درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ٢

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني

درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ٢

المؤلف:

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني


المحقق: د. طلعت صلاح الفرحات / د. محمّد أديب شكور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر ناشرون وموزعون
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9957-07-514-9

الصفحات: ٨٠٢
الجزء ١ الجزء ٢

سورة النمل

مكيّة. (١)

وهي خمس وتسعون آية في عدد أهل الحجاز. (٢)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

٨ ـ (مَنْ فِي النَّارِ) : من في طلب النّار. وقيل : المراد به روح من أمر الله. (٣) وفي مصحف عبد الله وأبيّ بن كعب : (بوركت النّار ومن حولها). (٤) والعرب تقول : باركك الله ، وبارك فيك ، وبارك عليك.

٩ ـ (يا مُوسى إِنَّهُ) : عائد إلى المنادى ، أو إلى جاعل النّار في الشجرة. وقال الفراء : هو عماد. (٥)

١٠ ـ (لَمْ يُعَقِّبْ) : أي : لم يكر (٦) على ما (٧) وراءه. قال شمر (٨) : كلّ راجع معقب. (٩) وعن سفيان : «لم يمكث». (١٠) وفي الحديث : «من عقّب [في صلاة] فهو في صلاة» (١١) ، أي : من أقام بعد ما يفرع من الصلاة في مجلسه.

(لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) : نفى (١٢) الخوف عنهم على سبيل الإطلاق لزوال قدرتهم واختيارهم والاتجائهم (١٣) بروح الله تعالى وبنزول (١٤) الوحي عليهم ، أو لاستيفائهم الكرامة ، وإرادة الخير كأهل الجنّة في الجنّة. ويحتمل : نفي الخوف عنهم على سبيل التقييد ، أي :

__________________

(١) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ٣٢٢.

(٢) وفي العدد البصري والشامي أربع وتسعون آية ، والكوفي ثلاث وتسعون آية ، ينظر : التلخيص في القراءات الثمان ٣٥٣ ، والبيان في عد آي القرآن ١٩٩ ، وفنون الأفنان ١٤٦ ، وإتحاف فضلاء البشر ٤٢٦.

(٣) ينظر : إيجاز البيان عن معاني القرآن ٢ / ٦٢٩ ، ووضح مشكل البرهان في مشكلات القرآن ٢ / ١٣٨.

(٤) تفسير القرطبي ١٣ / ١٥٨ ، ولسان العرب ١٠ / ٣٩٦.

(٥) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٨٧.

(٦) ك وع وأ : يكن. ينظر : لسان العرب ١ / ٦١٤

(٧) ع : من.

(٨) أبو عمرو شمر بن حمدويه الهروي ، اللغوي الأديب ، توفي سنة (٢٥٦ ه‍). ينظر : نزهة الألباء ١٥١ ، بغية الوعاة ٢ / ٤.

(٩) ينظر : الغريبين ٤ / ١٣٠٣.

(١٠) الغريبين ٤ / ١٣٠٣.

(١١) ينظر : غريب الحديث لابن الجوزي ٢ / ١١٠ ، والصحاح ١ / ١٨٦ ، ولسان العرب ١ / ٦١٣ و ٦١٥ ، وما بين المعقوفتين من مصادر التخريج.

(١٢) الأصول المخطوطة : في. وما أثبت هو الصحيح.

(١٣) الأصل : لالتجاؤهم. وك وع وأ : لالتجلوهم.

(١٤) ك : بزوال.

٤٠١

لا يهابون في مراقبته شيئا من مخلوقاته.

١١ ـ (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً) : استثناء متصل ، من المستثنيين آدم عليه‌السلام. وقيل : الاستثناء متصل (١) ، والمراد بالظلم الخوف نفسه لا غير. وقيل : استثناء منقطع ، والمراد به الأنبياء عليهم‌السلام. (٢) وفائدة اللفظ تنبيه موسى عليه‌السلام على الاستغفار من خطيئته.

١٢ ـ (جَيْبِكَ) : وهو الشقّ في القميص يخرج الإنسان منه (٣) رأسه.

١٤ ـ (وَجَحَدُوا) : والجحود ضدّ الإقرار ، والتقدير : وجحدوا بها ظلما وعلوّا.

(وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) : عرفتها وتيقّنت بكونها معجزة الإلهية ، ألا ترى قالوا : (ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) [الأعراف : ١٣٤].

١٦ ـ (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) : قيل : كان لداود عليه‌السلام تسعة عشر ابنا ، فلم يرته إلا سليمان عليه‌السلام. (٤)

(مَنْطِقَ الطَّيْرِ) : أخص من القول ، وأعمّ من التّكلّم ، فظاهر الاستعمال ؛ لأنّ القول يوصف به الجماد ، والنطق لا يوصف به إلا ذوات الأرواح ، والتكلّم لا يوصف به إلا القادر على تضمينه مقولة حروف التهجّي.

١٧ ـ (يُوزَعُونَ) : يحبسون ، (٢٤٧ ظ) يحبس أوّلهم على آخرهم لئلا ينقطع بعضهم عن بعض. (٥) وقيل : فهم يحبسون في طاعته ، أي : يسخّرون له.

١٨ ـ (وادِ النَّمْلِ) : كان معروفا في ذلك الزمان ، أو ذكره معروفا (٦) فيما بين العرب ؛ لأنّ الله تعالى سلّط النمل على كثير من الأمم ، فجلاهم عن ديارهم ، وإنّما خاطبت خطاب [العقلاء](٧) لتكليفها إياهن تكليف العقلاء.

(مساكنهم) : قراهنّ وحجرهنّ.

(لا يَحْطِمَنَّكُمْ) : لا يكسّرنّكم.

__________________

(١) (من المستثنيين ... متصل) ، ساقطة من ك وع. البحر المحيط ٨ / ٢١٤ ، والمحرر الوجيز ١١ / ١٧٥ ، وتفسير القاسمي ٥ / ٣٩٥.

(٢) ينظر : المحرر الوجيز ١١ / ١٧٥ ، والبحر المحيط ٨ / ٢١٤ ، وحاشية الشهاب على البيضاوي ٧ / ٢٢٦ ، والفتوحات الإلهية ٥ / ٤٢٢.

(٣) ع : منه.

(٤) ينظر : تفسير الماوردي ٤ / ١٩٨ عن الكلبي ، وتفسير البغوي ٦ / ١٤٨ ، وزاد المسير ٦ / ٦٣.

(٥) ينظر : معاني القرآن للزجاج ٤ / ١١٢ ، وياقوتة الصراط ٣٩٢.

(٦) (في ذلك الزمان ، أو ذكره معروفا) ، ساقط من ع.

(٧) زيادة يقتضيها السياق.

٤٠٢

(وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) : تمهيد لعذر سليمان وجنوده ، أو تحقيق (١) للإنذار كي لا تقول واحدة : لا تظلمنا ، وهو نهر ، أو تقبيح لتركهنّ الحذر ، فإنّ (٢) من تعرض لسهم غرب (٣) كان أجهل وأشدّ لوما ممّن (٤) تعرّض لمتعهّد القتال.

وعن الشعبيّ : أنّ النملة التي فقّه سليمان عليه‌السلام كلامها كانت ذات جناحين. (٥)

١٩ ـ (فَتَبَسَّمَ) : أظهر الضّواحك من الأسنان فرحا للشّكر على تفهيم الله إيّاه كلام النملة ، أو على إلهام الله النملة عذر سليمان ، أو لتعجيبه على قضيّة الطبيعة.

(أَوْزِعْنِي) : ألهمني واجعلني مولعا بشكرك وبالعمل (٦) الصالح. وفي الحديث (٧) : «كان موزعا بالسّواك» (٨) ، أي : مولعا به.

٢٠ ـ (وَتَفَقَّدَ) : طلب المفقود ، يجوز أن يكون مترتّبا على مقدار ، أي : صرف (٩) عن رؤيته.

(أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) : وقيل : أم بمعنى الاستفهام (١٠). وقيل : بمعنى بل. (١١).

وفي الآية دليل على وجوب (١٢) التفقّد والتيقّظ على الإمام والرئيس.

