درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ٢

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني

درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ٢

المؤلف:

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني


المحقق: د. طلعت صلاح الفرحات / د. محمّد أديب شكور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر ناشرون وموزعون
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9957-07-514-9

الصفحات: ٨٠٢
الجزء ١ الجزء ٢

٢١ ـ وقوله : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ) معطوفة على نظيرها قبل الجواب ، ويجوز أن يكون الجواب مضمرا ، ويجوز أن يكون جوابه : (ما زَكى).

٢٣ ـ عن ابن عباس : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ) نزلت في عائشة خاصّة ، (١) واللعنة في المنافقين عامّة.

٢٥ ـ (دِينَهُمُ الْحَقَّ) : أي : جزاؤهم الحقّ.

(وَيَعْلَمُونَ) : على الضرورة والمشاهدة.

٢٦ ـ (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ) : يجوز أن يكون لفظها خبرا ، ومعناها أمرا وحكما ، كما في قوله : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً) [النور : ٣] ، ويجوز أن يكون المراد بالخبث الكفر ، وبالطّيب الإيمان ، وبالطيبات الكلمات الطيّبة.

٢٧ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً) : روي : أنّ امرأة جاءت إلى رسول الله ، فقالت : يا رسول الله (٢) ، إنّي أكون في بيتي على الحال التي لا أحب أن يراني أحد ، والد ولا ولد ، فيأتيني الأب فيدخل عليّ ، فكيف أصنع؟ فقال : ارجعي ، فنزل ، فأرسل إليها ، فقرأها عليها. (٣)

(حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) : تستعلموا إذن صاحب البيت. وجوابه : (ذلِكُمْ). وكان عبد الله إذا دخل داره استأنس وتكلّم. (٤) وعن ابن عباس : تستأذنوا. (٥) وفيه تقديم وتأخير ، أي : حتى تسلّموا و (٦) تستأنسوا ، السّلام عليكم أأدخل؟ (٢٣٥ ظ) وقال عبد الله بن مسعود : عليكم أن تستأذنوا على أمّهاتكم. (٧) وقال جابر : استأذن على أمّك ، وإن كانت عجوزا. (٨) وعن أبي سعيد الخدريّ قال : استأذن أبو موسى على عمر ، فلم يؤذن له ، فانصرف ، فقال عمر : مالك لم تأتني؟ قال : قد جئت ، فاستأذنت ثلاثا (٩) ، فلم يؤذن لي (١٠) ، فرجعت ، وقد قال رسول الله : «من

__________________

(١) ينظر : تفسير ابن أبي حاتم (١٤٢٨٥) ، والمستدرك ٤ / ١٠ ، وتفسير ابن كثير ٣ / ٣٦٩ ، والدر المنثور ٦ / ١٥١.

(٢) (فقالت : يا رسول الله) ، ساقط من أ.

(٣) ينظر : أسباب النزول للواحدي ٢١٩ ، وتفسير الطبري ٩ / ٢٩٧ ، ولباب النقول ١٤٣.

(٤) ينظر : مصنف ابن أبي شيبة ٥ / ٢٥٥ ، ولسان العرب ٦ / ١٦.

(٥) ينظر : تفسير ابن عباس المسمى صحيفة علي بن طلحة ٣٧١ ، وتفسير الطبري ٩ / ٢٩٦ ، وتفسير ابن أبي حاتم (١٤٣٤٥).

(٦) (تستأذنوا ، وفيه تقديم وتأخير ، أي : حتى تسلموا و) ، ساقط من أ. وهذا من قول عكرمة من قراءة أبي ، وهو في مصحف عبد الله ، ولكن بدلا من (تستأنسوا) (تستأذنوا). ينظر : الدر المنثور ٦ / ٢٥٧.

(٧) ينظر : مصنف ابن أبي شيبة ٤ / ٤٣ ، وتفسير الطبري ٩ / ٢٩٨ ، ومسند الشاميين (١٨٢٢).

(٨) ينظر : مصنف ابن أبي شيبة ٤ / ٤٣.

(٩) ساقطة من ك ، وفي أ : منا.

(١٠) (فانصرف ، فقال عمر : مالك لم تأتني؟ قال : قد جئت ، فاستأذنت ثلاثا ، فلم يؤذن لي) ، ساقطة من ع.

٣٦١

استأذن ثلاثا ، فلم يؤذن له ، فليرجع» ، فقال له : أقم بيّنة وإلا أوجعتك ، فقال أبو سعيد : فأتانا أبو موسى وهو مذعور فزع ، قال : جئت أستشهدكم ، فقال أبيّ بن كعب : اجلس ، لا يقوم معك إلا أصغر القوم ، قال أبو سعيد : فكنت أصغر القوم ، فشهدت له عند عمر : أنّ رسول الله عليه‌السلام قال : «من استأذن ثلاثا فلم يؤذن له ، فليرجع (١)». (٢)

٢٨ ـ (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً) : أي : فإن تؤنسوا ، ولم تحسّوا صوت أحد.

(هُوَ أَزْكى لَكُمْ) : أي : الأخذ بهذا الحكم أزكى.

٢٩ ـ عن محمد بن الحنفية في قوله : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ) : قال (٣) : هي الخانات تكون على الطريق ينزلها الناس ، وبيوت السوق. (٤) وقالت عائشة : هي بيوت التجّار لا إذن فيها. (٥) وقال جابر بن زيد : لم يعن بالمتاع الجهاز ، ولكن ما سواه من حاجة ، إمّا منزل ينزله قوم في ليل أو نهار ، أو دار ينظر إليها رجل ، أو خربة يدخلها رجل لحاجة ، فهذا المتاع الذي ذكر الله عزوجل ، وكلّ منافع الدنيا متاع. (٦)

٣٠ ـ (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) : الغضّ في اللغة : النقص ، وغض الطرف : خفضه وتقليل الالتفات ، وغضّ الصوت : خفضه وتقليله. (٧) وعن عليّ : أنّ النبيّ عليه‌السلام قال له : «يا عليّ ، إنّي أحبّ لك ما أحبّ لنفسي ، وأكره لك ما أكره لنفسي ، لا تتبعنّ النظرة الأولى». (٨)

(ذلِكَ) : أي : العفاف.

٣١ ـ (إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) : قال ابن عمر : ما ظهر منها : الكفّان والوجه (٩). وقال ابن عباس : الوجه والكفّ والخاتم. (١٠) وقال ابن مسعود : هي القرط والدملج والخلخال والقلادة. (١١) يعني : مواضع هذه الزينة ، ولهذا قلنا : لا بأس للرجل أن ينظر إلى ذوات المحارم إلى

__________________

(١) ساقطة من أ.

(٢) أخرجه البخاري في الصحيح (٢٠٦٢) ، ومسلم في الصحيح (٢١٥٣) ، وأبو داود في السنن (٥١٨٠) ، والبزار في المسند ٨ / ١٣.

(٣) أ : قالوا.

(٤) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ٣٠٠ ، والدر المنثور ٦ / ١٦١.

(٥) هو جزء من حديث لعائشة رضي الله عنها أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (١٤٣٦٢).

(٦) الناسخ والمنسوخ للنحاس ١ / ٥٨٩ ، والقرطبي ١٢ / ٢٢١.

(٧) ينظر : تهذيب اللغة ٣ / ٢٦٧٢ ، ومقاييس اللغة ٤ / ٣٨٣ ، والكليات ٦٧١.

(٨) أخرجه بهذا المعنى البزار في مسنده ٢ / ٢٨١ ، والطحاوي في شرح معاني الآثار ٣ / ١٥ ، وابن عبد البر في الاستذكار ٨ / ٣٨٨.

(٩) ك : الوجه والكفان. وينظر : سنن البيهقي ٢ / ٢٢٦ ، والمحلى ٣ / ٢٣٢ ،

(١٠) ينظر : مصنف ابن أبي شيبة ٣ / ٥٤٦ ، والتمهيد لابن عبد البر ٦ / ٣٦٨ ، والمحلى ٣ / ٢٣١ ـ ٢٣٢.

(١١) ينظر : معاني القرآن للنحاس ٤ / ٥٢١ ، والمعجم الكبير للطبراني (٩١١٦) ، والدر المنثور ٦ / ١٦٥.

٣٦٢

ما فوق سرّتهن ، ودون ركبتهنّ إذا أمن الشهوة.

والمراد ب (نِسائِهِنَّ) : المؤمنات دون الكتابيّات.

(أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ) : من المتشابه المختلف في تأويله ، وكذلك (التابعون).

