الفوائد الأصوليّة

الشيخ مرتضى الأنصاري

الفوائد الأصوليّة

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: حسن المراغي « غفارپور »
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: شمس تبريزي
المطبعة: ايران يكتا
الطبعة: ١
ISBN: 969-94215-0-5
الصفحات: ٧٧٠

الشرعى المتعلق بالطهارات حينئذ يكون نفسيا لا مقدّميا. لانّ المراد بالامر المقدّمى ما كان الامر لداعى التوصّل به الى الغير سواء كان صفة التوصّل ثابتة قبل الامر ام حدث بعد الامر وكان حدوثه بعد الامر داعيا الى الامر فتدبّر.

١٦١

[فائدة ـ ٤]

فى انّ الامر بالشيء [هل] يقتضى النهى عن ضدّه ام لا

ومن جملة ما ذكروا لوجوب المقدّمة من الثمرات : فساد ضدّ المامور به اذا كان من العبادات بناء على انّ ترك الضدّ مقدّمة لفعل المامور به ، فيجب على القول بوجوب المقدّمة فيحرم فعل الضدّ فيفسد بناء على اقتضاء النهى الفساد.

توضيح الكلام انّ من التزم بالمقدّمات الثلاث المذكورة لزمه القول بفساد الضدّ ، فمن قال بصحّته فلا بدّ له من منع احدى تلك المقدّمات فمنهم من منع الاولى ، ومنهم من منع الثانية ، ومنهم من منع الثالثة ، فهنا ثلاثة (١) مقامات للكلام فى المقدمات الثلاثة المذكورة.

__________________

(١) ـ فى الاصل : ثلاث.

١٦٢

المقام الاوّل

(فى كون ترك الضدّ مقدّمة لفعل الواجب) (١)

كون ترك الضدّ مقدّمة لفعل الواجب ـ وقد حكى انكاره عن جماعة كالسلطان (ره) وشيخنا البهائى (ره) والفاضل الجواد (ره) وظاهر المحقق السبزوارى (ره) فى رسالته «مقدّمة الواجب» ، ـ والمنسوب الى المشهور : التوقّف ، لانّ الضدّين متمانعان فكلّ منهما اذا كان مانعا ، كان عدمه مقدّمة لفعل الضد الآخر ، لانّ عدم المانع من جملة اجزاء العلّة التامّة.

ويمكن ان يورد عليه :

اوّلا ـ بمنع المقدّمة الاولى وهى كون الضدّ مانعا من حصول ضدّه ، كما هو ظاهر كلام المحقّق السبزوارى (ره) حيث قال ـ فى رسالته فى الكلام على شبهة الكعبى ـ : انّ فى جعل الاضداد مانعا عن حصول الحرام نظر ، اذ لو كان كذلك كان المانعية من الطرفين لاستواء النسبة ، فاذا كانت الصلاة (مثلا) (٢) مانعة عن الزنا كان الزنا ايضا مانعا عنها وحينئذ كان الزنا موقوفا على عدم الصلاة فيكون وجود الصلاة علّة لعدم الزنا ، والحال انّ عدم الزنا

__________________

(١) ـ زيادة من رسالة السبزوارى المخطوطة.

(٢) ـ زيادة من رسالة السبزوارى المخطوطة

١٦٣

علّة لوجود الصلاة لانّ رفع مانع الشيء من علل وجوده (فيلزم ان تكون) (١) العليّة من الطرفين هذا خلف انتهى.

وجه المنع انّ المانع لا بدّ ان يستند اليه المنع فى احد الازمنة فى فرض من الفروض ولا شيء من الفعل الاختيارى يستند اليه عدم الفعل الاختيارى الآخر فى فرض من الفروض اذ عدم الفعل الاختيارى انّما يستند دائما الى عدم الارادة.

ولو فرض عدم استناده اليها واستناده الى فعل الضدّ فلا يكون ذلك إلّا مع وجود الارادة ومعها يخرج فعل الضدّ عن كونه اختياريّا ، لان الفرض ان الارادة متعلّقة بضدّه فيتمنع تعلقها بنفسه فيكون موجودا لا عن ارادة.

نعم : التمانع انما يكون فى الامور الخارجية الّتى يمكن فرض انتفائها لعدم المقتضى تارة ، ولوجود ضدّها اخرى ، وامّا الفعل الاختيارى فلا يمكن استناده ابدا الى وجود ضدّ اختيارى آخر والّا خرجا عن الاختيار.

