درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ٢

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني

درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ٢

المؤلف:

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني


المحقق: د. طلعت صلاح الفرحات / د. محمّد أديب شكور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر ناشرون وموزعون
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9957-07-514-9

الصفحات: ٨٠٢
الجزء ١ الجزء ٢

تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) [المائدة : ٨٩] ، يتحدث عن الإطعام فيقول : «وإن غدّاهم وعشاهم جاز خلافا للشافعي ، وإن أطعم واحدا عشرة أيام جاز خلافا للشافعي» (١). فهو بهذا يأخذ بالرأي الأول المخالف للإمام الشافعي رحمه‌الله تعالى ، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة في هذه المسألة ، «عن أبي يوسف أنه قال : إذا أطعم مسكينا واحدا غداء وعشاء أجزأه من إطعام مساكين ، ...». (٢) وقال في المجموع : «إذا ثبت هذا فعليه أن يطعم ستين مسكينا ، ... ، ولا يجوز أن ينقص من عدد المساكين ولا من ستين مدا ، وبه قال أحمد ، وقال أبو حنيفة : إن أعطى الطعام كله مسكينا واحدا في ستين يوما جاز ، ...» (٣).

٨ ـ وفي تفسيره قول الله تعالى : (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣] ، يقول : « .. فإن الشرك أخفى في هذه الأمة من أثر النملة في الصخرة الصمّاء ، ولهذا كره للإمام الراكع إذا سمع خفق نعل أن ينتظره» (٤). يقول النووي في المجموع : «فرع في انتظار الإمام وهو راكع قد ذكرنا أن الأصح عندنا استحبابه ، ... ، وعن أبي حنيفة ومالك والأوزاعي وأبي يوسف والمزني وداود لا ينتظره ، ... واحتج هؤلاء بعموم الأحاديث الصحيحة في الأمر بالتخفيف ، وبأن فيه تشريكا في العبادة ، وبالقياس على الانتظار في غير الركوع» (٥).

ومما سبق يتبين أن المؤلف رحمه‌الله تعالى يذهب مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه‌الله ، وليس كما هو معروف عن الجرجاني ، كما ذكر من ترجم له ، أنه شافعي المذهب.

__________________

(١) الأصل (٩٨ ظ).

(٢) بدائع الصنائع ٥ / ١٠٣.

(٣) المجموع ١٧ / ٣٧٨.

(٤) درج الدرر ٤٣٧.

(٥) المجموع ٤ / ٢٠٢ ، وينظر : الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف ٤ / ٢٣٥٢٣٦.

٨١
٨٢

الفصل الثّاني

نسخ الكتاب المخطوطة

ومنهج التحقيق

ويتضمن ثلاثة مباحث :

المبحث الأول : نسخ الكتاب المخطوطة.

المبحث الثاني : منهج التحقيق.

المبحث الثالث : مصطلحات التحقيق.

٨٣
٨٤

المبحث الأول

نسخ الكتاب المخطوطة

حصلت على أربع نسخ مخطوطة لكتاب (درج الدرر في تفسير القرآن العظيم) ، وهي ما ذكرته كتب وفهارس المخطوطات سواء المختصة بالمكتبات أو غيرها ، وقد استطعت الوصول إلى هذه النسخ عن طريق مكتبة الجامعة الأردنية مشكورة على هذا الجهد الطيب ، فأول الأمر حصلت على ثلاث نسخ من تركيا ، نسختين من مكتبة كوبرلي ، والأخرى من مكتبة نور عثمانية ، وجميعها نسخ كاملة للكتاب ، وقد كان وصف المخطوطات على الشكل الآتي :

١ ـ نسخة مكتبة كوبرلي ذات الرقم (٩٥) ، بالشريط رقم (١١٦٩) في مكتبة الجامعة الأردنية من المخطوطات المصورة هناك ، وهي نسخة واضحة ، بخط النسخ ، وعناوين السور كتبت بالخط الثلث ، وتقع في (٣٢٨ ورقة) ، بمقياس (٥ ، ٢٠١٢ سم) ، وعدد الأسطر فيها ٢٣ سطرا ، وقد اختلف عدد الكلمات في كل سطر إلى ما بين (١١ ـ ١٥ كلمة تقريبا) ، والسبب في ذلك أن هذه المخطوطة قد تعاقب عليها أكثر من ناسخ فيما يبدو لأن الخط اختلف أكثر من مرة. وعلى الآيات والكلمات المفسرة خط أحمر كذلك ليميزها القارئ.

وعليها قيود تفيد أنها من مكتبة محمد بن محمد بري وفي نوبته.

وجاء في فهرس مخطوطات مكتبة كوبرلي (١) : أن عناوين السور قد كتبت في هامش المخطوطة باللون الأحمر.

وقد اعتمدت هذه النسخة المخطوطة لأنّ عليها كثيرا من الهوامش والتصحيحات ، وكأنها قد قورنت مع غيرها ، أو درست على يد شيخ فكتب التلميذ عليها بعض التعليقات في الهامش ، كما يقدر القرن الذي كتبت فيه هذه المخطوطة ، كما جاء في فهرس مخطوطات كوبرلي ، هو القرن الثامن الهجري ، فتكون بذلك هي أقدم المخطوطات الأربع.

٢ ـ النسخة الأخرى من كوبرلي أيضا ، وهي النسخة التي تحمل الرقم (٩٤) ، ورقم شريطها في المكتبة الأردنية هو (١١٦٨) ، وهي أيضا واضحة ، بخط النسخ ، وتقع في (٢٨٥ ورقة) ، بمقياس (٥ ، ٥١٤ ، ٢١ سم) ، وعدد الأسطر فيها (٢٩ سطرا) ، وعدد الكلمات في كل سطر تقريبا (١٩ كلمة).

وفي فهرس المخطوطات لمكتبة كوبرلي (٢) أن فيها إطارا بالحبر الأحمر ، وكذلك الآيات كتبت بالخط الأحمر ، في جلد جيد مزخرف. ويقدّر أنها بخط أواخر القرن التاسع الهجري.

