درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ٢

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني

درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ٢

المؤلف:

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني


المحقق: د. طلعت صلاح الفرحات / د. محمّد أديب شكور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر ناشرون وموزعون
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9957-07-514-9

الصفحات: ٨٠٢
الجزء ١ الجزء ٢

سورة الحجرات

مدنيّة. (١)

وهي ثماني عشرة آية بلا خلاف. (٢)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١ ـ (٢٩٨ و) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا) : عن ابن جريج قال : أخبرني ابن أبي مليكة : أنّ عبد الله بن الزّبير أخبرهم : أنّه قدم ركب من بني تميم على النّبيّ عليه‌السلام ، فقال أبو بكر : بل أمّر القعقاع بن معبد (٣) بن زرارة ، وقال عمر : بل أمّر الأقرع بن حابس ، فقال أبو بكر : ما أردت (٤) إلا خلافي ، فقال : ما أردت إلّا (٥) خلافك ، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما ، فنزلت في ذلك : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا) الآية. (٦)

وعن مسروق بن الأجدع قال : كنّا عند عائشة أمّ المؤمنين يوم عرفة ، والنّاس يشكّون ، يرون أنّه يوم النّحر ، فقالت لجارية لها : أخرجي لمسروق سويقا وحلّيه ، فلو لا أنّي صائمة لذقته ، قال : قلت : ما بك صمت هذا اليوم وهو يشك فيه؟ فقالت : نزلت هذه (٧) الآية في مثل هذا : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) كان قوم يتقدّمون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الصّوم وما أشبهه ، فنهوا عن ذلك. (٨)

وعن الحسن : أنّ قوما ذبحوا قبل أن يصلّي النّبيّ عليه‌السلام يوم النّحر ، فأمرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يذبحوا ذبحا آخر ، فأنزل الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا). (٩)

وعن الكلبيّ : أنّ الآية نزلت في المنذر بن عمرو السّاعديّ وأصحابه حين قتلوا رجلين من أهل الميثاق ، فوداهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (١٠)

__________________

(١) تفسير غريب القرآن ٤١٥ ، وزاد المسير ٧ / ٢١٨ ، والدر المنثور ٧ / ٤٧٢ عن ابن عباس وابن الزبير.

(٢) البيان في عد آي القرآن ٢٣٠ ، وجمال القراء ٢ / ٥٤٥ ، والإتقان في علوم القرآن ١ / ١٨٣ ، وإتحاف فضلاء البشر ٥١٢.

(٣) أ : سعيد.

(٤) أ : أرحب.

(٥) هكذا في الأصول المخطوطة ، أما في الصحيح وكتب التخريج فهو عدم وجودهها ، وهو الصواب ، والله أعلم.

(٦) أخرجه البخاري في الصحيح (٤٨٤٥) ، والنسائي في الصغرى ٨ / ٢٢٦ ، وأبو يعلى في المسند (٦٨١٦).

(٧) ساقطة من ع.

(٨) أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار ١ / ٣١٤ ، والطبراني في الأوسط (٢٧١٣) ، وقال الهيثمي في المجمع ٣ / ١٤٨ : فيه حبال بن رفيدة مجهول.

(٩) التمهيد لابن عبد البر ٢٣ / ١٨٢ ، وتخريج الأحاديث والآثار ٣ / ٣٢٥ وقال الزيلعي : غريب.

(١٠) أخرجه البيهقي في الشعب ٢ / ١٩٦ عن مقاتل بن حيان. وينظر : تخريج الأحاديث والآثار ٣ / ٣٢٣.

٥٨١

وإنّما اختلفوا في سبب نزول الآية لعمومها ، واشتمالها على هذه المعاني كلّها ، وتلاوة رسول الله عليه‌السلام إيّاها عند كلّ حادثة في هذه الحوادث ، فمن سمعها عند حادثة ظنّ أنّها نزلت فيها خاصّة ، وقد جمع مجاهد هذه الأقوال وقال : لا تقدّموا بين يدي الله ، أي : لا تفتاتوا (١) على رسول الله بشيء حتى يقضيه الله على لسانه. (٢)

٣ ـ (امْتَحَنَ اللهُ) : ابتلى الله.

٤ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ) : الآيتان نزلتا في حيّ من بني العنبر وهم من بني عمرو بن تميم كان قد أغار عليهم عيينة بن حصن الفزاريّ بأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسبى منهم سلبا كثيرا ، فحضروا المدينة وقت الهاجرة ، فوجدوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد دخل إلى أهله للقيلولة ، فجعلوا ينادونه من المسجد : يا محمد ، يا محمد ، حتى أيقظوه ، فخرج إليهم وهو يمسح النّوم عن وجهه ، فجعل حكمهم إلى سبرة بن عمرو (٣) ، وهو رجل منهم وعلى دينهم ، فحكم بفداء نصف السّبي وعتق النّصف ، ولو كانوا صبروا حتى يخرج إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأعتق جميعهم ، وكان ذلك خيرا لهم. (٤)

٦ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ) : السّبب في نزول هذه الآية : أنّ النّبيّ عليه‌السلام استعمل الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وهو الفاسق ، على صدقات بني المصطلق ، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهليّة ، فلمّا توجّه إليهم استقبلوه بالطّاعة لوجه الله تعالى ولرسوله عليه‌السلام ، فظنّ الفاسق أنّهم استقبلوه ليقتلوه ، فانهزم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وزعم أنّهم خرجوا من الطّاعة ، فهمّ النّبيّ عليه‌السلام أن يغزوهم ، فقدموا عليه معتذرين ، فلم يصدّقهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى نزلت الآية. (٥)

٧ ـ قرأ أبو سعيد الخدريّ : (٢٩٨ ظ) (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) قال : هذا نبيّكم يوحى إليه ، وخيار أئمتكم لو أطاعهم في كثير من الأمر لعنتوا ، فكيف بكم اليوم؟ (٦)

[ ...](٧)

__________________

(١) الأصول المخطوطة : لا تفانوا.

(٢) تفسير مجاهد ٦٠٥.

(٣) ينظر : الإصابة في تمييز الصحابة ٣ / ٢٩ ،.

(٤) ينظر : تفسير مقاتل ٣ / ٢٥٩ ، وتفسير السمرقندي ٣ / ٣٠٨.

(٥) ينظر : معاني القرآن للفراء ٣ / ٧١ ، والطبري ١١ / ٣٨٤ ، وتفسير مبهمات القرآن ٢ / ٥٢٦.

(٦) أخرجه الترمذي في السنن (٣٢٦٩) وقال : حديث حسن صحيح غريب.

(٧) في حاشية الأصل يتحدث عن معنى قوله تعالى : (لَعَنِتُّمْ) ، ولم أكتبه لأنه غير مكتمل بسبب التصوير.