والهدهد : جنس من الطير ملوّن في حجم الصّلصّلة ، له عرف ورائحة منتنة ، وكان الهدهد معجزة لسليمان كغراب نوح ، وصرد إبراهيم ، (١٣) وحمار عزير (١٤).

روى الشعبيّ عن عبد الله بن سلام قال : أعطي سليمان عليه‌السلام من عظيم الملك ما

__________________

(١) أ : والتحقيق.

(٢) ساقطة من ع.

(٣) أصابه سهم غرب : إذا كان لا يدري من رماه. لسان العرب ١ / ٦٤١.

(٤) ع : لمن.

(٥) ينظر : تفسير الماوردي ٤ / ١٩٩ ، والدر المنثور ٦ / ٣١٢ ، ورد هذا القول ابن كثير في تفسيره ٣ / ٤٨٠.

(٦) ع : وبالنمل.

(٧) أ : الحد.

(٨) ينظر : الفائق في غريب الحديث ٤ / ٥٧ ، وغريب الحديث لابن الجوزي ٢ / ٤٦٦ ، والنهاية في غريب الأثر ٥ / ١٨٠ ، ولسان العرب ٨ / ٣٩١.

(٩) الأصل وع وأ : صرفت.

(١٠) (وقيل : أم بمعنى الاستفهام) ، مكرر في أ. وينظر : البحر المحيط ٨ / ٢٢٣ ، واللباب في علوم الكتاب ١٥ / ١٣٦.

(١١) ينظر : الكشاف ٣ / ٣٩٢ ، والبحر المحيط ٨ / ٢٢٣ ، واللباب في علوم الكتاب ١٥ / ١٣٦ ، وروح البيان ٥ / ٤٣٢.

(١٢) ع : وجود.

(١٣) الصرد صائر ضخم الرأس والمنقار ، وله ريش عظيم ، نصفه أبيض ، ونصفه أسود ، ينظر : النهاية في غريب الأثر ٣ / ٢١ ، وغريب الحديث لابن الجوزي ١ / ٥٨٤. وفي نوادر الأصول ٢ / ١٤ : أن الصرد كان دليل إبراهيم عليه‌السلام إلى موضع البيت.

(١٤) إشارة إلى قول الله تعالى : (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ) [البقرة : ٢٥٩].

٤٠٣

كان يخبز له في مطبخه كلّ يوم ستّ مئة كرّ (١) حنطة ، ويذبح له كلّ غداة ستة آلاف ثور ، وعشرون ألف شاة ، فكان يطعم الناس ، ويجلس معه على مائدته خاصّة اليتامى والمساكين وأبناء (٢) السبيل ، ويقول : مسكين بين مساكين ، قال : ولّما فرع سليمان من بناء بيت المقدس ومسجدها ، تجهّز فسار تحمله وجنوده الريح ، وتظلّهم الطير ، فوغل في البادية حتّى جعل وراءه أرض تهامة ، ووافى الحرم ، فذبح للبيت طول مقامه بمكة كلّ يوم خمسة آلاف ناقة ، وخمسة آلاف ثور ، وعشرين ألف شاة ، وقال لمن حوله من أشراف قومه : إنّ هذا مكان (٣) يخرج منه نبيّ عربيّ ، صفته كذا وكذا يعطى النصر على جميع من ناوأه ، ويكون سيفه سطوة على من خالفه ، وتبلغ هيبته مسيرة شهر ، القريب والبعيد عنده في الحقّ سواء ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، ثمّ قالوا : فبأيّ دين يخرج؟ قال : بدين الحنيفية ، فطوبى لمن أدركه وآمن به وصدّقه ، قالوا : وكم بيننا وبينه؟ قال : زهاء ألف عام ، فليبلّغ الشاهد منكم الغائب ، فإنّه سيّد الأنبياء وخاتم الرسل ، وإنّ اسمه لمكتوب (٢٤٨ و) في زبر الأنبياء الماضين عليهم‌السلام. فأقام بمكة أيّاما حتى قضى حجّه ، ثمّ سار نحو أرض اليمن يوم نجم سهيل ، فخرج من مكة صباحا ، فوافى أرض صنعاء وقت الزوال ، وذلك مسيرة شهر ، فتفقّد الطير التي كانت تظلّه ، وجمع من كان معه من أصحابه ، فرأى مكان الهدهد خاليا ليس فيه الهدهد ، فقال (٤) : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ ...) إلى آخر الآيتين ، قال : وكان تعذيبه الطير نتفه ريشه لئلا يقدر على الطيران ، وكانت قصّة الهدهد أنّه نظر إلى هدهد ساقطا على شجرة ، فانقضّ نحوه ليسأله عن خبر تلك الأرض ، فقال له : أيّة أرض هذه؟ قال : هذه أرض سبأ ، قال : فمن هذا الملك الذي سخّر له ما أرى من الريح والشياطين والطير؟ فإنّي لم أر من الناس أعطي مثل ما أعطي هذا؟ قال : هذا سليمان بن داود عليهما‌السلام ، قال : وإنّه لهو؟ قال : نعم ، قال : فأين هو من ملكة هذه الأرض؟ قال هدهد سليمان (٥) : ومن هي؟ قال : بلقيس بنت الهدهاد (٦) الحميريّة ، فإنّها أعطيت من الملك والسلطان ما لم يعط أحد ممّن مضى من ملوك هذه الأرض ، قال : فانطلق حتى ترينيها ، فانطلق معه ، فأراها (٧) إيّاها ، وهي في قصر لها بصنعاء ، أمرت ببنائه على رؤوس الأساطين من الرخام ، كلّ أسطوانة طولها خمسون ذراعا قد نصبت فوق ، وحملتها خمس مئة ، وبين كلّ اسطوانتين عشرة أذرع ، وعليها

__________________

(١) الكر : ستون قفيزا ، والقفيز ثمانية مكاكيك ، والمكوك صاع ونصف ، وبهذا يكون الكرّ ٧٢٠ صاعا. اللسان ٥ / ١٣٧.

(٢) ع : وابن.

(٣) أ : فكان.

(٤) ساقطة من ع.

(٥) (قال : وإنه لهو؟ قال : نعم ، قال ... قال هدهد سليمان) ساقطة من ع.

(٦) ع : الهدهد.

(٧) أ : وأراها.

٤٠٤

سقف من ألواح الرخام ، ألحم (١) بعضها إلى بعض بالرصاص ، والقصر فوق ذلك السقف الذي (٢) فيه مجالس مطلية بالذهب والفضّة ، مفضضة بألوان الجواهر ، وللقصر شرف مطلية بماء الذهب الأحمر (٣) ، مفضضة بألوان الجواهر ، وباب القصر ممّا يلي المدينة ، وله درج من الرخام الأبيض والأخضر والأحمر ، وكانت الشمس إذا طلعت على ذلك القصر التهب ذلك الذهب وتلك الجواهر كالتهاب النيران ، تكاد تغشى العيون ، وتحار منها الأبصار ، وبني لها في أسفل التلّ من قرار الأرض حائط بالصخور المنحوتة حتى ارتفع ذلك الحائط إلى دروة التلّ ، فكان ارتفاع باب القصر من القرار مئة ذراع ، وبني حول التلّ قصر مشيد مقطّع بالحجر ، ولكلّ قصر (٤) باب يشرع إلى التلّ ، يسكن فيها أحراسها وخدمها ، فكان إذا دخل عليها قوّادها ورؤساء أهل مملكتها من وراء حجاب ، فإذا حزبها أمر أو حرب اسفرت لهم عن وجهها ، وكان لها أربعة وعشرون قائدا ، تحت كلّ قائد ثلاثون ألف رجل ، وكان اثنان (٥) وعشرون وزيرا ، فقالت لوزرائها : ما كان يعبد آبائي الماضين؟ قالوا : كانوا يعبدون إله السماء ، قالت : وأين هو؟ قالوا : في السماء ، وعلمه في جميع الأرض ، فقالت : كيف أعبده وأنا لا أراه؟ ولست أعرف شيئا (٢٤٨ ظ) أنور من الشمس فهي أولى بالعبادة ، ثم عبدت الشمس من دون الله ، وحملت قومها على عبادتها ، فكانوا يسجدون لها إذا طلعت وإذا غربت ، فانصرف الهدهد إلى سليمان عليه‌السلام ، فأخبره بأمرها ، فكتب إليها : بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين ، فحمل الهدهد الكتاب ، وأقبل به حتى دخل عليها وهي في مجلسها بينها وبين قومها ستارة تكلّمهم من ورائها ، فكان دخوله عليها من كوّة في جدار ذلك المجلس ، فقذف الكتاب في حجرها ، ففزعت منه ، فلمّا قرأته قالت (٦) للهدهد : من أرسلك بهذا الكتاب؟ قال : أرسلني نبيّ الله سليمان بن داود عليهما‌السلام ، قالت : وأين هو؟ قال : معسكر بجنوده من الجنّ والإنس والطير على تخوم أرضك ، فعندها قالت : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي) [النمل : ٣٢] إلى قوله : (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) [النمل : ٣٥] ، فأهدت (٧) سليمان ألفي فرس مجلّلة بالحرير ، وألف وصيف ، وألف وصيفة ، وركبوا تلك الخيول ، منها ألف فرس ذكور وعليها الوصفاء ، وألف إناث وعليهن الوصائف ، مسوّرين بإسورة الذهب ، مكلّلين بالتيجان ، وأرسلت