__________________

(١) ١ / ٦٨.

(٢) ١ / ٦٩.

٨٥

وفيها نقص كلمات في مواطن متعددة.

٣ ـ النسخة الثالثة ، وهي نسخة مكتبة نور عثمانية والتي تحمل الرقم (٣٠٦) ، ورقم شريطها في الجامعة الأردنية (١١٧٣) ، كتبت بالخط النسخ ، وهي واضحة ، وعدد أوراقها ٢١٠ ورقة ، وعدد الأسطر في كل صفحة (٣٥ سطرا) ، وعدد الكلمات في كل سطر (١٨ كلمة).

وعليها وقف السلطان عثمان خان ونصه : «وقف السلطان السعيد الأعظم وتخليد الخاقان الأكرم الأفخم مفسر العدل والإحسان ، وموضح إجمال الأمور بالرشد والعرفان ، السلطان بن السلطان أبو المحاسن والمكارم عثمان خان ابن السلطان مصطفى خان ، ثبت الله أساس دولته الطاهرة ، وخلّد خلافته الباهرة ، وأنا الداعي لدولته الحاج إبراهيم حنيف الحرمين المحرمين غفر له».

وقد جاء في آخر المخطوطة : «تمّ الكتاب بعون الله وتوفيقه ، والصلاة والسّلام على نبيه وصّديقه ، بتاريخ يوم الأربعاء المبارك ، تاسع عشر رجب ، سنة سبع وستين وتسع مئة». مما يدل على أنها قد كتبت في النصف الثاني من القرن العاشر.

٤ ـ أما النسخة الرابعة فهي من مكتبة الأسكوريال في مدريد أسبانيا ، وتحمل الرقم (١٤٠٠) ، وليس لها رقم في الجامعة الأردنية ، لأنها حديثة ، فلم تدخل الترقيم بعد ، إذ جاءت بها مكتبة الجامعة الأردنية بناء على طلب مني مشكورة ، وعدد صفحاتها (٤٣٢ ورقة) في كل ورقة (٢٩ سطرا) ، وفي كل سطر (١٠ كلمات تقريبا) ، وهي مكتوبة بخط النسخ ، وواضحة ، إلا أن فيها نقص بعض الكلمات.

٨٦

المبحث الثاني

منهج التحقيق

١ ـ بعد الحصول على النسخ الأربع المخطوطة من الكتاب ، اخترت النسخة الأصل ، وهي أقدم النسخ ، النسخة التركية من مكتبة كوبرلي ذات الرقم (١١٦٨) ، وشرعت في كتابتها وفق القواعد الإملائية الحديثة ، ومن ثمّ قابلتها مع النسخ الثلاث الأخرى.

٢ ـ قمت بزيادة كلمة أو أكثر في بعض المواضع التي اقتضاها السياق لإقامة العبارة ، والتي تكون مشكلة في فهمها لو لا هذه الزيادة ، فوضعتها بين معقوفتين ، وأشرت إلى ذلك بالحواشي.

٣ ـ وضعت رقم الآية المفسرة في بداية تفسيرها على يمين الصفحة ، فإذا تكرر ورود الآية أو جزء منها في الموضع نفسه لا أذكر رقمها مرّة أخرى.

٤ ـ نسبت الآيات القرآنية المستشهد بها أو محال عليها ، ووضعت اسم السورة ورقم الآية بجوارها بهذا الشكل [اسم السورة : رقم الآية].

٥ ـ وضعت الآيات بالرسم العثماني ، ضمن قوسين مزهرين.

٦ ـ في بعض الأحيان يذكر المؤلف الكلمة ويفسرها ، ولكن لا يكتبها كما في المصحف ، فأقوم بوضعها بين (قوسين).

٧ ـ وردت في مواضع قليلة جدّا بعض الآيات من غير رواية حفص عن عاصم ، فكتبت الآية برواية حفص ، ثم أشرت إلى القراءة التي ذكرها في الحاشية.

٨ ـ خرجت الأحاديث النبوية الشريفة ، وأقوال الصحابة والتابعين من كتب الحديث الشريف قدر المستطاع.

٩ ـ وثقت أقوال المفسرين والنحويين واللغويين من مصادرها الأصلية ، أو من المصادر التي ذكرت فيها ، مبتدئا بمصنفات المؤلفين أنفسهم ما أمكن.

١٠ ـ علّقت بشكل مقتضب على بعض المسائل ، ولم أجعله مضطردا كي لا أثقل الكتاب بالهوامش الطويلة.

١١ ـ ضبطت الشواهد الشعرية ، وخرجتها من مصادرها من كتب اللغة والأدب ، مبتدئا بدواوين الشعر ، وإن كان في النص جزء من الشاهد أكمل البيت في حواشي التحقيق إن استطعت.

١٢ ـ ضبطت من النص ما يمكن أن يشكل على القارئ.

١٣ ـ ترجمت للأعلام الذين وردت أسماؤهم في النص ، باستثناء المشهورين ، كالأنبياء عليهم‌السلام ، والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ، وأحلت على مصادر الترجمة ملتزما عدم ذكر أكثر من أربعة مصادر.

٨٧

١٤ ـ شرحت بعض الألفاظ التي تحتاج إلى بيان ، ويصعب على القارئ معرفتها ، وكذا المصطلحات التي وردت في النص.

١٥ ـ صححت الأخطاء النحوية القليلة التي وجدتها في نسخ التحقيق في المتن ، وأشرت إلى ذلك في الحاشية ، وكذا ما يخصّ الآيات القرآنية.

١٦ ـ وضعت أرقام صفحات نسخة الأصل بين (قوسين) في داخل النصّ ، ورمزت إلى وجه الورقة بالرمز (و) ، وظهرها بالرمز (ظ).