نعم : لو اريد من الفعل نفس الحركة من غير اعتبار استناده الى الاختيار كانت احدى الحركتين المتضادّتين مانعة عن وجود الاخرى لكنّه خارج عن محل الكلام ، فانّ حركة الانسان بتحريك الريح مثلا نظير حركة الجمادات عند تحريك الريح لها ليس من مقولة الفعل الذى هو الناشى عن القوتين المدركة والمحرّكة.

لكن التحقيق ان التمانع بين الكونين من الحركة والسكون والاجتماع والافتراق مما لا اشكال فيه وحقيقة الفعل الكون الخاص ـ والارادة ليست لها

__________________

(١) ـ فى الاصل المخطوط : فيكون. زودناه كما جاء فى الرسالة.

١٦٤

مدخل فى حقيقة الفعل وانّما لها مدخل فى تحقّقه والفعل هو الكون الموجود عن ارادته فاذا تعلّق الامر بايجاد الكون الخاص عن ارادة وجب اعدام ضدّه عن ارادة من باب المقدّمة.

وثانيا ـ على تقدير تسليم كون فعل الضدّ مانعا ، لا نسلّم انّ عدم المانع من مقدّمات الفعل ، بل علّة الشيء وعدم مانعة متقارنان فى الوجود ، ونفى البعد عنه المحقق السبزوارى (ره) فى رسالته فى مقدّمة الواجب وكانّه هو ما ذكره سابقا من امكان ان يقال انّ المانع اذا كان موجودا فعدمه مما يتوقّف عليه وجود الشيء ، وامّا اذا كان معدوما فلا ، قال (ره) انّه نظير ما قاله المحقق الدوانى : انّ عند امكان اتّصاف شيء بالمانعية يكون عدم المانع موقوفا عليه وامّا اذا لم يمكن اتصاف شيء بالمانعية فلا يكون عدم المانع موقوفا عليه انتهى.

ولعله اراد بصورة امكان اتصافه بالمانعية صورة وجوده اذ حينئذ يمكن وجود جميع اجزاء المقتضى وشروطه فيكون عدم الشيء مستندا الى المانع ، لكن لم يعلم وجه جعل هذا القول نظير ما ذكره سابقا لا عليه الّا ان يراد منه التنظير فى التعبير دون المطلب.

ويشكل بانّ عدم المانع مستند الى عدم علّته وعدم علّته ان كان مستندا الى عدم علّته ايضا وهكذا فهو وان كان مستندا الى وجود العلّة للشيء لزم توقّف رفع هذا العدم ـ اعنى وجود العلّة ـ على عدم العلّة التامة للشيء وهذا معنى كون عدم المانع من مقدمات الوجود. لانّ المانع كما انّه سبب للعدم فكذلك سبب لامر وجودى آخر لا محالة ، فيكون مرجع استناد وجود شيء

١٦٥

وعدم آخر الى وجود ثالث ، يكون الثالث مانعا للثانى علّة تامّة للاول فتأمّل.

وثالثا ـ انّه لو كان عدم كل من الضدّين مانعا لزم الدور ، لانّه اذا فرض احد الضدّين موجودا والآخر معدوما ، فاذا كان وجود احدهما مقدّمة لعدم

الآخر قضيّة للمانعيّة ، فلو فرض كون عدم ما فرض عدمه مقدّمة لما فرض وجوده لزم كون كل من وجود احدهما وعدم الآخر مقدّمة للآخر وهو الدور المستلزم لكون الشيء مقدّمة لنفسه.

ويمكن الجواب عن الوجه الثانى :

اوّلا ـ بان عدم المانع لو كان من المقارنات للعلّة التامّة ، فامّا ان يكون معلولا لها او يكونا معلولين لعلة ثالثة ، اذ لا يتصوّر ان يكون عدم المانع علّة للعلّة التامّة مع انّه لو كان ثبت توقّف المعلول على عدم المانع وهو فوق المطلوب.

