درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ٢

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني

درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ٢

المؤلف:

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني


المحقق: د. طلعت صلاح الفرحات / د. محمّد أديب شكور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر ناشرون وموزعون
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9957-07-514-9

الصفحات: ٨٠٢
الجزء ١ الجزء ٢

٨٤ ـ قوله : (فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ) يقول : برأنا ما به من وجع شديد في جسده.

(وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ) : فكانت امرأته ولدت له سبع بنين وسبع بنات ، فنشروا له ما كان قد مات (١) في ذلك البلاء.

(وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) : وضعفهم معهم (٢) ، ولدت له امرأته سبع بنين وسبع بنات.

(رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ) أي : عظة للمتّقين ، وهذه الرجعة ليست بأعجب من رجعة عزير وعاميل والسبعين والألوف. وعن أبي حنيفة رضي الله عنه قال : ردّ الله على أيوب أهله ، وولده من صلبه ، ومثل أمور ولده. (٣)

٨٥ ـ وذو الكفل نبيّ من بني إسرائيل بعثه الله تعالى إلى ملك يقال له : كنعان ، فدعاه إلى الإيمان ، وكفل له بالجنّة ، وكتب له كتابا (٤) ذكر حق (٥) الله ، وآمن الملك ، وأوصى بأن يدرج ذلك الكتاب معه في طيّ أكفانه ، ففعلوا ، ودفنوا ذلك الملك ، فردّ الكتاب إلى ذي الكفل ، وقيل له : إنّ الله يقرئك السّلام ، وقد أوفى الملك (٦) ما وكدت (٧) في عنقك (٨).

وذكر الكلبيّ : أنّ إلياس عليه‌السلام كان في أربع مئة من الأنبياء ، فقتل الملك منهم ثلاث مئة نبيّ ، فكفل ذو الكفل في مئة نبيّ ، فكفلهم وخبّأهم عنده يطعمهم ، ويسقيهم حتى خرجوا من عنده ، فسمّي ذو الكفل ؛ لكفالة طعامهم وشرابهم حتى أفلتوا. (٩) وذكر الحدادي : أنّ اسم ذي الكفل عايوذا. وكان نبيّا ، عند الحسن. (١٠) ورجلا صالحا كفل لنبيّ عبادته ، عند قتادة. (١١)

٨٧ ـ (وَذَا النُّونِ) : قال النبيّ عليه‌السلام : لّما بدا ليونس عليه‌السلام أن يدعو الله عزوجل بالكلمات حين نادى وهو في بطن الحوت ، فقال : اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين ، فأقبلت الدعوة تحت العرش ، فقال الملائكة : (٢٢٤ و) يا (١٢) ربّ هذا صوت

__________________

(١) الأصل وك وأ : ما كانوا قد ماتوا.

(٢) (وضعهم معهم) ساقطة من أ.

(٣) ينظر : زاد المسير ٥ / ٢٧٨.

(٤) الأصل وك وأ : كتاب ، وهو خطأ.

(٥) الأصل وك وأ : حق على.

(٦) أ : وقد وفى الملك.

(٧) وكدت العقد واليمين ، أي : أوثقته. العين ٥ / ٢٩٥.

(٨) أ : عفتك.

(٩) ينظر : زاد المسير ٥ / ٢٧٨ ينحوه.

(١٠) ينظر : زاد المسير ٥ / ٢٧٩ ، وتفسير الحسن البصري ٢ / ١٣٣.

(١١) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ٧٢ عن قتادة عن أبي موسى الأشعري.

(١٢) ساقطة من ع.

٣٢١

ضعيف معروف من مكان غريب ، فقال : ما تعرفون؟ ذلك عبدي يونس الذي لم يزل يرفع له (١) عمل متقبّل ، ودعوة مجابة ، قالوا : يا ربّ ، أفلا ترحم ما كان يصنع في الرخاء ، فتنجيه من البلاء ، فأمرت الحوت وطرحته بالعراء. (٢)

٨٨ ـ وعن سعد قال : قال النبيّ عليه‌السلام : «من دعا بدعاء يونس استجيب له» (٣) ، قال (٤) : يريد (وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ).

٩٠ ـ (وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى) : عن ابن عباس قال : بعث عيسى عليه‌السلام يحيى بن زكريا عليهما‌السلام في اثني عشر من الحواريين يعلّمون الناس ، فكان فيما يعلّمونهم أن ينهوهم عن نكاح ابنة الأخت ، وكان لملكهم ابنة أخت تعجبه ، وكان يريد أن يتزوّجها ، وكان لها كلّ يوم حاجة يقضيها ، فلما بلغ ذلك أمّها أنّهم نهوا عن نكاح ابنة الأخت ، فقالت لها : إذا دخلت على الملك ، فقال : لك حاجة؟ فقولي : حاجتي أن تذبح يحيى بن زكريا (٥) ، فلما دخلت عليه ، فسألها حاجتها ، فقالت : حاجتي أن تذبح يحيى بن زكريا ، فقال : سليني سوى هذا ، قالت : ما أسألك إلا هذا ، فلما أبت عليه دعا بطست ، ودعا به ، فذبحه ، فبدرت قطرة من دمه على الأرض ، فلم تزل تغلي حتى بعث الله بختنصر عليهم ، فألقى في نفسه أن يقتل على ذلك منهم حتى تسكن نفسه ، فقتل عليه منهم سبعين ألفا. (٦)

وعن شهر بن حوشب قال : لّما قتله رفع رأسه ، فجعلته في طست من ذهب ، فأهدته إلى أمّها ، فجعل الرأس يتكلّم في الطست ، أنّها لا تحلّ له ولا يحلّ لها ، ثلاث مرات ، فلمّا رأت الرأس فقالت (٧) : اليوم قرّت عيني ، وأمنت على ملكي ، فلبست درعا من حرير ، وخمارا من حرير ، وملحفة من حرير ، ثمّ صعدت قصرا لها ، وكانت لها كلاب تضرّيها بلحوم الناس ، فجعلت تمشي على قصرها ، فبعث الله تعالى عليها ريحا عاصفا ، فلفّتها في ثيابها ، فالقتها إلى كلابها ، فجعلن (٨) ينهشنها ، وهي تنظر ، وكان آخر ما أكلن منها عينيها (٩). (١٠)

__________________

(١) ساقطة من ك.

(٢) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ٧٨ بنحوه.

(٣) أخرجه الدورقي في مسند سعد ٢ / ٦٥ ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٦٣٩ ، وأبو يعلى في المسند (٧٠٧).

(٤) ع : قا.

(٥) (فلما دخلت عليه ... يحيى بن زكريا) ساقطة من ك.

(٦) ينظر : تاريخ مدينة دمشق ٦٤ / ٢٠٧ ، وتفسير القرطبي ١٠ / ٢١٩.

(٧) ك : فقال.

(٨) ع : فجعلت.

(٩) ع : عينها.

(١٠) ينظر : تاريخ دمشق ٦٤ / ٢٠٨.

٣٢٢

٩١ ـ (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) : عورتها.

(فَنَفَخْنا فِيها) : قيل : إنّ جبريل عليه‌السلام نفخ في جيبها. (١) وقيل : في كمّها. وقيل : في ذيلها. (٢) وفي التحريم (فَنَفَخْنا فِيهِ) [التحريم : ١٢] هاهنا راجع إلى العورة ، وهناك إلى لفظ الفرج. وقيل : التأنيث راجع إلى الوالدة ، والتذكير إلى الولد.

(وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً) : وهما اثنان ؛ لأنّ كرامة مريم كانت معجزة ولدها ، كقوله : (لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ) [البقرة : ٦١].

٩٢ ـ والقول مضمر في قوله : (إِنَّ هذِهِ (٣) أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) يعني : قوم عيسى عليه‌السلام.

