الفوائد الأصوليّة

الشيخ مرتضى الأنصاري

الفوائد الأصوليّة

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: حسن المراغي « غفارپور »
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: شمس تبريزي
المطبعة: ايران يكتا
الطبعة: ١
ISBN: 969-94215-0-5
الصفحات: ٧٧٠

لانّ غاية توجيهه ان يقال : انّ مقتضى الضدّين ايضا متضادان نحوهما وبعد فرض وجود احد الضدين ومقتضيه يمتنع وجود مقتضى الضد الآخر نحو امتناع وجوده.

وفيه مع التضاد بين المقتضيين فى جميع الموارد وان سلّم بالنسبة الى بعضها لانّ مقتضيهما قد يكونان قائمين بموضوعين ، فلا يكونان من الاضداد المتواردة على محل واحد حتى يمتنع اجتماعهما فى الوجود.

توضيح ذلك انّ اقصى ما وسع المحقق المزبور ان يقول : انّ بين ارادة الصلاة وارادة الزنا اللّتين هما مقتضيان لهما تضادّ نحو تضادّ الصلاة والزنا ولا يمكن اجتماع نفس الصلاة مع مقتضى الزنا ، ـ اعنى الارادة ـ حتى يكون وجود الصلاة علّة لعدم الزنا لانّ اجتماعهما يستلزم اجتماع ارادة الصلاة وارادة الزنا ، وهما متضادان لا يجتمعان.

وجوابه : انّا ننقل الكلام فى نفس الارادتين ونقول : ان اراد الصلاة مانعة لارادة الزنا ، فتكون علّة لعدمها ، فيجب ايجادها ـ اى ايجاد ارادة الصلاة ـ من باب المقدمة اذا كان ترك الزنا واجبا ، ويجب تركها اذا كان تركه حراما كما فى صورة توقف حفظ النفس عليه ، فان ادعيت ايضا انّه يجوز ان يكون اجتماع نفس ارادة الصلاة مع مقتضى ارادة الزنا مستحيلا ، فلا يكون ارادة الصلاة مانعة من ارادة الزنا وعلة لعدمه.

لانّ هذا الاجتماع يستلزم اجتماع مقتضى ارادة الصلاة مع مقتضى ارادة الزنا وهذا محال ايضا نحو تضاد الارادتين.

ففيه : انّ مقتضى ارادة الصلاة تعلّق امر الشارع بها وكونها ذات مصلحة

٣٦١

مجتمعة وهو امر قائم بنفس الصلاة ومقتضى ارادة الزنا ما فيه من اللذّة وحظ النفس وذلك متعلّق بنفس الزنا ولا استحالة فى وجود هذين المقتضيين فى الموضوعين والمحلين المختلفين ، فيمكن حينئذ ان يجتمع ارادة الصلاة مع مقتضى ارادة الزنا وهو الداعى القائم بنفس الزنا ، فيكون وجود ارادة الصلاة مانعا للزنا وعلّة لعدمه ، فيجب ايجادها من باب المقدمة او تركها كذلك.

فان قلت : (لما ذا جاز) اجتماع داعى الضدين كالصلاة والزنا اعنى المقتضيين لارادتهما فى الوجود فيما اذا يوجد احدهما دون الآخر.

قلنا بسبب اختيار الطبيعة فانها اذا نظرت الى داعى الصلاة وداعى الزنا مثلا فتختار احدهما فى حد ذاتها او بملاحظة المرجّحات الأخر من حسن تعجيل اللذّة او خوف تأجيل العذاب ونحوهما ، واذا اخترت احدهما تحقّق مقتضاه فيجوز اجتماع وجود الصلاة مع مقتضى ارادة الزنا وحينئذ يصح الحكم بوجوب ايجاد الصلاة لكونها علة عدم ارادة الزنا التى هى مقتضية له فيتم الكلام من غير فرق بين ان يكون التمانع اولا ملحوظا بين الصلاة والزنا او بين ارادتهما.

والحاصل انّ فى كلام المحقق خرازة من وجهين :

احدهما انّه : ان تمّ لكان نفيا للتوقف رأسا وهو مدعى السبزوارى.

والثانى : انّ تماميته موقوفة على استحالة اجتماع احد الضدّين مع تمام مقتضى الضدّ الآخر ووجهه غير واضح ، بل الظاهر جواز ذلك كما عرفت ، وللمحقق المزبور تحقيق آخر فى دفع الدور ، ذكره انتصارا لمن اجاب عن

٣٦٢

شبهة الكعبى بانّ : ترك الضد اعنى الحرام غالبا يستند الى عدم مقتضى الوجود وقد يكون مستندا الى وجود المانع اعنى الضد الآخر الّذي هو احد المباحات ـ (مثلا فالوجوب انّما يعرض للمباحات) ـ احيانا ، فلا يلزم انتفاء المباح رأسا دائما حيث انّه ـ ره ـ اورد عليه اولا : بانّه يلزم الدور بناء على تحقق المانعية من الطرفين.

