الفوائد الأصوليّة

الشيخ مرتضى الأنصاري

الفوائد الأصوليّة

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: حسن المراغي « غفارپور »
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: شمس تبريزي
المطبعة: ايران يكتا
الطبعة: ١
ISBN: 969-94215-0-5
الصفحات: ٧٧٠

١٢١ ـ محمد هادى الطهرانى (١٢٥٣ ـ ١٣٢١ ه‍)

هو الشيخ محمد هادى بن محمد امين الطهرانى ولد فى طهران فى العشرين من رمضان سنة ١٢٥٣ ه‍ ـ او ١٢٥١ على قول آخر ـ هاجر الى اصفهان للدراسة وتحصيل العلوم وكان فطنا والمعيا ، قرأ فيها الفقه والاصول على السيد محمد الشهشهانى والسيد حسن المدرس المشهور ثم عاد الى طهران وهاجر الى العراق واقام فى كربلا اولا حضر فيها على درس الشيخ عبد الحسين الطهرانى ثم انتقل الى النجف وحضر درس الشيخ الاعظم الانصارى وكان طلبه للعلم حثيثا الا أنه يروم الفضل الواسع والاجتهاد وبقى سنين غير يسيرة حتى استقل بالتدريس لغزارة علمه على حداثة سنه وصارت حلقة درسه واسعة خصوصا درسه الاول طرف الصبح ودرس العصر لا يستهان بعدد من يحضر عليه من اهل العلم ، فحسده بعض القوم من المهاجرين ونسبوا له اشياء لا تليق بأوطإ رجل فضلا عن مثله ، ثم رموه بانه يحسن طريقة «الشيخية»!! وخذلوه.

وورد فى «احسن الوديعة» : «نقل انه كان كثير الطعن والتشنيع فى مجلس درسه على العلماء والمجتهدين فى مقام ردّ كلماتهم ولذا نقل وبل قد اشتهر أن معاصره العلامة الرشتى المتقدم ذكره حكم ب «كفره» بحيث نقل لنا ـ من اثق بنقله واعتمد على قوله : ان شيخنا الهادى صاحب العنوان ورد فى تأبين بعض علماء النجف فلما سقوه القهوة حسب ما هو العادة فى المأتم والتعازى صاح من وسط المجلس بعض المغرضين ـ بمحضر الشيخ العلامة الحاج ميرزا حبيب الله الرشتى (ره) وملأ من الناس ـ «اغسلوا فنجان

١٠١

القهوة الذى شرب منه الشيخ هادى» وكان شيخنا العلامة المحقق الشيخ محمد حسين الكاظمى ـ ره ـ حاضرا فى المجلس فلما سمع تلك الصيحة النفسانية المنبعثة من الوساوس الشيطانية والدسائس الشخصية حركته الغيرة الايمانية ، فامر باتيان كوز من الماء ليشرب ، فجيئ له بكوز من الماء فقدمه لشيخنا الهادى ـ ره ـ وقال : «اشرب منه حتى اشرب سؤرك» ففعل ذلك فتعجب الحاضرون من صنيع الشيخ فوثقوا بصاحب العنوان بعد فعل الشيخ المعظم عليه وتركوا الحركات القبيحة والتكلمات البذية ...» (١)

وكذا انتصر له المولى محمد الايروانى وقال الشيخ آغا بزرگ : كان هذا حسدا لمكانته العلمية (٢).

لما توفى والده فى طهران ونقل جثمانه الى النجف حضر الاساتذة مع جمع من فضلاء العرب وافراد من الايرانيين للصلاة على ابيه وائتموا به توثيقا له فعندئذ خمدت اصوات المهرجين.

اقول : كان رحمه‌الله ركنا من اركان التحقيق والتدقيق والمؤسس فى الاصول والفقه وشيخ مشايخنا وكان يقول سيدنا الاستاذ السيد ابو الحسن : انه كان يقرأ «كفاية الاصول» على الميرزا محمد حسين الطهرانى واحد العين وهو كان من تلامذة الشيخ هادى الطهرانى واقترح الميرزا علىّ قراءة كتاب «محجة العلماء» للشيخ هادى فعملنا به وكان يقول : قد قرأت الكتاب على صاحب الكتاب. وكان المرحوم آية الله البروجردى يفخم ويكرم الميرزا

__________________

(١) ـ احسن الوديعة : ص ١٦٦ محمد مهدى الموسوى الاصفهانى ـ طبعة بغداد

(٢) ـ نقباء البشر : ٢ / ٧٧٧

١٠٢

محمد حسين الطهرانى لمكانته العلمية.