__________________

(١) أ : أطعم.

(٢) ساقطة من ع.

(٣) (وللقصر شرف مطلية بماء الذهب الأحمر) ، ساقطة من ع.

(٤) ك وأ : قصة.

(٥) الأصول المخطوطة : اثني.

(٦) الأصول المخطوطة : قال.

(٧) ع : وأهديت.

٤٠٥

إليه بحقّ مصمت لا ثقب فيه ، وفي جوفها مئة ياقوتة ، فانبرت للحقّ دودة تكون اليوم في الخشب فثقبته بأسنانها ، وذلك أنّها قالت للرسل : سلوه أن يثقبه بغير حديد ، وأهدت إليه درّة على عظم البيضة لم يكن في ذلك العصر مثلها ، وكانت غير مثقوبة ، فقالت للرسل (١) : سلوه أن يثقبها بغير حديد ، فانبرت دودة حمراء تكون في الماء ، فقالت : يا نبي الله ، أنا أثقبها على أن تسأل الله أن يجعل رزقي في الماء ، قال : ذلك لك ، فثقبتها بأسنانها ، وأرسلت إليه بدرّة لها ثقب معوج ، وقالت للرسل : سلوه أن يدخل في الثقب خيطا ، فانبرت دودة فقالت : أنا أدخل فيها خيطا على أن تسأل الله أن يجعل رزقي في الفواكه ، قال : ذلك لك ، فلوت خيطا على رأسها ، ودخلت في ذلك الذي في الدرّة تتخلّل حتى خرجت من الجانب الآخر ، فلما أتته الهدية قال : (أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ ...) [النمل : ٣٦] إلى قوله : (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ) [النمل : ٣٧] ، فلما ردّ عليها الهدية (٢) عزمت على إتيانه وقالت لقومها (٣) : إنّي صائرة إليه ، وممتحنة إيّاه بمسائل ، فإن أصابها فهو نبيّ ، ولا طاقة لنا به ، وإن كان ملكا عزمنا على محاربته ، فسارت إليه في مئة وعشرين رجلا من عظماء قومها ، ومع كلّ واحد منهم مئة رجل من حشمه وغلمانه ، وبلغ سليمان توجّهها إليه ، فعند ذلك قال : (أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها) [النمل : ٣٨]. قال الشعبي : فسألت ابن عباس رضي الله عنه عن الذي عنده علم الكتاب ، قال : كان ذلك آصف ، وكان يعرف اسم الله الأعظم ، فقال سليمان : (٢٤٩ و) (نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) [النمل : ٤١] ، فجعلوا مكان الذهب فضة ، ومكان الفضة ذهبا ، وكذلك بدّلوا الجواهر ، ونزلت بلقيس على علوة من معسكر سليمان عليه‌السلام ، ورأت ما أعطي سليمان من عظم الملك ، فتقاصر إليها ملكها ، وأقامت ثلاثة أيّام لا تبرح مكانها ، فقال لها قومها : ألا تأتين هذا الملك فتنظري ما عنده؟ قالت : أنا صائرة إليه اليوم لأعرف كنه أمره ، قالوا : وبم تعرفين ذلك؟ قالت : إنّ الملوك لا يجلس إليهم إلا بإذنهم ، فإن أمرني بالجلوس إليه فإنّه ملك ، وأمره هيّن ، وإن لم يأمرني بالجلوس إليه ، ولم ينهني عن القيام فهو نبيّ ، ولا طاقة لي به ، وسأمتحنه بثلاث مسائل ، فإن أصابهنّ لم أشك في نبوّته ، وإن لم يصبهنّ علمت أنّه ملك صاحب دولة ، وإنّ سليمان عليه‌السلام أمر الجنّ فبنوا عن يمين مجلسه وشماله رواقا بلبن الذهب ، مفروشا به ، وتركوا من فرشه موضع لبنة ، ثم أقبلت ومعها خادم لها على عنقه لبنة من ذهب لتجلس بلقيس عليها ، فلمّا دخلت الرّواق فأبصرت ما أبصرت ، ونظرت إلى موضع اللّبنة التي ليست بمكانها ، كرهت أن

__________________

(١) ع : إلى الرسول ، وأ : للسل.

(٢) (قال : أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ ...... فلما ردّ عليها الهدية) ساقطة من ع.

(٣) الأصول المخطوطة : لقومه.

٤٠٦

يظنّ القوم أنّ اللبنة المنزوعة التي هي معها ، وأمرت الخادم بوضع اللّبنة التي كانت معها في ذلك الموضع ، فاستوى فرش الرحبة بتلك اللّبنة ، ثمّ وقفت أمام (١) سليمان ، فحيّته بتحية الملوك ، وقامت ساعة لا يأمرها بالجلوس ، ولا ينهاها عن القيام ، ثم رفع طرفه إليها ، وقال : يا هذه ، إنّ الأرض بساط الله ، وإنّ العباد عباد الله ، فمن شاء فليقم ، ومن شاء فليقعد ، فقعدت أمامه على كرسيّ من ذهب ، والإنس على يمين سليمان والجنّ على شماله ، ما يلفظ أحد منهم بكلمة ، ونظرت إلى عرشها ، فأنكرته ، فقيل لها : (أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) [النمل : ٤٢] ، فقال لها سليمان : أمة الله ، أدعوك إلى توحيد الله وتعظيمه ، وخلع ما تعبدين من دونه ليكون لك ما لنا وعليك ما علينا ، فإن أبيت فأذني بحرب من الله ورسوله ، ولن تعجزيهما ، فقالت : قد فهمت مقالتك أيّها الملك ، ولست أعرف كنه (٢) أمرك أنك نبيّ أم ملك؟ وإنّي سائلتك عن ثلاثة (٣) أمور ، فإن أخبرتني بها علمت أنك نبيّ ، ودخلت في دينك ، وإن لم تعرفها علمت أنك ملك ثم أنظر في محاربتك ومسالمتك ، قال : سلي ما بدا لك لأخبرك بما يوحي إليّ فيه ربّي ، قالت : أخبرني عن شبه الولد بأبيه وآخر بأمّه ، وائتني بماء ليس من أرض ولا سماء (٤) ، وصف لي صفة ربّك لأعرفه؟ فقال : أما صفة الولد وشبهه فإنّ نطفة المرأة إذا سبقت نطفة الرجل أشبه الولد أمّه ، (٢٤٩ ظ) وإذا سبقت نطفة الرجل نطفة المرأة أشبه الولد أباه ، وأمّا الذي سألت أن ليس من أرض ولا سماء ، فإنّي آتيك به الساعة ، فأمر رضّة (٥) الخيل ، فأجروا الخيل حتى عرقت ، فملؤوا من ذلك العرق قلّة ، فأتوها بها ، فأمّا الثالثة ، قالت : فأخبرني عن المسألة ، قال : حتى يوحى إليّ فيها ، فأوحى الله تعالى إليه أنّي قد أنسيتها المسألة الثالثة ، فقل لها : ما كانت مسألتك الثالثة؟ قالت : ما سألتك غير هاتين المسألتين ، وقد أجبت عنهما ، وأنا ناظرة يومي هذا في أمري ، وعادية (٦) عليك غدا بما أرى (٧) ، ثم قامت فيمن كان معها من عظماء قومها ، فانصرفت إلى معسكرها ، فجمعت إليها من كان معها فقالت : إنّ هذا الرجل نبيّ مكرّم ، فما الذي ترون؟ قالوا : أنت أفضلنا رأيا ، فافعلي (٨) ما بدا لك وفيه صلاحك وصلاح قومك ، قالت : قد رأيت أن أسأله وأدخل في طاعته ؛ لئلا يستبيح بلدتي ، ولا يسبي الذراري ، ولا يقتل

__________________

(١) ع : أيام.