ثمّ اعتذر عنه بقوله «ويمكن ان يتكلف فى الجواب بان مراده ان ترك الزنا فى وقت موقوف فى بعض الصور على فعل ضدّه فى الوقت السابق عليه فلا يلزم الدور حينئذ.»

قال : «بيانه انّا نفرض انّ فى وقت مثلا وجد الشوق الى الزنا لكن لم يصل الى حدّ الجماع ، فحينئذ عدم الزنا حاصل لعدم الجماع الّذى هو علّته التامّة من دون توقف على وجود المانع ، ويمكن فى هذه الصورة ان يعلم انّه اذا لم يشتغل بالصلاة مثلا لقوى ذلك الشوق ويصل الى حد الجماع ويحصل الزنا فى الزمان اللاحق (١) ايضا بناء على عدم شرطه لا وجود مانع» انتهى كلامه.

وتوضيح الايراد والجواب على وجه ينطبق على ما نحن فيه هو ان الاعتراف بكون فعل الضد مقدمة لترك الآخر فى الجملة ـ ولو فى بعض الصور وفى بعض الاحيان ـ لا ينفكّ عن الدور ايضا (بناء على تسليم التمانع

__________________

(١) ـ وبعد «الزمان اللاحق» سقط شطر من اصل كلام الخوانسارى وهو هكذا : فيشتغل بالصلاة فى الوقت السابق لان الاشتغال به ممكن اذ المفروض ان عدم مانعة متحقق بناء على عدم الجماع وبعد الاشتغال بالصلاة يفتر الشوق ولم يصل الى حد الجماع فتحقق عدم الزنا فى الزمان «اللاحق» ولعل الشيخ الاعظم اراد اسقاطه لدلالة بقية العبارة على المقصود. المصدر ص ٢٠٥ ـ ٢٠٤

٣٦٣

من الطرفين اذ المفروض ان التمانع يقتضى ان يكون ترك كل منهما مقدّمة شرطية لفعل الآخر دائما فاذا اتفق فى بعض الصور توقف الترك على الفعل ايضا) (١)

من باب توقّف عدم المعلول على وجود المانع المقترن بتمام المقتضى ، فلا محيص من الدور اصلا ، وهذا تقرير الايراد المزبور الذى هو عين الدور الّذى اورد فى المقام على كون ترك الضدّ مقدّمة ، وكون كل منهما مانعا عن الآخر.

وامّا الجواب فتقريره ان يقال : انّ ترك الضدّ لا يكون معلولا من فعل ضدّه وموقوفا عليه الّا اذا كان زمان الترك والفعل مختلفا ، كما اذا كان فعل الضد فى هذا الزمان علة لترك ضده فى الزمان المتأخّر اللاحق ، فيكون الّذى يتوقّف على فعل الضد هو الترك الّذى يتحقّق بعد زمان الفعل ، ولا يتوقف الفعل على ذلك الترك بل على الترك المقارن له فى الوجود ، مثلا اذا فرضنا الضدّين : الصلاة والازالة ، كان فعل واحد منهما موقوفا على ترك الآخر فى زمان الفعل ، ولكن ترك كل منهما ليس موقوفا ومعلولا لفعل الآخر فى زمانه.

بل انّما يكون كذلك اذا كان ترك كل واحدة منهما فى الزمان اللاحق موقوفا على مباشرة المكلف لفعل الآخر فى الحال ، فيكون الصلاة مثلا موقوفا على ترك الازالة فى وقتها ، ولا يكون هذا الترك اعنى ترك الازالة

__________________

(١) ـ ما بين القوسين ليس فى اصل المخطوط بل ورد فى النسخة المطبوعة فى مطارح الانظار

٣٦٤

فى وقت الصلاة موقوفا على فعل الصلاة التى كانت موقوفة على الترك المزبور حتى يرد الدور لعدم وجود مقتضيها فى وقت الصلاة بل انّما يكون ترك الازالة فى الآن المتأخر والزمان اللاحق موقوفا ومعلولا لفعل الصلاة الواقع فيما قبل.

وذلك انّما يكون اذا كان جميع مقتضيات الازالة موجودة فى الآن اللاحق وكان تركها فى ذلك (الآن) موقوفا على ايجاد مانعها ، اعنى : الصلاة مثلا فيما قيل فلا يلزم الدور حينئذ لاختلاف طرفى التوقف حيث انّ مقدّمة الفعل هو الترك المقارن له فى الوجود ومعلول هذا الفعل هو الترك المتأخر.

وانت (خبير) بانّ هذا الجواب عن الدور مبنى على (دعوى) استحالة توقف الترك المقارن على الفعل ، وهذا انّما يتمّ اذا قلنا باستحالة اجتماع تمام مقتضى احد الضدّين مع الضد الآخر ، حتى يكون علية فعله لترك الآخر فى زمان واحد مستحيلا.

وقد عرفت منع هذه الاستحالة وانّه يجوز ان يجتمع احد الضدين مع تمام مقتض الآخر ، وحينئذ يرد الدور على فرض التمانع جدّا لانّ التوقّف حينئذ ثابت من الطرفين فى ان واحد على ان الجواب عن الدور بالتقرير المزبور حقيقة يرجع الى نفى التمانع وعدم التوقف رأسا وذلك لانّه اذا قيل انّ ترك الضد انّما يتوقّف على فعل ضدّه فى الآن الثانى لا فى آن الفعل كان معناه انّهما غير متمانعين فى الآن الاوّل.

