عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني
المحقق: د. طلعت صلاح الفرحات / د. محمّد أديب شكور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر ناشرون وموزعون
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
الصفحات: ٨٠٢
سورة النحل
مكية. عن ابن عباس (١) ، وعطاء (٢) ، وابن المبارك (٣) ، وجماعة إلا قوله : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ ...) [النحل : ١٢٦] الآية ، فأنزلت في منصرف [النبي ، عليه](٤) السّلام من أحد. وروى همام (٥) ، ومعمر (٦) ، عن قتادة : أنّها مدنية. (٧) وكذا عن أبي. وعن الحسن : أنّ أربعين آية من أوّلها مكية ، والباقي مدنيّ. (٨) وعن ابن عباس ، وقتادة : أنّ من أوّل السورة إلى قوله : (وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) [النحل : ٩٤] مكيّ ، ومن قوله : (وَلا تَشْتَرُوا ...) [النحل : ٩٥] إلى قوله : (بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل : ٩٧] مدنيّ. (٩)
وهي مئة وثمان وعشرون (١٠) آية. (١١) والله أعلم.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
١ ـ (أَتى أَمْرُ اللهِ) : ابن عباس قال : لمّا نزلت هذه الآية : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ ...) الآية [الأنبياء : ١] ، ثمّ نزلت : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) [القمر : ١] ، ثم أمهلت ، قالت كفّار قريش : يا محمد ، تزعم أنّه قد اقترب للناس حسابهم ، والله ما نرى ممّا تقول شيئا ، قال : فنزلت (أَتى أَمْرُ اللهِ)، فوثب رسول الله عليهالسلام لا يشك أنّ العذاب قد أتاهم حتى قال له جبريل عليهالسلام :
__________________
(١) معاني القرآن للنحاس ٤ / ٥٠ ، والدر المنثور ٥ / ١٠٧ ، إلا أنه قال : سوى ثلاث آيات من آخرها.
(٢) ينظر : تفسير ابن كثير ٢ / ٥٩٣ ، والدر المنثور ٥ / ١٠٧. وعطاء هو أبو محمد عطاء بن أبي رباح ، المكي القرشي مولاهم ، شيخ الإسلام ، ومفتي الحرم ، توفي ١١٤ ه. ينظر : معرفة الثقات ٢ / ١٣٥ ، التاريخ الكبير للبخاري ٦ / ٤٦٣ ، وميزان الاعتدال ٥ / ٩٠.
(٣) شيخ الإسلام أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي التميمي مولاهم ، المروزي ، توفي سنة ١٨١ ه. ينظر : تسمية فقهاء الأمصار ١ / ١٢٨ و ١٣٠ ، والفهرست لابن النديم ٢٨٤ ، وتقريب التهذيب ١ / ٤٤٥ ، والأعلام ٤ / ١١٥.
(٤) سواد في الأصل ، وهي من ك.
(٥) هو أبو عبد الله همّام بن يحيى بن دينار العوديّ المحلمي توفي سنة ١٦٣ ه. ينظر : السابق واللاحق ٣٦٤ ، والأنساب للسمعاني ٩ / ٨٦ ، والكاشف ٣ / ٢٢٥ ، ومعجم المؤلفين ١٢ / ٣٠٩.
(٦) هو أبو عروة معمر بن راشد الأزديّ الحدّاني مولاهم ، البصري ، الإمام الحافظ ، شيخ الإسلام ، توفي سنة ١٥٤ ه. ينظر : الجرح والتعديل ٨ / ٢٥٥ ، والثقات لابن حبان ٧ / ٤٨٤ ، والرواة الثقات المتكلم فيهم ١٦٦ ،
(٧) ينظر : التفسير الكبير ٧ / ١٦٧ ، واللباب في علوم الكتاب ١٢ / ٣ من غير نسبة.
(٨) التبيان في عد آي القرآن ١٢٨ ، والإتقان ١ / ٥٠ عن قتادة ، وفي جواهر القرآن ١ / ١٠٤ هذا القول منسوب لجابر بن زيد ، وكذلك في الإتقان ١ / ٥٠.
(٩) ينظر : تفسير القرطبي ١٠ / ٦٥ ، وحاشية القونوي ١١ / ٢٠٦.
(١٠) الأصول المخطوطة : عشرين وهو خطأ.
(١١) ليس فيها اختلاف ، ينظر : فنون الأفنان ١٣٩ ، وجمال القراء ٢ / ٥٢٨ ، ومنار الهدى ٤٢٨.
(فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ)، فجلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم. (١)
٢ ـ (أَنْ أَنْذِرُوا) : المشركين فإنّ إعلامهم توحيد الله هو الموجب للخوف ؛ لما هم فيه من الباطل.
٤ ـ (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) : عن ابن عباس : أنّ النبيّ عليهالسلام ذكر لقريش القرون الماضية ، وما ذا أهلكوا به ، وقال : «ثم يعيدهم الله خلقا جديدا بعد الموت يوم القيامة» ، فأخذ أبيّ بن خلف عظما باليا نخرا يتحات ، بلي ، فجعل يفتته بيده ، ويذريّه في الرياح ، ويقول : عجبا لمحمد يزعم : أنّه يعيدنا إذا كنّا عظاما ورفاتا بمنزلة هذا العظم البالي ، وأنّا (٢) نعاد خلقا جديدا إلى الدنيا فينا (٣) الروح ، هذا والله لا يكون أبدا ، فنزل في ذلك : (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ ... وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً) [يس : ٧٧ ـ ٧٨] : بالعظم ، (وَنَسِيَ خَلْقَهُ) : الأول. (٤)
٥ ـ (دِفْءٌ) :" نسل كلّ دابة" ، عن ابن عباس. (٥) وقيل : نتاج الإبل وألبانها. (٦) وقيل : سخونة أوبارها ، وأشعارها يستدفئون بها. (٧)
٦ ـ (جَمالٌ) : حسن المنظر.
(حِينَ تُرِيحُونَ) : تردّون الإبل إلى بيوتكم ومنازلكم رواحا.
(وَحِينَ تَسْرَحُونَ) : بالغداة إلى المرعى.
٧ ـ (إِلى بَلَدٍ) : قيل : مكة ، حرسها الله. وفي الحديث : «لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، (١٨١ و) و (٨) مسجد رسول الله ، والمسجد الأقصى». (٩) والظاهر أنّه أيّ بلد كان.
٨ ـ (الْبِغالَ)(١٠) : ما يتولّد من الحمار والفرس.
__________________
(١) ينظر : تفسير ابن وهب ، وتفسير الخازن ٣ / ٦٧ ، والتفسير الكبير ٧ / ١٦٨ ولم ينسبه.
(٢) ك : وإنما ، وأ : وأما.
(٣) ك : فبينا.
(٤) ينظر : تفسير ابن أبي حاتم (١٨١٢٢) ، وزاد المسير ٥ / ٢٥٢ ، والدر المنثور ٧ / ٧٥.
(٥) تفسير ابن أبي حاتم ٧ / ٢٢٧ ، والدر المنثور ٥ / ٩٧ ، وفتح البيان في مقاصد القرآن ٧ / ٢٠٩.
(٦) ينظر : تفسير الطبري ٧ / ٥٦٠ ، والمحرر الوجيز ٨ / ٣٧١ ، واللباب في علوم الكتاب ١٢ / ١٢.
(٧) ينظر : تفسير الطبري ٧ / ٥٦٠ ، والتفسير الكبير ٧ / ١٧٤ ، والجواهر الحسان ٢ / ٢٢١.
(٨) ك وع وأ : أو.
(٩) أخرجه البخاري في الصحيح (١١٨٩) ، ومسلم في الصحيح (١٣٩٧) ، وأبو داود في السنن (٢٠٣٣) ، وابن الجارود في المنتقى ١ / ١٣٥ ، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(١٠) ع : (وَالْبِغالَ).
وفي الآية دليل على كراهيّة لحم الفرس.
(وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) : عامّ. وعن قتادة : أنّه السوس في النبات ، والدود في الفواكه. (١)
٩ ـ (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) : أي : إلى الله الهداية إلى سمت.
(وَمِنْها) : ومن السبل.
(جائِرٌ) : زائغ مائل.
١٠ ـ (شَجَرٌ) : كلّه ما ينبت من الأرض.
(تُسِيمُونَ) : ترعون (٢).