٩٣ ـ (وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ (٢٢٤ ظ) بَيْنَهُمْ) : قيل : إنّ الله تعالى لّما رفع (٤) عيسى بن مريم عليه‌السلام ، وزعمت اليهود أنّهم قتلوه وصلبوه ، وشكّ فيه كثير ممّن اتّبعه أيضا إلا نفر من الحواريين وأربعة من تلامذته ، والخمسة النفر ويهودا بن نبي ، فإنّهم لم يشكّوا أنّ الله رفعه ، وكان عليه‌السلام قد أوصى تلامذته أن يخرجوا دعاة إلى الله تعالى ، وسمّى لكلّ رجل بلدة ، وقال : إذا أتى الرجل منكم البلدة التي سمّيت له ، فليقل : إنّي رسول المسيح عيسى بن مريم رسول الله ، أدعوكم إلى توحيد الله وعبادته ، وإنّ آية كلّ رجل منكم أن ينطق الله لسانه بلغة القوم الذين أرسل إليهم ، فلمّا رفعه الله إليه خرج كلّ رجل إلى البلدة التي سمّيت له داعيا إلى توحيد الله وعبادته ، وأقام بقية الحواريين والتلامذة على منهاج عيسى عليه‌السلام وشريعته حتى مات خيارهم من أولئك الرسل وغيرهم من الحواريين والتلامذة ، ومات أهل الدين والورع منهم ، وبقي أتباع الحواريين وتلامذة التلامذة ، فاختلفوا (٥) ، وتنازعوا الرئاسة فيما بينهم ، وابتدع كلّ رجل منهم بدعة ضلال ، فضلّوا وأضلّوا.

٩٤ ـ (كفران السّعي) : تركه بلا ثواب ، كما أنّ كفران النعمة تركها بلا ثناء.

٩٥ ـ (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) : كالترجمة للتحريم ، إذ التحريم في معنى القول كقوله : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) [الأنعام : ١٥١] ، والتحريم قد يكون تحريم إلجاء ، وقد يكون تحريم ابتلاء ، والرجوع قد يكون توبة كقوله : (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) [الإسراء : ٨] ، وقد يكون

__________________

(١) ينظر : زاد المسير ٥ / ٢٨٣.

(٢) فتح القدير

(٣) محذوفة من أ.

(٤) ع : رفع الله.

(٥) أ : واختلفوا.

٣٢٣

موتا كقوله : (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) [السجدة : ١١] وقد يكون رجعة إلى الدنيا ، كقوله : (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) [المؤمنون : ٩٩] ، فإن كان تحريم إلجاء فمجازه مع رجوع التوبة : كانوا محرومين مخذولين عن التوفيق للتوبة ، ومجازه مع رجوع الموت : كان حراما عليهم في قضائنا ، وتقديرنا أن يخلّدوا ولا يموتوا كقوله (١) : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء : ٣٥] ، ومجازه مع الرجوع إلى الدنيا : كان حراما (٢) على القرى التي أهلكناها أن لا يرجعوا إلى الدنيا ، أي : سيرجعون ، وهذا باطل لقوله : (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها ...) الآية [المؤمنون : ١٠٠]. والثاني : أن يكون ترجمة للتحريم ، أمّا التحريم في معنى القول ، أي : تحريمنا عليهم هو أنّهم لا يرجعون إلى الدنيا ، وإن كان تحريم ابتلاء فمجازه مع تحريم رجوع التوبة : كان حراما على القرى التي أهلكناها أن يصرّوا ولا يتوبوا ، ومع رجوع الموت لم يمنعني الكلام إلى الدنيا ، لم يمنعني الكلام أيضا.

٩٦ ـ (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) : يعني : ردمهم. عن زينب بنت جحش (٣) قالت : استيقظ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من النوم محمرّا وجهه وهو يقول : «لا إله إلا الله ، يردّدها ثلاثا ، ويل للعرب من شرّ قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا» ، (٢٢٥ و) وعقد عشرا ، وقالت زينب : قلت : يا رسول الله ، أفنهلك وفينا الصالحون؟ قال : «نعم إذا كثر الخبث». (٤) ويحمل الفتح والظفر بغنائمهم (٥) وأموالهم إذا هلكوا ، كقولنا : فتحنا الهند والسند ، وسنفتح قسطنطينية بإذن الله.

(مِنْ كُلِّ حَدَبٍ) : مرتفع من الأرض.

(يَنْسِلُونَ) : يخرّبون (٦).

٩٧ ـ (فَإِذا هِيَ) : كناية عن الإبصار في محلّ الرفع بالابتداء ، وخبرها (شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) : بيان لها ، كقوله : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) [الحج : ٤٦]. وقيل :

__________________

(١) ع : لقوله.

(٢) (عليهم في قضائنا ... كان حراما) ساقطة من ع.

(٣) أم المؤمنين زينب بنت جحش بن رئاب ، ابنة عمة رسول الله عليه‌السلام ، توفيت سنة ٢٠ ه‍. ينظر : والطبقات الكبرى ٨ / ١٠١ ، والمنتخب من كتاب أزواج النبي ٤٨ ، والاستيعاب ٤ / ١٨٤٩.

(٤) أخرجه البخاري في الصحيح (٣١٦٨) ، ومسلم في الصحيح (٢٨٧٩) ، والآحاد والمثاني (٣٠٩٢) ، والهيثمي في موارد الظمآن ١ / ٤٦١ (١٨٦٧).

(٥) ك وع وأ : بغنائم.

(٦) هكذا في الأصول المخطوطة ، ولعلها : يخرجون ، كما في اللسان ١١ / ٦٦١ ، وتفسير القرطبي ١١ / ٣٤١.

٣٢٤

عماد ، وعائدة إلى الحالة الخصلة. (١)

٩٨ ـ (حَصَبُ) : ما يرمى ، تقول : حصبته بكذا. وقال قتادة : (حَصَبُ جَهَنَّمَ) : حطب جهنّم ، وقال : هو بالحبشيّة. (٢)

٩٩ ـ (لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً) : يعني : الشياطين والأصنام.

١٠١ ـ وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) : مخصّصة لما قبلها. وقيل : ردّ على المحتجّ بعمومها. (٣) وقيل : ناقلة للعموم عن المجاز إلى الحقيقة.

وعن ابن عباس : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتى قريشا وهم في المسجد مجتمعون ، وثلاث مئة وستون صنما مصفوفة في الحجر ، كلّ قوم بحيالهم ، فقال : «إنّكم وما تعبدون من دون الله من هذه الأصنام في النار» ، ثمّ انصرف عنهم ، فشقّ ذلك عليهم مشقّة شديدة ، وأتاهم عبد الله (٤) بن الزبعريّ السهميّ ، وكان شاعرا ، فقال : ما لي أراكم بحال لم أركم عليها قبل؟ فقالوا : إنّ محمدا يزعم أنّا وما نعبد في النار ، فقال : أنا والذي جعلها بيته أن لو كنت هاهنا لخاصمته ، قالوا : فهل لك أن نرسل إليه؟ فبعثوا إليه ، فأتاهم ، فقال له عبد الله بن الزبعريّ : أرأيت ، يا محمد ، ما قلت لقومك آنفا خاصّ أم عامّ؟ قال : «بل عامّ لمن عبد من دون الله ، فهو وما يعبد في النار» ، قال : أرأيت عيسى بن مريم؟ هذه النصارى تعبده (٥) ، فعيسى والنصارى في النار ، وهذا عزير يعبده اليهود ، فعزير واليهود في النار ، وهذا حيّ من العرب يقال لهم : بنو مليح يعبدون الملائكة ، فالملائكة (٦) وهي في النار ، ما آلهتنا خير من هؤلاء ، قال : فسكت ولم يجبهم ، قال ابن الزّبعريّ : خصمتك وربّ الكعبة ، وضجّ أصحابه وضحكوا ، فقال الحارث بن قيس : حسبك يا محمد ، إي والذي جعلها بيته ، فنزل قوله : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً) [الزخرف : ٥٧ ـ ٥٨] ، يقول : هم أجدل قوم بالباطل (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) [الزخرف : ٥٨] بالباطل ، ونزل في

__________________

(١) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ٢١٢ ، واللباب في علوم الكتاب ١٣ / ٦٠١ ـ ٦٠٢.

