درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ٢

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني

درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ٢

المؤلف:

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني


المحقق: د. طلعت صلاح الفرحات / د. محمّد أديب شكور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر ناشرون وموزعون
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9957-07-514-9

الصفحات: ٨٠٢
الجزء ١ الجزء ٢

بوحدانيّة الله تعالى وبالأنبياء الماضين عليهم‌السلام ، وإنّما يكتم لخوفه القتل على نفسه ، ولم يخف في سائر الخصال إلا محرما لجدال ، وإنّما دعاهم إلى طاعة موسى عليه‌السلام على سبيل الشّكّ ، أو غلبة الظّنّ ؛ لأنّ موسى عليه‌السلام كان يدعوهم إلى إنجاء بني إسرائيل ، وذلك فعل لم يكن مخالفا للمعقول ، فكان يجوز فعله من غير اعتقاد.

وإنّما قال : (بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) لأنّ موسى عليه‌السلام قد وعدهم بأشياء ، وخوّف بأشياء [على سبيل](١) التّخيير ، كقوله : (أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا) [التوبة : ٥٢] قوله : (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ ...) الآية [الأنعام : ٦٥]. والثاني : أنّ المراد بالبعض الكلّ. (٢)

٢٩ ـ وقول فرعون : (ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى) : يدل على أن [ ...](٣) بين الغرور والإكراه.

٣١ ـ (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) : أي : لا يريد أن يظلم هو بنفسه على (٤) عباده لتعاليه عن الاتّصاف (٥) بالظّلم ، بدليل اتصاله (٢٨٨ ظ) يديم (٦) إهلاك القرون الماضية بالغرق والصّيحة والرّيح ونحوها ، وقال : (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) [هود : ١٠١]. (٧) وقيل (٨) : (يُرِيدُ) أي : يحبّ.

٣٧ ـ (تَبابٍ) : خسار. (٩)

٣٢ ـ (يَوْمَ التَّنادِ) : تناديهم : ما لها (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١)) [الزلزلة : ١] ، (١٠) أو محاجّتهم في النّار. (١١)

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) ينظر : تفسير الماوردي ٣ / ٤٨٦.

(٣) بياض في الأصول المخطوطة.

(٤) كذا في الأصول المخطوطة ، والأولى حذفها.

(٥) ع : الاتصال.

(٦) كذا في الأصول المخطوطة ، ولعلها : بدليل اتصافه بدوام إهلاك ...

(٧) ينظر : الغريبين ١ / ٢٤٥ ، وتأويلات أهل السنة ٤ / ٣٤٣.

(٨) ع : ولكن.

(٩) ينظر : تفسير غريب القرآن ٣٨٧ ، ومعاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٧٥.

(١٠) ينظر : زاد المسير ٧ / ٧٩.

(١١) وذلك قوله تعالى : (وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (٤٧)) [غافر : ٤٧].

٥٤١

٤٣ ـ (لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ) : أي : شفاعة. (١) وقيل : دعوة مبرهنة (٢) صحيحة.

٤٤ ـ (وَأُفَوِّضُ) : أسلّم. (٣)

٤٦ ـ (النَّارُ) : رفع ؛ لكونه بيانا بالسّوء (٤) العذاب (٥) ، أو يكون مبتدأ ، وخبره في الفعل المتّصل بالضّمير العائد إليها. (٦)

٥٣ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى) : على سبيل ردّ عجز الكلام على صدره.

٥٦ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) : روي : أنّ الآيتين نزلتا في اليهود الذين أعظموا القول في الدّجال الذي ينتظرونه ، فزعموا : أنّه نبيّ آخر الزّمان ، وأنّه يسخّر السّماء والأرض والشّمس والقمر والنّجوم ، ويحيي ويميت ، فردّ الله عليهم قولهم. (٧)

٥٨ ـ (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى) : قيل : اليهود ونحوهم.

(وَالْبَصِيرُ) : مثل المؤمن المتعوّذ بالله من فتنة الدّجال ، ومعرّة الجدال.

٦٠ ـ عن النّعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الدّعاء هو العبادة ، ثمّ قرأ : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) الآية (٨)». (٩)

٧١ ـ (السَّلاسِلُ) : جمع سلسلة ، وهي الحلق المتّصلة بعضها ببعض ليكون كالحبل ، وهو من الحديد ونحوه ، وهي معطوفة على (الْأَغْلالُ)(١٠).