١٣ ـ (وَما ذَرَأَ) : في محلّ النصب عطفا على (اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) [النحل : ١٢]. وقيل : في محلّ الخفض عطفا على قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ) [النحل : ١٢]. (٣) وقيل : في محلّ الرفع بالابتداء ، وخبره الجملة. (٤) والذرأ : الخلق.
و (الألوان) : الأجناس مجازا ، والأصباع : حقيقة (٥).
١٤ ـ (طَرِيًّا) : جديدا (٦). وقيل : أراد الطريّ والمالح جميعا ، اقتصر على أحد طرفي الكلام ، كقوله : و (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١]. (٧)
(حِلْيَةً) : يعني : اللؤلؤ والياقوت والمرجان والعنبر.
(مَواخِرَ) : فواعل ، يقال : مخرت السفينة إذا شقت الماء بصدرها.
(وَلِتَبْتَغُوا) : الواو مقحمة. وقيل : للعطف على مضمر ، أي : لتتفكروا ، ولتبتغوا فضله. (٨)
__________________
(١) تفسير الخازن ٣ / ٦٩ ، وينظر : فتح القدير ٢ / ٥٣١ ، وفتح البيان في مقاصد القرآن ٧ / ٣١٣ من غير نسبة.
(٢) الأصول المخطوطة : تزرعون ، وهو خطأ ، والمثبت هو الصواب ، وهو قول عن ابن عباس ينظر : صحيح البخاري (فتح الباري) ٨ / ٣٨٤ ، ولسان العرب ١٢ / ٣١١ ، وتغليق التعليق ٤ / ٢٣٦.
(٣) ينظر : كشف المشكلات وإيضاح المعضلات في إعراب القرآن وعلل القراءات ٢ / ٢٢ ، ومجمع البيان ٦ / ١٦٤ ، والبيان في غريب إعراب القرآن ٢ / ٧٦.
(٤) ينظر : الحجة في القراءات السبع ١ / ١٥٦ ، والتبيان في أقسام القرآن ١ / ٨٧ ، وتفسير أبي السعود ٥ / ١٠٢.
(٥) ك وع وأ : حقيق.
(٦) الأصل وك وأ : جديد.
(٧) ينظر : تفسير الطبري ٧ / ٥٦٨ عن قتادة ، والمحرر الوجيز ٨ / ٣٨٥ ، والتفسير الكبير ٧ / ١٨٨.
(٨) ينظر : المجيد في إعراب القرآن المجيد ٢٥٨ ، والبحر المحيط ٥ / ٤٦٦ ، وروح المعاني ١٤ / ١١٤ عن ابن الأنباري.
١٥ ـ (أَنْ تَمِيدَ) أي : كيلا (١) وكراهة أن تميد : تميل وتتحرك.
(وَأَنْهاراً وَسُبُلاً) : وجعلنا فيها أنهارا وسبلا.
١٦ ـ (بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) : يعني : أهل البادية والمبحرين للقبلة بضوئها ، وتيامنها وتياسرها في الليالي ، وأصحاب الزروع بطلوعها (٢) وغروبها ، والمحاسبين بطوالعها وغواربها إذا لم يكن معهم آلة يقدرون بهذا ظلّ الشمس بالنهار.
١٧ ـ (كَمَنْ لا يَخْلُقُ) : يعني : الطواغيت كلّها من الجنّ والإنس والأصنام.
٢١ ـ (أَمْواتٌ) : أي : الذين تدعونهم من دون الله ، وهم الشيطان والفراعنة (٣) أموات بقلوبهم ، ليست لهم حياة الإيمان. ويحتمل : أنّ المدعوين قوم درجوا وانقرضوا من هؤلاء الشياطين والفراعنة. ويحتمل : الأصنام على سبيل الحقيقة (٤) عند من يجعل الموت والجمود شيئا واحدا ، وعلى سبيل المجاز عند من يجعل الموت معنى تعقب الموت (٥).
(أَيَّانَ) : أوان.
٢٤ ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) : عن ابن عباس : نزلت في المقتسمين ؛ وذلك أنّ المشركين بعثوا ستة عشر رجلا إلى عقبات (٦) مكة على طريق الناس أيّام الحجّ ، على كلّ عقبة أربعة ؛ ليصدوا الناس عن رسول الله ، وقالوا لهم (٧) : من أتاكم يسألكم عن محمد ، فليقل بعضكم : هو شاعر ، وبعضكم : هو كاهن ، وبعضكم : هو مجنون ، وبعضكم : هو يتلو (٨) علينا أساطير الأولين ، وأن لا تروه ولا يراكم خير لكم ، فإذا انتهوا إلينا صدقناكم ، وبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فبعث إلى كلّ أربعة أربعة من المسلمين ؛ ليكذّبوهم ، ويقولوا : هو يهدي إلى الحقّ ، ويأمر (٩) بصلة الرحم ، ويأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ويدعو إلى الخير ، فكان الناس يسألونهم : ما هذا الخير الذي يدعوا إليه؟ فكانوا يقولون : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) [النحل : ٣٠] ، فكانوا يسألون : ما هذه الحسنة؟
__________________
(١) ك وع وأ : لئلا.
(٢) ع : بطوعها.
(٣) أ : والفرعنة.
(٤) أ : الحقيقي.
(٥) ساقطة من ك.
(٦) ع : عقاب.
(٧) ع : له.
(٨) الأصول المخطوطة : يدعوا.
(٩) أ : وما من.
(١٨١ ظ) فكانوا يقولون : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها ...) الآية [النحل : ٣١]. (١)
٢٦ ـ (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : في التفسير : أنّ نمرود بن كنعان كان بنى صرحا ببابل يمكر به ، ويسخر وينمس. (٢) عن ابن عباس ووهب : كان طوله في السماء خمسة آلاف ذراع. (٣) وعن كعب : كان فرسخين ، فهبّت ريح فألقت رأسه ، وخرّ عليهم الباقي من فوقهم. ويحتمل : أنّ ذكر البنيان وهدمه على وجه التمثيل والاستعارة ، كنقض القول.
٢٧ ـ (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) : هم الراسخون من جملة المؤمنين. يستدلون بهذا الخطاب يوم القيامة : أن الكفار المخصوصون بالزجر والإنكار وإدخال النار.
٣٣ ـ (هَلْ يَنْظُرُونَ) : استفهام بمعنى اللوم والتقريع.
٣٥ ـ (وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ)(٤) : من دون أمره وإذنه.
(كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : أي : هكذا احتجّ بالتقدير عند التذكير ، ولزوم النكير لرفع التعيير الذين كانوا من قبلهم.
وإنما جاز قوله : (فَإِنَ (٥) اللهَ لا يَهْدِي) جزاء الشرط المذكور ؛ لما فيه من الإعلام ، أي : فاعلم أن الأمر على (٦) هذه الصورة ، وتعز (٧) بهذا العز.
٣٩ ـ (لِيُبَيِّنَ) : أي : ليبعث الموتى ، ليبيّن على طريق المشاهدة.
٤١ ـ (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ) : عن ابن عباس : نزلت في ستة نفر من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم أسرهم أهل مكة : بلال بن رباح المؤذن (٨) ، وعمار بن ياسر (٩) ، وصهيب بن سنان (١٠) ،
__________________
(١) ينظر : مجمع البيان ٦ / ١١٩ ـ ١٢٠.
(٢) ينظر : مجمع البيان ٦ / ١٢٠ ، وفتح القدير ٢ / ٥٣٨ ، وينمس : يخدع ويلبّس. ينظر : لسان العرب ٦ / ٢٤٣.
(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٩ / ٣٨١ ، واللباب في علوم الكتاب ١٢ / ٤٤ من غير نسبة.
(٤) ع زيادة : (مِنْ شَيْءٍ).
(٥) الأصول المخطوطة : إن.
(٦) أ : ملي.
(٧) أ : تعد.
(٨) أبو عبد الله بلال بن رباح ، مؤذن رسول الله عليهالسلام ، مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ، توفي ٢٠ ه. ينظر : معجم الصحابة ١ / ٧٨ ، والاستيعاب ١ / ١٧٨ ، ورواة الآثار ٤٩.
(٩) أبو اليقظان عمار بن ياسر بن عامر ، مولى بني مخزوم ، أحد السابقين البدريين ، استشهد بصفين سنة ٣٧ ه. ينظر : معجم الصحابة ٢ / ٢٤٩ ، تاريخ بغداد ١ / ١٥٠ ، أسد الغابة ٤ / ١٢٩ ، والكاشف ٢ / ٣٠١ ،
(١٠) أبو يحيى صهيب بن سنان بن مالك النمري ، من السابقين للإسلام ، بدري ، توفي سنة ٣٨ ه. ينظر : معجم الصحابة ٢ / ١٧ ، وصفة الصفوة ١ / ٤٢٠ ، والمعين في طبقات المحدثين ١ / ٢٢.
