عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني
المحقق: د. طلعت صلاح الفرحات / د. محمّد أديب شكور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر ناشرون وموزعون
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
الصفحات: ٨٠٢
إِلَّا وارِدُها ...) الآية ، فقال : «ألا تسمعين (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) الآية [مريم : ٧٢]». (١) وقيل : الورود : الدخول ، وهي في حقّ الناجين جامدة. (٢)
٧٣ ـ (وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) : ناديا ، وهو المجلس الذي تشهده العشيرة والجيران ، ويشبّه جدال هؤلاء المشركين بقول فرعون : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ) [الزخرف : ٥١] ، وقول أحد الرجلين في جنتّه : (ما أَظُنُ (٣) أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً) [الكهف : ٣٥] ، سبحان الله ما أجمعهم على وتيرة واحدة حتى كأنّهم تواصوا بها ، أو تواطؤوا عليها مع بعد الديار ، واختلاف الأعصار.
٧٥ ـ (فَلْيَمْدُدْ) : مجاز ، فواجب على الله أن يمدّ له في الدنيا ، وحقيقته ليظنّ له المدّ من قضاء الله وقدره ، وهذه قريبة من قوله : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ ...) الآية [الزخرف : ٣٣] ، وفي هذا المعنى قوله عليهالسلام : «مثل المؤمن كالخامة من الزرع تمليها الرياح مرّة هاهنا ، ومرّة هاهنا ، ومثل المنافق كالأرزة المجدبة لا تحرّكها العواصف حتى يكون انجعافها مرّة». (٤) فالجمع بين هذه وبين قوله : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا ...) الآية [المائدة : ٦٦] ، وقوله : (اسْتَغْفِرُوا (٥) رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (١٠) يُرْسِلِ السَّماءَ ...) الآية [نوح : ١٠ ـ ١١] ، وهو قوله عليهالسلام لقريش وأمثالهم : «أدعوكم إلى كلمة تملكون بها العرب ، ويذلّ لكم بها العجم». هو أنّ الضلالة قد تكون سببا لليسر مرّة والعسر أخرى ، وكذلك الهدى ما دامت محنة الالتباس قائمة ، وعزيمة الابتلاء باقية ، فلا تناقض بين الأحاديث والآيات.
٧٦ ـ (وَيَزِيدُ اللهُ) : قال الكلبيّ وغيره : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا) : بالمنسوخ ، (هُدىً) : بالناسخ. (٦)
٧٨ ـ (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ) : قال الفرّاء : الاطلاع : البلوع ، يقال : اطلعت هذه الأرض ، أي : بلغتها.
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند ٦ / ٣٦٢ ، ومسلم في الصحيح (٢٤٩٦) ، والطبراني في الكبير ٢٥ / (٢٦٦) ، وابن أبي عاصم في السنة (٨٦١).
(٢) ينظر : تفسير الطبري ٨ / ٣٦٤ عن خالد بن معدان.
(٣) الأصل وك وأ : وما أظن.
(٤) أخرجه أحمد في المسند ٦ / ٣٨٦ ، والبخاري في الصحيح (٥٦٤٣) ، ومسلم في الصحيح (٢٨١٠) ، والدارمي في السنن ٢ / ٣١٠ عن عبد الرحمن بن عوف.
(٥) الأصول المخطوطة : واستغفروا.
(٦) ينظر : تفسير الماوردي ٣ / ٣٨٧ عن الكلبي ومقاتل ، وزاد المسير ٥ / ١٩٢ من غير نسبة.
٧٩ ـ (كَلَّا) : إن دخلت على كلام فهو ردّ له بمنزلة بلى ، وإن جاءت صدر الكلام فهي بمنزلة لا ، وهي ردّ لموهوم ربّما ظهر بعده.
(نَمُدُّ لَهُ) : نزيده.
(مِنَ الْعَذابِ مَدًّا) : زيادة ، وتلك (١) الزيادة لغلوّه في الضلالة.
٨٠ ـ (وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ) : معنى قول الكلبيّ : أنّ الله تعالى يحقّق قول الكافر : (لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً) [مريم : ٧٧] بأن يجعل شيئا من أموال الجنّة وولدانها باسمه على شريطة الإيمان ، ثمّ نرثه في ذلك عند عدم الشريطة ، فيورّثه (٢١١ ظ) غيره ، ويتركه يوم القيامة فردا. (٢) وقيل : إنّ الله تعالى يرث الكافر في قوله (٣) الباطل بعينه بأن يكتبه ويخلّده في كتابه ، فهذا القول الباطل تركته ، والله عزوجل وارثه إلى أن يحاسبه بها بعد ما نسيها.
٨٢ ـ (عَلَيْهِمْ ضِدًّا) : مخالفا مناقضا.
٨٣ ـ (أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ) : سلّطناهم ، وقد يعبّر بالإرسال عن التسليط ، قال الله تعالى : (وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ) [المطففين : ٣٣].
(تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) : تهزّهم نحو المعاصي هزّا (٤).
٨٤ ـ (نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) : ساعات الأجل ، ولحظات المهل لرفع الحيل ، وقطع الأمل.
٨٥ ـ (يَوْمَ) : نصب ب (سَيَكْفُرُونَ) [مريم : ٨٢].
(وَفْداً) : وهم الذين يفدون على الملك طمعا في برّه وإحسانه (٥).
٨٦ ـ (وِرْداً) : وهي الإبل العطاش التي ترد مواردها (٦).
٨٧ ـ (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ) : المالكون الشفاعة.
و (المتّخذون (٧) عند الرحمن عهدا) : هم الذين يوفون بعهد الله ، ولا ينقضون الميثاق ، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ، ويخشون ربّهم ، ويخافون سوء الحساب ، يشفعون لمن صلح من آبائهم وأزواجهم وذريّاتهم ، والصلاح هو مجرّد الإيمان.
__________________
(١) الأصول المخطوطة : وذلك.
(٢) ينظر : زاد المسير ٥ / ١٩٤ عن ابن عباس.
(٣) ساقطة من أ.
(٤) ساقطة من ك.
(٥) الأصول المخطوطة : وإحسانا.
(٦) أ : موارها.
(٧) أ : المتخدرين.
٨٩ ـ (شَيْئاً إِدًّا) : داهية ، قال عليّ : رأيت رسول الله عليهالسلام في المنام ، فقلت : يا رسول الله ، ماذا لقيت بعدك من الإدد واللدد (١) والأود؟ (٢)
٩٠ ـ (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ) : بكلمة الشرك.
(هَدًّا) : قال الليث : الهدّة (٣) : الهدم الشديد. (٤) وقيل : الهدّ : الخسوف. (٥)
٩٣ ـ (إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) : أي : معترفا بالعبودية ، وذلك حين يحضر العرض.
٩٦ ـ (وُدًّا) : محبّة. عن أبي هريرة : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا أحبّ الله عبدا نادى جبريل عليهالسلام : أنّي أحببت فلانا فأحبّه ، قال : فينادي في السماء ، ثمّ ينزل له المحبة في أهل الأرض ، فذلك قوله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) ، وإذا أبغض الله عبدا نادى : أنّي قد أبغضت فلانا ، فينادى في السماء ، ثمّ ينزل له البغضاء في الأرض». وعن البراء بن عازب قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعليّ : «يا عليّ ، قل : اللهمّ اجعل لي عندك عهدا ، واجعل لي عندك ودّا ، واجعل لي في صدور المؤمنين مودّة» ، فنزل جبريل بهذه الآية في عليّ رضي الله عنه. وقال أبو سعيد الخدريّ : إن كنّا معشر الأنصار (٦) لنعرف المنافقين (٧) ببغضهم عليّ بن أبي طالب.
٩٧ ـ (لُدًّا) : جمع ألدّ (٨).