(٢) ينظر : تهذيب اللغة ١ / ٨٣٤ ، وقال : ذكر أن الحصب في لغة أهل اليمن الحطب ، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قرأ : (حطب جهنم).

(٣) الآية الكريمة التي سبقت وهي قوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) [الأنبياء : ٩٨] ، عامة في كل من عبد من دون الله ، فجاءت الآية الأخرى لتجعلها خاصة.

(٤) أ : كررت عبد الله. عبد الله بن الزبعريّ بن قيس القرشي السهمي الساعدي ، الشاعر المشهور الصحابي. ينظر : تهذيب الأسماء ١ / ٢٥١ ، والإصابة ٢ / ٣٠٨.

(٥) أزيادة : نعبد فعيسى والنصارى.

(٦) ساقطة من أ.

٣٢٥

عيسى وعزير (١) والملائكة : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) فقالوا : فهلّا قلت هذا إذ سألناك؟ ولكنّك تذكر إذ خلوت.

١٠٣ ـ (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) : الموت (٢) ، لأنّهم مستعدون له ، والدنيا (٢٢٥ ظ) سجنهم. وقال الكلبيّ : الأطباق (٣) على النار بعد خروج المؤمنين منها ، وذبح الموت بين الجنّة والنار في صورة كبش أملح.

١٠٤ ـ (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ) : ندرجها.

و (السِّجِلِّ) : الصكّ يطوى. وقيل : (السِّجِلِّ) : الوراق اكاتب. وعن أبي الجوزاء قال : (السِّجِلِّ) : كاتب للنبيّ عليه‌السلام. (٤) وذكر أبو عبيد الهروي : أنّه اسم ملك من الملائكة. (٥) وعن ابن عباس قال : قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالموعظة ، فقال : «أيّها الناس ، إنّكم محشورون إلى الله تعالى عراة غرلا» ، ثمّ قرأ : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ...) الآية ، قال : «أوّل من يكسى يوم القيامة إبراهيم ، وإنّه سيؤتى برجال من أمّتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : ربّ أصحابي ، فيقال : إنّك لا تدري ما (٦) أحدثوا بعدك ، فأقول كما قال العبد الصالح : (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) [المائدة : ١١٧] إلى قوله : (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة : ١١٨] ، فيقال : هؤلاء لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم». (٧)

١٠٥ ـ وعن ابن عباس في قوله : (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها) : الجنّة.

(فِي الزَّبُورِ) : زبور داود عليه‌السلام.

(مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) : التسبيح والتهليل والوعظ. ويحتمل : أنّ المراد بالذكر التوراة ،

__________________

(١) ع : والعزير.

(٢) ساقطة من أ.

(٣) الأصول المخطوطة : الاطبا. وما أثبت من تفسير القرطبي ١١ / ٣٤٦.

(٤) أخرجه أبو داود في السنن (٢٩٣٥) ، النسائي في الكبرى ٦ / ٤٠٨ (١١٣٣٥) ، عن أبي الجوزاء عن ابن عباس وقال الطبري في التفسير : «ولا يعرف لنبينا كاتب كان اسمه (السجل)» وقال ابن كثير في التفسير ٣ / ٢٦٩ : «وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه ، وإن كان في سنن أبي داود ، منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج المزي ...».

(٥) ينظر : تفسير الثوري ٢٠٦ ، وتفسير القرطبي ١١ / ٣٤٧ عن السدي.

(٦) ع : بما أحدثوا.

(٧) أخرجه البخاري في الصحيح (٤٣٤٩) ، والترمذي في السنن (٣١٦٧) ، والنسائي في السنن ٤ / ١١٧ ، أبو يعلى (٢٥٧٨).

٣٢٦

وبالزبور كتاب داود. ويحتمل : أنّ المراد (١) بالذكر اللوح المحفوظ ، و (٢) بالزبور كتاب يعلمه الله.

١٠٧ ـ (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) : كونه رحمة لنا شيء لا يخفى ، ولكفار قريش فمن حيث قوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) [الأنفال : ٣٣] ، ولأهل الذمّة فإيجابه حمايتهم والذبّ عنهم ، ولأهل العرب وأئمة الضلال فمن حيث تخفيفه عنهم بمحو سنّتهم السيئة ، ومحوها لو لا هو ودعوته (٣) تتضاعف عليهم أوزارهم بإضلالهم الناس كافّة.

١٠٩ ـ (آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ) : أخبرتكم بخبر يقع لكم به علم إن تفكرتم ، كما وقع علمي وعلم من آمن بي.

(أَقَرِيبٌ) : أقرب ما يتصوّر.

(أَمْ بَعِيدٌ) : دونه ، لعلّه : الضمير عائد إلى كتمان الموعود وتأخيره.

١١٢ ـ أراد بقوله : (احْكُمْ بِالْحَقِ) استنجاز الوعد ، كقوله : (آتِنا ما وَعَدْتَنا) [آل عمران : ١٩٤] ، وقوله : (وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) [البقرة : ٢٥٠].

عن أبيّ ، عنه عليه‌السلام (٤) : «من قرأ سورة الأنبياء حاسبه الله حسابا يسيرا ، وصافحه وسلّم عليه كلّ نبيّ اسمه فيها». (٥)

__________________

(١) (التوراة ... أن المراد) ساقطة من ع.

(٢) ك : أو.

(٣) ك : دعوتهم.

(٤) أ : عن ابن عباس عليه‌السلام.

(٥) الوسيط ٣ / ٢٢٩ ، والكشاف ٣ / ١٤١.

٣٢٧

سورة الحج

مكية. وعن عطاء : إلا ثلاث آيات نزلن في ثلاثة من المؤمنين : حمزة وعليّ وعبيدة ، وثلاثة من الكافرين : عتبة وشيبة والوليد بن عتبة ، من قوله : (هذانِ خَصْمانِ ...) [الحج : ١٩]. (١) وعن ابن المبارك : الآيات قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ ...) [الحج : ١١] الآيتان ، وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا ...) [الحج : ٧٧]. وعن الحسن وهمام ، وعن قتادة والمعدّل : أنّها مدنية إلا بعضها نزل في السفر. (٢) وقيل : بين مكة والمدينة.

وهي ست وسبعون آية في عدد أهل الحجاز. (٣)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ) : عن جابر بن عبد الله (٤) الأنصاري قال : بينما نحن نسير مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بعض المسير إذ نزلت عليه : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)، فتفاجّت ناقة رسول الله عليه‌السلام من ثقلها ، فنادى بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاث مرّات ، ثم قال : يا أيّها الناس ، أتدرون أيّ يوم ذلك؟ فقلنا : الله ورسوله أعلم ، فقال (٥) : ذلك يوم يشيب فيه الصغير من غير كبر ، ويسكر فيه الكبير من غير شراب ، وتضع الحوامل ما في بطونها ، وينادي مناد (٦) : يا آدم ، ابعث بعثا من ذريّتك إلى النار ، فيقول آدم : من كلّ كم كم؟ فيقال : من كلّ ألف تسع مئة وتسعة وتسعين إلى النار ، وواحد إلى الجنّة ، قال : فشقّ ذلك على أصحابه مشقّة شديدة ، وحزنوا له ، فلمّا نزلوا راحوا إلى النبيّ عليه‌السلام كأنّما على رؤوسهم الطير من هول ما سمعوا في مسيرهم ، فقالوا : يا رسول الله ، ما نزل فيما مضى أشدّ ممّا نزل عليك في مسيرك هذا ، فلمّا رأى رسول الله مشقّة ذلك عليهم قال : أيسرّكم أن تكونوا

__________________

(١) ينظر : البيان في عد آي القرآن ١٧٩ إلا أنه قال : أربع آيات ، وزاد المسير ٥ / ٢٩٤ ، والناسخ والمنسوخ للكرمي ١ / ١٤٢.

