الفوائد الأصوليّة

الشيخ مرتضى الأنصاري

الفوائد الأصوليّة

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: حسن المراغي « غفارپور »
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: شمس تبريزي
المطبعة: ايران يكتا
الطبعة: ١
ISBN: 969-94215-0-5
الصفحات: ٧٧٠

ولما كان المفروض ان تنزيل المذكور مشروط بما دام الاجتهاد ، فيترتب على هذا الوضوء آثار الطهارة ما لم ينكشف الخطاء فعند انكشافه لا يجوز الترتيب ، فهذا الوضوء فى الحقيقة ليس رافعا للحدث الواقعى بل هو بمنزلة الرافع للحدث فى ترتيب آثار رفع الحدث ، فمبنى المسألة على ان العمل الذى يكون سببا لمسبب واقعى له آثار مستمرة من زمان حدوثه الى حين حدوث ما جعله الشارع مزيلا اذا اوقعه المكلف بطريق الاجتهاد او التقليد.

فهل جعله الشارع بمنزلة السبب الواقعى فى حدوث مسببه المستمر الى زمان المزيل أو لا ، بل القدر المعلوم هو وجوب العمل فى مرحلة الظاهر على طبق سببيّته بترتيب آثار المسبب الواقعى من دون جعل ما فهمه سببا بدلا عن المسبب الواقعى.

وحاصله انه ليس هنا تنزيل وبدلية بل وجوب تطبيق الاعمال على مؤدى الاجتهاد ، فلم يحصل جعل فى مرحلة الظاهر إلّا بالنسبة الى الآثار العلمية.

فاذا فهم ان العقد الفارسى سبب للملكية او الزوجية مثلا ، فلم يحصل هنا من الشارع فى مرحلة الظاهر إلّا انه اوجب على المكلف ان يجعل اعماله واقعا له على طبق السببية الواقعية فاذا فرض ان هذه القضية مشروط بما دام الاجتهاد ثبت عدم العمل على هذا الطريق بعد تغير الاجتهاد.

وهذا هو الاقوى لعدم الدليل على ان معنى حجية الظن الاجتهادى فى المقام هى صيرورة مقتضاها بدلا عن الواقع ، بحيث اذا وجد السبب الاجتهادى فكانه وجد السبب الواقعى فى تحقق الزوجية ، كى يحكم

٦٦١

باستمرارها حتى بعد تغير الاجتهاد ، نظرا الى انه حين وجد كان سببا فى نظر الشارع فلا معنى لزوال وصف السببية بعد ما وجد وانقضى ، ففى الحقيقة مؤدى الاجتهاد فى مثل المقام ليس حكما مجعولا فى حق المجتهد ومقلده ، بل اوجب الشارع الجرى والمشى فى الاعمال على طبقه.

وهذا معنى جعله بمنزلة الواقع وجعله حكما فالمجعول ظاهرا هو الآثار العلمية لمؤدى الاجتهاد لا نفسه مثل اذا دل الخبر الواحد على سببية العقد الفارسى للملكية والزوجية او على شرطية تمام مكان المصلى للصلاة فلا يتحقق جعل ظاهرى بالنسبة الى نفس الحكم الوضعى بل تكليف فى مرحلة الظاهر ترتيب الآثار.

وذلك لان الطرق الشرعية لم يحكم عليها الشارع الا وجوب العمل بمقتضاها وتطبيق الاعمال والافعال ، كما لا يخفى على من راجع ادلة حجية تلك الطرق ، فانه لا يثبت منها ان مضمونها مجعول ظاهرا فى حق المكلف ، ويؤيده انا نجد فرقا بين قول الشارع : «اعمل بالبينة» وبين قوله : «اعمل بخبر الواحد» فكما ان الجعل فى الاول لا يتعلق بنفس مدلول البينة اتفاقا لان الجعل الشرعى لا يتعلق بالموضوعات وانما يتعلق باحكامها ، فكذلك المجعول فى الثانى ليس إلّا ترتيب الآثار ، فاذا فرضنا ان هذا الحكم التكليفى اعنى وجوب ترتيب الآثار مشروط بما دام الاجتهاد فيرتفع بتغيره.

ثم لو سلمنا ان الاحكام الوضعية مجعولة واقعا ويتعلق بها الجعل الظاهرى ، اذا صارت مؤديات للاجتهاد ، لكن نقول ان هذا الحكم الوضعى الظاهرى الذى هو عبارة عن وضع الشارع وتقريره بما دام الاجتهاد ويرتفع

٦٦٢

بتغيره.