وخبّاب بن الأرت (١) ، وعائش وجبر أسروهم ، وعذّبوهم ؛ ليردّوهم عن الإسلام ، فأمّا صهيب فابتاع نفسه بماله ، وفيه نزل : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ...) الآية [البقرة : ٢٠٧] ، وأمّا سائر أصحابه فقالوا بعض ما أرادوا ، ثم هاجروا بعد ذلك إلى المدينة. (٢)
٤٢ ـ (الَّذِينَ صَبَرُوا) : أي : كانت قلوبهم مطمئنة بالإيمان.
٤٤ ـ (بِالْبَيِّناتِ) : أي : أرسلنا هؤلاء الرسل بالبيّنات.
(لِتُبَيِّنَ) : ما نزّل إليهم ، يدلّ : أنّ [من](٣) القرآن ما لا يعلم إلا بالتوفيق النبوي.
وقوله : (وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) يدلّ : أنّ فيه ما يعلم بالتفكير والتدبر ، فأما ما لا (٤) يعلم تأويله إلا الله ، فذلك جنس ثالث ، وقد بيّن ذلك في أثناء المحكمات على طريق الإجمال دون اليقين ، وما يعلم معناه عند ورود الخطاب من غير توقيف ولا تفكر جنس رابع ، وهو الحجة على جميع العقلاء.
٤٥ ـ (أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ) : خسف الأرض : سؤوخها (٥) بما فيها. ويحتمل : تقليب الأعيان وإفساد الأبنية ، وكأنّ المراد بالخسف : حالة القرار والسكون ؛ ولذلك انعطف عليها حالة التقلّب.
٤٧ ـ (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ) : فالمتقدم حالة الأمن ، فانعطف حالة الخوف عليها ، وإن أراد الحالتين (٦) ، فمعناه : بتخوف ، وهو بأن يلقي الرعب في قلوبهم ، فلا يزالون يتخوفون من كلّ شيء لا يطيب لهم.
٤٨ ـ (داخِرُونَ) : صاغرون.
٤٩ ـ عديّ بن أرطأة (٧) قال : ألا أحدثكم بحديث ما بيني وبين رسول الله إلا رجل قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ لله ملائكة في السماء السابعة سجودا منذ خلقهم إلى يوم القيامة ترعد
__________________
(١) أبو عبد الله خباب بن الأرت بن جندلة ، سادس ستة في الإسلام ، توفي ، ينظر : معرفة الثقات ١ / ٣٣٤ ، وصفة الصفوة ١ / ٤٢٧ ، وتهذيب الأسماء ١ / ١٧٥ ،
(٢) لم أجد هذه الرواية فيما لديّ من مراجع ، إلا أني وجدت رواية مختصرة معناها قريب من هذا المعنى من غير تحديد أسماء في تفسير الطبري ٧ / ٥٨٥ ، وتفسير ابن أبي حاتم (١٢٥١٦) ، والدر المنثور ٥ / ١١١.
(٣) زيادة يقتضيها السياق.
(٤) ساقطة من ع.
(٥) ساخت بهم الأرض أي : انخسفت وغاصت. ينظر : لسان العرب ٣ / ٢٧.
(٦) الأصول المخطوطة : الحالتان.
(٧) الفزاري ، استعمله عمر بن العزيز على البصرة ، توفي ١٠٢ ه. ينظر : الثقات لابن حبان ٥ / ٢٧١ ، وتهذيب الكمال ١٩ / ٥٢٠ ، وتاريخ الإسلام ٤ / ١٥٠.
(١٨٢ و) فرائصهم (١) ، لا تقطر من دموعهم قطرة إلا صارت ملكا قائما ، فإذا كان يوم القيامة رفعوا رؤوسهم ، فقالوا : سبحانك ما عبدناك حقّ عبادتك» (٢).
٥٠ ـ (مِنْ فَوْقِهِمْ) : قيل : من جهة فوقهم ، فهم يخافون نزول عذاب ربهم من تلك الجهة. وقيل : يخافون ربّهم الذي فوقهم بلا كيفية.
٥١ ـ (اثْنَيْنِ) : للتأكيد ، لا لتعليق الحكم بعدد (٣) محصور ، يدل عليه ما بعده وهو قوله : (إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ).
٥٢ ـ (واصِباً) : قال أبو عبيدة : دائما. وقال ابن عرفة : ثابتا دائما. (٤)
٥٣ ـ (تَجْئَرُونَ) : ترفعون أصواتكم بتلبية واستغاثة ، والمراد به جؤارهم حالة الاضطرار.
٥٦ ـ (وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً) : كقوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) [الأنعام : ١٣٦].
٥٧ ـ (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ) : عن ابن عباس : أنّ بني خزاعة وبني كنانة ، كانوا يزعمون أنّ الملائكة إناث ، فإنّهم بنات الله ، تعالى (٥) عما يقولون. (٦)
(وَلَهُمْ) : قيل : الواو للاستئناف. (٧) وقيل : للعطف. (٨)
٥٨ ـ (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) : لكراهتهم البنات ، فكانت تجمع همومهم في قلوبهم ، وتتزايد أنفاسهم في صدورهم ، فيكظمونها ، ويختنقون (٩) بها ، والمخنوق يسودّ وجهه باجتماع الدم المخنوق الكثير في بشرته.
٥٩ ـ (يَتَوارى) : يختفي بما يواري.
(أَيُمْسِكُهُ) : وترتب (أَمْ) عليها لإثبات إحدى الحالتين : حقيقة ، وضرورة لا
__________________
(١) الفرائص : لحمة عند نغض الكتف ، ترعد وتثور عند الفزعة. الفائق في غريب الحديث ٣ / ١٥.
(٢) ينظر : تعظيم قدر الصلاة ١ / ٢٦٨ ، والعظمة ٣ / ٩٦٤ ، وتاريخ بغداد ١٢ / ٣٠٦ ، وتاريخ دمشق ٤٠ / ٦١ ، وهو حديث مرسل.
(٣) ك : عد.
(٤) ينظر : الغريبين ٦ / ٢٠٠٣.
(٥) ع : تعالى الله.
(٦) ينظر : البحر المحيط ٦ / ٥٤٧ ، وفتح القدير ٢ / ٢٢٤ ، وحاشية القونوي ١١ / ٣٠٠ من غير نسبة.
(٧) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٧٢ ، والمجيد في إعراب القرآن المجيد ٢٧٨.
(٨) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٧٢ ، والتفسير الكبير ٧ / ٢٢٤ ، والبحر المحيط ٦ / ٥٤٧ ، وحاشية القونوي ١١ / ٣٠٠.
(٩) أ : يخسفون.
يعنيها (١) ، ومجازه : إما ليفعلن كذا ، وإما ليفعلن كذا.
(هُونٍ) : هوان (٢).
والهاء (٣) عائدة إلى ما بشّر به. والدّسّ : إدخال الشيء في الشيء.
كانوا يقتلون أولادهم خشية إملاق ، فأنزل : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ) [التكوير : ٨].
(أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) : نسبة البنات إلى الله تعالى ، أو وأد البنات.
٦٠ ـ قيل : (السَّوْءِ) وصفهم الباطل والدون (٤).
(وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) : وصفه الصدق والحقّ ، قال تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ...) الآية [الأحزاب : ٤].
٦٢ ـ (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ) : الذين يصفونه بالتعطيل عن الصفات.
٦٣ ـ (فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) : صوّر الجهل عقلا ، والأماني براهين ، ووسوس بالملاذّ العاجلة حتى يؤثروها (٥) على المصالح الأدلة.
(فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ) : لانعقاد أسباب الاتحاد (٦) بينه وبينهم ، بعد انحدارهم عن التوفيق إلى الخذلان.
٦٤ ـ (الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) : هو قيام الساعة ، قال الله تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (٧) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨)) [الذاريات : ٧ ـ ٨] ، وقال : (النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣)) [النبأ : ٢ ـ ٣]. وقيل : هو القرآن. فقيل : إنه سحر وشعر وكهانة. يدلّ عليه قوله : (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل : ٤٤] ، ثم ترتب عليه (٧) تفصيل آخر فيه التعرف بصفات الفعل بطوته الوحدان ؛ لاعتبار أن الجمع والجنس قريبان.