(٢) ينظر : مجمع البيان للطبرسي ٧ / ٩٧ عن الحسن ، وتفسير أبي السعود ٦ / ٩١ من غير نسبة.

(٣) في البيان في عد آي القرآن ١٨٩ ، وفنون الأدب؟؟؟ / ١٤٤ ، وجمال القراء ٢ / ٥٤٣ ـ ٥٤٤ : هذا عدد أهل المدينة الأول والأخير ، أما المكي فهو سبع وسبعون آية ، وعدد أياتها في الكوفي سبعون وثمان ، وفي البصري سبعون وخمس ، وفي الشامي أربع.

(٤) (بن عبد الله) ، ساقطة من ع.

(٥) ع : قال.

(٦) الأصول المخطوطة : منادي.

٣٢٨

ثلث أهل الجنّة؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، ثمّ قال : أيسرّكم أن تكونوا شطر أهل الجنّة؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، فقال لهم : إنّي لأرجو أن تكونوا أكثر من شطر أهل الجنّة ، إنّ معكم أمّتين لا تكونان مع قوم إلا كثّرتاهما يأجوج ومأجوج سوى من أهلك الله قبلهم ، وسوى من هو مهلك بعدهم ، ثمّ قال : بينا [أنا](١) بين النائم واليقظان إذ عرضت (٢) عليّ الأمم ، فرأيت النبيّ يأتي في الواحد من قومه ، وهو ياسين ، ورأيت النبيّ يأتي في الأربعة من قومه ، ورأيت النبيّ يجيء في أقلّ من ذلك وأكثر ، حتى رأيت أمّة أعجبتني ، فقلت : أي ربّ ، أمّتي هذه؟ فقيل لي : هذه أمة عيسى ابن مريم (٣) ، ثمّ رأيت أمّة أعجبتني كثرتها ، فقلت : أي ربّ ، أمّتي هذه؟ فقيل لي : هذه أمّة موسى بن عمران (٤) ، ثمّ رأيت أمّة أعجبتني ، فقلت : أي ربّ ، أمّتي هذه؟ فقيل لي : هذه أمة يونس بن متى ، ثمّ قيل لي : انظر ، فنظرت قبل مكّة فإذا سواد كثير ، ثمّ قيل لي : انظر قبل الشام ، فنظرت فإذا هو سواد كثير ، ثمّ قيل لي : انظر ، فنظرت قبل العراق ، فإذا هو سواد كثير ، ثمّ قيل لي : انظر ، فنظرت تحتي ، فإذا هو شيء ينتعش كثيرة ، فقيل لي : هؤلاء أمّتك ، وسبعين ألفا يدخلون الجنّة بغير حساب ، قال : فقام عكاشة بن محصن الأسديّ ، أحد بني غنم بن دودان (٥) ، فقال : يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم ، فدعا له رسول الله (٦) ، ثمّ قام رجل من الأنصار ، فقال : يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم ، قال : «سبقك بها عكاشة» (٢٢٦ ظ) ، قال جابر بن عبد الله الأنصاريّ : وظننّا (٧) أنّ الأنصاريّ كان منافقا ، فقالوا : لو لا ذلك لم يسأله أحد إلا قال : نعم ، ثمّ دخل رسول الله والمسلمون يخوضون في السبعين الألف ، فقال بعضهم : هؤلاء قوم أدركوا النبيّ عليه‌السلام ، وآمنوا به ، وجاهدوا معه ، وقال بعضهم : هؤلاء قوم ولدوا في الإسلام ، وماتوا عليه ، وقال بعضهم : هؤلاء قوم آمنوا به ولم يروه ، قال : فأكثرنا في ذلك ، فخرج إلينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونحن نخوض في ذلك ، ما قلتم في هؤلاء السبعين الألف؟ قالوا : يا رسول الله ، قال بعضنا : كذا ، وبعضنا كذا ، فقصّوا عليه القصّة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) أ : أعرضت ، بسقوط الذال من إذ.

(٣) ك : موسى بن مريم.

(٤) (ثم رأيت أمة ... موسى بن عمران) ، ساقطة من ك وع.

(٥) أبو محصن الأسدي ، صحابي ، استشهد يوم القيامة. ينظر : المعارف ٢٧٣ ، ومعجم الصحابة ٢ / ٢٥٣ ، الثقات ٣ / ٣٢١ ،

(٦) ع زيادة : أن يجعله منهم.

(٧) ك وأ : فظننا.

٣٢٩

«بل هم قوم لا يكتوون ، ولا يسترقون ، ولا يتطيّرون ، وعلى ربّهم يتوكّلون». (١) فيه بيان نزول الآية أنّها نزلت يومئذ ، وهكذا الحسن ، عن عمران بن حصين. (٢)

وعن (٣) علقمة قال : إنّ الزّلزلة قبل (٤) الساعة ، وهو الاضطراب الشديد ، وأصله من الزّلل. (٥)

٢ ـ (يَوْمَ تَرَوْنَها) : أراد التخيّل والحسبان (٦).

(تَذْهَلُ) : تسلي عمّا لا يتسلّى عنه.

و (الحمل) بالفتح : ما اتّصل من الثمار ، والحمل بالكسر : ما أحمل من الأوزار. (٧)

٣ ـ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ) : قال ابن عباس : إنّ النضر بن الحارث بن كلدة يقول : ما يأتيكم محمد إلا بمثل ما كنت آتيكم به ، فنزلت. (٨) فتقديرها : من يجادل في آيات الله وفي كتابه.

٥ ـ (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) : من جواز البعث وإمكانه.

(لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) : أنّ البعث جائز ممكن متصوّر غير مستحيل ، وقد وجب لاتّصاله بوعد الله.

وفي الاية دليل أنّ الخبر المتواتر يفيد العلم الضروريّ كالمشاهدة.

(مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) : مصوّرة وغير مصوّرة. وقيل : مصورة خلقا بعد خلق ، وغير المخلقة ما لم يكن ترابا ولا نطفة. (٩) وعن عامر الشعبيّ ، عن عبد الله قال : النطفة إذا استقرّت في الرحم أخذها ملك بكفّه فقال : أي ربّ ، أمخلّقة أم غير مخلّقة؟ فإن قيل : غير مخلّقة لم تكن نسمة ، وقذفتها الأرحام دما ، وإن قيل : مخلّقة ، قال : أي ربّ ، أذكر أم أنثى؟ شقيّ أم سعيد؟ وما

__________________

(١) الحديث لم أجده بهذا النص ، ولكن وجدت في الصحيحين أكثر من حديث يتكون منه هذا الحديث ، فالجزء الأول من الحديث ينظر : صحيح البخاري (٤٧٤١) عن أبي سعيد الخدري ، والجزء الثاني ينظر : صحيح البخاري (٥٧٥٢) وصحيح ابن حبان (٦٤٣٠) عن ابن عباس.

(٢) أخرجه أبو نعيم في الحلية ٢ / ١٣.

(٣) ساقطة من أ.

(٤) ع : قال.

(٥) ينظر : زاد المسير ٥ / ٢٩٥ ، والتفسير الكبير ٨ / ١٩٩ ، وابن كثير ٣ / ٢٧٤ ، والدر المنثور ٦ / ٨.

(٦) ع : الحساب.

(٧) ينظر : مقاييس اللغة ٢ / ١٠٦.

(٨) ينظر : تفسير ابن أبي حاتم ٨ / ٢٤٧٤ ، وتفسير الماوردي ٤ / ٦ ، وزاد المسير ٥ / ٢٩٦.

(٩) ينظر : تفسير القرطبي ١٢ / ٩ عن ابن زيد.