٥٨٢

٩ ـ (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) : عن أنس قال : قيل للنّبيّ عليه‌السلام : لو أتيت عبد الله بن أبيّ ، فانطلق إليه فركب حمارا ، وانطلق المسلمون يمشون ، وهي أرض سبخة ، فلمّا أتاه وثار الغبار قال : إليك عنّي فو الله لقد آذاني نتن حمارك ، فقال رجل من الأنصار : لحمار رسول الله عليه‌السلام أطيب ريحا منك ، قال : فغضب لعبد الله رجل من قومه ، وغضب لكلّ واحد منهما أصحابه ، فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنّعال ، فأنزل الله هذه الآية. (١) [عن ابن عبّاس رضي الله عنه قال : وقف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على مجلس بعض الأنصار وهو على حمار ، فبال الحمار ، فأمسك عبد الله بن أبيّ بأنفه ، وقال : خلّ مسك حمارك ، فقد آذانا نتن حمارك ، فقال عبد الله بن رواحة ، والله ، إنّ بول حماره لأطيب من مسكك ، وروي : حماره أفضل منك ، وبول حماره أفضل من مسكك ، ومضى رسول الله ، وطال الخوض بينهما حتى استبّا [وتجالدا](٢) وجاء قومهما ، وهما الأوس والخزرج ، فتجالدوا بالعصيّ ، وقيل : بالأيدي ، والنّعال والسّعف ، فرجع إليهم رسول الله عليه‌السلام ، فأصلح بينهم ، ونزلت الآية. (٣) وعن مقاتل : قرأها عليهم فاصطلحوا.](٤) وعن أبي مالك قال : حيّان من الأنصار بينهم تلاحي وقتال بغير سلاح ، فأمر الله أن يصلح بينهما. وعن أبي مالك قال : اقتتل رجلان ، فأقبل حيّاهما ، فاقتتلوا بالنّعال والعصيّ ، فأنزل الله فيهم. (٥)

قال : هذه الآية أصل في قتال أهل البغي ، وقد أقتتلت طائفتان من المؤمنين بعد رسول الله إحداهما أصحاب والأخرى أهل مصر ، فجاء الحسين بن عليّ ليصلح بينهما ، فلم يقدر ، فغلب أهل مصر (٦) ، وقتلوا عثمان رضي الله عنه ، ثمّ إنّهم تركوا البغي ، وبايعوا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، فثارت فتنة أخرى ، ثمّ أخرى ، ثمّ أخرى ، حتى صار عليّ رضي الله عنه إماما في معرفة قتال أهل البغي ؛ لأنّه قتل الناكثين والباغين والمارقين ، وقد قال أبو حنيفة رحمه‌الله : لو لا علي بن أبي طالب لما عرفنا قتال أهل البغي.

١١ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) : قيل : حضر ثابت بن قيس

__________________

(١) أخرجه البخاري في الصحيح (٢٦٩١) ، ومسلم في الصحيح (١٧٩٩) ، وأبو عوانة في المسند ٤ / ٣٤٥.

(٢) غير واضحة في الأصل ، وهكذا في مصدر التخريج ، والله أعلم.

(٣) ينظر : تخريج الأحاديث والآثار ٣ / ٣٣٥ ، وقال : غريب من حديث ابن عباس.

(٤) ما بين المعقوفتين من حاشية الأصل ، وهي بالخط نفسه الذي كتب به الأصل ، فأظنه من الأصل ، ولذا كتبته في الأصل ، وأشرت إليه لأنه لم يكتب في النسخ الأخرى.

(٥) ينظر : تفسير الطبري ١١ / ٣٨٧ و ٣٨٨.

(٦) (فجاء الحسين ... أهل مصر) ، ساقط من ع.

٥٨٣

مجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد امتلاء المجلس بالنّاس ، فلم يمر بأحد إلا يفسح له إلا رجلا واحدا قال له : أصبت مكانك فاجلس ، فذكر ثابت أمّه ، وكان يعيّر بها. (١) وشبّهت إحدى أمهات المؤمنين طرف إزار الأخرى بلسان الكلب ، فأنزل الله الآية.

وعن أبي جبيرة بن الضّحّاك قال : نزلت الآية فينا (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) جاءنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وللرّجل الاسمان والثلاثة ، فجعل يدعو الرّجل فيقول (٢) : يا رسول الله ، إنّه ليغضب منه ، فنزلت. (٣)

[وعن عبد الله بن مسعود : البلاء موكل بالمنطق ، لو سخرت من كلب لخشيت أن أحوّل كلبا. (٤)

وفي قراءة عبد الله : (عسوا أن يكونوا وعسين أن يكنّ). (٥)](٦)

[فقال : النّبز والنّزب : اللّقب السّوء ، والتّلقيب المنهيّ عنه ، فما ما يحبه المدعو به فلا بأس ، (٧) لما روي عن النّبيّ عليه‌السلام : «من حقّ المؤمن على أخيه : تسميته بأحبّ أسمائه إليه» (٨) ، ولهذا كانت التّكنية من السّنّة ، ولقد لقّب أبو بكر بالصّديق ، وعمر بالفاروق ، وحمزة بأسد الله [ ...](٩) ، وخالد بسيف الله.](١٠)

١٢ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا) : قال الكلبيّ : نزلت الآية في رجلين من أصحاب رسول الله عليه‌السلام قد ضمّ كلّ واحد من الفقراء إلى رجلين من الأغنياء ليخدمهما ولينفقا عليه ، فهذان الرّجلان قدّما صاحبهما (١١) في سفر ليهيّئ لهما المنزل والطّعام ، فغلبه النّوم ، فلم يفعل شيئا ممّا أمراه به ، فأرسلاه إلى النّبيّ عليه‌السلام ليسأله فضل طعام ، فلمّا غاب قال

__________________

(١) ينظر : معاني القرآن للفراء ٣ / ٧٢ ، والكشاف ٤ / ٣٧٣ ، وتفسير مبهمات القرآن ٢ / ٥٢٩.

(٢) هكذا في الأصول المخطوطة ، وفي كتب التخريج : فيقال ، أو فيقولون ، وهو الصواب.

(٣) أخرجه أبو داود في السنن (٤٩٦٢) ، والترمذي في السنن (٣٢٦٨) ، وابن ماجه في السنن (٣٧٤١) ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.

(٤) تفسير السمرقندي ٣ / ٣١١ ، والكشاف ٤ / ٣٧١ ، وتفسير القرطبي ١٦ / ٣٢٥.

(٥) الكشاف ٤ / ٣٧١.

(٦) ما بين المعقوفتين موجود في حاشية الأصل ، وبالخط نفسه الذي كتب به الأصل ، وأظنه من الأصل ، ولذا كتبته في الأصل ، وأشرت إليه لأني لم أجده في النسخ الأخرى ، والله أعلم.

(٧) ينظر : الكشاف ٤ / ٣٧٢.

(٨) تخريج الأحاديث والآثار ٣ / ٣٤٠ ، وقال : غريب بهذا اللفظ.

(٩) كلام مطموس من التصوير.

(١٠) ما بين المعقوفتين موجود في حاشية الأصل ، وبالخط نفسه الذي كتب به الأصل ، وأظنه من الأصل ، ولذا كتبته في الأصل ، وأشرت إليه لأني لم أجده في النسخ الأخرى ، والله أعلم.

(١١) أ : حيهما.

٥٨٤

أحدهما للآخر : والله لو أرسلناه إلى سميحة أو سميحة ، وهي بئر ذات ماء كثير ، لقال : ليس فيها ماء ، فهذه عيبتهما ، ثمّ إنّ الفقير أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأدّى الرّسالة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : انطلق (١) إلى أسامة بن زيد ، وكان أسامة يحفظ طعام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأتاه فلم يجد عنده شيئا ، فرجع إلى صاحبيه وأخبرهما بالقصّة ، فاتّهما أسامة بن زيد وقالا : هو رجل بخيل ، (٢٩٩ و) أمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يعط ، فهذا ظنّهما الذي هو الإثم ، ثمّ إن الرجلين راحا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد أنزل الله هذه الآية : (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)، (٢) لحلوله محلّ الاعتقاد الفاسد.

(أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) : لأنّ المغتاب ينال من أخيه في حال لا يمكنه الامتناع كالذي يأكل لحم أخيه ميتا. (٣)

١٣ ـ (شُعُوباً) : وهي الأجيال التي تشعّبت من أولاد نوح عليه‌السلام. [والشّعب :

الطّبقة الأولى من الطّبقات السّتّ التي عليها العرب ، وهي : الشّعب ، والقبيلة ، والعمارة ، والبطن ، والفخذ ، والفصيلة ، فالشّعب يجمع القبائل ، والقبيلة تجمع العمائر ، والعمارة تجمع البطون ، والبطن يجمع الأفخاد ، والفخذ يجمع الفضائل ، خزيمة شعب ، وكنانة قبيلة ، وقريش عمارة ، وقصيّ بطن ، وهاشم فخذ ، والعبّاس فصيلة ، وسمّيت الشّعوب قبائل ؛ لأنّ القبائل تشعّبت منها. (٤)](٥)

(وَقَبائِلَ) : هي البيوت من كلّ جيل.

