الفوائد الأصوليّة

الشيخ مرتضى الأنصاري

الفوائد الأصوليّة

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: حسن المراغي « غفارپور »
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: شمس تبريزي
المطبعة: ايران يكتا
الطبعة: ١
ISBN: 969-94215-0-5
الصفحات: ٧٧٠

فكذلك يجوز ان يكون الوجوب معلّقا على امر مقدور بحيث يكون تحقّقه كاشفا عن تنجز الوجوب قبله لا مثبتا للوجوب بعده ، فيكون الشرط فى الحقيقة هو الامر المنتزع من ذلك الامر المقدور ، لاستحالة تقدّم المشروط على الشرط ، فيكون الشرط فى الحقيقة هو كون الشخص ممن يصدر منه ذلك الامر.

ثم مثّل لذلك بتعليق وجوب الحج على وجود مقدّمة محرّمة منحصرة ، ووجوب الطهارة مع توقّفها على الاغتراف المحرم من الآنية وغير ذلك.

وزعم ان التكليف بالمحال فى هذه الصورة انّما يلزم لو اراد الآمر الفعل على الاطلاق الشامل لتقديرى تحقق المقدمة المحرمة وعدمه ، وامّا اذا اختص بتقدير تحقق المقدّمة المحرّمة فلا قبح.

وفيه : ان كونه ممن يصدر منه ذلك الامر لا ينفى اتصافه بالوجوب مقدمة ، اذا كان مما يتوقف عليه وجود الواجب ، كما ان كون الشخص ممن يصدر منه نفس الواجب لا ينافى وجوب الفعل عليه ، فيلزم اجتماع الوجوب والحرمة فى شيء واحد.

نعم لو كان الامر المحرم الذى علق الوجوب على تقديره من غير المقدمات الّتى يمتنع وجود الفعل بدون تقديرها ، كما اذا علق الناذر وجوب شيء على نفسه بصدور محرم منه ـ وقلنا بان تحقق شرط المنذور كاشف عن تنجّز الوجوب قبل الشرط ـ صحّ التعليق.

توضيح الكلام : انّ تعليق الوجوب على امر محرم انما يجوز على ان يكون حدوث الوجوب بعد تحقق ذلك الامر المحرم بحيث لا يكون وجوده

١٨١

بعد الوجوب متوقّفا على ذلك الشيء ، سواء لم يكن ذلك الامر المحرم من مقدّمات وجود ذلك الواجب اصلا ، كما اذا قال المولى : ان عصيتنى فى كذا فافعل كذا ، ام كان من مقدّماته كقطع المسافة على الوجه المحرم لوجوب الحج بعده وكوجود المعصية بالنسبة الى وجوب تكفيرها بالتوبة او بالكفارات المنصوصة ، فان تكفير الذنوب لا يتحقق بدون الذنب لكن وجوبه لا يحدث الّا بعد وجوده.

وامّا اذا لم يكن حدوث الوجوب بعد تحقّقه بل كان تحقّقه كاشفا عن حدوثه قبله ، فيكون الشرط فى الحقيقة كون الفعل بحيث يتعقّبه ذلك الامر المحرم او كون الفاعل بحيث يصدر منه ذلك الأمّ نظير : الاجازة للبيع الفضولى على احد الوجوه ، فلا يجوز هذا التعليق ، لانّ مرجعه الى اجتماع طلب الحرام وتركه اذا المفروض انّ تحقّق ذلك الامر فيما بعد لا يدفع وجوبه قبله من باب المقدمة للواجب المفروض توقفه على الحرام ، فيلزم اجتماع الوجوب والتحريم فى شيء واحد.

فان قلت : اذا سلّمت ان الواجب من المقدمة هى الموصلة ، وهى التى يترتّب عليها وجود ذى المقدمة ولو بمعونة سائر المقدمات ، كانت المقدمة للصلاة ترك الازالة الموصل الى الصلاة والمحرم هو ترك الازالة المطلق ، لانه نقيض الازالة المطلقة ، فلا يلزم الازالة المطلقة فلا يلزم من ايجاب الازالة والصلاة كليهما اجتماع الوجوب والتحريم فى ترك الازالة.

وقد عرفت سابقا عدم لزوم الاجتماع ايضا فى ترك الصلاة ، لان الواجب الموصل ونقيضه ليس الّا ترك الترك الموصل لا نفس الصلاة ، فانها

١٨٢

ضد له لا نقيض ولا يلزم ايضا من وجوب الازالة والصلاة قبح من جهة القاء المكلف فى المعصية ، لانّ الازالة وان وجبت على الاطلاق ويعاقب على تركها على اىّ حال ، الّا انّ الصلاة ليست كذلك ، فانّها انما تجب على تقدير ترك الازالة لا مطلقا حتى لو فرضت مضيقة لم يلزم ذلك القبيح لانّها لا تجب على الاطلاق.