وما يتوهم من ان لازم ذلك تحقق السببية قبل تغير الاجتهاد فيوجد المسبب ـ اعنى الزوجية والملكية الدائمتين ـ فيما اذا فهم ان العقد الفارسى سبب لهما ، فاذا وجد فلا يرتفع إلّا برافعهما الشرعى كالفسخ والطلاق ونحوهما لا بتغير الاجتهاد.

مدفوع بان الحكم لسببية العقد الشخصى المتقدم اذ قيد «بما دام الاجتهاد» فبعد تغير الاجتهاد يرتفع السببية والتأثير والاعداد فيبطل الاثر.

وبعبارة اخرى : تارة يجعل الشارع العقد الفارسى سببا للملكية والزوجية «ما دام» الاجتهاد على ان يكون قيد «ما دام» ظرفا للجعل ويؤخذ السببية مطلقة ، وحينئذ فاذا ثبت الجعل قبل تغير الاجتهاد فقد وجد السبب المطلق المقتضى للمسبب الدائم الذى لا تزول الا بالرافع الشرعى ، وحال هذا الحكم بعد تغير الاجتهاد كحاله اذا تعلق به النسخ ، فى انه لا يحكم بعد النسخ بزوال الآثار السابقة ، فكل عقد وجد قبل التغير فهو سبب مطلق لمسببه الدائم.

وتارة يجعل الشارع العقد الفارسى متصفا بوصف السببية والتأثير والاعداد للملكية والزوجية «ما دام» الاجتهاد على ان يكون القيد ظرفا لاصل تأثير السبب واعداده ، فيرتفع هذا التأثير والاعداد عنه بعد تغير الاجتهاد فاذا زال التأثير والاعداد زال الاثر.

فمرجع الاشتراط بما دام الاجتهاد فى الفرض السابق الى التفصيل بين الاسباب الواقعة قبل التغير وبين الواقعة بعده فالواقعة قبله اسباب مطلقة لمسبباتها الدائمة بخلاف الواقعة بعده ، كنسخ حكم المكلف الفارق بين

٦٦٣

الافعال الواقعة قبله والواقعة بعده.

ومرجع الاشتراط فى الفرض الثانى الى التفصيل بين ازمنة ما قبل التغير ، وما بعده وفى ان الزمان حكم على كل عقد صدر فى الماضى او يصدر فى المستقبل بالتاثير والاعداد ، وفى الزمان اللاحق حكم على كل عقد ماض او مستقبل بعدم التأثير والاشتراط فيما نحن فيه من قبيل الثانى لا الاول.

ومن هنا ظهر بطلان مقايسته تغير الاجتهاد بالنسخ وبطلان التمسك باستصحاب بقاء الآثار والذى يدلك على ان الاشتراط فيما نحن فيه من قبيل الثانى لا الاوّل هو :

ان الدليل الاجتهادى الذى اوجب تغير اجتهاد المجتهد لا يدل على عدم سببية عقد فارسى دون آخر ، بل انّما يدل على فساد كل عقد وقع وسيقع.

والمفروض : ان المجتهد اذا ادى نظره الى ترجيح مضمون هذا الدليل فيجب عليه العمل به كما انه لما ادى نظره سابقا الى ترجيح ما دل على صحة كل عقد فارسى وقع وسيقع وجب عليه العمل به ، ولذا كان يحكم بالصحة على العقود المستقلة مثل من اوصى بايقاع عقد بعد عشرين سنة من موته وحينئذ فيجب العمل بعدم سببية كل عقد حتى العقود الماضية.

ومن هنا ظهر الفرق بينه وبين النسخ وان الناسخ لا يحكم على الاسباب السابقة بالبطلان وعدم التأثير ، ولو فرض حكمه بذلك كان من قبيل ما نحن فيه.

ومما ذكرنا ظهر فساد ما يقال من انه لا دليل على تأثير الاجتهاد اللاحق فى الواقعة السابقة عليه ، اذ لا يخفى ان وجوب العمل بالدليل اللاحق ليس

٦٦٤

مبعّضا فى مضمونه بين الاعمال السابقة واللاحقة بل مقتضى تسليم انتقاض الآثار مع انكشاف الخطأ على وقد يفصل (١) ما اذا قطع ببطلان اجتهاده [......](٢) او ظن به بالظنّ الاجتهادى ، ويحكم بالنقض فى الاول عملا باطلاق ما دلّ على ثبوت الحكم المقطوع به ، حيث ان الاحكام تابعة لمواردها الواقعية دون الاعتقادية ، ويحكم فى الثانى بعدم النقض لشرط كون الواقعة مما يتعين فى وقوعها شرعا اخذها بمقتضى الفتوى ، وذكر فى امثلة (٣) ما اذا اعتقد على ملك او امرأة بعقد يرى صحته فيبنى على استمرار الملكية والزوجية حتى بعد الرجوع والبناء على فساد العقد.

