الفوائد الأصوليّة

الشيخ مرتضى الأنصاري

الفوائد الأصوليّة

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: حسن المراغي « غفارپور »
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: شمس تبريزي
المطبعة: ايران يكتا
الطبعة: ١
ISBN: 969-94215-0-5
الصفحات: ٧٧٠

[فائدة ١٣]

فيما اذا توجه امران من آمر واحد الى مامور واحد وبيان اقسامه وحكم كل منهما (١)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد (ص) وآله الطاهرين ، ولعنة الله على اعدائهم اجمعين الى يوم الدين.

اذا توجّه امران من آمر واحد الى مامور واحد ، فان تعلّقا بمفهومين متباينين كليا فلا اشكال فى تعدّد التكليف وتعدّد المكلف به.

__________________

كتبه الشيخ مرتضى ـ اعلى الله مقامه ـ ومن اسلوبه يمكن ان يقال انها من مكتوبات الشيخ او احد من أبرز تلاميذه. وانا اقل اهل العلم عملا واكثرهم زللا استنسختها فى سامرا زادها الله شرفا فى سنة ١٣٠٩.

ارجو ان يستفيد منها اهل العلم ـ كثرهم الله ـ ويدعون بخير هذا العبد الفانى الجانى.

واذكر انى استنسخت اوائل الكتاب نفسى وقام على بقيتها غيرى وكل الكتاب يكون ١٠٦٦٠ بيتا تقريبا. انا الفقير الحقير محمد بن صادق الحسينى الطباطبائى غفر الله له ولوالديه.

اللهم صلى على محمد (ص) وآل (ع) محمد (ص) والعن اعدائهم اجمعين الى يوم الدين.

(١) ـ ورد تفصيل هذا البحث فى هداية المسترشدين واجاد فيما افاد قدس الله نفسه الزكية.

٤٤١

وان تعلّقا بمفهوم واحد او مفهومين متصادقين فى الجملة ، فلها صور لانّ الامرين :

امّا ان يكونا متعاقبين او متراخيين.

وايضا فامّا ان يكونا الزاميين او ندبيّين او مختلفين.

وايضا فامّا ان يكون احدهما معطوفا على الآخر ام لا.

وايضا فامّا ان يكون الثانى معرّفا مع تنكير الاوّل ، واما لا يكون كذلك.

وايضا فامّا ان يكون الامران مصدّرين بالسبب ، كما فى «ان تكلمت فاسجد سجدتى السهو وان زدت او نقصت فاسجد سجدتى السهو.»

وامّا ان يكونا مذيلين بغاية مثل : «صلّ ركعتين للتحيّة ، وصلّ ركعتين للزيارة.»

وامّا ان يكونا مجرّدين عن السبب والغاية ، وامّا ان يكونا مختلفين فى التجرد وعدمه.

والكلام فى هذه الموارد : امّا من جهة اثبات تعدد التكليف ونفيه ، وامّا من جهة جواز تداخل المطلوبين فى موجود واحد.

وتفصيل الحكم فى جميع هذه الاقسام يتحقق فى ضمن مقامات :

٤٤٢

[المقام الاوّل]

[تعلق الامرين بمفهوم واحد]

اذا تعلّق الامران المجرّدان عن السبب والغاية الالزاميان او الندبيان بمفهوم واحد فان تجرّد الثانى عن العطف ولم يكن معرفا مع تنكير الاوّل فقد اختلف فى الحكم فى هذه الصورة بتعدّد التكليف ووحدته بان يكون الثانى مؤكّدا للاوّل ـ على اقوال ، ثالثها : التوقف.

والظاهر انّ الاكثر على التعدّد والاظهر هو القول بالاتّحاد ، لانّ مفهوم كلّ واحد من الخطابين تعلّق الطلب بالمفهوم الواحد من دون ملاحظة تغاير الثانى فى الوجود للمطلوب الاوّل ، وتعدّد الطلب لا يستدعى تعدّد المطلوب لا عقلا ولا لفظا ، ولهذا لا يعدّ : «اقتل زيدا» بعد قوله : «اقتل زيدا» مجازا.

وحينئذ فان كان الآمر ممن يجوز عليه الغفلة عن الطلب فلا يحكم بكون الخطاب تاكيدا للتكليف الاوّل ، ولا تاسيسا لتكليف جديد ، لانّ كلا منهما يحتاج الى التفات المتكلم الى طلبه السابق حتى يزيد تاكيده او تاسيس تكليف غيره ، والاصل عدم الالتفات.

