درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ٢

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني

درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ٢

المؤلف:

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني


المحقق: د. طلعت صلاح الفرحات / د. محمّد أديب شكور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر ناشرون وموزعون
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9957-07-514-9

الصفحات: ٨٠٢
الجزء ١ الجزء ٢

عباس (٢٢٩ ظ) فسلّمنا عليه ، (١) فقال لصاحبي : من أنت؟ فانتسب له فعرفه (٢) فقال : يا أبا العباس ، (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) [المعارج : ٤] ، أيّ يوم هذا؟ فقال : إنّما سألتك لتخبرني ، قال : فهي أيّام سمّاها الله تعالى في كتابه ، وهو أعلم بها ، أكره أن أقول في كتاب الله ما لا أعلم ، قال ابن أبي مليكة : فضرب الدهر ضربة ، فجلست إلى سعيد بن المسيّب ، سئل عن المسألة ، فلم يدر ما يقول ، فقلت له : ألا أخبرك بما شهدته من ابن عباس؟ ثمّ ذكرته له ، فسرّى ذلك عنه (٣) ، وقال : هذا ابن عباس قد اتّقى أن يقول فيها وهو أعلم منّي. (٤)

٥١ ـ (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا)(٥) : بالتكذيب أو التحريف (٦) والتبديل.

٥٣ ـ (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) : مثل (ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) [البقرة : ١٠٢].

٥٤ ـ (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) : الملهمون الراسخون (٧) في العلم.

(أَنَّهُ الْحَقُّ) : الضمير عائد إلى نسخ ما ألقى الشيطان في أمنيّته.

٥٥ ـ (يَوْمٍ عَقِيمٍ) : أيس عن خيره ، ويحتمل : يوم بدر في حقّ قريش ، فإنّه أعقم نساءهم بقتل رجالهم. وقيل : المراد بالساعة انقراض الدنيا ، وباليوم العقيم افتتاح الآخرة.

٦٠ ـ (ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ) : في المقتصّ بالحقّ.

(ثُمَّ بُغِيَ) : بعد اقتصاصه (٨).

واتّصالها بما قبلها من حيث نعي الكفار على المؤمنين بعد انتصارهم بالحقّ والعدل والإنصاف ، فقول الله : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) [البقرة : ١٩٤].

وقوله : (بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) : لازدواج الكلام.

__________________

(١) هنا سقط في الكلام ، وهو : «قال فقال له ابن فيروز يا أبا عباس قول الله تبارك وتعالى : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ ...) الآية» الإضافة من كتب التخريج.

(٢) الأصل وك وع : معروفة.

(٣) ك وأ : فسري عنه.

(٤) ينظر : تفسير الصنعاني ٣ / ١٠٨ ، وتفسير القرطبي ١٤ / ٨٨ ، والإتقان في علوم القرآن ٣ / ١٠٨.

(٥) ك : في آياتنا معاجزين.

(٦) أ : التحويل.

(٧) أ : والراسخون.

(٨) الأصول المخطوطة : اقتصاده.

٣٤١

٦١ ـ (ذلِكَ) : إشارة إلى النصر الموعود ، أي : ذلك باقتضاء قدرته وسمعه ونصره (١). وقيل : إشارة إلى الحكم ، أي : هو بقضيّة حكمته الموجبة إيلاج اللّيل في النهار.

٦٣ ـ (فَتُصْبِحُ) : رفع ؛ لأنّه خبر منفصل عمّا قبله ، أو جواب شرط مضمر تقديره : أنّ الله أنزل الماء من السماء فتصبح الأرض مخضرّة ، وكذلك التقدير في قوله : (فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ) [الحج : ٣١].

٦٥ ـ وقوله : (وَيُمْسِكُ السَّماءَ) : دليل على أنّ إمساكه في الهواء على سبيل القهر والإلجاء ، إمّا بوصل الإلحاد ، وإما باصطدام الأجزاء ، وإمّا بمعنى خفيّ ، على آراء ، ولم يذكر الله تعالى سقوطها إلا بعد انفطارها وانقلابها.

٦٧ ـ (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً) : قال الكليم : نزلت في الأضحية ، وفي مجادلة الكفّار في الذبيحة.

٧٢ ـ (يَكادُونَ يَسْطُونَ) : يبطشون ، إشارة إلى سطوهم وبطشهم ، وإشارة إلى ما يتلى.

(بِشَرٍّ) : أي : مكروه ، أي : النار ، أبلغ في كراهتهم إيّاها ممّا يتلى عليكم.

٧٣ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ) : متشابهة فوجب التماس حكمها من المحكمات.

والذباب : طائر يشبه النملة. وذكر القتيبيّ : أنّ الذباب ثلاثة أجناس : القمعة والنّعرة واليراع ، (٢) ويضرب المثل (٢٣٠ و) بالذباب ، فيقال : فلان أجرأ من الذباب ؛ لأنّه يقع على أنف وجفن الأسد ولا يبالي ، (٣) ويقال : فلان كالذباب ، إذا كان ذا وجهين ، ونيمه (٤) على السواد بياض وعلى البياض سواد.

٧٥ ـ (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ) : اتّصالها من حيث قوله : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) [الحج : ٤٢].

وفيها ردّ على اليهود والروافض من حيث عداوتهم لجبريل ولأبي بكر وعمر.

٧٧ ـ (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) : وتخصيصهما مع ذكر العبادة لتشريف الصلاة ، وذكر فعل

__________________

(١) (إشارة إلى ... ونصره) ، ساقطة من ك.

(٢) القمعة ذباب أزرق عظيم ، والنعرة ذباب يدخل في أنف الحمار ، واليراع ذباب يطير بالليل كأنه نار. أدب الكاتب ١٦٥.

(٣) مجمع الأمثال ١ / ٣٢٤

(٤) الونيم : خرء الذباب ، أو سلحه. لسان العرب ١٢ / ٦٤٣.

٣٤٢

الخير بعد العبادة للتأكيد أو للتفعل المندوب إليه بعد الغرض المنصوص (١) ، والآية مختصة بقريش وأمثالهم عند بعض الناس ، عامّة في المؤمنين (٢) عند بعضهم.

٧٨ ـ (مِلَّةَ أَبِيكُمْ) : نصب كانتصاب (صِبْغَةَ اللهِ) [البقرة : ١٣٨] ، وقيل : لنزع الخافض ، أي : في ملّة أبيكم. (٣) واختلفوا في المخاطبين بالبنوّة ، قال بعضهم : ربيعة ومضر ؛ لأنّهما من أولاد نزار بن معد. وقيل : جميع أولاد معد بن عدنان. وقيل : قضاعة وقنص وإياد ونزار وأربعة آخرون. وقيل : جميع أولاد عدنان بن أدد مثل : عك ومعد ، واختلفوا في نسبة عدنان بن أدد. وقد روى ابن عباس : أنّ النبيّ عليه‌السلام كان إذا انتهى إلى معد بن عدنان أمسك ، وقال : «كذب النسّابون ، قال الله تعالى : (وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً) [الفرقان : ٣٨]». (٤) وقيل : المخاطبون بها عامّة المسلمين ؛ لأنّهم أبناء لأزواج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأمّهات المؤمنين بنات إبراهيم لا شكّ ، والجدّ أب الأمّ لا محالة. (٥)

(لِيَكُونَ الرَّسُولُ) : اللام عائدة إلى قوله : (وَجاهِدُوا) أو إلى قوله : (هُوَ اجْتَباكُمْ).

وعن أبيّ بن كعب ، عنه عليه‌السلام أنّه قال : «من قرأ سورة الحجّ أعطي من الأجر حجّة وعمرة بعدد من حجّ واعتمر فيما مضى وفيما بقي». (٦)

__________________

(١) ع : الغرض المنصوب.

(٢) (بعد العرض ... من المؤمنين) ، ساقطة من ك.