اذ لو كانا متمانعين لكان عدم كل منهما موقوفا على وجود الآخر ، لانّ عدم الممنوع مستند الى وجود المانع ، فلا وجه لجعل الصلاة مثلا مانعة عن

٣٦٥

الازالة فى وقتها ، مع عدم كونها مقدّمة سببية لعدم الازالة.

اللهم الّا ان يقال انّ عدم الممنوع لا يجب ان يستند ـ على الدوام ـ الى وجود المانع لامكان استناده الى فقد شيء من اجزاء المقتضى او شرائطه ، فحينئذ لا ملازمة بين كونهما متمانعين فى الآن الاوّل ايضا وبين استناد عدم احدهما الى وجود الآخر كاستناد عدم الازالة الى وجود الصلاة لجواز استناد عدم الازالة فى آن الصلاة الى عدم المقتضى.

فيكون عدم الازالة مقدمة لوجود الصلاة لكونه عدم المانع ولكن لا يكون وجود الصلاة مقدّمة لعدم الازالة المتقارن معها فى الوجود ، حتى يلزم الدور.

وفيه انّ قضية التمانع شأنية وجود كل منهما ، لعليّة عدم الآخر فى جميع الآفات لاستحالة انفكاك اللازم عن الملزوم وان لم يكن مقتضاه دوام العلية فعلا.

ولا ريب انّ موجب الدور انّما هو هذه الشأنية لدوام العلية (لا دوام العلية ـ خ) لانّه يكفى فى لزوم الدور ان يكون توقف ترك احدهما على فعل الآخر فى زمانه امرا جائزا ممكنا.

اذ المفروض انّ الترك مقدمة للفعل دائما فاذا جاز توقف الفعل ايضا على الترك ولو فى بعض الصور ، لزم توقف الشيء على ما هو موقوف عليه ، وهو مستحيل جدا.

نعم لو قيل بما ذكره المحقّق المزبور آنفا من انّ علية وجود احد الضدّين لعدم الآخر مبتنية على اجتماع وجوده مع مقتضى الآخر ، نظرا الى ان المانع

٣٦٦

لا يكون علّة لعدم الممنوع الا بعد وجود مقتضيه واجتماعهما مما يجوز دعوى استحالته لاستريح عن الدور لاستحالة توقف الترك على الفعل حين وجوده على هذا التقدير.

ولكنّك عرفت ما فيه ، هذا كلام المحقّق الخوانسارى فى الجواب عن الدور.

واجاب عنه المحقّق الأصبهاني ايضا فى «حاشيته على المعالم» فى كلام طويل ـ ذكره بتمام عباراته يوجب الملال ، غير انّا نذكر خلاصة مجموع عباراته وفقراته ومن اراد الاطلاع عليه تفصيلا فليرجع الى الحاشية المزبورة.

قال : ويرد على الثانى يعنى الدوران وجود الضدّ من موانع وجود الضد الآخر مطلقا ، فلا يمكن فعل الضد الآخر الّا بعد تركه ، وليس من وجود الآخر الّا شأنية كونه سببا لترك ذلك الضدّ اذ لا ينحصر ترك الشيء فى وجود المانع منه ، فان انتفاء كل اجزاء العلة التامّة علّة تامّة لتركه ومع استناده الى احد تلك الاسباب لا يوقف به على السبب المفروض حتى يرد الدور ، وهذا مع ما ذكره المحقق الخوانسارى بقوله و «اما ثانيا» وقد تقدّم متقاربا المراد بل متّحدان حقيقة كما هو ظاهر للمتأمّل.

ثم اورد على نفسه : بانه اذا فرض انتفاء سائر الاسباب وانحصار الامر فى السبب المفروض يعنى وجود المانع الّذى هو الضد فيجيء الدور.

ثم اجاب عنه بانّ هذا الفرض غير ممكن لانّ فعل الضدّ مسبوق بارادته وهى كافية فى التسبّب لترك ضدّه فليس يوجد مقام كان ترك الضد مستندا

٣٦٧

الى نفس وجود ضدّه لوضوح ان الفعل مسبوق بالارادة وهى صارفة عن الآخر.

ثمّ اورد على نفسه : بانّه يجرى الكلام المزبور بالنسبة الى ارادة الضد لمضادّتها مع الضدّ الآخر لامتناع اجتماعهما.

ثم اجاب عنه بمنع المضادّة وانّ مجرد امتناع الاجتماع بين الامرين لا يقتضى المضادّة اذ قد يكون الامتناع عرضيا كما فى المقام ، فان امتناع اجتماع ارادة احد الضدّين مع الضدّ الآخر من جهة تضادّ هذه الارادة لارادة الآخر ، ولذا كان ارادة احدهما صارفة عن الضدّ الآخر.