وكذا لو تطهّر بما يراه طاهرا او طهورا ثم رجع ولو فى الاثناء فلا يلزمه الاستيناف.

واما اذا كانت الواقعة مما لا يتعين اخذها بمقتضى الفتوى فاستظهر تغير الحكم بتغير الاجتهاد.

وذكر فى امثلته (٤) ما اذا بنى على حلّية حيوان فذكاه ثم بنى على تحريمه او على طهارة شيء او على تحريم المرتضعة بعشر رضعات ثم رجع واستدل على عدم النقض فى القسم الاول بان الواقعة الواحدة لا تحتمل اجتهادين ولو بحسب زمانين لعدم الدليل عليه ، ولئلا يؤدى الى العسر والحرج.

__________________

(١) ـ المفصل ايضا هو صاحب الفصول.

(٢) ـ بياض فى الاصل

(٣) ـ اورد صاحب الفصول هذه الامثال لقوله الاوّل

(٤) ـ اى للقول الثانى كما فى لفظ الفصول : ص ٤٠٦

٦٦٥

وليس كذلك صورة ثبوت الفساد بالقطع لندرته وباصالة بقاء الآثار اذ لا ريب فى ثبوتها قبل تغير الاجتهاد ولا قطع بارتفاعها اذ لا دليل على تاثير الاجتهاد المتأخر فيها فان الثابت من ادلته جواز الاعتماد عليه بالنسبة الى غير ذلك.

واما عدم جريان الاستصحاب (١) بالنسبة الى نفس الحكم [.....] فلمصادمة الاجماع مع اختصاص موارد الاستصحاب [.....] بما يكون قضية البقاء ، لو لم يطرأ المانع وليس نفس الحكم (٢) كذلك لان الشك فيه فى تحقّق المقتضى لا فى طرو المانع فان العلة فى ثبوته وهى ظنه به وكونه مؤدى نظره وقد زالت بعد الرجوع ، فلو بقى الحكم بعد زوالها لاحتاجت الى علة اخرى وهى حادثة فيتعارض الاصلان اعنى : اصالة بقاء الحكم واصالة عدم حدوث العلّة وكون العلّة هنا اعدادية ، واستغناء بعض الحوادث فى بقائها عن علتها الاعدادية غير مجد ، لان الاصل بقاء الحاجة (٣) لثبوتها عند الحدوث [.....] ولا يتوجه مثله فى استصحاب بقاء الآثار بعد الرجوع ، فان المقتضى لبقائها حينئذ متحقّق وهو وقوع الواقعة على الوجه الذى ثبت كونه مقتضيا لاستتباع آثارها ، وانما الشك فى طرو المانع. (٤) [.....]

وبالجملة فحكم رجوع المجتهد فى الفتوى فيما مر حكم النسخ فى

__________________

(١) ـ فى الفصول : الاصل

(٢) ـ لفظ الفصول هكذا : على تقدير عدم طرو المانع وليس بقائه بعد الرجوع منه : ص ٤٠٦.

(٣) ـ الفصول : الحجة

(٤) ـ الفصول : مانعية الرجوع

٦٦٦

ارتفاع [الحكم] المنسوخ عن موارده المتاخرة عنه وبقاء آثار مواردها المتقدمة ان كان لها آثار.

واستدل على النقض فى القسم الثانى بان ذلك كله رجوع عن حكم الموضوع وهو لا يثبت بالاجتهاد على الاطلاق ، بل ما دام باقيا على اجتهاده فاذا رجع ارتفع كما يظهر من تنظير ذلك بالنسخ.

واما الافعال المتعلقة بالموضوع المتفرعة على الاجتهاد السابق ، فهى فى الحقيقة اما من مشخصات عنوان الموضوع كالملاقاة واما من المتفرعات على حكم الموضوع كالتذكية والعقد فلا اثر لها فى بقاء حكم الموضوع. انتهى المهمّ فيما نحن فيه من كلام المفصل. (١)

وانت بعد ما احطت خبيرا بما اسلفنا لك ، ظهر لك انه لا وجه للتفصيل بين القطع بالفساد والظن الاجتهادى به ولا للتفصيل بين الوقائع كما فصل ، ولا للاستدلال فى صورة القطع بقسميه بالادلة التى ذكرها من اطلاق ادلة حجية القطع وعدم الدليل على تاثير الاجتهاد المتأخر ومقايسة ما نحن بالنسخ والتمسك بالاستصحاب.