ويجوز أن يكون (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ) صفة الفريقين ، أو استثناء منهما. وقال الحسن (١) والسفيانان (٢) : يكره أن ينظر العبد إلى شعر مولاته. وقال مجاهد : (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ) : الذين لا يهمّهم إلا بطونهم ، ولا يخافون على عورات النساء ، ولا يدرون ما هنّ من الصغر قبل الحلم. (٣)

قال أبو مالك في قوله : (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) : كنّ نساء الجاهلية يجعلن في أرجلهن خرزا ، فإذا مررن بالمجالس حرّكنه. (٤)

(الْإِرْبَةِ) : المأربة. (٢٣٦ و)

٣٢ ـ (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى) : وهو جمع أيّم ، وهي التي لا زوج لها ، سواء كانت بكرا أو ثيّبا مات عنها زوجها ، أو لم تتزوج ، ومنه قوله : «الأيّم أحقّ بنفسها من وليّها» (٥) ، فقال عمر : ما رأيت (٦) من قعد أيّما بعد هذه الآية. وقال عمر : ابتغوا الغنى في النكاح. (٧) وكان بعض الكبار يكثر النكاح والطلاق ، فسئل عنه قال : ألتمس الغنى في هاتين الخصلتين ، لقوله تعالى : (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) ، ولقوله : (وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ)(٨) [النساء : ١٣٠].

٣٣ ـ وفي قوله : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً) دليل على أنّ الإنسان لا يفتقر ولا يضطرّ إلى الفاحشة ، كافتقاره إلى أكل الميتة.

(حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ) : إمّا يرزقه زوجة أو جارية ، وإمّا يرفع الشهوة.

قال (٩) الكلبيّ : قوله : (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) نزل في غلام

__________________

(١) ينظر : وتفسير الطبري ٩ / ٣١٠ ، وشرح معاني الآثار ٤ / ٣٣٥ ، وأحكام القرآن للجصاص ٣ / ٤١١.

(٢) ينظر : مصنف ابن أبي شيبة ٤ / ١١ عن سفيان عن ليث عن مجاهد وعطاء.

(٣) ينظر : تفسير مجاهد ٤٤٠ ـ ٤٤١.

(٤) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ٣١٠ ، وتفسير ابن أبي حاتم (٢٥٨٠) ، معاني القرآن للنحاس ٤ / ٥٢٧ ، والدر المنثور ٦ / ١٧١٧.

(٥) أخرجه مالك في الموطأ ٢ / ٥٢٤ ، والشافعي في المسند ١ / ١٧٢ ، ومسلم في الصحيح (١٤٢١) ، وشرح معاني الآثار ٣ / ١١ ،

(٦) أ : ما أيت.

(٧) ينظر : تفسير البغوي ٦ / ٤٠ ، وابن كثير ٣ / ٣٨٣٨ ، والدر المنثور ٦ / ١٧٣.

(٨) قوله : ولقوله : (وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) ، غير موجود في ع.

(٩) في ك : وقال.

٣٦٣

لحويطب بن عبد العزّى ، (١) وقوله : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ) نزل في مسيكة وعائذ ومعوّذة ، ثلاث جوار لعبد الله بن أبيّ بن سلول المنافق ، لعنه الله. (٢)

(فَكاتِبُوهُمْ) : أمر ندب وإرشاد.

(فِيهِمْ خَيْراً) : قال إبراهيم النخعيّ : صدقا. (٣) وقال الحسن : دينا وأمانة. (٤) عبيدة السلماني (٥) : إقامة الصلاة. (٦) سعيد بن جبير : إرادة الخير. (٧) مجاهد وعطاء : المال. (٨) وهذا القول محمول على استفادته المال بعد عقد الكتابة. والمراد بالعلم (٩) غلبة الظنّ قبل عقد (١٠) الكتابة جائز معجّلا ومؤجّلا ؛ لأنّه عقد على موجود مشار إليه كالبيع والخلع بخلاف السلم. والمكاتب عبد ما بقي عليه شيء ، قال عليه‌السلام : «المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابه درهم». (١١) روى معبد (١٢) الجهنيّ عن عمر بن الخطّاب. (١٣) مجاهد ، عن زيد بن ثابت (١٤) : كذلك. (١٥)

(وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ) : يعني : من الصدقات ، كما قال : (وَفِي الرِّقابِ) [التوبة : ٦٠] ، أو يدفع مولاه بضاعة يستعين بها على أداء الكتابة ، والحطّ عندنا على سبيل الندب

__________________

(١) ينظر : التاريخ الكبير للبخاري ٤ / ٣١٨ ، والإصابة في تمييز الصحابة ٢ / ١٧٦ ، ولباب النقول في اسباب النزول ٢٤٤.

(٢) ينظر : تفسير الصنعاني ٣ / ٥٩ ، وصحيح مسلم (٣٠٢٩) ، وتفسير ابن أبي حاتم (١٤٥٢٣).

(٣) ينظر : تفسير ابن أبي حاتم (١٤٤٩٢).

(٤) ينظر : تفسير السمعاني ٣ / ٥٢٧ ـ ٥٢٨ ، وتفسير الحسن ٢ / ١٥٨.

(٥) الأصول المخطوطة : السلمان ، وهو أبو عمرو عبيدة بن عمرو السلمانيّ ، ويقال : ابن قيس بن عمرو ، أسلم عام فتح مكة بأرض اليمن ، ولا صحبة له ، توفي سنة (٧٢ ه‍). ينظر : طبقات بن سعد ٦ / ٩٣ ، والمعارف ٤٢٥ ، وسير أعلام النبلاء ٤ / ٤٠ ، وطبقات الحفاظ للسيوطي ٢٢.

(٦) ينظر : تفسير ابن أبي حاتم (١٤٤٥٨) ، وزاد المسير ٥ / ٣٨٠.

(٧) ينظر : زاد المسير ٥ / ٣٨٠.

(٨) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ٣١٤ ، وتفسير الماوردي ٤ / ٩٩ ، وزاد المسير ٥ / ٣٨٠ ، والدر المنثور ٦ / ١٧٥.

(٩) في ع : بالعلم بعد.

(١٠) في ك : عقدة.

(١١) أخرجه أبو داود في السنن (٣٩٢٦) ، والطحاوي في شرح معاني الاثار ٣ / ١١١ ، والبيهقي في السنن الكبرى ١٠ / ٣٢٤ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

(١٢) في ع : سعيد. ومعبد هو معبد بن عبد الله بن عويمر ابن عكيم الجهني ، نزيل البصرة ، وهو أول من تكلم بالقدر في زمن الصحابة ، توفي قبل سنة (٩٠ ه‍) ، وقيل : ٨٨ ه‍. ينظر : طبقات خليفة ٢١١ ، وتهذيب الكمال ٢٨ / ٢٤٤ وطبقات المحدثين ٤٩.

(١٣) ينظر : الاستذكار ٧ / ٣٧٧ ، والمحلى ٩ / ٢٢٩ ، والمدونة الكبرى ٧ / ٢٣٤ ،

(١٤) أبو خارجة زيد بن ثابت بن الضحاك ، الخزرجي الأنصاري ، من بني النجار ، صحابي ، توفي سنة ٤٨ ه‍. ينظر : المعارف ٢٦٠ ، وطبقات الفقهاء ٢٧ ، والإصابة ٣٢٢.

(١٥) ينظر : مصنف ابن أبي شيبة ٤ / ٣١٧ ، وشرح معاني الآثار ٣ / ١١٢ ، والاستذكار ٧ / ٣٧٥.

٣٦٤

والاستحباب دون الوجوب. وعن عائشة : وقعت جويريّة بنت الحارث بن المصطلق (١) في سهم ثابت بن قيس بن شماس (٢) ، أو ابن عمّ له ، فكاتبت على نفسها ، وكانت ملاحة (٣) تأخذها العين ، فجاءت تسأل رسول الله في كتابتها ، فلمّا قامت على الباب فرأيتها كرهت مكانها ، وعرفت أنّ رسول الله سيرى ذلك منها مثل الذي رأيت ، فقالت : يا رسول الله ، أنا جويريّة بنت الحارث ، وكان من أمري ما لا يخفى ، وإنّي وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس ، وإنّي كاتبت على نفسي ، فجئت أسألك في كتابتي ، فقال رسول الله : هل لك إلى ما هو خير منه؟ قالت : وما ذلك يا رسول الله؟ قال : أأدّي عنك كتابتك وأتزوّجك ، قالت : قد فعلت ، (٢٣٦ ظ) قالت : فتسامع الناس أنّ رسول الله قد تزوّج جويريّة ، فأرسلوا ما في أيديهم من السبي ، فأعتقوهم ، فقالوا : أصهار رسول الله ، فما رأينا امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها ، أعتق في سببها مئة أهل بيت من بني المصطلق. (٤)

وقوله : (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) : لاعتبار حال من نزلت فيه لا لتعليق الحكم بالشرط.

(وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ) : اتصالها من حيث اعتبار بيان الأحكام والزجر عن الآثام.

(مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) : الذين قصصهم في القرآن.