نعم يلزمه مع فرض التضييق لو لم يأت بالازالة ولا بالصلاة عوقب عليهما ، لانه ترك الازالة وترك الصلاة على تقدير عدم الازالة.

قلت : اولا ـ انا وان سلمنا ان الواجب هى المقدمة الموصلة اعنى : ترك الازالة المقيد بقيد الايصال ، الّا ان نقيض الازالة وهو الترك المطلق غير مغاير له إلّا بالاعتبار ، لما عرفت من ان حقيقة الايصال من الامور الاعتبارية المنتزعة من الامور الخارجية الأخر وهى سائر المقدمات ، والّا فنفى المقدمة لا تتصف بالايصال الفعلى.

وامّا كونها موصلة بضميمة سائر المقدمات فهو امر لازم لها لا ينفك عنها ، حتّى اذا تجرّدت عن ذى المقدّمة ترك المقدمات الأخر ، فترتّب ذى المقدمة وحصوله بعدها الذى قد يحصل لها وقد لا يحصل امر منتزع من وجود سائر المقدمات.

ومن المعلوم ان تغاير الترك المطلق مع الترك الموصل بهذا الامر الاعتبارى التابع لاعتبار المعتبر لا يصح احدهما بالوجوب فى الآخر بالحرمة.

ثم نقول لو كان التغاير بينهما لا بالاعتبار كان النسبة بينهما عموما مطلقا وتحريم العام يستلزم تحريم الخاص.

١٨٣

وما اعترفنا به سابقا من ان ترك الترك الموصل لا يستلزم تحريم الفعل ، فانّما هو من جهة ان المفهوم المشترك بين الوجودى والعدمى ليس متحدا فى التحقق مع الوجودى.

وثانيا ـ نقول ان امتناع التكليف المذكور ليس من جهة عدم اتصاف مقدّمة الواجب بالحرمة ، اذ ننقل الكلام فيما لا مناص عن الحكم بوجوب المقدمة المحرمة ، كما اذا انحصرت فى الاغتراف من الآنية المغصوبة ، فانّ الاغتراف الموصل الى الواجب هو غصب بعينه ولا يمكن ان يقال هنا ان الحرام هو الاغتراف المطلق والواجب هو الاغتراف الموصل فافهم.

الوجه الثالث :

ما ذكره فى المعالم : من ان كون وجوب مقدمة الواجب للتوصّل يقتضى اختصاصه بحال امكان التوصل بها الى الواجب ومع وجود الصارف عن الفعل الواجب كازالة النجاسة عن المسجد مثلا لا معنى لوجوب التوصّل اليه فيسقط وجوب المقدّمة ، وتبعه فى ذلك فى «المدارك» فى مسئلة وجوب ازالة النجاسة عن المساجد. (١)

__________________

(١) ـ وما اورده المصنف (ره) شطر من كلام صاحب المعالم مع تصرف وحذف يسير وتمام كلامه كما يلى ، قال صاحب المعالم : «ومن هنا يتّجه ان يقال بعدم اقتضاء الامر للنهى عن الضد الخاص وان قلنا بوجوب ما لا يتمّ الواجب الّا به اذ كون وجوبه للتوصل يقتضى اختصاصه بحالة امكانه ، ولا ريب انه مع وجود الصارف عن الفعل الواجب وعدم الداعى لا يمكن التوصل. فلا معنى لوجوب المقدمة حينئذ وقد علمت ان وجود

١٨٤

وفيه : ان وجود الصارف ان فرض بقاء الامر بالازالة فلا محيص عن القول بوجوب مقدّمتها عند القائل بوجوب المقدّمة ، وان فرض ارتفاعه فلا كلام لاحد فى ارتفاع وجوب مقدمتها.

الّا ان التزام ارتفاع وجوب الازالة عند وجود الصارف عنها قول باشتراط بقاء التكليف ببقاء الارادة وفساده واضح ، اللهم الّا ان يرجع هذا الجواب الى ما ذكر سابقا من ان الواجب هى المقدمة الموصلة ، وغرضه ان مع وجود الصارف لا يكون المحقق فى الخارج من مقدمات المامور به متصفا بالوجوب ، اذ لا يتحقق فيها على هذا التقدير عنوان التوصل الماخوذ فى مقدمة الواجب شرطا او وضعا عنوانيا ، فاذا لم يتصف ترك الضد المتحقق فى الخارج بالوجوب فلا بأس بان يتصف نفس الضد بالوجوب.