فانّ كان معلولا للعلّة التامّة بان يكون عدم المانع ونفس الشيء معلولين للعلّة التامّة فلا بدّ ان يكون المراد اشتمال العلّة التامّة للشيء على علّة عدم المانع ، اذ لا يجوز ان يكون عينها ، ومعلوم ان المتقارنين المتلازمين اذا لم يكن احدهما علّة للآخر فلا بدّ من ان يرجعا الى معلولى علّة واحدة ، فحينئذ نقول : ان العلّة لعدم الضدّ ان فرض امرا وجوديا من اجزاء العلّة التامّة كان التضادّ والتنافى بين ذلك الامر الوجودى وبين الضدّ اولى واحقّ من التنافى بين الضدّين ، لان تنافى الاولين بالذات وتنافى الثانيين بواسطة الاولين. مثلا : نفرض ان الحركة والسكون ضد ان وان عدم السكون ليس من مقدّمات الحركة بل العلّة التامّة للحركة مشتملة على امر وجودى هى علّة لعدم

١٦٦

السكون ، وكذلك العلّة التامّة للسكون مشتملة على امر وجودى هى علّة لعدم الحركة ، فحينئذ التنافى بين الامر الوجودى المأخوذ فى علّة الحركة وبين السكون بانفسهما ، لانّ ذلك الامر الوجودى اذا فرض علّة لعدم السكون فتحقّق السكون معه اجتماع للنقيضين ، اعنى اجتماع السكون وعدمه ، انّ فرض العلّة علّة ، او وجود العلّة وعدمها ان لم يكن علّة ، فرجوع اجتماعهما الى اجتماع النقيضين لا يحتاج الى توسط مقدّمة خارجية وهو : التنافى الحقيقى بين وجوديين ، بخلاف تنافى الحركة والسكون ، فان ملازمة الحركة لعدم السكون من جهة علّتهما.

فانّ العلّة للحركة مشتملة على علّة عدم السكون ، فتحقق السكون يتوقف على انتفاء علّة الحركة ولو بانتفاء بعض اجزائها الذى فرض علّة لعدم السكون ، وتحقق الحركة موقوف على تحقق علة الحركة بجميع اجزائها حتى الجزء المفروض علّة لعدم السكون وبالجملة فالتنافى بين الاولين من قبيل التنافى بين العلّة ونقيض المعلول ، وبين الثانيين من قبيل التنافى بين معلولين لعلّتين متناقضين.

وان فرض العلّة التامّة لعدم المانع امرا عدميّا من جملة اجزاء علة الشيء كان وجود ذلك الامر العدمى علّة لعدم ذلك ، مثلا : اذا فرضنا علّة عدم السكون امرا عدميا من اجزاء علة الحركة ، كان وجود ذلك الامر علّة لعدم الحركة ومقدمة للسكون.

فتنافى الحركة والسكون باعتبار لزوم التناقض فى مقدماتها بفرضها موجودة تارة ومعدومة اخرى وذلك لتوقف السكون على امر وجودى ، هى

١٦٧

علة لعدم الحركة.

وامّا تنافى ذلك الامر الوجودى للحركة فمن قبيل تنافى العلّة ونقيض معلولها ، وهذا التنافى اقصى ما يتصوّر من التنافى بين الوجوديّين.

لكن الانصاف ان ما ذكر لا يرد على هذا الشخص ، لانّ الظاهر من كلامه : ان المانع اذا كان موجودا فعدمه شرط ، بخلاف ما اذا لم يكن موجودا. فحينئذ نقول : ان التمانع بين السكون والحركة باعتبار انّ الحركة اذا وجدت كانت علّة لعدم السكون ، فلو اجتمعت مع السكون لزم اجتماع العلة مع نقيض معلوله وهذا بعينه هو اللازم من اجتماع الحركة مع عدم السكون ، فالتنافى بين علة الحركة وعدم السكون بعينه هو التنافى بين الحركة والسكون فافهم.

وثانيا ـ انه لو كان عدم المانع معلولا للعلّة التامّة للشيء.

فنقول : اذا امر الشارع بالحركة مثلا على وجه الوجوب الموسّع وجب تحصيل علّته التامّة من باب المقدّمة ومن جملة اجزائها او نفسها علّة عدم السكون ، ـ اعنى الصارف او عدم الارادة او عدم الصارف واجبا ـ ، فيكون ذلك المفروض علّة لعدم المانع ـ اعنى الصارف او عدم الارادة ـ واجب التحصيل من جهة كونه مقدّمة للشيء وواجب الترك من حيث كون تحركه مقدّمة للمانع المفروض وجوبه ، فيلزم كون الشيء الواحد واجبا وحراما.