٣٥ ـ (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : وصفه بها من المتشابهات التي لا ينبغي تأويلها بعد الاعتقاد بأنّه متعال عن مجانسة الشمس والقمر وما في معناهما لقوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] ، والنور في اللّغة : ما يبيّن المحسوس أو المعقول ، وليس من شرط الضياء والشعاع ، قال عليه‌السلام مخبرا عن الله : «الشيب نوري». (٥) وقال : «اللهمّ اجعل النور في بصري». (٦) وقال : «من أراد أن ينظر إلى رجل نوّر الله قلبه ، فلينظر إلى حارثة». (٧)

__________________

(١) أم المؤمنين جويريّة بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب الخزاعية المصطلقية ، سباها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم المريسيع ، توفيت سنة (٥٠ ه‍). ينظر : المنتخب من كتاب أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ٤٥ ، والاستيعاب ٤ / ١٨٠٤ ، وصفة الصفوة ٢ / ٥١.

(٢) أبو عبد الرحمن ثابت بن قيس بن شماس بن مالك الأنصاري الخزرجي ، خطيب رسول الله ، صحابي ، استشهد يوم اليمامة. ينظر : معجم الصحابة ١ / ١٢٦ ، والاستيعاب ١ / ٢٠٠ ، تهذيب الأسماء ١ / ١٤٧.

(٣) ملاحة : أي مليحة ، والعرب تجعل الفعيل فعالا ليكون أشد مبالغة في النعت. غريب الحديث لابن الجوزي ٢ / ٣٧١ ، ولسان العرب ٢ / ٦٠١ ـ ٦٠٢.

(٤) أخرجه أبو داود في السنن (٣٩٣١) ، والزيلعي في نصب الراية ٤ / ٤١٥ ، والقاري في العمدة ١٣ / ١٠٢.

(٥) ينظر : معجم السفر ٨٢ ، وميزان الاعتدال ٤ / ٣٩٣ ، ولسان الميزان ٤ / ٥٦ ، وكشف الخفاء ٢ / ٣٣٤ ، وقال الذهبي وابن حجر : هذا حديث باطل.

(٦) ينظر : تذكرة الموضوعات للفتني ٥٨ عن أبي بكر رضي الله عنه.

(٧) أخرجه ابن المبارك في الزهد ١ / ٠٦ ، والبيهقي في كتاب الزهد الكبير ٢ / ٣٥٥ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٣٨ / ٢٧٤ ، وابن حجر في الإصابة ١ / ٥٩٧ كلهم الحارث بن مالك ، وليس الحارثة.

٣٦٥

فالله نور لا كسائر الأنوار مبيّن كلّ محسوس ومعقول ، ونوره غيره ، ألا ترى أنّه قال : (مَثَلُ نُورِهِ)، ولم يقل : مثل نوره. وقال الكلبيّ وغيره : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ) هادي أهل السماوات ، لأنّه قال : (يَهْدِي اللهُ (١) لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ). (٢) وقال ابن عرفة : نور ، أي : منوّر السماوات ، ألا ترى ذكر المصباح والكواكب ، وقوله : (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) [النور : ٤٣]. (٣) وقال : الأزهريّ : (نُورُ السَّماواتِ) : مدبّر أمرها لحكمة بالغة ، وحجة نيّرة ، ألا ترى (أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً) الآية [النور : ٤٣]. وقال : (وَاللهُ خَلَقَ (٤) كُلَّ دَابَّةٍ) [النور : ٤٥]. وقيل : الله جاعل نور السماوات والأرض ، حذف المضاف ، وأقام المضاف إليه مقامه ، ألا ترى قال : (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) [النور : ٤٠].

ثمّ اختلاف الفريقين (٥) في النور المضاف (٦). قيل : إنّه محمد عليه‌السلام. (٧) وقيل : هو القرآن. (٨) وقيل : هو المعرفة. (٩)

(كَمِشْكاةٍ) : ككوّة لا منفذ لها. وقيل : موضع الفتيلة. (١٠)

(مِصْباحٌ) : سراج.

(فِي زُجاجَةٍ) : وهي خلاصة شفّافة من الرمل والحجّر.

(مِنْ شَجَرَةٍ) : زيت.

(زَيْتُونَةٍ) : شجرة بالشام ثمرتها كالتوت إلا أنّها (١١) تنعصر دهنا ، والزيت هذا الدهن.

(لا شَرْقِيَّةٍ) : فتزول عنها الشمس بعد الزوال.

(وَلا غَرْبِيَّةٍ) : فلا تصل إليها الشمس قبل الزوال ، ولكنّها شجرة في ربوة من الأرض

__________________

(١) غير موجودة في الأصول المخطوطة.

(٢) ينظر : تفسير ابن عباس صحيفة علي ٣٧٥ ، وتفسير ابن أبي حاتم (١٤٤٥٥) ، وزاد المسير ٥ / ٣٨٢ عن ابن عباس.

(٣) ينظر : الغريبين ٦ / ١٨٩٠ ـ ١٨٩١.

(٤) الأصول المخطوطة : خالق.

(٥) في الأصل وك : الفريقان ، وهذا من ع.

(٦) (إليه مقامه ، ألا ترى ... في النور المضاف) ، ساقطة من أ.

(٧) ينظر : زاد المسير ٥ / ٣٨٢ من قول كعب ، وتفسير البغوي ٦ / ٤٥ ، والدر المنثور ٦ / ١٨٣ من قول ابن جبير والضحاك.

(٨) ينظر : تفسير البغوي ٦ / ٤٥ من قول الحسن وزيد بن أسلم ، وزاد المسير ٥ / ٣٨٢ من قول سفيان.

(٩) ينظر : تفسير ابن وهب ٢ / ٧١ ، وتفسير الرازي المسمى أنموذج جليل ٣٥٦.

(١٠) تفسير ابن عباس صحيفة علي ٣٧٥ ، وابن أبي حاتم (١٤٥٦٣) ، وزاد المسير ٥ / ٣٨٢ ، والإتقان في علوم القرآن.

(١١) ع : إلا بها.

٣٦٦

لا تفارقها الشمس من أوّل النهار إلى آخره ، وزيتونة هذه الشجرة ألطف وأنضج. وقيل : هي التي لا تصيبها الشمس قبل الزوال ولا بعد الزوال ، فيغلظ زيتها ، وتتغيّر رائحتها ، ولكنّها في الظلّ ، وزيتها دقيق لطيف ، ورائحتها طيّبة. (١) ويحتمل : أنّها التي لا تكون في ديار الشرق ولا في ديار الغرب ، ولكنّها في وسط الأرض في الشام ، فإنّ الشام منبت الزيتون (٢٣٧ و) وموضعه.

(كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ) : تشبيه التشبيه ، وتمثيل التمثيل ، كقولك : مثل زيد مثل زينب العذراء التي كأنّها الشمس في بيوت مطروفة.

(الزُّجاجَةُ) : والمشكاة ، أو (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ)، أو (نُورٌ عَلى نُورٍ)، أو (يُسَبِّحُ لَهُ) [النور : ٣٦]

(أَذِنَ اللهُ) : أمر الله ووفقه. وعن ابن بريدة قال : هي أربعة (٢) مساجد لم يبنهنّ إلا نبيّ : الكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام ، فجعلاها (٣) قبلة ، وبيت أريحا بيت المقدس بناها داود وسليمان عليهما‌السلام ، ومسجد المدينة بناه محمد عليه‌السلام ، ومسجد قباء أسّس على التقوى بناه رسول الله عليه‌السلام.

٣٧ ـ (لا تُلْهِيهِمْ) : لا تشغلهم. وقيل : هم (٤) قوم في بيوعهم وتجاراتهم يقومون للصلاة عند مواقيت الصلاة.

(يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ) : في الجوف ، فلا تقدر تخرج حتى تقع في الحنجرة لقوله : (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ) [غافر : ١٨]. وقيل : نقلها (٥) عن طبائعها (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ) الآية [المائدة : ١٠٩]. (٦)

و (تقلّب الأبصار) : شخوص أبصارهم ، أو نظرهم في طرف خفيّ.

٣٩ ـ (كَسَرابٍ) : شعاع منعكس من وجه الأرض يتلألأ (٧) كالماء.

(الظَّمْآنُ) : كالعطشان من العطش ، وإنّما تكون أعمالهم كذلك لاعتمادهم عليها دون فضل الله ورحمته.

__________________

(١) ينظر : تفسير الماوردي ٤ / ١٠٤ عن عطية ، وفتح البيان ٩ / ٢٢٦.

(٢) الأصول المخطوطة : أربع. ينظر : التمهيد لابن عبد البر ١٣ / ٢٦٨ ، وتفسير القرطبي ٨ / ٢٦٠.

(٣) أ : وجعلاها.

(٤) الأصول المخطوطة (هو) ، ينظر : تفسير بحر العلوم ٢ / ٤٤١ ، وابن كثير ٣ / ٣٩٥ عن ابن عمر ومطر الوراق والضحاك.

(٥) أ : تلقيها.

(٦) ينظر : تفسير الماوردي ٤ / ١٠٧ ، وزاد المسير ٥ / ٣٨٧ ، وفتح البيان ٩ / ٢٣٤.