(٢) أ : لأنه.

(٣) ع : ثلاث ، وكلمة أمور ساقطة من ع.

(٤) ساقطة من أ.

(٥) رضة الأكلة أو الشربة التي ترضّ العرض ، أي : تسيله إذا أكلتها أو شربتها. لسان العرب ٧ / ١٥٤.

(٦) أ : وعبادته.

(٧) ع : لديّ.

(٨) ساقطة من أ.

٤٠٧

المقاتلين ، قالوا : الرأي ما رأيت ، قالوا (١) : ثم إنّ الجنّ الذي كانوا مع سليمان كرهوا أن يتزوجها سليمان ؛ لأنّها كانت منتسبة من جهة أمها إلى الجنّ ، واحتالوا وقالوا لسليمان : يا نبيّ الله ، إنّ هذه المرأة من جنيّة ، وإنّ الجنيّة لم تلد إنسيّة [إلا](٢) وكان قدم الولد كحافر الحمار ، فأمر سليمان الجنّ فاتخذوا أمام مجلسه صرحا من قوارير تحته الماء ، وفي الماء (٣) سمك ، ففعلوا ذلك ، واعتذروا إلى سليمان ممّا قالوا في بلقيس ، وأقرّوا أنّهم كذبوا عليها ، فأعجب سليمان ذلك الصرح ، وقال لهم : أحسنتم قد عفوتكم عمّا قلتم ، فلا تعودوا إلى مثله ، قال : وأقبلت بلقيس حتى قربت من الصرح ، وسليمان قاعد من ذلك الجانب من الصرح ، فنظرت إليه وقالت لقومها : هذا الرجل إنّما دعانا ليغرقنا في هذه اللّجة ، فقال لها قومها : مرينا بأمرك فإنّا لا نبالي أفي الماء غرقنا أم بالسيوف قتلنا؟ ثم سلّ القوم سيوفهم ، فقال آصف لبعض العفاريت : صح بهم صيحة ، فصاح بهم ذلك العفريت ، فخرّوا على وجوههم ، ثمّ وثبوا وهم فزعون ، قال : وتقدمت بلقيس إلى الصرح لتعبر ، وهي تظنّ أنّه ماء جار ، قال الله تعالى : (فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً و (٤) كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها) [النمل : ٤٤] لتخوضه ، ونظر إلى قدميها ، فإذا هما أحسن قدم تكون على امرأة ، فأمر مناديا فناداها : أن غطّ (٤) ساقيك ، فإنّه صرح ممرد من قوارير ، فاستحيت (٥) بلقيس ، وأرسلت ثوبها على ساقيها ، ثم قالت : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [النمل : ٤٤] ، وأقبلت حتى جلست على كرسي أمام سرير سليمان ، وقالت : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وحملت الريح صوتها إلى قومها ، قالوا بأجمعهم : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، قال : ونظر سليمان إليها وتأمّلها لحسنها وجمالها فقال لها : ويحك يا بلقيس ، (٢٥٠ و) أفنيت شبابك في عبادة الشمس من دون الله ، قالت : يا نبيّ الله ، دع ما مضى ، فالآن قد دخلت في دينك ، وقلت بمقالتك ، وشهدت بشهادتك غير أنّي أرى خاتمك (٦) منوقشا بلا حفر ولا كتابة ، فما الذي على خاتمك؟ قال سليمان عليه‌السلام : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، قالت بلقيس : من محمد؟ قال سليمان : محمد رسول الله يكون في آخر الزمان ، قالت بلقيس : فلم صار اسمه على خاتمك دون اسمك؟ فقال : لأنّه أكرم على الله منّي ،

__________________

(١) ك : قال.

(٢) زيادة يقتضيها لا سياق.

(٣) (وفي الماء) ، ساقطة من ع.

(٤) الأصول المخطوطة : غطي.

(٥) ع : فاستحسنت.

(٦) (أرى خاتمك) ، ساقطة من ك.

٤٠٨

ولن ينفعك الإيمان ، ولن يقبل الله منك صرفا ولا عدلا حتى تؤمني بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فآمنت بلقيس ومن معها بنبيّنا محمد عليه‌السلام من قبل أن يولد بدهر طويل ، قال : وهمّ سليمان بتزوجها ، وكره ما رأى من تلك الشعر ، وعرفت ذلك منه ، فقالت : يا نبيّ الله ، إنّ الرمانة لا تدري ما طعمها حتى تكسر ، فقال سليمان : ما لا يحلو في العين لا يحلو في القلب ، فقال بعضهم من نصحاء سليمان من الجنّ : يا نبيّ الله ، هل كرهت منها إلا هذا الشعر ، أنا أحتال لها حتى تكون كالفضّة البيضاء ، قال : دونك ، فعمل لها عند ذلك النورة ، فتنوّرت ، فخرجت بيضاء نقيّة ، وكان ذلك أوّل ما اتّخذت النورة ، فأمّا الحمامات فقد كانت قبل ذلك بزمان ودهر طويل في ملك جم بن نونجهان (١) ، وكان قد سخّر له الجنّ والشياطين ، ولم يسخّر له الريح والطير ، قال : فتزوج بها سليمان ووقعت من قلبه موضع محبّته ، فأقرّها على ملكها ، وأمر الجنّ فابتنوا له بأرض اليمن ثلاثة (٢) حصون لم ير الناس مثلها ارتفاعا وحسنا ومجالس وقبابا ، ما نظر من الخلق في سالف الدهر إلى مثلها ، قال : وجعلوا لهذه البنيان وهذه (٣) القباب أبوابا من ألوان الجواهر ، واتخذوا بين تلك (٤) الأبينة نخيلا وأشجارا وكروما من الذهب والفضّة ، ثمرها الزبرجد والياقوت ، قال : ونظرت بلقيس إلى ذلك البنيان ، فبقيت متحيّرة لا تقدر على الكلام ساعة ، ثم قالت : إنّ هذه القدرة لقدرة جبار عظيم لا تدركه (٥) العيون ، ولا تصفه الألسن ، ولكنّه له الملك والقدرة والسلطان ، لا تدركه الأبصار ، ولا تحيط به الأفكار والأقطار ، ثم أقبلت على سليمان ، فقالت : يا نبيّ الله ، أشهد لقد فضّلك (٦) ربّ السماء والأرض على جميع خلقه فضيلة لا يطفأ نورها ، ولا يبيد ذكرها آخر الأبد ، ولن أصلح إلا لمثلك ، وكان أسامي ما كانت تتولاه بأرض اليمن : سليجين وبينون و (٧) غمدان ، فكان سليمان عليه‌السلام يزورها في كلّ شهر مرّة ، فيقيم عندها ثلاثا ، ثم يتنكّر فيمشي بالشام. قال الشعبي : وحكي لنا أنّ بلقيس رضي الله عنها لم تجلس على سرير الملك بعد إيمانها بالله ، ولا لبست حريرا ولا ديباجا ، ولا تحلّت بالذهب ، وكانت تقول : حسبي من الحسن والجمال والنور (٢٥٠ ظ) والبهاء توحيدي وإسلامي وإيماني بربي وسجودي له ، وحسبي من الفخر تزويجي لسليمان نبيّ الله ورسوله ، لا جلست إلا مثل

__________________

(١) هو أول من بنى همدان ، ينظر : الفهرست ١ / ٣٣٢ ، ومعجم البلدان ٣ / ١٧٠.