وهكذا لو جعلنا عدم المانع وعلّة الحركة معلولين لعلة واحدة ، فيكون شيء واحد علّة لعلّة الحركة ولعدم السكون وكذا تكون علّة علّة السكون علّة لعدم الحركة ، فحينئذ يكون عدم علّة علّة الحركة علّة للسكون.

فاذا فرضنا الحركة واجبة موسّعة وجب عدم علة علة السكون مقدّمة.

١٦٨

فاذا فرضنا السكون واجبا مضيقا وجب علّة علّته فيحرم تركها ، والمفروض ان تركها مقدّمة لما فرض واجبا موسّعا فافهم.

ثم انّك قد عرفت انّ توقّف فعل الشيء على عدم مانعة فى الجملة مما لم ينكره احد ـ حتى المحقق الخوانسارى والفاضل الدوانى على ما عرفت من كلامهما ـ وهذا المقدار يكفى فى اثبات ايجاب عدم المانع من باب المقدّمة فى الجملة ، فيثبت تحريمه فيفسد لو كان من العبادات فتدبّر.

وامّا عن الوجه الثالث وهو لزوم الدور فربما يجاب عنه بانّ وجود الشيء موقوف على عدم المانع وامّا عدم احد الضدّين فليس متوقفا على وجود ضدّه بل هو متوقف على انتفاء بعض علله ما عدا عدم المانع ، فالمانع منعه شأني لما عرفت من انّ مستند عدم فعل احد الضدّين دائما انتفاء الارادة لا فعل الضدّ الآخر.

وفيه انّه اذا سلّم كون عدم احد الضدّين مقدّمة لفعل الآخر لا محالة يكون انتفاء هذا العدم علّة لعدم الآخر لو لم يسبقه علّة اخرى ، فسبق العلة الاخرى للعدم امّا من قبيل المانع او عدمه من قبيل الشرط ، وعلى اىّ تقدير فانتفاء كل جزء من اجزاء العلّة مقتض للعدم ـ لو خلّى وطبعه ـ نظير العلل المتعددّة ، فلا مناص عن لزوم تقديم وجود المانع على عدم الضد الآخر ، غاية الامر ، عدم تاثيره فعلا لعدم الشرط او وجود المانع.

لكن الانصاف انّ العليّة الشأنيّة لا تقتضى التقديم الطبعى على معلوله الشأنى ، اذا لا تقدم فى الطبع لما لا دخل له فى الشيء ، لكن هذا الجواب مختص بالافعال الاختيارية ، ووجهه ان ترك الفعل الاختيارى لا يجوز

١٦٩

استناده ابدا الى الفعل الاختيارى الآخر وهذا بخلاف الامور الخارجية ، فانه لا يستحيل استناد عدم الشيء الى وجود ضدّه فى بعض الصور وهى صورة وجود المقتضى بشروطه ، وحينئذ فيكون عدم الشيء مستندا الى وجود ضده. فلو توقف وجود ذلك الضدّ على عدم ضدّه ، كان دورا واضحا.

نعم لا يلزم هذا الدور على ما استقربه المحقق الخوانسارى من «انّ المانع اذا كان موجودا فعدمه شرط لا اذا كان معدوما ففى الصورة المذكورة يتوقف وجود الشيء على عدم هذا المانع الموجود ولا يتوقف وجود هذا الوجود على عدم الآخر المعدوم» (١)

__________________

(١) ـ مقدمة الواجب : حسين الخوانسارى ـ طبعة سنة ١٣١٧ : ص ٢٠٥.

١٧٠

المقام الثانى

فى كون مقدمة الواجب واجبة

وقد منعه كثير ، امّا مطلقا او اذا كانت غير السبب وما نحن فيه من قبيل غير السبب. وامّا من قال بوجوب المقدمة ولو كانت غير السبب ، فربما يمنع وجوب مثل هذه المقدمة لوجوه :

[الوجه] الاوّل

ان وجوب المقدمة بمعنى : تعلق الارادة الحتميّة بها انما هو من جهة ان تركها يفضى الى ترك الواجب ومعلوم ان ترك ترك الضدّ اعنى : فعله مما لا يفضى الى ترك الواجب لما عرفت فى جواب الدور من انّ ترك الواجب مما لا يستند ابدا الى فعل ضدّه.