(٣) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ١٢١٢ ، وأحكام القرآن للجصاص ٥ / ٨٩ ، وروح المعاني ١٧ / ٢١٠.

(٤) أخرجه ابن خياط في الطبقات ١ / ٣ ، وابن سعد في الطبقات الكبرى ١ / ٥٦ ، والسيوطي في الجامع الصغير ١ / ١٠٠.

(٥) ينظر : الوسيط ٣ / ٢٨٢ ، وزاد المسير ٥ / ٣٣٢ ، والكشاف ٣ / ١٧٥.

(٦) ينظر : الوسيط ٣ / ٢٥٧ ، والكشاف ٣ / ١٧٦.

٣٤٣

سورة المؤمنون

مكية في قولهم. (١)

وهي مئة وتسع عشرة (٢) آية في غير عدد أهل الكوفة. (٣)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١ ـ (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) : وعن كعب قال : لم يخلق الله بيده إلا ثلاث أشياء : خطّ التوراة بيده ، وخلق آدم بيده ، وغرس الجنّة بيده ، ثم قال : تزيّني ، فتزيّنت ، قالها ثلاث مرّات ، ثمّ قال لها : تكلّمي ، فتكلّمت ، فقالت : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ). (٤)

وعن عمر بن الخطاب قال : كان النبيّ عليه‌السلام إذا نزل عليه الوحي سمع عند وجهه دويّ كدويّ النحل ، فأنزل عليه يوما فمكثنا ساعة فسرّي عنه ، فاستقبل (٥) الكعبة ، فرفع يديه وقال : «اللهمّ زدنا ولا تنقصنا ، وأكرمنا ولا تهنّا ، وأعطنا ولا تحرمنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وأرضنا وارض عنّا» ، ثمّ قال : «أنزل عليّ عشر آيات من أقامهن دخل الجنّة (٦)» (٢٣٠ ظ) ثمّ قرأ : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) حتى ختم عشر آيات. (٧) قيل : الخبر محمول على أنّ الآيات قبل فرض الحجّ والصوم. (٨) وقيل : فرضها دخل في جملة قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) [المومنون : ٨].

وعن أبي هريرة : رأى رسول الله رجلا يلعب بلحيته في الصلاة فقال : «لو خشع قلبه لخشعت جوارحه». (٩)

__________________

(١) ينظر : معاني القرآن للنحاس ٤ / ٤٤١ ، وتفسير ابن أبي زمنين ٢ / ٣٦ ، وتفسير القرطبي ١٢ / ١٠٢ وقال بالإجماع على مكيتها ، وتفسير أبي السعود ٦ / ١٢٣.

(٢) الأصل وك وأ : عشر ، وهذا من ع.

(٣) عدد أهل الكوفة مئة وثمان عشرة آية ، ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٧ / ٣٤٧ ، وفنون الأفنان ١٤٥ ، وجمال القراء ٢ / ٥٣٤.

(٤) ينظر : تفسير الصنعاني ٣ / ٤٣ ، والدر المنثور ٦ / ٧٧.

(٥) ك : واستقبل.

(٦) (دخل الجنة) ، ساقطة من ع وأ.

(٧) أخرجه : أحمد في المسند ١ / ٣٤ ، والترمذي في السنن (٣١٧٣) وقال : منكر لا نعرف أحدا رواه غير يونس بن سليم ويونس لا نعرفه ، والمقدسي في الأحاديث المختارة ١ / ٣٤١ (٢٣٤) ، والعقيلي في الضعفاء ٤ / ٤٦٠.

(٨) ينظر : تفسير القرطبي ١٢ / ١٠٣.

(٩) ينظر : آداب الصحبة ١ / ١٢٣ ، ونوادر الأصول في أحاديث الرسول ٣ / ٢١٠ ، وتحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي ٢ / ٣٢٧. وهو حديث موضوع مرفوعا ، ضعيف موقوفا بل مقطوعا. ينظر : سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني (١١٠).

٣٤٤

٧ ـ (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ) : إشارة إلى ما أبيح.

(العادُونَ) : جمع عاد في قوله : (باغٍ وَلا عادٍ) [البقرة : ١٧٣].

(راعُونَ) : رعايته : مراعاته ومحافظته.

وعن مجاهد ، عن ابن عمر قال : أوّل ما خلق الله من ابن آدم فرجه ، قال : هذه أمانتي فأمسك عليها ، وإنّ الفرج أمانة ، والسمع أمانة ، والبصر أمانة ، ولا إيمان لمن لا أمانة له. (١)

وقال عليه‌السلام لأبي ذرّ : «الإمارة أمانة ، وهي يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقّها ، وأدّى [الذي](٢) عليه فيها ، وأنّى له ذلك يا أبا ذرّ». (٣) وعن ميمون بن مهران (٤) قال : ثلاث تؤدّى إلى البرّ والفاجر : العهد يوفّى إلى البرّ والفاجر ، والأمانة تؤدّى إلى البرّ والفاجر (٥) ، والرحم تصلها برّة كانت (٦) أو فاجرة. (٧)

ابتدأ الله تعالى بذكر الخضوع في الصلاة ، وانتهى بذكر المحافظة عليها ؛ لتشريفها وتأكيدها.

١٢ ـ (سُلالَةٍ) : ما أنسل من الطين المبلول. وروي : الفعالة مختصّة بالقليل كالقلامة والفضالة. (٨)

١٣ ـ (قَرارٍ) : مكان مطمئنّ.

(مَكِينٍ) : موضع التمكّن فيه. وقيل : متمكن في مكان آخر كتمكّن أوعية المنيّ فيما بين الصلب والترائب ، وتمكّن الرحم في البطن.

١٤ ـ (فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) : من الغذاء ، ولذلك لا تحيض الحبلى.

(ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) : أي : نسمة وجسدا (٩) مصورا (١٠).

__________________

(١) ينظر : تعظيم قدر الصلاة ١ / ٤٨١ عن عبد الله بن عمرو ، ونوادر الأصول ١٦٩ ، وفيض القدير ١ / ١٩٥.

(٢) زيادة من مصادر التخريج.

(٣) أخرجه الطيالسي في مسنده ١ / ٦٦ (٤٨٤) ، ومسلم في الصحيح (١٨٢٥) ، والفسوي في المعرفة والتاريخ ٢ / ٢٨٠ ، والبيهقي في السنن الكبرى ١٠٩٥.

(٤) أبو أيوب ميمون بن مهران الجزري الرقي ، الإمام الحجة ، عالم الجزيرة ومفتيها ، توفي سنة ١١٧ ه‍. ينظر : مولد العلماء ووفياتهم ١ / ٢٧٥ ، وتذكرة الحفاظ للقيسراني ١ / ٩٨ ، وسير أعلام النبلاء ٥ / ٧١.

(٥) (العهد يوفي ... إلى البر والفاجر) ساقطة من ع.

(٦) الأصل وك وأ : كان.

(٧) ينظر : مصنف ابن أبي شيبة ٦ / ٤٥١ ، وكتاب السنن (سعيد بن منصور) ٢ / ٢٧٢ ، وشعب الإيمان للبيهقي ٤ / ٣٢٧ ، وتهذيب الكمال ٢٩ / ٢٢٠.

(٨) ينظر : المصباح المنير ٢ / ٦٩٤.

(٩) ع : نسمة جسدا.

(١٠) ك : متصورا.