(٧) أ : ملألأ.

٣٦٧

(وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ) : في المثل دون الممثّل به.

٤٠ ـ (لُجِّيٍّ) : منسوب إلى اللّجّة ، وهي قاموس (١) البحر.

(إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ) : مسند إلى (الظَّمْآنُ) [النور : ٣٩] ، كأنّه ابتلي بالسّراب مرّة ، وبالظلام أخرى. وقيل : مسند إلى مضمر. وقيل : فيه تقديم وتأخير ، تقديره : ظلمات بعضها فوق بعض ، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور إذا أخرج يده لم يكد يراها.

عن عبد الله بن المسور (٢) قال : تلا رسول الله عليه‌السلام : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) [الأنعام : ١٢٥] ، قالوا : يا رسول الله ، ما هذا الشرح؟ قال : «يقذف به في القلب» ، قالوا : يا رسول الله (٣) ، هل لذلك من (٤) أمارة يعرف بها؟ قال : «نعم ، الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل الموت». (٥)

٤١ ـ (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ) : اتصالها من حيث اعتبار (اللهُ نُورُ السَّماواتِ ...).

(وَالطَّيْرُ) : معطوف على (مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)، رفع بالتسبيح.

(صَافَّاتٍ) : نصب على الحال ، وصفّ الطائر : إذا بسط (٢٣٧ ظ) جناحه وحلّق ، ولم يقبضها ، وتخصيص هذه الحالة لقرار الطائر عليها في مكان واحد من الجوّ ، أو لحسنه عليها في رأي العين. وقيل : المراد بها الاصطفاف والانتظام في خطّ كالكركيّ ونحوها.

والهاء في (صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) عائد إلى الله تعالى. وقيل : إلى (كُلٌّ). (٦)

٤٣ ـ (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) : أي : بين أجزائه ، فيجعله ركاما.

(فَتَرَى الْوَدْقَ) : المطر.

(مِنْ بَرَدٍ) : هو القطر الجامد. قيل : ينزّل من السماء بردا من جبال في السماء الدنيا. (٧)

من جبال من برد قد فنينا ، وجبل باق إلى يوم القيامة

__________________

(١) قاموس البحر : أي قعره الأقصى ، وقيل : وسطه ومعضمه. لسان العرب ٦ / ١٨٣.

(٢) أبو جعفر عبد الله بن المسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب ، تابعي صغير ، أرسل شيئا فذكره بعضهم في الصحابة ، وهو غلط ، كذّبوه. ينظر : الطبقات الكبرى ٧ / ٣١٩ ، وميزان الاعتدال ٤ / ٢٠٠ ، والإصابة ٣ / ١٤١.

(٣) (ما هذا الشرح؟ ... قالوا : يا رسول الله) ، ساقط من أ.

(٤) ساقطة من أ.

(٥) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (٧٨٧٣) ، وينظر : طبقات المحدثين بأصبهان ١ / ٤٢٥ ، وأبو تاريخ أصبهان ٣٦٠ عبد الله بن المسور عن أبيه.

(٦) ينظر : الدر المصون ٥ / ٢٢٥ ، واللباب في علوم الكتاب ١٤ / ٤١٠ ، وحاشية الصاوي على الجلالين ٤ / ٢٠٠.

(٧) ينظر : تفسير الماوردي ٤ / ٣٣ ، وتفسير البيضاوي ٢ / ١١٠ ، وحاشية الصاوي على الجلالين ٤ / ٢٠٠ ، وفتح البيان ٩ / ٢٤٣.

٣٦٨

وقال ابن عمر : جبال السماء أكثر من جبال الأرض ، ثم تلا الآية.

بعد هذه الأقاويل يحتمل أربعة أوجه : أحدها : أراد بالجبال السحاب ، فإنّها تشبه الجبال ، والثاني : أراد الرياح الشديدة التي اعتمد بعض أجزائها على بعض ، وتلوّنت بالغبار (١) ، والثالث : أراد نفس البرد ، أي : وينزّل من السحاب جبالا من برد ، والرابع : أراد الشواهق التي كانت رؤوسها في السماء لشدة ارتفاعها ، وطول سمكها ، وهذه الشواهق قلّ ما تخلو من الثلج والسحاب.

٤٥ ـ والذي يعوم في الماء داخل في جملة من يمشي على بطنه ، والطير داخلة في جملة من يمشي على رجلين ، والذي يزحف على أرجل كثيرة داخل في جملة من يمشي على أربع ، وإنّما قيل : من ومنهم لتغليب العقلاء.

٤٦ ـ (لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ) : وجه تكراره حسن ردّ الكلام على صدره ، فإنّ الفضل كان فضلا واحدا (٢) في بيان المحسوسات والمعقولات والموهومات على مقدار الحاجة في تعمية بعضها على بعض على سبيل الابتلاء.

٤٧ ـ (وَيَقُولُونَ آمَنَّا) : فصل مبتدأ ، واتصالها من حيث اعتبار الأئمة أهل الإفك ، فإنّهم كانوا جماعة من المنافقين والفاسقين ، فكذلك (٢٣٨ و) هذا الفصل في جماعة المنافقين.

وعن ابن عباس قال : لّما قدم رسول الله المدينة ، سأل الأنصار بور أرضهم التي لا تزرع للمهاجرين ، قال : فدفعوها إليه ، وقالوا : هي لك يا رسول الله ، فاصنع بها ما شئت ، قال : فجعل يقسّمها بين المهاجرين ، فجعل يعطي الرجل الأرض ، ويعطي الرجلين يعتملانها ويزرعانها ، ويقومان عليها ، فأعطى (٣) عثمان بن عفان وعليّ بن أبي طالب أرضا بينهما ، فاقتسماها بينهما ، فوقع نصيب عثمان في عمارتها وجيّد أرضها ، ووقع لعليّ في مكان منها لا يصيبه الماء إلا بمشقّة ونفقة وعلاج ، لا يكاد ينالها الماء ، فقال عثمان لعليّ : بعني أرضك ، فباعها إيّاه ، فقبض الثمن ، وسلّم الأرض ، قال : فندّم عثمان قومه ، وقالوا : أيّ (٤) شيء صنعت؟ عمدت إلى أرض سبخة لا ينالها الماء فاشتريتها ، ردّها (٥) عليه ، فلم يزالوا به حتى أتاه فقال : اقبض منّي أرضك ، فإنّي قد اشتريتها ، فلم أرضها على أرض لا ينالها الماء ، فقال عليّ : بل اشتريتها ، ورضيتها ، وقبضتها منّي (٦) ، وأنت تعرفها ،

__________________

(١) (التي اعتمد بعض أجزائها على بعض ، وتلونت بالغبار) ، ساقطة من ع.

(٢) ساقطة من ك ، وفي أ : ولهذا.

(٣) أ : وأعطى.

(٤) ع : لأي.

(٥) أ : رد.

(٦) ساقطة من ع.

٣٦٩

وتعلم ما هي ، فلا أقبلها منك ، فدعاه عليّ أن يخاصمه إلى رسول الله ، فقال قوم عثمان : لا تخاصمه إلى رسول الله (١) ، فإنّك إن خاصمته إليه قضى له عليك ، فهو ابن عمّه ، وأكرم عليه منك ، ثمّ اختصما إلى رسول الله ، وقصّا عليه القصة ، فقضى لعليّ على عثمان رضي الله عنهما ، وألزمه الأرض ، ونزل في قوم عثمان : (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ ...) الآية. (٢)

٤٨ ـ (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ) : الرسول (٣).

(بَيْنَهُمْ) : بالقرآن. قال الفراء : الحكم للرسول ، وذكر الله للتعظيم. (٤)

(إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ) : عن رسول الله والقرآن.

٤٩ ـ (وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ) : القضاء.

(يَأْتُوا إِلَيْهِ (٢٣٨ ظ) مُذْعِنِينَ) : طائعين ، والإذعان : الإسراع مع الطاعة. وقال الفراء : «مطيعين غير مستكرهين». (٥)

٥٠ ـ (أَفِي قُلُوبِهِمْ) : نفاق.

(أَمِ ارْتابُوا) : شكّوا في الله ورسوله والقرآن وإيمانهم.

(أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ) : يجور (٦) الله عليهم ورسوله في الحكم.

(بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) : وإنما حسن الجمع بألف الاستفهام ، وأم المترتبة عليها بين شيئين متغايرين ، كقولك : إنّها لإبل أم (٧) شاء ، لتصوّر المغايرة بين المعاني هاهنا ، فإنّ مرض القلب يتصوّر بالحيرة المتولّدة من السّفه ، ومجرّد الجهل دون الشبهات ، وباليأس عن روح (٨) الله ، والمقت له من غير ارتياب وخوف حيف ، ويتصوّر الارتياب في أمر القرآن والنبوّة من غير حيرة

__________________

(١) (فقال قوم عثمان لا تخاصمه إلى رسول الله) ، ساقط من ك.