فان قلت : ان ارادة المقدمة انما هى للتوصل بها ولو بضميمة سائر المقدمات الى ذيها فالملحوظ فى ارادتها فعلها لا تركها المبغوض من جهة افضائها الى ترك ذيها.

قلت : اولا ـ ان عنوان الوجوب هو مفهوم كون الشيء مقدمة ومعنى المقدميّة : كون الشيء مما يتوقف عليه ، ومعنى التوقف عليه انّه يقف على

١٧١

الوجود ولا يوجد إلّا بعده ، فالملحوظ فى الوجوب لزوم ترك ذيها لو تركت.

وثانيا ـ ان تعلّق الارادة بالمقدّمة لاجل التوصّل بها [الى الواجب] ولو بضميمة سائر المقدّمات مختصّة بالمقدّمات الوجودية اذ هى الّتي تتوصل بها ، وامّا العدميات فلا يمكن التوصّل بها فانحصر مطلوبيّتها فى حيثيّة افضاء وجودها الى عدم ذى المقدّمة.

فان قلت : انّ هذا القول تفصيل فى وجوب المقدمات بين الوجودية وغيرها وهو مع انّه غير معروف لاحد ، راجع الى منع مقدميّة المقدمات العدمية ، اذ لا يلزم ابدا من عدم تحققها عدم ذيها اذ معنى «لزوم الشيء من الشيء» استناده اليه.

قلت : تسليم مقدميّة عدم فعل الضدّ للضدّ الآخر بمعنى : ان حقيقة الفعل وهو كون الخاص موقوفا بالذات على عدم الكون الآخر بمعنى ان الكون الآخر فى نفسه ـ لو خلّى وطبعه ـ مناف له وسبب لعدمه فى الجملة ضرورة منافات الحركة للسكون ، والاجتماع للافتراق ، مع قطع النظر عن تسبّبهما عن الشعور والقصد وعدمه ، فانّا نجد تنافى حركة ورق الشجر وسكونه كتنافى حركات الانسان وسكناته عن قصده ، لكن يشترط فى استلزام تعلّق الامر باحدهما للامر بترك الآخر : ان يفضى اختيار فعل الآخر الى اختيار ترك صاحبه والّا فمجرد لزوم ترك صاحبه عن فعله فى بعض الفروض ـ وهى صورة خروجها عن اختيار الفاعل ـ لا يقتضى استتباع الامر باحدهما الامر بترك الآخر.

والحاصل ان كلّا من الضدين فى صورة سببيّة احدهما لترك الآخر

١٧٢

خارجان عن الافعال الاختياريّة ، وفى غيرها لا سببيّة حتى يلزم من الامر باحدهما الامر بترك ، اذ الامر بترك الآخر على ما عرفت انّما هو لئلا يلزم من عدمه عدم المطلوب الاصلى وهذا المحذور مأمون عنه فى الضدين الاختياريين.

واما ما ذكرنا من انّ التفصيل بين المقدّمة العدمية والوجودية غير معروف فلا يقدح بعد ان تكون المسألة عقلية ، ولذا حدث بين المتاخرين اقوال فى مسئلة وجوب المقدمة لم تكن معروفة بين من تقدمهم.

نعم يمكن ان يقال ان هذا ليس تفصيلا بين المقدمة العدمية والوجودية ، وانّما هو تفصيل بين ما يمكن استناد ترك ذى المقدمة اليه وبين ما لا يمكن ، كما اذا كان بعض المقدمات الوجودية علّة تامّة لبعضها الآخر.

فانّ المقدمة المعلولة ممّا لا يتصوّر استناد ترك ذى المقدمة اليها ابدا.

ومرجع هذا الجواب الى انّ مناط استحقاق العقاب فى الواجبات دائما هو العدم وغير ناشئ عن امر وجودى ، اذ لو جاز تسبّبه عن امر وجودى كان عدم ذلك الامر واجبا من باب المقدمة ، وما ابعد بين هذا وبين ما ذكره المحقق السبزوارى (ره) من : انّ مناط استحقاق العقاب والعدم ومرجعه فى الحقيقة الى الامور الوجودية ، حيث قال (ره) فى جملة كلام له فى ردّ من اجاب عن شبهة الكعبى : بان ترك الحرام مستند الى عدم بعض شرائطه كالتصور والشوق والارادة فيكون الضد الوجودى المقارن لترك الحرام غير واجب من باب المقدّمة لترك الحرام. (١) قال :