١٧ ـ وضعت اسم السورة في أعلى كل صفحة من صفحات الكتاب ، محاولا التيسير على القارئ بذلك.

١٨ ـ ألحقت بالنص بعض صفحات من النسخ المخطوطة للتوثيق.

١٩ ـ اتبعت في التحقيق المنهج الذي يؤكّد عدم إثقال الهوامش ، فالتزمت عدم ذكر أكثر من أربعة مصادر في تخريج أيّ مسألة من مسائل النص المحقق.

٨٨

المبحث الثالث

الرموز والمصطلحات

الأصل

 ـ

النسخة التركية في مكتبة كوبرلي ذات الرقم (٩٥).

ك

 ـ

النسخة التركية في مكتبة كوبرلي ذات الرقم (٩٤).

ع

 ـ

النسخة التركية في مكتبة نور عثمانية ذات الرقم (٣٠٦).

أ

 ـ

النسخة اللإسبانية في مكتبة الأسكريال في مادريد ذات الرقم (١٤٠٠).

و

 ـ

وجه الورقة.

ظ

 ـ

ظهر الورقة.

()

 ـ

الآيات القرآنية المفسرة أو المستشهد بها.

«»

 ـ

أقوال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو ما نقل من أقوال في المتن والهوامش.

()

 ـ

ما بينهما كلمات قرآنية مفسرة.

[]

 ـ

ما بينهما زيادة إما من نسخة أخرى غير الأصل ، أو يقتضيها السياق ، أو نسبىة الآيات إلى سورها في المتن.

٨٩

الخاتمة

وفي نهاية المطاف مع هذا الكتاب المفسر لكتاب الله تعالى ، والعيش مع ظلال هذا الكتاب العظيم ، ألخص فيه أهم النتائج التي توصلت إليها :

١ ـ مؤلف هذا الكتاب حنفي المذهب ، وهذا يخالف ما عرف عن عبد القاهر الجرجاني من أنه شافعي.

٢ ـ أنه ليس أشعري المذهب العقدي ، فهناك أراء تدل على أنه يميل إلى مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان في الاعتقاد.

٤ ـ مؤلف الكتاب يميل إلى المذهب النحوي الكوفي ، على عكس ما عرف عن عبد القاهر الجرجاني بأنه بصري المذهب.

٥ ـ هناك تشكيك بنسبه الكتاب لعبد القاهر الجرجاني ، ولم أهتد إلى مؤلفه الحقيقي ، إذ لم أستطع أن أنسب الكتاب له بشكل قاطع ، ولم أستطع أن أحدد المؤلف الحقيقي له. وكان التشكيك بسبب أن المعروف عن الجرجاني أنه شافعي المذهب الفقهي ، وصاحب الكتاب حنفي المذهب ، كما أن الجرجاني أشعري المذهب العقدي ، وصاحب الكتاب ليس كذلك.

٦ ـ تنوع أسلوب المؤلف في تفسير الآيات الكريمة ، فأحيانا يفسرها بآيات أخرى ، وأحيانا بأحاديث شريفة ، وأحيانا ... ، وفي بعض الأحيان يجمع أكثر من أسلوب في تفسير آية.

٧ ـ استشهد بأحاديث كثيرة ضعيفة وبعضها موضوعة.

٨ ـ اهتمامه بالتاريخ ، مما أخرج الكتاب ، في بعض الأحيان ، من كونه تفسيرا إلى مؤلف تاريخي.

٩ ـ هذا التفسير من الكتب المختصرة اختصارا غير مخلّ.

٩٠

القسم الثاني

النص المحقق

٩١
٩٢

(١٥٧ ظ) سورة هود (عليه‌السلام)

مكية (١). وعن المعدل ، عن ابن عباس (٢) رضي الله عنه : إلا آية نزلت بالمدينة ، وهي قوله : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ ..) الآية [هود : ١١٤](٣).

وهي مئة واثنتان وعشرون آية عند أهل المدينة والشام (٤).

بسم الله الرّحمن الرّحيم

عن عكرمة (٥) ، عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه : يا رسول الله قد شبت؟ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «شيّبتني هود والواقعة والمرسلات ، وعمّ يتساءلون ، وإذا الشّمس كوّرت» (٦).

عن أبي جحيفة (٧) ، قال : قالوا (٨) : يا رسول الله ، نراك قد شبت؟ قال : «شيبتني هود وأخواتها».

واعلم أنّ المعنى المشيب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

إما سر من أسرار الله تعالى في القرآن ، لم يطلع عليه إلا نبيّه.

وإما أحد أشياء أربعة :

أحدها : أنّ بعض السور اختصت بالاسترقاء ، (٩) وبعضها بالتّنفّل ، (١٠) وبعضها بالتّعوّذ ، (١١)

__________________

(١) هذا قول الجمهور ، وفي رواية عن ابن عباس. ينظر : تفسير القرطبي ٩ / ١ ، والدر المنثور في التفسير بالمأثور ٤ / ٣٥٧.

(٢) أبو العباس ، عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، القرشي الهاشمي ، ابن عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حبر الأمة توفي سنة ٦٨. ينظر : نسب قريش ٢٦ ومعجم الصحابة ٢ / ٦٦ ، والإصابة في تمييز الصحابة ٢ / ٣٠٠.

(٣) ينظر : تفسير الماوردي ٢ / ٤٥٥ ، وتفسير البغوي ٢ / ٤٣٨ واللباب في علوم الكتاب ١٠ / ٤٢٦.

(٤) هذا في العد المدني الأول والشامي ، أما في العد المدني الأخير والمكي والبصري ، فهي مئة وإحدى وعشرون آية ، وفي العد الكوفي مئة وثلاث وعشرون آية. ينظر : البيان في عد آي القرآن ١٦٥ ، وفنون الأفنان ١٣٦ ، وجمال القراء ٢ / ٥٢٦.