ثم اورد على نفسه : بانه يجرى الكلام بالنسبة الى الارادة المفروضة وارادة الضدّ الآخر فيلزم الدور ، لان حصول الارادة المفروضة سبب لعدم ارادة الضد الآخر كما ذكر من انّ وجود احد الضدين سبب لانتفاء الآخر مع انّ وجودها يتوقّف على انتفاء الاخرى بناء على كون عدم الضد شرطا فى حصول الآخر.

ثم اجاب عنه بانّ ارادة الفعل وعدمها انّما يتفرّع على حصول الداعى وعدمه ، فقد لا يوجد الداعى الى الضد اصلا فيتفرّع عليه عدم الارادة من غير ان تسبّب ذلك من ارادة الضدّ الآخر بوجه من الوجوه ، وقد يوجد الداعى لكن لغلبة الداعى الى الضد الآخر المامور به مثلا فلا يكون عدم الارادة حينئذ مستندة الى ارادة الضدّ بل الى غلبة داعيه.

وعلى اى حال فلا تأثير لنفس الارادة فى انتفاء الارادة الاخرى.

قلت لا يخفى عليك انّ منع استناد انتفاء ارادة الضدّ الى ارادة ضدّه هنا

٣٦٨

مناف لما ذكره فى الجواب عن السؤال الاوّل من انّ ارادة الضدّ كافية فى التسبب لترك ضدّه فتدبّر جدّا.

ثم اورد على نفسه بانّا نجرى الكلام والايراد بالنسبة الى غلبة الداعى الى الضدّ المامور به وغلبة الداعى الى ضدّه لكونهما ضدّين ايضا ، وقد صار (رجحان الداعى الى الفعل سببا لانتفاء رجحان الداعى الى ضدّه والمفروض توقف الرجحان المزبور على انتفاء) رجحان داعى الضدّ فيلزم الدور. (١)

ثم اجاب عنه : بانّه لا سببيّة بين رجحان داعى الفعل وبين انتفاء رجحان داعى ضدّه ، بل رجحان الداعى الى الفعل انّما يكون لعين مرجوحية الداعى الى الضدّ ، فهما حاصلان فى مرتبة واحدة من غير توقف بينهما حتّى يتقدم احدهما على الآخر فى المرتبة ، فرجحان الداعى الى المامور به مثلا مكافئ فى الوجود بمرجوحية الداعى الى ضدّه اذا الرجحانية والمرجوحية من الامور المتضايفة ، ومن المقرّر عدم تقدّم احد المتضايفين على الآخر فى الوجود.

وقال فى اواخر كلامه : وتوضيح المقام ان الامرين المتقابلين ان كان تقابلهما من قبيل الايجاب والسلب فلا توقّف لحصول احد الطرفين على ارتفاع الآخر ، اذ حصول كل من الجانبين عين ارتفاع الآخر ، وكذا الحال فى تقابل العدم والملكة.

وقد عرفت عدم التوقف فى تقابل التضايف ايضا ، وامّا المتقابلان على سبيل التضادّ فيتوقف وجود كل على عدم الآخر الّا انّ مرجع الامر فيها الى احد الوجوه الأخر كما فى المقام انتهى كلامه رفع مقامه.

__________________

(١) ـ ما بين القوسين مزيد من النسخة المطبوعة : ص ١١١

٣٦٩

ويرد عليه ـ بعد امكان المناقشة فى كثيرة من الكلمات المزبورة ـ امران :

احدهما ـ انّ خاتمة كلامه قد استقرّت على ترك الضدّ ابدا معلول لانتفاء السبب الداعى ، اعنى غلبة رجحانه فلا يكون (مقام) يستند فيه الى وجود الضدّ الآخر او الى سبب وجوده وعند ذلك امتنع ان يكون احد الضدّين مانعا عن الآخر ، لانّ المانع من شأنه استناد عدم الممنوع اليه ، فلا يكون عدمه مقدمة لوجود الآخر ، اذ المقدمية انّما جاءت من جهة كونه مانعا وكون عدم المانع شرطا.

والعجب انّه اعترف فى صدر كلامه بذلك ، ومع ذلك قال متصلا به انّ انحصار سبب ترك الضدّ فى وجود الضدّ الآخر غير ممكن.

وبالجملة انّه (ره) لما تصدّى لدفع الدور نظرا الى الواقع والحقّ ، وافاد ما حاصله انّ فعل الضدّ وترك الضدّ الآخر من المقارنات الاتّفاقية نظرا الى تقارن علتيهما (علّة وجود احدهما وعلّة عدم الآخر) وهما غلبة رجحان داعى الموجود ومرجوحية داعى المتروك ، وغفل عن كون هذا التحقيق نفيا للتوقف رأسا.

والثانى ـ ان تقدّم احد الامرين على الآخر لا يمكن الّا اذا كان علّتاهما مختلفتين فى الرتبة حتّى انّه اذا فرض مساواة الشيئين فى الرتبة امتنع تقدّم معلول احدهما على معلول الآخر ، وحينئذ لا يجوز ان يكون احد المعلولين مقدمة لوجود الآخر ، اذ المقدمة سابقة على ذيها رتبة والفرض (انّهما) فى المرتبة سواء لاستواء عليّتهما.