مؤلفاته : الحق اليقين فى علم الكلام ـ محجة العلماء ـ الاتقان ـ كشف الاستار ـ ودائع النبوة ـ الصلاة ـ الصوم ـ الزكاة ـ الرضاع ـ الوصية ـ الارث ـ ذخائر النبوة فى الخيارات ـ الرضوان فى الصلح ـ التوحيد ـ ابطال التنجيم ـ رد الشيخية ـ الامامة ـ تفسير آية النور ـ حرمة الغناء ـ مناسك الحج ـ الوقف ـ منظومة فى الصلح والنحو ـ الحق والحكم ـ حاشية على رسائل الشيخ الانصارى ـ رسالة عملية. (١)

توفى فى طهران فى اليوم العاشر من شهر شوال سنة ١٣٢١ ه‍ ونقل جثمانه الى النجف ودفن بها.

١٢٢ ـ محمد الهندى (١٢٤٢ ـ ١٣٢٣ ه‍)

السيد محمد بن هاشم بن مير شجاعة على الرضوى الهندى ولد فى النجف حدود سنة ١٢٤٢ ه‍ حضر على الشيخ محسن خنفر كثيرا وعلى صاحب الجواهر والشيخ الاعظم الانصارى ، كان عالما فقيها اصوليا واشتهر بالفضيلة والتحقيق رجع اليه بعض اهل السواد فى التقليد.

مؤلفاته : التحريرات فى الفقه ـ الاضواء المزيلة للشبه الجليلة فى الردّ على البابية ـ شرح الشرائع ـ كتاب فى الاصول الكلية والقواعد العامة ـ كتاب فى الرجال ـ حواش على الرسائل ـ توفى آخر شعبان سنة ١٣٢٣ فى النجف ودفن بداره. (٢)

__________________

(١) ـ معارف الرجال : ٣ / ٢٢٥ ـ اعيان الشيعة : ٥٠ / ٤٤ طبعة بيروت ١٣٨١ ه

(٢) ـ معارف الرجال : ٢ / ٣٧٨ و ٣٧٦

١٠٣

١٢٣ ـ محمود العراقى (المتوفى حدود ١٣١٠ ه‍)

الشيخ محمود بن جعفر بن باقر بن قاسم ولد فى اراك واشتهر بالعراقى الميثمى لانه قيل نسبه ينتهى الى ميثم تمار صاحب امير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ لما بلغ التاسع من عمره قرأ العلوم الادبية وفى سنة ١٢٥٥ ه‍ هاجر الى بروجرد وحضر على درس الشيخ اسد الله البروجردى والسيد شفيع الجابلقى ثم سافر الى سلطان آباد وطهران وخراسان وآذربايجان مدة عشرة سنين وقال ـ فى خاتمة كتاب «دار السلام» ـ : «انى هاجرت الى النجف فى سنة ١٢٧٠ ه‍ وحضرت على درس وصلاة شيخ الطائفة الشيخ مرتضى الانصارى ـ قدس‌سره ـ الى ان توفى.»

ثم عاد الى ايران واقام مدة فى همدان ثم ذهب طهران وصار من العلماء الاعلام والفقهاء المشهورين واشتغل بالتأليف واقامة الجماعة فى مسجد آقا بهرام فى شارع پامنار الشهير يومنا بمسجد آية الله الكاشانى.

مؤلفاته : جوامع الشتات ـ قوامع الفضول عن وجوه حقائق علم الاصول ـ لوامع النكات او لوامع الاحكام ، هذه الكتب الثلاثة تشتمل على تقريرات دروس استاذه فى الفقه والاصول ـ خزائن الكلام فى شرح قواعد الاحكام ـ دار السلام فى بيان جملة من احوال القائم الغائب ـ كفاية الراشدين فى الرد على جماعة من المبدعين ـ مشكاة النيرين ـ توفى سنة ١٣١٠ ه‍ وحمل الى النجف. (١)

__________________

(١) ـ ريحانة الادب ٣ / ٣٨٢ ـ علماء معاصرين : ٣٢٧

١٠٤

١٢٤ ـ مهدى الخوئى

السيد مهدى الحسنى الخوئى ولد فى خوى من مدن آذربايجان وقرأ المقدمات ثم هاجر الى النجف اوائل القرن الثالث عشر وحضر على الشيخ محسن خنفر والشيخ محمد حسن صاحب الجواهر والشيخ الاعظم الانصارى وكان عالما وفقيها واديبا مشهورا عاد الى خوى ثم انتقل الى تبريز واشتهر.