(٢) ك وع وأ : ثلاث.

(٣) (البنيان وهذه) ساقطة من ع.

(٤) الأصول المخطوطة : ذلك.

(٥) أ : تدكه.

(٦) ع : فضلك الله.

(٧) أ : به.

٤٠٩

جلوس سليمان ، ولا أكلت إلا مثل أكله ، ولا لبست إلا مثل لباسه ، ولا نظرت [إلى](١) السماء حياء من ربّي إذ عبدت الشمس من دونه ، قال : وكانت كذلك حتى قرأت التوراة والإنجيل (٢) ، وكانت مع ذلك لا تفتر من القنوت والسجود في الليل والنهار.

٢١ ـ وفي قوله : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً) دليل على كون (٣) ذلك الهدهد عاقلا مخاطبا مكلّفا. (٤)

وفي قوله : (لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) دليل وجوب قبول العذر على الإمام والرئيس. (٥)

وعن فروة بن مسيك المرادي (٦) قال : أتيت (٧) النبي عليه‌السلام ، فقلت : يا رسول الله ، ألا أقاتل من أدبر من أهل اليمن بمن (٨) أقبل منهم ، فأذن لي في قتالهم ، فأمّرني عليهم ، فلمّا خرجت من عنده سأل عنّي ما سأل الغطيفي؟ فأخبر أنّي قد سرت ، فأرسل في إثري ، فردّني ، فأتيته وهو في نفر من أصحابه فقال : «ادع القوم ، فمن أسلم فاقبل ، ومن لم يسلم فلا تعجل حتى أحدث لك» ، قال : وأنزل في سبأ ما نزل ، فقال رجل : يا رسول الله ، وما سبأ أرض أم امرأة؟ قال : «ليس بأرض ولا امرأة ، ولكنّه رجل ولد عشرة من العرب ، فتيامن منهم ستة ، وتشاءم منهم أربعة ، فأمّا الذين تشاءموا : فلخم وجذام وغسان وعاملة ، وأما الذين تيامنوا : فالأزد والأشعريون (٩) وحمير وكندة ومذحج وأنمار» ، فقال رجل : يا رسول الله ، وما أنمار؟ قال : «الذين منهم خثعم وبجيلة». قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب (١٠). وروي عن النبيّ نحوه. وقوله : «منهم خثعم وبجيلة» يحتمل : النسبة (١١) الحقيقية ، ويحتمل : الموالاة ، كما في قوله : «سلمان منّا أهل البيت (١٢)» ، و (١٣) يحتمل : أن يكون وحيا ،

__________________

(١) ساقطة من الأصل وع وأ.

(٢) أيّ إنجيل؟ والإنجيل نزل على عيسى عليه‌السلام.

(٣) ساقطة من أ.

(٤) ينظر : أحكام القرآن لابن العربي ٣ / ١٥ ، والإكليل في استنباط التنزيل ٣ / ١٠٦٩.

(٥) ينظر : أحكام القرآن لابن العربي ٣ / ١٦.

(٦) أبو سبرة فروة بن مسيك المرادي ثم الغطيفي ، صحابي من اليمن ، سكن الكوفة. ينظر : معجم الصحابة ٢ / ٣٣٦ ، والاستيعاب ٣ / ١٢٦١ ، ومشاهير علماء الأمصار ٤٦.

(٧) الأصول المخطوطة : قال ، والتصحيح من مصادر التخريج.

(٨) ك : فمن.

(٩) الأصول المخطوطة : الأشعرون. والتصحيح من مصادر التخريج.

(١٠) ك وأ : حسن بن غريب. أخرجه الترمذي في السنن (٣٢٢٢) ، والطبراني في الكبير (٨٣٦) ، وابن سعد في الطبقات الكبرى ١ / ٤٥ ، وأخبار المدينة ١ / ٢٩٥.

(١١) ع : التشبه.

(١٢) ساقطة من ع. والحديث تقدم.

(١٣) ع : ثم.

٤١٠

ويحتمل : أن يكون (١) مسموعا على سبيل الاستفاضة.

٢٢ ـ وقوله : (أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) : لأنّ سليمان عليه‌السلام كان مصروفا عنه فيما (٢) ، والصّرفة حقّ كاحتباس بني إسرائيل في التيه ، وكونهم مصروفين عمّا حواليه أربعين سنة.

٢٥ ـ (الْخَبْءَ) : المخبوء ، وهو المستور. وفائدته أن عبدة الشمس إنما يعبدونها لتبيينها المحسوسات ، وإظهارها المستورات ، والله تعالى هو المبيّن لكل محسوس ومعقول ، فعبادته أولى.

وعن معدان بن طلحة (٣) قال : لقيت ثوبان (٤) مولى رسول الله فقلت له : دلني على عمل ينفعني الله به ، أو يدخلني الجنة ، فسكت عني ثلاثا ، ثم التفت إليّ فقال (٥) : عليك بالسجود ، فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة ، وحطّ عنه بها خطيئة» قال : معدان : فلقيت أبا الدرداء فسألته عما سألته ثوبان ، فقال : عليك بالسجود ، فإني سمعت رسول الله عليه‌السلام يقول : «ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة ، وحط عنه بها خطيئة». (٦)

٢٧ ـ (سَنَنْظُرُ) : سنمتحن ونختبر.

٢٨ ـ (ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ) أي : اعتزلهم وتنحّ عنهم. وقيل : ما فيه تقديم (٧) وتأخير.

(فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ... فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) : (٢٥١ و) عن ابن العباس ، عن النبيّ عليه‌السلام قال : «كرامة الكتاب ختمه». (٨)

٣٢ ـ وفي قوله : (أَفْتُونِي فِي أَمْرِي) دليل على حسن المشاورة.

وقولها : (ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً) أي : ممضية حكما.

__________________

(١) (وحيا ، ويحتمل : أن يكون) ، ساقط من أ.

(٢) هكذا في الأصول المخطوطة ، ولعلها تدل على محذوف تقديره : فيما ذكر أو فيما شغل.

(٣) معدان بن طلحة ، ويقال : بن طلحة ، اليعمري الكناني الشامي. ينظر : تاريخ ابن معين ٤ / ١١١ ، والثقات ٥ / ٤٥٧ ، وتاريخ دمشق ٥٩ / ٣٣٧.

(٤) أبو عبد الله ثوبان بن بجدد ، ويقال : ابن جحدر ، القرشي الهاشمي ، مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أهل السراة ، توفي في حمص سنة (٥٤ ه‍). ينظر : معجم الصحابة ١ / ١١٩ ، ولاستيعاب ١ / ٢١٨ ، وتهذيب الكمال ٤ / ٤١٣.

(٥) أ : فيقال.

(٦) أخرجه الترمذي في السنن (٣٨٩) ، والنسائي في السنن الصغرى (١١٣٩) ، وابن حبان في صحيحه (١٧٣٥) ، والبيهقي في السنن الكبرى ١ / ٤٧١ ـ ٤٧٢ ،

(٧) الأصول المخطوطة : التقدير. وينظر : البحر المحيط ٨ / ٢٣٣ ، واللباب في علوم الكتاب ١٥ / ١٥١ ، وروح المعاني ١٠ / ١٨٩.

(٨) أخرجه الطبراني في الأوسط (٣٨٧٢) ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٨ / ٩٩ ، والمقدسي في أطراف الغرائب والأفراد ٣ / ٢٦٩ ، والزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار ٣ / ١٦.

٤١١

٣٣ ـ وفي قولهم : (نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ) دليل على حسن إظهار الجند بأسهم.

وفي قولهم : (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ) دليل على حسن طاعة الرعيّة للإمام.

٣٤ ـ وفي قولها : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً) دليل (١) على وجود (٢) حسن النظر في عواقب الأمور ، وتركهم قضية السّورة (٣) والفورة.

(وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) : يجوز أن يكون الكلام من بلقيس على سبيل التأكيد. ويجوز أن يكون كلاما مبتدأ من جهة الله على سبيل التصديق.

وعن بعض الملوك : أنّها احتجّ بها على بعض النّسّاك فقال : اقرأ الآية التاسعة عشرة (٤) من هذه : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا) [النمل : ٥٢].