عن أبيّ بن كعب ، عنه عليهالسلام : «من قرأ سورة مريم أعطي عشر حسنات بعدد من كذّب زكريا ، وصدّق به ، ويحيى وعيسى وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وهارون وإدريس ، وبعدد من دعا لله ولدا ، لا إله إلا الله (٩) ، وبعدد من لم يدع لله ولدا». (١٠)
__________________
(١) الأصل وك وأ : الكدد. واللدد : الخصومة الشديدة ، والأود : العوج. ينظر : مصادر التخريج.
(٢) ينظر : الغريبين ١ / ٥٧ ، والنهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ٣١ ، ولسان العرب ٣ / ٧١.
(٣) ع : الهد.
(٤) ينظر : الغريبين ٦ / ١٩١٦ ، وبصائر ذوي التمييز ٥ / ٣٠٨ ، ولسان العرب ٣ / ٤٣٢. والليث هو أبو الحارث الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي المصري ، شيخ الإسلام ومفتي الديار المصرية ، توفي سنة ١٧٥ ه. ينظر : التاريخ الأوسط للبخاري ٢ / ٢٠٩ ، والمراسيل لابن أبي حاتم ١٤٦ ، ومشتبه أسامي المحدثين ٢١٨.
(٥) ينظر : الغريبين ٦ / ١٩١٦ عن أحمد بن عتاب المروزي ، ولسان العرب ٣ / ٤٣٢ عنه ، وبصائر ذوي التمييز ٥ / ٣٠٨ من غير نسبة.
(٦) ع : الإسلام.
(٧) (لنعرف المنافقين) ، ساقطة من ع.
(٨) الألد : شديد الخصومة. النهاية في غريب الحديث والأثر ٤ / ٢٤٤.
(٩) ع : هو.
(١٠) هذا جزء من حديث أبي بن كعب في فضائل سور القرآن سورة سورة ، يذكر ثواب قارئها ، وقد اتفق على أنه حديث موضوع ، ينظر : الموضوعات لابن الجوزي ١ / ٣٩١ ، واللآلئ المصنوعة ١ / ٢٢٧.
سورة طه
مكية. (١)
عن أبي هريرة ، عنه عليهالسلام : «أنّ الله تبارك وتعالى قرأ طه ويس قبل أن يخلق آدم بألفي سنة ، فلمّا سمعت الملائكة القرآن قالت (٢) : طوبى لأمّة ينزل هذا (٣) عليها ، وطوبى لأجواف تحمل هذا ، وطوبى لألسن تتكلّم بهذا» (٤). (٢١٢ و)
وهي مئة وأربع وثلاثون آية (٥) في عدد أهل الحجاز. (٦)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
١ و ٢ ـ (طه) : قال مجاهد : كان النبيّ عليهالسلام يربط نفسه ، ويضع إحدى رجليه على الأخرى ، فنزلت : (طه (١) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى). (٧) وعن ابن عباس قال : هي كلمة بالسريانية : يا رجل. (٨) قال : وكان النبيّ عليهالسلام إذا قام من الليل ربط صدره بحبل كيلا ينام ، فأنزل الله : (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى). (٩)
وعن ابن عباس قال : لّما نزل (١٠) عليه الوحي بمكة اجتهد في العبادة ، فاشتدّت ، فجعل يصلّي الليل كلّه زمانا حتى تبيّن ذلك عليه (١١) ، ونحل جسمه ، وتغيّر لونه ، وتورّمت قدماه حتى نزل.
(طه) : يا رجل بلسان عكّة. وقيل : إنّ الحرفين يشيران إلى الطهو الذي هو الإصلاح والإنضاج ، والتقدير : أيّها الطاهي. وقيل : يشيران إلى الطهارة والهداية ، التقدير : أيّها الطاهر
__________________
(١) تفسير غريب القرآن ٢٧٧ ، ومنار الهدى ٤٨٥.
(٢) ع : قالوا.
(٣) ساقطة من أ.
(٤) أخرجه الدارمي في سنن ٢ / ٥٤٧ ، والبيهقي في الشعب (٢٤٥٠) ، والرازي في الفوائد ١ / ١٣٣ (٣٠٣) ، واللالكائي في اعتقاد أهل السنة ٢ / ٢٢٦ ، وقال الهيثمي في المجمع ٧ / ٥٦ (١١١٦٣) : فيه إبراهيم بن مهاجر ، ضعفه البخاري بهذا الحديث. وقال الذهبي في السير ١٠ / ٦٩١ : هذا حديث منكر فابن مهاجر وشيخه ضعيفان. وقال ابن حبان في المجروحين ١ / ١٠٨ : وهذا متن موضوع.
(٥) ع : في عدد.
(٦) وفي العد البصري مئة وثلاثون واثنتان ، ومئة وثلاثون وخمس في الكوفي ، ومئة وأربعون في الشامي. ينظر : فنون الأفنان ١٤١ ، وجمال القراء ٢ / ٥٣١ ، ومنار الهدى ٤٨٥.
(٧) ينظر : الدر المنثور ٥ / ٥٤٩
(٨) ينظر : تفسير الطبري ٨ / ٣٨٩ ، وتفسير الماوردي ٣ / ٣٩٢ ، وزاد المسير ٥ / ٢٠٠ ، والدر المنثور ٥ / ٤٨٤.
(٩) ينظر : تفسير ابن أبي حاتم ٧ / ٢٤١٥ ، وتاريخ دمشق ٤ / ١٤٢ ، والدر المنثور ٥ / ٤٨٣.
(١٠) الأصل وك وأ : نزلت ، وهذا في ع.
(١١) ع : على.
والهادي. (١) وقيل : يشيران إلى الوطء والتنبيه ، التقدير : طأ فراشك أيّها الرجل ، أو طأ الأرض بقدميك أيّها الرجل. (٢) وقيل : يشيران إلى الطمأنينة والهدوء ، أي : اطمئن واهدأ. وقيل : الطاء تسعة ، والهاء خمسة من حساب الجمّل ، وهم أربعة عشر ، والليلة الرابعة عشر ليلة البدر ، فكأنّه قيل : أيّها البدر. (٣) وسئل (٤) البراء بن عازب : أكان وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم مثل السيف؟ قال : لا ، مثل (٥) القمر. (٦) وقال جابر بن سمرة (٧) : رأيت [النبي](٨) في ليلة إضحيان (٩) وعليه حلّة حمراء ، فجعلت أنظر إليه وإلى القمر ، فلهو أحسن عندي من القمر. (١٠) وقد وصفه الله بأنّه سراج منير ، (١١) فلا يبعد أن يصفه بأنّه بدر.
٣ ـ (إِلَّا تَذْكِرَةً) : نصب ب (١٢)(ما أَنْزَلْنا) [طه : ٢] ، أي : ما أنزلنا إلا تذكرة ، فكأنّه بدل من (لِتَشْقى) [طه : ٢]. وقيل : استثناء منقطع معناه : لكن أنزلناه تذكرة. (١٣)
٤ ـ (الْعُلى) : جمع كدنيا ودنى.
٧ ـ (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ) : أو لم تجهر.
(يَعْلَمُ السِّرَّ) : ويعلم إخفاءه (١٤) ، وهو ما يخطر ببال الإنسان من السرّ من غير أن يعتقده ضميرا ، وهذا من عطف الشيء على جنسه.
٨ ـ (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) : ارتفع (اللهُ) بضمير مبتدأ (١٥). عن علي قال : قال عليه
__________________
(١) ينظر : تفسير السمعاني ٣ / ٣١٩ ، وزاد المسير ٥ / ٢٠٠.
(٢) ينظر : تفسير السمعاني ٣ / ٣١٨ و ٣١٩ ، وزاد المسير ٥ / ٢٠٠.
(٣) ينظر : زاد المسير ٥ / ٢٠٠ عن الثعلبي.