والآية نزلت في ثابت بن قيس. (٦) وعن ابن عبّاس قال : ما تعدّون الكرام فيكم وقد بيّن الله : (أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) وما تعدّون الحسب فيكم؟ أحسنكم أخلاقا أكرمكم إحسانا ، فقال عليه‌السلام : «لينتهينّ رجال يفتخرون برجال من الجاهليّة قد صاروا حمما في النّار ، أو ليجعلنّهم الله أذلّ من الجعل يدفع النّتن بأنفه» (٧). وقيل : الفخر بالهمم العالية لا

__________________

(١) ع : انطق.

(٢) ينظر : تفسير البغوي ٧ / ٣٤٤ ، وتفسير القرطبي ١٦ / ٣٣١.

(٣) ينظر : زاد المسير ٧ / ٢٢٨.

(٤) الكشاف ٤ / ٣٧٧ ـ ٣٧٨.

(٥) ما بين المعقوفتين موجود في حاشية الأصل ، وبالخط نفسه الذي كتب به الأصل ، وأظنه من الأصل ، ولذلك كتبته في الأصل ، وأشرت إليه لأني لم أجده في النسخ الأخرى ، والله أعلم.

(٦) ينظر : تفسير مبهمات القرآن ٢ / ٥٣٠.

(٧) أخرج الجزء الأخير منه أحمد في المسند ٢ / ٣٦١ ، وأبو داود في السنن (٥١١٦) ، والبيهقي في السنن ١٠ / ٢٣٢ عن أبي هريرة.

٥٨٥

بالرّمم البالية. (١)

١٤ ـ (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا) : أراد به نفي الإيمان.

(وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) : أبيت (٢) الدّخول في ظاهر عقد الإسلام بظاهر التّصديق على سبيل النّفاق.

والآية نزلت في نفر من بني الحلّاف ، والحلّاف : مرّة بن الحارث بن سعد ، أجدبت (٣) بلادهم ، فحضروا المدينة بذراريهم ، ونزلوا في طريق المدينة ، وأفسدوا الطّرق بالنّجاسة ، وأغلوا الأسعار ، ولم يزالوا يأتون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويقولون : اعطنا يا محمد اعطنا ، فإنّا آمنّا بك إيمانا (٤) لم يؤمن به أحد من العرب ؛ لأنّهم أتوك مثنى وثلاث ، ونحن انتقلنا إليك بالأهل والذّرّيّة حتى أنزل الله فيهم. (٥)

__________________

(١) ينظر : محاضرة الأدباء ١ / ٤٠٨ ، والمستطرف ١ / ٦٣ ، : «الشرف بالهمم ...».

(٢) هكذا في الأصول المخطوطة ، وأظنها : أبيتم ، لأن الخطاب موجه للجماعة. والله أعلم.

(٣) ع : أحدب.

(٤) ع : إيمان.

(٥) ينظر : معاني القرآن للفراء ٣ / ٧٣ ، وتفسير الثعلبي ٩ / ٨٩.

٥٨٦

سورة ق

مكيّة. (١) وعن ابن عبّاس : إلا آية (٢) نزلت بالمدينة ، وهي قوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [ق : ٣٨]. (٣)

وهي خمس وأربعون آية بلا خلاف. (٤)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١ و ٢ ـ (ق) : جواب قسم مقدّم عليه ، تقديره : قرب الأمر والقرآن المجيد. وقيل : جوابه (بَلْ عَجِبُوا) مرتّب على كلام سابق ، (٥) تقديره : أنّ (٦) النّبيّ عليه‌السلام قال قبل نزول السّورة (٧) : اللهمّ اهد قومي ، أو المؤمنين قالوا قبل نزولها (٨) : والله لو جاءتهم آية ليؤمننّ بها ، أو المشركين قالوا قبل نزولها : لئن جاءتنا آية لنؤمننّ بها ليكون قوله : (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) جملة متركّبة من قسم وجواب ، وتلك الجملة ردّا لكلام سابق أو إضرابا عن كلام سابق (٩). وقيل : جواب القسم في آخر السّورة (إِنَّ فِي ذلِكَ (١٠) لَذِكْرى) [ق : ٣٧]. (١١)

وعن عبد الله بن بريدة قال : (ق) : جبل محيط بالأرض من زمرّدة عليه كنفا (١٢) السّماء. (١٣)

__________________

(١) زاد المسير ٧ / ٢٣٢ عن ابن عباس والحسن ومجاهد والجمهور ، والدر المنثور ٧ / ٥١٢ عن ابن عباس وابن الزبير وابن مسعود.

(٢) أ : الآية ، بدلا من إلا الآية.

(٣) زاد المسير ٧ / ٢٣٣ ، والبحر المحيط ٩ / ٥٢٨ ، وجمال القراء ١ / ١٤١.

(٤) البيان في عد آي القرآن ٢٣١ ، جمال القراء ٢ / ٥٤٥ ، وإتحاف فضلاء البشر ٥١٤.

(٥) ينظر : تأويلات أهل السنة ٤ / ٥٥٤ ، والبحر المحيط ٩ / ٥٢٨ عن نحاة الكوفة.

(٦) أ : أي.

(٧) ع : الآية.

(٨) ع : نزول الآية.

(٩) (أو ضربا عن كلام سابق) ، ساقط من ع.

(١٠) غير موجودة في ك.

(١١) ينظر : البحر المحيط ٩ / ٥٢٨ عن محمد بن علي الترمذي.

(١٢) أ : كقفا.

(١٣) ينظر : العظمة ٤ / ١٤٨٩.

٥٨٧

٥ ـ (مَرِيجٍ) : مختلط ملتبس. (١)

٩ ـ (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) : أضيف إلى نفسه ، ويجوز أن يكون الزّرع هو الحصيد. (٢)

١٠ ـ (باسِقاتٍ) : طوال (٣) ، وفي حديث ابن عبّاس : أنّ عبد المطّلب قال لسيف بن ذي يزن : ثبت أصله ، وبسق فرعه. (٤)

١١ ـ وإنّما قال : (مَيْتاً) لاعتبار المعنى ، وهو البلد أو المكان. (٥)

١٥ ـ (أَفَعَيِينا) : الاستفهام للإلزام ، (٦) (٢٩٩ ظ) والعياء : الكلال.

(خَلْقٍ جَدِيدٍ) : نشأة الآخرة. (٧)

١٦ ـ قال الفرّاء : (حَبْلِ الْوَرِيدِ) مضاف إلى نفسه ، والوريد : عرق من الحلقوم والعلباوين. (٨) والله تعالى أقرب إلى كلّ نفس منها إليها ، قائمة بأمره لا بنفسها.

١٧ ـ (قَعِيدٌ) : قال ابن عبّاس : قعود. وقال الفرّاء (٩) : ويجوز إرادة الجمع بلفظ واحد ، كقول موسى : (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ١٦] ، ويجوز أن يكون واحدا اكتفي به عن صاحبه ، أي : قعيدان ، كقوله (١٠) :

نحن بما عندنا وأنت بما

عندك راض والرّأي مختلف

١٩ ـ (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) : أي : بالموت ، والدّليل عليه قراءة عبد الله : (وجاءت [سكرة] الحقّ بالموت) (١١).

(تَحِيدُ) : تميل (١٢) وتحذر.

__________________

(١) ينظر : تفسير غريب القرآن ٤١٧ ، وتفسير الطبري ١١ / ٤٠٧ ـ ٤٠٨ عن قتادة ، وإيجاز البيان عن معاني القرآن ٢ / ٧٥٧.