وان شئت تفصيل الكلام فنقول :

اما حكمه بالانتقاض اذا قطع بالفساد فهو حسن إلّا ان التمسك فيه

__________________

(١) ـ كما سبق فى مواضع مختلفة ويظهر ايضا من سائر مصنفات الشيخ الاعظم ان دأبه فى نقل كلام الغير هو تلخيص مطالبه لفظا بل معنى ويخلط لفظ الغير بلفظه ويغير ويقطع العبارات وفى هذا العمل خطر عظيم كما نرى فى نقل كلام صاحب الفصول حيث فيه تقدم وتاخر وتقطيع العبارات.

٦٦٧

باطلاق ما دل على حجية القطع فاسد من وجهين :

الاول ـ ان القطع حجة قهرية لا جعلية بل كلما حصل يلزم صاحبه بالعمل فى متعلقه كائنا ما كان. (١)

والثانى ـ ان هذا الاطلاق بعينه قائم فى ادلة حجية الظن كما لا يخفى ، فان ما دل على حجية الخبر الواحد المتضمن للعقد الفارسى فاسد لا تعمل لشموله لمطلق العقد الفارسى حتى ما سبق منه حين ظن كونه صحيحا.

واما حكمه بعدم النقض فى القسم الاول من الظن مستدلا بعدم احتمال الواقعة للاجتهادين فكلام ظاهرى بل شعرى ، لان كل عمل شخصى يمكن صدوره للمكلف يحتمل اجتهادا فيه ، او فى الكلى الذى يندرج هذا تحته ، فاذا عقد على امرأة بالفارسية ، فكل وطء وكل نظر الى هذه المرأة لا بد ان يستند الى الاجتهاد السابق ، او يجتهد فيه اجتهادا جديدا وكلاهما مجوزان اجماعا بل ضرورة.

وانما الكلام فى انه اذا تجدّد اجتهادا وعرفا او اتفاقا وادى الى فساد العقد المذكور ، فهل يحكم على النظر الى هذه المرأة ووطيها بمقتضى الاجتهاد السابق او اللاحق ، وان اراد من ذلك عدم الدليل على تأثير الاجتهاد فى الواقعة الواحدة وهو العقد بعد سبق اجتهاد آخر فيه ، فهو يرجع الى ما سيجيء من التمسك بالاستصحاب واما التمسك بلزوم الغير فيندفع بندرة تغير الاجتهاد.

وامّا التمسك باستصحاب بقاء الآثار ففيه : انه فرع ان ثبت بالاجتهاد

__________________

(١) ـ انظر تفصيل مسلكه فى القطع : «فرائد الاصول» المقصد الاول.

٦٦٨

جعل ظاهرى لدى الآثار وهى الزوجية والملكية المسببتان عن العقد الفارسى حتى يستتبعهما آثارهما ، وهو مما على ما عرفت سابقا من انه لم يثبت الجعل الا فى نفس الآثار العملية.

وان معنى حجية الاجتهاد فى صحة العقد الفارسى هو انه يجب بناء الاعمال على طبقه لا انه يحصل زوجية وملكية ظاهريتان ، فاذا فرضنا حجية الاجتهاد مقيدة بما دام الاجتهاد اتفاقا واعترافا من هذا الشخص ، كان وجوب تطبيق الاعمال على طبقه ايضا مقيدة بما دام الاجتهاد فاذا تغير الاجتهاد فلا يجب بل لا يجوز البناء فى العمل على طبق مقتضى العقد الفارسى فيحرم وطى الزوجة ونحوه.

فاين مجال الاستصحاب ـ ولو كان الثابت بالاجتهاد هو ثبوت الزوجية والملكية الظاهريتان المستمرتان الى المزيل لم يكن معنى للاستصحاب ، اذ نعلم ان تغير الاجتهاد ليس من روافع الزوجية ولا من نواقل الملك الى مالكه السابق قطعا.

وامّا مقايسة ما نحن فيه بالنسخ فهو ايضا فاسد بما عرفت ، من ان المنسوخ حكم واقعى ، فالعمل على طبقه قبل النسخ مستتبع للآثار الواقعية.

ومعنى نسخه نسخ حكم العقد وعدم استتباعه ، لو وقع بعد ذلك عقد لا دخل له فى الآثار المترتبة على سببها الواقعى المتحقق سابقا ، بل نظير السنخ نظير ما اذا انعزل الوكيل بعد ايقاع العقد لموكله فى آثار العقد.