(٤) الأصول المخطوطة : سئل رجل. وهي مقحمة.
(٥) في ك : شك.
(٦) أخرجه البخاري في الصحيح واللفظ له (٣٣٥٩) ، ومسلم في الصحيح (٢٣٤٤) ، ومسند الروياني ١ / ٢٢٥ (٢٢٥) ، وابن حبان في الصحيح (٦٢٨٧).
(٧) أبو خالد جابر بن سمرة بن جنادة بن جندب السوائي ، صحابي مشهور ، توفي بعد سنة ٧٠ ه. ينظر : معجم الصحابة ١ / ١٣٧ ، الثقات لابن حبان ٣ / ٥٢ ، والاستيعاب ١ / ٢٢٤.
(٨) زيادة من مصادر التخريج.
(٩) ليلة إضحيان : ليلة مضيئة مقمرة. النهاية في غريب الحديث والأثر ٣ / ٧٨.
(١٠) أخرجه الدارمي ١ / ٤٤ ، والمعجم الكبير (١٨٤٢) ، والحاكم في المستدرك ١ / ١٨٦ ، وشعب الإيمان (١٤١٧).
(١١) وذلك في قوله تعالى : (وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (٤٦)) [الأحزاب : ٤٦].
(١٢) ساقطة من أ.
(١٣) ينظر : الكشاف ٣ / ٥٣ ، وكشف المشكلات وإيضاح المعضلات ٢ / ٨٦ ، والبيان في غريب إعراب القرآن ٢ / ١١٣ ، والتبيان في إعراب القرآن ٢ / ١٣٣.
(١٤) ك : إخفاؤه.
(١٥) بياض في أ.
السّلام : «يقول الله : لا إله إلا الله حصني ، فمن دخله أمن عذابي». (١)
٩ ـ (وَهَلْ أَتاكَ) : فائدة الاستفهام في مثل هذا : استدراج المخاطب به إلى التفكّر والتذكّر ؛ ليغتنم المسموع فينجع (٢) في قلبه. وقيل : معناه قد. (٣)
١٠ ـ (بِقَبَسٍ) : بجذوة ، وهي النار التي تأخذها في طرف عود.
وقيل : كانت القصّة في زمن كيقباذ بن زاب بن بوذكاب بن ايريج بن نمرود ، فانصرف موسى من عند شعيب ، فلما كان ببعض الطريق جنّت عليه ليلة باردة ذات رذاذ ، وكانت امرأته حاملا ، فأخذها الطّلق ، فاقتدح موسى فما أروى زنده ، فآنس نارا من بعيد ، فظنّ أنّها قريبة منه ، فتوجه إليها ليقتبس منها ، فلمّا أتاها أبصرها نارا في شجرة خضراء ، كلما أراد أن يقتبس منها ارتفعت إلى أعاليها ، ونودي يا موسى (٢١٢ ظ) ففزع من ذلك فزعا شديدا ، وكان من أمره ما نطق (٤) به القرآن ، وذكروا أنّ الله تعالى قال لموسى ليلة إذ (٥) : يا موسى أنت جند من جنودي [أبعثك](٦) إلى ضعيف من خلقي بطر نعمتي ، وأمن مكري ، وغرّته الدنيا حتى جحد ربوبيّتي ، وأنكر حقّي ، وشتمني ، وعبد دوني ، وإنّي (٧) أقسم بعزّتي وجلالي لو لا إلزام الحجّة عليه والعذر الذي وضعت بيني وبين خلقي لبطشت بطشة جبار تغضب لغضبه السماوات والأرضون والجبال والبحار ، إن آذن للسماء اختطفته ، وإن آذن للأرض ابتلعته ، وإن آذن للبحر غرقته ، ولكن هان عليّ وسقط من عيني ، ووسعه حلمي ، فذكّره أيّامي ، وخوّفه عقابي ، وأعلمه (٨) أنّه لا يقوم شيء لغضبي ، وقل له بين ذلك قولا ليّنا لعلّه يتذكر أو يخشى ، ولا يهولنّك ما عنده من رياش (٩) الدنيا ، فإنّ ناصيته بيدي ، ليس يصرف ، ولا يتكلّم إلا بإذني ، وأعلمه أنّي إلى العفو والمغفرة أقرب منّي إلى الغضب والعقوبة ، وقل : أجب ربّك ، فإنّه واسع المغفرة ، وقد أمهلك منذ أربع مئة سنة ، أنت منابذه فيها بالعداوة ، وتصدّ عن عبادته ، وهو يمطر عليك السماء ، وينبت
__________________
(١) أخرجه الشهاب في مسنده ٢ / ٣٢٣ (١٤٥١) ، وابن عساكر في تاريخه ٥ / ٤٦٢ وغيره ، والسّلفي في معجم السفر ١ / ١٤٢ (٤٣٣).
(٢) نجع فيه القول والخطاب والوعظ : عمل فيه ودخل وأثّر. لسان العرب ٨ / ٣٤٨.
(٣) ينظر : تفسير السمعاني ٣ / ٣٢٢ ، وزاد المسير ٥ / ٢٠١ عن الأنباري ، والبحر المحيط ٧ / ٣١٤.
(٤) أ : ناطق.
(٥) الأصول المخطوطة : ليلتئذ.
(٦) زيادة يقتضيها السياق.
(٧) ك : فإني.
(٨) ع : واعلم.
(٩) أ : ريا. والرّياش : ما ظهر من اللباس. النهاية في غريب الحديث والأثر ٢ / ٢٨٨ ، وتاج العروس ٤ / ٣١٦.
لك الأرض ، لم تقسم (١) قط ، ولم تهرم ، ولو شاء لفعل ذلك لك ، ولكنّه ذو أناة وحلم ، وجاهده بنفسك وأخيك (٢) محتسبين صابرين ، فإنّي لو شئت أن أؤيدكما بجنود (٣) لا قبل لهم بها ، وسلطان لا قوام لهم به لفعلت ، ولكنّي أزوي (٤) ذلك عنهما ، وكذلك أفعل بأوليائي ، وإنّي لأزوي عنهم نعم الدنيا وملكها ولذّاتها ، كما يزوي الراعي المشفق إبله عن مراتع الهلكة ، وأجنّبهم نعيمها ورخاءها ، كما يجنّب الراعي المشفق إبله عن مراتع العسرة ، وما ذلك من هوانهم عليّ ، ولكن ليستوجبوا به نعيم الآخرة ، واعلم ، يا موسى ، أنّه لم يتزيّن المتزيّنون عندي بزينة أحبّ إليّ من الزهد في الدنيا ، ولم يتقرب المتقرّبون إليّ (٥) بشيء أحبّ إليّ من الورع عمّا حرّمت عليهم ، ولم يدرك العباد فضل الباكين من خشيتي ، أمّا الزاهدون في الدنيا فإنّي أبيحهم الجنّة ، وأما الورعون فإنّي أرفع الحساب عنهم ، وأما الباكون من خشيتي فهم (٦) في الرفيق الأعلى من الجنّة لا يشاركون فيها ، ولا يلحقهم أحد.
١٢ ـ (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) : والنعل : ما يقي كفّ القدمين من الأذى ، وكانت نعلاه غير مدبوغتين من جلد حمار ميت. (٧)
(طُوىً) : فعل وهو معدول (٨) من طاوي أو مطوي ، طوى الله له الأرض بلطفه حتى قطع المسافة البعيدة مطوية ، أو أقدره على سرعة السير (٢١٣ و) فقطعها في لحظة كأنّه طوى الأرض بقدميه طيّا.