(٢) ينظر : معاني القرآن للفراء ٣ / ٧٦ ، والطبري ١١ / ٤١٠ ، وزاد المسير ٧ / ٢٣٥.

(٣) تفسير غريب القرآن ٤١٨ ، وتفسير الطبري ١١ / ٤١١ عن ابن عباس وغيره ، وياقوتة الصراط ٤٧٨.

(٤) أعلام النبوة ٢٣٤ ، وتاريخ دمشق ٣ / ٤٤٢ ، والمصباح المضيء ٢ / ١٧٤ ـ ١٧٥.

(٥) ينظر : تفسير الطبري ١١ / ٤١٢.

(٦) ينظر : البحر المحيط ٩ / ٥٣٣.

(٧) ينظر : زاد المسير ٧ / ٢٣٥ ، والبحر المحيط ٩ / ٥٣٣.

(٨) معاني القرآن للفراء ٣ / ٧٦.

(٩) ينظر : معاني القرآن للفراء ٣ / ٧٧.

(١٠) القائل هو قيس بن الخطيم ، كتاب سيبويه ١ / ٧٥. وقيل : هو من قول عمرو بن امرئ القيس. ينظر : خزانة الأدب ٤ / ٢٦١ ، والبيان والتبيين ١ / ٤٣٦.

(١١) معاني القرآن للفراء ٣ / ٧٨ ، وإعراب القرآن للنحاس ٤ / ٢٢٥ ، وتفسير القرطبي ١٧ / ١٢ ، وما بين المعقوفتين زيادة منها.

(١٢) تفسير الثعلبي ٩ / ١٠٠ عن عطاء الخراساني.

٥٨٨

٢١ ـ (سائِقٌ وَشَهِيدٌ) : (سائِقٌ) : يسوقها إلى الله ، (وَشَهِيدٌ)(١) : شاهد عليها بعملها (٢). وقال أبو هريرة : السّائق الملك ، والشهيد العمل. (٣) وقيل : السائق العمل ، والشهيد الأعضاء. (٤)

٢٣ ـ (وَقالَ قَرِينُهُ) : تابعته من الشّياطين. (٥)

(هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) : لمخافة أن يؤخذ أحد الكفيل.

٢٤ ـ (أَلْقِيا) : أمر للملكين. (٦) وقيل : لملك واحد ، أي : ألقين بنون خفيفة. (٧)

(كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) : كليهما (٨) إيّاه وقرينه.

٢٨ ـ (لا تَخْتَصِمُوا) : بعد وجود الاختصام لا يدلّ على نفيه كالنّهي عن الكفر. وقيل : قوله : (لا تَخْتَصِمُوا) في الكفّار ، وقوله : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) [الزمر : ٣١] في المؤمنين. (٩)

٢٩ ـ (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) أي : لا مردّ لقولي : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) [ق : ٢٤]. (١٠)

٣٠ ـ (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ) : قال ابن عبّاس : ما امتلأت؟ تقول : وهل (١١) في مكان يزاد فيّ. (١٢)

٣٦ ـ (فَنَقَّبُوا) : مشوا في النّقوب ، وهي الطّرق ، وواحده (١٣) نقب. (١٤)

__________________

(١) ساقطة من ع.

(٢) الأصول المخطوطة : بعلمها ، وما أثبت من كتب التخريج ، وهو الصواب. تفسير الصنعاني ٣ / ٢٣٧ ، وتفسير القرطبي ١٧ / ١٤ عن الحسن.

(٣) ينظر : تفسير ابن أبي حاتم (١٨٦٣٥) ، وزاد المسير ٧ / ٢٣٨ ، والدر المنثور ٧ / ٥٢٣

(٤) ينظر : التفسير الكبير ، عن أبي بكر الأصم.

(٥) ينظر : إيجاز البيان عن معاني القرآن ٢ / ٧٥٩ ، والبحر المحيط ٩ / ٥٣٦ ، والدر المنثور ٧ / ٥٢٤ عن مجاهد ، وضعفه أبو حيان.

(٦) الكشاف ٤ / ٣٩٠ ، وزاد المسير ٧ / ٢٤٠ ، والتبيان في إعراب القرآن ٢ / ٣٧٣.

(٧) ينظر : إيجاز البيان عن معاني القرآن ٢ / ٧٦٠ ، والتبيان في إعراب القرآن ٢ / ٣٧٣ ، والبحر المحيط ٩ / ٥٣٧ وقال أبو حيان : «وقرأ الحسن : (ألقين) ، بنون التوكيد الخفيفة ، وهي شاذة مخالفة لنقل التواتر بالألف».

(٨) أ : كتبهما.

(٩) تفسير السمعاني ٥ / ٢٤٤.

(١٠) ينظر : البحر المحيط ٩ / ٥٣٨.

(١١) ك : وهل.

(١٢) تفسير ابن أبي حاتم (١٨٦٤٢).

(١٣) الأصول المخطوطة : وواحد ، وما أثبت مناسب للسياق.

(١٤) ينظر : أساس البلاغة ١ / ٦٤٩ ، والتبيان في غريب القرآن ٣٨٨.

٥٨٩

٣٧ ـ و (ذلِكَ) : إشارة إلى القرآن.

(قَلْبٌ) : سليم غير مريض.

(أَوْ)(١) : بمعنى الواو ، أي : لمن كان له قلب وألقى (٢) السّمع وهو شهيد. وقيل : أراد بذي القلب من استنارت أعشار قلبه ، فلم يبق فيه لغير الله حظ ، وبمن ألقى السّمع وهو شهيد : من يستمع إلى روح الله وندائه ، وهو يشاهد بروق التّوحيد بسويدائه.

٣٨ ـ (مِنْ لُغُوبٍ) : عياء وتعب. (٣)

والآية ردّ على اليهود قولهم في السّبت. (٤)

٤٠ و ٤٩ ـ وعن عمر قال : (إدبار النجوم) : الركعتان قبل الفجر ، (وَأَدْبارَ السُّجُودِ) : الركعتان بعد المغرب. (٥) وعن عليّ : (وَأَدْبارَ السُّجُودِ) : الركعتان بعد المغرب. (٦)

__________________

(١) ع : أي.

(٢) ع : أو ألقى.

(٣) ينظر : ياقوتة الصراط ٤٧٩ ، وجمهرة اللغة ١ / ٣٧٠ ، ولسان العرب ١ / ٧٤٢.

(٤) إشارة إلى قولهم : إن الله قد تعب بعد أن خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، ثم تعب في اليوم السابع فاستراح فيه ، وهو يوم السبت. وينظر : معاني القرآن للفراء ٣ / ٨٠.

(٥) ينظر : تفسير القرطبي ١٧ / ٢٥ ،

(٦) ينظر : تفسير الصنعاني ٢ / ٢٦٧ ، ومعاني القرآن للفراء ٣ / ٨٠ ، والمطالب العالية ١٥ / ٢٦٠.

٥٩٠

سورة الذاريات

مكيّة. (١)

وهي ستون آية بلا خلاف. (٢)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١ و ٢ و ٣ و ٤ ـ سأل ابن الكوّا (٣) عليّ بن أبي طالب (٤) رضي الله عنه عن (الذاريات ذروا)؟ قال : هي الرّياح ، وعن (الحاملات وقرا)؟ قال : السّحاب ، وعن (الجاريات يسرا)؟ قال : السّفن (٥) ، وعن (المقسمات أمرا)؟ قال : الملائكة. (٦)

٣ ـ (يُسْراً) : أي : سهلا. (٧)

٦ ـ (الدِّينَ) : الجزاء (٨).