وان كان الآمر ممن لا يجوز عليه الغفلة ، او كان الامران متعاقبين ، بحيث لا يحتمل غفلة الآمر عن الاوّل ، او متقاربين بان يكون احدهما بالاشارة والآخر بالقول كان الثانى تاكيدا للاوّل.

٤٤٣

ودعوى اولويت التأسيس على التأكيد فى مقام يصلح الكلام لهما لم يثبت على وجه يوجب رفع اليد عن ظاهر اللفظ ، لما عرفت من انّ ظاهر الخطاب تعلّق الطلب بنفس المفهوم الكلى من دون ملاحظة كونه مغايرا فى الوجود للمفهوم المطلوب فى الخطاب الاوّل ، هذا مع ان الظاهر عليّة التأكيد فيما اذا ورد الخطاب الثانى غير متراخ عن الاوّل.

وقد يدفع لزوم التأكيد على تقدير الحكم بالاتّحاد نظرا الى انّ الامر الثانى يدل على طلب مغاير للطلب الاوّل ، فهو ايضا تأسيس لا تأكيد.

وفيه : انّ التأكيد فى الجمل انشائية كانت او اخبارية لا تنفك عن ذلك ، فانّ تكرار النهى والاستفهام والتمنى لا يتحقق إلّا بانشاء جديد مع وحدة المنهى عنه ، والمستفهم عنه والمتمنى ، وكذا التكرار فى الاخبار نحو : جاء زيد جاء زيد ، فانّها اخبار عن مجيء واحد.

وان كان الثانى معطوفا فان لم يكن معرفا مع تنكير الاوّل ، فالظاهر المغايرة والتعدّد ، لانّ ظهور الامر الثّانى فى تعلّقه بنفس المامور به اولا ثابت ما لم يظهر من المتكلم ملاحظة التغاير ، والظاهر من العطف ملاحظة التغاير.

نعم اذا كان الامران فى الخطابين متعلقا بمفهوم واحد لكن بلفظين مترادفين قام احتمال الاتحاد بل ظهوره من جهة ظهور العطف فى التفسير حينئذ.

وان كان الثانى المعطوف معرفا مع تنكير الاوّل ، كما اذا قال : «صلّ ركعتين وصلّ الركعتين».

فقيه اقوال : ثالثها الوقف.

والظاهر انّ ظهور اللام فى العهدية اقوى من ظهور العطف فى المغايرة ،

٤٤٤

لانّ العهدية اصرح فى الاتّحاد.

اللهم الّا ان يقال : بعد الاغماض عما حكى عن جماعة من منع تعيّن اللام فى المقام العهدية بل الاصل فيه الجنس ، ومنع تعيّن كون المعهود هو المامور به اوّلا ، فلعل المعهود غيره انّ العهد لا يفيد الّا الاشارة الى المامور به اولا ، والمفروض انّها الطبيعة او الفرد المنتشر فيكون المراد بقرينة العطف الامر بايجاد ذلك المامور به مرة اخرى.

فلا تعارض بين العهد والعطف وهذا اظهر من جعل العطف تأكيدا كما قد يجيء لذلك مع امكان منع مجيء عطف اللفظ على مثله للتأكيد.

وانّما ورد عطف الشيء على مرادفه كما فى قوله تعالى :

(أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ)(١) ولا تضايق من القول بالاتّحاد والتأكيد مع ترادف المتعاطفين كما عرفت فى الصورة السابقة.

ثمّ انّه كلّما حكمنا بتعدّد المكلّف والمكلّف به فى هذه الصورة فيجب تعدّد المكلّف به بحسب الوجود.

فلا يتداخلان فى موجود واحد لانّ فرض تعدد التكليف لا يكون الّا مع الحكم بملاحظة الامر تغاير المامور به فى الخطاب الثانى للمامور به فى الخطاب الاوّل من حيث الوجود ، اذ بدون هذه الملاحظة ليس بينهما تغاير لاتّحاد المفهوم.

ومع هذه الملاحظة لا يمكن القول بكفاية موجود واحد كما لا يخفى ، ففرض التداخل لا يتأتى الّا فى مقام لم يلاحظ فى متعلّق احد الامرين تغايره من حيث الوجود لمتعلّق الآخر.

__________________

(١) ـ البقرة : ١٥٧

٤٤٥

[المقام الثانى]

[تعلق الامرين بمفهومين]

اذا تعلّق امران مجرّدان إلزاميان او ندبيان بمفهومين :

فان كانا متساويين فلا قوى القول باتّحاد التكليف مع عدم العطف ومع العطف.