وفيه ما عرفت من فساد هذا القول وانّ صفة الايصال ليست ماخوذة فى المقدّمة وانّما المأخوذ فيها هو كونها بحيث لو انضمت اليها باقى المقدمات حصل المطلوب وهذه الحيثية لازمة لها لا ينفكّ عنها حتى اذا لم يتحقق الواجب لفقد سائر المقدمات.

ثم ان مما ذكرنا فى جواب صاحب المعالم يظهر فساد وجه آخر لما ذكره فى هذا المقام من ان : «حجّة القول بوجوب المقدّمة على تقدير تسليمها انما ينهض دليلا على الوجوب فى حال كون المكلف مريدا للفعل المتوقّف عليها كما لا يخفى على من اعطاها حق النظر وحينئذ فاللازم عدم وجوب ترك الضد الخاص [فى] حال عدم ارادة الفعل المتوقف عليه من حيث كونه

__________________

الصارف وعدم الداعى مستمران مع الاضداد الخاصّة» المعالم : ص ٧١ الطبعة الحديثة

١٨٥

مقدمة له». (١)

وفيه : ان الكلام فى حرمة الضد على القول بوجوب المقدمة لا بناء على ما تقتضيه الحجّة التى ذكروها لوجوب المقدمة وهى لزوم التكليف بما لا يطاق او خروج الواجب عن وجوبه المطلق ، فان فساد تلك الحجّة لا ينافى تفريع حرمة الضد على وجوب المقدّمة ، مع انّ دلالة الحجّة المذكورة على اختصاص وجوب المقدمة بصورة ارادة الفعل مبنيّ على ما فهمه هو وجماعة من ظاهر تلك الحجّة من انّ «الامتناع بالاختيار ينافى الاختيار» ولو مع بقاء الاختيار ولذا اجابوا عنها باختيار بقاء الوجوب عند ترك المقدمة نظرا الى انّ امتناعه باختياره ، والامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار ، وان الممتنع هو الفعل بشرط عدم المقدمة لا حال عدمها كما ان سكون الاصابع ممكن حال الكتابة لا بشرطها ، وانت خبير بان الدليل المذكور ليس مبنيا على ذلك مع انه اذا كان وجوب المقدمة حال الارادة فهى حال عدم ارادة الفعل ان لم يلتزم بقاء التكليف بنفس الفعل فلا امر بشيء حتى يقتضى النهى عن ضده وان التزم بقائه فلا وجه لمنع وجوب المقدّمة.

__________________

(١) ـ المعالم : ص ٧١

١٨٦

المقام الثالث

فى منع دلالة النهى عن الضد على فساده

فى منع دلالة النهى على فساده وهو يتمّ بامرين :

احدهما : تصحيح اتصافه بالوجوب مع كون تركه واجبا لكونه مقدمة للواجب.

الثانى : فى تصحيح اتصافه بالوجوب مع توقفه على المحرم وهو ترك الواجب وله طرق.

منها : ما سلكه المحقق القمى (ره) وقبله السيد الصدر فى «شرح الوافية» من ان وجوب المقدمة ـ وهى ترك الضد ـ لما كان تبعيا لم يمتنع اتصاف نفس الضدّ بالمطلوبيّة الذاتية.

وتوضيحه : ان المقدّمة انّما تطلب لاجل الوصول الى ذيها ، وكلما يطلب لغاية فالمطلوب فى الحقيقة تلك الغاية ، فالمطلوب الحقيقى هو الوصول الى ذى المقدّمة وان اعتبر التوصل الى ذى المقدّمة امرا آخر وراء نفس ذى المقدمة.

فننقل الكلام اليه ونقول :

انّه لا يطلب الّا لاجل وجود ذى المقدّمة عنده ، فالموصوف بالطلب اوّلا بالذات هو ذو المقدّمة ، وانما تتّصف المقدّمة بالمطلوبية تبعا بمعنى ان تلك

١٨٧

المطلوبية العارضة لذى المقدمة بالذات تعرض للمقدمة بالتبع والعرض ، لا انّها مطلوبة بطلب آخر متولد من طلب ذى المقدّمة ولذا ذكر المحقق الخوانسارى (ره) فى رسالته انّ :

«وجوب مقدمة الواجب من قبيل وجوب لازم الواجب»

ومعناه انه كما ان لازم الواجب المصاحب له ليس المطلوب الا الصفة المقارنة معه ، اعنى : مصاحبة الواجب له ومرجع ذلك الى وجود الواجب عند وجوده ، فكذلك مطلوبيّة المقدمة ليس إلّا باعتبار صفة التوصل الراجعة الى الوصول الى ذى المقدمة فهو المطلوب حقيقة ، وحينئذ فلا مانع من اتّصاف نقيض المقدمة وهو فعل الضدّ بالمطلوبيّة الذاتية ، فهو يشبه اتصاف جالس السفينة بالحركة التبعية مع اتصافه فى حد نفسه بالسكون ، فهذا معنى عدم دلالة النهى التبعى على الفساد.