(٥) أبو عبد الله ، عكرمة بن عبد الله البربري ، مولى عبد الله بن عباس ، توفي سنة (ت ١٠٧ ه‍) ، وقيل : غيرها. ينظر : الطبقات الكبرى ٥ / ٢٧٨ ، والجرح والتعديل ٧ / ٧ ، والعبر في خبر من غبر ١ / ١٣١.

(٦) أخرجه المروزي في مسند أبي بكر (٨٠) ، والترمذي في السنن (٣٢٩٧) وقال : حديث حسن غريب لا يعرف من حديث ابن عباس إلا من هذا الوجه ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٣٧٤ ، وحلية الأولياء ٤ / ٣٥٠.

(٧) الأصول المخطوطة : حذيفة ، والتصحيح من مصادر التخريج. ينظر : سنن الترمذي (٣٢٩٧) ، ومسند أبي يعلى (٨٨١) والمعجم الكبير ٢٢ / ١٢٣ (٣١٨) ، وحلية الأولياء ٤ / ٣٥٠.

(٨) ك : قال.

(٩) مثل سورة الفاتحة ، ينظر : مسند أحمد ٣ / ٢ و ١٠ ، وصحيح البخاري (٢٢٧٦) ، والمستدرك ١ / ٥٥٩.

(١٠) مثل سورة الأعلى والغاشية في العيدين ، ينظر : صحيح البخاري (٥٠٠٧) ، وصحيح مسلم (٨٧٨) ، وصحيح ابن خزيمة ٢ / ٣٥٨.

(١١) مثل سورة الصمد والمعوذتين ، ينظر : صحيح البخاري (٥٠١٦ و ٥٠١٧) ، وسنن ابن ماجه (٣٥٢٩) ، وهبة الرحمن الرحيم من جنة النعيم ٨٠.

٩٣

وبعضها بتلقين الموتى ، (١) وهذه السّور (٢) بالتّرهيب ، والتشيب للطيفة من القوي ، كما بلغنا أنّ بعض أهل الإلحاد تصوّر (٣) له أنّه يحاكي القرآن بهذيان ، فلمّا انتهى إلى قوله : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) [هود : ٤٤] ، انشقّت مرارته.

والثاني : أنّ هذه السّور كلّهن مكيّات ، فلعلّهنّ (٤) نزلن أيّام النّفير إلى الشّعب (٥) ، وأيّام وفاة خديجة (٦) ، رضي الله عنها ، وأبي طالب (٧) ، فقوله : «شيّبتني هود وأخواتها» من كثرة ما لقي (٨) من مكروه المشركين.

والثالث : أنّ نزول الوحي عليه (٩) قد كان سهلا ، وقد كان ثقيلا. روي أنّ النّبيّ عليه‌السلام كان إذا نزل عليه الوحي يتبرّد وجهه ، ويجد بردا في ثناياه. (١٠) وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، [عن أبي أروى الدوسي (١١) رضي الله عنه](١٢) قال : رأيت الوحي ينزل على النّبيّ عليه‌السلام وإنّه على راحلته ، فترغو ، وتفتل يديها حتى أظنّ أنّ ذراعها تنفصم (١٣) ، فربّما بركت ، وربّما قامت موتّدة (١٤) يديها حتى يسرّى عنه ؛ من ثقل الوحي ، وإنّه ليتحدّر (١٥) منه مثل الجمان (١٦). (١٧) فيحتمل : أنّ جبريل عليه‌السلام أنزل عليه سورة هود ، وأخواتها على هذه الطّريقة الشّديدة ؛ فلذلك شيّبنه.

__________________

(١) كسورة يس ، إذ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اقرؤوا (يس) على موتاكم». ينظر : مسند أحمد ٥ / ٢٦ ، والنسائي في اليوم والليلة ٥٨١ ، وهبة الرحمن الرحيم من جنة النّعيم ٦٣.

(٢) ك وأ : السورة.

(٣) ك : يتصور.

(٤) ك : فكأنهن.

(٥) النفير إلى الشعب هو عند ما حوصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه وبني هاشم في شعب أبي طالب ، وهي أيام ثقيلة على المسلمين ، ينظر : دلائل النبوة للبيهقي ٢ / ٣١١ ، وسبل الهدى والرشاد ٢ / ٥٠٢.

(٦) خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشية الأسدية ، زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أول من صدق به ، وهي خير نساء العالمين ، توفيت سنة (١٠ للبعثة). ينظر : تاريخ الطبري ٢ / ٨١ ، والبداية والنهاية ٣ / ٢٥٥ ، والإصابة ٤ / ٢٨١.

(٧) عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد المناف بن قصي القرشي الهاشمي ، عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، شقيق أبيه ، أمهما فاطمة بنت عمرو ، اشتهر بكنيته ، توفي في السنة العاشرة من البعثة. ينظر : تاريخ الطبري ١ / ٤٣٧ ، والسيرة النبوية ٢ / ١٦٦ ، وحدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار صلّى الله عليه وعلى آله المصطفين الأخيار ١ / ٣٣٢.

(٨) ساقطة من ك.

(٩) ك : علي ، وكذا ترد قريبا.

(١٠) جزء من حديث طويل أخرجه في الطبقات الكبرى ٨ / ٣٧٩ ، عن عائشة.

(١١) لا يعرف اسمه ولا نسبه ، وكانت له صحبة ، وكان ينزل ذا الحليفة. ينظر : الإصابة ٤ / ٥.

(١٢) زيادة من الطبقات الكبرى ١ / ١٩٧ ، وصفوة الصفوة ١ / ٨٤.

(١٣) ك : ينفصم.

(١٤) وتد فلان رجله في الأرض إذا ثبتها. لسان العرب ٣ / ٤٤٤.

(١٥) ليتحدّر : ينزل ويقطر. المجموع المغيث ١ / ٤١٢ ، والنهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ٣٥٢.