وتعريف الثانى كما فى قولك : «اكرم رجلا واعظم الرجل» واما مع العطف وعدم تعريف الثانى ففيه تأمل من ظهور اصل العطف فى المغايرة ومن امكان دعوى ظهور العطف فى مثل المقام فى التأكيد والتفسير.

وان كان بينهما عموم مطلق : فان كان العموم اصوليا كما فى قولك : «اضف كل عالم واضف زيدا» فالظاهر الاتحاد حتى مع العطف وكون الخاص تاكيدا لبيان الاهتمام بشأن الفرد الخاص ، لكن فرض العموم اصوليا يخرج الكلام عن تعلق الامر بالمفهوم.

وان كان عامّا منطقيا كما اذا قال : «صم يوم الجمعة» فمقتضى القاعدة اللفظية الحكم بالتعدّد ، لانّ كلّا من الخطابين مشتمل على طلب متعلق بغير ما تعلّق به طلب الآخر ، ولازم ذلك تعدّد التكليف والمكلّف ، فيكون صوم الجمعة واجبا تخييريا فى ضمن الامر المطلق ، وتعينيا فى الامر المقيّد.

الّا انّ المعرّف قد يقضى فيه باتّحاد التكليف بقرينة داخلية او خارجية ،

٤٤٦

فحينئذ يخرج عن مفروض المسألة الذى هو تعلّق الامر بمفهومين ، اذ المراد تعلّقه بهما فى الواقع لا فى ظاهر اللفظ ويحمل المطلق حينئذ على المقيّد لامتناع العمل بظاهرهما مع فرض اتحاد التكليف.

ومخالفة ظاهر المطلق اولى من مخالفة ظاهر المقيد ، واكثر ما يكون فهم الاتحاد فى الالزاميات دون الندبيات ، ولهذا لا يحكم فيها بحمل المطلق على المقيّد بل يجعل المقيد مستحبا آخر.

ثم انّ الحكم بانّ الاصل اللفظى فى المقام هو تعدد التكليف مبنى على كون المقيد منافيا للمطلق وامّا بناء على ما ذكره سلطان العلماء وجماعة من عدم التنافى بين المطلق والمقيد ، فاللازم التوقف من جهة اللفظ والرجوع الى اصالة الاتّحاد ، اذ اللفظ المطلق قابل لان يراد منه عين المقيّد وان يراد به غيره ولا يجرى هنا اولوية التأسيس على التأكيد لحصول التأسيس على كل تقدير ، لانّ المقيد امّا تكليف مغاير واما بيان للمطلق فتدبّر.

ولو كان احدهما معطوفا على آخر من غير تعريف الثانى ، فلا يبعد الحكم بالتعدد ومع تعريفه فالظاهر الاتحاد بناء على تقديم ظهور التعريف فى الاتحاد على ظهور العطف فى المغايرة.

وكل موضع حكمنا هنا بالتعدّد فهل يجدى موجود واحد رخصة او عزيمة او لا يجدى.

فلا يبعد التفصيل فالظاهر فى الواجبات مع عدم العطف الثانى ومع العطف الثالث وفى المستحبات الاوّل.

وان كان عموم من وجه فاللازم الحكم بالتعدّد لاستحالة اتّحاد التكليف

٤٤٧

مع تعدّد المكلف به ولو فرض قيام القرينة على اتحاد التكليف ، وجب الخروج عن المفروض بجعل متعلق الطلبين شيئا واحدا وهى مادة الاجتماع. واما حيث قلنا بالتعدّد فهل يحكم بالتداخل الاقوى ـ لاطلاق اللفظ ـ نعم فى صورة العطف لا يبعد عدم الكفاية خصوصا اذا كان نسبة العموم والخصوص واقعة بين متعلّقى التكليفين لانفسهما ، فيكون عطف الجملة على الجملة راجعا الى عطف المفرد على المفرد فيكون قوله : «اكرم عالما واكرم عادلا» بمنزلة قوله : «اكرم عالما وعادلا».

ثمّ انّ الحكم باقتضاء الاطلاق لتعدد التكليف على المذهب المشهور من كون التقييد مجازا واضح ، واما على مذهب من جعله حقيقة ـ كما عن السلطان وجماعة ـ فلانّ ارادة مادّة الاجتماع من كل من المطلقين حتّى يتّحد التكليف ، وان لم يكن فيه مخالفة لفظية الّا انّ اصالة عدم التقييد وعدم ورود المقيّد فى مقام الحاجة يوجب الحكم بالاطلاق ، وهذا الظهور وان لم يكن من اللفظ الّا انّه مقدّم على اصالة عدم التكليف ، لانّه يخرج اللفظ عن الاجمال الموجب للرجوع الى الاصول العملية.