فالنهى عن الصلاة من حيث كونها ضدا للواجب ، اعنى : الازالة لا يوجب فسادها ، وامّا كون ترك الازالة المحرّم مقدمة للصلاة فقد ذكر ايضا فى وجهه ما حاصله : ان المانع من اتصاف مقدمة الواجب بالحرمة الذاتية هو عدم التمكن من الامتثال لتوقف الامتثال على المعصية وهو غير متحقق هنا ، لانّ الواجب هو كلى الصلاة فى مجموع الوقت وهو غير متوقف على المحرم لامكان التوصّل اليه بمقدمة غير محرمة ، اعنى : ترك اضداده فى زمان لا يجب شيء منها.

فاذا توصل اليه بمقدمة محرّمة لسوء اختياره فلا ينافى ذلك حصول الامتثال بالواجب ، فلا امتناع فى اجتماع الامر بالشيء مع الامر بضدّه موسّعا.

١٨٨

قال وهذا نظير ما نجوزه من اجتماع الامر والنهى فى شيء واحد مع تعدد الجهة.

ويرد على ما ذكره أوّلا ـ ان الوجوب بالمعنى المذكور لا ينبغى ان يكون محل الخلاف ، فالكلام على فرض وجوب المقدمة بمعنى ارادته للتوصل الى ذيها ارادة مغايرة لارادة ذيها لا بمعنى ان الارادة المتعلقة بذيها أوّلا وبالذات يتعلق بها لكونها مؤدّية اليه.

وامّا ما ذكره ثانيا من منع انحصار المقدّمة فى الحرام ، فيردّه ان التزام ثبوت الوجوب فى زمان وجوب الازالة التزام بوجوب الشيء مع انحصار مقدمته فى الحرام ، لانّه مع تكليفه بالازالة لا يقدر على التوصل الى الصلاة بالمقدمة المباحة.

نعم يمكن تأخير الصلاة من الازالة ليتوصل اليها بالمقدمات المباحة ، فيثبت بوجوب تقديم الازالة على الصلاة من باب وجوب المقدمة المباحة ، فزمان التكليف بالازالة ظرف لوجوب الصلاة لا لنفسها نظير زمان الجنابة للتكليف بالصلاة ، فالصلاة الواقعة فى ذلك الزمان لا يقع على صفة الوجوب.

فان قلت : تخصيص الوجوب بالمقدمة المباحة لا يوجب تقييد ذيها بها.

قلت : لا يوجب التقييد لو كان المقدمة فى زمان الواحد متعددا بعضها مباحة وبعضها محرّمة ، كقطع المسافة المتحقق على وجه الاباحة والتحريم فى سنة واحدة ، وكالصلاة فى الدار المباحة والمغصوبة لماهية الصلاة بناء على كون الفرد مقدمة للطبيعة.

١٨٩

امّا لو كان الواجب فى زمان لا يتحقق الّا بالمحرّم وفى زمان آخر لا يتحقّق الّا بالمباح فالزمان الاوّل لا يصلح ان يكون ظرفا للواجب.

فانّ قلت : لو فرضنا الامر المطلق بكلى الصلاة ، وقلنا بان الامر لا يقتضى الفور فالمطلوب هو القدر المشترك بين الصلاة الواقعة فى الازمنة المتعدّدة الّتى يجب فى بعضها ازالة النجاسة ، فاذا اختار المكلّف الفرد الواقع فى ذلك الزمان ، وتوصّل اليها بالمقدمة المحرّمة فلا يمنع ذلك من صحة ماهية الصلاة لانّ المنحصر فى الحرام هى مقدمة الفرد لا الكلى ، فان حرمة مقدمة الفرد ليس بأسوإ حالا من حرمة نفس الفرد ، وقد جوزه الخصم حيث قال بجواز اجتماع الامر والنهى وصرّح بان هذا نظيره ولهذا لم يقل انه عينه.

قلت : اولا ـ ان التخيير الزمانى فى الواجب الموسع شرعىّ لا عقلىّ فلا يجوز اتصاف الفرد المتشخّص بالزمان بالحرمة لانحصار مقدمته فى الحرام.

وثانيا ـ على تقدير كون الامر مطلقا ، فنقول : انه لا بدّ من بقاء المطلب المطلق فى كل زمان من الازمنة القابلة لاتيان المكلف به ، فاذا فرضنا زمانا واحدا من هذه الازمنة مكلفا بضدّه فورا ، امتنع بقاء الطلب فى هذا الزمان الخاص لقبح توجّه الطلبين الى المكلف.