٦٦ ـ (فَرْثٍ) : رجيع (٨) في الكرش والأمعاء.
__________________
(١) ك : بعضها.
(٢) ع : هوا هون.
(٣) في قوله تعالى : (أَيُمْسِكُهُ).
(٤) ساقطة من ع.
(٥) الأصول المخطوطة : يؤثرها.
(٦) ساقطة من ع.
(٧) أ : حلية ، وبعدها : يفصل بدلا من تفصيل.
(٨) أ : وجع.
(وَدَمٍ) : في العروق.
(لَبَناً) : هو الحليب الطيب ، لا يشبه المجاورين الخبيثين في طعم ولا لون ولا رائحة ولا طبيعته ، مع لطافته ، وسرعة استحالته ، وأنّه يجري من الطعام والشراب ، ويتخذ منه الحلو (١) والحامض والمالح (١٨٢ ظ) والرقيق والخاثر والمنعقد ، ينفع كلّ واحد لشيء ، ويستلذّ بكل شيء ، وقال عليهالسلام : «إنّ الله تعالى لم ينزل داء إلا (٢) أنزل معه دواء ، فعليكم بألبان البقر فإنّها ترمّ من كلّ الشجر». (٣)
قال ابن عباس : دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم على ميمونة (٤) ، فجاءتنا بإناء] من لبن ، فشرب النبيّ عليهالسلام وأنا على يمينه ، وخالد على شماله ، فقال لي : الشربة لك ، فإن شئت آثرت بها خالدا ، فقلت : ما كنت لأوثر على سؤرك (٥) أحدا ، ثم قال عليهالسلام : «من أطعمه الله طعاما ، فليقل : اللهم بارك لنا فيه ، وأطعمنا خيرا منه ، ومن سقاه الله لبنا ، فليقل : اللهم بارك لنا فيه ، وزدنا منه». (٦) وعن أبي هريرة (٧) ، عنه عليهالسلام : «نزل ملكان بأربعة أقداح : لبن وعسل وخمر وماء ، فقالا : إن يشرب (٨) الخمر يغو وتغو أمّته ، وإن يشرب العسل يسفه وتسفه أمّته ، وإن يشرب الماء يغرق وتغرق أمّته ، وكنت رجلا أحبّ اللبن ، فأخذت قدح اللبن ، فشربت منه ثلاثة أنفاس ، فصعد الملكان ، وهما يقولان : رشد ورشدت أمته». (٩) الحمد لله الذي هداه للفطرة لشراب إبراهيم عليهالسلام.
٦٧ ـ (سَكَراً) : خمرا ، وهو نقيع التمر والزبيب إذا اشتدّ قبل الطبخ.
عن ابن مسعود : أنّ رجلا به صفار أتاه ، فسأله عن السّكر ، فنهاه.
(وَرِزْقاً حَسَناً) : هو المطبوخ من نبيذ التمر والزبيب. والثلثي من عصير العنب. وقيل :
__________________
(١) ك وأ : الجلود.
(٢) ساقطة من أ.
(٣) ينظر : مسند أبي حنيفة ٤٣١ ـ ٤٣٢ ، وكتاب الآثار ١ / ٢٣٥ ، وصحيح ابن حبان (٦٠٧٥) ، والسنن الكبرى (٦٨٦٣) و (٧٥٦٦).
(٤) أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية ، زوج النبي عليهالسلام ، توفيت سنة ٥١ ه. ينظر : تسمية من أخرج لهم البخاري ومسلم ٦٠ ، والاستيعاب ٤ / ١٩١٥ ، وشذرات الذهب ١ / ١٢ و ٥٨.
(٥) هنا في الأصل وأ زيادة لفظ الجلالة : الله ، وليس له محل هنا.
(٦) ينظر : مسند الحميدي ١ / ٢٢٥ ، وإسحاق بن راهويه ٤ / ٢٢٨ ، وأبو داود (٣٧٣٠) ، والترمذي (٣٤٥٥).
(٧) عبد الرحمن بن صخر الدوسي اليماني ، الحافظ الفقيه ، صاحب رسول الله عليهالسلام ، توفي سنة ٥٨ ه. ينظر : الطبقات الكبرى ٢ / ٣٦٢. ومشاهير علماء الأمصار ١٥ ، وتحفة المحتاج ١ / ١٣٥.
(٨) أ : شربت.
(٩) السيرة النبوية لابن هشام ٢ / ٢٤٣.
نزلت قبل تحريم الخمر. (١)
٦٨ ـ (وَأَوْحى) : ألهم ، كقوله : (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ) [المائدة : ١١١] ، (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى) [القصص : ٧].
(النَّحْلِ) : بين الذباب والزنبور ، يذكّر ويؤنّث.
٦٩ ـ (مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) : قيل : بعضها ، (٢) كقوله : (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) [إبراهيم : ٣٤]. وقيل : الجميع ، (٣) كقوله : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران : ١٨٥] ؛ لأنّها لا تجتنب شيئا من الثمرات.
(سُبُلَ رَبِّكِ) : الوصول إلى اتخاذ العسل دون سبل الشريعة.
(ذُلُلاً) : حال للسبل. وقيل : حال للنحل. (٤)
(بُطُونِها) : وهي الأفواه. وقيل : من بطونها حقيقة. (٥)
(فِيهِ) : في العسل (٦). وقيل : في القرآن. (٧)
(شِفاءٌ لِلنَّاسِ) : من كلّ داء. وقيل : هو خاصّ. (٨) والعسل تعجن به الترياقات ، والمسهلات والحوارسات. وقالت عائشة : كانت أحبّ الشراب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم الحلو البارد (٩). وقال القتيبي : يعني : العسل. وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من لعق العسل ثلاث غدوات من كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء أبدا». (١٠)
٧٠ ـ (أَرْذَلِ الْعُمُرِ) : الهرم.
(لِكَيْ لا يَعْلَمَ) : لا يعقل. وقيل : علم الكسبي.
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ١٠٨ ، وتفسير ابن أبي زمنين ١ / ٤٣٩ عن مجاهد ، وتفسير الماوردي ٣ / ١٩٨.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٦ / ٥٥٩ ـ ٥٦٠ ، واللباب في علوم الكتاب ١٢ / ١١٢ ، وحاشية القونوي ١١ / ٣٢٢.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٦ / ٥٥٩ ـ ٥٦٠ ، وحاشية القونوي ١١ / ٣٢٢.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٧٧ ، والمحرر الوجيز ٨ / ٤٦١ ، المجيد في إعراب القرآن المجيد ٢٨٨.
(٥) ينظر : الجواهر الحسان ٢ / ٣١٦ ، وتفسير أبي السعود ٥ / ١٢٦.
(٦) (وقيل : حال للنحل ... في العسل) ، ساقط من أ.
(٧) ينظر : تفسير الماوردي ٣ / ١٩٩ ، والتفسير الكبير ٧ / ٢٣٨ عن مجاهد ، والبحر المحيط ٦ / ٥٦١ عن ابن عباس والحسن ومجاهد.
(٨) ينظر : البحر المحيط ٦ / ٥٦١.
(٩) ك : البار. والحديث أخرجه : الإمام أحمد في المسند (٢٤١٠٠) ، والترمذي في الشمائل المحمدية ١ / ١٦٩ ، وأبو يعلى (٤٥١٧) ، والمستدرك ٤ / ١٥٣.
(١٠) ينظر : سنن ابن ماجه (٣٤٥١) ، والمعجم الأوسط (٤٠٨) ، وجامع التحصيل ١ / ٢١٩ ، ومصباح الزجاجة (١٢٠٥).
٧١ ـ (وَاللهُ فَضَّلَ) : ابن عباس : نزلت في نصارى نجران ، أنهم استقبحوا إشراك مماليكهم معهم في الأموال ، فكان إشراكهم عيسى عليهالسلام بالله تعالى أقبح.
٧٢ ـ ابن عباس في قوله : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) : قال : البنون : الصغار ، والحفدة : ما قد أعان والده على عمله. (١) وقال ابن مسعود : البنون : الأولاد ، والحفدة : (١٨٣ و) الأختان. (٢) وقيل : الحفدة : أولاد الأولاد. (٣) وقيل : الخدم. (٤)
٧٣ ـ و (رِزْقاً)(٥) : مصدر نصب بالملك.
(شَيْئاً) : اسم نصب بالرزق.
وإنما وحّد الفعل في أول الآية ، وجمع في آخرها لإبهام (٦)(ما) كالذي.