١٢٥ ـ موسى التبريزى (المتوفى سنة ١٣٠٥ ه‍)

هو الشيخ موسى بن جعفر بن احمد التبريزى ولد فى تبريز ونشأ فيها وبعد قراءة المقدمات هاجر الى النجف وحضر دروس الشيخ الاعظم الانصارى واختص به وكتب دروسه وايضا تتلمذ على السيد حسين الكوه كمري فى الفقه والاصول.

من آثاره : اوثق الوسائل فى شرح الرسائل فرغ منه سنة ١٢٩٥ ه‍ وطبع سنة ١٣١٣ ه‍ تقريرات السيد الكوه كمري ـ حاشية على القوانين توفى سنة ١٣٠٥ ه‍ (١)

١٢٦ ـ نظر على الطالقانى (١٢٤٠ ـ ١٣٠٦ ه‍)

الشيخ نظر على الطالقانى الخراسانى النجفى ولد حدود سنة ١٢٤٠ ه‍ هاجر الى النجف فى اوائل النصف الثانى من القرن الثالث عشر الهجرى وحضر على الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر والشيخ الاعظم الانصارى ثم غادر العراق الى ايران واقام فى طهران فى مدرسة «خان مروى» وصار

__________________

(١) ـ معارف الرجال : ٣ / ٥١

١٠٥

مدرسا وواعظا مشهورا.

مؤلفاته : مناط الاحكام المطبوع سنة ١٣٠٤ ـ حاشية على رسائل الشيخ الاعظم الانصارى ـ تقريرات درس استاذه ـ رسالة فى حجية الخبر الواحد.

رسائل فى : بيان الدعاوى على الاعيان ـ فى الغناء ـ فى الشهادات ـ كتاب كاشف الاسرار فى اصول الدين والاخلاق والمواعظ ، فرغ منه سنة ١٢٨٦ ه‍ هاجر الى خراسان وتوفى فيها حدود سنة ١٣٠٦ ه‍ وكان بلا عقب. (١)

١٢٧ ـ هادى شرف الدين (١٢٣٥ ـ ١٣١٦ ه‍)

هو السيد هادى بن محمد على بن صالح بن محمد بن ابراهيم شرف الدين بن زين العابدين بن على بن نور الدين الموسوى العاملى ولد فى النجف سنة ١٢٣٥ ه‍ ونشأ فى اصفهان عند عمه السيد صدر الدين محمد (المتوفى سنة ١٢٦٣ ه‍) قرأ المقدمات فيها ثم هاجر الى النجف وتتلمذ على الشيخ حسن كاشف الغطاء والشيخ الاعظم الانصارى وبعد فوت زوجته اقام فى الكاظمية وقام بالتدريس واصبح من العلماء والفضلاء وتوفى سنة ١٣١٦ ه‍ واعقب السيد حسن المشهور بالصدر الكاظمى صاحب تكملة امل الآمل. (٢)

__________________

(١) ـ معارف الرجال : ٣ / ٢٠٦

(٢) ـ معارف الرجال : ٣ / ٢٢٤

١٠٦

الفصل الرابع

طلعته المباركة ومن مكارمه واخلاقه الفاضلة

فى تاريخ الفقه الشيعى ومرجعية الامامية مراحل ودورات بارزة ولكن من ابرزها نعدّ ظهور الشيخ الاعظم الانصارى فى القرن الثالث عشر الذى له دور بارز فى تجديد منهجية الفقه والاصول وتطورها ، امّا فى الزهد والتقوى والفضائل والمكارم الانسانية بلغ قمتها وترك ثروة علمية عظيمة وتراثا معنويا كبيرا وجمع بين العلم والعمل ووضع طريقا إلهيا لتلامذته واتباعه استمر الى يومنا هذا وهو ينطبق على ما خط خطّته نبينا وائمتنا صلوات الله عليهم اجمعين نسأل الله تثبيت اقدامنا فيه الى يوم الدين.

امّا فضائله الجمة ومكارمه الكثيرة لا تعد ولا تحصى وليست هذه المقدمة محل تفصيلها ونقتصر منها على شيء يسير من اقوال بعض معاصريه وتلامذته.

ممن شاهد الشيخ الاعظم وذكر اوصافه الظاهرية او اخلاقه الفاضلة :

الاول ـ السيد الميرزا محمد الشهرستانى يقول فى الموائد :

«كان [الشيخ الاعظم] رجلا طويلا مع كريمة حمراء ، صبيح الوجه وفيه من اثر الجدرى ، المليح ، حسن المواجهة والمازح» (١)

__________________

(١) ـ الموائد : السيد الميرزا محمد الشهرستانى : المأخوذ من المآثر والآثار : ص ٢٤٤.