وامّا فيما نحن فيه فلم يتحقق سبب الآثار لا ظاهرا ولا واقعا ، وانما ثبت ترتّب الآثار على المحل ما دام الاجتهاد.

٦٦٩

ثم انه يمكن ان يقال بالتفصيل فى الاعمال التى يوقعها من غير العبادات بين ما كان التاثير الذى حكمه الشارع فيه مدلولا لنفس العمل ومقتضى له كالعقود والايقاعات حيث ان صحتها شرعا عبارة عن امضاء الشارع لمقتضياتها ، فان صحة البيع عبارة عن امضاء الشارع لانشاء التمليك الذى ينشئه العاقد بالصيغة وكذا الطلاق والعتق ونحوهما.

وبين ما كان التأثير المحكوم فيه بنفس جعل الشارع كغسل الثوب الذى جعله الشارع سببا للطهارة الشرعية ، وفرى الاوداج المجعول سببا للطهارة والحلّية ونحوهما.

فان هذه الافعال بنفسها لا تقتضى شيئا وانما اقتضائها ، بجعل من الشارع ، فما كان من قبيل الاوّل فاذا اوقعه المجتهد على حسب ظنه فقد اوقعه على مقتضى رضاء الشارع ورخصته ولازم ذلك امضاء ذلك الانشاء عند الشارع ، فلا بد من تحقق مدلوله ومقتضاه وهى الملكية الدائمة فهى كما لو صرح الشارع بالاذن فى ذلك الانشاء.

وما كان من قبيل الثانى فايقاعه على مقتضى ظنه وان كان برضاء الشارع ، الّا ان مجرد رضاه بايقاعه يعرض التاثير فى المسبب لا يوجب دوام ذلك التاثير فيه ، حتى لو ظن بعدم بسببيته لان معنى اذن الشارع فى ايقاعه لغرض تأثير اذنه فى ترتب الآثار فيترتب عليه الآثار ما دام الظن ، ويرفع اليد عنها اذا ظن بالخلاف لاقتضاء الظن الثانى بترتب آثار نقيض المسبب.

وهذا بخلاف مسئلة العقد والايقاع فان اذن الشارع فى ايقاعه لغرض التأثير يرجع الى رضاه بذلك الانشاء وهو معنى صحة العقد فافهم وتامل.

٦٧٠

ثم ان ما ذكرنا فى العقود والايقاعات مختص بما اذا كان الظن الاجتهادى متعلقا بنفس العقد او الايقاع كالاجتهاد فى صحة العقد الفارسى وعقد المعاطاة وطلاق العوض وصحة الصلح الربوى ونحو ذلك.

واما اذا كان الظن الاجتهادى متعلقا لقابلية الموضوع لتعلق العقد والايقاع به مثل الاجتهاد فى جواز العقد على المرتضعة بعشر رضعات وعلى ام غير المدخول بها وصحة بيع السنور ونحو ذلك ، فان هذا كله ملحق بالقسم الثانى ، فان اذن الشارع فى ايقاع العقد على ام غير المدخول بها لظن كونها قابلية لذلك ، لا يقتضى امضاء نفس الانشاء بل يقتضى امضاء تعلق الانشاء على هذا الموضوع الخاص ، لانه المظنون بالظن الاجتهادى ، فبعد ما ظن ان الموضوع لا يقبل تعلق انشاء العقد به يعمل بمقتضى هذا الظن.

والحاصل ان قابلية الموضوع لتعلق العقد به ليس مدلولا لنفس العقد ومقتضى له فالظن بها كالظن بتأثير الغسل مرة فى طهارة الثوب.

٦٧١

بسم الله الرحمن الرحيم

[فائدة ٢٤]

فى الاجزاء وعدمه

اذا ظن المجتهد بصحة عبادة كالصلاة بدون السورة فاتى بها فتبين له خلافه ، فان قلنا بكون ظن المجتهد من قيود الموضوع مغيرا للحكم الاولى كالسفر والحضر والصحة والمرض والحيض والطهر ، فالظاهر لزوم البناء على صحة تلك العبادة وان علم فى الوقت بفسادها ، لان الفعل حين وقوعه كان متصفا بالمصلحة الموجبة لكونه احد افراد الواجب الكلى وكلما وقع على صفة امتنع سلب تلك الصفة عنه بعد الانقضاء كما لا يخفى ولا فرق فيما ذكرنا بين القطع بالخلاف والظن به

واما اذا قلنا ان ظن المجتهد من باب العذر ومن باب انه طريق وكاشف وليس محدثا لمصلحة فى الفعل ، بل الفعل باق على ما كان عليه قبل الظن ، وانما الشارع اذن فى الظن لاجل مراعات ذلك الواقع فى الواقع حيث ان الظنون المامور بها فى الشريعة غالبة الايصال فى نظره وفى نظر العامل ايضا حيث ان العمل مع الظن اقرب الى الطاعة بل الشخص يسمى مطيعا مع تعذر العلم عليه ومخالفه يعدّ عاصيا.