٧٤ ـ (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ (٧) الْأَمْثالَ) : قالوا : هي منّا بمنزلة الوالد من الولد ، ووصفوه بالكيفية.
٧٥ ـ (لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) : على إنفاق شيء ، تقديره : من كان عبدا (٨).
٧٦ ـ (كَلٌّ) : ثقل وعيال ، اشتقاقه من الكلال ، وهو العيّ.
٧٧ ـ (كَلَمْحِ) : كلحظ ، وهو أيسر فعل وأسرعه فوقع التشبيه به لتعلموا أنّ ما هو آت آت ، وكأن قد وقع. وقيل : التنبيه على أنّ الساعة متصلة (٩) بأيّام الدنيا ليس بينهما زمان.
٧٨ ـ (لا تَعْلَمُونَ) : أراد نفي العقل ، والعلم الكسبي (١٠).
٧٩ ـ (جَوِّ السَّماءِ) : الهواء. مجملة تفسيرها : (صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) [الملك : ١٩].
٨٠ ـ (سَكَناً) : موضع سكون وقرار للحاضرة.
(مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً) : وهي القباب ، والقشوع (١١) من الأديم.
__________________
(١) ينظر : الدر المنثور ٥ / ١٣١.
(٢) ينظر : المستدرك ٢ / ٣٨٦ ، والمعجم الكبير (٩٠٨٨) ، والدر المنثور ٥ / ١٣١ ، الجزء الثاني من القول.
(٣) ينظر : تفسير ابن أبي حاتم ٧ / ٢٢٩١ ، وتفسير الماوردي ٣ / ٢٠٢ ، والدر المنثور ٥ / ١٣١ عن ابن عباس.
(٤) ينظر : الغريبين ٢ / ٤٦٣ ، وتفسير الماوردي ٣ / ٢٠٢ عن مجاهد وقتادة وطاوس ، والدر المنثور ٥ / ١٣٢ عن عكرمة.
(٥) أ : وروحا.
(٦) أ : الإبهام.
(٧) أ : يضرب الله.
(٨) ك : عبد.
(٩) ك وع : متصل.
(١٠) ع : الكسب.
(١١) القشع بيت من أدم أو جلد. ينظر : لسان العرب ٨ / ٢٧٣.
(ظَعْنِكُمْ) : ارتحالكم.
و (إِقامَتِكُمْ) : لبثكم في المنازل.
(أَصْوافِها) : شعر الغنم.
(وَأَوْبارِها)(١) : شعر الإبل.
(وَأَشْعارِها) : ما لا يتلبّد.
و (الأثاث) : أمتعة البيت حين زمان الخلوقة والبلى.
٨١ ـ (ظِلالاً) : هي ظلال الغيوم ، والأشجار والأخبية ، ونحوها.
(سَرابِيلَ) : قمص ، وهذا مقتصر على أحد طرفي الكلام.
(وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) : وهو الدروع والجواشن (٢) والجباب (٣) المحشوة من القرّ (٤) ، ونحوه.
٨٣ ـ (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ) : بأنّها منه.
(ثُمَّ يُنْكِرُونَها) : ويسندون اتصالها إلى الأصنام.
٨٤ ـ (يَوْمَ) : واذكر يوم.
(شَهِيداً) : الأنبياء والأئمة.
(لا يُؤْذَنُ) : حالة الختم على الأفواه ، كقوله : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ) [يس : ٦٥].
و (الاستعتاب) : طلب العتبى ، وهو الرضى.
٨٧ ـ (إلقاء القول) : صرفه.
(السَّلَمَ) : الاستسلام والخضوع.
٨٨ ـ (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ) : أي : فوق ما هم فيه.
٩٠ ـ (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) : شهادة أن لا إله إلا الله.
(وَالْإِحْسانِ) : القيام بالفرائض.
(وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) : صلتهم.
__________________
(١) الأصل وأ : أبوارها.
(٢) جمع جوشن ، وهو الدرع. لسان العرب ١٣ / ٨٨.
(٣) الجباب : جمع جبّة ، وهي اسم من أسماء الدرع. ينظر : لسان العرب ١ / ٢٤٩.
(٤) القرّ : البرد عامة. ينظر : النهاية في غريب الأثر ٤ / ٣٨ ، ولسان العرب ٥ / ٨٢.
(عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) : ما لا يعرف في شريعة ولا سنة. وقيل : ما وعد الله عليه النار.
(وَالْبَغْيِ) : الاستطالة.
٩١ ـ (تَوْكِيدِها) : تشديدها وتوثيقها.
٩٢ ـ (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها) : أي : كامرأة تنقض غزلها ، ومن شرط الأمثال التصوّر دون الوجود. وزعم الكلبي : أنّها امرأة قرشية حمقاء ، كانت في قديم الدهر ، تسمى : ريطة ، وتلقب : جعر ، كانت تغزل بمغزل مثل غلظ الذراع ، والصدارة مثل الإصبع ، وفلكة (١) عظيمة ، فأبرمته ، أمرت جاريتها فنقضته أنكاثا ، فنهى الله هذه (٢) الأمة أن تكون مثلها. (٣)
و (الأنكاث) : جمع نكث.
(دَخَلاً) : دغلا ومكرا وخديعة.
(أَنْ تَكُونَ) : أو بأن تكون ، أو كراهة أن تكون قبيلة أكثر عددا أو عددا من قبيلة. قال ابن عباس : بين كندة وبين مراد قتال حتى كلّ الظهر ، ثم تواعدوا ستة أشهر حتى يصلح الظهر ، وتحمّ (٤) الخيل ، فلما مضت خمسة أشهر أمر قيس بن معدي كرب قومه بالجهات إليهم ، فقالوا : (١٨٣ ظ) قد بقي من الأجل شهر ، فمكث حتى علم أنّه يأتيهم بعد انقضاء الأجل بيومه ، سار إليهم ، فإذا هو يوم انقضاء الأجل ، فقتلوه ، وهزموا قومه. بيّن كيفيّة زلل الأقدام ينقض الأيمان بعد التوثيق والإبرام ، لا أنّها نزلت من الفريقين.
٩٦ ـ (ما عِنْدَكُمْ) : هو ما استفرضنا الله تعالى من العاجل.
(وَما عِنْدَ اللهِ) : هو ما وعدناه من الأجل.
(يَنْفَدُ) :(٥).
(بِأَحْسَنِ) : الذي لم يختلط به ما يفسده ، ويحبط أجره ، وهو الإيمان.
قال ابن عباس : إنّ وفدا من كندة وحضرموت قدموا على رسول الله ، فأسلموا ، ولم يهاجروا ، وأقرّوا بإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، ثم إنّ رجلا من حضرموت يقال له : عيدان بن
__________________
(١) الفلكة : المغزل. غريب الحديث ٢ / ١١٢ ، ولسان العرب ١٠ / ٤٧٨.
(٢) ساقطة من أ.
(٣) ينظر : وتفسير ابن أبي حاتم ٧ / ٢٣٠٠ عن مجاهد والسدي ، ومعاني القرآن للنحاس ٤ / ١٠٢ ، وزاد المسير ٤ / ٣٦٩ ـ ٣٧٠ عن مقاتل وابن السائب.
(٤) الحميم : العرق ، ينظر : غريب الحديث ٢ / ٨٢ ، ولسان العرب ١٢ / ١٥٥.
(٥) سقط في الأصول المخطوطة.
أشوع ، قال : يا رسول الله ، إنّ امرأ القيس الكندي جاورني في أرضي ، فاقتطع أرضي ، فذهب بها ، وغلبني عليها ، فأنكر الكندي ، فأنزل : (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ...) الآيتان [النحل : ٩٥] ، فقرأهما رسول الله على امرئ (١) القيس ، فقال : أمّا ما عندي فينفد ، وأما (٢) صاحبي فيجزى بأحسن ما كان يعمل ، اللهم إنّه صادق فيما قال ، يا رسول الله ، لقد اقتطعت أرضه ، والله ما أدري كم هو ، ولكنه يأخذ من أرضي ما يشاء ومثلها معها ، إنّما أكلت من ثمرها ، فنزل في امرئ القيس : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً ...) [النحل : ٩٧]. (٣)
٩٧ ـ (حَياةً طَيِّبَةً) : في الجنة. قيل : في الدنيا بكسب الحلال. (٤) وقيل : بالقناعة. (٥) وقيل : بأن لا يحوجه إلى (٦) أحد.