٣٣٠

الأثر؟ وما الرزق؟ وبأيّ أرض تموت؟ قال : فيقال للنطفة : من ربّك؟ فتقول : الله ، فيقال : من رازقك؟ فتقول : الله ، فيقال للملك : اذهب إلى الكتاب فإنّك ستجد فيه قصة هذه النطفة ، قال : فتخلق ، فتعيش في أجلها ، وتأكل رزقها ، وتطأ أثرها حتى [إذا](١) جاء أجلها ماتت ، فدفنت في ذلك المكان ، (٢) ثمّ تلا عامر : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ ...) إلى قوله : (وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ)، فإذا بلغت مضغة نكست في الخلق الرابع ، فكانت نسمة ، وإن كانت غير مخلّقة قذفتها الرحم دما ، (٢٢٧ و) وإن كانت مخلّقة نكست نسمة.

وعن أبي سعيد الخدريّ قال : بلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ اليهود يقولون : إنّ العزل هو الموءودة الصغرى ، فقال : كذبت يهود ، وقال : لو أفضيت لم يكن إلا بقدر. (٣) وقال : لا يكون موءودة حتى تمرّ بالتارات السبع ، ثمّ تلا : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) الآية [المؤمنون : ١٢]. (٤)

(وَنُقِرُّ) : واو الاستئناف.

(طِفْلاً) : أي : أطفالا.

(ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) : اللامّ لمضمر (٥) ، أي : ثمّ يحييكم لتبلغوا ، أي : ثم يبقّيكم لتبلغوا.

(أَرْذَلِ الْعُمُرِ) : حالة الخرف (٦).

(وَتَرَى الْأَرْضَ) : الواو لعطف الجملة ، وهي تدلّ على جواز البعث.

(هامِدَةً) : جامدة خامدة.

(بَهِيجٍ) : اسم من البهجة ، وهي الطراوة والنضارة.

٩ ـ (ثانِيَ عِطْفِهِ) : أي : ثانيا عطفه ، والثّني بالفتح العطف ، وعطفا الإنسان : جانباه ، يقال : ثنى فلان عطفه ، وثنى جيده ، وصعّر ولوى عنقه إذا تكبّر.

١١ ـ وعن ابن عباس في قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) قال : نزل في بني

__________________

(١) زيادة من مصادر التخريج.

(٢) ينظر : تفسير ابن أبي حاتم (١٣٧٨١) ، والدر المنثور ٦ / ١١ ، وجامع العلوم والحكم ١ / ٥٠.

(٣) أخرجه مسلم في الصحيح (١٤٣٨) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار ٣ / ٣٣ ـ ٣٤.

(٤) ينظر : المعجم الكبير (٤٥٣٦) ، وشرح معاني الآثار ٣ / ٣٢ ، ومعتصر المختصر ١ / ٣٠١ ، من قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

(٥) أ : المضمر.

(٦) أ : الخوف.

٣٣١

الحلّاف من بني أسد بن خزيمة ، والحلّاف هو الحارث بن سعد منهم : سوادة بن الحارث ، ومرّة بن الحارث ، وصنة بن الحارث ، ومالك بن الحراث من بني (١) سعد بن ثعلبة أصابتهم سنة شديدة ، فأجدبوا فيها وقحطوا ، فاحتملوا بالعيال حتى قدموا على رسول الله ، ثمّ جعلوا يغدون على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويروحون ، فأغلوا الأسعار ، وأفسدوا طرق المدينة ، وجعلوا يمنّون على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإسلامهم ، فيقولون : أتتك العرب بأنفسها فآمنت ، ونحن أتيناك بالأنفس والذراري والأثقال فاعطنا ، فإن أعطوا من الصدقة ، وولدت نساؤهم الغلمان ، ونتجت خيولهم المهور ، قالوا : نعم الدين هذا ، ما رأينا منذ دخلنا فيه إلا ما نسرّ به ، وإن لم يعطوا (٢) من الصدقة ما يرضيهم ، وولدت نساؤهم الجواري ، وأزلفت خيولهم ، وسقمت أجسامهم قالوا : بئس الدين هذا ، ما رأينا منذ دخلنا فيه ما نسرّ به ، فأنزل (٣).

(حَرْفٍ) : جهة ، وفي الحديث : «أنّ اليهود يأتون النساء على حرف واحد» ، (٤) ومنه قوله عليه‌السلام : «أنزل القرآن على سبعة أحرف كلّها شاف كاف» (٥).

١٣ ـ (لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ) : ضرّ الأصنام أقرب من نفعها ؛ لأنّ الله تعالى خلقها أسبابا للمنافع.

و (الْعَشِيرُ) : الخليط ، من (٦) المعاشرة.

١٤ ـ (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ) : اتصالها من حيث اعتبار مزيّة داعي الله على داعي الأصنام.

١٥ ـ قال ابن عباس : (مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ) برزقه (٧) ، فليأخذ حبلا يربطه في سماء بيته فليختنق به ، فلينظر هل ينفعه ذلك ، أو يأتيه رزقه؟ (٨) وهذا تأويل ممكن ؛ لأنّ

__________________

(١) (أسد بن خزيمة ... الحارث من بني) ، ساقطة من ع.

(٢) الأصل يعطو ، وهذا من ك.

(٣) ع : فأنزل الله. والحديث أصله في البخاري (٤٧٤٢) عن ابن عباس بغير هذا النص ، أما هذا النص فوجدت قريبا منه عند الفراء ٢ / ١١٥ ، ونقله عنه ابن حجر في الفتح ٨ / ٤٤٣ ، وتفسير القرطبي ١٦ / ٣٤٨ من غير نسبة في سبب نزول قوله تعالى : قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا.

(٤) أخرجه أبو داود في السنن (٢١٦٤) ، والبيهقي في الكبرى ٧ / ١٩٥ ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٢١٣ عن ابن عباس رضي الله عنه.

(٥) نزول القرآن على سبعة أحرف متواتر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أما هذا اللفظ فقد أخرجه إسحاق بن راهويه ٥ / ١٩٣ ، والطبراني في المعجم الأوسط ٦ / ١٤٢ (٦٠٣٣) عن أبي سعيد الخدري ، وابن عبد البر في الاستذكار ٢ / ٤٨٥ جزء من حديث أبي بن كعب ، والديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب ٤ / ٢٧٢ موقوفا على ابن مسعود.

(٦) أ : مع.

(٧) ع : ورزقه.

(٨) ينظر : تفسير ابن أبي حاتم ٨ / ٢٤٧٨ ، فتح القدير ٣ / ٦٠٣.

٣٣٢

النصر قد يكون بمعنى إيصال المنفعة.

(ثُمَ (١) لْيَقْطَعْ) : ثمّ ليهلك (٢).

و [عدم](٣) الاستراحة من ضنك المعيشة (٤) (٢٢٧ ظ) مما يغيظ.

وذكر الكلبيّ : أنّها نزلت في المنافقين الذين يظنّون أنّ الله لا ينصر (٥) رسوله في الدنيا والآخرة. (٦) وذلك تأويل ممكن ؛ لأنّهم كانوا يتغيّظون على رسول الله وعلى أنفسهم ، ويتأسّفون على إيمانهم به لما يرون من الفقر والمصائب ، ويحتمل : أنّها لقوله : (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ) [الأنعام : ٣٥] حقيقة ، وفيها الرزق إن استطاع ، ثمّ ليقطع ذلك إن استطاع ، فلينظر هل ينفعه أحدها؟ (٧)

١٧ ـ (وَالْمَجُوسَ) : عبدة النيران ، واحدهم مجوسيّ ، وهم الذين ينكحون الأمهات والأخوات ، نسبوا إلى رئيس لهم يسمّى : موكوش ، فعرّبته العرب فجعلته مجوس.

١٨ ـ وعن ابن عباس قال في سجود الحجّ : الأولى عزيمة (٨) والأخرى تعليم. (٩)

١٩ ـ عن قيس بن عبّاد قال : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا) الذين تبارزوا يوم بدر. (١٠)

٢٠ ـ (يُصْهَرُ) : يذاب.