اذا تحقق ذلك ، فنقول انّه (ره) جعل علّة وجود احد الضدين ، علية

٣٧٠

الداعى اليه وجعل علّة عدم الآخر مرجوحية الداعى اليه ، وجعل هاتين العلتين من المتضايفات الّتى اعترف بعدم تقدّم احدهما على الآخر رتبة قائلا : بانّ احدهما يتحقق بعين تحقق الآخر كما هو صريح كلامه.

وعلى هذا فالحكم بتوقّف وجود احد الضدّين على عدم الآخر وكون هذا العدم مقدمة لوجود الآخر من العجائب.

فالحقّ انّه لا دافع للدور على تقدير كون الترك مقدمة للفعل ، وانّ جميع ما قيل فى دفعه يرجع بالاخرة الى نفى التوقّف (وتحقّقه).

نعم التفصيل الّذى نقلناه فى صدر المسألة عند ذكر الاقوال عن المحقق الخوانسارى من ان الضدّ اذا كان موجودا كان رفعه مقدّمة لمجيء الآخر ، مما يمكن الركون اليه من غير ان يكون فيه دور ، والى هذا اشار بقوله «متصلا بما حكيناه عنه سابقا».

وهاهنا كلام وهو انّه يجوز ان يقال انّ المانع اذا كان موجودا فعدمه مما يتوقّف عليه وجود الشيء ، وامّا اذا كان معدوما فلا ، نظير ما قال المحقّق الدوانى انّ عند امكان اتّصاف شيء بالمانعية يكون عدم المانع

حينئذ موقوفا عليه ، وامّا اذا لم يمكن اتصاف شيء بالمانعية فلا يكون حينئذ عدمه موقوفا عليه وعلى هذا لا يلزم على المجيب دور مع حمل كلامه على ظاهره ايضا.

قال وبالجملة الحكم بمانعية الاضداد ، مما لا مجال لانكاره وفى كلام الشيخ الرئيس ايضا التصريح بمانعيتها كيف واى شيء اولى بالمانعية من الضد فلا (وجه) للايراد على المجيب بانه جعل الضدّ مانعا. (١)

__________________

(١) ـ انظر : مناهج الاحكام ـ الطبعة الحجرية للنراقى.

٣٧١

نعم لو قيل انّ عدم المانع مطلقا ليس موقوفا عليه بل هو من مقارنات العلّة التامّة ، ـ كما ذهب اليه بعض ـ لم يكن بعيدا ، لكنّ هذا لا اختصاص له بالمجيب وبمقامنا هذا انتهى كلامه رفع مقامه.

وخلاصة مراده انّه لا شكّ فى تمانع الاضداد ، وانّ وجود احدهما يمنع عن وجود الآخر ولكنّ لا ملازمة بين كون الشيء مانعا وبين كون عدمه مقدّمة ، لانّ عدم المانع اذا كان مقارنا للعلّة التامّة او سابقا عليها لم يكن موقوفا عليه ، اذ لا توقّف حينئذ للمعلول الّا على وجود علّته التامّة.

وامّا اذا كان مؤخرا عنها بان اجتمعت العلّة فى الوجود مع وجود المانع ، كان عدمه موقوفا عليه.

وحينئذ فالذى يقتضيه تمانع الاضداد ، انّما هو توقف وجود الضد المعدوم على ارتفاع الضد الموجود ، وامّا توقّف الضدّ الموجود ايضا على عدم الضدّ المعدوم ، الّذى كان عدمه سابقا على علّة الموجود او مقارنا معها فلا ، وحينئذ لا يلزم الدور فى شيء لانّا اذا فرضنا البياض شاغلا للمحل كان وجود السواد حينئذ فى ذلك المحل موقوفا على ارتفاع البياض ، لاستحالة اجتماعهما ولكن وجود البياض الموجود ليس موقوفا على عدم السواد لانّ هذا العدم سابق على علّة البياض او مقارن معها ، فلا يكون وجود السواد المعدوم سببا لرفع البياض الّذى كان مقدمة لوجود السواد ، حتى يلزم الدور لانّ السواد انما يكون علّة لرفع البياض اذا كان عدمه شرطا ، وبعد ان بيّنا على انّ عدم السواد المعدوم ليس مقدّمة شرطية لوجود البياض لم يكن وجه لعلية السواد لعدم البياض.

٣٧٢

هذه خلاصة مراده وهو خير ما يقال فى هذا المقام ولذا احتجّ اليه الاستاد دام ظله المتعال ، الّا انّه مع ذلك لا يخلو عن المناقشة ، والاشكال من وجوه :

الاوّل ـ انّ جعل عدم المانع المقارن مع العلّة او المتقدم غير موقوف عليه غير ظاهر الوجه (١) اذ لا نجد فرقا بين العدم المتقدّم والعدم المتأخّر من حيث عدم امكان تحقّق المعلول بدونه ، والّا لخرج المانع عن كونه مانعا وكان وجود المعلول بدون هذا العدم ـ يعنى بدون وجود المانع ـ ممكنا وهذا خلف.