١٤ ـ (أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) : لوقتها الذي يذكّرنا الله فيه من بعد نسياننا إيّاها (٩). وقيل : أراد بالذكر التسبيح والتهليل في الصلاة. (١٠)
١٥ ـ (لِتُجْزى) : متعلق (١١) ب (آتِيَةٌ). (١٢)
__________________
(١) بقي على حالة الشباب والحسن لم يتغير ولم يهرم. ينظر : النهاية في غريب الحديث والأثر ٤ / ٦٣ ، ولسان العرب ١٢ / ٤٨٣.
(٢) ع : بأخيك.
(٣) ع : بجند.
(٤) أزوي : أصرف عنه. لسان العرب ١٤ / ٣٦٥.
(٥) ساقطة من ع.
(٦) (أما الزاهدون ... من خشيتي فهم) ، ساقطة من ع.
(٧) ينظر : تفسير السمعاني ٣ / ٣٢٣ ، وزاد المسير ٥ / ٢٠٣ ، والدر المنثور ٥ / ٤٩١ عن ابن مسعود عن النبي عليهالسلام ، وعلي بن أبي طالب وغيره.
(٨) العدل : أن تلفظ ببناء وأنت تريد بناء آخر ، نحو عمر وتريد عامرا وزفر وتريد زافرا. اللمع في العربية ١٥٦.
(٩) ع : إياه.
(١٠) ينظر : تفسير الطبري ٨ / ٤٠٠ ـ ٤٠١ ، وتفسير السمعاني ٣ / ٣٢٤ ، وزاد المسير ٥ / ٢٠٤.
(١١) ك وع وأ : بمتعلق.
(١٢) ينظر : التبيان في إعراب القرآن ٢ / ١٣٥.
١٦ ـ (فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها) : أي : عن الصلاة.
(فَتَرْدى) : فتهلك ، وهو في [محل](١) النصب ؛ لأنّه جواب (٢) النهي بالفاء.
١٧ ـ (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ) : فائدة تقرير الحال لتفخيم الإحالة.
١٨ ـ (أَتَوَكَّؤُا) : أتّكئ.
(وَأَهُشُّ بِها) : أخبط بها الشجر ليتناثر ورقها.
(مَآرِبُ) : حوائج ، وإنّما ذكر منافع العصا ليكون به مؤتمرا غاية الائتمار أو شاكرا.
٢١ ـ (سَنُعِيدُها) : نقلبها في هذه الساعة عصا كما كانت. وقيل : نقلبها حيّة عند فرعون كما كانت في هذه الليلة.
٢٢ ـ (وَاضْمُمْ) : واجمع.
(مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) : برص أو بهق.
٢٥ ـ (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) : إنّما ابتدأ موسى بهذا السؤال لما كان يعرف من حدّته ، ويعلم أنّه لا يتمّ أمر (٣) إلا بالحلم والصبر.
٢٦ ـ (وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) : لعلمه أنّ ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وأنّه لا حول ولا قوّة إلا بالله.
وقد مضى سبب العقدة ، وقد استجاب الله دعوته ، وحلّ من عقدته مقدار ما يفقه قوله من غير كلفة ، وأبقى شيئا للالتباس على الناس ، فلذلك (٤) قال فرعون : (وَلا يَكادُ يُبِينُ) [الزخرف : ٥٢]. وقيل : بل حلّ الله تلك العقدة ، ولم يبق منها أثر ، وكان فرعون كاذبا بقوله : (وَلا يَكادُ يُبِينُ) [الزخرف : ٥٢].
٢٩ و ٣٠ ـ (وَزِيراً) : ظهيرا ، والتقدير في الآيتين : واجعل لي بعضا من أهلي هارون أخي وزيرا.
٣١ ـ (أَزْرِي) : ظهري.
٣٣ ـ (كَيْ نُسَبِّحَكَ) : تعليل لتيسير الأمر ووزارة هارون جميعا.
__________________
(١) زيادة يقتضيها السياق.
(٢) ع : جوابه.
(٣) في ك : أمرا.
(٤) في ع : فكذلك.
٣٦ ـ (سُؤْلَكَ) : مسألتك وحاجتك (١).
٣٨ ـ (إِذْ أَوْحَيْنا)(٢) : ألهمنا.
(إِلى أُمِّكَ ما يُوحى) : كلاما حقا ، وصدقا عدلا.
٣٩ ـ (اقْذِفِيهِ) : ارميه.
(الْيَمِّ) : البحر الذي يقال له : أساف ، وفيه غرق فرعون.
(عَدُوٌّ لِي) : يعني : فرعون لعنه الله.
(وَلِتُصْنَعَ) : صنعة الإنسان : تربيته ، تقول لمن ربّاك وأحسن إليك : أنا صنيعك وصنعتك.
(عَلى عَيْنِي) : بمرأى وحسن نظر منّي.
٤٠ ـ (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ) : وكانت أخت موسى تدخل دار فرعون لخدمة نسائه ، فلمّا ألقاه في اليمّ بالساحل من دار فرعون بعثتها أمّها لتأتيها بالخبر فوجدته في حجر امرأة يطلبون ظئرا ، فقالت : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ) ، وذلك بعد أن أسلموه إلى أظآر أجنبيات ، فما ارتضع بقول الله تعالى : (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ) [القصص : ١٢].
(وَفَتَنَّاكَ) : أي : ابتليناك ابتلاء ، وذلك حين ورد ماء مدين جائعا خائفا (٣) ، وجاءته إحدى ابنتي شعيب ، واستأجره (٤) شعيب (٥) على الشرائط المذكورة.
(ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ) : مقدار مقدّر عندنا ، ووقت مؤقت لم تخالفه ، ولم يخالفك.
٤١ ـ (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) : أي (٦) : اختصصتك (٧) (٢١٣ ظ) لمعرفتي وروح مناجاتي ، وخواصّ أمري.
٤٢ ـ (وَلا تَنِيا) : ولا تضعفا ، ولا تفترا ، وفائدة الأمر بالقول الليّن : تعبّدهما بتوخّي رشد فرعون ، واستمالته ، والثاني : قطع أعذار فرعون من كلّ وجه.
__________________
(١) ع : ومحاجتك.
(٢) ع : أن اقذفيه.
(٣) غير واضحة في الأصول المخطوطة.
(٤) ساقطة من
(٥) (واستأجره شعيب) ، ساقطة من ك.
(٦) ساقطة من أ.
(٧) ساقطة من ك.
٤٥ ـ (أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا) : أي : يجهل علينا بالبغي والبدار إلى العقوبة.
٥١ ـ (قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) : هذا فرار من فرعون إلى ما يتشاغل به عن التوحيد ، وهذه سنّة الأجانب عن التوحيد ، إذا ذكر الله وحده اشمأزّت قلوبهم.
٥٢ ـ فلمّا علم موسى أنّ الخبيث متشاغل عن التوحيد أجمل جوابه ، وردّه إلى التوحيد الذي فرّ منه (قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي).
(أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى) : أجناسا من ضروب مختلفة ، فكلّ ضرب متجانس في نفسه مضاد لغيره. وقيل : أراد المشتبهات في الطّعم المختلفات في الصورة.
(شَتَّى) : فعلى من شتت ، واحد (١) الأشتات ، وتشتّت الأمر تفرّقه وانفساخ تأليفه.
٥٣ ـ (النُّهى) : جمع نهية ، وهو العقل ينهى النفس عمّا لا يليق بها.
٥٥ ـ (تارَةً) : مرّة.
٥٦ ـ (كُلَّها) : أي : كلّ ما كان مع موسى سوى صفة المكارة ، ومعناه التساوي والتعادل.
٥٩ ـ (يَوْمُ الزِّينَةِ) : يوم عيد كانوا يتّخذونه ، ويتجمّلون فيه بزينتهم.
٦٠ ـ (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ) : أعرض عن موسى عليهالسلام.
(ثُمَّ أَتى) : بعد ذلك ، وهو بزوّه (٢) للعامة يوم الزينة.