__________________

(١) ـ اورد كلام السبزوارى مع تصرف

١٧٣

«وفيه نظر لان ترك الزنا [مثلا](١) امر عدمى اعتبارى لا يكون مناط الحكم ومبدأ الاثر الّا باعتبار الامر الذى يكون منشأ لانتزاعه ، والاحكام [الحقيقية] الجارية على الامور العدمية انما [هى] باعتبار الاصل المأخوذ منه ، وبهذا الاعتبار (صحّ) (٢) التلازم بين الامور الوجودية والعدميّة مع امتناع عليّة العدم للوجود وعكسه ـ الى ان قال ـ وبالجملة ارتكاب المكلف [ل](٣) ترك الحرام ليس الّا بمباشرته للسكون او حركة اخرى ضده.

__________________

(١) ـ زيادة من رسالة السبزوارى

(٢) ـ ما بين القوسين ليس فى رسالة السبزوارى

(٣) ـ زيادة من الرسالة

١٧٤

الوجه الثانى

ما ذكره بعض المعاصرين من :

«ان مقدّمة [الواجب](١) لا تتّصف بالوجوب والمطلوبية من حيث كونها مقدّمة الّا اذا ترتّب عليها وجود ذى المقدّمة ، لا بمعنى ان وجوبها مشروط بوجوده فيلزم الّا يكون خطاب بالمقدّمة اصلا على تقدير عدمه ، فانّ ذلك

متضح الفساد (و) (٢) كيف واطلاق وجوبها وعدمه [عندنا](٣) تابع لاطلاق وجوبه وعدمه بل بمعنى انّ وقوعها على الوجه المطلوب منوط بحصول الواجب حتّى انّها اذا وقعت مجرّدة عنه تجرّدت عن وصف الوجوب والمطلوبية لعدم وجوبها (٤) على الوجه المعتبر ، فالتوصّل بها [الى الواجب] من قبيل شرط الوجود لها لا من قبيل شرط الوجوب ـ قال : وهذا [عندى] هو التحقيق الّذى لا مزيد عليه (٥) وان لم اقف على من يتفطّن له. (٦) والذى يدلّ على ذلك انّ وجوب المقدّمة لمّا كان من باب الملازمة العقلية ، فالعقل لا يدلّ عليه زائدا على القدر المذكور وايضا لا يأبى العقل اذ يقول الآمر الحكيم :

__________________

(١) ـ كلما بين المعقوفتين زيادة من الفصول

(٢) ـ ما بين القوسين ليس فى الفصول بل جاء فى الاصل المخطوط

(٣) ـ كلما بين المعقوفتين زيادة من الفصول

(٤) ـ فى الاصل : وقوعها

(٥) ـ فى الاصل : لا محيص عنه

(٦) ـ فى الاصل : تفطّن

١٧٥

اريد الحج واريد المسير الذى يتوصّل به الى [فعل] الحج [له] دون ما لا يتوصل به اليه وان كان من شأنه ان يتوصل به اليه.

بل الضرورة قاضية بجواز التصريح بمثل ذلك [كما انها قاضية بقبح التصريح بعدم مطلوبيتها له مطلقا او على تقدير التوصل بها اليه وذلك آية عدم الملازمة بين وجوب الفعل ووجوب مقدّمته على تقدير عدم التوصّل بها اليه] وايضا حيث انّ المطلوب بالمقدّمة مجرّد التوصّل بها الى الواجب [وحصوله] فلا جرم يكون التوصل اليه وحصوله معتبرا فى مطلوبيتها فلا تكون مطلوبة اذا انفكت عنه (١) وصريح الوجدان قاض بان من يريد شيئا لمجرّد حصول شيء [آخر] لا يريده اذا وقع مجردا عنه ويلزم منه ان يكون وقوعه على الوجه المطلوب منه منوطا بحصوله.» (٢) انتهى مطلبه وادلّته بعين عبارته.

ثم فرّع على ذلك جواز تعلق الامر بضدّ الواجب نظرا الى ان ترك ضدّ الواجب انّما يقع على وجه الوجوب على تقدير ترتّب فعل الواجب فعلى تقدير عدم الترتّب لا يتصف بالوجوب.