٣٤٥

(فَتَبارَكَ) : تعالى وتعظّم. وقال ابن عرفة (١) : هي تفاعل من البركة ، وهي كثرة الخير والسّعة. (٢)

روي : أنّ عبد الله بن سعد بن أبي سرح (٣) كان يكتب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه الآية فجرى على لسانه : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ)، فقال عليه‌السلام : «اكتب ما جرى على لسانك» ، فقال : إنّما هو كلامي (٤) ، فقال عليه‌السلام : «كذلك أنزل عليّ» ، فكتب ، ثمّ ارتاب في أمر النبوّة ، وكان ذلك سبب ارتداده. وقال القتيبيّ : كان يكتب مكان (٥) العزيز الحكيم الغفور الرحيم ، وكان ذلك سبب ارتداده. (٦)

١٧ ـ (سَبْعَ طَرائِقَ) : قال أبو عبيد الهرويّ : الطرائق سماوات واحدتهنّ طريقة ؛ لأنّها طرائق الملائكة والأنبياء. (٧)

١٩ ـ (فَواكِهُ) : جمع فاكهة ، وهو ما يتعلّل به من الثمار على سبيل الاقتيات.

٢٠ ـ (طُورِ سَيْناءَ) : جبل بالشام ، والشجرة الخارجة منها هي الزيتونة. ووجه التخصيص الاشتهار والغلبة.

(بِالدُّهْنِ) : المائع الذي يعلو الماء ، ولا يمتزج به.

(وَصِبْغٍ) : إدام.

٢٤ ـ (يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ) : يتشرّف ويتمجّد (٨) عليكم.

(٩) وإنّما أنكروا سماعهم ، لدروس أثر إدريس عليه‌السلام ومن تقدّمه ، أو لظنّهم أنّهم لم يكونوا أمثال نوح عليه‌السلام ، أو لوقاحتهم.

٣١ ـ (قَرْناً (٢٣١ و) آخَرِينَ) : قبل عاد ورسولهم هود عليه‌السلام. ويحتمل :

__________________

(١) أ : عروة.

(٢) ينظر : الغريبين ١ / ١٧٢.

(٣) أبو يحيى عبد الله بن أبي السرح بن الحارث القرشي العامري ، توفي بالرملة وهو في الصلاة فجأة ، فارّا من الفتنة سنة ٥٩ ه‍. ينظر : التاريخ الكبير للبخاري ٥ / ٢٩ ، ومشاهير علماء الأمصار ١ / ٥٣ ، والإصابة ٢ / ٣١٦. ورواية ارتداده ذكرها مختصرة الحافظ في الإصابة ٢ / ٣١٧.

(٤) (فقال عليه‌السلام ... إنما هو كلامي) ساقطة من ع.

(٥) ع : ومكان.

(٦) ينظر : المعارف ٣٠٠.

(٧) ينظر : الغريبين ٤ / ١١٦٧.

(٨) المجد : المروؤة والشرف ، والتمجد : غلبته بالمجد. لسان العرب ٣ / ٣٩٥.

(٩) في قوله تعالى : (ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) [المؤمنون : ٢٤].

٣٤٦

غيرهم وغيره ، يقول الله تعالى : (لا يَعْلَمُهُمْ (١) إِلَّا اللهُ) [إبراهيم : ٩].

٣٦ ـ ذكر أهل اللغة في (هَيْهاتَ) سبع لغات : هيهات بالفتح بغير تنوين ، وهيهاتا بالفتح والتنوين ، وهيهات بالضمّ من غير تنوين ، وهيهات بالضمّ والتنوين ، وهيهات بالكسر من غير تنوين ، وهيهات بالكسر والتنوين ، وإيهات بإبدال الهمزة من الهاء الأولى ، (٢) ومعناها النهي والنفي ، وفيها شيء من معنى كلّا.

٣٩ ـ (بِما كَذَّبُونِ) : أي : بسبب تكذيبهم.

٤١ ـ (فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً) : مذريّا ، أي : شذاذا وعشيرته ، قال الله تعالى : (غُثاءً أَحْوى) [الأعلى : ٥].

٤٤ ـ (تَتْرا) : من المتواترة والتواتر.

٤٧ ـ (مِثْلِنا) : وحّد لموازنته غيرا.

٥٠ ـ (وَمَعِينٍ) : ماء طاهر معيون ، وهو المرئيّ بالعين.

عن سعيد بن المسيّب في قوله : (إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ)(٣) أنّها دمشق. (٤) وقيل : إنّها مصر. (٥) وقيل (٦) : إنّها ناصرة ، وهذه هجرة من عيسى عليه‌السلام ، وقال عليه‌السلام : «بشّر الفرّارين بدينهم إيمانا واحتسابا من مدينة إلى مدينة ، ومن قرية إلى قرية أنّهم معي أو (٧) مع إبراهيم عليه‌السلام يوم القيامة كهاتين» ، وجمع بين أصبعيه الوسطى والتي تليها. (٨)

٥١ ـ وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله عليه‌السلام : «إنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين (٩) فقال : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ ...) الآية ، وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) [البقرة : ١٧٢] ، قال : وذكر الرجل يطيل (١٠) السفر

__________________

(١) الأصول المخطوطة : لا يعلم.

(٢) ينظر : كشف المشكل في النحو ٢ / ١٦٣ ـ ١٦٤.

(٣) ك : قرار معين.

(٤) ينظر : ينظر : تفسير الطبري ٩ / ٢١٨ ، تفسير البغوي ٥ / ٤١٩ ، وابن كثير ٣ / ٣٣٠ عن سعيد بن المسيب وغيره.

(٥) ينظر : معجم ما استعجم ٢ / ٦٣٧ عن وهب وأسامة عن أبيه ، تفسير البغوي ٥ / ٤١٩ عن ابن زيد ، والدر المنثور ٦ / ٩٤ ، وقال الطبري في التفسير ٩ / ٢١٨ : إنها مكان مرتفع ذو استواء وماء ظاهر ....

(٦) ساقطة من أ.

(٧) النسخ المخطوطة : و ، والتصحيح من كتب التخريج.

(٨) ينظر : السنن الواردة في الفتن ٢ / ٤٣٣ (١٦٣).

(٩) ع : المسلمين.

(١٠) الأصل وك وأ : مطيل.

٣٤٧

أشعث أغبر يمدّ يده إلى السماء يا ربّ يا ربّ ، ومطعمه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام ، فأنّى يستجاب لذلك». (١)

٥٢ ـ (أُمَّةً) : نصب على الحال ، والمراد به : الأمة النبويّة الحنيفية (٢) المستمعة إلى الوحي الإلهيّ.

٥٣ ـ (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) : إلى اليهود والنصارى والصابئون بعد أن كانوا حنفاء في الأصل.

(زُبُراً) إن كان زبور [جمع](٣) فهي كتبهم المختلقة من تلقاء أنفسهم ، وإن كانت جمع زبرة فهو أنّهم صاروا فرقا (٤) وقطعا.

(كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) : لأنّ الله تعالى لم ييسر لهم ما يسره لهم إلا على سبيل الاختيار دون الاضطرار والإجبار.

٥٤ ـ (غَمْرَتِهِمْ) : غشوتهم وسكرتهم.

٥٦ ـ (نُسارِعُ لَهُمْ) : يعني : المسارعة في الخيرات بإمداد المال والبنين لكونهما على سبيل الوقف والمراعاة إلى مقابلتهما بشكر أو كفر. قال (٥) : (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) [النمل : ٤٠] ، فمن رآهما ابتلاء حسنا ، واستوثق الله تعالى بلا صلاح (٦) فيهما (٧) تمحّضا خيرا ، ومن كانا مبلغه من العلم كانا مبلغه من الغمّ ، وكفر بهما كانا وبالا حينئذ.

٥٧ و ٥٨ ـ (٨) وفي تأخير الإيمان عن الخشية دليل على وجود الإيمان بالعقل قبل وجوده بالسماع ، ولو لا ذلك لما تقدّم الإشفاق من خشية الله على الإيمان بالآيات ، فإنّما تأخّر نفي الشرك عن إثبات الإشفاق (٢٣١ ظ) والإيمان لوجود الشرك في أهل الكتاب بعد ادعائهم الخشية والإيمان.

__________________

(١) أخرجه ابن الجعد في مسنده ١ / ٢٩٦ ، ومسلم في الصحيح (١٠١٧) ، والترمذي في السنن (٢٩٨٩) ، وإسحاق بن راهويه في المسند ١ / ٢٤١.