٧ ـ (ذاتِ الْحُبُكِ) : قال ابن عرفة : ذات الخلق الوثيق. يقال : حبكه إذا جاد صنعته. وقيل : ذات الطّرائق. وقال مجاهد : ذات البنيان. وقال الأزهريّ : هي الطّرائق المحكمة. وكلّ شيء أجيد عمله فهو محبوك ، وكلّ ما يراه من درج الرّمل والماء إذا صفّقته الرياح فهو حبك ، واحدها حباك (٣٠٠ و) أو حبيكة. (٩)

٨ ـ (قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) : في رسول الله عليه‌السلام. (١٠)

٩ ـ (يُؤْفَكُ عَنْهُ) : يصرف عن الإيمان به ، الأسباب (١١) اليوم من صرف عنه بالإقرار في الأزل. (١٢)

__________________

(١) تفسير غريب القرآن ٤٢٠ ، وزاد المسير ٧ / ٢٤٨ ، والدر المنثور ٧ / ٥٣٧ عن ابن عباس وابن الزبير.

(٢) البيان في عد آي القرآن ٢٣٢ ، وجمال القراء ٢ / ٥٤٥ ، والإتقان في علوم القرآن ١ / ١٨٣ ، وإتحاف فضلاء البشر ٥١٦.

(٣) الأصل وك وأ : الكو عن ، وع : الكوعى. والتصويب من كتب التخريج.

(٤) (بن أبي طالب) ساقطة من ع.

(٥) أ : السفر.

(٦) ينظر : المستدرك ٢ / ٥٠٦ ، تفسير السمعاني ٥ / ٢٥٠ ، وتاريخ دمشق ٢٧ / ١٠٠.

(٧) ينظر : تفسير غريب القرآن ٤٢٠ ، وزاد المسير ٧ / ٢٤٩.

(٨) ع : الخير. وما أثبت الصواب ، ينظر : إيجاز البيان عن معاني القرآن ٢ / ٧٦٤ ، وزاد المسير ٧ / ٣٧١ ، وتفسير البغوي ٧ / ٣٧١.

(٩) الغريبين ٢ / ٤٠٠ ، وينظر قول مجاهد في تفسيره ٦١٦. وفي الغريبين بدلا من (ذات) (دار).

(١٠) ينظر : الكشاف ٤ / ٣٩٩ ، وتفسير أبي السعود ٨ / ١٣٧.

(١١) كذا في الأصول المخطوطة ، ولعلها زائدة.

(١٢) ينظر : الغريبين ١ / ٨٣ ، وتفسير السمعاني ٥ / ٢٥٢ ، وزاد المسير ٧ / ٢٥٠ ، وتفسير البغوي ٧ / ٣٧٢.

٥٩١

١٠ ـ (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) : على سبيل الدّعاء والإيجاب ، لعن وأهلك الكذّابون ، فكلّ قائل بالظّنّ والتّخمين خارص. (١)

١١ ـ (غَمْرَةٍ) : وغشيه (٢).

(ساهُونَ) : غالطون.

١٣ ـ (يَوْمَ هُمْ (٣) عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) : أي : يوم يفتن هؤلاء على النّار ، وهو جواب سؤالهم : أيّان يبعثون؟

١٤ ـ والقول عند قوله : (ذُوقُوا) مضمر. (٤)

١٧ ـ (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ) : وعن ابن عبّاس قال : كانوا قلّ ليلة تمرّ بهم إلا صلّوا فيها. (٥)

١٨ ـ (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) قال [أنس بن مالك] : كنّا نؤمر بالسحريّة وبالاستغفار سبعين مرّة. (٦) وعن الضّحّاك قال : أدركت أقواما يستحيون من الله في سواد اللّيل من طول الضّجعة. (٧) وعن أبي الجويريّة قال : صحبت حماد بن أبي سليمان ، وعلقمة بن مريد ، ومحارب بن دثار ، وعون بن عبد الله ، وأبا حنيفة ، فما كان في القوم أحسن ليلا من أبي حنيفة صحبته ستة أشهر ، فما رأيته ليلة واحدة وضع جنبه فيها. (٨)

١٩ ـ (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ) : نصيب معدّ دون الواجب (٩) ؛ لأنّ الأسخياء والبخلاء (١٠) في الوجوب سواء لا يستحقّون المدح.

٢٠ ـ (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ) : آثار (١١) القدرة والحكمة والرّحمة لمتفّرد بالقدم والبقاء ، قاضي الحدوث والفناء ، مستحق للعبادة والدّعاء.

__________________

(١) ينظر : الغريبين ٢ / ٥٤٤ ، والمفردات في غريب القرآن ١٤٦ و ٣٩٣.

(٢) هكذا في الأصول المخطوطة ، وفي التبيان في أقسام القرآن ١٨١ : « ... غمرت قلوبه ، أي : غطتها وغشتها ...»؟

(٣) ع وأ : يومهم.

(٤) ينظر : معاني القرآن للفراء ٣ / ٨٣ ، والكشاف ٤ / ٣٩٠ ـ ٤٠٠ ، وتفسير أبي السعود ٨ / ١٣٨.

(٥) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ٢ / ٤٧ ، وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل ٣٦١ ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٥٠٧.

(٦) ينظر : التهجد وقيام الليل ٣٥٨ ، والمعجم الأوسط (٩٤٨٤) وما بين المعقوفتين من مصدر التخريج.

(٧) التهجد وقيام الليل ١٦٧.

(٨) ينظر : تاريخ بغداد ١٣ / ٣٥٥ ، وأخبار أبي حنيفة ٥٦.

(٩) ينظر : زاد المسير ٧ / ٢٥١ عن ابن عباس.

(١٠) ع : البخلاء والأسخياء.

(١١) أ : أثاث.

٥٩٢

٢٣ ـ وإنّما قال : (مِثْلَ ما أَنَّكُمْ) ولم يقل : مثل ما تنطقون ؛ لأنّ التّشبيه واقع بكونهم ناطقين حقا لا لكون نطقهم حقا (١) لأنّ نطقهم في أعلى مراتب النّطق ، وأبعد من الالتباس ، فإنّ البهائم ناطقة من وجه غير وجه ، وسائر النّاس فيهم عجمة ، والعرب في فصاحتهم قصور ، وقريش هم الغاية في الفصاحة. وقيل : المراد بالتّشبيه تشبيه نطق رسول الله عليه‌السلام عن الغيب بنطقهم عن المشاهدات.

٢٩ ـ (فِي صَرَّةٍ) : صيحة وضجّة. (٢) وقيل : صرير الباب. (٣) وقيل : صرير النّعل. ومنه الاصطكاك.

٣٨ ـ (وَفِي مُوسى) : معطوف على قوله : (وَفِي الْأَرْضِ) [الذاريات : ٢٠] ، أو قوله : (تَرَكْناها آيَةً) [القمر : ١٥]. (٤)

٥٠ ـ (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) : أي : الاتحاد بروحه ، والاعتصام بروحه.

٥٩ ـ (الذّنوب) : الدّلو العظيمة ، وهاهنا عبارة عن النّوبة والنّصيب. (٥)

__________________

(١) (لا لكون نطقهم حقا) ، ساقط من أ.

(٢) ينظر : المحكم والمحيط الأعظم ٨ / ٢٦٣ ، وتفسير القرطبي ١٧ / ٤٦ ، ولسان العرب ٤ / ٤٥١.

(٣) ينظر : تفسير السمعاني ٥ / ٢٥٧ ، وتفسير القرطبي ١٧ / ٤٦ ، لسان العرب ٤ / ٤٥١.

(٤) ينظر : إيجاز البيان عن معاني القرآن ٢ / ٧٦٦ ، وتفسير البغوي ٧ / ٣٧٨ ، والتبيان في إعراب القرآن ٢ / ٣٧٨.

(٥) ينظر : معاني القرآن للفراء ٣ / ٩٠ ، وتأويل مشكل القرآن ١١٣ ، وزاد المسير ٧ / ٢٦٠ عن ابن قتيبة.