(١٦) الجمان : هو اللؤلؤ الصغار. وقيل : حب يتخذ من الفضة أمثال اللؤلؤ. ينظر : الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ٥ / ٢٠٩٢ ، والنهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ٣٠١ ، ولسان العرب ١٣ / ٩٢.

(١٧) ينظر : صفوة الصفوة ١ / ٤٨ ، والطبقات الكبرى ١ / ١٩٧. ولهذا الحديث شاهد في الصحيحين ، صحيح البخاري (٢٦٦١) ، وصحيح مسلم (٢٢٧٠) : من حديث عائشة ، رضي الله عنها.

٩٤

والرابع : هو تكرار المعنى المزعج ، يعني : [في](١) سورة هود : تكرار لفظة (بعد) (٢) أي : هلك ، وفي سورة الواقعة : تكرار (أنتم) (٣) ، أو (نحن) (٤) ، وفي سورة المرسلات : تكرار لفظة (ويل) (٥) ، وفي سورة عمّ يتساءلون : تكرار لفظة (وكان) (٦) ، و (كانت) (٧) ، وفي سورة التكوير : تكرار لفظة (إذا) (٨) على سبيل الوعيد.

١ ـ قوله : (أُحْكِمَتْ) بمعنى : الخصوص ، وهو إحكام التلاوة ، وتهذيبها (١٥٨ و) ممّا يلقي الشّيطان في الأمنيّة.

(ثُمَّ فُصِّلَتْ) من عنده بلا وساطة ، أو التفصيل : هو تفسير رسول الله مجملات الآي.

٢ ـ (أَلَّا تَعْبُدُوا): مضمر آتيناكه لتقوم بالوعظ أن لا يعبدوا.

٣ ـ وإنما قدّم الاستغفار على التّوبة (٩) لأنّ الإنسان يستقبح الشّرّ ، ويعرض عنه مستغفرا ، ثم يستفتح الخير ، ويقبل عليه مستوفيا ، والمراد (١٠) بالاستغفار كسب سبب المغفرة ، وهو إصلاح العقيدة ، وبالتّوبة سبب الاستقامة ، بإصلاح العزيمة. (١١)

ويوفّ (١٢) الله تعالى (كُلَّ ذِي فَضْلٍ) : خصلة فاضلة (١٣).

(فَضْلَهُ) : فضيلتها من الثّواب.

٥ ـ (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) ابن عباس رضي الله عنه : نزلت في الأخنس [بن] شريق بن عمرو بن وهب الثّقفيّ (١٤) ، (١٥) وقال أبو بكر (١٦) محمد بن عزيز

__________________

(١) من ك.

(٢) ينظر الآيات : ٤٤ و ٦٠ و ٦٨ و ٩٥.

(٣) ينظر الآيات : ٥٧ و ٥٩ و ٦٠ و ٦٤ و ٦٧ و ٦٩ و ٧٢ و ٧٣ و ٨٥.

(٤) ينظر الآيات : ٥٩ و ٦٤ و ٦٩ و ٧٢ و ٨١ و ٨٤.

(٥) ينظر الآيات : ١٥ و ١٩ و ٢٤ و ٢٨ و ٣٤ و ٤٠ و ٤٥ و ٤٧ و ٤٩.

(٦) ينظر الآيات : ١٧ و ٢٧.

(٧) ينظر الآيات : ١٩ و ٢٠.

(٨) ينظر الآيات : ١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨ و ١٠ و ١١ و ١٢ و ١٣ و ١٧ و ١٨.

(٩) في قوله تعالى : (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ).

(١٠) الأصل : أو المراد.

(١١) ينظر : تفسير الطبري ٦ / ٦٢٢ ، والبحر المحيط ٦ / ١٢٠.

(١٢) ع : يؤت.

(١٣) ساقطة من ك

(١٤) اسمه أبي ، ولقب بالأخنس ؛ لأنه رجع ببني زهرة من بدر ، فقيل : خنس. وما بين المعقوفتين زيادة من المصادر الآتية : سيرة ابن هشام ٢ / ١٠٧ ، وتاريخ الطبري ٢ / ٢٩ ، والإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب ١ / ٣٠١.

(١٥) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٣٧٣ ، وتفسير أبي السعود ٤ / ١٨٥.

(١٦) الأصول المخطوطة : أبو بكر ومحمد ، وأبو بكر هو محمد كما في كتب الرجال. ينظر : الحاشية الآتية.

٩٥

السّجستانيّ (١) : إنّ قوما من المشركين كانوا قد قالوا فيما بينهم : أرأيتم لو أغلقنا أبوابنا ، وأرخينا ستورنا ، واستغشينا ثيابنا ، وثنينا صدورنا على عداوة محمد عليه‌السلام كيف يعلم بنا؟ فأنبأ الله عزوجل عمّا كتموه ، وقال : (أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ ...) الآية (٢).

٧ ـ سئل ابن عبّاس رضي الله عنه عن قوله عزوجل : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) على أيش (٣) كان الماء؟ قال (٤) : على متن الريح. (٥)

٨ ـ (أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ): مدة معلومة ، (٦) قال الله تعالى : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) [يوسف : ٤٥].

٩ ـ (اليؤوس) : القنوط ، (٧) أي : إنّه ليؤوس كفور إدّا (٨).

١٠ ـ (لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ) أي : ليسندنّ الفعل إلى ما لا فعل له في الحقيقة ، غير معترف بالله الذي صرف عنه السّيئات ، وأبدله منها نعمة.

(لَفَرِحٌ فَخُورٌ): لأشر بطر في حال الرّفاهية.

١١ ـ (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا): إن كان المراد بالإنسان : عبد الله بن أبي أمية المخزوميّ (٩) ، أو رجلا معينا (١٠) مثله ، فالاستثناء (١١) منقطع (١٢) ، (١٣) وإن كان المراد به : الجنس ، فالاستثناء

__________________

(١) أبو بكر ، محمد بن عزيز السجستاني العزيزي ، صاحب كتاب «غريب القرآن» ، وذكره بعضهم بزاي مكررة ، وهو تصحيف ، بقي إلى حدود ٣٣٠ ه‍. ينظر : الأنساب ٨ / ٤٤٥ ، وتكملة الإكمال ٤ / ١٦٢ ، وبغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ١ / ١٧١.