٣٥ ـ ففي قوله : (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ) : أدلّة على صحة امتحان رجال الآخرة ورجال الدنيا بالدنيا.

٣٧ ـ (لا قِبَلَ لَهُمْ بِها) : لا طاقة بها ، ولا يقاتلونها بشدّة وبأس.

٣٩ ـ (عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ) : نافر (٥) قويّ مع خبث ودهاء ، يقال : رجل عفر وعفريت.

٤١ ـ (نَكِّرُوا) : غيّروا ، وإنّما يوجب نكره. وفائدة (٦) الامتحان ظهور الفطنة وذكاء القريحة ، فإنّ (٧) من كان أخرق في معيشته وعاجلته ، فأخلق به أن يكون أخرق في ديانته وآجلته ، وليس يميّز السفيه بين البرهان والتمويه ، وعلى هذا تأوّل الجاحظ (٨) قوله : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) [الإسراء : ٧٢] في كتاب المعاش والمعاد (٩) غير أنّه فاسد ؛ لأنّ من شغله الشعير عن الشعر ، والآخرة عن الأولى ، وأصبح متألّها لم يعرف

__________________

(١) ساقطة من ك.

(٢) أظن أنها : وجوب.

(٣) أي : ثورة من حدّة. غريب الحديث ١ / ٥٠٨ ، والنهاية في غريب الأثر والحديث ٢ / ٤٢٠.

(٤) الأصول المخطوطة : عشر.

(٥) (نافذ) في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ٣٢٤ ، وإيجاز البيان عن معاني القرآن ٢ / ٦٣٤. و (ناقد) في التبيان في تفسير غريب القرآن ٣٢٤.

(٦) الأصول المخطوطة : وفائدته.

(٧) ك : وإن.

(٨) أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب البصري المعتزلي ، صاحب التصانيف ، توفي سنة ٢٥٥ ه‍. ينظر : نزهة الألباء ١٤٨ ، وسير أعلام النبلاء ١١ / ٥٢٦.

(٩) ينظر : من رسالة في المعاد والمعاش ٤ / ٦٩.

٤١٢

قيم السلع في السوق ، وله في التوحيد والفقه رتبة لا يدري مداها ، ولا يبلغ أعلاها (١).

٤٣ ـ (وَصَدَّها) : يعني : من شؤم إشراكها صدّها عن صواب القول. وقيل : صدّ سليمان. (٢) وهذا خلاف الظّاهر.

٤٤ ـ (الصَّرْحَ) : البناء العالي كالقصر.

(مُمَرَّدٌ) : مملّس. وقيل : مطوّل. (٣)

(مِنْ قَوارِيرَ) : جمع قارورة ، وهو الزجاج. ولو شاء سليمان عليه‌السلام لاطّلع على ساقيها من غير هذه الكلفة لكن أمر بالاحتيال إكراما لها واحتراما إيّاها ، وتنبيها لها على ما آتاه الله من البسطة والتمكين.

وفي الآية دليل على جواز النظر إلى الأجنبية على نيّة النكاح. (٤)

٤٥ ـ (فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ) : المؤمنون والكافرون.

(يَخْتَصِمُونَ) : يختلفون في أمر صالح عليه‌السلام.

٤٦ ـ (لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ) : بنزول العذاب قبل أن تتمّ العاقبة المقدرة في الكتاب.

٤٧ ـ (قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ (٥) مَعَكَ) : كانوا يتطيرون بصالح والمؤمنين ، ويسندون الأمراض والآفات إليهم لكراهتهم مكانهم ، فأخبر صالح عليه‌السلام : أنّ الشؤم من عند الله تعالى كما أنّ البركة من عنده ، لا خير إلا خيره ، ولا طيرة إلا طيره ، ولا إله غيره ، بل (٦) ردّ عليهم ، (٢٥١ ظ) أي : لستم تصابون بالشرّ من جهتنا.

[(تُفْتَنُونَ)](٧) : تختبرون بالشرّ لشقوتكم.

٤٨ ـ (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ) : قدار وأصحابه من بني عمير.

٤٩ ـ (أَهْلَهُ) : آله وهم المؤمنون.

(ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ) : عصبة الكافر المتعصّب له ، مثل أبي طالب.

__________________

(١) الأصول المخطوطة : إعلالها.

(٢) ينظر : تفسير الماوردي ٤ / ٢١٦ ، وتفسير البغوي ٦ / ١٦٧ ، وزاد المسير ٦ / ٧٧ ، وتفسير النسفي ٢ / ٦٠٩.

(٣) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ٣٢٥ ، وتفسير ابن أبي حاتم (١٦٤٤٤).

(٤) ينظر : الإكليل في استنباط التنزيل ٣ / ١٠٧٢.

(٥) ع : الطيرنا بك ومن معك ، وفي أ : ولمن.

(٦) أ : بك.

(٧) غير موجودة في الأصول المخطوطة ، وأدرجت لتطلب السياق ذلك.

٤١٣

(مَهْلِكَ أَهْلِهِ) : مهلكه ومهلك أهله.

٥٠ ـ (وَمَكَرُوا مَكْراً) : وقتلوا الناقة.

(وَمَكَرْنا) : دمّرناهم. وقيل : مكرهم تقاسم هؤلاء التسعة رهط ، ومكر الله إرسال الجبل عليهم ، وهم في غار من الجبل. (١) قيل : هؤلاء التسعة غير قدار وأصحابه.

٥٢ ـ (خاوِيَةً)(٢) : خالية.

٥٤ ـ (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) : كونها مخالفة الناس (٣) لفطرة الله تعالى. وقيل : إنّ بعضهم كان يأتي بعضا في الأندية. (٤)

٥٥ ـ (بَلْ) : للإضراب.

٥٩ ـ (أم): مترتبة على الاستفهام ، وفي (ما)بعدها بمعنى بل.

٦٠ ـ (حَدائِقَ) : جمع حديقة ، وهي البستان الذي أحدق به البناء ، والبناء الذي أحدقت به الأشجار.

(ذاتَ بَهْجَةٍ) : حسن ونضارة.

٦١ ـ (الْأَرْضَ قَراراً) : موضع (٥) قرار ، كقوله : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) [البقرة : ٣٦]. وقيل : وجعل الأرض مستقرّة ، كقوله : (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) [النحل : ١٥]. (٦)

٦٦ ـ (بَلِ ادَّارَكَ) : أم ادراك على سبيل الاستفهام ، ثمّ الشكّ حقيقة حالهم ، ثمّ العمى لنفي توهم الشك علما ، فإن الشكّ جهل وليس بعلم. وقيل : هو كقوله : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) [الدخان : ٤٩] ، ثمّ الشكّ (٧) والعمى. وقيل : أدرك علمهم في الآخرة إيمان أكثرهم بها على سبيل الإجمال ، والشكّ شك بعضهم والعمى عمى ، وبل للإضراب دون الاستدراك. وقيل : الكلام على ظاهره ، والتناقض في أحوالهم المخبر عنها دون الخبر ؛ لأنّهم أيقنوا بانتهاء أيّام الدنيا في أوّل فكرهم ونظرهم على سبيل البديهة التي هي من قضية الفطرة ، ثمّ شكوا فيها

__________________

(١) ينظر : تفسير السمعاني ٤ / ١٠٦ عن الضحاك ، وزاد المسير ٦ / ٨٠ عن مقاتل.

(٢) ك وع وأ : خلوبه.

(٣) الأصول المخطوطة : الله. وهو تحريف.

(٤) ينظر : إيجاز البيان ٢ / ٦٣٥.

(٥) ع : من منع.

(٦) ينظر : الغريبين ٥ / ١٥٢٣.

(٧) (علما ، فإن الشك جهل وليس بعلم. وقيل : هو كقوله : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) ، ثم الشك) ، ساقطة من ع.

٤١٤

لتمكينهم الشبهات من قلوبهم ، ثمّ عموا عنها باتباع الشهوات بقوله : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ (١) أَوَّلَ مَرَّةٍ) [الأنعام : ١١٠] ، وبل للإضراب. وقيل : أدرك علمهم في الآخرة حصل لهم بتواتر الأخبار والآيات النبويّة ، يدلّ عليه قولهم : (لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ) [النمل : ٦٨] ، وشكّهم يشككهم على سبيل المكابرة ، وعماهم اعتقادهم خلاف العلم الضروريّ باعتقاد السوفسطائية (٢) في العالم ، واعتقاد الروافض في القرآن.