٥٩٣

سورة الطور

مكيّة. (١)

وهي سبع وأربعون آية في عدد أهل الحجاز. (٢)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١ ـ عن ابن عبّاس في قوله : (وَالطُّورِ) يقول : والجبل. (٣) وكلّ جبل طور ، ولكن عنى الله بهذا الجبل الذي كلّم الله موسى عليه‌السلام عليه ، وهو بمدين ، واسمه زبير ، وكان حجابا بين الله وبين موسى ، فسمع صرير القلم حين كتب له التّوراة. (٤)

٤ ـ (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) : قال ابن عبّاس : (البيت المعمور) : بيت في السّماء حيال الكعبة ، يحجّه كلّ يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه حتى تقوم السّاعة (٣٠٠ ظ) يسمّى الضّراح. (٥)

٥ و ٦ ـ وعن عليّ رضي الله عنه في (السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) : السّماء ، (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) قال : هو بحر تحت العرش. (٦)

٣ ـ (فِي رَقٍّ) : جلد يكتب عليه. (٧)

٩ ـ (تَمُورُ) : تدور وتضطرب. (٨)

١٣ ـ (دَعًّا) : دفعا (٩).

١٥ ـ و (هذا) : إشارة إلى العذاب ، (١٠) وهو جزاء (١١) قولهم : (إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) [الحجر : ١٥].

__________________

(١) تفسير غريب القرآن ٤٢٤ ، وزاد المسير ٧ / ٢٦١ ، وتفسير القرطبي ١٧ / ٥٨ وقال : في قول الجميع.

(٢) وعدد آيها عند البصريين ثمان وأربعون آية ، وعند الكوفيين والشاميين تسع وأربعون آية. البيان في عد آي القرآن ٢٣٣ ، وإتحاف فضلاء البشر ٥١٨.

(٣) ينظر : المستدرك ٢ / ٥٧٦ ، والدر المنثور ٧ / ٥٤٩ ،

(٤) ينظر : زاد المسير ٧ / ٢٦١ ، وتفسير البغوي ٧ / ٣٨٥ ، وتفسير القرطبي ١٢ / ١١٤.

(٥) تفسير الطبري ١١ / ٤٨٠ ـ ٤٨١ ، وزاد المسير ٧ / ٢٦٢ ، والدر المنثور ٧ / ٥٥١.

(٦) ينظر : تفسير الطبري ١١ / ٤٨٢ و ٤٨٣ ، وزاد المسير ٧ / ٢٦٢ ، والدر المنثور ٧ / ٥٥٢.

(٧) الغريبين ٣ / ٧٦٨ ، ولسان العرب ١٠ / ١٢٣ ، وعمدة الحفاظ ٢ / ١١٩.

(٨) الغريبين ٦ / ١٧٨٥ ، وتفسير القرطبي ١٧ / ٦٣ عن ابن عباس ، وعمدة الحفاظ ٢ / ١٤٤.

(٩) معاني القرآن للفراء ٣ / ٩١ ، وإيجاز البيان عن معاني القرآن ٢ / ٧٦٩ ، وتفسير البغوي ٧ / ٣٨٧.

(١٠) ينظر : تفسير سليمان بن مقاتل ٣ / ٢٨٣ ، وتفسير السمرقندي ٣ / ٣٣٣.

(١١) أ : قرأ.

٥٩٤

٢١ ـ (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ (١)) : أدركناهم إيّاهم. وعن ابن عبّاس قال : إنّ الله تعالى ليرفع ذرّية المؤمن في درجته ، وإن كانوا لم يبلغوا في العمل ؛ لتقرّ به عينه ، ثمّ قرأ : (وَالَّذِينَ آمَنُوا (٢) وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ)(٣) الآية. (٤)

٢٤ ـ والمراد ب (الغلمان) الوصفاء ، وتشبيههم باللّؤلؤ لفرق بينهم وبين المشبّهات بالبيض المكنون ، فإنّ اللّؤلؤ نصيب العيون ، والبيض نصيب العيون والبطون ، فكذلك غلمان الجنّة لا ينتفع بهم إلا بالرّؤية ، وينتفع بالجواري بالرّؤية والمجامعة.

٢٩ ـ (بِكاهِنٍ) : بزاجر ومنجّم وعرّاف.

٣٥ ـ ولقوله : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) معنيان : أحدهما : أو وجدوا منفعلين من غير فاعل ، أم هم فاعلوا أنفسهم ، (٥) والثاني : أهم مخلوقون محدثون من لا شيء (٦) أم هم خالقون غير محدثين من لا شيء من تغرّمض غرامة. والله أعلم.

__________________

(١) الأصل وك وع : (ذرياتهم) وهي على قراءة أبي عمرو ونافع وابن عامر ، وما أثبت على قراءة عاصم التي نقرأ بها ، وابن كثير وحمزة والكسائي. ينظر : تفسير السمرقندي ٣ / ٣٣٤.

(٢) غير موجودة في النسخ.

(٣) ك وع : وأتبعناهم ذرياتهم.

(٤) أخرجه الثوري في تفسيره ٢٨٣ ، والصنعاني في التفسير ٣ / ٢٤٧ ، وابن أبي حاتم في التفسير (١٨٦٨٣) ،

(٥) ينظر : إيجاز البيان عن معاني القرآن ٢ / ٧٦٩ ، وزاد المسير ٧ / ٢٦٨ ، وتفسير البغوي ٧ / ٣٩٢ ، وتفسير أبي السعود ٨ / ١٥١.

(٦) ينظر : زاد المسير ٧ / ٢٦٨.

٥٩٥

سورة النجم

مكيّة. (١) وعن ابن عبّاس وقتادة : إلّا (٢) آية نزلت بالمدينة : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ) الآية [النجم : ٣٢]. (٣) وعن الحسن البصريّ : أنّ السّورة كلّها مدنية. (٤)

وهي إحدى وستون (٥) آية في غير عدد أهل الكوفة. (٦)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١ ـ (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) : قال مجاهد : الثّريّا إذا سقط (٧) ؛ لقوله عليه‌السلام : «إذا طلعت النّجم رفعت العاهة عن كلّ بلد». (٨)

فلمّا جاز كون طلوعه معتبرا جاز كون نوئه في المغرب معتبرا. وذكر أبو بكر بن دريد (٩) : أنّ الثّريّا تسقط لثلاث عشرة ليلة تخلو (١٠) من تشرين الثّاني ، وتطلع من المشرق رقيبها الإكليل ، وتكون الشّمس حينئذ بالممتحن في أربع وعشرين درجة من العقرب ، ويكون طول النّهار عشر ساعات ، وخمس ساعة ، ولسقوط الثّريّا توسيع ليال.

وقال الضّحّاك : أراد بالنّجم المنجوم. وقال الكلبيّ : أراد القرآن إذا نزل ؛ لأنّ القرآن نزل نجوما منجّمة. (١١) وهو رواية الأعمش عن مجاهد قال : أراد (١٢) نجوم القرآن آية آية ، وسورة سورة. (١٣)

٥ ـ (عَلَّمَهُ) : لقّنه. (١٤)

__________________

(١) زاد المسير ٧ / ٢٧٣ ، والدر المنثور ٧ / ٥٦١ عن ابن عباس وابن الزبير.

(٢) ساقطة من أ.

(٣) زاد المسير ٧ / ٢٧٣ ، والقرطبي ١٧ / ٨١ ، وجمال القراء ١ / ١٤١.

(٤) ينظر : تفسير القرطبي ١٧ / ١٨ من غير نسبة.

(٥) الأصول المخطوطة : وتسعون ، والتصويب من كتب التخريج.

(٦) وعدّها الكوفيون ثنتان وستون آية. البيان في عد آي القرآن ٢٣٤ ، وجمال القراء ٥ / ٥٤٦.