٦٧٢

فان تبين الخطأ على وجه القطع فالظاهر وجوب اعادة الفعل على الوجه الذى تبين له لان المفروض ان الحكم الواقعى كان فى حقه ثابتا وقد علم به وعلم بانه لم يعمل بمقتضاه والوقت باق فلازم ذلك كله وجوب الاتيان به.

مثلا اذا علم بعد الصلاة بدون السورة بان الواجب كانت هى الصلاة مع السورة والمفروض انه لم يات بها والوقت باق بمعنى ان الوجوب الحادث من اول الوقت المستمر الى آخره باق فى حقه فيرجع ذلك الى علمه بان الصلاة مع السورة واجبة عليه فى هذا الآن ولا ريب فى وجوب الامتثال.

فلو فرض ثبوت دليل على عدم وجوب الاتيان والامتثال كان منافيا لوجوب الصلاة مع السورة عليه فى اوّل الوقت او منافيا لبقاء الوقت او لبقاء اصل الحكم الشرعى وعدم نسخه فى الشريعة او لبقاء المكلف على الصفات المعتبرة او لغير ذلك.

وكيف كان فلا يمكن ابقاء ذلك كله على حاله مع فرض وجود دليل على كفاية ما فعل بدون السورة عن الصلاة الواقعية.

وهذا جار فيما لو كان فى السابق قاطعا بصحة ما فعل ، واما اذا تبين خلافه بالظن الاجتهادى فقد يقال باجزاء ما فعله ، اذا لا ينكشف بمجرد الظن بالخلاف ـ نفس الامر الواقعى حتى يتنجّز التكليف به بحكم عدم تخلف التكليف عن العلم بالحكم الواقعى كما ذكر فى صورة القطع بالخلاف وادلة العمل بالظن الراجعة الى وجوب امتثال هذا الواجب الواقعى بطريق الظن قد عمل بها ووافق مقتضاها بالعمل السابق اذ لا تكرار للعمل بالظن.

وبعبارة اخرى مناط وجوب العمل بالظن اللاحق ليس الّا امر الشارع

٦٧٣

بسلوك طريق الظن فى مقام اطاعة الاوامر الواقعية ، وهذا بعينه هو الامر الذى دعاه سابقا الى العمل بالظن السابق ولا تكرار فى مدلوله حتى يعمل به عند تبدل الظنون.

نعم لو كان العمل بالظن من باب مجرد الطريقية عند تعذر العلم وكان فى هذا الحال نظير القطع الغير المحتاج الى اذن الآمر فى سلوك طريقه فى مقام الاطاعة بل عمل به من باب محض الكشف كان اللازم عند تبدل الظن العمل على الظن اللاحق مع بقاء الوقت ، كما يظهر ذلك من ملاحظة ما اذا عمل فى العرفيات بالظن من باب رجاء ادراك نفس المصلحة المظنونة او دفعا بنفس المفسدة المظنونة كما اذا ظن المريض ان النافع له فى هذا اليوم الدواء الفلانى فشر به ثم ظن فى اثناء النهار بخلافه وان ما شربه كان غير نافع او انه لا بد ان يشرب الدواء على غير وجه الذى شربه فان بنائهم على العمل بالظن اللاحق.

نعم لو اذن لهم المولى المطاع العمل فى مقام اطاعة اوامره بالعمل بامارات خاصة من باب الطريقية فسلك العبد ذلك الطريق فعمل به ، ثم تبين له الخلاف فالظاهر ان بنائهم على الاجزاء والكفاية.

ولا يتوهم ان هذا قول بكون العمل بالظن من باب الموضوعية لا الكاشفية لا ما ذكرنا فى اول المسألة ان عمل المجتهد بظنه ليس محض الموضوعية ولا محض الطريقية ، بل هو امر بين الامرين وبرزخ بين العالمين.

٦٧٤

فائدة [٢٥]

فى ان الشك السارى مانع عن الاستصحاب

اذا قطع بتحقق شيء سابقا كعدالة شخص او نجاسة ثوب او ظن بهما ظنا معتبرا ، ثم شك فى الزمان اللاحق فى تحقق الامر المقطوع به فى السابق ، فلا ريب فى صحة عدم الحكم بذلك الامر بالاصل بل الاصل عدمه.