والحاصل انّ اصالة الاطلاق عند عدم وجدان المقيّد مقدّم على الاصول العملية ، سواء جعلناها من الاصول اللفظية او عملنا بها من باب حكم العقل بقبح ارادة التقييد مع عدم البيان ، ولما كان هذا المعنى مفقودا فى العموم المطلق ، لوجود ما يصلح ان يكون مقيدا لم يخرج اللفظ المطلق عن الاجمال الموجب للرجوع الى اصالة عدم مغايرة التكليف به للتكليف بالمقيد وتمام التوضيح فى «مسئلة حمل المطلق على المقيد».

٤٤٨

المقام الثالث

[ورود امرين مختلفين فى افادة الايجاب والندب على مفهوم واحد]

فيما اذا ورد امران مختلفان فى افادة الايجاب والندب على مفهوم واحد او مفهومين متصادقين ولا اشكال هنا فى الحكم بتعدّد التكليف انّما الكلام هنا فى جواز التداخل.

فنقول اذا توارد الامران على مفهوم واحد ، فالظاهر عدم جواز التداخل ، لانّ المفروض تعلّق الاستحباب بنفس المفهوم المتعلّق للايجاب فلا يعقل الّا بملاحظة مغايرته فى الوجود الخارجى لمتعلّق الايجاب والّا لاتّحدا ذهنا وخارجا ، فيلزم اجتماع حكمين متضادين فى موضوع واحد واحتمال تعدّد الجهة للتقييد مدفوع بظاهر اللفظ ، والجهة التعليلية لا يجدى تعددها.

ثمّ انّه لو نرى بالاتيان الاوّل امتثال الوجوب وبالثانى الاستحباب فلا اشكال فى حصول الامتثالين.

وان لم ينوى بالاوّل شيئا برئت ذمّته من الواجب وبقى المستحبّ ، لانّ المفروض كون الفعل من حيث هو متصفا بالايجاب اذ لا يرضى الآمر بتركه ، وانّما يرضى بترك الفعل بعد تحققه فى الخارج ، فالمتّصف بالاستحباب فى الحقيقة هو الاتيان المسبوق باتيان آخر ، لانّه الذى يرضى بتركه.

ومنه يعلم انّه لا يبعد براءة ذمّته عن الواجب ، وان قوى الندب لانّ هذه

٤٤٩

النية لاغية اذ لم يسبق منه الاتيان بالفعل ، فالفعل فى حقه غير مرضى الترك.

وان توجّه الامران الى مفهومين فان كان بينهما عموم مطلق ـ كما اذا قال : «اعتق رقبة» وقال : «اعتق رقبة مؤمنة» ، فامّا ان يكون المطلق للوجوب والمقيّد للندب ، وامّا ان يكون بالعكس وامّا ان يجهل الحال ، وعلى اىّ التقادير فامّا ان يتقدّم المطلق او ان يتقدّم المقيد او يتقارنان او يجهل الحال.

فان كان المطلق للوجوب ففى الحكم بالتداخل القهرى ـ وان الامر الندبى راجع الى بيان افضل الفردين او الحكم بالتعدد وان «عتق الرقبة المؤمنة» مستحب مستقل غير جائز التداخل مع الامر الوجوبى او جائز التداخل معه رخصة ـ وجوه : اوسطها الاخير ، لانّ كلا منهما تكليف مستقل فيجوز امتثاله استقلالا ، وليس فى الكلام مع قطع النظر عن الشاهد الخارجى ما يدلّ على ارادة افضل فردى الواجب.

نعم يجوز التداخل لحصول الامتثال اذ ليس فى الكلام ما يدل على وجوب تغاير المطلوبين فى الخارج ، ولا فرق فيما ذكرنا بين تقدّم المطلق وعدمه.

وان كان المقيّد للوجوب فالظاهر وجوب تغاير المطلوبين.

وان علم كون احدهما للوجوب والآخر للندب وجب اتيان الرقبة المؤمنة ، لدوران الامر بين المطلق والمقيد ، فلا يخرج عن العهدة الّا بالمقيّد.

وهل يشرع بعده الاتيان به ثانيا او بفرد آخر من المطلق؟

الاقوى : العدم ، لعدم العلم بثبوت طلب آخر مستقل لانّ المفروض احتمال كون المقيّد افضل الفردين.