٦١ ـ (فَيُسْحِتَكُمْ) : يهلككم.
ونظم الآية على طريقة مستحسنة غاية للبلاغة وآية للفصاحة ، وهي ردّ آخر الكلام على أوّله ، وإنّما قال لتقديم الدعوة والإنذار مرّة بعد أخرى.
٦٢ ـ (فَتَنازَعُوا) : قال الضحاك : تنازعوا في سحرهم كيف ينبذونه؟ وكيف يظهرونه؟ وتناجوا في ذلك. (٣)
٦٣ ـ (الْمُثْلى) : تأنيث الأمثل ، وهو الأحسن.
٦٤ ـ (صَفًّا) : نصب على الحال ، أي : مصطفّين.
(مَنِ اسْتَعْلى) : استولى.
__________________
(١) ك : ولهذا. وفي أ : مكررة.
(٢) والزيّ اللباس والهيئة ، وأصله زوي. الصحاح ٦ / ٢٣٦٩ ، ولسان العرب ١٤ / ٣٦٦.
(٣) ينظر : تفسير الماوردي ٣ / ٤١٠.
٦٦ ـ (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ) : يظهر الخيال ، والخيال : كيفيّة باطلة تتولّد بين الرائي والمرئي بعلل مختلفة ، والأخيل : طائر يتلوّن بألوان مختلفة يتشاءم به العرب.
٦٧ ـ (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً) : لأنّ طبيعة الإنسان مجبولة على قلّة احتمال مشاهدة الأشياء الهائلة ، وإن كان موقنا ببطلانها ، والدليل على ذلك أنّ الإنسان يستأنس بالصور المنقوشة في الجدار إن كانت صور المتصدرين في الغياض (١) ، والمتماشين في الرياض ، ويستوحش (٢) إن كانت صور القتلى والغرقى والحيات والعقارب.
٧١ ـ (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) : إنما اتّهمه فرعون بغيبته إلى مدين سنين ، وجفا على أهل مصر ، وإنّما اجترأ بالتهديد على السحرة دون موسى ؛ لأنّه أيقن بتمويهات السحرة ، ونفاية (٣) أمرهم وتأثيرهم ، فلم يخف من جانبهم ، وأمّا موسى عليهالسلام فكان لا يدرك مدى أمره ، فلذلك (٢١٤ و) كان يحذره.
(فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) أي : عليها.
٧٢ ـ (وَالَّذِي فَطَرَنا) : قسم ، ويجوز أن يكون معطوفا على المجرور من غير تكرار (٤) الجارّ. (٥)
(ما أَنْتَ قاضٍ) : في محلّ النصب ، أي : قاض قضاءك.
٧٣ ـ (وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ) : إنّما وصفوا فرعون بالإكراه ؛ لأنّهم كانوا مستيقنين بأنّ فرعون لا يخلّي من لم يتسارع إلى هواه سالما. وقيل : كان يكلّف الغلمان أن يتعلّموا السحر ، ويسلط عليهم المعلمين ، فكان ابتداء أمرهم على الإكراه. (٦) ويحتمل : أنّهم نفوا عنه الإكراه ، وإنّ تقدير الآية : أن تغفر لنا خطايانا من السحر ولم تكرهنا عليه ، فإن كان كذلك فلم يريدوا بذلك تزكيته ، ولكنّهم أرادوا تحقيق الاعتراف بما أوجب الاستغفار ، وكيف ما كان تقدير الآية وتفسيرها ، ففيها دلالة على انتهاء أعمالهم لم يكن على سبيل الإكراه.
(مُجْرِماً)(٧) : بالكفر بدليل الآية التي تليها على سبيل الإطباق (٨) ، وإنّما علموا هذا
__________________
(١) جمع غيضة وهي الشجر الملتف. النهاية في غريب الحديث والأثر ٣ / ٤٠٢ ، ولسان العرب ٧ / ٢٠٢.
(٢) أ : استوحش.
(٣) نفاية أمرهم : رداءته. ينظر : لسان العرب ١٥ / ٢٣٨.
(٤) ع : تكرير.
(٥) ينظر : مشكل إعراب القرآن ٤٤٢ ، والبيان في غريب إعراب القرآن ٢ / ١٢٢ ، والتبيان في إعراب القرآن ٢ / ١٤٣.
(٦) ينظر : تفسير السمعاني ٣ / ٣٤٣ ، وتفسير ابن كثير ٣ / ٢١٦ ، والدر المنثور ٥ / ٥١٦ عن الحسن.
(٧) غير موجودة في الأصل وك ، وهي من ع.
(٨) يريد بذلك الطباق ، يدل عليه ما بعده. والطباق هو : الجمع بين الشيء وضده في جزء من أجزاء الكلام. ينظر : الصناعتين ٣٣٩.
العلم لما كانوا سمعوه من موسى وهارون عليهماالسلام ، أو لما كان بقي فيهم من يعقوب ويوسف والأسباط عليهمالسلام.
٧٥ ـ قوله : (مُؤْمِناً) مطابق لقوله : (مُجْرِماً) [طه : ٧٤].
وفي قوله : (قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ) فائدتان : التمييز بين العمل والإيمان ؛ لأنّه لو كان العمل إيمانا لكان تقديره : ومن يأته مؤمنا قد آمن ، والثانية : تنبيه غير المصلحين عن المؤمنين بالسكوت عنهم ، وذلك إشارة إلى خلود ، أو إلى جزاء مضمر ، أي : ذلك الجزاء جزاء من تزكّى.
عن ابن عباس : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم مرّ وأبو بكر بن أبي قحافة والدليل الذي معهما حتى هجموا على رجل من العرب وامرأة لهما عنز ، ليس لهما غيرها ، قال الرجل لامرأته : ألا نذبح هذه العنز لهؤلاء النفر ، وإنّي أرى قوما لهم حقّ ، فقام فذبحها ، فلما قاموا من نومهم أطعمهم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا سمعت برجل قد ظهر بيثرب فإنّه لعلّ الله يرزقك منه خيرا» ، فلمّا سمع الرجل خروجه بيثرب قال : والله لأراه صاحبنا ، فاحتمل امرأته ، فأتاه ، فلما صلّى رسول الله صلىاللهعليهوسلم العصر نظر في وجوه الغرباء ، فمن كان له حاجة قضاها له ، فقام إليه الرجل ، فقال : أتعرفني يا محمد؟ قال : نعم ، قال : عدتك ، قال : أحتكم ثمانين ضانية ، فأعطاهنّ إيّاه ، ثمّ قال : أما إنّ عجوز بني إسرائيل كانت أحكم عقيدة منك. قال الكلبي : قصة هذه العجوز ، وهي سارج بنت اشترقفا بن يعقوب ، إنّما كانت رأت أين دفن (١) عمّها يوسف عليهالسلام ، فلمّا أراد موسى عليهالسلام الخروج من مصر توقّفت بنو إسرائيل ، وتحيّروا في أمرهم ، وتذكّروا وصية يوسف عليهالسلام أن يخرجوا بعظامه متى خرجوا فضمن (٢) موسى عليهالسلام (٢١٤ ظ) لمن يدلّه على قبره حكمه ، فدلّته هذه العجوز ، واحتكمت على موسى عليهالسلام مرافقته في الجنّة ، فضمن لها موسى بإذن الله تعالى. (٣)
٧٧ ـ (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ) : بيّن لهم بضرب العصا.
(يَبَساً) : يابسا.
٨٠ ـ (يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ (٤) مِنْ عَدُوِّكُمْ ...) : الآية إن كانت ترتب قصص موسى عليهالسلام على ما قدمناه في سورة البقرة عند قوله : (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ
__________________
(١) أ : فرعون.
(٢) أ : فمضى.
(٣) ينظر : الآحاد والمثاني ١ / ٣١٢ ، ومسند أبي يعلى (٧٢٥٤) عن علي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما.