١٠٧

الثانى ـ يقول الشيخ محمد حرز الدين : «... كان فقيها اصوليا متبحرا فى الاصول لم يسمح الدهر بمثله صار رئيس الشيعة الامامية ، كان يضرب به المثل اهل زمانه فى زهده وتقواه وعبادته وقداسته ، وقد ادركت زمانه وشاهدت طلعته ونظرت الى مجلس بحثه ورأيته يوما ورجل يمشى الى جنبه واتذكر انه ابيض اللون نحيف الجسم ، خضب كريمته بالحناء ، يلبس لباس الفقراء وعليه عباءة صوف غليظة كدرة وكان مدرسا بارعا ، تتلمذ عليه عيون العلماء والاساتذة وحدثوا انه كان متقنا للنحو والصرف والمنطق والمعانى والبيان وسمع انه استطرق كتاب المطول للتفتازانى اربعين مرة ما بين بحث ودرس وتدريس ، وله فى التدريس طريق خاص واسلوب فقده معاصروه من طلاقة فى القول وفصاحة فى النطق وحسن تقريب آراء المحققين وبيان رأى المحتكر من المبتكر وابزار المآرب والاستدلال عليها باحسن بيان واقطع برهان ، فربما خالف الجمهور واتبع الندور لوقوع نظره عليه وانتهاء فكره اليه ولم يلتزم بنقل الاقوال الّا نادرا ان راه محل الحاجة ، وقد جمع بين الحفظ وسرعة الانتقال واستقامة الذهن وقوة الغلبة على من يحاوره حدث ذلك من كنا ملحوظين فى زمانه ومن الله علينا بمشاهدة عنوانه ...» (١)

الثالث ـ يقول الشيخ محمد حسن المامقانى احد من اجلّاء تلامذته :

«... وفضائله (ره) كثيرة فانه قد جمع بين الحفظ وسرعة الانتقال واستقامة الذهن وقوة الغلبة على من يحاوره ... وكان من علو همته انه كان

__________________

(١) ـ معارف الرجال : ٢ / ٤٠٠

١٠٨

يعيش معيشة الفقراء ويبسط البذل على المستحقين خصوصا سرّا وكان غالبا لا يجهر بالعطاء ومع ذلك لا يرى لنفسه فخرا ولا شأنا وقد قال له بعض اصحابه فى مقام الثناء عليه انك تبالغ فى ايصال الحقوق الى اهلها ، فقال ان ذلك ليس فخرا ولا كرامة ، اذ من شأن من كل عامى وسوقى ان يؤدّى الامانات الى اهلها وهذه حقوق الفقراء ، انا اوصلها الى اهلها ، وذكر لى بعض افاضل تلامذته وخواصه فى حال حياته انه مع قطع النظر عن ملاحظة الشرع يستنكف من التصرف فى حقوق الفقراء مع كونه فقيرا او ليس هذا الّا من علو همته وتناهيه فى كمال الرجولية. كان يجلب اليه فى كل سنة عشرون الف تومانا بل ازيد ومع ذلك توفى وخلف بنتين لم يتمكنا من القيام بمصروف تعزيته فقام به رجل من اهل بيت المجد والشرف ستة ايام بلياليها.

وله من المصنفات هذا الكتاب (المكاسب) وهو عندى احسنها وكتاب الطهارة المعروف بين الناس ـ كتاب الصوم والزكاة والخمس على وجه البسط والتحقيق ـ وكتاب الصلاة غير مرتب وكثير من ابواب الفقه كذلك وكان سببه انه كان ضعيف البصر جدا. بحيث لا يتمكن من المطالعة بالليل ومع ذلك كان كثير الاشتغال بالعبادات ، وكان لا يحب ان يبرز شيئا غير منقح فلذلك بقى كثير مما كتبه فى ابواب الفقه غير منتظم وكذلك مباحث الالفاظ من علم الاصول ...» (١)

وما اوردناه انموذج من اقوال وآراء العلماء فيه واوصافه الجميلة و

__________________

(١) ـ غاية الآمال : ص ٣ للشيخ محمد حسن المامقانى ـ الطبعة الحجرية سنة ١٣١٥ ه

١٠٩

فضائله الحميدة وكان ـ قدس‌سره ـ نادرة عصره وواحد دهره من اعترف الكل بتقواه وزهده وورعه وكان مثلا فى الصلاح وطهارة النفس ومكارم الاخلاق ، ومنهجه العلمى انسى ما تقدم واستمر بعده ، عاش فقيرا توفى وخلف بنتين وما ترك شيئا الّا الادب والعلم والزهد والورع والتقوى قدس سرّه.