(٢) أ : الحنفية.

(٣) زيادة يقتضيها السياق.

(٤) ع : مرقا.

(٥) الأصول المخطوطة : قال عليه‌السلام.

(٦) ك : بالإصلاح.

(٧) الأصل وع : فيها.

(٨) في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨)).

٣٤٨

٦٠ ـ (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) : صفة أولياء الله تعالى المعتقدين أنّه لا حول ولا قوّة إلا بالله ، وأنّ موجب السعادة والشقاوة هو التقدير الأزلي (١) دون السبب العلميّ (٢) ، وعلى هذا (٣) قال عليه‌السلام : «ما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إليّ». (٤) وقال عليه‌السلام : «أيّكم ينجّيه عمله؟» قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : «ولا أنا إلا أن يتغمّدني الله برحمته». (٥) وعن عائشة قالت : سألت رسول الله عن قوله : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) فقلت : أهم الذين يشربون الخمور ويسترقون؟ قال : «لا يا بنت الصدّيق ، ولكنّهم الذين يصومون ، ويصلّون ويتصدقون ، وهم يخافون لا يقبل منهم». (٦)

٦١ ـ (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) : وعن شقيق بن إبراهيم (٧) : الزاهد العاقل لا يخرج من هذه الثلاثة الأخوف : أوّلها : أن يكون خائفا لما سلف منه من الذنوب ، والثاني : لا يدري ما ينزل به ساعة بعد ساعة ، والثالث : يخاف من إبهام العاقبة.

٦٣ ـ (بَلْ قُلُوبُهُمْ : بَلْ) للإضراب عن قوله : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) [المؤمنون : ٥٧]. وقيل : مرتب على قوله : (بَلْ لا يَشْعُرُونَ) [المؤمنون : ٥٦].

(وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ) : من الأعمال الفاسدة القبيحة من دون الكفر والجهل. وقيل : أعمالهم المقدّرة عليهم أن يكسبوها في المستقبل من أعمارهم. (٨)

٦٤ ـ (بِالْعَذابِ) : قال مجاهد : هو يوم بدر. (٩) وقال الكلبي : هو القحط سبع سنين. (١٠) ويحتمل : معاينة البأس ، ورفع الالتباس.

__________________

(١) الأصل وك وأ : الأولي.

(٢) الأصل وك وأ : العملي.

(٣) ع : (ولهذا) بدلا من (وعلى هذا).

(٤) هذا النص آية في سورة الأحقاف الآية التاسعة ، وقد جاءت أحاديث بهذا المعنى بألفاظ قريبة. ينظر : صحيح البخاري (١٢٤٣) ، ومسند الشاميين (٣٢١٢).

(٥) أخرجه مسلم في الصحيح (٢٨١٦) ، والطبراني في الأوسط (٢٢٩٤) ، وابن حيان الأنصاري في طبقات المحدثين بأصبهان ٣ / ٤٩٨ ، والفاداني في العجالة في الأحاديث المسلسلة ١ / ٩٤.

(٦) أخرجه الحميدي في المسند ١ / ١٣٢ ، وابن ماجه في السنن (٤١٩٨) ، وأبو يعلى في مسنده (٤٩١٧) ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٤٢٧.

(٧) أبو علي شقيق بن إبراهيم الأزدي البلخي ، الإمام الزاهد ، شيخ خراسان ، قتل في غزاة كولان سنة ١٩٩ ه‍. ينظر : الجرح والتعديل ٤ / ٣٧٣ ، والتدوين في أخبار قزوين ٣ / ٨١ ، وتاريخ دمشق ٢٣ / ١٣١.

(٨) ينظر : تفسير مجاهد ٤٣٣ ، وتفسير السمعاني ٣ / ٤٨١ ، وابن كثير ٣ / ٣٤٤ ، والدر المنثور ٦ / ١٠٠.

(٩) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ٢٢٨ ، وزاد المسير ٥ / ٣٤٩ ، والدر المنثور ٦ / ١٠٠.

(١٠) ينظر : زاد المسير ٥ / ٣٤٩.

٣٤٩

(يَجْأَرُونَ) : يرفعون أصواتهم.

٦٧ ـ و (الهجر) : الهذيان ، و (الإهجار) : الإفحاش.

(مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ)(١) : بالبيت العتيق. وقيل : الضمير عائد إلى نكوصهم إن كنتم مستكبرين بنكوصهم. (٢)

(سامِراً) : جمع كالباقر والحامل ، وفي حديث قيلة : إذا جاء زوجها من السامر ، (٣) أي : من السّمّر.

٦٨ ـ (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) : القرآن ، فيعلموا أنّه ليس من جنس كلام الناس ، بلى قد تدبّروه فسمّوه سحرا يؤثر.

(أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) : في معنى قوله : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف : ٩]. وقيل : في معنى قوله : (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى) [الأنعام : ٩١].

٦٩ ـ (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ) : بالأبوّة والأمانة والمروءة والصيانة ، ومجانبة الكتابة والكهانة.

٧١ ـ (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ) : عن الدين. وقيل : عن الديّان. (٤)

٧٤ ـ (لَناكِبُونَ) : لمائلون ومنحرفون ، ومنه : تنكّب فلان عن الطريق ، ومنه النكباء (٥) والمنكبّ.

٧٥ ـ (وَلَوْ رَحِمْناهُمْ) : أراد الرحمة الظاهرة ، وما بعدها بيان لها

[(لَلَجُّوا)](٦) : لتمادوا.

٧٦ ـ (بِالْعَذابِ) : بالجوع والخوف.

(فَمَا اسْتَكانُوا) : تضرّعوا وتذلّلوا.

__________________

(١) الأصل وك : مستكبرين.

(٢) ينظر : الرازي ٨ / ٢٦٨ ، واللباب في علوم الكتاب ٨ / ٣٩ ، والفتوحات الإلهية ٥ / ٢٤٨.

(٣) جزء من حديث طويل ، أخرجه ابن سعد في الطبقات ١ / ٣١٧ ـ ٣١٨ ، والطبراني في الكبير ٢٥ / (١) ، والمزي في تهذيب الكمال ٣٥ / ٢٧٧.

(٤) ينظر : الوسيط ٣ / ٢٩٥ ، وتفسير البغوي ٥ / ٤٢٤.

(٥) ع : الكبا.

(٦) غير موجودة في الأصول المخطوطة.

٣٥٠

٨١ ـ (بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ) : إنّما يلامون على ما علموا أنّما حلّ بأولئك الماضين ، ولا قدوة في الشعر.

٨٤ ـ (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها) : الاضطرار بالإقرار لعامّة الكفّار لإجماعهم أنّ العالم (٢٣٢ و) مستند إلى صانع (١) ما.

٩٤ ـ (رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) : الاستعاذة من حيث ما أوهم (٢) قوله : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال : ٢٥].

٩٧ ـ (هَمَزاتِ) : غمزات ، وفي الحديث : «أمّا الهمزة فالموتة». (٣) قيل لأعرابيّ : من يهمز الفأرة؟ قال : السّنور يهمزها. (٤)

٩٨ ـ (أَنْ يَحْضُرُونِ) : أن يتدنّوا منّي.

٩٩ ـ (حَتَّى) : غاية لقولهم (٥) : (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [المؤمنون : ٩٠].

١٠٠ ـ (بَرْزَخٌ) : حاجز لطيف بين الشيئين المجتمعين المتضايقين.