٢١ ـ (مَقامِعُ) : واحدها مقمعة ، وهي كالهراوة العظيمة ، تسمّى : جرزا (١١). وقيل : مشتقّ من قولهم : قمعته فانقمع ، أي : أدللته فذلّ. (١٢)

٢٣ ـ (وَلُؤْلُؤاً) : ما يحجر من القطر في جوف الصّدف في البحر ، سمّي لتلألئه (١٣)

__________________

(١) غير موجودة في أ.

(٢) الأصل : ليمدلك. والمفسرون على أن معناها : ليختنق ، ينظر : معاني القرآن ٤ / ٣٨٧ ، وقال : وهذا أكثر قول المفسرين ، منهم الضحاك. وتفسير الصنعاني ٣ / ٣٣.

(٣) زيادة يقتضيها السياق.

(٤) (ضنك المعيشة) مكررة في الأصل.

(٥) الأصول المخطوطة : ينظر. والتصحيح من مصادر التخريج.

(٦) ينظر : تفسير البغوي ٥ / ٣٧١ ، وزاد المسير ٥ / ٣٢.

(٧) ينظر : الدر المنثور ٦ / ١٦.

(٨) ع : عزمه.

(٩) ينظر : أحكام القرآن للجصاص ٥ / ٦٥.

(١٠) ينظر : صحيح البخاري (٤٧٤٤) ، وتفسير الطبري ٩ / ١٢٣ وفي بعض الروايات عنه عن أبي ذر ، وينظر : صحيح البخاري (٤٧٤٣) ، وصحيح مسلم (٣٠٣٣) ، وتفسير الطبري ٩ / ١٢٣.

(١١) الجرز : عمود من حديد أو فضة. الآلة والأدة ٦٦.

(١٢) ينظر : مفردات القرآن الكريم ٤٦٠.

(١٣) الأصول المخطوطة : لتلؤلؤه.

٣٣٣

وبراقته ، ويسمّى الكبار دون الصغار مرجانا.

(حَرِيرٌ) : ما رقّ من ثياب الأبرسيم.

٢٤ ـ (وَهُدُوا) : معطوف على قوله : (آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [الحج : ٢٣].

(الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ) : الكلمة الطيبة : لا إله إلا الله.

(صِراطِ الْحَمِيدِ) : الإسلام.

٢٥ ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) : عن ابن عباس : أنّها نزلت في أبي سفيان بن حرب وأصحابه ، منعوا رسول الله عن الحجّ والمسجد الحرام أن يدخلوا زمن الحديبية ، وأن ينحروا الهدي في المنحر ، قال : فبعث رسول الله إليهم عثمان بن عفّان أن يخلّوا بينهم وبين دخول مكة ، فأبوا ذلك فكره النبيّ عليه‌السلام قتالهم وهو محرم بعمرة ، فسألوه أن يرجع عامه ذلك على بدئه على أن يخلّوا عاما قابلا ثلاثة أيّام ، فلمّا كان من العام القابل أخليت له مكة ، وخرجت قريش منها كهيئة البداء مثقلة ، فطافوا بالبيت ، وقضوا المناسك ، ثمّ انصرف رسول الله ، ورجع قريش إلى الحرم. (١)

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي : وهم يصدّون ، أو أنّ الذين يكفرون ويصدّون. وقيل : الواو مقحمة. (٢) وقيل : التقدير : إنّ الذين كفروا وفي عزمهم أن يصدّوا.

(سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) : يدلّ على أنّ المقيم برباع مكّة ليس بأولى من الحاجّ. عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن النبيّ عليه‌السلام قال : «حرّم مكة فحرام بيع رباعها ، وأكل ثمنها». (٣) وفي رواية : «وحرام أجر بيوتها». (٤)

(وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ) : يعتقد ويصرّ.

(بِإِلْحادٍ (٥) بِظُلْمٍ) أي : إلحاد ظلما ، فالباء مقحمة ، والظلم : بدل من الإلحاد وبيان له ، وتخصيص المسجد الحرام كتخصيص الأشهر الحرام بقوله : (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة : ٣٦].

__________________

(١) ينظر : المحرر الوجيز ١٠ / ٤٥٢ من غير نسبة.

(٢) ينظر : مشكل إعراب القرآن ٢ / ٤٥٨ ، والبيان في غريب إعراب القرآن ٢ / ١٤٢ ، والمحرر الوجيز ١٠ / ٤٥٢ ، والبحر المحيط ٧ / ٤٩٩.

(٣) أخرجه الدارقطني في السنن ٣ / ٥٧ ، والطحاوي في شرح معاني الآثار ٤ / ٤٩ ، والتحقيق في أحاديث الخلاف ٢ / ١٨٦ ، والأزرقي في أخبار مكة ٣ / ٢٤٧ ، وقال الدارقطني : رواه أبو حنيفة مرفوعا ، ووهم فيه ، والصحيح أنه موقوف.

(٤) أخرجه الدارقطني في السنن ٣ / ٥٧ ، وينظر : نصب الراية ٤ / ٢٦٥ ، والدراية في تخريج أحاديث الهداية ٢ / ٢٣٥.

(٥) غير موجودة في ك.

٣٣٤

٢٦ ـ (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) : عن ابن عباس قال : لّما كان بعد الطوفان الذي أغرق الله (٢٢٨ و) قوم نوح ، ورفع البيت المعمور إلى السماء السادسة الذي كان بناه آدم عليه‌السلام ، أمر إبراهيم عليه‌السلام أن يأتي موضع البيت ، فيبني على أساسه ، فانطلق ، فلم ير له أثرا ، وأخفي له مكانه ، فبعث الله تعالى سحابة على قدر البيت الحرام في العرض والطول ، فيها رأس يتكلّم له لسان وعينان ، فقامت على ظهر البيت بحياله ، ثمّ قالت (١) : يا إبراهيم ، ابن (٢) على قدري وحيالي ، فأخذ إبراهيم عليه‌السلام قدرها وحيالها ، فأسّس عليه البيت الحرام ، وذهبت السحابة ، ثمّ بناه حتى فرغ ، وطاف به أسبوعا ، وأوحى الله تعالى إليه أن يا إبراهيم لا تشرك (٣) بي (٤) شيئا. (٥)

(طَهِّرْ بَيْتِيَ) : أي : مسجدي من عبادة الأوثان.

(لِلطَّائِفِينَ) : بالبيت من غير أهل مكة.

(وَالْقائِمِينَ) : أي : المقيمين من أهل مكّة.

(وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) : من أهل الصلاة من كلّ وجه. وقيل : إنّه ترجمة للوحي في فحوى قوله : (بَوَّأْنا).

٢٧ ـ (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ) : قال مجاهد : هو إبراهيم عليه‌السلام ، فلمّا أذّن لم يبق شيء سمع صوته إلا أقبل ملبّيّا. (٦) وقال عطاء : هو إبراهيم ومحمد عليهما‌السلام. (٧) وعن ابن عباس قال : لّما فرغ إبراهيم عليه‌السلام من بناء البيت قال : يا ربّ ، قد فرغت من بنائه ، وهو أعلم ، قال : (أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً) على أرجلهم ، (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) ركبانا ، يأتون من كلّ فجّ عميق ، قال : ربّ ، لا أسمع أحدا ، قال : أذّن وعليّ البلاغ ، فصعد الصفا ، فقال : أيّها الناس ، عليكم حجّ البيت العتيق ، فسمعه ما بين السماء والأرض ، فما بقي من سمع صوته إلا أقبل يلبّي : اللهمّ لبيك ، ألا ترى أنّهم يجيئون من كلّ فجّ عميق؟ يقولون :

__________________

(١) ع : قال.

(٢) ك : ابني.

(٣) ساقطة من أ.

(٤) أ : في.

(٥) ينظر : تفسير السمعاني ٣ / ٤٣٣ ، والتفسير الكبير ٨ / ٢١٩.

(٦) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ١٣٤ ، وتفسير ابن أبي حاتم ٨ / ٢٤٨٧ ، والدر المنثور ٦ / ٣٣.