(٢) ينظر : معاني القرآن الكريم ٣ / ٣٣٠ ، والوسيط في تفسير القرآن المجيد ٢ / ٥٦٤ ، وأسباب النزول للواحدي ٢٧١.

(٣) ك : أي شيء.

(٤) ع : كان.

(٥) ينظر : المصنف ٥ / ٩٠ ، وتفسير عبد الرزاق ١ / ٢٦٤ (١١٨٤) ، ومعاني القرآن للنحاس ٣ / ٣٣٢.

(٦) ينظر : تفسير الطبري ٧ / ٨ ، والوسيط ٢ / ٥٦٥ ، وتفسير الماوردي ٢ / ٤٦٠ ، عن ابن عباس وقتادة وغيرهما.

(٧) تفسير غريب القرآن ٢٠٢.

(٨) ع : إذا.

(٩) اسمه حذيفة ، وقيل : سهل بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو المخزومي ، صهر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ينظر الإصابة ٢ / ٢٧٧ ، وتعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة ١٤٣.

(١٠) الأصول المخطوطة : رجل معين.

(١١) الأصول المخطوطة : والاستثناء. وما أثبت أصح من حيث المعنى.

(١٢) الاستثناء المنقطع : هو ما كان المستثنى ليس من جنس المستثنى منه. ينظر : التبصرة والتذكرة ٢ / ٣٧٥ ، وشفاء العليل في إيضاح التسهيل ١ / ٤٩٧ ، وجامع الدروس العربية ٣ / ١٢٧.

(١٣) ينظر : الجواهر الحسان ٢ / ١١٨ ، وضعفه من جهة المعنى ، لا من جهة اللفظ ، والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (تفسير ابن عطية) ٧ / ٢٤٨ ، ورده ؛ لأن صفة الكفر لا تطلق على جميع الناس ، كما تقتضي لفظة الإنسان ، وإيجاز البيان في غريب إعراب القرآن ٢ / ٦ ، وإعراب القرآن للنحاس ٢ / ٧١.

٩٦

متصل ؛ (١) لأنّه مستثنى من مثبت (٢).

١٢ ـ (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ) أي : تكاد تترك إبلاغ (بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) على سبيل الفور.

(وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) أي : وتكاد تضيق صدرا (٣) بهذا البعض على سبيل الضعف ، وقلّة الاحتمال ، دون الكراهة ، وسوء الاختيار ، وإنّما قال : (وَضائِقٌ) ولم يقل : وضيّق ؛ للتوفيق بينه وبين قوله : (تارِكٌ)، ولنفي إيهام تحقيق الوصف في الحال. (٤)

(أَنْ يَقُولُوا): مخافة أو كراهة أن (٥) يقولوا. (٦)

١٣ ـ (افْتَراهُ) : الضّمير عائد إلى القرآن. (٧) والتّحدّي بعشر سور. (٨) وقيل : التّحدّي بسورة ، وبحديث (٩) ؛ لأن الآية مكيّة ، ونزول سورة هود متقدم على نزول سورة الطّور.

(مِثْلِهِ) : بدل من (عشر سور مفتريات) ، ويجوز أن يكون حالا للسّور المأتيّ بها. (١٠) ويجوز أن يكون تقديره : سور مفتريات مثله على زعمكم.

١٤ ـ (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) : إن كان خطابا للمأمورين بدعاء من استطاعوا ، (١١) فهو كقوله : (إِنَ (١٢) الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ)

__________________

(١) الاستثناء المتصل : هو ما كان المستثنى من جنس المستثنى منه. ينظر : التبصرة والتذكرة ٢ / ٣٧٥ ، وشفاء العليل ١ / ٤٩٧ ، وجامع الدروس العربية ٣ / ١٢٧.

(٢) ينظر : ومشكل إعراب القرآن ٣٣٩ ، الجواهر الحسان ٢ / ١١٨ ، وإيجاز البيان في غريب إعراب القرآن ٢ / ٦ ، واللباب في علوم الكتاب ١٠ / ٤٤٥.

(٣) ك : يكاد يضيق صدرك.

(٤) ينظر : مجمع البيان ٥ / ١٨٥ ، والبحر المحيط ٦ / ١٢٩.

(٥) ك : أو.

(٦) ينظر : مجمع البيان ٥ / ١٨٦ ، والتبيان ١ / ٥٣٢ ، واللباب في علوم الكتاب ١٠ / ٤٤٦.

(٧) ينظر : الوسيط ٢ / ٥٦٦ ، واللباب في علوم الكتاب ١٠ / ٤٤٦.

(٨) ينظر : البحر المحيط ٦ / ١٣٠ ، واللباب في علوم الكتاب ١٠ / ٤٤٨ ـ ٤٤٩.

(٩) هذا القول إشارة إلى قول الله تعالى : (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) [الطور : ٣٤] ، ويقول ابن عاشور : الحديث هنا أطلق على الكلام مجازا ، بمعنى غرض من الأغراض التي يشتمل عليها القرآن الكريم لا خصوص الأخبار ، ويجوز أن يكون الحديث هنا أطلق على الأخبار ، أي : فليأتوا بأخبار مثل قصص القرآن فيكون استنزالا لهم ، فإن التكلم بالأخبار أسهل عليهم من ابتكار الأغراض التي يتكلم فيها ، فإن كان القرآن كما يقولون : أخبار الماضين ، فليأتوا بأخبار مثل أخباره ؛ لأن الإتيان بمثل ما في القرآن من المعارف والشرائع لا قبل لهم به ، وقصارى عقولهم أن تفهمه إذا سمعوه. ينظر : تفسير التحرير والتنوير ١٣ / ٦٦ ، وينظر : ابن عطية ١٤ / ٦٩ ـ ٧٠.