لكن الانصاف فساد هذا الجواب وامكان (١) ان يقال : ـ بناء على تعلق الامر بالطبيعة ـ ان الامر سواء فرض موقتا على وجه التوسعة ، او مطلقا ، انّما يقتضى وجوب طبيعة الفعل الواقع فى مجموع الزمان المحدود ، او وجوب

__________________

(١) ـ كذا فى الاصل ولعله سهو من قلمه الشريف (قدس‌سره) او من قلم الناسخ وصوابه : لكن الانصاف فساد هذا الجواب ظاهر ويمكن ان يقال ...

١٩٠

الفعل المطلق الغير المقيد بوقوعه فى زمان خاص ، وعلى اىّ تقدير فالفعل الواقع حال ترك الواجب فرد منه ولا امتناع فى اتصافه بالوجوب ، لان الامر لم يتعلق به بالخصوص من الشارع بل اجزائه من جهة انطباقه على الطبيعة المامور بها ، فاتّصافه بالوجوب باعتبار الطبيعة المتحقّقة فى ضمنه ، ولا ريب انه يكفى فى الصحّة مطابقة المأتى به للمأمور به ولا يعتبر كونه عينه ، وامّا عدم جواز اجتماع الفرد مع الحرام فلامتناع اتحاد الواجب مع الحرام فى الوجود الخارجى ، لان المأمور به هى الطبيعة باعتبار وجودها الخارجى ، وسيجيء الكلام فيه عند الكلام على مسئلة اجتماع الامر والنهى إن شاء الله.

فيعلم من ذلك انه لو لم نقل بوجوب المقدمة الّا على الوجه المتقدم من كونه تبعيّا وقلنا بتعلق الامر بالطبائع لا نفس الافراد الخارجية ـ كما هو مقتضى العقل والنقل ـ امكن القول بالصحة.

اللهم الّا ان يقال انّ مجرد امكان اجتماع وجوب الفرد مع حرمة المقدمة وان كان ممكنا عقلا ، الّا ان العرف على خلافه.

فانّهم يفهمون من اطلاق الامر : تقييده بغير الفرد المنحصر مقدمته فى الحرام او يحكمون بثبوت الوجوب بعد حصول المقدمة فيما يمكن فيه ذلك كما اذا قطع ناذر الحج المطلق المسافة على وجه محرم ، فانه يحدث الوجوب بعد القطع من جهة عموم ادلّة الوفاء بالنذر ، امّا فيما لا يمكن فيه ذلك كما فيما نحن فيه ، حيث لا مناص عن مقارنة فعل الضدّ لترك المامور به فلا يفهمون الّا التقييد.

ولذا نرى العقلاء ، ينهونه عن الاشتغال بالضدّ ، ويقولون له لا تشغل بكذا

١٩١

بل اتركه واشتغل بالواجب ، وما نرى من حكمهم بالاجزاء بما فعله على تقدير ترك الواجب ، فانما هو فى اوامرهم التى كلّها او جلّها توصليّات ، يسقط الطلب بمجرد وجود الفعل فى الخارج فلاحظ وتأمّل!

ويؤيد ما ذكرنا المروى عن امير المؤمنين ـ صلوات الله وسلامه عليه وآله ـ فى «نهج البلاغة» انه : «لا قربة بالنوافل (١) اذا اضرّت بالفرائض»

ومن هنا ترى جماعة كثيرة من العلماء كالسيد والحلى والحلبى شدّدوا الامر على من عليه القضاء ، ومنعوه من الاشتغال بغير الضروريات.

وقد صرّح العلامة ـ فى اكثر كتبه ـ ببطلان صلاة من يطالبه الغريم ، وهو الظاهر ايضا من المحقق ـ فى «المعتبر» ـ حيث : الزم القائلين بفورية القضاء بانّه يلزمهم ما علم من المسلمين خلافه من منع اشتغالهم بالمكاسب المباحة.

بل كل من قال : بعدم صحّة الحاضرة فى سعة الوقت لم يقل به الّا من هذه الجهة.