(٧) ينظر : حاشية القونوي ١٣ / ٤٨ من غير نسبة.

٣٣٥

لبّيك اللهمّ لبّيك. (١)

(ضامِرٍ) : ضدّ البطين من الإبل والخيل.

(فَجٍّ) : فضاء بين الجبال.

(عَمِيقٍ) : بعيد ، وإنّما عبّر عنه لارتفاع شأن مكة ، كقولك : رفعت حاجتي إلى المجلس العالي ، وإن كنت أعلى منه في رأي العين.

٢٨ ـ (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ) : قال مجاهد : التجارة ، وما رضي الله من أمر الدنيا. (٢) وقيل : المغفرة. وقال ابن عباس : أسواق كانت لهم ، ما ذكر الله منافع إلا للدنيا. (٣)

(وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ (٤)) : التحميد (٥) والتهليل والثناء عليه ، والشكر ما على رزقهم من السوائم والهدي ، أو البسملة عند الذبح.

(فَكُلُوا مِنْها) : قال إبراهيم النخعي : كان المشركون لا يأكلون من ذبائحهم ، فرخّص للمسلمين ، فمن شاء أكل ومن شاء ترك. (٦)

(الْبائِسَ الْفَقِيرَ)(٧) : الذي يبسط يده ، مشتقّ من البؤس وهو شدّة الفقر.

٢٩ ـ (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) : دليل على أنّ قضاء التفث والنّذر والطواف بالبيت مترتبة على ذكر اسم الله تعالى في الأيّام المعلومات ، لا يجوز شيء منها إلا بعد ذلك ، وهو يوم النحر. وقال ابن عباس : (٢٢٨ ظ) التفث : الرمي والذبح والحلق والتقصير والأخذ من الشارب واللّحية والأظفار. (٨) وقال ابن عرفة : التفث : الدرن. (٩) وقال النضر بن شميل : قضاء التفث : إزالة الشعث. (١٠)

(وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) : وهو ما أوجبه الإنسان على نفسه من الهدي.

__________________

(١) ينظر : مصنف ابن أبي شيبة ٦ / ٣٢٩ ، والمستدرك ٢ / ٤٢١ وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وسنن البيهقي ٥ / ١٧٦ ، والتمهيد لابن عبد البر ١٥ / ١٣٠ ـ ١٣١.

(٢) وتفسير الطبري ٩ / ١٣٧ ، والوسيط ٣ / ٢٦٨ ، وتفسير البغوي ٥ / ٣٧٩.

(٣) ينظر : تفسير ابن أبي حاتم ٨ / ٢٤٨٨ ، والدر المنثور ٦ / ٣٥ ، وفتح البيان ٩ / ٤١.

(٤) الأصول المخطوطة : الله اسم.

(٥) ع : التمجيد.

(٦) ينظر : تفسير ابن أبي حاتم ٨ / ٢٤٨٩ ، وابن كثير ٣ / ٢٩٣ ، والدر المنثور ٦ / ٣٦ ـ ٣٧.

(٧) ع : (وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ).

(٨) ينظر : تفسير ابن أبي حاتم ٨ / ٢٤٨٩ ، ومعاني القرآن ٤ / ٤٠٢ ، وأحكام القرآن للجصاص ٥ / ٧٣.

(٩) ينظر : الغريبين ١ / ٢٥٦ ، وتفسير القرطبي ١٢ / ٤٩.

(١٠) ينظر : الغريبين ١ / ٢٥٦ ، تفسير القرطبي ١٢ / ٤٩ ، ولسان العرب ٢ / ١٢٠.

٣٣٦

(وَلْيَطَّوَّفُوا) : طواف الزيارة يوم النحر.

وإنما قيل : البيت العتيق لقوله : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ) [آل عمران : ٩٦] ، أو لأنّه أعتق من تملّك الناس إيّاه ، وفي الحديث : «لأنّه أعتق من الجبابرة ، ولم يدّعه جبار قط [يقدر]» (١).

٣٠ ـ (ذلِكَ) : إشارة إلى ما تقدم ، أي : الأمر أو الحكم.

(ذلِكَ وَمَنْ) : الواو لعطف الجملة.

وعن النبيّ عليه‌السلام قال : «لن يزال (٢) هذا الأمر بخير ما عظّموا هذه الحرمة حقّ تعظيمها» ، يعني : مكة. (٣) وقال عمر بن الخطاب : لخطيئة أصبتها بمكة أعزّ عليّ من سبعين خطيئة أصبتها بركبة (٤). (٥)

واتصال قوله : (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ) بقوله : (فَكُلُوا مِنْها) [الحج : ٢٨].

(إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) يعني : في سورة المائدة (٦).

وعن عبد الله قال : عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله [ثم قرأ](٧) قوله : (فَاجْتَنِبُوا (٨) الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ). (٩)

٣١ ـ (سَحِيقٍ) : بعيد ، ومنه سحقا للشيطان.

وإنّما وقع تشبيه المشرك بهذا المثال ؛ لأنّه انحطّ عن درجة السعداء ، وتعرّض للسيف

__________________

(١) أخرجه البزار في المسند ٦ / ١٧٢ مرفوعا ، وينظر : مجمع الزوائد ٣ / ٢٦٩ ، وما بين المعقوفتين زيادة من البزار والمجمع ، وفي المجمع برواية أخرى : ينله.

(٢) الأصل وأ : ينال.

(٣) ينظر : سنن ابن ماجه (٣١١٠) ، ومصنف ابن أبي شيبة ٣ / ٢٦٨ ، ومسند ابن الجعد ١ / ٣٣٤ ، وأخبار مكة ٢ / ٢٥٣ ، عن عياش بن أبي ربيعة.

(٤) ركبة ، بضم أوله ، وسكن ثانيه ، وباء موحدة ، بين مكة والطائف. معجم البلدان ٣ / ٦٣.

(٥) ينظر : مصنف عبد الرزاق (٨٨٧١) ، ومعجم البلدان ٣ / ٦٣ ، وأخبار مكة ٢ / ٢٥٦ ، وجامع العلوم والحكم ١ / ٣٥٢.

(٦) قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) [المائدة : ٣].

(٧) زيادة من مصادر التخريج.

(٨) الأصول المخطوطة : واجتنبوا.

(٩) روي هذا القول عن النبي عليه‌السلام ، ينظر : مسند أحمد ٤ / ١٧٨ ، وسنن الترمذي (٢٢٩٩) ، ومعرفة الصحابة ٢ / ٣٧٤ ـ ٣٨٥ ، عن أيمن بن خريم ، أما قول ابن مسعود فينظر : مسند الربيع ١ / ٣٤٨ ، والتمهيد لابن عبد البر ٥ / ٧٣ ، ومجمع الزوائد ٤ / ٢٠٠ وحسن إسناده.

٣٣٧

والجلاد وأنواع البلاء ، فإن سلم فلا بدّ من أن ينتهي به عمره إلى البوار ودخول النار.

٣٢ ـ (ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) : قال محمد بن أبي موسى (١) : الوقوف بعرفة من شعائر الله ، ومن يعظمها فإنّها من تقوى القلوب. (٢)

٣٣ ـ (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) : إلى حالة تعيينها وتقليدها من غير كراهة ولا ضرورة.

وللمضطر أن ينتفع بها بعد التعيين والتقليد والإشعار. عن أنس : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى رجلا يسوق بدنة قد جهد ، قال : «اركبها» ، قال : يا رسول الله ، إنّها بدنة ، قال : «اركبها» ، (٣) قال : قال عليه‌السلام : «اركبوا الهدي بالمعروف حتى تجدوا ظهرا». (٤)

(إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) : يعني : حريم البيت العتيق ، وهو الحرم كلّه ، وكان المشركون ينحرون عند زمزم ، وهي اليوم في المسجد الحرام ، والمسجد ينزّه عن القاذورات.