(٧) ينظر : تفسير مجاهد ٦٢٧ ، وتفسير الطبري ١١ / ٥٠٣.

(٨) أخرجه الطبراني في الصغير (١٠٤) ، وأبو نعيم في الحلية ٧ / ٣٦٧ عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(٩) هو محمد بن الحسن بن دريد ، أبو بكر الأزدي ، صاحب الجمهرة ، كان شاعرا ومن أعلام اللغة ، ولد بالبصرة ، وتنقل في طلب العلم ، توفي سنة (٣٢١ ه‍) ببغداد. ينظر : طبقات الفقهاء الشافعية ١ / ١٢٣ ـ ١٣٠ ، وطبقات الشافعية ١ / ١١٦.

(١٠) أ : الثلاث عن ليلة يخلون.

(١١) ينظر : تفسير البغوي ٧ / ٤٠٠ عن الكلبي ، والتبيان في أقسام القرآن ١٥٢ عن الكلبي عن ابن عباس.

(١٢) أ : راد.

(١٣) ينظر : تفسير الطبري ١١ / ٥٠٣ ، وزاد المسير ٧ / ٢٧٣.

(١٤) ينظر : الفرق ٨٩.

٥٩٦

(شَدِيدُ الْقُوى) : جبريل عليه‌السلام. (١)

٦ ـ (ذُو مِرَّةٍ) : قوّة. (٢)

(فَاسْتَوى) : في صورته. (٣) وعن عبد الله قال : رأى رسول الله عليه‌السلام جبريل عليه‌السلام له ستّ مئة جناح ، كلّ جناح قد سدّ الأفق. (٤)

(وَهُوَ) : يعني : جبريل ، رآه بالأفق الأعلى قبل مطلع الشّمس. (٥) وقيل : فوق السماوات السّبع.

٩ ـ (قابَ قَوْسَيْنِ) : قدر قوسين عربيّتين. (٦) وقيل : القوس الذّراع بلغة أزد شنوءة ، (٧) وهذه المسافة كانت بين جبريل وبين نبيّنا عليه‌السلام حين (دَنا فَتَدَلَّى) [النجم : ٨] ، ثمّ صار أدنى من ذلك.

١٠ ـ (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) : وهو القرآن ، وما شاء الله (٣٠١ و) من شيء بعد.

١١ ـ وعن ابن عبّاس (ما كَذَبَ (٨) الْفُؤادُ ما رَأى) : رآه بقلبه. (٩) قال : كانت هذه الرّؤية قبل المعراج ، ورسول الله عليه‌السلام بأجياد ، أجياد مكة.

١٢ ـ (أَفَتُمارُونَهُ) : أفتجحدونه. (١٠)

١٣ ـ (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) : قال ابن عبّاس : رآه بفؤاده مرّتين (١١). وقال كعب :

__________________

(١) تفسير الطبري ١١ / ٥٠٥ ، والدر المنثور ٧ / ٥٦٥ عن الربيع.

(٢) ينظر : تفسير غريب القرآن ٤٢٧ ، وتفسير الطبري ١١ / ٥٠٥ عن مجاهد وغيره ، وتفسير البغوي ٧ / ٤٠٠.

(٣) إيجاز البيان عن معاني القرآن ٢ / ٧٧٠ ، وزاد المسير ٧ / ٢٧٥.

(٤) أخرجه أحمد في المسند ١ / ٣٩٥ ، والفاكهي في أخبار مكة ٤ / ١٢. وقد أخرج البخاري () ومسلم (١٧٤) في الصحيحين وغيرهما الجزء الأول منه.

(٥) ينظر : تفسير السمرقندي ٣ / ٣٣٩ ، وتفسير السمعاني ٥ / ٢٨٥.

(٦) ينظر : معاني القرآن للفراء ٣ / ٩٥ ، وتفسير غريب القرآن ٤٢٨ ، والكشاف ٤ / ٤٢٠.

(٧) إيجاز البيان عن معاني القرآن ٢ / ٧٧١ عن ابن عباس ، ومشارق الأنوار ٢ / ١٩٣.

(٨) من هنا إلى قوله : وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله ، في آية ١ من سورة القمر ، ساقط من ع.

(٩) تفسير الطبري الطبري ١١ / ٥١٠.

(١٠) معاني القرآن للفراء ٣ / ٩٦ ، وتفسير غريب القرآن ٤٢٨ ، وتفسير السمرقندي ٣ / ٣٤٠ ، وزاد المسير ٧ / ٢٧٧ ، وجميعهم فسروها على قراءة حمزة والكسائي وخلف ويعقوب : (أَفَتُمارُونَهُ) أما من فسرها على هذه القراءة فالمجادلة بمعنى أفتجادلونه.

(١١) الأصول المخطوطة : موسى ، والتصويب من كتب التخريج ، وينظر : تفسير الطبري ١١ / ٥١٤ ، وزاد المسير ٧ / ١٧٧ ، والدر المنثور ٧ / ٥٦٩.

٥٩٧

إنّ الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى (١) ، فكلّم موسى مرّتين ، ورآه محمد مرّتين. (٢) قال : وكانت هذه الرّؤية ليلة المعراج ، وهو مرفوع إلى سدرة المنتهى. قال ابن مسعود : انتهى إليها ما يعرج من الأرض. (٣) وقيل : ينزل من فوق. وقيل : ينتهي علم الخلق إليها ، لا علم لهم بما فوق ذلك.

١٥ ـ (عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) : جنّة من الجنان. وقيل : هي التي تأوي إليه روح الشّهداء. (٤)

١٦ ـ (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ) : في السّماء السّادسة. (٥) قال سفيان : فراش من ذهب. (٦) وعن الضّحّاك ، عن ابن عبّاس : (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رأيتها حتى استثبتّها ، ثمّ حال دونها فراش من ذهب» (٧). وعن الحسن : غشيها النّور من دون النّور كجراد الذّهب. (٨)

قال الأمير : إنّما لم يزع بصره عن رؤية آيات (٩) ربّه الكبرى ؛ لأنّه لم يزع فؤاده عن مشاهدة ربّه الأعلى. وما روي عن عرباض بن سارية قال : رأى رسول الله فراشا من ذهب ، ومن زعم أنّ محمدا قد رأى ربّه فقد أعظم الفرية ، وعن عائشة كذلك (١٠) ، فهما محمولان على نفي الرّؤية بالعينين.

١٩ و ٢٠ ـ (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ) : واشتقاق اللّات من اسم الله تعالى ، والعزّى من العزيز (١١) ، فإنّها تأنيث الأعزّ ، ومناة تأنيث منّا وهو القدّ. وقيل : سمّيت لاتا ؛ لأنّ قيّمها (١٢) يلتّ السّويق للنّاس. (١٣) ولو كان كذلك لكان التاء مشدّدة. وقيل : مناة تسمية أعجميّة عرّبتها العرب ، وإنّما اتّصفت بالثّالثة وبالأخرى جميعا ؛ لأنّها ثالثة الثلاث المعبودات

__________________

(١) أ : ومسى.

(٢) مسند إسحاق بن راهويه ٣ / ٧٩٠ ، والمستدرك ٢ / ٧٢٩ ، وزاد المسير ٧ / ٢٧٧ ، وتفسير القرطبي ٧ / ٥٦.

(٣) سنن الترمذي (٣٢٧٦).

(٤) تفسير مقاتل بن سليمان ٣ / ٢٩٠ ، وزاد المسير ٧ / ٢٧٧ عن مقاتل ، وتفسير القرطبي ١٧ / ٩٦ عن ابن عباس.

(٥) سنن الترمذي (٣٢٧٦) ، وزاد المسير ٧ / ٢٧٧ عن ابن مسعود.

(٦) جزء من حديث أخرجه الترمذي في السنن (٣٢٧٦).