اذ لم يرد فى الاخبار الّا «الامر بتقديم الفائتة» ولا ريب انه غير مستلزم لفساد الحاضرة ، الّا من جهة «اقتضاء الامر بالشيء النهى عن الضدّ» كما صرّح به السيّد فى استدلاله ، اذ لو فهموا من الاخبار الآمرة بالتقديم «كونه على جهة الشرطية» كما فى قول الآمر : «اعتق رقبة مؤمنة» بعد قوله «اعتق رقبة» كان اللازم عليهم الحكم بالفساد مع الجهل والنسيان ووجوب اذا (٢) علم مع انهم مطبقون على الصحة هذا كله مضافا الى ما عن الحلى فى مسئلة

__________________

(١) ـ نهج البلاغة : ص ٣٦٠ طبعة دار التعارف ـ لبنان. فى الاصل المخطوط : فى النوافل

(٢) ـ كذا لفظ كلام الشيخ الاعظم (قد) فى الاصل المخطوط

١٩٢

الصلاة فى سعة الوقت للغريم المطالب : بان كل ما يفوت به الواجب المضيق فهو قبيح بلا خلاف ومما ذكرنا يظهر ضعف الاحتجاج على صحة العبادة مع الامر المضيق بضدّها بالاجماع.

واضعف منه التمسك بالسيرة ، فانك خبير بان السيرة ناشئة عن قلّة مبالات العوام ، فان من لم يبال بصدور المعصية عنه آناً فآنا بمنع الغريم عن حقه مع التمكن ، لا يبالى بفساد صلاته ، مع انّ حق المخلوق اشدّ من حق الخالق لشدّة اهتمام الخالق به.

وكيف كان فالمسألة من المشكلات ، فلا تصغ الى من يدّعى : وضوح احد طرفيها والله العالم.

ثم انه تبيّن مما ذكرنا من : «عدم جواز الامر مع انحصار مقدمته فى الحرام» انّه لو قلنا : بعدم وجوب المقدّمة او بعدم كون ترك الضد مقدمة لم يتعيّن القول بصحّة الضدّ ، لامكان دعوى فساده بما ذكر من اجتماع وجوب الضدين.

اذ كما ان الامر بالضدين على وجه التعيين والتضييق غير جائز ، فكذلك الامر بهما على ان يكون احدهما للتوسعة ، لانه مستلزم للامر بالجمع بينهما ولو على سبيل الرخصة ، وهو مراد شيخنا البهائى (ره) حيث قال : «ان الامر بالشيء يقتضى عدم الامر بضده» واستدل له بلزوم التكليف بما لا يطاق فافهم!

١٩٣

بسم الله الرّحمن الرّحيم

فائدة [٥]

فى ان الواجب من المقدمات هى الموصلة الى ذيها وهو مذهب صاحب الفصول (١)

ربما قيل : بان المقدمة لا يجب منها الّا الفرد المفضى الى ذيها.

وقال : «انه يعتبر فى اتصاف الواجب الغيرى بالوجوب ، كونه بحيث يترتّب عليه الغير الذى يجب له ، حتى انه لو انفكّ عنه كشف عن عدم وقوعه على الوجه الذى يجب ، فلا يتّصف بالوجوب [...]. فوجود ذى المقدمة وان لم يكن شرطا فى وجوب المقدّمة ، حتى لا يكون خطاب بها على تقدير عدمه. لان ذلك متّضح الفساد [...] ، الّا ان وقوعها على الوجه المطلوب منوط بحصول الواجب حتى انها اذا وقعت مجرّدة عنه ، تجرّدت عن وصف الوجوب والمطلوبية [...] ، فالتوصل بها الى الواجب من قبيل شرط الوجود [لها] لا [من قبيل] شرط الوجوب». قال : «والذى يدلّ على ذلك : ان وجوب المقدمة بحكم العقل والنقل لا يدل على ازيد من ذلك ، وايضا لا يابى العقل ان يقول الآمر : اريد الحج واريد المسير الذى يتوصل به الى [فعل] الحج

__________________

(١) ـ وفيه تأمل ولتفصيل الاقوال ودراسة المتقدمين عنه راجع : البحر المحيط : ج ١ ص ٢٢٣ للزركشى

١٩٤

دون ما لا يتوصل [به اليه] وان كان من شأنه ان يتوصل به اليه. بل الضرورة قاضية بجواز التصريح بمثل ذلك [...] وذلك آية عدم الملازمة بين وجوب الفعل ووجوب مقدمته على تقدير عدم التوصل [بها اليه] وايضا حيث ان المطلوب بالمقدمة مجرد التوصل بها الى الواجب [وحصوله] فلا جرم يكون التوصل به الى الواجب معتبرا فى مطلوبيتها فلا يكون مطلوبة اذا انفكّت عنه وصريح الوجدان قاض بان من يريد شيئا لمجرد حصول شيء آخر لا يريده اذا وقع مجردا عنه ويلزم منه ان يكون وقوعه على الوجه المطلوب منوطا بحصوله انتهى بمحصوله.» (١)

وقد رتب فى تضاعيف كلماته على هذا المذهب ثمرات مثل :

ـ ان من تيمّم لغاية فلم يفعل تلك الغاية بطل تيمّمه اذا انحصر غايته بتلك الغاية الغير الحاصلة.