١٠١ ـ (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ) : لأنّ ليوم القيامة أحوالا مختلفة ، وأهوالا مؤتلفة ، فإذا كانت النفخة الأولى لم يبق أحد إلا هلك (٦)(فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) ولانقطاع الأنساب وجوه : أحدها : قوله : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) [عبس : ٣٤] إلى قوله : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس : ٣٧]. والثاني : قوله : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) [البقرة : ١٦٦] ، والثالث : انتقال التعريف يومئذ إلى الأعمال والملك. والرابع : كون كلّ واحد مبعوثا من التراب مثل آدم عليه‌السلام غير متولّد من أحد ، وقد قال عليه‌السلام : «كلّ سبب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي». (٧)

١٠٤ ـ (تَلْفَحُ) : تصيب أشدّ من النفخ.

__________________

(١) ساقطة من أ.

(٢) ك : فأوهم.

(٣) جزء من حديث عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أخرجه أحمد في المسند ٤ / ٨٠ ، وأبو داود في السنن (٧٦٥) ، والطبراني في الكبير (١٥٦٩) وأبو نعيم في تاريخ أصبهان ١ / ٢١٠.

(٤) ينظر : الصحاح ٣ / ٩٠٣ ، ولسان العرب ٥ / ٤٢٦ ، وتفسير غريب القرآن للطريحي ٢٩٦.

(٥) ع وأ : لفوجهم.

(٦) (فلا أنساب بينهم ... أحد إلا هلك) ساقطة من ع.

(٧) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (١٠٣٥٤) ، والطبراني في الأوسط (٥٦٠٦) ، وأبو نعيم في حلية الأولياء ٢ / ٣٤ ، والمقدسي في الأحاديث المختارة ١ / ١٩٧ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

٣٥١

وعن أبي سعيد الخدريّ ، عنه عليه‌السلام قال (١) : «(وَهُمْ فِيها كالِحُونَ) قال : تشويه النار ، فتقلص شفته العليا حتى تبلغ (٢) وسط رأسه ، وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرّته». (٣) قال عبد الله : مثل الرأس النضيج. (٤)

١١٠ ـ (سِخْرِيًّا) : أي : شيئا سخريا.

١١٢ ـ وفائدة السؤال من قوله : (كَمْ لَبِثْتُمْ ...) هو التنبيه على الحيرة.

١١٣ ـ (فَسْئَلِ الْعادِّينَ) : قيل : الكرام الكاتبين. (٥) وقيل : (فَسْئَلِ) معطوف على قوله : (كَمْ لَبِثْتُمْ) [المؤمنون : ١١٢] دون جوابهم.

١١٥ ـ (عَبَثاً) : لعبا.

١١٦ ـ (فَتَعالَى) : الفاء للعطف على معنى الاستفهام ، وهو إنكار العبث (٦) ، تعالى عن الاتصاف بالعبث.

عن أبي بكر الصدّيق ، عنه عليه‌السلام قال (٧) : «لم يصر من استغفر ، ولو عاد في اليوم سبعين مرّة». (٨) ينبغي أن يكون استغفاره على الحقيقة غفر الله له ، لقوله عليه‌السلام لما روي في الخبر : «أنّ (٩) المستغفر المصرّ كالمستهزئ بربّه» (١٠) ، وإن ندم على الحقيقة غفر له ، لقوله عليه‌السلام : «من ساءه ذنبه غفر له وإن لم يستغفر». (١١)

وعن أبيّ بن كعب ، عنه عليه‌السلام : «من قرأ سورة المؤمنون بشّره الملائكة بروح وريحان ، وتقرّ به عينه عند نزول ملك الموت». (١٢)

__________________

(١) ع : قا.

(٢) أ : بلغ.

(٣) أخرجه ابن المبارك في مسنده ١ / ٧٦ ، والترمذي في السنن (٢٥٨٧) ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٢٦٩ ، وابن رجب الحنبلي في التخويف من النار ١ / ١٢٥.

(٤) ينظر : الدر المنثور ٦ / ١١ ، وفتح الباري ٨ / ٤٤٥.

(٥) ينظر : تفسير مجاهد ٤٣٥ ، ومعاني القرآن للفراء ٢ / ٢٤٣ ، وتفسير الماوردي ٤ / ٦٨ ، وزاد المسير ٥ / ٣٥٩.

(٦) أ : البعث ، وكذلك التي تليها.

(٧) ساقطة من ع.

(٨) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣ / ٧٦٦ ، والبيهقي في الشعب ٥ / ٤٠٩ ، والمزي في تهذيب الكمال ٣٤ / ٣٤٦ ، والمقدسي أطراف الغرائب والأفراد ١ / ٨٥.

(٩) ساقطة من أ.

(١٠) ينظر : الفردوس بمأثور الخطاب ٢ / ٧٧ ، وتحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي ١٠ / ٢٣.

(١١) أخرجه الشهاب في مسند ١ / ٢٦٤ عن الحسن ، والديلمي في الفردوس بمأثور الأخبار ٣ / ٥٥٨ عن أنس.

(١٢) ينظر : الوسيط ٣ / ٢٨٣ ، ومجمع البيان ٧ / ١٣٩ ، والكشاف ٣ / ٢٠٩.

٣٥٢

سورة النور

مدنية. (١)

وهي اثنتان وستون (٢) آية في عدد أهل الحجاز. (٣)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١ ـ (سُورَةٌ) : رفع بتقدير مبتدأ محذوف ، أي : هذه سورة.

عن أبي عطية (٤) قال : كتب عمر : علّموا نساءكم سورة النور. (٥)

٢ ـ (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) : مجملة محتملة موقوفة على التفسير كآية السرقة.

(فَاجْلِدُوا) : فاضربوا بالسياط.

عن عمر بن الخطاب قال : ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ، فإنّ الإمام أن يخطئ في العفو (٢٣٢ ظ) خير من أن يخطئ في العقوبة ، فإذا وجدتم للمسلم مخرجا فادرؤوا عنه. (٦) وقال ابن مسعود في البكر يفجر بالبكر : إنّهما (٧) يجلدان ، وينفيان (٨) سنة. (٩) وقال عليّ : نفيهما فتنة. (١٠)

(وَلا تَأْخُذْكُمْ (١١) بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) أي : لا تمنعكم الرأفة عن إقامة الحدّ عليهما في طاعة الله.

(طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) : رجل فما فوقه.

٣ ـ (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً ...) : الآية مجملة محتملة كالأولى موقوفة (١٢) على

__________________

(١) ينظر : تفسير القرطبي ١٢ / ١٥٨ ، والإتقان ١ / ٧٨.

(٢) الأصول المخطوطة : اثنان وستين.

(٣) ينظر : التلخيص في القراءات الثمان ٣٤٢ ، والبيان في عد آي القرآن ١٩٣ ، وإتحاف فضلاء البشر ٤٠٨ ، وفي عدد الباقين أربع وستون.

(٤) أبو عطية : مالك بن عامر ، وقيل : ابن أبي جندب ، الوادعيّ الهمدانيّ ، توفي في ولاية عبد الملك. ينظر : تاريخ ابن معين ٢ / ٢٢٨ ، والثقات لابن حبان ٥ / ١٧ ، وتهذيب الكمال ٣٤ / ٩٠.

(٥) ينظر : مصنف عبد الرزاق (١١٣٣) ، وشعب الإيمان (٢٤٣٧) ، وتفسير القرطبي ١٢ / ١٥٨ ، وكنز العمال ٩ / ٥٦٠.

(٦) ينظر : الأم ٧ / ٣٤٥ ، وكشف الخفاء ١ / ٧٣.

(٧) ك : إنما.

(٨) أ : ينفيا.

(٩) ينظر : مصنف عبد الرزاق (١٣٣١٣) ، والاستذكار ٧ / ٤٨١ ، والمحلى ١١ / ١٨٤ ، والدراية في تخريج أحاديث الهداية ٢ / ١٠٠.

(١٠) ينظر : المبسوط ٩ / ٤٤ ، والمغني ٩ / ٤٥ ، ونصب الراية ٣ / ٣٣٠ ، والدراية في تخريج أحاديث الهداية ٢ / ١٠٠.

(١١) الأصول المخطوطة : يأخذكم.