(٢) ينظر : تفسير السمعاني ٣ / ٥٤١ نقلا عن أحكام القرآن للأبي بكر الفارسي ، ومجمع البيان ٧ / ٢٠٩ ، وجوامع الجامع ٢ / ١٣٠. وبعد أن ذكر الشيخ محمد دروزة هذه الرواية مختصرة في كتابه التفسير الحديث ٨ / ٤٣٢ قال : «والرواية الثالثة لا يمكن أن تصدق ؛ لأن عثمان أنزه وأجل من أن يسمع لابن عمه في النبي عليه‌السلام وعلي رضي الله عنه ، أو أن يعرض عن التحاكم إلى النبي عليه‌السلام ويخاف حيفه ، والآية تندد بالمعرض عن هذا التحاكم الذي لا يمكن أن يكون إلا منافقا ، وهي بعد من مرويات الشيعة الذين يجعلون عثمان في زمرة من يطعنون بهم ، ويخرجونهم من أصحاب رسول الله عليه‌السلام ورضي الله عنهم».

(٣) ساقطة من ع.

(٤) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٥٨.

(٥) معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٥٨.

(٦) ك : ويجور ، وفي أ : ويكون.

(٧) ع : بل.

(٨) أ : مكررة.

٣٧٠

في ظاهر التوحيد ، ويأس عمّن هو الخالق الرازق ، ومقت له ، ويتصور خوف الحيف بالتسخّط على قضاء الله وقدره من غير حيرة ويأس ومقت وارتياب في الظاهر. وقيل : مرض القلب : أن يضمر الرجل خلاف ما يظهره ، ويعتقد نقيض ما (١) يعلنه. والارتياب : أن يرتاب في حقّ أو باطل من غير اعتقاد. وخوف الحيف : أن يعتقد جواز كون الظلم من صفاته. وقيل : تقدير الآية : أفي قلوبهم مرض سابق باق أم ارتابوا آنفا أم يخافون ظلم الله من غير هذين. ويحتمل : أنّ الآية الأولى في شأن المنافقين من قوم عثمان (٢) ، وهذه الآية في شأن الفاسقين منهم.

٥١ ـ (إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) أي (٣) : إلى كتاب الله ورسوله.

(لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) : ليقضي بينهم (٤).

وقيل : هذه الآية متأخرة عن قول عثمان ، وأنّها (٥) مدح له ، وثناء عليه.

(أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا) : أجبنا.

(وَأَطَعْنا) : ما أمرنا به ، (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

٥٢ و ٥٣ ـ (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ ...) الآية ، فلمّا نزلت (٦) فيهم أقبل عثمان بن عفان إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : يا رسول الله ، لئن شئت ، والله ، لأخرجنّ من أرضي كلّها ، ولأدفعنّها إليه ، فأنزل : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَيَخْرُجُنَّ ...) : من أرضهم (٧).

(قُلْ لا تُقْسِمُوا) : لا تحلفوا فإنّ الله لو بلغ منكم الجهد لم تبلغوه.

ثم (٨) قال : (طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) أي : أطيعوه وقولوا له المعروف ، أي : الائتمار بأمر رسول الله.

(طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) : غير منكرة ، أو عليكم طاعة معروفة ، لا إصر ولا تقل فيها ، أو طاعتكم معروفة مقبولة ، (٢٣٩ و) هذا في المؤمنين المصلحين خاصّة.

__________________

(١) ساقطة من ع.

(٢) ويسقط هذا الاحتمال بما ذكر في الحاشية (٢) الصفحة السابقة.

(٣) في ك : لئن.

(٤) (ليقضي بينهم) ، مكررة في ع.

(٥) ك وع وأ : إنما.

(٦) ك : نزل.

(٧) (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَيَخْرُجُنَّ ...) ، من أرضهم) ، ساقط من ك.

(٨) أ : لم تبلغوهم.

٣٧١

٥٤ ـ ونزل (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا) : تتولّوا.

(وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) : أي : وإن تطيعوا الله ورسوله تهتدوا من الضلالة.

(وَما عَلَى الرَّسُولِ)(١) : محمد.

(إِلَّا الْبَلاغُ) : بالرسالة.

(الْمُبِينُ) : يبيّن لكم.

وذكر الضحاك : أنّ هذه الخصومة كانت بين عليّ وبين المغيرة بن وائل. (٢)

٥٥ ـ (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) : قال الكلبيّ : إنّ عثمان في جملة الموعود لهم الاستخلاف.

(وَمَنْ كَفَرَ) : أي : كفر النعمة التي ضدّه الشكر ، ولا شكّ أنّ عثمان من جملة الخلفاء الراشدين. وقيل : أراد بالكفر الشرك الذي هو ضدّ الإيمان ، وكذلك المراد بالفسق (٣) ، كما في قصة إبليس.

وأوّل من نقض عهد الخلافة وغيّرها وبدّلها قوم عثمان حين استحوذوا عليه ، واستضعفوه ، وتسلّطوا على عباد الله ، وصدقت فراسة عمر بن الخطاب ، فزوّدوا مروان بن الحكم كتابا ، وختمه بخاتمه ، وبعث به غلامه على ناقته إلى أن تمّ سعيه في دمه ، وما الله بغافل عمّا يعمل الظالمون.

وعن عليّ قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول لعثمان : «لو أنّ لي أربعين بنتا لزوّجتك (٤) واحدة بعد واحدة». (٥) وسأل قوم الحسن بن عليّ (٦) عن عثمان بن عفان؟ فقال : اجلسوا حتى يخرج أمير المؤمنين ، فخرج عليّ رضي الله عنه ، فسألوه ، فقال : كان عثمان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، ثمّ اتّقوا وآمنوا ، ثم اتّقوا وأحسنوا. (٧) وعن عبد خير (٨) قال : وضّأت

__________________

(١) الأصول المخطوطة : رسولنا.

(٢) ينظر : اللباب في علوم الكتاب ١٤ / ٣٣٢ ، والتفسير الحديث ٨ / ٤٣١.

(٣) في قوله تعالى : (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ).

(٤) ك : زوجتك.

(٥) ينظر : الكامل في ضعفاء الرجال ٧ / ٢٣ ، وأسد الغابة ٣ / ٣٧٧ ، وميزان الاعتدال في نقد الرجال ٧ / ٣٧.

(٦) أبو محمد سبط وريحانة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحسن بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي ، سيد شباب أهل الجنة ، توفي سنة (٤٨ ه‍) وفي وفاته أقوال كثيرة. ينظر : نسب قريش ٤٦ ، والعقد الثمين ٤ / ١٥٧ ، وتاريخ الخلفاء ١٨٩ ، والإصابة ١ / ٣٢٨.

(٧) ينظر : مصنف ابن أبي شيبة ٦ / ٣٦٤ ، وحلية الأولياء ٧ / ٢٢٤ ، وتاريخ دمشق ٣٩ / ٤٦٥.

(٨) أبو عمارة عبد خير بن يزيد ، ويقال : ابن محمد ، بن خولي ابن الصائد الهمداني الكوفي ، أدرك زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يلقه ، كان من كبار أصحاب علي ، عمّر ١٢٠ سنة. ينظر : والاستيعاب ٣ / ١٠٠٥ ، وتاريخ بغداد ١١ / ١٢٤ ـ ١٢٥ ، وتهذيب الكمال ١٦ / ٤٦٩.

٣٧٢

عليّ بن أبي طالب برحبة الكوفة ، فقال : يا عبد خير ، سلني ، فقلت : عمّا أسألك يا أمير المؤمنين ، فضحك ، ثمّ قال : وضّأت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما وضّأتني ، فقلت : يا رسول الله ، من أوّل من يدعى إلى الحساب؟ فقال : «أقف بين يدي ربّي عزوجل يوم القيامة ما شاء الله ، ثمّ أخرج وقد غفر لي» ، قلت : ثمّ (١) من يا رسول الله؟ قال : «ثمّ أبو بكر يقف مثل ما وقفت مرّتين ، أو كما وقفت ، ثمّ يخرج وقد غفر له» (٢) ، قلت (٣) : ثمّ من يا رسول الله؟ قال : «ثمّ عمر بن الخطاب يقف كما يقف أبو بكر مرّتين (٤) ، ثمّ يخرج وقد غفر الله ثمّ قلت : ثمّ من يا رسول الله؟ قال : «ثمّ أنت يا عليّ» ، قلت : يا رسول الله (٥) ، فأين عثمان بن عفان؟ قال : عثمان رجل ذو حياء ، سألت ربّي عزوجل أن لا يوقفه للحساب ، فشفّعني. (٦)

(يَعْبُدُونَنِي (٢٣٩ ظ) لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) : قال مجاهد : عن ابن عباس : يعبدونني ولا يخافون غيري. (٧)

٥٧ ـ (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) : نزلت في المذكورين بقوله : (وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ ...) [النور : ٥٥] ، ولا يبعد كون يزيد بن معاوية وأشياعه والقداحين وأتباعهم مرادين به.