٩٨ ـ (فَإِذا قَرَأْتَ) : قصدت قراءة القرآن. اتصالها من حيث إنّ الاستعاذة (٧) من الأعمال الصالحة.
٩٩ ـ (لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ) : واستثناء إنما كان له (٨) عليهم سلطان ؛ لتمكينهم إياه من أنفسهم أول مرة.
١٠١ ـ (بَدَّلْنا آيَةً) : ابن عباس : كان عليهالسلام إذا نزلت عليه آية فيها شدّة ، أخذ الناس بها ، وعملوا بها ما شاء الله أن يعملوا فيشقّ ذلك عليهم فينسخ (٩) الله هذه الشدة ، ويأتيهم بما هو ألين منها وأهون عليهم ، رحمة من الله لهم ، فيقول كفار قريش : والله ، ما محمد إلا يسخر بأصحابه ، يأمرهم اليوم بأمر ويأتيهم بما هو أهون عليهم منه ، وإنه ليتكد به ، ويأتيهم به (١٠) من عند نفسه ، وما يعلّمه إلا عائش غلام حويطب (١١) بن عبد العزى ، ويسار أبو فكيهة مولى
__________________
(١) الأصول المخطوطة : امرؤ.
(٢) ع هنا زيادة : ما.
(٣) ينظر : زاد المسير ٤ / ٣٧١.
(٤) ينظر : تفسير الماوردي ٣ / ٢١٢ عن ابن عباس ، وزاد المسير ٤ / ٣٧٢ ، والدر المنثور ٥ / ١٤٤.
(٥) ينظر : تفسير الماوردي ٣ / ٢١٢ عن علي وحسن البصري ، وتفسير الخازن ٣ / ٩٧ ، والدر المنثور ٥ / ١٤٤ عن ابن عباس.
(٦) ك وع : لا يحوجالي.
(٧) الأصول المخطوطة : الاستعارة ، وما أثبت الصواب.
(٨) ع : لهم.
(٩) أ : فيفسح.
(١٠) (ويأتيهم به) ، ساقط من أ.
(١١) أ : حن يطب. وحويطب هو أبو محمد حويطب بن عبد العزى العامري القرشي المعمر ، توفي سنة ٥٤ ه ينظر : الثقات لابن حبان ٣ / ٩٦ ، وسير أعلام النبلاء ٢ / ٥٤٠ ، والإصابة ١ / ٣٦٤.
ابن الحضرمي (١) ، وكانا قد أسلما ، وكان عليهالسلام يأتيهما ، ويحدّثهما ، ويعلّمهما ، وكانا يقرآن كتابهما بالعبرانية ؛ فأنزل : (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ ...) الآية [النحل : ١٠٣]. (٢)
١٠٥ ـ يزيد بن رومان كان بمكة نصراني يقال [له](٣) : جبر ، وكان يجلس عند المروة (٤) ببيعة له ، وكان عليهالسلام يتحدث عنده ، فتقول قريش : ما يعلّم محمدا ممّا يأتي به إلا جبر النصراني. (٥) وقيل : كان يهوديّا ؛ فأنزل : (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ)(٦). (٧)
١١١ ـ (يَوْمَ) : نصب بالغفران والرحمة.
(تُجادِلُ) : تدافع وتذب عن نفسها.
١١٢ ـ عن ابن عباس في قوله : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً)(٨) ، قال : هي مكة (٩) ، أي : هي مثل مكة ، كقوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) [العنكبوت : ٦٧] ، وقوله : (فَلْيَعْبُدُوا (١٨٤ و) رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) الآية [قريش : ٣] ، وأنّها كانت آمنة مطمئنة ، حين تعرّست (١٠) فيها قريش إلى أن ألحد فيها عمرو بن لحي (١١) ، ثم ابتلوا بالقحوط مرّة بعد مرّة ، وابتلوا بالفجار الأول ، والفجار الثاني ، والفيل ، ويوم بدر ، ويوم الفتح.
(أنعم) : جمع نعم ، وفي الحديث : نادى منادي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنّها أيّام طعم ونعم ، فلا تصوموا. (١٢)
(أذاقة اللباس) : كإذاقة العذاب والوبال ، وفي الحديث : «لا ، حتى تذوقي من عسيلته ، ويذوق من عسيلتك» (١٣).
__________________
(١) يسار أبو فكيهة. وابن الحضرمي هو العلاء بن عباد بن عبد الله الحضرمي ، من حلفاء بني أمية ، ومن سادة المهاجرين ، توفي سنة ٢١ ه. ينظر : المعارف ٢٨٣ ، وأسد الغابة ٤ / ٧٤ ، والعبر ١ / ٢٥.
(٢) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ١١٣ ، والمستدرك ٢ / ٣٥٦ ، وزاد المسير ٤ / ٣٧٦.
(٣) زيادة من ك.
(٤) أ : المردة.
(٥) ينظر : الدر المنثور ٥ / ١٤٧.
(٦) الأصول المخطوطة : إنما يفتري على الله الكذب.
(٧) ينظر : تفسير القرطبي ١٠ / ١٧٧ ، السيرة النبوية لابن كثير ٢ / ٨٤.
(٨) ع زيادة : (مُطْمَئِنَّةً).
(٩) أ : مكرية ، وينظر : تفسير الماوردي ٣ / ٢١٧ ، والدر المنثور ٥ / ١٥٢.
(١٠) التعريس : النزول. ينظر : النهاية في غريب الحديث ٣ / ٢٠٦ ،
(١١) عمرو بن لحي بن حارثة بن عمرو الأزدي ، أوّل من غيّر دين الإسلام ، ودعا العرب إلى عبادة الأوثان ، وأوّل من جاء بالأصنام في جزيرة العرب. الإعلام ٥ / ٨٤.
(١٢) ينظر : تخريج الأحاديث والآثار ٢ / ٢٤٨ ، وقال : غريب جدّا.
(١٣) أخرجه البخاري في الصحيح (٥٣١٧) ، ومسلم في الصحيح (١٤٣٣) ، وأبي عروبة في الأحاديث ٣٢ ، والفوائد للرازي ١ / ٥٢.
١١٦ ـ (الْكَذِبَ) : نصب (١) بوصف (٢) المضمر ، أي : تصف ألسنتكم الوصف الكذب.
١٢٠ ـ (قانِتاً) : بدل من الخبر الأول ، ولو كان صفة للخبر لقيل (٣) : قانتة.
١٢٤ ـ (إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ) : قال ابن عباس : أمرهم موسى عليهالسلام بيوم الجمعة ، فقال : تفرّغوا إلى الله في كل سبعة أيّام يوم واحدا ، فاعبدوه في يوم الجمعة ، ولا تعملوا فيه شيئا من صنيعكم ، وستة أيام لصناعتكم ، فأبوا أن يقبلوا ذلك ، وقالوا : لا ينبغي إلا اليوم الذي فرغ فيه من الخلق يوم السبت ، فجعل ذلك عليهم ، وشددّ عليهم ، ثم جاءهم عيسى بن مريم عليهالسلام بالجمعة بعده ، فقالوا : لا نريد أن يكون عيدهم بعد عيدنا ، يعنون به اليهود ، فاتخذوا اليهود بقول الله : (إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ ...). (٤) وقيل : الضمير عائد إلى إبراهيم عليهالسلام اختلفوا أنّه كان يهوديّا أو نصرانيّا.
١٢٥ ـ (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ) : [قيل :](٥) الآية منسوخة بآية السيف. وليس فيها ما يوجب كونها منسوخة.
١٢٦ ـ (وَإِنْ عاقَبْتُمْ) : عن أبي بن كعب : لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلا ، ومن المهاجرين ستة منهم حمزة (٦) ، فمثلوا بهم ، فقالت الأنصار : لئن أصبنا منهم مثل هذا لنريينّ عليهم ، فلما كان يوم فتح مكة ، أنزل الله تعالى : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ ...) فقال رجل : لا (٧) قريش بعد اليوم ، فقال عليهالسلام : «كفّوا عن القوم إلا أربعة». (٨)
عن الفرّاء : لمّا مثّل المشركون بحمزة يوم أحد قال عليهالسلام : «لأمثلنّ به سبعين شيخا من قريش» ، فأنزل : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ ...) الآية ، ثم أمره بالصبر ، فقال : (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ ...) ثم أمره بما يصبّر عزيمته (٩) ، فقال : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) [النحل : ١٢٧]. (١٠)
__________________
(١) أ : نصبه.
(٢) ك : بنصب.