ـ وان من نذر غسل الزيارة اذا اغتسل ولم يزر فلا تبرأ ذمّته.

ـ وان من ارتكب ضد المأمور به فلا يستحيل يتصف ذلك الضد بالوجوب نظرا الى انّ تركه وان كان مقدّمة للمامور به ، الّا انه حيث لم يرد المامور به لم يتصف ترك الضد بالوجوب فلا مانع من اتصاف فعله بالوجوب.

اقول : لا ريب ان المقدمة من حيث هى مقدمة ليست بالذات موصلة فعلا. لانها ليست علّة تامّة فمعنى «التوصل بها» : كونها بحيث يتوصل بها مع باقى المقدمات الى الواجب وهذه الحيثية اى كونها بحيث لو اجتمع معها

__________________

(١) ـ الفصول : ص ٨٧ اورد المصنف عبارة الكتاب مع حذف وتصرّف يسير كما مرّ.

١٩٥

باقى المقدمات لأفضت الى ذى المقدمة موجودة فى كل مقدمة سواء ترتب عليها ذو المقدمة ام لا تترتّب ، فان عدم الترتّب فيما لا يترتّب ليس لاجل فقد الحيثية المذكورة ، بل لاجل انتفاء الشرط فى القضية الشرطية التى هى مفاد تلك الحيثية وهى قولنا : «لو انضمّ اليها باقى المقدمات لأفضت الى المطلوب».

فان انتفاء الشرط لا ينافى صدق الشرط ، وهذه الحيثية هى الموجبة لحكم العقل بوجوبها.

وقد عرفت انها لا تنفكّ عن مقدمة ، فاذا فرضنا ان الشخص اتى ببعض مقدمات الفعل فرفع اليد عن الفعل ، فالبعض المأتى به من المقدمات واجد لتلك الحيثية وان لم يترتّب عليها الواجب ، لان عدم الترتّب ليس لاجل صفة يرجع اليها ، اذ بديهة العقل تحكم بان وجود باقى المقدمات وعدمه لا يؤثر فى تلك المقدمة صفة اصلا ، بل هى باقية على حيثيتها فى الحالين ، فهى مطلوبة مع وصف تجرّدها عن ترتب ذى المقدمة.

وليت شعرى! هل تحتاج المقدمة فى وجوبها الى «صفة زائدة عن كونها مقدمة»؟ حتى يقال : ان الواجب من ذى المقدمة هى المقدمة الموصلة دون غيرها.

١٩٦

[فايده ٦]

بسم الله الرّحمن الرّحيم

فى ان ترك الضدّ من مقدمات فعل ضدّه وفعل الضدّ ليس مقدّمة لترك ضدّه

نسب الى المشهور «انّ ترك الضدّ من مقدمات فعل ضدّه وفعل الضدّ ليس مقدمة لترك ضدّه».

وانكر سلطان العلماء (ره) : التوقّف من الجانبين ، ويظهر من الحاجبى (١) والعضدى فى بيان شبهة الكعبى : تسليم كون فعل المباح مقدمة لترك الحرام ، وفى مسئلة النهى عن الضدّ : تسليم كون ترك الضد مقدّمة لفعل المامور به ، وظاهره تسليم التوقف من الجانبين. (٢)

وتصوير ذلك على وجه لا يلزم الدور هو : ان الآمر اذا امر بفعل فيجب ترك اضداده مقدّمة ، واذا نهى عن شيء فيجب الكفّ عنه بصرف الارادة عنه الى اضداده مقدّمة فالتوجّه الى الاضداد واجب. لانّه معنى : صرف النفس عن المنهى عنه ومجرد البناء على ترك المنهى عنه لاجل الامتثال اللازم من حصول الصارف عن الحرام ، ليس كفّا بل هو ارادة الكفّ وعزم عليه.

__________________

(١) ـ منتهى الوصول والامل فى علمى الاصول والجدل : ص ٩٧ ابن حاجب

(٢) ـ انظر : مطارح الانظار ـ ص ١٠٤ تقرير المصنف فى هذا الموضوع وقارن.

١٩٧

فان العزم على الامتثال ليس امتثالا فلا بدّ من التعهد الى التوصّل الى امر وجودى ، ولو كان هو البقاء على الكون السابق ، فالكفّ عن فعل الشيء ، يتوقّف على فعل ضدّه وفعل الشيء يتوقّف على ترك اضداده لا على الكف عنها.