فلا مانع من تعلق الامر بنفس الضد على هذا التقدير لا مطلقا. فقال :

«ان رجحان ترك الضد للتوصّل به الى فعل الواجب لا ينافى رجحان فعله فى نفسه [مطلقا ولو] على تقدير عدم التوصّل بتركه الى فعل الواجب ، وانّما ينافى رجحانه فى نفسه [مطلقا] او على تقدير التوصل فيقتصر على نفيه ولا ريب ان التقدير الاوّل من لوازم فعل الضدّ ، فلا يقع بحسب [هذا] الاعتبار الّا

__________________

(١) ـ فى الاصل : فلا يكون منفكّة عنه

(٢) ـ الفصول الغروية : ص ٨٧.

١٧٦

صحيحا انتهى» (١)

وتوضيحه على ما يستفاد من تضاعيف كلماته ان ترك الضد اذا كان اتّصافه بالوجوب من باب المقدّمة مقيدا بصورة ترتب الواجب الآخر عليه.

فالمطلوب فى الحقيقة ترك الضد المترتّب عليه وجود الواجب ، فاذا امر بهذا الضد الواجب تركه فان طلبه على كل تقدير او على تقدير التوصل بتركه الى الواجب الآخر ينافى طلب تركه المفروض من باب المقدمة للزوم اجتماع الامر والنهى فى محلّ واحد.

وامّا طلبه على تقدير عدم التوصّل بتركه الى فعل الواجب الآخر فلا ينافى طلب تركه من باب المقدمة لتغاير محل الامر والنهى ، اذ لزوم المحال فى اجتماع الامر والنهى من اجل صيرورة كل من الفعل والترك راجحا ومرجوحا ، وهذا غير لازم فيما نحن فيه ، لان الراجح ترك الضد المتوصّل به ونقيضه المرجوح ترك الترك المتوصل به وهو يحصل بالترك الغير المتوصل به.

وامّا الفعل فهو ليس نقيضا للترك المتوصل به وان كان النقيض متحقّقا فى ضمنه.

فلا يقال انه لا يجوز ان يتعلّق الامر بالفعل لكونه مرجوحا من باب المقدمة فنفس الفعل حيث لم يكن مرجوحا جاز تعلّق الامر به ، لكن الامر به على الاطلاق لمّا اقتضى وجوب ترك ضده والمفروض وجوب الضدّ لم

__________________

(١) ـ الفصول الغروية : ص ٩٩ وكلامه فى هذا المجال طويل الذيل يجب الرجوع اليه لان الشيخ الاعظم لم ينقله بتمامه وكما سيجىء قام بتزييفه.

١٧٧

يجر الامر على الاطلاق بل يقيّد اطلاق الامر بقرينة التناقض بينه وبين اطلاق الامر بضدّه بصورة عدم التوصّل بتركه الى فعل الضد الواجب. وفى كلامه مواقع للنظر :

امّا اوّلا ـ فلما تقدّم فى مقدمة الواجب من فساد التفصيل فى المقدمة بين ما يترتب عليه ذوها وبين ما لا يترتب ، امّا اولا فلان الملحوظ فى وجوب المقدمة ليس الّا ملاحظة كونه مما يفضى تركه الى ترك الواجب ، وامّا كون فعلها موصلا ولو بضميمة سائر المقدمات فلا يجب ملاحظتها حين تعلق الارادة بها وان كان هذا الوصف ثابتا لها فى الواقع.

وامّا ثانيا ـ فلانّا لو سلّمنا ملاحظة هذا الوصف فيه لكن هذا الوصف ثابت فيها على الاطلاق ، حتى فى صورة عدم ذى المقدّمة لعدم سائر المقدمات.

لان وصف الايصال ولو بمعونة سائر المقدّمات ثابت للمقدمة حتى اذا تجرّدت عن ذى المقدّمة ، وان اراد كون المقدمة موصلة بنفسها فعلا فهذا وصف لا يوجد الّا فى العلة التامّة.

وامّا ثالثا ـ فلو سلّمنا كون هذا الوصف منوّعا المقدّمة الى نوعين ، ويرجع الوصف الى كون المقدّمة مما يتعقّبها ذو المقدمّة وامّا لا يتعقّبها وجود ذيها فليست بواجبة على معنى انه اذا اتى بمقدّمة ثم ترك ذاها لترك سائر المقدمات ، انكشف ذلك عن عدم وقوع المقدّمة سابقا على صفة الوجوب.