(٣) الأصل : لعبد.
(٤) ينظر : الدر المنثور ٤ / ٣٨٥.
(٥) زيادة يقتضيها السياق.
(٦) أبو عمارة حمزة بن عبد المطلب بن هشام القرشي الهاشمي البدري ، سيد الشهداء عم رسول الله عليهالسلام ، وأخوه من الرضاعة ، استشهد في معركة أحد سنة ٣ ه. ينظر : الطبقات الكبرى ٣ / ٨. ، ومعجم الصحابة ١ / ١٨٧ ، ومولد العلماء ووفياتهم ١ / ٧١.
(٧) أ : يا.
(٨) أخرجه أحمد في المسند ، والضياء في الأحاديث المختارة ٣ / ٣٥١ ، والنسائي في الكبرى (١١١٩٦) ، والترمذي في السنن (٣١٢٩) وقال : هذا حديث حسن غريب من حديث أبي بن كعب.
(٩) ع : عنه ، وأ : عن ، مع بياض بجانبها.
(١٠) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ١١٥.
سورة بني إسرائيل (١)
مكية إلا ثماني (٢) آيات نزلن بالمدينة في وفد ثقيف ، وهو قوله : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ...) [الإسراء : ٧٣] إلى [آخر](٣) الآيات الثماني. وعن ابن عباس قوله : (رَبِّ أَدْخِلْنِي ...)[الإسراء : ٨٠] نزلت بين مكة والمدينة. وعن ابن المبارك : قوله : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ ...) [الإسراء : ٧٦] ، وقوله (٤) : (رَبِّ أَدْخِلْنِي ...) نزلت (٥) في اليهود ، حيث قالوا لرسول الله : ليست هذه الدار بدار الأنبياء. (٦) وعن الحسن : أنّ خمس آيات نزلت بالمدينة : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي ...) [الإسراء : ٣٣] ، (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) [الإسراء : ٣٢] ، (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ) [الإسراء : ٥٧] ، (أَقِمِ الصَّلاةَ ...) [الإسراء : ٧٨] ، (وَآتِ ذَا الْقُرْبى) [الإسراء : ٢٦].
وهي مئة وعشر آيات في غير عدد أهل الكوفة ، (٧) والله أعلم. (١٨٤ ظ)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
١ ـ (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) : عن عمرو بن شعيب (٨) ، عن أبيه ، عن جده ، قال : أسري برسول الله ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأوّل ، وذلك قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا. وقيل : كان الإسراء قبل الهجرة باثني عشر ، أو ثلاثة عشر شهرا ، وأنّ الذي كان قبل
__________________
(١) هذا الاسم الذي ورد في حديث عائشة رضي الله عنها إذ تقول :((كان النبي عليهالسلام لا ينام على فراشه حتى يقرأ بني إسرائيل والزمر)) ، وكذلك روي عن ابن مسعود أنه قال : في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء أنهن من العتاق الأول. وهذا الاسم هو المشهور في عهد الصحبة لهذه السورة كما قال ابن عاشور في تفسيره ١٥ / ٥ ، والاسم الأكثر شهرة لهذه السورة هو سورة الإسراء. ينظر : أسماء السور القرآنية ١٣٧.
(٢) ع : ثمان.
(٣) زيادة يقتضيها السياق.
(٤) ع : في قوله.
(٥) (نزلت بين ... نزلت) ، ساقطة من ك ، وبدلا من (نزلت) الثانية : نزل. وفي أ : نزل.
(٦) ينظر : زاد المسير ، وجمال القرّاء ١ / ١٢٦.
(٧) أما عدد آياتها عند أهل الكوفة مئة وإحدى عشرة آية. ينظر : فنون الأفنان ١٣٩ ، وجمال القراء ٢ / ٥٢٩ ، ومرشد الخلان إلى معرفة عد آي القرآن ٢٨.
(٨) هو أبو إبراهيم عمرو بن شعيب بن عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي ، توفي ١١٨ ه. ينظر : الضعفاء الصغير للبخاري ٨٤ ، وبيان الوهم والإيهام ٤ / ٤٤٠ ، وذكر أسماء من تكلم فيه ١٤٥. وقال الدارقطني : لعمرو ثلاثة أجداد : الأدنى منهم محمد ، والأوسط عبد الله ، والأعلى عمرو ، وقد سمع من الأدنى محمد ، وهو لم يدرك النبي عليهالسلام ، وسمع جده عبد الله ، فإذا بيّنه وكشفه فهو صحيح. ينظر : تهذيب الكمال ٢٢ / ٧٣.
الهجرة بثمانية عشر شهرا ، إنّما هو المعراج لسبع عشرة من رمضان على ما ذكره الواقدي. (١) وسنذكر المعراج في سورة النجم ، إن شاء الله ، تعالى. وقيل : إن ليلة الإسراء وليلة المعراج واحد. (٢) وعن أم هانئ بنت أبي طالب (٣) : أسري بالنبي عليهالسلام من شعب أبي طالب. (٤) وعن ابن عباس : المسجد الحرام : الحرم كلّه. (٥) وعن أمّ هانئ قالت : ما أسري رسول الله إلا من بيتي. (٦) عن الكلبيّ عن أبي (٧) صالح ، عن أمّ هانئ بنت أبي طالب : أنّها حدثت : أنّ النبيّ عليهالسلام صلّى في بيتها تلك الليلة العشاء الأخيرة ، قالت : فصلّيت معه ، ثمّ قمت ، وتركته في مصلاه ، فلم أنتبه حتى نبّهني لصلاة الغداة ، ثمّ قال : قومي يا أمّ هانئ ، أحدّثك العجب. قالت : قلت : كلّ حديثك عجب ، وصلّى ، وصليت معه ، قالت : فلما انصرف قال : أتاني جبريل ، وأنا (٨) في مصلاي ، فقال : يا محمد ، اخرج ، فخرجت إلى الباب ، ثم ذكر الحديث بطوله.
وعن محمد بن كعب القرظيّ (٩) ، قال : قال رسول الله : «بينما أنا نائم في الحجر ، إذ أتاني جبريل عليهالسلام فغمزني برجله ، فقمت ، فلم أر شيئا فقعدت ، فغمزني ، فقمت ، فلم أر شيئا ، فقعدت ، فغمزني الثالثة (١٠) ، فقمت ، فأخذ بعضدي ، فقمت معه (١١) إلى باب المسجد ، فإذا دابّة (١٢) بيضاء بين الحمار والبغل في فخذيها جناحان يحفر بهما رجليها ، فلما دنوت لأركبها شمست ، فوضع جبريل عليهالسلام يده على معرفتها (١٣) ، ثم قال : ألا تستحين يا براق مما تصنعين ، والله ما ركب عليك عبد الله قبل محمد أكرم على الله منه ، فاستحيت حتى ارفضّت (١٤) عرقا ، ثم
__________________
(١) ينظر : الدر المنثور ٥ / ١٩٦. والواقدي هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد الأسلمي مولاهم المدني ، القاضي صاحب المغازي ، متروك الحديث. ينظر : التاريخ الكبير للبخاري ١ / ١٧٨ ، والكامل في ضعفاء الرجال ٦ / ٢٤١ ، والضعفاء لأبي نعيم ١٤٦.
(٢) ينظر : تفسير ابن كثير ٣ / ٨.
(٣) فاختة ، وقيل : هند ، بنت أبي طالب الهاشمية ، أخت علي ، توفيت في خلافة معاوية ، ينظر : الطبقات الكبرى ٨ / ١٥١ ، والأسامي والكنى ١٢٣ ، وإسعاف المبطأ ٣٦.
(٤) ينظر : السيرة الحلبية ١ / ٥١٦.
(٥) ينظر : تفسير ابن أبي حاتم ٦ / ١٧٧٧ ، والمحلى ٧ / ١٤٦ ، ومسند الجعد ١ / ٢٦٦.
(٦) ينظر : سيرة ابن هشام ٢ / ٣٣ ، والطبقات الكبرى ١ / ٢١٤ ، والخصائص الكبرى ١ / ١٧٧ ، والسيرة الحلبية ١ / ٥١٦.
(٧) الأصول المخطوطة : ابن. ينظر : ابن كثير ٣ / ٣٣.
(٨) ساقطة من ع.
(٩) أبو حمزة محمد بن كعب بن سليم القرظي المدني ، وكان أبوه من سبي قريظة ، توفي ١١٧ ه. ينظر : تهذيب الكمال ٢٦ / ٣٤٠ ، وغاية النهاية في طبقات القراء ٢ / ٢٣٣ ، ونيل السائرين في طبقات المفسرين ٣٣.