(١٢) ك : موقوف.

٣٥٣

التفسير. عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : كان رجل يقال له : مرثد بن أبي مرثد (١) يحمل الأسرى من مكة حتى يأتي بهم المدينة ، وكانت (٢) امرأة بغيّ بمكة يقال لها : عناق ، وكانت صديقة له ، فذهب مرثد ليحمل رجلا من أسراء مكة ، فعرفته ، فقالت : مرثد؟ قال : مرثد ، قالت : مرحبا وأهلا ، هلمّ فبت عندنا الليلة ، قال : يا عناق ، حرّم الله الزنا ، قالت : يا أهل الخيام ، هذا الرجل يحمل أسراكم ، فتبعه (٣) ثمانية إلى غار ، فعمّاهم الله عنه ، ثمّ ذهب وحمل الرجل حتى قدم المدينة ، فأتى رسول الله فقال : أنكح عناقا؟ فسكت رسول الله حتى نزلت الآية (٤).

وعن ابن عباس : أنّ المهاجرين لمّا قدموا المدينة نزل في صفّة مسجد رسول الله عليه‌السلام أناس من المهاجرين ، لم يكن لهم مساكن في المدينة ينزلون بها ، ولا عشائر يأتونوهم ، وكانوا نحوا من أربع مئة رجل يلتمسون (٥) الرزق بالنهار ، فإذا أمسوا رجعوا إلى المسجد ، فكانوا فيه ، وكان المسلمون من أراد أن يأتيهم بشيء أتاهم به ، وكان في المدينة بغايا يبغين بأنفسهنّ متعالمات بالفجور ، لهنّ علامات كعلامات البياطرة ، تصبن الطعام والشراب والكسوة ، فقال أولئك الذين ليس لهم مساكن ولا عشائر من المهاجرين : لو أنّا تزوجنا من هؤلاء ، فسكّنّنا معهنّ في منازلهن ، وأصبنا من طعامهنّ وكسوتهنّ ، فإذا ارتحلنا من المدينة خلينا سبيلهنّ ، قال : فأتوا رسول الله فذكروا ذلك من شأنهم ، فنزل فيها نهي عن البغايا المعروفات. (٦)

وعن ابن عباس قال : الزاني لا يجامع إلا زانية أو مشركة. (٧) وسئل ابن عباس عن رجل ألمّ بامرأة ، فأتى منها ما حرّم الله ، فرزقه الله تعالى من تلك توبة ، فأراد أن يتزوّجها؟ فقال له ناس : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً)، فقال ابن عباس : ليست هذه الآية في ذلك ، انكحها ، فما كان في ذلك من إثم فعليّ. (٨) وعن سعيد بن المسيب : أنّ الآية منسوخة بقوله (٩) : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) [النور : ٣٢]. (١٠)

__________________

(١) مرثد بن أبي مرثد ، واسم أبيه كنّاز بنون ثقيلة ، بن حصين بن يربوع الغنوي ، صحابي بن صحابي ، استشهد يوم الرجيع. ينظر : الطبقات الكبرى ٢ / ٥٥ ، ومن له رواية في الكتب الستة ٢ / ٢٥٠ ، والإصابة ٣ / ٣٩٨.

(٢) ساقطة من أ.

(٣) أ : تسعة.

(٤) ينظر : سنن الترمذي (٣١٧٧) ، وسنن البيهقي ٧ / ١٥٣ ، والاستيعاب ٣ / ١٣٨٥.

(٥) أ : يلتثمون.

(٦) ينظر : تفسير البغوي ٦ / ٨ ـ ٩.

(٧) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ٢٦٤ ، وتفسير السمعاني ٣ / ١٠٥ ، وتفسير البغوي ٦ / ٩ ، وابن كثير ٣ / ٣٥٢.

(٨) ينظر : ابن كثير ٣ / ٣٥٤.

(٩) ع : فقوله.

(١٠) ينظر : الناسخ والمنسوخ للنحاس ٥٧٩ ، والناسخ والمنسوخ في القرآن العزيز ١٧١ ، ونواسخ القرآن ١٩٧ ، المصفى في علم الناسخ والمنسوخ ٤٤.

٣٥٤

٤ ـ (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ) : يقذفون بصريح الزنا.

(الْمُحْصَناتِ) : الحرائر المسلمات العفائف ، وليس لها أن تطالب بالحدّ حتى تثبت حرّيتها ، وهذا الحدّ يسقط بعفو الخصم.

وفي الآية دليل على إباحة (١) (٢٣٣ و) تعمّد النظر إلى فرج المسافحين لتحمّل الشهادة ، واجتماع الشهود الأربعة قبل إذ الشهادة شرط.

وضرب القاذف دون ضرب الزاني ، (٢) واستيفاء الحدود إلى السلطان ، ولا اعتبار لعدد (٣) المقذوفات ، ونفي قبول شهادة القاذف المحدود على التأبيد. (٤)

٥ ـ (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ) : يغفر فسقهم.

(رَحِيمٌ) : يرحمهم بالتوبة عليهم.

٦ ـ (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ) : المحصنات.

(وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) : دليل على أنّ حكم اللعان إنّما يجب على من هو من جنس الشهداء دون المحدودين والعبيد ونحوهم. (٥)

وعن ابن عمر : أنّ رجلا سأل النبيّ عليه‌السلام فقال : يا رسول الله ، أرأيت لو أنّ أحدنا رأى امرأته (٦) على فاحشة كيف يصنع؟ إن تكلّم تكلّم بأمر عظيم ، وإن سكت سكت عن أمر عظيم! فسكت النبيّ عليه‌السلام ولم يجبه ، فلمّا كان بعد الأيّام ، فأتى النبيّ عليه‌السلام فقال : إنّ الذي سألتك عنه ابتليت به ، فأنزل الله الآيات ، فدعاه ، فتلاهنّ عليه ، ووعظه وذكّره ، وأخبره أنّ عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، فقال : والذي بعثك بالحقّ ما كذبت عليها ، ثمّ ثنّى بالمرأة ، ووعظها وذكّرها ، وأخبرها أنّ عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، فقالت : لا والذي بعثك بالحقّ ، قال : فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله إنّه لمن الصادقين ، والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، ثمّ ثنّى بالمرأة ، فشهدت أربع شهادات بالله إنّه لمن الكاذبين ، والخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصادقين ، ثمّ فرّق بينهما. (٧) وفيه حديث سهل بن

__________________

(١) أ : إباحدة.

(٢) ينظر : الأحكام الصغرى للأشبيلي ٢ / ١٥٦ عن أبي حنيفة.

(٣) أ : بعدد.

(٤) ينظر : المبسوط ٩ / ١٣٠ ، الأحكام الصغرى للأشبيلي ٢ / ١٦٠ عن أبي حنيفة.

(٥) ينظر : الأحكام الصغرى للأشبيلي ٢ / ١٦٢.

(٦) ع : امرأة.

(٧) أخرجه مسلم في الصحيح (١٤٩٣) ، والدارمي في السنن ٢ / ٢٠٢ ، وأبو عوانة في مسنده ٣ / ٢٠٢.

٣٥٥

سعد الساعديّ في عويمر العجلانيّ وامرأته. (١)

١١ ـ (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) : مسطح (٢) ، وحسان بن ثابت (٣) ، وعبد الله بن أبيّ بن سلول المنافق (٤) ، وحمنة بنت جحش (٥).

