أسس الإمام نظاما يصان به القرآن عن الخطأ في التلاوة :
مرّ بنا تصوير قلم المصحف في عصر الرسول (ص) وكيف كانت الحروف فيها مجرّدة من التنقيط والحركات والسكنات الّتي تميّز الحروف عن مثيلاتها ، وتبين نوع الإعراب في أواخر الكلمات ، ولم يكن العربي يومذاك بحاجة إليها فقد تعلم كل ذلك مع تعلمه النطق والتلفظ وهو في حضن امّه ، وأتقنها كلّما تقدّمت سنّه ومارس التكلم مع أقرانه ، حتى اذا انتشر الإسلام ، ودخل فيه أقوام من العجم وسكن من الفرس عشرات الالوف في بلد الكوفة المركز الإداري لبلاد فارس واتخذها الإمام عليّ (ع) عاصمة له دعاه ما رآه من حاجة تقويم لسانهم أن يلقي على تلميذه أبي الأسود اصول علم النحو تعليما للفرس ، تعليما لهم ما يقوّم به لسانهم أو حفظا للعربي من انتشار اللّحن من لسان هؤلاء إلى لسانهم على مرّ الزمن ، وهذا الخبر مشهور بين العلماء.
قال أبو بكر محمّد بن الحسن الزبيدي (ت ٣٧٩ ه) (١) :
«سئل أبو الأسود الدؤلي عمّن فتح له الطريق إلى الوضع في النحو ، وأرشده اليه فقال : تلقيته من عليّ بن أبي طالب رحمهالله.
وفي حديث آخر قال : ألقى إليّ عليّ اصولا احتذيت عليها».
وقال النديم (ت : ٣٨٠ ه) : «إنّ النحو اخذ عن أبي الأسود الدؤلي وإنّ أبا الأسود أخذ ذلك عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) ، ولمّا ألقى اليه شيئا في اصول النحو ، قال أبو الأسود : فاستأذنته أن أصنع نحو ما صنع ، فسمّي ذلك نحوا» (٢).
__________________
(١) طبقات النحويين ، بترجمة أبي الأسود ، ص ١٣.
(٢) الفهرست للنديم ، المقالة الثانية ، الفن الأوّل من أخبار النحويين ، ص ٥٩ ـ ٦٠ ، وط. الجديدة ، ص ٤٥.