٥٨ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) : قال ابن عباس : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غلاما من الأنصار يقال له : مدلج ، [إلى عمر](٨) ظهيرة ليدعوه ، فانطلق الغلام إليه ، فوجده نائما قد أغلق على نفسه الباب ، فسأل الغلام عنه ، فأخبر أنّه في البيت ، قال : فدفع الغلام الباب على عمر ، وسلّم ، فلم يستيقظ ، فرجع الغلام ، وردّ الباب ، فقام من خلفه وحرّكه ، فاستيقظ عمر ، فجلس وانكشف منه شيء ، فرآه الغلام ، وعرف عمر أنّ الغلام قد رأى ذلك منه ، فقال : وددت ، والله ، أنّ الله نهى أبناءنا ونساءنا وخدمنا أن يدخلوا (٩) هذه الساعة علينا إلا بإذن ، ثمّ انطلق معه إلى رسول الله ، فوجده وقد نزل عليه الآية ، فحمد الله عمر ، فقال رسول الله : وما ذاك يا عمر؟ فقال : يا رسول الله ، الغلام عندك فسله ، فسأله ، فأخبره كيف أتاه ، قال : فعجب رسول الله من صنع الغلام ، فقال : «ممّن أنت يا غلام؟» فقال : يا

__________________

(١) ساقطة من أ.

(٢) (قلت : ثم من يا رسول الله؟ ... وقد غفر له) ، ساقط من ع.

(٣) ع : فقلت.

(٤) ع : زيادة : أو كما وقفت.

(٥) (قال : ثم أنت يا علي ، قلت : يا رسول الله) ، ساقط من ع.

(٦) أخرجه عبد الكريم القزويني في التدوين في أخبار قزوين ١ / ١١٤ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٣٩ / ٩٧.

(٧) ينظر : مجمع البيان ٧ / ٢١٢ ، والدر المنثور ٦ / ١٩٩ ، وفتح البيان ٩ / ٢٥٧.

(٨) ساقطة من الأصل ، وهي في ك وع.

(٩) ع : يدخل.

٣٧٣

رسول الله ، اسمي مدلج ، وأنا غلام من الأنصار ، فقال رسول الله : «أنت مدلج تلج الجنّة في طاعة الله وطاعة رسوله ، وأنت ممّن يلج الجنّة ، لئن كنت استحييت من عمر إنك لمن قوم شديد حياؤهم ، رفقاء في أمرهم ، يسبق صغيرهم كبيرهم» ، (١) ثمّ قال رسول الله : «إنّ الله يحبّ الحليم المتعفّف ، ويبغض البذيّ الجريء السائل الملحف».

وسأل رجلان ابن عباس عن الاستئذان في الثلاث العورات؟ قال : إنّ الله ستّير يحبّ الستر ، وكان الناس ليس لهم ستور على أبوابهم ولا حجال في بيوتهم ، وربّما فاجأ الرجل ولده وخادمه ، أو يتيم في حجره ، وهو مع أهله ، فأمرهم الله عزوجل أن يستأذنوا في الثلاث (٢) الساعات التي سمّى الله عزوجل ، ثمّ جاء الله عزوجل باليسر ، وبسط عليهم الرزق ، فاتّخذوا الستور والحجاب ، فرأى الناس أنّ ذلك قد كفاهم عن الاستئذان الذي أمروا. (٣)

وسئل الشعبيّ عن قوله : (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) قال : لم (٤) تنسخ ؛ لأنّ ابن عباس ذكر ما يجزئ من الاستئذان ، ولم يخبر عن نسخ الآية. (٥)

(ثَلاثُ عَوْراتٍ) : الساعات المعورة التي يفترضها ويتحيّنها المفسدون ، فإنّهنّ من الأيام والليالي كالحلل في الدور ، يقال : داره عورة معورة.

وأراد بالمماليك الصغار ؛ لأنّ (٦) العادة أنّ الناس يستخدمون الغلمان دون الفحول.

(الظهيرة) : الهاجرة.

٥٩ ـ (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ) : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله (٧) عليه‌السلام : «رسول الرجل إلى الرجل إذنه». (٨)

٦٠ ـ (وَالْقَواعِدُ) : اللّوازم.

(اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً) : لكبرهنّ ، واحدتهنّ قاعد ، كحائض وطامث.

(أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ) : خمارهنّ. (٢٤٠ و)

__________________

(١) أخرجه أبو زيد النميري في أخبار المدينة ٢ / ٤٨ مختصرا ، وابن حجر في الإصابة ٦ / ٦١ ، والإشبيلي في الأحكام الصغرى ٢ / ١٧٩ ـ ١٨٠.

(٢) (العورات؟ قال : إن الله ستّير ... أن يستأذنوا في الثلاث) ، ساقط من ع.

(٣) ينظر : تفسير ابن أبي حاتم (١٤٧٨٧) ، وسنن أبي داود (٥١٩٢) ، وأحكام القرآن لابن العربي ٣ / ٣٠٩ ـ ٣١٠.

(٤) ع وأ : ثم.

(٥) ينظر : الناسخ والمنسوخ في القرآن العزيز (٤٠٤) ، ونواسخ القرآن ١ / ٢٠٠ و ٢٠١ ، والناسخ والمنسوخ للكرمي ١ / ١٥٥.

(٦) ع : أن.

(٧) غير موجودة في الأصل ، وهذه من ك وع.

(٨) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (١٠٧٦) ، وأبو داود في السنن (٥١٨٩) ، والسيوطي في الجامع الصغير (٤٤٥٥).

٣٧٤

(غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ) : متبرّزات ، والمعنى : في نهيهنّ كون الزينة مشهية (١) للناظرين فيما لا يشتهى.

(وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ) : عن وضع (٢) الثياب.

(خَيْرٌ لَهُنَّ) : للاحتياط.

٦١ ـ (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) : وعن سعيد بن المسيّب ، وعبيد (٣) الله بن عبد الله بن عتبة بن [مسعود](٤) : أنّ المسلمين كانوا يرغبون في النّفر مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيعطون متاعهم رجالا يتخلّفون من أهل العلّة ، ومن كان لا يستطيع الخروج مع رسول الله عليه‌السلام ، ويستخلفونهم عليها مالا ، فقدموا من بعض أسفارهم ، فشكوا إليهم الحاجة ، وما أصابهم بعدهم ، قالوا : فهلّا أصبتم ممّا في بيوتنا إذا أصابكم مثل ذلك ، قال : فأصابوا منها ، فضاقت من ذلك (٥) ، وقالوا : نخشى أن لا تكون أنفسهم بذلك طيبة وإن قالوا بألسنتهم ما قالوا ، فنزلت. (٦)

وعن مقسم (٧) : كانوا يكرهون الأكل مع الأعمى والأعرج والمريض ؛ لأنّهم لا ينالون كما ينال الصحيح ، فإنّ الأعمى لا يبصر جيد الطعام والمختار ، والأعرج ربّما لا يتمكّن من الجلوس متهيّئا للاستيفاء ، والمريض لا يقدر على سرعة الأكل ، ولا على أكل ممتدّ لما يعرض له من الألم والعلّة ، فنزلت. (٨) فعلى هذين الآية عامّة.

وعن مجاهد : كان رجال زمنى (٩) عمي عرج ، أولو حاجة ، يستتبعهم رجال إلى بيوتهم ، فإن لم يجدوا لهم طعاما ذهبوا بهم إلى بيوت آبائهم وسائر المعدودين في الآية ، فكره ذلك المستتبعون ، فأنزل هذه الآية مختصة بالمتبسّطين في بيوت أهل المعروف والسماحة. (١٠) وقال الفراء : (عَلَى) هاهنا مكان

__________________

(١) ك : شهية.

(٢) الأصول المخطوطة : وجه ، وما أثبت ينظر : تفسير القرطبي ١٢ / ٣٠٩ ، والتحرير والتنوير ١٨ / ٢٩٨.

(٣) ع : عبد الله. وهو أبو عبد الله عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أخي عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما ، الإمام الفقيه ، مفتي المدينة وعالمها ، وأحد الفقهاء السبعة ، توفي سنة (٩٩ ه‍). ينظر : طبقات بن سعد ٥ / ٢٥٠ ، والمعارف ٢٥٠ ، طبقات الفقهاء للشيرازي ٦٠.

(٤) غير موجودة في الأصل ، وهي في ك ، وفي أ : المسعود.

(٥) (قال : فأصابوا منها ، فضاقت من ذلك) ، ساقط من ع.

(٦) تفسير الطبري ٩ / ٣٥٢ ، وأحكام القرآن لابن العربي ٣ / ٣١٦ ، والأحكام الصغرى للأشبيلي ٢ / ١٨١ ، والدر المنثور ٦ / ٢٠٥.