روي : أنّ عائشة قالت : كان رسول الله عليه‌السلام إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه ، فأيّتهنّ خرج سهمها خرج بها معه ، فأقرع بيننا في غزوة غزاها ، فخرج سهمي ، فخرجت مع رسول الله ، وذلك بعد ما أنزل الحجاب ، فأنا أحمل في هودج ، وأنزل فيه (٦) ، فسرنا حتى فرغ رسول الله من غزوه وقفل ، ودنونا من المدينة ، آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حتى آذنوا بالرحيل ، فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلمّا قضيت شأني أقبلت إلى الرحل ، فلمست صدري ، فإذا عقدي من جزع ظفار قد انقطع ، فرجعت ، فالتمست ، فحبسني ابتغاؤه ، وأقبل الرهط الذين كانوا يحملونني ، فحملوا هودجي ، (٢٣٣ ظ) فرحّلوه على بعيري الذي كنت أركب ، وهم يحسبون أنّي فيه ، قالت : وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن ، ولم يغشهنّ اللّحم ، إنّما يأكلن العلقة من الطعام ، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رفعوه ورحّلوه ، وكنت جارية حديثة السنّ ، فبعثوا الجمل ، وساروا ، ووجدت عقدي بعد ما استمرّ الجيش ، فجئت منازلهم ، وليس بها داع ولا مجيب ، فتيمّمت منزلي الذي كنت فيه ، وظننت (٧) أنّ القوم سيفقدونني ، فيرجعون إليّ ، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت ، وكان صفوان بن المعطّل السّلميّ ثمّ الذكوانيّ قد عرّس (٨) من وراء الجيش ، فأدلج ، فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم ، فأتاني فعرفني حين رآني ، وقد كان يراني قبل أن يضرب عليّ الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ،

__________________

(١) أخرجه البخاري في الصحيح (٤٢٣ و ٤٧٤٥ وغيره) ، ومسلم في الصحيح (١٤٩٢) ، وابن الجارود في المنتقى (٧٥٦) ، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (٥١٥٠).

(٢) أبو عبّاد مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب القرشي المطلبي ، شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله ، توفي سنة (٣٤ ه‍). ينظر : الطبقات الكبرى ٣ / ٥٣ ، والجرح التعديل ٨ / ٤٢٥ ، والاستيعاب ٤ / ١٤٧٢.

(٣) أبو الوليد حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام ابن النجار الأنصاري النجاري المدني ، سيد الشعراء المؤمنين ، المؤيد بروح القدس ، توفي قبل الأربعين في خلافة علي. ينظر : معجم الصحابة ١ / ١٩٩ ، الاستيعاب ١ / ٢٥١ ، وسير أعلام النبلاء ٢ / ٥١٢.

(٤) عبد الله بن أبي بن مالك بن الحارث ، رأس المنافقين ، ونزل في ذمّه آيات كثيرة مشهورة ، توفي زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى عليه ، وكفنه في قميصه ، قبل النهي عن الصلاة على المنافقين. ينظر : الطبقات الكبرى ٣ / ٥٤٩ ، وتهذيب الأسماء ١ / ٢٤٦.

(٥) حمنة بنت جحش بن رئاب الأسدية ، أخت أم المؤمنين زينب بنت جحش. ينظر : الطبقات الكبرى ٨ / ٢٤١ ، والاستيعاب ٤ / ١٨١٢.

(٦) ك : فيهما.

(٧) أ : فطننت.

(٨) التعريس : نزول المسافر آخر الليل أو وجه السحر. النهاية في غريب الحديث والأثر ٣ / ٢٠٦ ، ولسان العرب ٦ / ١٣٦.

٣٥٦

وخمّرت وجهي بجلبابي ، ووالله ما يكلّمني بكلمة ، ولا سمعت منه غير استرجاعه حتى أناخ راحلته ، فوطئ على يديها فركبتها ، فانطلق يقود بي (١) الراحلة حتى أتينا (٢) الجيش بعد ما نزلوا موغرين في بحر الظهيرة ، فهلك من هلك فيّ ، وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبيّ بن (٣) سلول ، فاشتكيت حين قدمتها شهرا ، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ، ولا أشعر بشيء من ذلك ، وهو يريبني في وجعي أنّي لأعرف من رسول الله اللطف الذي كنت أرى منه حين كنت أشتكي ، إنّما يدخل رسول الله فيسلم ، ثمّ يقول : كيف تيكم؟ فذلك يحزنني ، ولا أعرف بالشرّ حتى خرجت بعد ما نقهت (٤) ، وخرجت معي أمّ مسطح (٥) قبل المناصع ، وهو متبرّزنا ، ولا نخرج إلا ليلا إلى الليل ، وذلك قبل أن تتّخذ الكنف (٦) قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأوّل في التبرّز ، وكنّا نتأدّى بالكنف أن نتّخذها عند بيوتنا ، فانطلقت أنا وأمّ مسطح ، وهي ابنة أبي رهم بن عبد المطّلب بن عبد مناف ، وأمّها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصدّيق ، وابنها مسطح بن أثاثة بن عبّاد بن عبد المطلب ، فأقبلت وابنة أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا ، فعثرت أمّ مسطح فقالت : تعس مسطح ، فقلت لها : بئس ما قلت ، أتسبين رجلا قد شهد بدرا؟ قالت : أي هنتاه ، أو لم تسمعي ما قال؟ قلت : وما ذا قال؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضا إلى مرضي ، فلمّا رجعت إلى بيتي فدخل عليّ رسول الله فسلّم ، ثمّ قال : كيف تيكم؟ قلت : تأذن لي أن آتي أبويّ؟ قال : نعم ، قالت : وأنا أريد أن أتيقّن الخبر من قبلهما ، فأذن لي رسول الله ، فجئت أبويّ ، فقلت لأمّي : يا أمّه ، ما يتحدّث الناس؟ قالت : أي بنيّة ، هوّني عليك فو الله لقلّ ما كانت امرأة قطّ وضيئة عند رجل يحبّها (٢٣٤ و) ولها ضرائر إلا كثّرن ، قالت : قلت : سبحان الله ، وقد يحدّث الناس بهذا ، قالت : فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم ، ثمّ أصبحت أبكي ، ودعا رسول الله عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله ، قالت : فأمّا أسامة فأشار على رسول الله بالذي يعلم من براءة أهله ، وبالذي يعلم من نفسه لهم من الودّ ، فقال : يا رسول الله ، هم أهلك ، ولا نعلم إلا خيرا ، وأما عليّ فقال : لم يضيّق الله عليك ، والنساء سواها كثير ، وأن تسأل الجارية تصدقك ، قالت : فدعا رسول الله بريرة فقال : يا بريرة ، هل رأيت شيئا يريبك من عائشة؟

__________________

(١) أ : في.

(٢) ك : أتانا.

(٣) ساقطة من أ.

(٤) ع : نقهت من مرضي.

(٥) أم مسطح ريطة ، وقيل : رائطة ، بنت أبي رهم أنيس بن عبد المطلب بن عبد مناف ، بنت خالة أبي بكر الصديق. ينظر : الاستيعاب ٤ / ١٤٧٢ ، وتهذيب الأسماء ٢ / ٣٩٥ ، والإصابة ٤ / ٤٩٦.

(٦) الكنف : المواضع التي يستخلى فيها الناس لقضاء الحاجة في دورهم. غريب الحديث لأبي عبيد ٢ / ٥٧٦.