ولا مجال هنا لتوهم الاستصحاب لان مورده الشك فى البقاء وهو موقوف على تحقق امر فى السابق ، ولا يكفى مجرد اعتقاد تحققه.

وحاصل ذلك انه يعتبر فى الاستصحاب لغة وعرفا ان لا يكون الشك الظاهرى ساريا الى الزمان السابق وهذا مما لا اشكال فيه.

ثم ان زوال الاعتقاد القطعى او الظنى السابق قد يكون مع حضور مدركه فى الذهن إلّا انه سقط عن افادة الاعتقاد كما اذا حصل القطع بحكم شرعى من اتفاق جماعة او موضوع خارجى من اخبار جماعة او حصل الظن بالحكم من الشهرة ، او بالقبلة من قول رجل ثم زال القطع او الظن مع حضور مبانيهما فى ذهنه.

وقد يكون مع عزوب منشأ الاعتقاد عن ذهنه كما اذا ذهل عن المنشأ فى الامثلة المذكورة مع زوال الاعتقاد ، وعلى التقدير الثانى فاما ان يكون اعتبار ذلك المنشأ لاجل القطع او الظن الفعلى الحاصل منه كالا مثلة المتقدمة.

٦٧٥

وقد يكون لا لاجل ذلك فيكون من المدارك التى لا يشترط فى اعتبارها افادة الاعتقاد القطعى او الظنى بالفعل كالخبر الصحيح وشهادة العدلين واليد والاستصحاب ونحو ذلك ، فيكون مناط الحكم اعتقاد دلالتها على الشيء لا اعتقاد تحقق ذلك الشيء فى الواقع قطعا او ظنا ، فان كان مدرك الحكم من الاول فالظاهر عدم جواز البناء على الاعتقاد السابق سواء بقى المدرك حاضرا فى الذهن ام غاب عنه.

واحتمل كاشف الغطاء البناء على الاعتقاد السابق فى صورة غيبة المدرك عن الذهن وتردده بين كونه مما لو حضر افاده الاعتقاد وبين عدم كونه كذلك ، وجزم به بعض من تأخر عنه.

ولم اجد له وجها لان المفروض ان المعتبر هو القطع او الظن المستفاد من ذلك المدرك وقد زال ، ولا ينفع اصالة حمل الاعتقاد السابق على نشوء من مدرك صحيح ، لان صحة المدرك ليس إلّا افادته للاعتقاد المعتبر والمفروض عدم ذلك الاعتقاد ومجرد حمله على صحيح لا يوجب افادته للاعتقاد مع ان المدرك المفروض لا يتصف بالصحة والفساد بل المقيد للاعتقاد هو المدرك وغيره ليس بمدرك.

نعم لو كان المدرك مما دل الدليل على اعتباره بشرط افادة الاعتقاد ، ثم شك بعد غيبته فى كونه من هذا القبيل او مما لا يفيد اعتقادا وانما افاده سباقا لغفلة وعدم تفطن لا يمنع من الاعتقاد ، وجاز البناء عليه بناء ، على جريان اصالة الصحة فى مثل ذلك.

لكن هذا غير موجود فى الادلة القطعية التى هى مورد احتمال كاشف

٦٧٦

الغطاء وجزم بعض المعاصرين لان الحجة فيها نفس القطع دون الدليل بشرط القطع بل نفس القطع ايضا.

لا يقال له الحجة الا مسامحة بل الحجة هى نفس الواقع المنكشف دون انكشاف الواقع ، بل وكذلك الامارات المعتبرة لاجل الظن الفعلى فان مقتضى ادلة حجية الظن حجية نفس الاعتقاد دون الامارة بشرط الاعتقاد مع ان جريان اصالة الصحة فى ذلك يحتاج الى دليل مفقود غاية الامر صحة الاعمال السابقة المبتنية عليه وان كان مدرك الحكم من قبيل الثانى فالظاهر انه ايضا كذلك.

فاذا تحقق عنده انه بنى سابقا على عدالة شخص او على حرمة العصير مثلا لاجل دليل اعتقد فى السابق تماميته فى الدلالة على المطلب ، ثم غاب عن ذهنه ، وكذلك الدليل فشك فى كونه دليلا ام لا ولاجل ذلك شك فى ثبوت الامر المذكور فالظاهر عدم الدليل على البناء على الحكم المتقدم لان البناء عليه انما كان الاعتقاد تمامية ذلك الدليل ، والمفروض الشك فى تماميته لعدم حضوره فى ذهنه وعدم العلم اجمالا بتماميته.