(٧) أبو القاسم مقسم بن بجرة بن حارثة بن قتيرة الكندي ثم التجيبي ، مولى عبد الله بن الحارث ويقال له : مولى ابن عباس للزومه له ، توفي سنة (١٢١ ه‍). ينظر : طبقات خليفة ٢٨١ ، وتهذيب الكمال ٢٨ / ٤٦١ ، والإصابة ٣ / ٤٥٥.

(٨) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ٣٥٢ ، وتفسير ابن أبي حاتم (١٤٨٥٩) ، والدر المنثور ٦ / ٢٠٥.

(٩) الأصل : زمر ، وك وع وأ : زمن. والتصحيح من مصادر التخريج. والزّمن : المبتلى بعاهة. ينظر : لسان العرب ١٣ / ١٩٩.

(١٠) ينظر : تفسير مجاهد ٤٤٤ ، وتفسير ابن أبي حاتم (١٤٨٦٩).

٣٧٥

في ، أي ليس في الأعمى حرج ، ولا في الأعرج حرج ، ولا في المريض حرج ، يعني : في مؤاكلتهم. (١)

و (العرج في الرجل) : يمنع عن المشي المستوي.

(أَوْ صَدِيقِكُمْ) : حبيبكم ومؤاخيكم.

(أَوْ أَشْتاتاً) : جمع شتّ ، وهو المتفرّق.

(فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) : كان ابن عمر (٢) إذا دخل بيتا ليس فيها (٣) أحد أو (٤) بيته (٥) ، وليس فيها أحد يقول : السّلام علينا ، وعلى عباد الصالحين. (٦) وعن إبراهيم النخعيّ : مثله. (٧) وذكر سفيان ، عن أبي سنان (٨) ، عن باذان (٩) ، قال : يقولون : السّلام علينا من ربّنا. (١٠) وقال مجاهد : إذا دخلت بيتا ليس فيها أحد فقل : بسم الله ، والحمد لله ، والسّلام علينا من ربّنا ، وعلى عباد الله الصالحين. (١١) وقال الفرّاء : من دخل مسجدا ليس فيه أحد فليقل : السّلام على رسول الله ، السّلام علينا من ربّنا ، السّلام على عباد الله الصالحين. (١٢)

٦٢ ـ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) : عن ابن عباس قال : كان رسول الله إذا خطب يوم الجمعة عرّض بالمنافقين يعنيهم في خطبته ، ويجولهم رجبا (١٣) ، فإذا سمعوا ذلك منه عرفوا لمكانهم ، ثمّ نظروا يمينا وشمالا ، فإذا أبصرهم إنسان ، لم يقوموا ، ولبثوا حتى يصلّوا الجمعة معه ، فإن لم يبصرهم أحد (٢٤٠ ظ) تسلّلوا فخرجوا من المسجد ، ولم يصلّوا الجمعة معه (١٤) ، فأنزل. (١٥)

__________________

(١) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٦١.

(٢) هنا في النسخ المخطوطة زيادة كلمة : كان.

(٣) ك : فيه ، وكذلك التي تليها.

(٤) أ : وبيته.

(٥) (وليس فيها أحد وبيته) مكررة في الأصل.

(٦) ينظر : أحكام القرآن لابن العربي ٣ / ٣٢٢ ، والدر المنثور ٦ / ٢٠٩.

(٧) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ٣٥٨.

(٨) ضرار بن مرّة الكوفي الشيباني الأكبر ، توفي سنة (١٣٢ ه‍). ينظر : الثقات لابن حبان ٤٨٤ ، وتهذيب الكمال ١٣ / ٣٠٦ ، وميزان الاعتدال ٧ / ٣٧٨.

(٩) أبو صالح باذان ، وقيل : باذام ، مولى أم هانئ بنت أبي طلب ، عامة ما يرويه تفسير ، قل ما له سند. ينظر : طبقات ابن سعد ٥ / ٣٠٢ ، والتاريخ الكبير للبخاري ٢ / ١٤٤ ، وسير أعلام النبلاء ٥ / ٣٧.

(١٠) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ٣٥٧ ، وفيه عن (ماهان) بدلا من (باذان).

(١١) تفسير ابن أبي حاتم (١٤٨٩٧).

(١٢) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٦٢.

(١٣) رجبت فلانا بقول سيء ورجمته بمعنى صككته. لسان العرب ١ / ٤١٣.

(١٤) ع وأ : معه الجمعة.

(١٥) ينظر : تفسير الرازي ٨ / ٤٢٤ ، واللباب في علوم الكتاب ١٤ / ٣٦٣ عن الكلبي.

٣٧٦

وكان دحية بن خليفة الكلبيّ يقدم المدينة إذا قدم كلّ ما يحتاج إليه الناس من بزّ ودقيق وغير ذلك ، لا يبقى أحد إلا أتاه من بين ناظر وبين مبتاع ، فكان المسلمون لا يخرجون بعد نزول هذه الآية حتى يستأذنوا رسول [الله](١) ، وأما المنافقون (٢) فكانوا يخرجون بغير إذن. (٣)

٦٣ ـ (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) : اتّصالها من حيث اعتبار توقير رسول الله. قيل : هو النداء من وراء الحجرات. (٤) وقيل : التصريح بمجرّد اسمه من غير ذكر الرسالة والنبوّة. (٥) وقيل : هو التسوية بينه وبين سائر الناس بالدعاء له. (٦) وعن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لا ينبغي الصلاة (٧) على أحد إلا على النبيّ عليه‌السلام. (٨) ولذلك كرهنا إطلاق لفظة الصلاة على سبيل الابتداء في دعاء غير الأنبياء.

(يَتَسَلَّلُونَ) : ينسلّون.

(لِواذاً) : استتارا والتجاء ، وذلك لأنّ بعض المنافقين كان يختفي وراء بعض.

(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) : دليل على وجوب الأمر ، على جواز نسخ الكتاب بالسنّة ، وإنّما قيل : (عَنْ أَمْرِهِ) لاعتبار المعنى ، وهو الإعراض.

٦٤ ـ (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ) : قد بينّا الكلام في العدول عن المغايبة إلى المخاطبة.

(وَيَوْمَ) : معطوف على (ما). وقيل : ظرف لمضمر. (٩)

(فَيُنَبِّئُهُمْ) : معطوف على (يَعْلَمُ) ، أو على مضمر ، والمضمر : يجمعهم ، أو نحوه.

وعن أبيّ بن كعب ، عنه عليه‌السلام : «من قرأ سورة النور كان له عشر حسنات بعدد كلّ مؤمن ومؤمنة». (١٠) وعن أحمد بن حنبل قال : إذا روينا عن رسول الله في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشدّدنا في الأسانيد ، وإذا روينا في فضائل الأعمال ، وما لا يضع حكما ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد. (١١)

__________________

(١) ليست في الأصل.

(٢) الأصول المخطوطة : المنافقين.

(٣) ينظر : تفسير القرطبي ١٨ / ١٠٩ ، وتفسير ابن كثير ٤ / ٤٧١.

(٤) ينظر : وضح البرهان في مشكلات القرآن ٢ / ١١٨ ، والدر المنثور ٦ / ٢١١ عن ابن عباس.

(٥) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ٣٦٠ ، وتفسير ابن أبي حاتم (١٤٩٢٦) عن مجاهد ، والدر المنثور ٦ / ٢١١ عن عكرمة.

(٦) ينظر : تفسير ابن أبي حاتم (١٤٩٣٠) ، والدر المنثور ٦ / ٢١١.

(٧) مكررة في أ.

(٨) مصنف عبد الرزاق ٢ / ٢١٦ ، والمعجم الكبير للطبراني (١١٨١٣) ، وسنن البيهقي ٢ / ١٥٣.

(٩) ينظر : المحرر الوجيز ١٠٥٥٧ ، واللباب في علوم الكتاب ١٤ / ٤٧١.

(١٠) ينظر : الكشاف ٣ / ٢٦٦ ، وتفسير جوامع الجامع ٢ / ٦٠٣ ، وتفسير نور الثقلين ٣ / ٥٦٨.

(١١) ينظر : المقتصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد ٣ / ١٦١ ، والكفاية في علم الرواية ١٣٤.

٣٧٧

سورة الفرقان

مكية في أكثر الأقاويل. (١) وروى المعدّل عن ابن عباس : أنّ قوله : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً (٢) آخَرَ) [الفرقان : ٦٨] إلى انتهاء ثلاث آيات نزلن بالمدينة. (٣)

وهي سبع وسبعون آية بلا اختلاف. (٤)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١ ـ (تَبارَكَ) : تفاعل من البركة ، وهو للواحد كالتمالك والتماسك بخلاف التضاحك والتشارك. والتبارك : صفة ذووية ؛ لأنّ العبارة عنه ثابتة لا تنافيها عبارة في وصف الله تعالى بوجه ، فهو متبارك حميد مجيد ، لم يزل ولا يزال ، سبحانه من متبارك (٥) متفاعل.