٧٢ ـ (رَدِفَ لَكُمْ) : أي : ردفكم ، (٣) واللام مقحمة كما في قوله : (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) [الأعراف : ٤٥](٤).

٧٤ ـ (تُكِنُّ) : تخفي.

٧٦ ـ (يَخْتَلِفُونَ) : أي : بنو إسرائيل أنّه من سليمان أنه كان نبيا مرضيّا أم ملكا مقارفا للمعصية ، وقد زكّاه الله وأثنى عليه.

(إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) : ولكنّ الله أسمعهم كلامه على سبيل التقريع وهم في قليب بدر. (٥)

٨٠ ـ (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ) : وجب العذاب الموعود عليهم ، والضمير عائد إلى غاية المحجوجين المخالفين بكفر أم ببغي.

(دَابَّةً) : جنس من الحيوان لم يعرف بعد.

(تُكَلِّمُهُمْ) : بلسان معهود معروف فيما بين الناس.

عن أنس بن مالك قال في دابّة الأرض : إنّ فيها من كلّ أمّة ، سيماها من هذه الأمّة ، إنّها تتكلّم بلسان عربيّ (٢٥٢ و) مبين (٦) قابل. (٧) والظاهر من هذه الدابّة أنّها آية ملجئة غير ملتبسة لاعتبار وقوع. عن أبي هريرة : أنّ النبيّ عليه‌السلام قال : «تخرج الدابّة معها خاتم سليمان

__________________

(١) غير موجودة في الأصل وك وأ ، وهي في ع.

(٢) أ : السورة ، والعالم فيها : المعالم.

(٣) ينظر : الجمل في النحو ٢٧٩.

(٤) كأنه يريد أن اللام زائدة هنا كما أنه زائدة في تبغونها لو جاءت معها ، إذ الأصل فيها أن تأتي : تبغون لها. ينظر : تفسير القرطبي ٤ / ١٥٤ ، والأصل (٧٠ ظ).

(٥) وذلك حينما خاطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قتلى المشركين في بدر ، وقال : «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم». ينظر : السيرة النبوية لابن هشام ٢ / ٤٦٧ ، وتفسير القرطبي ٧ / ٢٤٢ ، والسيرة النبوية لابن كثير ٢ / ٤٥٠.

(٦) ساقطة من ك.

(٧) ينظر : السنن الواردة في الفتن ٦ / ١٢٥٦ ، وأخبار مكة ٤ / ٣٩.

٤١٥

وعصا موسى عليهما‌السلام ، فتجلو وجه المؤمن ، وتختم أنف الكافر بالخاتم حتى إنّ أهل الخوان (١) يجتمعون ، فتقول (٢) : هذا ها يا مؤمن ، وتقول : هذا ها يا كافر». (٣) قال أبو عيسى : هذا حسن صحيح (٤). قال إبراهيم : تخرج دابّة الأرض من مكة. (٥) وقال ابن عباس : الدابّة التي يخرج الله تعالى للناس تكلّمهم أنّ الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ، هو الثعبان الذي كان في البيت ، فأرسل الله عقابا فاختطفه. (٦) وقال مجاهد : اختطف العقاب الثعبان ، فألقاه بحراء (٧) بمخسف العماليق بقية عاد. وقال مجاهد : عن ابن عباس : ألقاه العقاب بأجياد ، فمن أجياد تخرج الدابّة (٨). وعن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو قال : تخرج الدابّة من تحت الصفا ، فتستقبل المشرق ، فتصرخ صرخة يبلغ صوتها منقطع الأرض من المشرق ، ثمّ تستقبل المغرب ، فتصرخ صرخة يبلغ صوتها منقطع الأرض من المغرب ، ثمّ تستقبل اليمن فتصرخ صرخة كذلك ، ثمّ تستقبل الشام وكذلك ، ثم تغدو فتقيل بعسفان. (٩) عكرمة ، عن ابن عباس : إنّما جعل المسبق من أجل الدابّة ، فإنّها تخرج قبل التروية بيوم ، أو يوم التروية ، أو يوم عرفة ، أو يوم النحر ، أو الغد من يوم النحر. (١٠) وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خمس يبدرن السّاعة لا أدري أيّتهنّ قبل ، وأيّتهنّ جاءت لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا : الدابّة ، ويأجوج ومأجوج ، والدجّال ، وطلوع الشمس من مغربها ، وعيسى بن مريم». (١١)

٨٣ ـ (وَيَوْمَ نَحْشُرُ) : واذكر يوم نحشر يوم جماعة.

٨٧ ـ (داخِرِينَ) : صاغرين.

٨٨ ـ (جامِدَةً) : ضدّ سائلة ، والجماد ضدّ الحيوان ، تكون هذه يوم القيامة ، كقوله : (وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ) [التكوير : ٣] ، (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) [القارعة : ٥] ، وذلك الحسبان لقصور الرؤية عن الاحتواء بأطرافها.

__________________

(١) في أ : الخوار. والخوان : المائدة أو الذي يؤكل عليه. العين ٨ / ٨٩ ، والنهاية في غريب الحديث والأثر ٢ / ٩٠.

(٢) في ع : فيقولون.

(٣) أخرجه أحمد في المسند ٢ / ٢٩٥ و ٤٩١ ، والترمذي في السنن (٣١٨٧) ، والحاكم في المستدرك ٤ / ٤٨٥ ـ ٤٨٦.

(٤) في السنن : قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب. سنن الترمذي ٥ / ٣١٨.

(٥) ينظر : تفسير الصنعاني ٣ / ٨٥ ، والسنن الواردة في الفتن ٦ / ١٢٥٨.

(٦) ينظر : أخبار مكة ١ / ١٥٧ ـ ١٥٨ و ٤ / ٣٨.

(٧) في النسخ المخطوطة : بحراء ، وفي أخبار مكة ١ / ١٥٨ : نحو.

(٨) (ألقاه العقاب بأجياد ، فمن أجياد فمن أجياد تخرج الدابة. وعن مجاهد ، عن) ساقطة من ع.

(٩) ينظر : تفسير ابن أبي حاتم (١٦٦٠٠) ، وأخبار مكة ١ / ١٥٨.

(١٠) ينظر : أخبار مكة ١ / ١٥٨.

(١١) أخرجه إسحاق بن راهويه ١ / ٤٤٤ ، أبو عبد الله المروزي في الفتن ٢ / ٦٥٣.

٤١٦

٩٣ ـ و (سَيُرِيكُمْ آياتِهِ) أي : الملجئة.

وعن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ طس سليمان أعطاه الله عشر حسنات ، ومحى عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر (١) درجات بعدد كلّ من كذّب موسى وصدّقه ، وداود وسليمان وصالحا ولوطا ، وخرج يوم القيامة وهو ينادي بشهادة أن لا إله إلا الله». (٢)

__________________

(١) في أ : عشرون.

(٢) ينظر : الكشاف ٣ / ٣٩٥ ، ومجمع البيان ٧ / ٢٧٨.

٤١٧

سورة القصص

مكية. وروى المعدل عن ابن عباس : أنّ آية واحدة نزلت بالجحفة ، ورسول الله مهاجر إلى المدينة ، قوله : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) [القصص : ٨٥]. (١)

وهي ثمان وثمانون آية. (٢) (٢٥٢ ظ)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

٨ ـ (هامانَ) : رجل من آل فرعون ، كان (٣) عزيز مصر في زمانه ، مثل فوطيفر ، ولم يبلغنا في نسبته ما نعتمد عليه.

(فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) : جواريه.

واللام لام العاقبة. (٤)

(وَحَزَناً) أي : سبب حزن امرأة فرعون آسية (٥) ، ولم يبلغنا أنّها كانت من العمالقة أم من القبطة ، أوزعها الله محبة موسى عليه‌السلام ، وأكرمها بالإيمان ، ورزقها الشهادة ، وهي التي قالت : (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ) [التحريم : ١١] ، وكانت لها ماشطة إسرائيلية ، فهي التي كانت توحي إليها علم التوحيد والإسلام فيما يروى ، وهي امرأة حزبيل (٦) النجّار مؤمن آل فرعون. قيل : وصلت آسية كهنة فرعون صلات عظيمة ليلبسوا أمر موسى على فرعون.