نعم الفرق بينهما هو ان العدم المقارن او المتقدّم مقدّمة حاصلة ، والعدم المتأخّر غير حاصلة وهذا القدر من الفرق لا يقتضى عدم التوقّف رأسا فى الاوّل ، والّا لانحصر المقدّمة فى الجزء الاخير من العلّة التامة ، اذا كانت مركبة من اجزاء مرتبة فى الوجود.

لانه اذا تحقّقت الاجزاء والشرائط الى (ان) انتهت الى الجزء الاخير ، صدق انّ المعلول فى هذا الحال لا يتوقّف وجوده الّا على ذلك الجزء ، فيلزم ان لا يكون اجزاء العلّة وشرائطها من المقدّمات وفساده واضح ، وحينئذ فالدور (باق) بحاله لمكان توقف البياض المفروض وجوده على عدم السواد المفروض عدمه ايضا المقتضى لكن وجود السواد علّة لرفع البياض الّذى كان موقوفا عليه لوجوده.

الثانى ـ ان رفع الضدّ الموجود انّما يجوز ان يكون مقدّمة لمجيء الضدّ

__________________

(١) ـ فى مطارح الانظار : وجهه ص ١١٢

٣٧٣

المعدوم ، اذا كان وجود الضدّ الموجود مانعا عن مجيء الآخر المفروض عدمه ، لانّ المقدّمية انّما احدث من جهة كون الضدّ مانعا وعدمه شرطا ، ومن المعلوم ان الموجود انّما يكون مانعا عن المعدوم اذا كان تمام مقتضيه وشرائطه موجودا ، حتّى يكون سبب العدم وجود الموجود والّا لم يكن مانعا فعلا بل شأنا ، فلا رفعه مقدّمة.

وانّ قضية ما ذكره من انّ مطلق عدم المانع ليس موقوف عليه ، هو ان يكون تمام ما يقتضى وجود الضد الآخر المفروض عدمه موجودا فى حال وجود الضد المفروض وجوده ، حتى يكون رفعه مقدمة اذ لو اعتبر الرفع المزبور قبل استكمال علة وجود الضد المعدوم ، لكان هذا داخلا فى اقسام عدم المانع المقارن مع العلّة او المتقدّم ، فلا يكون باعترافه مقدّمة فمقدّمة رفع الضد الموجود موقوف على اعتباره وملاحظته بعد استكمال اجزاء المقتضى للضد المعدوم وشرائطه ، فيلزم حينئذ ان يكون اجتماع وجود احد الضدين مع تمام مقتضى الضدّ الآخر.

مع انّه (ره) قد اعترف فيما تقدّم فى جواب السبزوارى : بان الصلاة لا يمكن ان يكون علّة لعدم الزنا الّا اذا فرض تحقّق جميع اجزاء علّة الزنا من الشوق والارادة ونحوهما حتى يستند عدم الزنا ، حينئذ الى وجود المانع فقط ، فيكون هى العلّة للعدم دون فقد المقتضى ، وانّ هذا يجوز ان يكون محالا وحينئذ كيف يتمكن هنا من جعل رفع الضد الموجود مقدّمة لمجيء الضد المعدوم ، مع انّ مقدّمة ذلك بناء على كلامه من عدم كون مطلق عدم المانع مقدمة مبنية على فرض وجود علة الزناء مثلا مع الصلاة حتى يكون

٣٧٤

عدم الصلاة مقدمة لترك الزناء.

نعم نحن لما منعنا استحالة ما ذكر ، وقلنا بانّه يمكن اجتماع احد الضدين مع تمام مقتضى الضدّ الآخر وبيّنّا ذلك ، امكن لنا دعوى كون رفع الضدّ الموجود مقدّمة لمجيء الضدّ المعدوم ، ولكنّ الانصاف انّ هذا الكلام صدر منا من جهة الاحتمال والمناقشة فى المقال ، فانّ الحكم بذلك يعنى بجواز اجتماع وجود احد الضدين مع تمام مقتضى الآخر لا يخلو عن اشكال وتأمل ، اذ لو جاز ذلك لجاز اجتماع نفس المقتضيين ايضا قبل تحقّق احد الضدّين ، اذ لا مدخلية لتحققه فى امكان اجتماع المقتضيين وامتناعه وحينئذ يلزم الدور اذا اجتمعا فى الوجود ولو فى محلين مختلفين ، لانّ تأثير كل منهما اثره يتوقف حينئذ على عدم تاثير الآخر ، ضرورة استحالة تاثيرهما معا لاستلزامه الجمع بين الاثرين المتضادين ، مع ان عدم تأثير كل منهما لا سبب له الا تأثير الآخر فيلزم الدور.

اللهم الّا ان يدعى الفرق بين اجتماع سبب الضدّين فى الوجود معا من دون تقدّم احدهما على الآخر ، وبين اجتماعهما متعاقبين بان يتحقّق احدهما اولا فيؤثر اثره ، ثمّ يتحقق الآخر فان الاوّل مستحيل لما ذكر بخلاف الثانى فانّه اذا فرض انّ سبب احد الضدّين وجد فى حال عدم سبب الآخر ، كان تأثيره مما لا مانع له.