٤٥٠

وان كان بينهما عموم من وجه فالظاهر جواز التداخل هنا ، فيجيء بمادة الاجتماع ويحصل له ثواب الواجب والمستحبّ فى شيء واحد ، ولا يتوقّف ذلك على الحكم بجواز اجتماع الواجب والمستحبّ فى شيء واحد شخصى لجهتين تقييديتين.

بل يمكن ان يقال بانّ مادّة الاجتماع يتّصف بالوجوب دون الاستحباب وانّما يترتّب ثواب المستحب لاجل اختيار الخصوصية.

والاختيار المذكور وان لم يكن فعلا خارجيا مغايرا فى الوجود للفرد الواجب ، الّا انّ العقل يحكم باستحقاق الثواب ، فان المولى اذا اوجب على عبده اضافة بعض الفقراء فى الليلة الخاصة وكان اكرام الهاشميين عنده مستحبا فاختار العبد اضافة الهاشمى على الفقير الغير الهاشمى كان مستحقا لمدح زائد على مدح امتثال اصل الواجب ، وانّما لم يحكم بالتداخل فى العموم المطلق مع كون الواجب هو المقيّد والمستحب هو المطلق ، اذ لم يكن فى اختيار المقيد اختيار زائد على اختيار اصل المامور به.

ولما كان هذا متحققا فى العكس وفى العموم من وجه جوّزنا فيهما التداخل.

٤٥١

المقام الرابع

فى تداخل الاسباب (١)

والمراد بتداخلها امّا تداخلها من حيث التأثير بان يكون الثابت مع تعدّدها مسبّب واحد ، وامّا تداخل مسبّباتها بان يحكم بجواز تداخل المسبّبين فى موجود واحد.

والتداخل على الاوّل قهرى ، بمعنى انّه لا يجوز تعدّد المسبّبين وعلى الثانى اختيارى.

ولنتعرض لهما فنقول :

امّا التداخل بالمعنى الاوّل فاختلفوا فيه على اقوال : ثالثها ما يظهر من المحكى عن الحلّى فى مسئلة تعدّد سجود السهو بحسب تعدّد الاسباب ، وهو انّه ان كان الاسباب من جنس واحد كالتكلّم المتعدّد فى الصلاة وكالاكل المتعدّد فى نهار رمضان فيحكم بالتداخل والّا فلا واستدلّ للقول بعدم التداخل ـ وهو المشهور ـ بوجوه : اقواها ما قرّره فخر الدين فى «الايضاح» تبعا لوالده ـ قدس‌سره ـ وحاصله :

انّ السبب الثانى المفروض وقوعه على النحو الّذى وقع عليه الاوّل من

__________________

(١) ـ بعد هذا المقام سيأتى ايضا فصل تحت هذا العنوان هكذا للمصنف دراسة فيه فى مبحث المنطوق والمفهوم راجع : هداية المسترشدين : التنبيه الرابع.

٤٥٢

اجتماع الشرائط وارتفاع الموانع ان لم يكن مؤثرا فى وجود المسبّب لزم تخلّف المعلول عن العلّة التامّة ، لانّ المفروض اجتماع الثانى لجميع ما استجمعه السبب الاوّل.

ودعوى كون مجرّد تعقّبه المسبّب الاوّل من موانع التاثير او كون عدم المسبّب المفروض وجوده بالسبب الاوّل شرطا لتأثير السبب الثانى ، مدفوعة باطلاق أدلّة سببيّة السبب الثانى ، ولو فرض كون سببيّته هو الاجماع ، امكن اثبات الاطلاق من الكلمات الكاشفة عما صدر عن الامام ـ عليه‌السلام ـ مع انّه لو قدح احتمال شرطية شيء او مانعية شيء فى الحكم بترتب المسبّب على السبب ، لم يجز الحكم بترتّب المسبّب على السبب الاوّل ولا على غيره من الاسباب ، مع انّه اذا ثبت عدم التداخل فى السبب الثابت بالادلة اللفظية ، ثبت فى غيره بعدم القول بالتفصيل فتأمل.

فان كان مؤثرا فى المسبّب الثابت بالسبب الاوّل لزم تأثير اللاحق فى السابق.

وان كان مؤثرا فى مسبب جديد ثبت المطلوب.

وبتقرير آخر شامل للسببين المتقاربين او المتّحدين فى الوجود الخارجى ، انّه لو حكم بمسبّب واحد فامّا ان نستند الى تأثير كليهما مجتمعين او الى احدهما.