١٠ ـ (فارِغاً) : ضدّ شاغل ، وإنّما فرغ قلبها بعد التقاطهم ، وإنّما كادت تبدي به حين ألقته في اليمّ ، أو حين دعت لتكفله وترضعه ، واسم أمّ موسى يوخابذ بنت لاوي ، واسم أخته مريم.

١٥ ـ عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) قال : وهم قائلون. (٧) قيل : المدينة عين الشمس. (٨) وقال مقاتل : هي قرية تدعا حابين على

__________________

(١) ينظر : تفسير الماوردي ٤ / ٢٣٣ ، وزاد المسير ٦ / ٩١ ، وجمال القرّاء ١ / ١٣٣ ، وفتح القدير ٤ / ٢٠٨.

(٢) التلخيص ٣٥٨ ، وفنون الأفنان ١٤٧ ، وجمال القراء ٢ / ٥٣٥.

(٣) ساقطة من أ.

(٤) في قوله تعالى : (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً). وينظر : كشف المشكلات وإيضاح المعضلات ٢ / ١٩٦ ، والجنى الداني ١٦٠.

(٥) الأصول المخطوطة : ايسية ، وكذلك التي تليها ، والتصحيح من كتب التخريج.

(٦) ينظر : إيجاز البيان ٢ / ٦٤١ ، وقيل : حزقيل كما في الكامل في التاريخ ١ / ١٣٤ و ١٤١ ، وفضائل الصحابة ٢ / ٦٥٦.

(٧) ينظر : تفسير الطبري ١٠ / ٤٣ ، وزاد المسير ٦ / ٩٦ ، وتفسير القرطبي ١٣ / ٢٥٩ ـ ٢٦٠ ، والجواهر الحسان ٢ / ٥١١.

(٨) ينظر : تفسير أبي السعود ٧ / ٦.

٤١٨

فرسخين من مصر. (١)

(فَوَكَزَهُ) : فضربه بجميع (٢) كفّه.

(فَقَضى عَلَيْهِ) : فأمضى موسى عليه‌السلام القتل بوكزه.

(قالَ هذا) : إشارة إلى قتل النفس بغير إذن الله.

(فَاغْفِرْ لِي) : أي : استر الخيانة على آل فرعون ؛ لئلا يؤاخذوني عاجلا.

١٧ ـ (أَنْعَمْتَ عَلَيَّ) : أراد إنشاؤه في حجر عدوّه. وقيل : ستر الخيانة ، وترك المؤاخذة عاجلا عليّ.

(أَكُونَ) : معطوف على مقدّر (٣) ، أي : تبت فلن أكون. قال ابن عباس : إنّ موسى عليه‌السلام لم يستثن في كلامه ، فابتلي بالبطش ثانيا. (٤)

١٨ ـ (بِالْأَمْسِ) : اليوم الماضي ، مبنيّ على كسرة آخره. قال الكسائي : بني على الأمر من أمسى يمسي ، فإذا دخلته لام التعريف أعرب. (٥)

وإنّما قال للمستصرخ : (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) لاستنصاره موسى عليه‌السلام ، وتركه التقية والرفق ، وهو يعلم ما ابتلي به موسى عليه‌السلام بالأمس من جهته.

١٩ ـ (فَلَمَّا (٦) أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما) : بوجوب إغاثة الملهوف ، والذبّ عن المؤمنين.

وإنّما قال : (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي) لخوفه بجهله وحماقته. وقيل : الصديق الجاهل شرّ من العدوّ العاقل.

٢٠ ـ (وَجاءَ رَجُلٌ) : أي : حزبيل النجار مؤمن آل فرعون من الجانب الآخر من المدينة ، من جهة باب فرعون.

(يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) : لأنّ القبطيّ حيث سمع قول الإسرائيليّ خلّاه ، ومضى على وجهه يخبر فرعون بالقصة.

__________________

(١) ينظر : تفسير البغوي ٦ / ١٩٦ ، وتفسير الخازن ٣ / ٣٥٩.

(٢) ينظر : تحفة الأريب ٣١٦ ، ووضح المشكلات ٢ / ١٤٨ ، وفي إيجاز البيان ٢ / ٦٤٠ ، والتبيان في تفسير غريب القرآن (بجمع كفه).

(٣) قوله : (أَكُونَ): معطوف على مقدر ، ساقطة من أ.

(٤) ينظر : معاني القرآن للنحاس ٥ / ١٦٧ ، وتفسير القرطبي ١٣ / ٢٦٣ ، وتفسير البيضاوي ٤ / ١٧٤ ، وتفسير أبي السعود ٧ / ٧.

(٥) ينظر : همع الهوامع ٢ / ١٨٨.

(٦) الأصول المخطوطة : فأما.

٤١٩

٢٣ ـ (امْرَأَتَيْنِ) : هما ابنتا شعيب عليه‌السلام. وقال الكلبي : هما ابنتا يثرون ابن أخي شعيب ، رجل صالح شاخ وعمي في آخر عمره (١).

(تَذُودانِ) : تحبسان (٢٥٣ و) عن الماء.

(الرِّعاءُ)(٢) : جمع راع (٣) ، وليس بالقياس.

٢٤ ـ عكرمة عن ابن عباس : وقوله : (إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) قال : ما سأل إلا الطعام. (٤)

٢٥ ـ (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ) : متستّرة بكمّها وذيلها.

٢٦ ـ وإنما قالت : (الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) لاستقائه وحده بدلو ما كان يطيقها إلا عشرة (٥) من الرجال أو أربعون (٦) ، ولغضّه البصر ، فإنّه قال للمرأة : تخلّفي عنّي فإن ضللت الطريق فناديني من ورائي. (٧)

شرط المنفعة لوليّ المرأة غير المهر ، وجعل ما يستحقّ على الوليّ مهرا للمرأة.

٢٧ ـ (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً) : دليل على جواز الزيادة بالمهر.

٢٨ ـ (ذلِكَ) : إشارة إلى كلامه جملة ، أو إلى (٨) قوله : (وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ).

(أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ) : سئل ابن عباس : أيّ الأجلين قضى موسى؟ قال : أكثرهما. (٩) وعن النبي عليه‌السلام قال : «سألت جبريل : أيّ الأجلين قضى موسى؟ قال : أتّمهما وأكملهما». (١٠)

__________________

(١) ع : عمر. وينظر : تفسير الماوردي ٤ / ٢٤٧ ، وزاد المسير ٦ / ١٠٢ ، وينظر : رسالة في قصة شعيب لابن تيمية ٦٣ ـ ٦٥ يرجّح فيها أنّ والد المرأتين ليس هو شعيب النبي عليه‌السلام ، وإنما هو غيره. وكذلك رجحه سيد قطب في الظلال ٦ / ٣٣٨ في الحاشية.

(٢) ع : الرعى.

(٣) الأصول المخطوطة : راعي. ينظر : التبيان في تفسير غريب القرآن ٣٢٧.

(٤) ينظر : تاريخ دمشق ٦١ / ٣٣.

(٥) ع : عدة.

(٦) (إلا عشرة من الرجال أو أربعون) ، ساقطة من ك وأ.

(٧) ينظر : مصنف ابن أبي شيبة ٦ / ٣٣٤ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، والروض الداني إلى المعجم الصغير للطبراني (٨١٥) عن النبي عليه‌السلام ، ومجمع الزوائد ٧ / ٦٠ في حديث طويل.

(٨) أ : أولى.

(٩) ينظر : صحيح البخاري (٢٦٨٤) ، والسنن الكبرى للبيهقي ٦ / ١١٧ ، وتفسير الماوردي ٤ / ٢٤٩.

(١٠) أخرجه الحميدي في المسند ١ / ٢٤٥ ، والفسوي في المعرفة والتاريخ ٣ / ٤٤ ، وأبو يعلى في المسند (٢٤٠٨) ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٤٤٢.

٤٢٠