(٤) ع : أنجاكم.
الْقَرْيَةَ) [البقرة : ٥٨] فالخطاب هنا متوجّه إلى اليهود في عصر نبيّنا عليهالسلام ، أو أراد بقوله : (نَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) : قضينا وقدّرنا تنزيلهما عليكم ، أو سننزلها عليكم فيما بعد.
٨١ ـ (فَقَدْ هَوى) : هلك وانحطّ عن درجة السعادة.
٨٢ ـ (ثُمَّ اهْتَدى) : رسخ في العلم. قال الضحاك : (ثُمَّ اهْتَدى) : استقام. (١) وعن سعيد بن جبير : أنّه السنة والجماعة. (٢)
٨٣ ـ (وَما أَعْجَلَكَ) : إن كان الخطاب متوجّها إلى قوم موسى في عصره فوجه العطف والوصل ظاهر ، وإن كان متوجّها إلى اليهود في عصر نبيّنا عليهالسلام فالتقدير (٣) : وقلنا يوم الميعاد : ما أعجلك ، وفائدة الاشتباه في مثل هذا : الابتلاء.
٨٤ ـ (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ) : أي : إلى ميعادك.
٨٥ ـ (قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ) : يعني : الفتنة التي أثنى بها موسى عليهالسلام على الله حيث قال : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) [الأعراف : ١٥٥].
(وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ) : دعاؤه إلى الضلالة بخذلان الله تعالى. والسامريّ : لقب ، واسمه موسى بن ظفر (٤) ، وإنّه لم يكن من بني إسرائيل ، ولكنّه كان جارا لهم ، أصله من باجرما (٥) وهي قرية بالعراق.
وروى الكلبيّ عن أبي صالح ، عن ابن عباس : أنّ السامريّ كان من جملة صبيان غيّبهم الآباء والأمهات مخافة أن يذبحهم فرعون ، فربّتهم الملائكة ، وكان جبريل هو الذي تولى تربية السامريّ ، فكان يمصّ إبهام يمينه سمنا ، والأخرى عسلا ولبنا ، فمن ثمّ عرفه حين رآه ، فقبض (٦) قبضة من أثره. (٧)
٨٧ ـ (فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ) : يجوز أن يكون قول عبدة العجل ، ويجوز أن يكون كلاما تعقّب كلامهم من جهة الله ، أي : فكما نخبرك ألقى السامريّ قبضته.
__________________
(١) ينظر : زاد المسير ٥ / ٢٢٩ ، والدر المنثور ٥ / ٥١٨.
(٢) ينظر : تفسير السمعاني ٣ / ٣٤٦ ، وزاد المسير ٥ / ٢٢٩.
(٣) أ : فالمقتدير.
(٤) ينظر : تاريخ الطبري ١ / ٢١٦ ، وتفسير القرطبي ٧ / ٢٨٤.
(٥) باجرما : بفتح الجيم وسكون الراء ، وميم ، وألف مقصورة : قرية قرب الرقّة من أرض الجزيرة. معجم البلدان ١ / ٣١٣.
(٦) ع : فقبضت.
(٧) ينظر : الدر المنثور ٥ / ٥١٩.
٨٨ ـ (فَنَسِيَ) : عن ابن عباس : نسي السامريّ ، والمراد به كفر. (١) وقال الكلبيّ : نسي موسى عليهالسلام على زعمهم ، زعموا أنّه ضلّ طريق الميقات ، وأخذ طريقا آخر ، فجاءهم إلهه من غير طريق. (٢)
٨٩ ـ (أَفَلا يَرَوْنَ) : كلام مبتدأ من جهة الله تعالى ، وفي فحواه دلالة أنّ داعي الله يجاب (٣) لا محالة ، إمّا بقضاء الحاجة ، وإمّا [بما](٤) هو خير منه.
٩٠ ـ (وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ) : وفائدة الفتنة العظيمة تفرّد هارون عليهالسلام بالدعوة ، وبكونه حجة على بني إسرائيل ، وكونهم محجوجين في مقابلته وجوه سبيل الخلافة ، ولا يبالي الله تعالى أن يهلك زجلة (٥) ليشبع قملة أو نملة ، فكيف (٢١٥ و) بفتنة قوم من الأشقياء لإكرام نبيّ من الأنبياء؟
٩٧ ـ قوله (لا مِساسَ) : عقوبته الدنياوية (٦). يحتمل : أنّها كانت على سبيل الإلجاء على سبيل الهذيان. ويحتمل : أنّها كانت على سبيل التكليف والتعبّد. وقيل : إنّ ولد السامريّ بالشام لا يخالطون أحدا.
(وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً) : يعني : الموت أو القيامة (٧) ، وهو الوعيد العقباوي ، فيه نوع من الإرجاء لكونه مبهما.
(ظَلْتَ) : أي : ظللت ، وهو تخفيف غير قياسيّ مثاله : حللت في بني فلان وحلت ، وهممت بفلان ، وهمت ، وأحسست فلانا وأحست (٨).
(لَنُحَرِّقَنَّهُ) : بالنار ، والنار تحرق الشيء المنطبع بتكرار اتّقادها عليه.
(ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ) : لنذرّينّه.
١٠١ ـ (خالِدِينَ فِيهِ) أي : في العذاب ، أو في وبال وزرهم.
(حِمْلاً) : اسم لما يحمل.
__________________
(١) ينظر : تفسير الماوردي ٣ / ٤١٩ ، وتفسير السمعاني ٣ / ٣٤٩ ، وزاد المسير ٥ / ٢٣٢ عن ابن عباس.
(٢) ينظر : تفسير الطبري ٨ / ٤٤٧ ، وزاد المسير ٥ / ٢٣٢ عن قتادة.
(٣) ك : إيجاب.
(٤) زيادة يقتضيها السياق.
(٥) الزجلة : بضم الزاي ، الجماعة من الناس. لسان العرب ١١ / ٣٠٢.
(٦) ك : ساقط نصف الكلمة وهو الدنيا ، و (ويه) كتبها وبه.
(٧) ينظر : تفسير غريب القرآن ٢٨١.
(٨) ك : أحسنت فلانا وأحسنت. وكذلك سابقتها. ينظر : المفصل في صنعة الإعراب ٥٥٧.
١٠٢ ـ (زُرْقاً) : جمع أزرق ، والأزرق الذي في عينيه خضرة إلى كهبة (١). قيل : أراد به قبح المنظر. وقيل : حدّة النظر. (٢) وقيل : العمى. (٣) وقيل : شدّة العطش ، فإنّ العطشان تزرقّ عيناه من شدّة العطش ، وحرارة الصدر. (٤)
١٠٣ ـ (إِنْ لَبِثْتُمْ) : بالبرزخ.
(إِلَّا عَشْراً) : يعني : عشر دقائق من ساعة يذكرونها كدقيقة معاينة البأس ، ودقيقة قول أحدهم : (رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا) [المؤمنون : ٩٩ ـ ١٠٠] ، ودقيقة نزع الروح ، وثلاث دقائق لسؤالات منكر ونكير : عن الربوبية ، وعن النبوّة ، وعن الدين ، ودقيقة تقريع منكر ونكير ، وثلاث دقائق لنفخات الصور ، فهذه عشر دقائق يذكرونها ، فيظنون أنّها من ساعة واحدة. ويحتمل : أنّهم يذكرون دقائق أخر سوى هذه العشر (٥) شاءها الله وقضاها ، ثمّ يشكّون في قولهم لمكان الهمدة (٦) ، فيقسمون على ساعة كاملة أنّهم ما لبثوا غيرها. وقيل : المراد بالعشر : عشر ساعات. (٧) وقيل : عشر ليال. (٨) وقيل : عشر سنين. (٩) والعشر بين هذه الأقاويل وبين قوله : (يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ) [الروم : ٥٥] من حيث إنّهم متحيّرون متردّدون يومئذ لا ثبات على قول ، كما أنّهم يجحدون مرّة ، ويعترفون أخرى ، وينطقون مرّة ، ويخرسون أخرى.