وكان نقش خاتمه الشريف :

«لا إله الّا الله الملك الحق المبين عبده مرتضى الانصارى».

١١٠

الفصل الخامس

مختصر فى دور الشيخ الاعظم فى تجديد

الفقه والاصول

بعد رواج مدرسة المجتهدين وخمود نائرة الاخبارية (كما جرى على لسان بعض المجتهدين) فى الحوزات العلمية عزم عدّة من الاصوليين على قلع اساس مسلك الاخبارية وقابلهم عدد منها الى ان قام آخر ممثلى الاخباريين وهو الميرزا محمد بن عبد الصائغ الاخبارى الشهير صاحب تصانيف كثيرة فى زمن فتحعلى شاه القاجارى واشتد نزاع الفريقين وصنف كل واحد كتبا ورسائل ضد الآخر ، واسرفوا فى التشنيع وخرجوا عن طريق الانصاف الى ان قتل الميرزا محمد المذكور كما مرت قصته فى حياة السيد محمد المجاهد الكربلائى صاحب المناهل ، وكان هذا وقعة شنيعة لانه قتل فيها عالم كبير شيعى ، امّا فى مخالفة كل نزعة فكرية وعلمية يجب تنقيدها وتفنيدها العلمى مع اقامة البرهان وإراءة الدليل عليها دون الطعن والتشنيع ، لا يزال كان هذا طريق الجهال والمغرورين.

بعد المحقق محمد باقر البهبهانى (المتوفى سنة ١٢٠٦ ه‍) والميرزا ابو القاسم القمى (١١٥١ ـ ١٢٣١ ه‍) ظهر عدة من اساطين علم الاصول و

١١١

الفقه اجتهدوا فى تأسيس المبادى وتنسيق المسائل واتقان الاسلوب وايضا لهم ابداع وابتكار فى كثير من المسائل ونذكر بعضهم :

فى علم الاصول

١ ـ شيخ المحققين وامام المدققين محمد تقى الايوانكى الاصفهانى (المتوفى سنة ١٢٤٨ ه‍) صاحب «هداية المسترشدين» من اهم المصنفات الاصولية وان اشتهر بالحاشية لكنه مصدر هامّ برأسه ، وهو شرح «معالم الدين» والمصنف ـ قدس‌سره ـ رأس الفقهاء الاصوليين من حيث التحقيق والابتكار والابداع فى مسائل علم الاصول ، على الخصوص فى مباحث الالفاظ ، والانصاف ان هذا المجهود العظيم مصدر كل ابداع وابتكار اصولى الذى جاء به الأجلّاء بعده حتى الشيخ الاعظم ولم ير مثله الى يومنا هذا وانسى ما صنف قبله. مصنفه العظيم اول من قام على تنقيد الاخبارية ونهج فيه المنهج العلمى.

٢ ـ الشيخ محمد حسين الايوانكى الاصفهانى صاحب «الفصول الغروية» (المتوفى سنة ١٢٦٠ ه‍) وهو اخو صاحب هداية المسترشدين وتلميذه. اجتهد المؤلف فى تبيين القواعد الاصولية ومسائلها وانتقد انظار الاعاظم وفى رأسهم معاصره المحقق القمى صاحب «القوانين المحكمة» وللمؤلف فى عدة من المسائل اسس ومبادى خاصة.

٣ ـ من اساتذة علم الاصول فى القرن الثالث عشر واستاد المحققين بعد

١١٢

الشيخ محمد تقى الاصفهانى هو محمد شريف المازندرانى الحائرى المشهور بشريف العلماء مرت بنا ترجمة حياته فى اساتذة الشيخ الاعظم وله ايضا قدم راسخ فى تطور علم الاصول وتوسعة وتكثير مسائله وفروضه. ومن تلامذته الشيخ الاعظم لكنه لم يشر الى مبانى وانظار استاذه الّا قليلا ، امّا ساير تلامذته كتبوا تقريرات استاذهم واوردوا نظرياته فى مؤلفاتهم منهم السيد ابراهيم القزوينى فى «ضوابط الاصول ـ السيد محمد شفيع الجابلقى فى «القواعد الشريفية» والشيخ عبد الرحيم النجف آبادي فى «حقائق الاصول» ، وهذا الاخير اوّل من طرح بعض انظار الشيخ الاعظم وحاول تحليله وتنقيده فى زمان حياته.

