقف على وجود الامر به والمفروض انّ وجود الامر ليس باختياره ـ فيلزم توقّف وجوب المسّ على التمكن من التّيمم المبيح ولا يمكن الّا بامر الشارع والمفروض خلافه.

وتوهّم ثبوت التمكن منه بارادة غاية اخرى ورد الامر بالتيمّم لها وجوبا او استحبابا مدفوع بانّه قد لا يجب ولا يستحب فى حقّه غاية اخرى ، لانّ ما ورد الامر بالتيمّم لها ليس الّا الصلاة.

وقد لا يتمكن منها ولا يترجّح فى حقّه فيعلم ان على فرض اعتبار التعبد فى التّيمم يكفى فى ذلك الاتيان به بقصد التوصل الى الواجب ، وقد عرفت سابقا انّ اتيان المقدّمة للتوصل بها الى الواجب فيه نوع من التقرب الى المولى الّا ان يقال ان حصول مقدّمة المسّ الواجب ـ وهى اباحته ـ موقوف على مسبّبه وهو وقوع افعال التيمم على وجه التعبّد ، فلو اريد بالتعبّد ، التعبّد العارض للفعل بعد اتصافه بصفة المقدّمية لزم الدور لكن هذا مشترك الورود ، فانّ القائل بوجوب المقدّمة انّما يقول بالوجوب بعد احراز صفة المقدّمية ، والمفروض ان الافعال بنفسها ليست من المقدّمات بل المقدّمة هى استباحة المسّ او رفع الحدث وهذه الصفة لا يتحقق الّا باتيانه على جهة التقرب والتقرب المتاخر عن الوجوب لا بدّ من تحقّقه ليحقق موضوع المقدميّة التى هى متقدّمة على الوجوب.

١٥٩

والتحقيق ان وجوب التّيمم فى موضع يجب فيه الوضوء او الغسل ، امّا ان يثبت بالاجماع وامّا بعموم المنزلة فى قوله عليه‌السلام فى صحيحة حمّاد و (١) «هو بمنزلة الماء» [و] «فان التيمم احد الطهورين» (٢) ونحو ذلك ، فلا يحتاج الى اثبات وجوب المقدّمة والّا فالوجوب المقدّمى لا يثبت منه اعتبار «قصد التقرّب» كما فى جميع المقدمات.

فان قلت : ننقل الكلام فى الوجوب الثابت للطهارات.

فنقول : انّ ايجابها من باب المقدّمة لا يثبت به اعتبار التقرب ، اذ الوجوب العارض للمقدّمة بوصف انّها مقدّمة سواء كانت بالشرع ام بالعقل لا يجوز ان تكون منشأ لقصد التقرب فى المقدّمة الّتى لا يتحقّق وصف المقدّمية لها الّا اذا اتى بها على قصد التقرب ، وبعبارة اخرى هو اتيان افعال الوضوء المقرون بقصد التقرب لانّه المقدّمة ، فقصد التقرب قبل الوجوب فلا بدّ له من منشإ آخر غير الوجوب العارض له ، والمفروض عدمه فى التّيمم لعدم الرجحان النفسى. قلت الامر الشرعى المتعلق بالطهارات الثلاث ليس متعلقا بها بوصف انّها مقدّمات على ان يكون المقدّمية ملحوظة فى موضوع الامر قبل تعلق الامر ، وانّما تعلق بذواتها والداعى عليه يكون امتثال الامر بها موجبا لاباحة الدخول فى العبادة. فموضوع المبيحيّة الموجدة بوصف المقدّميّة يتحقّق بعد تعلق الامر لا انّ الامر متعلّق بالفعل المتّصف بالمبيحيّة والمقدّميّة حتى يكون نظير الوجوب العقلى المتعلّق بالمقدّمة ، فتأمل حتّى لا تفهم من ذلك انّ الامر

__________________

(١) ـ وسائل الشيعة : ٢ / ٩٩٥.

(٢) ـ المصدر : ٢ / ٩٩١. راجع الى جواهر الكلام : ٥ / ٤٣١.

١٦٠