فنقول : ان مرجع هذا ـ على ما ذكره من انّ «هذه الصفة قيد للواجب لا للوجوب» ـ الى وجوب تحصيل المقدمة وتحصيل قيدها ، لان قيدها امر

١٧٨

منتزع عن امور وجودية أخر وهى فعل سائر المقدمات ، فالامر بالمقدّمة المتعقّبة بذيها امر بنفس المقدّمة وبتحصيل تلك الامور لتحصيل هذا القيد ، فلا مناص بالاخرة عن التزام وجوب المقدّمة من حيث هى هى.

ثم لو سلمنا كون الواجب هى المقدمة الموصلة وهى المقيّدة بتحقّق ذى المقدمة عقيبها ولو بضميمة سائر المقدمات.

لكن نقول : غاية الامران الترك المجرد عن ذى المقدمة لا يتصف بالوجوب بمعنى انه لو ترك الصلاة ولم يزل النجاسة عن المسجد فتركه المذكور ليس متّصفا بالوجوب ، امّا الامر بها مع توقفه على ترك الازالة المحرم فلا يجوز.

لانّ المقدمة الوجودية اذا انحصرت فى المحرم فلا يجوز ايجاب ذيها وما ادّعاه هذا الفاضل (ره) من انّ : الامر بالصلاة انّما يمنع اذا وقع على وجه الاطلاق الشامل لتقديرى الازالة وعدمها ، او مقيدا بتقدير الازالة اذا كان مقيدا بتقدير عدم الازالة.

اذ لا يمتنع عند العقل ان يأمر الحكيم بازالة النجاسة وينهى عن تركها مطلقا ويامر بضدها ومقيدا بتقدير تركها ، انّما الممتنع الامر بضدها مطلقا على نحو الامر بهما.

فلا يخفى ما فيه : اذ التقدير المذكور ملازم لتقدير وجود نفس الفعل اذ لا وجود للصلاة الّا على تقدير ترك الازالة فلا فرق بين ان يامر بهما مطلقا او يأمر بهما على تقدير ترك الازالة ، وحينئذ فان رجع هذا القيد الى نفس الواجب فهو من قبيل تقييد الشيء بما لا ينفك عنه ، مع انّه لو كان التقدير

١٧٩

المذكور قيدا للواجب وجب تحصيله من باب المقدمة ، فيلزم وجوب ترك الازالة المفروض تحريمه.

وان رجع الى نفس الوجوب ليكون وجوبه مختصا بتقدير ترك الازالة ، فان اراد حدوث الوجوب بعد تحقق هذا التقدير فهو غير ممكن ، لان المفروض اتحاد زمان ترك الازالة وفعل الصلاة فلا يتحقق قبل الصلاة فعل الازالة التى هى الضد لها والّا فاشتراط الوجوب بحصول مقدّمة محرّمة بان يحدث الوجوب بعد تحقق المقدّمة كتحصيل الماء المباح على الوجه المحرّم ، فانه يحدث بعد وجوب الطهارة المائية مما لا اشكال فى صحته.

وان اراد حدوث الوجوب قبل التقدير ، ليرجع شرط الوجوب فى الحقيقة الى كون الشخص ممن يتحقّق فى حقه هذا التقدير ـ يعنى عدم الازالة ـ فانّ هذا امر مقارن للوجوب متقدم على زمان فعلية ذلك التقدير.

فنقول : ان مع تحقّق هذا الامر الانتزاعى فى علم الآمر والمامور ، امّا ان يبقى التكليف بالازالة وامّا ان لا يبقى ، فان بقى لزم التكليف بالجمع بين الضدين والّا لزم ارتفاع وجوب الازالة بالعلم بعدم تحقّقها وهو مع انه فاسد مناف لفرض بقاء الامر بالازالة عند ارادة الصلاة.

والاصل فى هذا ما ذكره هذا الفاضل فى مسئلة «مقدمة الواجب»

من انه : كما يجوز تعليق الواجب على امر غير مقدور بحيث يكون ذلك الامر قيدا للواجب لا للوجوب كما اذا امر بصوم غد قبل الغد فيكون بقاء المكلف الى غد جامعا لشروط التكليف كاشفا عن تنجّز الامر قبل الغد ، وعدم بقائه على صفة التكليف كاشفا عن عدم الوجوب واقعا.

١٨٠