٤ ـ المولى آقا بن رمضان بن زاهد الدربندى (المتوفى سنة ١٢٨٤ ه‍) من أبرز واعظم تلامذة شريف العلماء صاحب «خزائن الاصول والاحكام» وغيرها ، تم تأليف كتاب «خزائن الاصول» فى سنوات ١٢٥٨ و ١٢٦٢ ه‍ والكتاب فى «ادلة العقلية» ، المصنف بسط الكلام والتحقيقات فيها ، له انظار واقوال خاصة وتمارين لاوّل مرة لا توجد فى غيرها وان صار الكتاب مهجورا ، واورد فيه انظار الاساتذة والمعاصرين منهم شريف العلماء مع تأييد او تنقيد.

فى الفقه

بعد العلامة الحلى (ره) والشهيدين لم يتغير اسلوب التحقيق ومنهج

١١٣

البحث فى الفقه الى ان ظهر المحقق الكبير والفقيه العظيم الشيخ على الكركى قدس‌سره (المتوفى سنة ٩٤٠ ه‍) صاحب كتاب «جامع المقاصد فى شرح القواعد» وايضا المولى المحقق المقدس احمد الاردبيلى (المتوفى سنة ٩٩٣ ه‍) صاحب كتاب «مجمع الفائدة والبرهان فى شرح ارشاد الاذهان» وهذان الفقيهان أبدعا منهجا خاصا وطريقا جديدا فى دراسة الفقه وتنقيح اصوله وتفريع فروعه ومن ميزات المنهج المذكور : التأكيد فى نقل النصوص والمتون (كتابا وسنة) فى كل مسألة فقهية ودراسة الحديث من حيث السند والمتن وتوضيح الفاظها وتطبيقها على الموضوع ثم ذكر فتاوى وآراء الفقهاء والتحقيق والتدقيق فيها والمقارنة ونقد الاقوال الضعيفة وردّها اىّ من كان صاحب القول مع حرية البحث والانصاف دون العصبية ، كما نرى فى منهجهما على الخصوص فى اسلوب المقدس الاردبيلى ـ قدس سرّه ـ فى كل مباحث كتابه القيم الذى بقيت قيمته مجهولة ، وهذه الطريقة تعد قريبا من منهج البحث الحديث العلمى السائد فى العلوم القانونية كلها فى العصر الحاضر فى المراكز الآكاديمية.

ومن المؤسف بقى ذلك منسيا الى ان وصلت النوبة الى قطب دائرة التحقيق ومصدر الابداع والتدقيق الشيخ الاعظم الانصارى وأحيا وجدد مدرسة صاحب هداية المسترشدين الاصولية من جانب ومدرسة العلمين المذكورين فى الفقه من جانب آخر مع ما اضاف اليهما من ابداعات وتحقيقات جديدة.

اما فى علم الاصول فعمدة تحقيقاته وابتكاراته هى فى الاصول العملية

١١٤

واجتهد فى تأسيس مسائلها على اسس جديدة وقواعد حديثة متقنة على صورة اسلوب رصين ومنهج قويم واجراه فى دراسته وتدريسه كما نشاهده فى كتاب «المكاسب» وغيره ، وبعد ظهور هذا النبوغ والعبقرية ذاع صيته واشتهر مكانته السامية ومرجعيته فى العلوم الاسلامية فى العالم وحضر العلماء والفضلاء من اكناف البلاد فى حلقة درسه وبحثه واجتمعوا عليه وكثر جمعهم وازدحموا فى النجف واستمرت دراسة التلامذة قريب من ثلاثين سنة فى مدرسة الشيخ الاعظم واخذوا منهجه العلمية وانسوا ما قبله واستعملوه فى البحوث الفقهية بعده فى المدارس والحوزات العلمية ، وبفضل هذا المنهج اصبح اكثرهم من العلماء الاعلام والمحققين بل من المجتهدين المؤسسين كما مرت ترجمة حياة عدة منهم.

بعد الفحص عن نشاطهم العلمية يمكن تقسيم تلامذة الشيخ الاعظم الى طائفتين :

١ ـ طائفة يعدّون من المؤسسين لهم عرض حديث فى علم الاصول ومبانى الفقه اذ لم يكتفوا بما اكتسبوا من الاستاذ وتقرير دروسه بل يدعون لنفسهم ابتكارا وابداعا يخالف مدرسة الشيخ الاعظم ، منهم شيخ مشايخنا الامام المؤسس المحقق الشيخ محمد هادى الطهرانى النجفى قدس‌سره ـ وله انظار خاصة فى جميع العلوم الاسلامية فى الادب ـ المعارف ـ والكلام والاصول ـ الفقه والمقتل.