(يُسْحَبُونَ) : يجرّون ، (١١) وسمّي السّحاب سحابا لانسحابه. (١٢)

__________________

(١) ينظر : تفسير الماوردي ٣ / ٤٨٩ ، وتأويلات أهل السنة ٤ / ٣٤٧ ، وزاد المسير ٧ / ٨٢ عن ابن السائب.

(٢) ع : مرهبة ، وقوله : أي : شفاعة. وقيل : دعوة ، ساقطة من أ.

(٣) تفسير الطبري ١١ / ٦٥ ، وتفسير الماوردي ٣ / ٤٨٩ ، وتفسير السمعاني ٥ / ٢٢.

(٤) أ : بالسواء.

(٥) هكذا في الأصول المخطوطة ، وجاء في معاني القرآن للفراء ٣ / ٩ قوله : «ولو رفعتها بما رفعت به سُوءُ الْعَذابِ [غافر : ٤٥] كان صوابا» ، وينظر : مشكل إعراب القرآن ٥٨٩ ، واللباب في علوم الكتاب ١٧ / ٦١.

(٦) ينظر : الكشاف ٤ / ١٧٤ ، واللباب في علوم الكتاب ١٧ / ٦١.

(٧) ينظر : تفسير الماوردي ٣ / ٤٩٢ ، وتأويلات أهل السنة ٤ / ٣٥٣ ورد هذا القول.

(٨) ع : الآيات.

(٩) أخرجه ابن المبارك في المسند ٤٢ ، وأحمد في المسند ٤ / ٢٦٧ ، وأبو داود في السنن (١٤٧٩) ، والترمذي في السنن (٢٩٦٩) وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.

(١٠) ينظر : البيان في غريب إعراب القرآن ٢ / ٢٨٠ ، وتفسير البيضاوي ٥ / ٦٣.

(١١) تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي ٦ / ٣٠٩.

(١٢) ينظر : مشارق الأنوار ٢ / ٢٠٨.

٥٤٢

٧٢ ـ (يُسْجَرُونَ) : يرسلون ، من قولهم : شعر منسجر ، أي : مرسل. (١) وقيل : توقدون من قولهم : سجرت (٢) التّنور بالسّجور ، أي : بالوقود. (٣) وقيل : يملؤون بطونهم من الحميم ، من قوله : (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) [الطور : ٦] ، أي : المملوء. (٤)

٧٣ ـ (أَيْنَ ما)(٥) : في محلّ الرّفع.

(تُشْرِكُونَ) : أي (٦) : يشركونه ، أو يشركونهم.

__________________

(١) ينظر : غريب الحديث للحربي ١ / ٥.

(٢) ك : فوقهم شجرة.

(٣) ينظر : تفسير الطبري ١١ / ٧٨ ، وزاد المسير ٧ / ٨٨ ، والدر المنثور ١١ / ٧٨ عن مجاهد.

(٤) ينظر : غريب الحديث للحربي ١ / ٤ ، والغريبين ٣ / ٧٦٧ ، والكشاف ٤ / ١٨٣ ، ولسان العرب ٤ / ٣٤٥ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

(٥) ع : أنهما ، وفي أ : أيمانا.

(٦) الأصل وك : أنه ، وأ : أنه بسكونه.

٥٤٣

سورة حم (١) السجدة (فصلت)

مكيّة. (٢)