والاوّل مخالف لادلة سببيّة كلا السببين ، لانّ المفروض دلالة دليل كل من السببين على استقلاله فى التأثير عند اجتماع الشرائط وارتفاع الموانع.

ودعوى احتمال كون اجتماعه مع السبب السبب الآخر مانعا ، مدفوعة

٤٥٣

بما عرفت فى التقرير الاوّل.

وان كان مستندا الى احدهما لزم القاء الآخر وهو مخالف لادلّة سببيته لفرض استوائهما فى التأثير.

ومما ذكرنا من التقررين يعلم انّه لا فرق فى هذا الحكم بين ظهور دليلى سببيّة السببين فى كون كل منهما علّة تامة مستقلّة فى التاثير ـ كالجملة الشرطية الدالّة على دوران الحكم مدار الشرط وجودا وعدما بان يقول : «كلما تكلمت فاسجد سجدتين» و «كلما زدت او نقصت فاسجد سجدتين» ان يرد الدليل بلفظ السببية او غيره ، مما لا يدل على العلية التامّة والاستقلال فى التأثير ، اذ بعد فرض وجود السببين على نحو سواء من حيث اجتماع الشرائط وفقدان الموانع الّا كون احدهما عقيب الآخر او معه ، المحتمل كونه مانعا ، وقد عرفت ان احتمال مانعية شيء لو قدح لقدح فى السبب الاوّل بل غيره من الاسباب الشرعية (١) ، وظهر مما ذكرنا ان الحكم بعدم التداخل لا يبتنى على كون الاسباب الشرعية معرّفات لا علامة حقيقة لجريان التقريرين المذكورين مع القول بكونها معرفات ، سواء فسر المعرف بما يكون علامة ومعرفا للحكم الشرعى ام فسر بما يكون معرفا للسبب الحقيقى وكاشفا عنه.

لانّ مقتضى عموم قوله : «كلما زدت او نقصت فاسجد سجدتين» حدوث وجوب السجدتين عقيب الزيادة والنقصان ، وان حدث التكليف بهما قبل ذلك ، وحينئذ فيكون السبب الثانى بناء على المعرفية معرفا لحدوث حكم شرعى عنده او كاشفا عن حدوث سبب حقيقى عنده.

__________________

(١) ـ هذا صورة كلام المصنف فى الاصل.

٤٥٤

والحاصل انّه بعد ما دلّ الدليل على حدوث المسبّب بعد تحقق السبب الثانى ، فلا فرق فى وجوب تغايره للمسبب الاوّل بين جعل السبب الثانى علة حقيقية او معرفا للحكم الحادث عنده او كاشفا عن حدوث سبب حقيقى جديد موجب لمسبب جديد.

ولا فرق فيما ذكرنا بين ان يرد الدليل على وجه الدوران كالجملة الشرطية او مقيدا لوجود الحكم عقيب وجود السبب على وجه يفهم منه الترتيب الطبيعى بينهما ، كقوله : كذا يوجب او يجب كذا عند كذا.

فان جميع ذلك يدّل على وجوب حدوث المسبّب عقيبه ، سواء جعلته مؤثرا ام كاشفا.

وكذا ورود الدليل بعبارة السبب ، فانه ظاهر فى الترتيب ايضا.

والقول «بان الاسباب معرفات» ليس معناه انّ لفظ السبب مستعمل فى المعرف فيكون قوله : كذا سبب لكذا مرادفا لقوله : كذا معرف لكذا ، حتى لا ينافى تقدّمه فى الوجود الخارجى على المعرف ، بل المراد من ذلك انّ ما جعله الشارع فى ظاهر الأدلّة منشأ لترتّب حكم شرعى عليه وحدوثه عنده ، فليس هو المؤثر الحقيقى فى ذلك الحادث وانّما هو كاشف عن المؤثر ومعرّف له ، فمعرفته انّما هى بالنسبة الى الحكم الحادث عنده لا جنس ذلك الحكم حتى لا ينافى تقدمه عليه.

فمعنى قول الشارع : البول سبب لوجوب الوضوء ، انّ البول مطلقا وان كان مسبوقا بالنوم معرّف وكاشف عن علّة حقيقية لحدوث وجوب الوضوء عنده ، فلا بد ان يكون هذا التكليف مغايرا للتكليف الحادث عقيبا.

فان قلت : انّ السبب فى الشرع ـ كما عن صريح النهاية ـ هو كل وصف

٤٥٥

ظاهر منضبط دلّ الدليل السمعى على كونه معرفا لحكم شرعى ونحوه المحكى عن الاحكام مع تبديل الشرع باصطلاح المتشرّعة.