ومنهم الشيخ المولى على النهاوندى صاحب «تشريح الاصول» وله مدرسة خاصة فى الاصول ، اوضحها فى ذلك الكتاب.

امّا هذه الطائفة كانوا اقل قليل ، ما قاومت مدارسهم امام مدرسة الشيخ

١١٥

الاعظم ورجعت بخفى حنين وبقيت فى زوايا الحوزات العلمية وبطون الكتب مخبوءة ومتروكة.

٢ ـ طائفة اخرى وهم اكثر اتباع وتلامذة الشيخ الاعظم ، انّهم جدّوا فى تقرير دروسه وتحرير مبانيه واضافوا الى تاسيساته شيئا ولهم فى بسط واشاعة مدرسة الشيخ الاعظم وترويجها جهود جبّارة والاخير منهم الشيخ المحقق الميرزا محمد حسين النائينى ـ قدس‌سره ـ ، وكتبوا فى هذا المجال تقريرات دروسه فى الفقه والاصول واكثر المكتبات الاسلامية مليئة بها واشرنا الى بعضها ضمن ترجمة حياتهم.

كان استاذنا فى بحث خارج الفقه يقول : كنا فى النجف مرض استاذنا آية الله الشيخ آل يس وفى مرضه الاخير طلبنا منه ارشادا ووصية علمية ، قال رحمه‌الله :

عليكم بكتب الشيخ الاعظم يجب ان يكون آثاره محور بحثكم وتحقيقكم لان كلما كتبوا بعده شرح او حاشية على مطالب الشيخ ليس شيئا حديثا.

والحاصل من هذا التفصيل امران مهمّان :

الاول ـ يجب على كل باحث منصف فى تقييم تراث الشيخ الاعظم العلمى ، النظر الى مجهودات الذين سبقوه والمقارنة بين آثارهم وآرائهم.

الثانى ـ ان الشيخ الاعظم قطب من اقطاب تاريخ التفكير الفقهى والاصولى دخل ساحة العلوم الاسلامية ونشأ فيها وقطع شوطها مع تأسيس منهج حديث وغرس شجرة مباركة حيّة الى عصرنا الحاضر فهى جديدة فى اصولها وفروعها واثمارها كما كانت فى الاول.

١١٦

الفصل السادس

تراث الشيخ الاعظم

كان الشيخ الاعظم فى دراساته ونشاطه العلمى كثير الغور ودقيق الفكر ورصين الاسلوب ومن تأمل ونظر الى آثاره المخطوطة والمطبوعة والف بمنهجه يتبين له انه كان كثير التأمل والتفكير حول المسائل العلمية وتعليل مبادئها ومرّ قوله فى منهجه انه قال ـ حين سئل عن مسألة : لقد راجعت جميع ابواب الفقه ثلاث مرات ، مرّة بنظر الاخبارى الصرف ، ومرّة بنظر الاصولى الصرف وثالثة جمعا بينهما ، وفى جميع تلك المراجعات كنت استشكل فى هذه المسألة» (١)

وبفضل تلك الملكة وغزارة علمه وطول باعه وقوة حجته تمكن من تصنيف الآثار القيمة ونال فيها الى ذروة التحقيق والابتكار ، وكان بعد ترسيم برنامج تأليف آثاره يشرع فى تصنيفها فى عرض واحد وخلال العمل يترك الرسائل ناقصا او محل بعض مسائل الكتاب خاليا لتأمل وتحقيق اكثر فيها ، ولكنه لم يتمكن من استدراكها وتكميلها واخيرا بقى اكثرها كما كان ، وهذا سبب نقصان او بياض بعض رسائله وكتبه ومثلها فى مخطوط كتاب «الفوائد الاصولية» الذى اشرنا الى مواردها.

__________________

(١) ـ انظر فصل تلامذة الشيخ الاعظم ترجمة رقم ١١٨.

١١٧

صنف الشيخ الاعظم آثاره فى مواضيع ثلاثة نذكر اسمائها مع شرح مختصر فى كل واحد منها.

الاوّل ـ اصول الفقه

١ ـ كتاب اصول الفقه :

لعل اوّل من اشار اليه تلميذه الكبير الشيخ محمد حسن المامقانى فى مقدمة «غاية الآمال» كما مر ، وبعده صاحب «معارف الرجال» (١) ثم رأى نسخته صاحب «الذريعة» وقال : انه فى مجلد ضخم محتو على اثنين وستين مبحثا من الاصول الفقهية فى مباحث الالفاظ والادلة العقلية جميعا رأيت النسخة المنتسخة عن خط المصنف فى خزانة آية الله المجدد الشيرازى» (٢) لم يطبع الكتاب ولم ينقل منه شيء فى ساير المصادر.