ثمّ بعد ان اثر اثره فلا استحالة فى وجود سبب الآخر فى محل آخر ، لان هذا السبب حينئذ لا يؤثر تأثيرا باعتبار وجود المانع الّذى قد سبقه تأثير السبب المفروض وجوده سابقا.

٣٧٥

الّا انّ هذه الدعوى فى الفرق ايضا لا تخلو عن خرازة واشكال ، كما يظهر للمتأمل الدقيق.

وكيف كان فمن يقول باستحالة ذلك ، يعنى اجتماع احد الضدين مع تمام سبب الآخر وشرائطه ـ كالمحقق ـ على ما سمعت عنه سابقا فى الجواب عن السبزوارى ، فلا يجوز له الحكم بمقدمية رفع الضد الموجود لوجود المعدوم ، بل ينبغى له ان يجعل رفعه ووجود المعدوم معلولى علة واحدة او علتين متساويتين فى الرتبة ، كما عرفت فى كلام الشيخ فى الحاشية فلا يكون اذا بينهما توقّف جدّا.

الثالث ـ انّ ما ذكره من التفصيل ، بعد الغض عن جميع ما ذكرنا وقبول حجّته انّما يتمّ فى الاضداد القارّة كالسواد والبياض ، وامّا فى الاضداد الغير القارة كالحركة والسكون وغيرهما من افعال المكلفين الّتى كلامنا فيها ، فلا سبيل اليه لانّا نعلم بالضرورة والوجدان ان المشتغل بالصلاة مثلا اذا حصل له ما يقتضى الازالة مثلا من الشوق والارادة والعزم ، وغير ذلك من الامور التى لا بد منها فى تحقيق الافعال الاختيارية فيقطع الصلاة قهرا فيكون انقطاعها ووجود الازالة فى مرتبة واحدة من الوجود لا يمكن جعل احدهما من مقدمات وجود الآخر جدّا على ان المحتاج اليه فى تحقق الازالة ، انما هو خلوّ زمانها عن فعل الصلاة مثلا.

ولا ريب انّ قطع الصلاة ورفعها لا حاجة للازالة اليهما الّا من جهة تفريغ زمانها عن فعل ضدّها كالصلاة ، فيكون الّذى يتوقف عليه فعل الازالة حقيقة هو عدم الصلاة فى زمان ذلك الفعل مطلقا ، سواء كان مسبوقا بالوجود فرفع

٣٧٦

او كان باقيا على الحالة الاولى.

وحينئذ فجعل الرفع من مقدّمات مجيء الضدّ المعدوم حقيقة يرجع الى كون مطلق عدم الضدّ من المقدّمات ، فيكون الرفع مقدّمة لتحصيل المقدّمة الّتى هى خلو زمان الضدّ عن ضدّه ، فيرجع الدور الّذي كان رفعه موقوفا على عدم كون مطلق العدم من المقدمات. فتدبّر جيدا فى المقام فانّه مزلّة للاقدام ومعركة للآراء ، ومن غوامض المطالب ، ولا اظنّك بعد الاحاطة بجميع ما تلوناه عليك من حق الاحاطة والتأمل فيه كمال التامل [تكون] ذا مرية فى عدم توقف شيء من فعل الضدّ وتركه على فعل ضدّه وتركه وان اشتهر توقف الفعل على الترك خاصة من دون عكس بين كثير من اعاظم الاصحاب «فانّ الجواد قد يكبو والصارم قد ينبو (١)» والشهرة قد تكذب ، وكم ترك الاولون للآخرين.

نعم قد يتوقّف ترك احد الضدّين فى ثانى الزمان على ايجاد ضده فى الزمان السابق ، ولكنه خارج عن محل الكلام كما عرفت مثاله وبيانه فى كلام المحقق الخوانسارى عند الاعتذار عن المجيب عن شبهة الكعبى ، والله العالم بحقايق الامور.

المقدمة الثانية

فى تحرير محل النزاع من حيث تضييق المامور به وتوسعته او وجوبه و

__________________

(١) ـ وهو مثل سائر ومعناه : ان للجواد كبوة اى عثرة والصارم قد يتجافى عن الضريبة.

٣٧٧

استحبابه او تخييره وتعيينه الى غير ذلك من الوجوه المتصوّرة فى الاوامر ، وهكذا فى الضدّ.

قال الفاضل القمى (ره) : «موضع النزاع ما اذا كان المامور به مضيقا والضدّ موسعا ولو كانا موسّعين فلا نزاع واما لو كانا مضيّقين فيلاحظ ما هو الاهمّ وقد يفصل بان الفعلين (١) اما كلاهما من حق الله او من حق الناس او مختلفان وعلى التقديرات (٢) امّا معا موسعان او مضيقان فمع ضيق احدهما الترجيح له مطلقا ومع سعتهما التخيير له مطلقا.