قلت : هذا لا يدّل على ازيد مما ذكرنا من ان الاسباب معرّفات فى الحقيقة وانّما هى اسباب فى نظر المكلف الغير المطّلع على الاسباب الحقيقية.

فهذا التعريف بيان لكون ما هو سبب فى ظاهر الادلّة معرفا فى الحقيقة لا انّ لفظ السبب بمعنى المعرف ، ولذا عرّفه جماعة من الخاصة والعامة كالشهيد والعضدى بانه :

«الوصف الظاهر المنضبط الذى جعل مناطا للحكم الشرعى».

مع انّه لو سلم كون السبب بمعنى المعرف فى اصطلاح المتشرعة ، فيمنع وجوب حمل الفاظ السنّة عليه لعدم ثبوت ذلك فى تلك الازمنة ، بل الظاهر انّ ذلك من اصطلاحات الفقهاء فيحمل الفاظ السنة على ما هو ظاهر فيه فى العرف مع ان ورود الاسباب بلفظ السببيّة فى الادلة الشرعية نادر جدّا غير واقع فيما اعلم.

مع انّه لو سلم كون لفظ السبب بمعنى المعرف ، لكنّ معنى : «ان كذا معرف لكذا» هو عدم معرفة الثانى قبل حصول الاوّل ، فلا بد من ان يكون شيئا جديدا غير ما علم سابقا والّا لم يكن السبب معرفا له.

نعم لو اريد انّه معرف شأنى لنوعه ، بمعنى انّ نوع التكليف بالوضوء مثلا لو لم يكن معلوما سابقا من نوم وغيره كان البول معرفا لكن الظاهر خلاف المعنى الحقيقى للمعرف ، لانه حقيقة فى المعرف الحقيقى العقلى دون الشأنى ، الّا ان يستظهر من الاستعمالات العرفية للفظ المعرف والدليل و

٤٥٦

الامارة كون المراد التعريف الثانى.

والغرض من جميع ما ذكرنا مع طوله النظر فيما عن الايضاح من ان مبنى المسألة على ان الاسباب الشرعية معرّفات او مؤثرات حقيقية.

وحاصل النظر انه لا فرق فى ظهور الأدلّة فى لزوم تعدد المسبّبات بتعدد الاسباب بين القول بكونها مؤثرات حقيقة او معرفات ، مع ان الظاهر ان الامامية لا يختلفون فى المعرفة مع ما نرى منهم من الخلاف فى التداخل.

وربما يتوهم الفرق بين الامرين فى امكان ورود الدليل السمعى على عدم تأثير السبب اللاحق بناء على المعرفية ، فيرتكب من اجله خلاف الظاهر فى ادلة السببية وامتناعه بناء على المؤثرية.

وفيه : انّه اذا دلّ الدليل على الغاء السبب اللاحق فيرتكب ايضا مخالفة الظاهر فى ادلة السببيّة ، ونقيد دليل ذلك السبب الملغى بما اذا لم يسبقه سبب آخر فتدبّر.

ومما ذكرنا ظهر ايضا ضعف منع ظهور السبب فى السبب الفعلى المؤثر بالفعل ، حيث قيل انّ السببية الشرعية لا تنافى عدم فعلية التأثير لصدق السببية الشرعية مع شأنية التأثير قطعا ، بل مراعات التأثير غير معتبر فى الاسباب الشرعية من اصلها ولذا لم يكن مانع من اجتماعها على مسبب واحد انتهى.

وقد عرفت مما ذكرنا انّه ليس فى الادلة الشرعية عبارة تدلّ على السببية ولا تدل باطلاقها على فعلية التأثير عند حصول السبب ، غاية الامر بناء على انّ الاسباب معرّفات ، عدم كون الاثر الفعلى الحادث اثرا لنفس السبب بل اثرا لشيء آخر يستكشف عنه بالسبب (١).

__________________

(١) ـ هكذا اصل كلام المصنّف فى المخطوط.

٤٥٧

بسم الله الرّحمن الرّحيم

فى بيان المراد من تداخل الاسباب الشرعية

الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على اعدائهم اجمعين الى يوم الدين.

امّا بعد : فاعلم انّ المراد بتداخل الاسباب الشرعية ـ الّتى هى المقتضية للاحكام او كاشفة عن ثبوت المقتضى ـ بالكسر ـ ومعرفة للمقتضى ـ بالفتح ـ :

امّا تداخلهما فى التأثير بمعنى ان يكون للكل تأثير واحد لاثبات وجوب واحد ، امّا لكون تأثير كل منهما بالاستقلال موقوفا على عدم سبق الآخر اذ مع سبقه يتحقق التأثير فلا يبقى المحلّ قابلا لتأثير آخر نظير تعدّد ورود البول على المحل.