فالحكم السابق خال عن المستند فى الزمان اللاحق فمقتضى ادلة حرمة العمل والافتاء بما عدا ما علم مطابقته للواقع او لدليل معتبر الرجوع فيه الى التماس دليل جديد ومع عدمه بعد الفحص فى الاحكام وقبله فى الموضوعات يرجع الى الاصول.

ومما ذكرنا يظهر ضعف التمسك باستصحاب الحكم السابق لانه ان اريد استصحاب الحكم الواقعى فالشك اللاحق سار فى تحقق الحكم فى

٦٧٧

السابق وان اريد استصحاب الحكم الظاهرى فهو تابع لكونه مقتضى الدليل الشرعى ومدلولا له ، والمفروض الشك فى ذلك واستصحاب كونه مدلولا للدليل المعتبر ايضا لا وجه له ، لان الشك فيه ايضا ليرجع الى اصل تحقق ذلك سابقا.

غاية الأمر أنه اعتقد كونه كذلك ولا معنى لاستصحاب الاعتقاد بعد زواله ومن هنا يعلم ان الاقوى وجوب تجديد النظر على المجتهد اذا غاب المدرك وزال ظنه بالمسألة ، فافهم.

٦٧٨

بسم الله الرحمن الرحيم

[فائدة ٢٦]

مبحث التقليد (١)

التقليد لغة جعل الغير ذا قلادة ومنه تقليد الهدى وفى الاصطلاح ـ كما عن الفخر قبول قول الغير فى الاحكام الشرعية من غير دليل على خصوصية ذلك الحكم واحسن منه ما عن جامع المقاصد من قبول قول الغير المستند الى الاجتهاد ، وعن النهاية والاحكام والمعالم وشرح المختصر انه العمل بقول الغير من غير حجة ، ومثلوا له باخذ كل من العامى والمجتهد بقول مثله وذكروا ان الرجوع الى قول البنى ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ورجوع العامى الى المفتى ليس تقليدا لقيام الحجة فى الاول بالمعجزة ، وفى الثانى بالاجماع عليه.

وفيما ذكروه من عدم دخول رجوع العامى الى المفتى فى تعريف التقليد

__________________

(١) ـ قلنا فى مقدمة الكتاب ان رسالة التقليد طبعت مرتين واخيرا قابلنا النسخة المخطوطة ثانيا على المطبوعة فى سنة ١٤١٤ ه‍ وحيث فيها اغلاط ونقائص وتصحيفات واضافات وجدنا النسخة المخطوطة اصح وادق واكمل وجعلناها اصلا ولم نجد فائدة معتدا بها فى ثبت جميع الاختلافات ، اكتفينا بذكر اهمها فى التعليقات ووضعنا اضافات المطبوعة المهمة بين القوسين.

٦٧٩

نظر ، لان المراد بقيد «كونه من غير حجة» عدم الحجة على خصوص القول لا عدم الحجة على وجوب الاخذ ، لان تلك الحجة حجة على حكم التقليد ـ اعنى الوجوب ـ وإلّا فنفس الموضوع اعنى الاخذ بقول المجتهد من غير حجة.

نعم الرجوع الى قول النبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ليس اخذا من غير حجة ، بل بعد ثبوت صدقه بالمعجزة تكون حجيته معه ، نعم يدخل فى تعريفهم المذكور العمل بقول البينة والمترجم واهل الخبرة ، فاحسن الحدود ما تقدم عن جامع المقاصد.

ثم اعلم : ان بعضهم عرفوا التقليد : بالعمل بقول الغير كما عرفت بل نسبه بعضهم الى علماء الاصول وعرفه آخرون بقبول قول الغير ، وثالث بالاخذ بقول الغير ، ورابع بمتابعة قول الخير.

وهل ذلك كله اختلاف فى التعبير ومرجعها الى واحد وهو تطبيق العمل ـ اعنى الحركات والسكنات على قول الغير بارجاع الكل الى ظاهر لفظ العمل ، فيكون المراد من الاخذ والقبول فى مقام العمل ، او المراد الالتزام والتعبد بمقتضاه كما هو ظاهر لفظى «الاخذ» و «القبول» (ولذا نسبه البعض الى علماء الاصول) (١) او انه اختلاف فى المعنى وان المراد من الاخذ بقول الغير وقبوله وهو الانقياد له وجعله حكما فى حق نفسه والتوطين على العمل به عند الحاجة.

والحاصل : ان التقليد فى اصطلاحهم هو مجرد الانقياد والاستناد

__________________

(١) ـ بين القوسين زيادة فى المطبوع

٦٨٠