(١٠) أ : الثالث.
(١١) (فلم أر شيئا ... فقمت) ، ساقط من ك.
(١٢) ع : بدابة.
(١٣) منبت عرفها من رقبتها. النهاية في غريب الحديث والأثر ٣ / ٢١٨ ، ولسان العرب ٩ / ٢٤١.
(١٤) الأصول المخطوطة : انقضت ، والتصحيح من مصادر التخريج.
أمرت (١) حتى ركبتها ، فحملني عليها ، ثم خرج معي جبريل لا يفوتني ، ولا أفوته ، كان منتهى وقع حافرها طرفها ، قالوا : وكانت طويلة الظهر طويلة الأذنين ، قالوا : قال رسول الله : فإذا مناد (٢) ينادي عن يميني : أربع (٣) أستخبرك ، فلم أعرّج عليه ، وإذا مناد ينادي عن شمالي يقول : يا محمد ، أربع أستخبرك ، فلم أعرّج عليه (٤). قال : ثم (٥) استقبلتني امرأة عليها من كلّ ما زيّن الله به نساء أهل الدنيا ، قد ولّى من سنّها ، فقالت : يا محمد ، على رسلك أستخبرك ، فلم أعرّج عليها ، فكادت (٦) تغشاني ، فأخبرت جبريل عليهالسلام بما رأيت ، فقال : الذي على يمينك داعية اليهود لو ربعت حتى يكلّمك تهودت أمّتك ، وأما الذي على يسارك : فداعية النصارى ، ولو ربعت عليه حتى يكلّمك تنصّرت أمتك ، وأمّا (١٨٥ و) المرأة التي استقبلتك : فهي الدنيا ، ولو ربعت عليها حتى تكلّمك اخترت الدنيا على الآخرة». (٧)
وعن عكرمة قال : قالت أمّ الفضل (٨) : أتى آت فقال : إنّ محمدا ليس في بيته ، فما نراه إلا وقد قتل ، قالت : فأيقظت العباس (٩) ، وكان نائما ، فقال : ما لك؟ فقلت : هذا ابن أخيك لا يدرى أين هو؟ فخرج العباس في بني عبد المطلب.
وعن أبي رافع (١٠) قال : لما كانت تلك الليلة ، فقد رسول الله ، وتفرقت بنو عبد المطلب ليلتمسوه ، فخرج العباس حتى بلغ ذا طوى ، فجعل يصيح : يا محمد ، فأجابه رسول الله : «لبّيك» ، فقال : يا ابن أخي عنّيت قومك منذ الليلة ، فأين كنت؟ قال : «أتيت من بيت المقدس» ، قال : أفي ليلتك؟! قال : «نعم» ، قال : فهل أصابك إلا خير؟ فقال عليهالسلام : «ما أصابني إلا خير» ، وذكر القصة بطولها (١١). (١٢)
__________________
(١) ك وع وأ : أقرت.
(٢) الأصول المخطوطة : منادي.
(٣) توقف وانتظر. ينظر : النهاية في غريب الحديث والأثر ٢ / ١٨٧ ، ولسان العرب ٨ / ١١٠.
(٤) (وإذا مناد ... فلم أعرج إليه) ، ساقطة من أ.
(٥) أ : ثم قال.
(٦) ع وأ : وكادت.
(٧) ينظر : تفسير الصنعاني ٢ / ٣١٤ ، تهذيب الآثار للطبري ٢ / ٦٦ (١٢١٩) ، والدر المنثور ٥ / ١٧.
(٨) لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية ، زوجة العباس عم النبي عليهالسلام ، أخت أم المؤمنين ميمونة ، توفيت في خلافة عثمان. ينظر : الكنى للبخاري ٩٢ ، وسير أعلام النبلاء ٢ / ٣١٤ ، والإصابة ٤ / ٤٨٣.
(٩) أبو الفضل العباس بن عبد المطلب بن هشام الهاشمي ، عم النبي عليهالسلام ، توفي سنة ٢٣ ه. ينظر : الكنى والأسماء لمسلم ١ / ٦٧٣ ، وتاريخ أنساب الأشراف ٣ / ١ ، والتعديل والتجريح ٣ / ١٠٠٧ ، وصفة الصفوة ١ / ٥٠٦.
(١٠) أسلم ، وقيل : إبراهيم ، مولى رسول الله عليهالسلام ، من قبط مصر ، توفي في خلافة علي رضي الله عنهم. ينظر : معجم الصحابة ١ / ٤٣ ، والثقات لابن حبان ٣ / ١٦ ، والاستيعاب ١ / ٨٢.
(١١) الأصول المخطوطة : بطوله.
(١٢) ينظر : الطبقات الكبرى ١ / ٢١٤ ، والسيرة الحلبية ١ / ٥١٥ ، والدر المنثور ٥ / ١٨٣.
٢ ـ (وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) : اتصالها من حيث ذكر المسجد الأقصى ، الذي هو قبلة بني إسرائيل ، ومن حيث قوله : (لِنُرِيَهُ (١) مِنْ آياتِنا) [الإسراء : ١] الكبرى ، فإنّ (٢) رؤية موسى وأنبياء بني إسرائيل عليهمالسلام ليلتئذ من الآيات.
٣ ـ (ذُرِّيَّةَ) : لنريه ذريّة (مَنْ حَمَلْنا ،) وهم الأنبياء الذين أراه الله إيّاهم ليلتئذ. والثاني : أنّه بدل من موسى ، أو كالصفة له ، فإنّه كان من ذريّة نوح عليهالسلام ، فعلى هذا الضمير في قوله : (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) عائد إلى موسى عليهالسلام. والثالث : أنّ الاتخاذ يقتضي مفعولين مكان (٣) الذرية (مِنْ دُونِي) [الإسراء : ٢] أن لا يتوكّلوا على من يجانسهم في الخلقة والحاجة. والرابع : اسم مضاف ، فانتصب حرف النداء.
وعن عمران بن سليم (٤) : إنّما سمّي نوح عبدا شكورا ؛ لأنّه كان إذا أكل طعاما قال : الحمد لله الذي أطعمني ، ولو شاء أجاعني ، وإذا شرب شرابا قال : الحمد لله الذي سقاني ، ولو شاء أظمأني ، وإذا اكتسى قال : الحمد لله الذي كساني ، ولو شاء أعراني ، وإذا احتذى (٥) قال : الحمد لله الذي حذاني ، ولو شاء أحفاني ، (٦) وإذا قضى حاجة قال : الحمد لله الذي أخرج عني أذاه ، (٧) ولو شاء حبسه. (٨)
٤ ـ (وَقَضَيْنا) : أوحينا وأعلمنا ، كقوله : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ) [الحجر : ٦٦].
(لَتَعْلُنَ (٩) عُلُوًّا كَبِيراً) : أي : لتعتنّ عتوّا كبيرا ، ومنه قوله : (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَ) [النمل : ٣١] وقوله : (لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ) [القصص : ٨٣].
٥ ـ (وَعْدُ أُولاهُما) : وعيد أولى المرتين.
(فَجاسُوا) : تخللوا ، فقتلوا (١٠).
__________________
(١) ك : لنريك.
(٢) ع : قال.
(٣) أ : وكان.
(٤) عمران بن سليم الكلاعي ، قاضي حمص. ينظر : التاريخ الكبير للبخاري ٦ / ٤١٢ ، والجرح والتعديل ٦ / ٢٩٩ ، والثقات لابن حبان ٥ / ٢١٩.
(٥) احتذى يحتذي إذ لبس نعليه. النهاية في غريب الأثر ١ / ٣٤٤ ، ولسان العرب ١٤ / ١٦٩.
(٦) سقطت من ع كلمة : حذاني ، وبدلا من أحفاني : حفاني.
(٧) ع وأ : أذاه في عفاه.
(٨) ينظر : تفسير الطبري ٨ / ١٩ ، وتاريخ دمشق ٦٢ / ٢٧٤ ، وتفسير القرطبي ١٠ / ١٤٠ ، وعمدة القارئ ١٩ / ٢٦.
(٩) أ : ليعلن ، وبعدها ليعتن.
(١٠) الأصول المخطوطة : فعطوا ، وما أثبت من تفسير الطبري ٨ / ٢٦ وقال : «وجائز أن يكون معناه : فجاسوا خلال الديار ، فقتلوهم ذاهبين جائين».