ولو وجدا معا كان المجموع سببا ، فيكون السبب احدهما المشترك بين كل واحد والمجموع.

وامّا لكون كل منهما قابلا للتأثير الّا انّهما موجبان لتعدّد جهة الوجوب فى الفعل لا تعدّده.

وامّا ان يكون المراد تداخل مسبّباتها بمعنى معلومية تأثير كل منهما بالاستقلال فى وجوب مستقل ، الّا انّه يتداخل الواجبات فى موجود واحد بحيث يترتّب على فعله ثوابان.

٤٥٨

والفرق بين هذا وبين تداخل الاسباب فى التأثير هو عدم مشروعية تعدد الفعل مع التداخل فى التأثير ومشروعيته مع التداخل فى المسبّب وكذا فى تعدّد العقاب على الترك.

ثم انّ الظاهر من تعدّد الاسباب تعدّد التاثير وتعدد التكليف ، لانّ ذلك مقتضى مسببيّة كل سبب بالاستقلال.

فانّ المأخوذ فى معنى السبب هو التأثير بالاستقلال ، سواء كان عقليا او شرعيا.

فانّ الفرق بين العقلى والشرعى فى مستند السببية لا فى مفهومها.

نعم كثيرا ما يطلق السبب على غير الحقيقى ، ومجرّد احتمال غير المعنى الحقيقى وكشف الكل عن مؤثر واحد ـ وهو المعرف كما فى النجاسات الملاقية لعين واحد مع اتحاد حكمها ، او كالاحداث المتعاقبة بناء على عدم تأثير المتأخر ـ لا يجدى لانّ الظاهر من دليل السببية كون كل بنفسه سببا لا كشف الكل عن سبب واحد ، فالاسباب الشرعية فى مورد تحقق سببيتها بمنزلة الاسباب العقلية.

لانّه المعنى الّذى افاده الجملة الشرطية فيما اذا كان دليل السببيّة جملة شرطية وهو المعنى الحقيقى للسبب فيما اذا ورد الدليل بلفظ السببية او ما يقيدها من الادوات الموصوفة لها ، مضافا الى انّ استقراء اكثر الاسباب الشرعية يقتضى ذلك.

نعم لو تعدّد الاسباب فى فعل شخصى واحد كما اذا وجب قتل زيد لسببين فلا مناص هنا عن ارجاعهما الى جهة الوجوب ، لانّ شرط تأثير كل

٤٥٩

منهما عقلا هو قابلية المحل للتأثير.

فوحدة الفعل شخصا دليل على عدم تأثير السبب المتأخر ، ولا ينافى ذلك بناء المطلب على كون الاسباب الشرعية بمنزلة العقلية فى التأثير الفعلى ، لانّ ذلك حيث يبقى المورد داخلا تحت عموم دليل السببية.

واذا خصّصنا الدليل العامّ القابل للتخصيص بصورة امكان التأثير الفعلى خرج المورد المذكور عن العموم ، بخلاف ما لو تعدّدت فى واحد نوعى ، كما اذا وجب الغسل لسببين فان تعدّد التأثير هنا ممكن فليعمل فيه بمقتضى الظاهر.

والحاصل انّه اذا تعدّد الاسباب لفعل واحد شخصى لا يقبل التعدد ، مثل قول الشارع : «من زنى وجب قتله ، ومن ارتد وجب قتله».

يفهم منه ـ بقرينة عدم قابلية الفعل المتعدد ـ انّ السبب هنا من قبيل المعرف لا المؤثر الحقيقى.

واذا تعدّدت لواحد نوعى مثل : «من شرب الخمر فليحدّ ثمانين ، ومن قذف فليحدّ ثمانين» فمقتضى ظاهر اللفظ ـ السالم عن مزاحمة القرينة ـ هو تأثير كل منهما فى حد على حدّة.

فان قلت : فهل الجملة الشرطية مجاز فى الصورة الاولى مع حكم الوجدان باتحاد المعنى المنساق منها مع المنساق من الجملة الشرطية فى الثانية؟

قلت : مفاد الكل : الاستقلال فى التاثير ، لكن مع الامكان عقلا.

وبعبارة اخرى مع قابلية المحل ، وبعبارة ثالثة مع وجود شرط التأثير و

٤٦٠