واما الثانى ـ فمع اتحاد الحقيقة (٣) التخيير مطلقا الّا اذا كان (احدهما) (٤) اهمّ فى نظر الشارع كحفظ بيضة الاسلام ومع اختلافهما فالترجيح لحق الناس الّا (٥) مع الاهمية انتهى.» (٦)

ويمكن المناقشة فى هذا الكلام :

اوّلا ـ بان اخراج الموسّعين عن محل النزاع مما لا وجه له ، فانّ الملازمة الّتى اثبتوها بين الامر بالشيء والنهى عن ضدّه عقلية سارية فى جميع الاوامر.

فكما انّ الامر المضيّق يقتضى النهى عن ضده الموسّع كذلك الامر الموسّع يقتضى ذلك من غير فرق والحاكم بذلك هو العقل على القول بالاقتضاء غاية الامران النهى فى الموضعين يختلف حسب اختلاف الامرين ، فالامر المضيّق يقتضى النهى عن ضدّه على جهة التضييق والامر الموسّع

__________________

(١) ـ فى المخطوط : الضدين

(٢) ـ التقديرن

(٣) ـ الحقية ـ التصحيح من القوانين

(٤) ـ مزيد فى المخطوط

(٥) ـ فى المخطوط : لا

(٦) ـ القوانين : ص ١١١

٣٧٨

يقتضيه على جهة التوسعة والتخيير فالاضداد الواقعة فى وقت الازالة مثلا منهية على سبيل التضييق ويجب الاجتناب عنها فورا مضيقا معينا.

والاضداد الواقعة فى وقت الصلاة منهية توسعة فيجب الاجتناب عنها فى مقدار فعل الصلاة من اول الوقت الى آخره.

وهكذا الكلام فى المضيقين المتساويين فى الاهميّة ، فانّ قاعدة الاقتضاء المزبور قاضية باقتضاء كل منهما النهى عن الآخر على سبيل التخيير العارض للامرين باعتبار التزاحم والتكافؤ ، فلا وجه لاخراجهما ايضا.

وقد يجاب عنها :

اوّلا ـ بانّه لا مضايقة فى القول بخروج الموسّعين والمضيّقين عن تحت النزاع لعدم جدواه ، وانتفاء الثمرة المذكورة لهذا النزاع فيهما ، ضرورة معلومية عدم اقتضاء النهى التوسعى التخييرى المستفاد من الامر الموسّع او المضيّق بالنسبة الى مضيّق آخر التحريم والفساد فلا فائدة حينئذ فى تعميم البحث بالنسبة الى غير الموسّع والمضيق.

وثانيا ـ بان المتبادر من الامر والنهى المشتمل عليهما عنوان المسألة فى كلام الاوائل والاواخر ، انما هو الالزام بالفعل والترك على سبيل الضيق والحتم والتعيّن وهذا النحو من الامر والنهى مختصّ بما اذا كان المامور به مضيّقا والضدّ موسّعا.

اذ قد عرفت انّ فى شيء من الموسّعين ليس الزام فى فعل شيء معين او تركه ، بل التوسعة وتزاحم المضيّقين قاضيان بالرخصة فى فعل كل فرد وتركه ، اما الرخصة فى الترك فواقع فى الموضعين ، واما الرخصة فى الفعل

٣٧٩

ففى الموسّعين ايضا واضح لمعلوميته ، انه اذا اجتمع واجبان موسّعان جاز للمكلف فعل واحد منهما الى تضييق وقت احدهما فالنهى الّذى يقتضيه الامر بالموسّع موسّع ، مثل الامر بمعنى انه يجوز للمكلف فعل الضدّ فى جميع ازمنة وجوب المامور به ما لم يتضيّق وقته ، فيعين الاجتناب حينئذ كذلك يعنى لاجل مزاحمة الموسّع والمضيّق.

وامّا الرخصة فى الفعل فى المضيّقين فلانّه الاصل فى تزاحم الواجبين ، اذ المرجع فيهما التخيير فى فعل المكلف ما شاء.

وهذا معنى الرخصة فى الفعل اى فعل ضدّ المامور به المنافية للنهى التضييقى التعيينى هذا.

ويمكن ان يقال بما ذهب اليه جماعة من الاصوليين من ان التخيير من النواهى غير جائز ، بمعنى انه ليس حال النهى والامر فى الانقسام الى التخييرى والتعيينى سواء ، لانّه لا مانع من ان يكون المامور به احد هذه الامور على سبيل البدلية والتخيير كالخصال ، ولكن النهى لا يجوز ان يكون كذلك ، لانّ النهى عن احد هذين الامرين او الامور تستلزم تحريم الجمع.

وهذا المذهب ـ وان كان سخيفا ـ مختار المعتزلة الّا انّه يتعين به كون محل النزاع ما ذكره ، اذ الموسّعان والمضيّقان لا يكون فيهما نهى على هذا المذهب لعدم جواز النهى عن الضدّ فى وقت ما فى الموسّعين او عن ضدّ ما ، كما فى المضيّقين.

وكيف كان فلا اشكال فى سريان النزاع الى ساير اقسام الواجبات من العينى والكفائى والتخييرى والتعيينى والنفسى والغيرى والتعبّدى و

٣٨٠