٣٥٧

فقالت بريرة : والذي بعثك بالحقّ ، إن رأيت عليها أمرا (١) قط اغمضه عليها من أنّها جارية حديثة السنّ ، تنام عن عجين أهلها ، فتأتي الداجن فتأكله ، قالت : فقام رسول الله فاستعذر من عبد الله بن أبيّ بن سلول (٢) ، فقالت : قال رسول الله وهو على المنبر : يا معشر المسلمين ، من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي ، فو الله ما علمت عليها إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا ، وما كان يدخل على أهلي إلا معي ، فقام سعد بن معاذ الأنصاريّ فقال : أعذرك منه يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه ، وإن كان من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ، قالت : فقام سعد بن عبادة ، وهو سيد الخزرج ، وكان رجلا صالحا ، ولكن اجتلبته الحميّة ، قال لسعد : لعمر الله لا تقتله (٣) ولا تقدر على قتله ، فقام سعد بن حضير وابن سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنّه ، فإنّك منافق يجادل (٤) عن المنافقين ، فثار الحيّان الأوس والخزرج ، وهمّوا أن يقتتلوا ورسول الله على المنبر ، ولم يزل رسول الله يخفّضهم (٥) حتى سكتوا وسكت. قالت (٦) : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، ثمّ بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم (٧) ، وأبواي يظنّان أنّ البكاء فالق كبدي ، قالت : فبينا هما جالسان عندي ، وأنا أبكي استأذنت عليّ امرأة من الأنصار ، فأذنت لها ، فجلست تبكي معي ، قالت : فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله ، فسلّم ، ثمّ جلس ، ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل ، ولقد لبثت شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء ، قالت : فتشهّد رسول الله حين جلس ، ثمّ قال : أمّا بعد ، يا عائشة ، فإنّه (٨) بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله ، وتوبي إليه ، فإنّ العبد إذا اعترف بذنبه ثمّ تاب ، تاب الله عليه ، قالت : فلمّا قضى رسول الله مقالته قلص دمعي حتى ما أحسّ منها ، فقلت لأبي : أجب عنّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢٣٤ ظ) فيما قال ، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله ، فقلت لأمّي : أجيبي عنّي رسول الله ، فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله ، فقلت وأنا جارية حديثة السنّ لا أقرأ كثيرا من القرآن : والله لقد عرفت أنّكم سمعتم هذا حتى استقرّ في أنفسكم ، وصدّقتم به ، فلئن (٩) قلت لكم : إنّي بريئة ، والله يعلم أنّي بريئة ، لا تصدقونني بذلك ،

__________________

(١) ع : أمر.

(٢) أ : رسلول.

(٣) أ : قتلته.

(٤) أ : يخاطب.

(٥) يسكّنهم ويهوّن عليهم. النهاية في غريب الحديث والأثر ٢ / ٥٤.

(٦) ع : قال.

(٧) (ولا أكتحل بنوم) ، ساقطة من ك.

(٨) أ : وتشهد.

(٩) أ : فليس.

٣٥٨

ولئن اعترفت لكم بأمر (١) ، والله يعلم أنّي بريئة ، لتصدقونني ، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو (٢) يوسف : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) [يوسف : ١٨] ، قالت : ثمّ تحوّلت فاضطجعت على فراشي ، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أنّي بريئة ، والله يبرّئني ببراءتي ، ولشأني أحقر في نفسي من أن يتكلّم الله جلّ جلاله فيّ بأمر يتلى ، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله في النوم رؤيا يبرّئني الله بها ، قالت : فو الله ما رام رسول الله مجلسه ، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله على نبيّه عليه‌السلام ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي ، إنّه لينحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه ، قالت (٣) : فلمّا سرّي عن رسول الله ، وهو يضحك ، فكان أول كلمة تكلّم بها أن قال : أبشري يا عائشة ، أما والله فقد برّأك الله ، فقالت لي أمّي : فقومي إليه ، فقلت : والله لا أقوم ولا أحمد إلا الله ، هو الذي أنزل براءتي ، قالت : فأنزل الله تعالى ذكره : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) عشر آيات ، فأنزل جلّ ذكره هذه الآيات براءتي ، وقال أبو بكر ، كان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره : والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال ، فأنزل الله عزوجل : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ) إلى قوله : (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور : ٢٢] ، فقال أبو بكر : والله إنّي لأحبّ أن يغفر الله عزوجل لي ، ورجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه ، وقال : لا أنزعها منه أبدا ، قالت عائشة (٤) : وكان رسول الله سأل زينب بنت جحش ، زوج النبيّ عليه‌السلام ، عن أمري ما علمت ، أو ما رأيت ، قالت : يا رسول الله ، أحمي سمعي وبصري ، والله ما علمت إلا خيرا ، وهي التي كانت تساميني من أزواج النبيّ عليه‌السلام ، فعصمها الله بالورع ، وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها ، فهلكت فيمن هلك. (٥) وهذا الحديث أتمّ من سائر الأحاديث.

٢٦ ـ (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ) : من الرجال.

(وَالْخَبِيثُونَ) : من الرجال (٦).

(لِلْخَبِيثاتِ) : من النساء.

__________________

(١) أ : بأوامر.

(٢) ع : أبوي.

(٣) قالت مكررة في ع.

(٤) ع : عا عائشة.

(٥) أخرجه البخاري في الصحيح (٢٦٦١) ، ومسلم في الصحيح (٢٧٧٠) ، واللالكائي في اعتقاد أهل السنة ٨ / ١٤٣٠ ، والأربعين في مناقب أمهات المؤمنين ١ / ٦٢.

(٦) (من الرجال) ، ساقطة من ع.

٣٥٩

(وَالطَّيِّباتُ) : من النساء.

(لِلطَّيِّبِينَ) : من الرجال.

(وَالطَّيِّبُونَ) : من الرجال.

(لِلطَّيِّباتِ) : من النساء.

١٢ ـ (الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ (٢٣٥ و) بِأَنْفُسِهِمْ) : أي : ظنّ بعضهم ببعض خيرا ، والبعض هاهنا الصدّيقة بنت الصدّيق أمّ المؤمنين ، وصفوان بن المعطل الذي زكّاه رسول الله ، وقال : «ما علمت عليه من سوء قط ، ولا غبت في سفر إلا غاب معي». وقال : ما كشفت كنف أنثى قط (١). وأكرمه الله بالشهادة في سبيله ، وإنّما توجّه عليهم الملام بتركهم قولهم : (هذا إِفْكٌ مُبِينٌ) على سبيل الظنّ مع كون الخبر ممكنا متصوّرا موهوما لتواتر أدلة الكذب.

١٣ ـ (فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ) : أي : في دين الله وحكمه ، ولو لا ذلك لما كان كونهم (٢) كاذبين في علم الله موقوفا على عدم إتيانهم بأربعة شهداء.

وفي الآية دليل على أنّهم كانوا مطالبين بأربعة شهداء (٣) ، ولو لا (٤) الإعجاز الإلهيّ لكان يمكنهم أن يأتوا بعد المطالبة بشهداء الزور مع كثرة المنافقين ، وفرط عصبيّتهم.

وعن عروة ، عن عائشة قالت : لّما نزل عذري قام رسول الله على المنبر ، وتلا القرآن ، فلمّا نزل ، أمر برجلين وامرأة ، فضربوا حدّهم. (٥)

١٤ ـ يحتمل أنّ قوله : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ) على سبيل التكرار.

وأنّ قوله : (لَمَسَّكُمْ) جواب لما تقدّم.

١٩ ـ (تَشِيعَ الْفاحِشَةُ) : تستفيض ، وأراد هاهنا الزنا والقذف ، وإنّما كانوا يحبّون ذلك من حيث إرادتهم الترخّص والتساهل في هذا الباب ، فلمّا كانوا متلوّثين أحبّوا أن يلوّثوا بالتهمة غيرهم ، كقوم قال الله فيهم : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً) [النساء : ٨٩].

__________________

(١) (وقال : ما كشفت كنف أنثى قط) ، ساقطة من ع. والقولان هما جزء من حديث الإفك (حديث عائشة رضي الله عنها السابق)

(٢) أ : كذبهم.

(٣) (وفي الآية دليل على أنهم كانوا مطالبين بأربعة شهداء) ، ساقطة من ع وأ.

(٤) الأصل وك : أولوا ، وفي حاشية الأصل مكتوب : لعله لو لا ، وهو الصواب.

(٥) أخرجه الترمذي في السنن (٣١٨١) وقال : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق ، وابن ماجه في السنن (٢٥٦٧) ، والمحاملي في الأمالي ١ / ١٣٦ ، وأبو زيد النميري في أخبار المدينة ١ / ١٩٨.

٣٦٠