٣ ـ (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) : الآية عامّة (٦) في المشركين من عبدة الأرواح والأشخاص ، يدلّ عليه قوله في المائدة : (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) [المائدة : ٧٦].

وفي الآيتين ردّ على القدرية.

٤ ـ (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) : نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة. (٧)

٥ ـ (اكْتَتَبَها) : من الكتابة ، كالتقوّل من القول. وقيل : (٢٤١ و) استكتبها. (٨)

٦ ـ (الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ) : تخصيصه به هو التنبيه على الاستدلال بما في القرآن من الأحكام ، تكون الكوائن في المستقبل ، مثل اللّزام ، (٩) وغلبة الروم ، (١٠) والدخان ، (١١) وكفاية

__________________

(١) ينظر : تفسير القرطبي ١٣ / ١ ، والإتقان في علوم القرآن ١ / ٣٢ ، وإتحاف فضلاء البشر ٤١٥.

(٢) ع : إله.

(٣) ينظر : تفسير الماوردي ٤ / ١٣٠ ، وتفسير القرطبي ١٣ / ١.

(٤) ينظر : فنون الأفنان ١٤٦ ، وجمال القراء ٢ / ٥٣٤ ، ومنار الهدى ٥٤٤ ، ونقل السيوطي في الإتقان ١ / ٤٣ عن ابن الغرس : أنها مكية في قول الجمهور.

(٥) ع : متبادل.

(٦) أ : عليه.

(٧) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ٣٦٥.

(٨) معجم تهذيب اللغة ٤ / ٣٠٩٧ ـ ٣٠٩٨ ، وعمدة الحفاظ ٣ / ٤٤٠.

(٩) هو القتل الذي جرى للمشركين يوم معركة بدر الكبرى ، ينظر : تفسير ابن أبي حاتم (١٥٥١٥) ، وشرح النووي على صحيح مسلم ١٧ / ١٤١ ، وعمدة القاري ١٩ / ٩٨.

(١٠) إشارة إلى قول الله تعالى : (الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢)) [الروم : ١ ـ ٢].

(١١) إشارة إلى قوله تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠)) [الدخان : ١٠].

٣٧٨

المستهزئين ، (١) وبما كان يخبر رسول الله من الغيب ، مثل أخبار ليلة الإسراء ، (٢) وأكل الأرضة صحيفة (٣) قريش لّما تكاتبت (٤) على بني هاشم حين أبوا أن يدفعوا رسول الله إليهم ، وذلك أنّهم كانوا يتّهمون رسول الله أنّه يتعلّم من جبر ويسار وعائش ، (٥) فبرّأه الله تعالى مرّة بقوله : (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)، ومرّة بقوله : (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) [النحل : ١٠٣] ، فلمّا نبّههم على هذا رموه بالشعر والسحر والكهانة.

وقوله : (إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) : ترغيب وتعريض بقبول التوبة إن تابوا.

٧ ـ (وَقالُوا (٦) ما لِهذَا الرَّسُولِ) : عن الكلبيّ ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : أنّ نفرا من قريش ، وهم ستة عشر رجلا ، وهم المقتسمون : ثلاثة نفر من بني عبد شمس : حنظلة (٧) بن أبي سفيان ، وشيبة وعتبة ابنا ربيعة ، وسبعة (٨) من بني مخزوم : أبو جهل ، والعاص بن وائل ، وأبو قيس بن الوليد ، وقيس بن الفاكه (٩) ، وزهير بن أبي أمية ، وهلال بن الأسد ، والسائب بن صيفي (١٠) ، ورجلان من بني أسد : أبو البختريّ ، وعبد الله بن أبي أمية ، ورجل من بني عبد الدار وهو النضر بن الحارث ، ورجل من بني سهم وهو نبيه بن الحجاج ، ورجلان من بني (١١) جمح : أميّة بن خلف ، وأوس بن المغيرة ، اجتمعوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند الكعبة قد توافقوا على الكفر ، وبعثوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليكلّموه ، فجاءهم مسرعا ، وهو يظنّ أنّه قد بدا (١٢) لهم فيه بداء ، وكان حريصا عليهم يحبّ (١٣) رشدهم وهداهم ، فلمّا جلس إليهم قالوا : يا محمد ، قد بعثنا إليك

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥)) [الحجر : ٩٥]. وينظر : الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ٢ / ٦٠٥ ـ ٦١٧.

(٢) ينظر : دلائل النبوة للبيهقي ٢ / ٣٥٤ وما بعدها ، وفضائل بيت المقدس ١ / ٧٣ وما بعدها ، وسبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ٣ / ١١٣ وما بعدها ، وغيرها.

(٣) أ : صحيحة.

(٤) الأصول المخطوطة : تكاتب.

(٥) سبق في تفسير آية النحل ١٠٣.

(٦) الأصول المخطوطة : فقالوا.

(٧) ك : بن حنظلة.

(٨) الأصول المخطوطة : سبع ، ينظر : كتب التخريج.

(٩) أ : الفاكهة.

(١٠) في كتاب المحبر ١٦٠ : صيفي بن السائب.

(١١) ساقطة من ع.

(١٢) ع : ساقط جزء من الكلمة ، وهو بد.

(١٣) أ : يحيف.

٣٧٩

لحاجة ، فاستمع منّا ، وأجبنا بالذي نسألك عنه ، فقال لهم رسول الله : إن شاء الله ، قال : فبدأ (١) أبو جهل بن هشام فقال : يا محمد ، أنت ابن عمّنا ومن عشيرتنا ، وأنت فينا فقير عائل ضعيف ، ولا نحبّ أن نقول لك إلا ما يعرف قومك ، وقد أتيتنا بأمر لم يواطئك عليه (٢) أحد من عشيرتك [فيه خير](٣) ، ولا أحد (٤) ممّن سواهم معه غفلة ، ونراك قلت قولا ما قاله أبوك ، ولا أحد ممّن سواهم معه عقله ، وقد تعلم أنّ الشياطين يحضرون سفهاء الناس ، فلا تكن ممّن يضع قومه ، وتسمّع بهم الناس ، فيكون لنا ذلك (٥) وضيعة ما بقينا ، وقد علمنا أنّ الله جليل عظيم لا ينبغي لرسوله أن يمشي بيننا فقيرا (٢٤١ ظ) عائلا ، وهو ذا أنت تمشي في الطريق معنا ، وتأكل الطعام كما نأكل ، ولو شاء الله لجعل ملائكة من عنده ، يقضون من أمره ، إنّه على ذلك قدير. قال : ثمّ تكلّم عتبة بن ربيعة فقال : يا ابن عبد المطلب ، انظر الذي تكلمت فيه ، فراجعنا فيه (٦) ، فإنّا لك ناصحون ، وإن أنت مضيت على الذي أنت لم تضرّ بذلك إلا نفسك ، ونحرّض الناس على قتلك ، ونعلم أن قد عصيتنا وعصيت أمرنا ، ورفضت نصيحتنا ، فراجعنا ، فإنّا قد علمنا أنّ الله ربّ كلّ شيء ، فما لك لا تراجعنا؟ وما لكلامنا يغلب كلامك؟ وأنت تزعم ، يا ابن عبد المطلب ، أنّه كلام الله ، أفكلامنا يغلب كلام الله؟ هذا لتعلم ، يا محمد ، أنّك مغرور مسحور ، ألست تعلم أنّ الله يعلم غيب كلّ شيء؟ قال : بلى ، حقا ويقينا ، وأنا على ذلك من الشاهدين ، قال : فإن كنت كما تزعم أنّك رسوله ، فما منعه أن يخبرك أنّ قريشا سيقولون كذا وكذا ، فردّ عليهم كذا وكذا؟ هذا لتعلم ، يا محمد ، أنّك قد أتيت بأمر عظيم باطل لا نصبر عليه ، يا ابن عبد المطلب ، ألست تعلم أنّ الله يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء؟ قال : بلى ، حقا ويقينا ، وأنا على ذلك من الشاهدين ، قال : أفلا يليّن قلوبنا لنصدقك (٧) بما تقول فنؤمن لك؟ هذا لتعلم أنّك لتأتي (٨) بأمر عظيم ، أفلا ألقي إليك كنز من ذهب ، فتستغني به عن الناس؟ قال : ثمّ تكلّم أمية بن خلف الجمحيّ فقال (٩) : يا ابن عبد المطلب ، لا عليك ، ألست تعلم أنّ الأرض والخلق والجبال كلّها لله؟ فقال رسول الله : بلى ، حقا ويقينا ، وأنا على ذلك من الشاهدين ، قال : فهلمّ

__________________

(١) أ : قبل.

(٢) الأصل وع وأ : عليك.

(٣) زيادة من مصادر التخريج.

(٤) أ : لأحد من.

(٥) ع : ذلك لنا.

(٦) الأصل : فيه.

(٧) ساقطة من ع.

(٨) ساقطة من ع.

(٩) أ : يقال.

٣٨٠