١٠٤ ـ (أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً) : أحسنهم مذهبا عندهم فيما يظنّون. وقيل : إن كان المراد بالعشر ما فوق اليوم ، فمعناه أقربهم مذهبا عندهم إلى قوله (١٠) : (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) [القصص : ٨٠] ، وإن كان المراد ما دون اليوم ، فمعناه أبلغهم مذهبا في وصف سرعة الانقلاب.
١٠٥ ـ (وَيَسْئَلُونَكَ) : ابن عباس : رجال من ثقيف. (١١)
__________________
(١) الكهبة : غبرة مشربة سوادا في ألوان الإبل. لسان العرب ١ / ٧٢٨.
(٢) ينظر : التفسير الكبير ٨ / ٩٨ و ١٠٠ ، واللباب ١٣ / ٣٨٤ عن أبي مسلم.
(٣) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ١٩١ ، وتفسير الطبري ٨ / ٤٥٦ ، وياقوتة الصراط ٣٥٠ ، وتفسير الماوردي ٣ / ٤٢٤.
(٤) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ١٩١ ، وتفسير الطبري ٨ / ٤٥٦ ، وتهذيب اللغة ٢ / ١٥٢٥ عن ابن الأعرابي.
(٥) ع : العشرة.
(٦) الهمدة : السكتة. لسان العرب ٣ / ٤٣٦ ، وتاج العروس ٢ / ٥٤٧.
(٧) ينظر : غرائب القرآن ورغائب الفرقان ٤ / ٥٧١ ، واللباب ١٣ / ٣٨٧ ، وروح البيان ٥ / ٥٠٧.
(٨) ينظر : البحر المحيط ٧ / ٣٨٣ ، والخازن ٣ / ٢١٢ ، والتسهيل ٢ / ١٤ ، وروح المعاني ٨ / ٥٧٠.
(٩) ينظر : نظم الدرر في تناسب الآي والسور ١٢ / ٣٤٣
(١٠) (إلى قوله) ، ساقط من ع.
(١١) ينظر : تفسير البغوي ٥ / ٢٩٤ ، واللباب ١٣ / ٣٨٨.
١٠٦ ـ (فَيَذَرُها) : يعني : الأرض.
(قاعاً) : ذكر أبو عبيد (١) الهروي : أنّ القاع : المكان المستوي في وطأة من الأرض يعلوه ماء السماء فتمسكه ، ويستوي نباته ، وجمعه قيعان وقيعة ، كجيران وجيرة ، ومنه قوله : (كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) [النور : ٣٩]. (٢)
(صَفْصَفاً) : (٢١٥ ظ) قريب من القرقر والسّبسب (٣).
١٠٧ ـ (لا تَرى فِيها عِوَجاً) : أراد بنفي العوج إثبات مسامتة الأقطار ، وبنفي الأمت إثبات التمدّد والانتشار ، والأمت في اللغة : الثّني ، يقال : ملأ مزادته حتى لا أمت فيها ، وقد يكون حرزا ، وتقديرا ، يقال : بيننا وبين الماء ثلاثة أميال على الأمت ؛ لأنّ التقدير يتعلّق باعتبار الآثار من الارتفاع والانحدار. (٤)
١٠٨ ـ (لا عِوَجَ لَهُ) : أي : للداعي ، أو لأتباعهم.
(هَمْساً) : أنفاسا ، وصوت وطء الأقدام. قال أبو الهيثم : يعني ما أسررته وأخفته ، ألا ترى (يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ) [طه : ١٠٣].
١١١ ـ (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ) : خضعت وذلّت ، ومنه الحديث : «استوصوا بالنّساء خيرا فإنّهنّ عندكم عوان». (٥)
(وَقَدْ خابَ) : أيس.
١١٢ ـ (هَضْماً) : كسرا وقسرا.
١١٣ ـ واتصال قوله : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ) بما قبلها من حيث الوعد والوعيد.
(لَهُمْ ذِكْراً) : وعظا وتذكيرا.
١١٤ ـ (فَتَعالَى اللهُ) : تبرّأ عن الظلم والهضم.
__________________
(١) أ : عبيدة. وهو تحريف.
(٢) ينظر : الغريبين ٥ / ١٦٠٢.
(٣) القرقر : القاع الأملس. تاج العروس ٣ / ٤٨٩. والسبسب : القفر والمفازة. النهاية في غريب الحديث والأثر ٢ / ٣٣٤ والقاموس المحيط ٢ / ٢٠١.
(٤) ينظر : معجم تهذيب اللغة ١ / ١٩٤ ، والمحكم والمحيط الأعظم ٩ / ٥١٧ ، ولسان العرب ٢ / ٥ ـ ٦.
(٥) أخرجه النسائي في السنن الكبرى (٩١٦٩) ، وابن ماجه في السنن (١٨٥١) ، والترمذي في السنن (١١٦٣) و (٣٠٨٧) ، وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما بلفظ آخر ، ينظر : البخاري (٤٨٩٠) ، (١٤٦٩).
(وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ) : تفسيره قوله : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) [القيامة : ١٦] ، كان رسول الله عليهالسلام إذا تلقّف من جبريل تلفّظ ، ولم ينتظر فراغه ، ولم ينصت ، فنهي عن ذلك ، وذلك لتوفّر حرصه وخوف زيادته ونقصانه. (١)
(وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) : أمر به ليعترف بنقص العبوديّة ، ويتعرّض لنفحات الربوبيّة.
١١٥ ـ (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ) يعني : قوله : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) [البقرة : ٣٥].
(فَنَسِيَ) : قال ابن عباس : ترك. (٢)
(وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) : قال قتادة : صبرا. (٣) وعن عطية العوفي : حفظا. (٤) وقيل : جدّا (٥).
واختلف في آدم عليهالسلام ، هل هو من أولي العزم؟ فمن قال : هو منهم فعلى تأويلين : إمّا أنّ عزمه المنفيّ عنه على المعصية ، أي : ألّم بها غير مستحلّ ولا مصرّ ، وإمّا أنّه لم يكن ذا عزم في عهده الأوّل ، وكان ذا عزم في عهده الثاني : وهو قوله : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) [طه : ١٢٣].
١١٧ ـ (فَتَشْقى) : وحّد لنظم رؤوس الآي ، ولأنّ الرجل هو المختصّ بشقوة الرعاية والكسب.
١١٩ ـ وأراد بقوله : (لا تَظْمَؤُا) نفي اعوزاز الشراب.
(وَلا تَضْحى) : نفي زوال الظلّ. (٦)
١٢٠ ـ (لا يَبْلى) : لا يفنى.
١٢١ ـ (فَغَوى) : فجهل.
١٢٣ ـ وعن عطاء بن السائب قال : من قرأ القرآن فاتّبع [ما](٧) فيه هداه الله من الضلالة
__________________
(١) ينظر : تفسير غريب القرآن ٢٨٣.
(٢) ينظر : تفسير الطبري ٨ / ٤٦٥ ، وزاد المسير ٥ / ٢٤١ ، والدر المنثور ٥ / ٥٣٠.
(٣) ينظر : تفسير الطبري ٨ / ٤٦٦ ، وتهذيب اللغة ٣ / ٢٤٢٦ ، وزاد المسير ٥ / ٢٤١ ، والدر المنثور ٥ / ٥٣٠.
(٤) ينظر : تفسير الطبري ٨ / ٤٦٦ ، وزاد المسير ٥ / ٥٣٠ ، والدر المنثور ٥ / ٥٣٠.