٣٤ ـ (جَعَلْنا مَنْسَكاً) : قال الكلبيّ : المراد به الأضاحي ، وذلك يدلّ على وجوبها.

(الْمُخْبِتِينَ) : المتواضعين والساكنين ، والخبت : المكان المطمئنّ من الأرض ، والإخبات : التواضع والسكون.

٣٥ ـ (إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) : وهذا صفة أوليائه على بساط الغيب ، فإذا أكرموا بالمشاهدة اطمأنّوا ، وقد جمع الصفتين في قوله : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) [الزمر : ٢٣].

(وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ) : [الألف و](٥) اللام لكون إضافة الصلاة (٦) غير محضة (٧) بدليل حسن دخول النون أو التنوين في المضاف ، وانتصاب المضاف إليه.

__________________

(١) تنظر ترجمته في التاريخ الكبير ١ / ٢٣٦ ، وميزان الاعتدال ٦ / ٣٤٩.

(٢) ينظر : مصنف ابن أبي شيبة ٣ / ٢٧٥ ، وفي مصنف ابن أبي شيبة ٣ / ٣٣٣ ، وتفسير ابن أبي حاتم ٨ / ٢٤٩٢ ، والدر المنثور ٦ / ٤٤ عن محمد بن موسى.

(٣) إلى هنا من الحديث أخرجه البخاري في الصحيح (١٦٩٠) ، وفي الأدب المفرد (٦١٥٩) ، وأبو يعلى في المسند (٢٧٦٣) ، والبوصيري في إتحاف الخيرة المهرة ٤ / ٢٣ (٣٢٢١).

(٤) والجزء الثاني منه أخرجه أحمد في المسند (١٤٤١٣) ، ومسلم في صحيحه (١٣٢٤) ، وابن الجارود في المسند (٤٢٩) ، وابن حبان في الصحيح (٤٠١٥) ، عن جابر بن عبد الله.

(٥) زيادة يقتضيها السياق. ينظر : البيان في غريب إعراب القرآن ٢ / ١٤٤.

(٦) ساقطة من أ.

(٧) الإضافة المحضة : ما قدرت من ، على حسب الخلاف ، وما لم يتقدر فيها حرف الجر بلا خلاف. كشف المشكل في النحو ١ / ٥٨٩ ، وينظر : شرح اللمع ١ / ١٩٨.

٣٣٨

٣٦ ـ (وَالْبُدْنَ) : (٢٢٩ و) جمع بدنة ، والبدنة : البعير أو البقرة ، واللّفظ لا يدلّ على اختصاصه بمكة بخلاف الهدي.

(صَوافَّ) : جمع صافّة كالدابّة والدوابّ ، والحاسّة والحواسّ.

(فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها) : سقطت فلصقت بالأرض بعد الذبح والنحر وسكنت.

(فَكُلُوا) : أمر إباحة ، وهو عامّ في كلّ بدنة بلغت محلّها ، وكانت دم فدية (١) ، ولم يكن دم جناية.

(وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) : عامّ في أهل مكة وغيرهم. قال مجاهد : القانع : جارك وإن كان غنيا. (٢) وقال مرة : القانع أهل مكة ، والمعترّ : الذي يعتريك ولا يسألك. (٣)

٣٧ ـ (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها) : لن ينال ثواب الله وفضله ونعمته لحوم الهدايا ودماؤها.

(وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) : وفي زبور داود عليه‌السلام : ليس الأعمال أعمال الجوارح ، إنّما الأعمال أعمال القلوب وعين الفؤاد (٤). وقال النبيّ عليه‌السلام : «إنّ الله تعالى لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم». (٥) وقال : «إنّما الأعمال بالنيّات ، ولكل (٦) امرئ ما نوى». (٧) وعن الكلبي (٨) والفراء (٩) : أنّ الكفّار كانوا ينضحون البيت (١٠) بالدماء ، ويقولون : اللهمّ تقبلها منّا ، وقصد المسلمون بمثل ذلك ، فأنزل الله تعالى.

يدفع (١١) اتصالها من حيث الأمر بالمناسك ، وذلك لا يتصوّر وجوده إلا بعد تمكين المأمورين والذبّ عنهم.

٣٩ ـ (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ) : في القتال.

__________________

(١) ك وع وأ : قوية.

(٢) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ١٥٧ ، وزاد المسير ٥ / ٣١٦ ، وابن كثير ٣ / ٣٠٠.

(٣) ينظر : مصنف ابن أبي شيبة ٣ / ٤٢٢ ، وتهذيب الأسماء ٣ / ١٩٧ ، وابن كثير ٣ / ٣٠٠.

(٤) (وعين الفؤاد) ، ساقط من ك.

(٥) أخرجه إسحاق بن راهويه ١ / ٣٦٩ ، ومسلم في الصحيح (٢٥٦٤) ، والبيهقي في شعب الإيمان (١١١٥١) عن أبي هريرة. رضي الله عنه.

(٦) ك : وإنما لكل.

(٧) أخرجه البخاري في الصحيح (١) ، وأبو داود في السنن (٢٢٠١) ، وابن ماجه في السنن (٤٢٢٧) ، والحميدي في المسند ١ / ١٦ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

(٨) ينظر : معاني القرآن للنحاس ٤ / ٤١٥ ، وزاد المسير ٥ / ٣١٦ ، وابن كثير ٣ / ٣٠٠ عن ابن عباس رضي الله عنه.

(٩) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٢٧.

(١٠) الأصول المخطوطة : بالبيت. والتصحيح من مصادر التخريج.

(١١) ك وع وأ : رفع.

٣٣٩

(بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) : تعليل وتسبيب للإباحة ، وذلك لأنّ أهل مكة كانوا يستضعفون المؤمنين ، وينالون منهم ، وهم يستأذنون في القتال.

٤٠ ـ (الَّذِينَ أُخْرِجُوا) : في محلّ الخفض بدلا من الذين ظلموا.

(بِغَيْرِ حَقٍّ) : بغير (١) سبب أو علّة ، فعلى هذا الاستثناء متّصل (٢). وقيل : بغير عدل ، وعلى هذا الاستثناء منقطع ، ومثله قوله : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩) إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (٢٠)) [الليل : ١٩ ـ ٢٠].

(صَوامِعُ) : جمع صومعة.

(وَبِيَعٌ) : جمع بيعة ، وهي المدرسة.

(وَصَلَواتٌ) : جمع صلاة.

وقيل : صوامع الرهبان ، وبيع النصارى ، وصلوات كنائس اليهود ، ومساجد المسلمين. (٣) وهذه المواضع أشرف وأعظم حرمة من غيرها ، يدلّ عليه إجماع المسلمين على استحباب أن يتّخذوا هذه البقاع من ديار الكفار مساجد إذا فتحها (٤) الله لهم.

٤١ ـ والمراد (وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ)(٥) أمة محمد عليه‌السلام ، وقد اختصت بها الخلفاء الأربعة وبنو عمه الأئمة المهديون.

٤٥ ـ (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ) : فارغة مهملة ، التي باد أهلها المستقون منها.

(وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) : حصن حصين ، وهما معطوفان على القرية ، فيكون نصب ؛ لأنّها جواب الاستفهام بالفاء ، والمعنى : استفادة التجارب والعبر بالسياحة في الأرض.

٤٦ ـ (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ) : وهو (٦) الذي لا يغني عنه شيء.

٤٧ ـ (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ) : ذكر لنفي الاستعجال عمّن شأنه الحلم والإمهال. وعن ابن أبي مليكة (٧) قال : مررت أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان على ابن

__________________

(١) ساقطة من ع.

(٢) في قوله تعالى : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ).

(٣) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ١٦٤ ـ ١٦٦ عن مجاهد وقتادة.

(٤) ك : وافتحها.

(٥) الأصول المخطوطة : المنكر.

(٦) ع : وهي.

(٧) وهو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ، توفي سنة ١١٧ ه‍. ينظر : المعارف ٤٧٥ ، وطبقات الفقهاء ٥٨.

٣٤٠