(١٠) ينظر : اللباب في علوم الكتاب ١٠ / ٤٤٨.

(١١) ينظر : البحر المحيط ٦ / ٤٤٨.

(١٢) ليس في ك ، وبعدها : يدعون ، بدل (تدعون).

٩٧

[الأعراف : ١٩٤] ، وإن كان خطابا للنّبيّ عليه‌السلام ولأمّته ، (١) فهم تبع له ، شهداء منه ، كقوله : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) [البقرة : ١٤٣].

١٥ ـ (يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا) : يؤثرها ، والمؤمن المخلص لا يؤثرها على الآخرة ، ولكن يريدها ؛ لاستدراك (٢) (١٥٨ ظ) الفائت ، وإصلاح الفاسد ، وهو المطلع ، فهو من الآخرة.

(نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ) : المحمودة لظواهرها ، لا لوجه الله تعالى ، (٣) كقوله عليه‌السلام : «من كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ، أو امرأة يتزوجها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه» (٤).

١٦ ـ (ما صَنَعُوا فِيها) : في الحياة الدّنيا.

(وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) : لوقوعها باطلا عند الله في الأحكام العقباويّة.

١٧ ـ (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) : أي (٥) : هو كمن ليس على بيّنة من ربه. الذي هو على بيّنة من ربه روح النّبيّ عليه‌السلام وقلبه وضميره.

(وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) : هو منظره يتبع مخبره ، قال محمد بن الحنفية (٦) : قلت لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه : إنّ النّاس يزعمون في قوله : (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ)، أنّك أنت التّالي؟ فقال : وددت أنّي هو ، ولكنّه لسان محمد عليه‌السلام (٧).

وقيل : (يَتْلُوهُ) : القرآن ، (شاهِدٌ مِنْهُ): من ربّه ، هو (٨) جبريل عليه‌السلام. (٩)

ويحتمل : أنّ الشاهد هو نفسه ، أو من عشيرته ، أو رجل من أمّته ، ألا ترى أن جعفرا (١٠)

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٦ / ١٣١.

(٢) ك وع : بالاستدراك.

(٣) ينظر : الوسيط ٢ / ٥٦٧ ، وتأويل مشكل إعراب القرآن ٣٠٧ ، واللباب في علوم الكتاب ١٠ / ٤٥١.

(٤) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل (ت ٢٤١ ه‍) في المسند ١ / ٣٠٣ ، والبخاري في صحيحه (٥٤) ، ومسلم في صحيحه (١٩٠٧) ، ومحمد بن إسحاق في مسند إبراهيم بن أدهم ٢٥ ، والطبراني في المعجم الأوسط (٧٠٥٠).

(٥) ساقطة من ك.

(٦) أبو القاسم ، محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي ، ابن الحنفية ، توفي بعد الثمانين. ينظر : تهذيب الكمال ٢٦ / ١٤٧ ، وتقريب التهذيب ٢ / ١٩٢ ، ورجال صحيح البخاري ٢ / ٦٦٧.

(٧) ينظر : تفسير ابن أبي حاتم (١٠٧٥٩) ، والمعجم الأوسط (٦٨٢٨) ، وتهذيب الكمال في أسماء الرجال ٦ / ٢٥٠ ، ومجمع الزوائد ٧ / ٣٧.

(٨) ك : وهو.

(٩) ينظر : معاني القرآن للنحاس ٣ / ٣٣٧ ، وتأويل مشكل إعراب القرآن ٣٠٧ ، وابن عطية ٧ / ٢٥٧ ، وتفسير ابن كثير ٢ / ٥٧٨ ، وهو من قول ابن عباس ، ومجاهد وعكرمة وأبي العالية ، وغيرهم.

(١٠) أبو عبد الله ، جعفر بن أبي طالب الهاشمي ، ابن عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، استشهد يوم مؤتة سنة ثمان للهجرة. ينظر : معجم الصحابة ١ / ١٥٢ ، والكنى والأسماء ١ / ٤٦٥ ، وحلية الأولياء ١ / ١١٤.

٩٨

كان مبلّغا عنه بالحبشة ، وأنّ عليّا كان مبلّغا عنه في الحجّ الأكبر (١) ، وابن عباس كان مبلّغا عنه في تفسير كتاب الله تعالى.

(وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ): عامّ في الملل كلّها. (٢)

١٨ ـ (أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ): عن قتادة (٣) ، عن صفوان بن محرز (٤) المازنيّ ، قال : بينما أنا أطوف مع ابن عمر (٥) بالبيت ، إذ عارضه [رجل](٦) ، فقال : يا ابن عمر ، كيف سمعت رسول الله يذكر النّجوى؟ قال : يدنو المؤمن من ربه حتى يضع عليه كنفه ، فيقرّره بذنوبه ، فيقول : هل تعرف؟ فيقول له : [ربّ](٧) أعرف ربّ أعرف ، حتى يبلغ ، فيقول : فإنّي قد سترتها عليك في الدّنيا ، وإنّي لأغفرها (٨) لك اليوم ، قال : ثم يعطيه (٩) صحيفة حسناته بيمينه ، وأما الكافر فينادى به على رؤوس الأشهاد : (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ ...) الآية (١٠).

٢٠ ـ (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ): أي : عليهم.

(ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) أي : لشدّة عداوتهم بعد اختيارهم العداوة أوّل مرّة ، فتيسّرت عليهم العسرى ، وتعسّرت عليهم اليسرى. (١١)

٢٢ ـ (لا جَرَمَ): قال الزجاج (١٢) : لا ، ردّ لظنّهم ، وقولهم الباطل ، جرم ، أي : كسب لهم

__________________

(١) إشارة إلى إرساله بسورة براءه إلى أبي بكر وهو متوجه إلى مكة ليحج بالناس ، ينظر : مسند أحمد (٧٩٧٧) ، وصحيح البخاري (٤٦٥٥) ، خصائص علي ١ / ٩٣.