(٥) ع : جد. وينظر : تهذيب اللغة ٣ / ٢٤٢٥ ، والمحكم والمحيط الأعظم ١ / ٥٣٣ عن الزجاج في قوله تعالى : (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ) [محمد : ٢١].
(٦) أي : لا تصيبك الضحى وهو الشمس. تفسير غريب القرآن ٢٨٣ ، وياقوتة الصراط ٣٥٣.
(٧) زيادة من مصادر التخريج.
في الدنيا ، ووقاه الله سوء الحساب يوم القيامة ، وذلك بأنّ الله يقول : (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى). (١)
١٢٤ ـ (ضَنْكاً) : ضيقا وشدّة ، والمراد به عذاب القبر.
(وَنَحْشُرُهُ) : قيل : نبعثه. (٢) وقيل : نسوقه إلى النار. (٣)
١٢٥ ـ (وَقَدْ كُنْتُ) : أي : في الدنيا. وقيل : في الموقف. (٤)
١٢٦ ـ (فَنَسِيتَها)(٥) : أعرضت عنها (٦) وأهنتها.
١٢٧ ـ (وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ) : ويحتمل : أنّ الآية الأولى في المرتدين ، وهذه في أهل الحرب ، أو الأولى في المشركين ، وهذه في أهل الكتاب. ويحتمل : أنّهما جميعا في قوم واحد ، وإنّما زيد في الوصف للتقريع ، ودفع التفضيل في ضنك (٢١٦ و) المعيشة.
١٢٦ ـ (كَمْ أَهْلَكْنا) : في محلّ الرفع بإسناد الهداية إليه. (٧)
١٢٩ ـ (وَأَجَلٌ مُسَمًّى) : معطوف على كلمة (لَكانَ) الهلاك ، أو العذاب لزاما غير متأخّر.
١٣٠ ـ (وَسَبِّحْ) : أي : صلّ. وقال مجاهد : المراد به التطوع.
١٣١ ـ (زَهْرَةَ (٨) الْحَياةِ) : بهجتها وزينتها ، نصب على أنّها مفعول بها (٩) ،
وهي في التقدير نكرة ، أي : زهرة (١٠) في الحياة ، أي : الحياة الدنيا.
(وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى) : إن وقع التفضيل على المتاع والزهرة ، فالمراد بالرزق المنفعة
__________________
(١) ينظر : مصنف ابن أبي شيبة ٥ / ١٢٠ ، والمستدرك ٢ / ٤١٣ ، وشعب الإيمان (٢٠٢٩) عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
(٢) قال في زاد المسير ٥ / ٢٤٤ : فخرج من مكان المعيشة ثلاثة أقوال : أحدها : القبر ....
(٣) ينظر : تهذيب اللغة ٢ / ١٥٢٥ عن أبي إسحاق ، وزاد المسير ٥ / ٢٤٥.
(٤) جاء في زاد المسير ٥ / ٢٤٥ والتفسير الكبير ٨ / ١١ : عن ابن عباس : أنه يحشر بصيرا ، فإذا سيق إلى المحشر عمي.
(٥) أ : ونسيتها.
(٦) ساقطة من أ.
(٧) قال ابن الأنباري في البيان في غريب إعراب القرآن ٢ / ١٢٧ : وزعم الكوفيون أنّ فاعل (يهد) هو (كم) ، وذلك سهو ظاهر ؛ لأن (كم) لها صدر الكلام ، فلا يعمل فيها ما قبلها رفعا ولا نصبا.
(٨) الأصل وك : هذه.
(٩) مفعول بها لفعل محذوف دلّ عليه (متعنا) ، أي جعلنا لهم زهرة .... ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٣٨٠ ، والبيان في غريب إعراب القرآن ٢ / ١٢٧ ، والتبيان في غريب إعراب القرآن ٢ / ١٥٢.
(١٠) (وهي في التقدير نكرة أي) ، ساقطة من أ ، و (هذه) بدلا من (زهرة).
التي لا تكون بعرض الزوال على سبيل العارية ، وإن وقع على الرزق فالمراد قوله :
١٣٢ ـ (لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً) : أي : لا نطلب منك نصيبا ممّا ذرأنا من الحرث والأنعام.
في الآية ردّ على المشركين في البحيرة والسائبة وغيرهما (١) ، والفرق بينهما وبين العشر والزكاة والخمس والأضاحي أنّ منفعة هذه الأشياء راجعة إلينا بقوله تعالى : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) [الإسراء : ٧] من خير ، (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها) [الحج : ٣٧] ، وكان اعتقاد المشركين يجعلونه نصيب الله ، ونصيب شركائهم ، خلاف هذا بآية ملجئة التي لا لبس فيها.
١٣٣ ـ (مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ) : بيان يوجب العلم الضروريّ بأدنى اجتهاد ، وهو تفسير الكتب المتقدمة وتصديقها وموافقتها في أصول الدين ، وقصص الماضين ، وكثير من الفروع.
(ما فِي الصُّحُفِ) : جمع (٢) صحيفة ، وهي كل رقعة عريضة مكتوبة ، أو مهيأة للكتابة.
١٣٤ ـ (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا) : فهذه حجّة باطلة رفعها الله (٣) بإرسال الرسول لتأكيد الإلزام.
١٣٥ ـ وقوله : (قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ) جواب كلام سبق منهم ، كقوله : (قُلْ (٤) هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) [التوبة : ٥٢].
__________________
(١) في قوله تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ) [المائدة : ١٠٣].
(٢) أ : جميع.
(٣) ك : أمة.
(٤) غير موجودة في ع.
سورة الأنبياء
مكية. (١)
وهي مئة وإحدى عشرة آية في [غير](٢) عدد أهل الكوفة (٣) ، والله أعلم.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
١ ـ (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ) : مضى في أوّل النحل.
٢ ـ (مُحْدَثٍ) : حديث (٤).
(إِلَّا اسْتَمَعُوهُ) : وكان استماعهم على سبيل التعنّت والإنكار ، لا التثبّت والاعتبار.
(وَهُمْ) : الواو للحال (٥).
٣ ـ (لاهِيَةً) : نصب على الحال.
(الَّذِينَ ظَلَمُوا) : في محلّ الرفع ، والتقدير فيه كما في قوله : (كَثِيرٌ مِنْهُمْ) [٧١] في المائدة. (٦)
(هَلْ هذا) : بيان نجواهم.
(أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ) : إنكار بعضهم على بعض مخافة أن ينجع الكلام في قلوبهم.
٤ ـ في قوله (٧) : (قالَ رَبِّي يَعْلَمُ) تنبيه على إدراك سرّهم ونجواهم أن يقولوا ما لا يرضاه.
٥ ـ (بَلْ)(٨) : في الابتداء للإضراب عن الكلام الأوّل ، والإقبال على الثاني ، وهو من جهة الله.
و (بَلْ) : الثاني ، فإنّما هو حكاية قول الكفّار ، وإنّما قالوا على سبيل استدراك الغلط ، والتردّد في الحكم.
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ١١ / ٢٦٦ ، والإتقان ١ / ٣٦ ، وتفسير أبي السعود ٦ / ٥٣ ،
(٢) زيادة يقتضيها السياق ، والتصحيح من مصادر التخريج.
(٣) وعدد آيات السورة عند الكوفيين مئة واثنتان وعشرة. ينظر : البيان في عد آي القرآن ٦٩ ، وفنون الأفنان ١٤٤ ، وجمال القراء ٢ / ٥٣٣.
(٤) أ : حدث.
(٥) ع : للحالة.
(٦) قال في سورة المائدة آية ٧١ عند تفسيره الآية : «رفع بالابتداء وخبره ، أو بإسناد الفعل ، أو بالتأكيد».
(٧) (في قول) ، ساقطة من ع.
(٨) غير موجودة في ك.