فان قلت : اذا امر الشارع بشيء فالامتثال به انّما يحصل اذا حدث ارادة الفعل والعزم عليه من جهة الامر ، الّا فلو كان صدوره عن عزم سابق فلا يعدّ ذلك اطاعة بل مطابقة اتفاقية مسقط للواجب ان كان من التوصّليات ولا ريب ان حدوث العزم يتوقف على الكفّ عن الفعل الّذى لو لا الامر لفعله ، ولو ابيت عن ذلك فافرض الكلام : فيمن يريد شيئا ثم يأمره المولى بشيء آخر ، وحينئذ فحدوث الارادة للمأمور به يتوقف على الكفّ عن ذلك الشيء فيكون الكفّ عنه مقدّمة لفعل المامور به ، وقد ذكرت سابقا ان الكفّ عن الشيء موقوف على صرف الارادة عنه والتوجه الى اضداده فيلزم الدور.

قلت : فعل المامور به موقوف على احداث ارادته فى النفس بالتأمّل فى منافع الاطاعة ومضارّ المعصية ، وهذا بنفسه صارف عند حصوله عن فعل ما اراده اوّلا ، فينتفى ذلك الفعل بانتفاء ارادته ففعل المامور به ليس متوقّفا على الكفّ عن ذلك الفعل ، بل متوقّف على مجرد عدمه الحاصل عن عدم ارادته الحاصل من حدوث ارادة المامور به فارادة المأمور به مقدمة له ويصرف النفس عن ضدّه المراد اوّلا.

وملخّص المقال هنا : انّ ارادة الفعل الحادثة من تصوّر منافعه ومفاسد

١٩٨

تركه مقدمة لامرين :

احدهما صرف النفس وكفّه عمّا اراد اوّلا.

والثانى : نفس متعلّقها اعنى : الفعل المراد فاىّ من الامرين صار مامورا به ، فيجب هذه الارادة مقدمة فيعلم من ذلك انّه : اذا امر الآمر بالكفّ عن الشيء طلب ضدّه من باب المقدّمة ، فالمأمور به مقدمته هو الفعل الوجودى المنبعث عن الارادة ، واذا امر بفعل الشيء فلا يتوقّف على الكفّ عن ضدّه الذى اراده لو لا الامر ، بل يتوقف على ارادته واذا حصلت الارادة حصل الصرف والكف عن ذلك الفعل ، لكن الحاصل ليس مقدمة للمامور به بل المقدمة هو نفس عدم الضد الحاصل فى ضمن الكفّ.

فثبت انّ الكفّ موقوف على فعل الضدّ وفعل الضد ليس موقوفا على الكفّ عن ضدّه.

والحاصل انه اذا طلب الآمر الكفّ فالبناء على امتثال هذا الطلب والعزم على ايجاد الكفّ صارف عن فعل الحرام ، الّا انه لا يكفى فى تحقق الكفّ ، لانّ العزم على الشيء ليس نفس ذلك الشيء والترك المستند الى ذلك لا يسمّى كفّا ، بل الكفّ عبارة عن امساك النفس متوصّلا فى ذلك الى فعل وجودى امّا البقاء على الحالة الاولى وامّا احداث ضدّ آخر.

ولكن الانصاف ان هذا كله محل نظر ومنع.

١٩٩

[فايده ٧]

بسم الله الرّحمن الرّحيم

فى عدم جواز امر الآمر بشيء مع علمه بانتفاء شرطه

اتّفق اصحابنا ـ رضوان الله عليهم ـ على ما حكى على : «عدم جواز امر الآمر بشيء مع علمه بانتفاء شرطه». (١) ونسب الى اكثر مخالفينا : الجواز ، بل عن بعضهم الجواز مع علم المأمور ايضا ، الّا انّه حكى الاتفاق عنهم على :

عدم الجواز حينئذ فلعلّه شاذّ لا يعبأ به مدّعى الاجماع.

وكيف كان فوضوح الحق يتوقّف على بيان المراد من هذا العنوان.

فنقول : الظاهر ان المراد بالجواز عدم القبح اذ لا معنى صالح له غيره كما يظهر.

ثم انّ الامر قد يكون حقيقيا وهو يتحقق مع كون المقصود من الامر فعل المامور به امّا على وجه الاطاعة او مطلق الاختيار ، وقد يكون ابتلائيا وهو : ما لم يكن المقصود منه فعل المامور به لا بوصف الاطاعة ولا فى نفسه ، بل كان المقصود اتّصافه باحد عنوانى المطيع والعاصى.

وقد يكون صوريّا وهو : ما كان المقصود امّا حصول احد عنوانى

__________________

(١) ـ انظر : المعالم : للشيخ حسن العاملى : ص ٨٢ ـ القوانين المحكمة ، للمحقق القمى

٢٠٠