(٧) أخرجه أبو يعلى في المسند (٢٦٥٦) ، وقال الهيتمي في مجمع الزوائد ٧ / ١١٤ : وفيه جويبر وهو ضعيف.

(٨) تفسير السمرقندي ٣ / ٣٤١

(٩) ك : آية.

(١٠) أخرجه الترمذي في السنن (٣٠٦٨) ، وأبو عوانة في المسند ١ / ١٣٦ ، وابن حبان في صحيحه (٦٠).

(١١) ينظر : غريب القرآن للسجستاني ١ / ٥٣٢ ، وزاد المسير ٧ / ٢٧٩ ، وتفسير البغوي ٧ / ٤٧.

(١٢) الأصول المخطوطة : قيمتها ، والتصويب من كتب التخريج.

(١٣) تفسير السمرقندي ٣ / ٣٤٢ ، والكشاف ٤ / ٤٢٣ ، والنهاية في غريب الحديث ٤ / ٢٣٠ عن مجاهد.

٥٩٨

دون الله تعالى ، وثانية الظّلمات كونها صخرة مثلها. وأمّا العزّى كانت شجرة ، قطعها خالد بن الوليد بإذن الله تعالى ، وبأمر رسول الله. (١) وقيل : اتّصافها بالأخرى ؛ لأنّ كلّ واحدة ثانية ما يتقدّمها ، كقولك : هذه واحدة وهذه أخرى وهذه أخرى ، وكانت الشّياطين تحلّ هذه المحالّ الثلاثة فتكلّم منها أولياءهم وهم يظنّون أنّها ذات أرواح ، ويعتقدون الأرواح ملائكة ، وأنّها بنات الله ، ففي ذلك قوله : (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (٢٢)) [النجم : ٢١ ـ ٢٢].

٢٨ ـ (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) : اتباعهم الظنّ عبادتهم على قضيّة أوهامهم ، واتّباعهم أهواء أنفسهم استباحتهم على قضيّة شهواتهم.

٢٣ ـ (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) : القرآن والرّسول ، (٢) فلزمهم الإيمان بالقرآن والرّسول.

٢٤ ـ (أَمْ) : مرتبة على ألف الاستفهام (٣٠١ و).

(لِلْإِنْسانِ) : الكافر. (٣)

(ما تَمَنَّى) : شفاعة الملائكة بغير إذن الله تعالى.

٣٠ ـ (ذلِكَ) : إشارة إلى الظّنّ ، أو إلى إيثار الحياة الدّنيا (٤).

٣١ ـ (لِيَجْزِيَ) : [اللّام متعلّق بما دلّ] عليه الكلام (٥) [في] قوله : (فَأَعْرِضْ) [النجم : ٢٩] ، أو قوله : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ)(٦) تقديره : لم يكن لله ما في السماوات وما في الأرض إلا ليجزي.

٣٢ ـ وعن ابن عبّاس قال : (اللَّمَمَ) : ما بين حدّ الدّنيا والآخرة. (٧) وسئل ابن عبّاس عن اللّمم؟ فقال : إنّي لم أر شيئا أشبه من قول أبي هريرة : كتب على ابن آدم حظه من الزّنا أدرك ذلك لا محالة ، فزنا العين النّظر ، وزنا اليد البطش ، وزنا الرّجلين المشي ، وزنا اللّسان المنطق ، والنّفس تهمّ وتتمنّى ، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه. (٨) ولو شاء الله لم يذكر اللّمم

__________________

(١) ينظر : دلائل النبوة للبيهقي ٥ / ٧٧ ، وتفسير الثعلبي ٩ / ١٤٥ ، والتسهيل لعلوم التنزيل ٤ / ٧٦.

(٢) زاد المسير ٧ / ٢٨٠ ، وتفسير البغوي ٧ / ٤٠٩.

(٣) زاد المسير ٧ / ٢٨٠.

(٤) ينظر : معاني القرآن للفراء ٣ / ١٠٠ ، وإعراب القرآن للنحاس ٤ / ٢٧٤ ، وتفسير القرطبي ١٧ / ١٠٥.

(٥) الأصل : عليه اللام ، وك وع وأ : عليه‌السلام ، وما بين المعقوفتين زيادة من التبيان في إعراب القرآن ٢ / ٣٨٤.

(٦) ينظر : التبيان في إعراب القرآن ٢ / ٣٨٤.

(٧) ينظر : الطبري ١١ / ٥٢٨ و ٥٢٩.

(٨) أخرجه البخاري (٦٦١٢) ، ومسلم في الصحيح (٢٦٥٧) ، والنسائي في الكبرى (١١٥٤٤).

٥٩٩

بالاستثناء ، ولكنّه أحبّ ترجية المذنبين من المؤمنين. وعن ابن عبّاس في هذه الآية قال : قال رسول الله :

«إن تغفر اللهمّ تغفر جمّا

وأيّ عبد لك لا ألمّا» (١).

(فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) : لا تثنوا عليها.

٣٣ ـ (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى) : قال مقاتل : نزلت الآيات في الوليد بن المغيرة. (٢) وقصّته : أنّ الله تعالى لّما أنزل على رسوله (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) [النحل : ٩٠] إن كان محمدا قاله من تلقاء نفسه ، فنعمّا قاله ، وإن كان أنزله عليه ربّه فنعمّا أنزله. (٣) أعطي هذا المقدار بلسانه من الإقرار بالمعروف ، ثمّ قطع إقراره بالمعروف ، واستمرّ على كفره (٤).

وقال الكلبيّ (٥) : نزلت في عثمانّ بن عفّان رضي الله عنه حين لامه عبد الله بن أبي السّرح على إنفاقه في سبيل الله ، واعتذر عليه عثمان بأنّه ينفق لأجل ذنوبه وخطاياه ، فخدعه ابن أبي سرح وقال : أعطني بعيرك هذا بخطامه لأتحمّل عنك خطاياك ، فأعطاه عثمان بعيره ، ثمّ أمسك على النّفقة بعد ذلك. (٦)

٣٤ ـ (٧) والذي انتهى عن العمل من انتهاء حافر البئر إلى الكدية (٨) في الأرض.

٤٢ ـ (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ) : خطاب لكلّ واحد من المخاطبين ، ألا ترى قال : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى) [النجم : ٥٥].

وجملة هذا الفصل ممّا هو في صحف موسى وإبراهيم. (٩)

٣٧ ـ (وَفَّى) : ما (١٠) ذكرنا في قوله : (فَأَتَمَّهُنَ) [البقرة : ١٢٤].

__________________

(١) أخرجه الترمذي في السنن (٣٢٨٤) ، وأبو يعلى في المسند (١٩٠) ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٥١٠ ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث زكريا بن إسحاق. وبيت الشعر من الرجز لأمية وإنما كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يردده.

(٢) تفسير مقاتل بن سليمان ٢ / ٢٣٥.

(٣) تفسير مقاتل بن سليمان ٢ / ٢٣٥.

(٤) أ : آخره.

(٥) الأصول المخطوطة : الكلب.

(٦) ينظر : تفسير الثعلبي ٩ / ١٥٠ ، وتفسير القرطبي ١٧ / ١١١ ، وقال ابن عطية رحمه‌الله في المحرر الوجيز ١٤ / ١١٦ : «وذكر الثعلبي عن قوم أنها نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه في قصة جرت له مع عبد الله بن سعيد بن سرح ، وذلك كله عندي باطل ، وعثمان عن مثله منزه».

(٧) في قوله تعالى : (وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى).

(٨) الكدية : قطعة غليظة صلبة لا تعمل فيها الفأس. النهاية في غريب الحديث ٤ / ١٥٦.

(٩) ينظر : تفسير السمرقندي ٣ / ٣٤٦ ، الكشاف ٤ / ٤٢٨.

(١٠) أ : وفيما.

٦٠٠