٢ ـ حاشية على «قوانين الاصول المحكمة» :

كتاب «القوانين» للفقيه الاصولى الكبير الميرزا ابى القاسم الجيلانى القمى وايام دراسة الكتاب كتب الشيخ الاعظم عليه حواش متفرقة ، يقول صاحب الذريعة : «قال سيدنا الحسن صدر الدين فى «التكملة» رأيت نسخة خطه وهى من اول حجة الخبر الى تمام الادلة العقلية وكان الرسائل منتزعة منها» (٣) وهذا ليس بصحيح لان كتاب «الرسائل» اى «فرائد الاصول» كما سيأتى ليس حاشية بل له اسلوب ونسق خاص. لعل هذا من حواش الفها فى اوان امره وليس لها اهمية كبرى.

__________________

(١) ـ معارف الرجال : ٢ / ٤٠٣

(٢) ـ الذريعة : ٢ / ٢١٠ بيروت

(٣) ـ الذريعة : ١٧٩ / ٦

١١٨

٣ ـ حاشية على مبحث الاستصحاب من كتاب قوانين الاصول المحكمة :

نقل فى «مكارم الآثار» عن كتاب «زندگانى وشخصيت شيخ انصارى» انها موجودة فى دزفول. (١)

٤ ـ رسالة التسامح فى أدلّة السنن : قد طبعت مرتين فى سنة ١٣٠٥ ه‍ و ١٤٠٤ ه‍ (٢)

٥ ـ رسالة فى التقليد : كتب الشيخ الاعظم رسالة فى التقليد وهى جزء من كتاب «الفوائد الاصولية» وطبعت على حدة مرتين فى سنة ١٣٠٥ ه‍ و ١٤٠٤ ه‍ وليست رسالتان فى التقليد. (٣)

٦ ـ رسالة فى المشتق : طبعت ايضا مرتين فى سنة ١٣٠٥ ه‍ ثم ١٤٠٤ ه‍. (٤)

٧ ـ كتاب «فرائد الاصول» اى «الرسائل» : هذا اهمّ تصنيفاته بين تراثه الاصولى وهو فى : القطع والاصول العملية ، وليس هو مجموعة رسائل متفرقة كما زعم الاكثر واشتهر بالرسائل بل وضعه الشيخ الاعظم نفسه على اسلوب رصين ونسق واحد مع ترتيب خاص ولم يسمه باسم وتسمية الكتاب ب «فرائد الاصول» ـ كما ذكره السيد عبد الحسين بن محمد رضا التسترى فى مقدمة الطبعة الحجرية وذكره صاحب «الذريعة» ـ ليس من قبل

__________________

(١) ـ مكار الآثار : ٤٩٧ / ١

(٢) ـ مجموعة رسائل : تحقيق الشيخ عباس الحاجيانى ـ مكتبة المفيد سنة ١٤٠٤ ه‍ ص ٩

(٣) ـ المصدر : ص ٤٣

(٤) ـ المصدر : ص ٩٧

١١٩

المصنف.

بعد تأليفه ونشره قيل ان الشيخ زاد فيه حواش وتعليقات ، او فوض تغيير بعض مسائله الى تلميذه الكبير السيد المجدّد الشيرازى لكنه لم يعمله احتراما لاستاذه وبقى كما كان.

مهما يكن من امر صار الكتاب مصدر الدراسة والتدريس والتحقيق فى مبحث «الاصول العملية» الى يومنا هذا ولا مثيل له.

٨ ـ كتاب «الفوائد الاصولية» وهو هذا الكتاب بين يديك ونقوم بنشره لاوّل مرّة وهو يشتمل على مباحث مهمّة فى الاصول ، سيأتى كلام العلماء ودراستنا فيه وتحليل مادّته.

بعد نشر كتاب «فرائد الاصول» حاول الناس طبع اجزاء الكتاب تحت اسماء خاصة وزعموا انها كتب او رسائل اخرى للشيخ الاعظم ، كذا ذكروا اصحاب التراجم رسائل شتّى له فى المسائل الاصولية لكنها ما ثبت انتسابها اليه ـ قدس‌سره ـ ونحن اعرضنا عن تعريفها.

الثانى ـ الفقه

٩ ـ الارث : وهو رسالة مختصرة طبعت مع رسائل اخرى فى آخر كتاب «المكاسب».

١٠ ـ التقية : رسالة التقية طبعت مع «المكاسب».

١١ ـ التيمم : وهو ايضا رسالة قال صاحب «الذريعة» رأى نسخة منها فى

١٢٠