(٢) ينظر : تفسير الماوردي ٢ / ٤٦٢ ، ومجمع البيان ٥ / ١٩٠.

(٣) هو : أبو الخطاب ، قتادة بن دعامة بن عزيز السدوسي البصري الضرير الأكمه. قدوة المفسرين والمحدثين ، توفي سنة ١١٨ ه‍. ينظر : الطبقات الكبرى ٧ / ٢٢٩ ، وميزان الاعتدال في نقد الرجال ٣ / ٣٨٥ ، وطبقات المفسرين ٢ / ٤٧.

(٤) الأصول المخطوطة : محمد ، والصواب هو : صفوان بن محرز بن زياد المازني البصري ، توفي سنة أربع وسبعين في ولاية عبد الملك بن مروان. ينظر : التاريخ الكبير ٤ / ٣٠٥ ، وسير أعلام النبلاء ٤ / ٢٨٦ ، وكتاب الثقات ٤ / ٣٨٠.

(٥) أبو عبد الرحمن ، عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي ، رضي الله عنهما ، توفي سنة ٧٣ ه‍ ، وقيل : غيرها. ينظر : التاريخ الصغير ١ / ١٥٤ ، ١٥٥ ، ١٥٧ ، والاستيعاب في معرفة الأصحاب ٣ / ٩٥٠ ، ووفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ٣ / ٢٨ و ٣١.

(٦) زيادة من مصادر التخريج.

(٧) من ك ، و (له) ساقطة منها.

(٨) ك : لا أغفرها ، وهو سهو.

(٩) الأصول المخطوطة : يعطيها ، والصواب ما أثبت.

(١٠) أخرجه البخاري في صحيحه (٢٤٤١ و ٤٦٨٥ وغيره) ، ومسلم في صحيحه (٢٧٦٨) ، وأبو أمية الطرسوسي في مسند عبد الله بن عمر ٢٧ ، والبخاري في خلق أفعال العباد ٧٨.

(١١) ينظر : مجمع البيان ٥ / ١٩٢ ، والكشاف ، والبحر المحيط ٦ / ١٣٧.

(١٢) أبو إسحاق ، إبراهيم محمد بن السّريّ الزجاج البغدادي ، صاحب كتاب «معاني القرآن» ، وغيره ، توفي سنة ٣١٦ ه‍ ، وقيل : غيرها. ينظر : طبقات النحويين واللغوين ١١١ ، والفهرست ٩٠ ، ومعجم الأدباء ١ / ١٣٠ ، ونزهة الألباء في طبقات الأدباء ٢٤٤.

٩٩

فعلهم الخسران (١). وقال الفرّاء (٢) : لا جرم : كلمة بمنزلة (٣) لا بدّ ، لا محالة ، فجرت على ذلك ، وكثر استعمالهم إيّاها حتى صارت بمنزلة حقّا (٤).

٢٣ ـ (وَأَخْبَتُوا): اطمأنّوا ، (٥) والخبت : الأرض المطمئنة. (٦)

٢٤ ـ (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ): أحدهما : (مَنْ يَكْفُرْ بِهِ) [هود : ١٧] ، الذين افتروا على الله كذبا ، والآخر : من هو على بينة من ربه. (٧)

و (الشّاهد) : التّالي (٨) منه ، والذين آمنوا وعملوا الصّالحات.

٢٦ ـ (يَوْمٍ أَلِيمٍ): عذابه ، وهو يوم الطّوفان ، أو يوم القيامة.

٢٧ ـ (أَراذِلُنا): جمع : أرذل (٩) ، وأرذال : جمع رذل : وهو النّذل الخسيس ، (١٠) وإنّما استحقروا المؤمنين ؛ لقلّتهم ، وفقرهم ، ولكونهم بمنزلة السّفهاء عندهم. (١١)

٢٨ ـ (قالَ (١٢) يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ) : المعنى : أنّهم تخوّفوا من نوح عليه‌السلام ومن اجتماع أصحابه وكثرتهم على أنفسهم الإكراه والقهر ، وطالبوه أن يطردهم ، وينفّرهم ، فأبى نوح عليه‌السلام أن يطردهم ، وقال : أرأيتموني وأصحابي نجبركم ونكرهكم على الدّين إن كثرنا؟ أي : لا نفعل ذلك ؛ فإنّه (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) [البقرة : ٢٥٦].

٢٩ ـ (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ (١٥٩ و) مالاً) : لست أطالبكم على الدّين ، واجتماع الأصحاب ، كفعل الملوك (١٣) ، فتمنعوني عن ذلك لما يصيبكم من المؤونة.

(وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) : بأن تمنعوني عن الدعوة إلى الرشّاد بغير حجّة ثبتت لكم.

__________________

(١) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٤٦٤.

(٢) أبو زكريا ، يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور بن مروان الديلمي ، الكوفي النحوي ، توفي بطريق مكة سنة ٢٠٧ ه‍. ينظر : الفهرست ٧٣ ، ٧٤ ، ونزهة الألباء ٩٨ ، ومراتب النحويين ١٣٩.

(٣) (لا ، رد لظنهم ... بمنزلة) ساقطة من ع.

(٤) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ٨.

(٥) ينظر : تفسير الطبري ٧ / ٢٥ ، وتفسير الماوردي ٢ / ٤٦٤ ، عن مجاهد.

(٦) ينظر : الغريبين ٢ / ٥٢٥.

(٧) ينظر : تفسير الطبري ٧ / ٢٥ ، ومجمع البيان ٥ / ١٩٣.

(٨) ك : الثاني.

(٩) ع : أراذل.

(١٠) ينظر : الغريبين ٣ / ٧٣٧.

(١١) ينظر : الوسيط ٢ / ٥٧٠ عن ابن عباس.

(١٢) ك : قل.

(١٣) (كفعل الملوك) ساقطة من ك.

١٠٠