وهي ثلاث وخمسون في عدد أهل الحجاز. (٣)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١ و ٢ ـ (حم (١) تَنْزِيلٌ) : عن جابر بن عبد الله قال : قال أبو جهل والملأ من قريش : قد التبس علينا أمر محمد ، فلو ابتغيتم من يعلم السّحر والكهانة والشّعر ، فأتاه فكلّمه ، ثمّ أتانا ببيان من أمره ، فقال عتبة بن ربيعة : والله لقد سمعت السّحر والكهانة والشّعر ، وعلمت من ذلك علما ما يخفى ، فلمّا خرج إليه قال له عتبة : أنت ، يا محمد ، خير أم هاشم؟ أنت خير أم عبد المطلب؟ أنت خير أم عبد الله؟ أن (٤) تشتم آلهتنا ، وتضلّل آباءنا ، فإن كنت إنّما بك الرئاسة عقدنا لك ألويتنا فكنت رأسا ما بقيت ، وإن كان بك الباه زوّجناك خير نسوة تختارهنّ من أيّ بنات قريش شئت ، وإن كان إنّما بك المال جمعنا لك من أموالنا ما تستغني أنت وعقبك من بعدك ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ساكت لا يتكلّم ، فلمّا فرغ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (٢٨٩ و) بسم الله الرّحمن الرّحيم (حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢)) إلى قوله : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) [فصلت : ١٣] ، فأمسك عتبة على فيه ، وناشده بالرّحم أن يكفّ ، ورجع إلى أهله ، فلم يخرج إلى قريش ، واحتبس عنهم ، فقال أبو جهل : يا معشر قريش ، والله ، ما نرى عتبة إلا قد صبأ ، وأعجبه كلام محمد ، وما ذلك إلا من حاجة أصابته ، فانطلقوا (٥) بنا إليه ، فأتوه ، فقال أبو جهل : يا عتبة ، ما حبسك عنّا إلا أنّك قد صبوت إلى محمد ، وأعجبك أمره ، فإن كان لك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن ماله ، فغضب ، وأقسم أن لا يكلّم محمدا أبدا ، وقال : لقد علمتم أنّي أكثر قريش مالا ، ولكنّي قد أتيته فقصصت عليه القصّة ، فأجابني ، والله ، بشيء ما هو بسحر ولا كهانة ولا شعر ، قرأ اسم الله الرحمن الرحيم (حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢)) إلى قوله : (فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) [فصلت : ١٣] ، فأمسكت ، وناشدته بالرّحم أن يكفّ ، وقد علمتم أنّ

__________________

(١) ساقطة من أ.

(٢) تفسير غريب القرآن ٣٨٨ ، والتخليص في القراءات الثمان ٣٩٧ ، والبحر المحيط ٧ / ٢٦٦.

(٣) وعدد آيها عند أهل الكوفة خمسون وأربع ، وعند أهل البصرة والشام ثنتان وخمسون آية. البيان في عد آي القرآن ٢٢٠ ، والتلخيص في القراءات الثمان ٣٩٧ ، وإتحاف فضلاء البشر ٤٨٨.

(٤) مصدر التخريج : فبم. وهو الصواب.

(٥) أ : وانطلقوا.

٥٤٤

محمدا إذا قال شيئا لم يكذب ، فخفت أن ينزل بكم العذاب. (١)

٩ ـ وعن عكرمة ، عن (٢) ابن عبّاس في قوله : (أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) قال : خلق الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين ، وجعل فيها رواسي ، وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيّام ، قال : شقّ الأنهار ، وغرس الأشجار ، ووضع الجبال ، وجعل فيها المنافع يوم الثلاثاء ، ويوم الأربعاء قدّر الأقوات (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) [فصلت : ١٢ ـ ١٣] : يوم الخميس ويوم الجمعة ، فمن شاء سألك في كم خلقت السماوات والأرض؟ فقل : في ستة أيّام.

٨ ـ (غَيْرُ مَمْنُونٍ) : مقطوع ، (٣) من قولهم : حبل متين ، أو منقوص (٤) من قوله : (رَيْبَ الْمَنُونِ) [الطور : ٣٠] ، أو منغص (٥) بتذكره وبعده (٦) من قوله : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَ) [الشعراء : ٢٢].

١٦ ـ (نَحِساتٍ) : ضدّ سعود. (٧)

١٧ ـ (فَهَدَيْناهُمْ) : أراد هداية الدّلالة والتّمكين ، دون الإرشاد ، وخلق الاهتداء (٨) كقوله : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) [البلد : ١٠]. (٩)

٢٢ ـ وعن ابن مسعود وقال : اختصم عند البيت ثلاث : قريشيان وثقفيّ ، أو ثقفيان وقريشيّ قليل فقه قلوبهم ، وكثير شحم بطونهم ، وقال أحدهم : أترون الله يسمع ما نقول؟ فقال آخر : يسمع إن جهرنا ، ولا يسمع إن أخفينا ، وقال الآخر : إن كان يسمع إذا جهرنا ، فهو يسمع إن أخفينا (١٠) ، فأنزل الله : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ) الآية. (١١)

__________________

(١) أخرجه ابن معين في التاريخ ٣ / ٥٤ ، والبيهقي في الدلائل ١ / ٢٠٣ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٣٨ / ٢٤٢.

(٢) ع : في ، وفي أ : بن ، وهو خطأ.

(٣) ياقوتة الصراط ٤٥٣ ، والتبيان في إعراب القرآن ٢ / ٣٣٠ ، والقاموس المحيط ١ / ١٥٩٤.

(٤) غريب الحديث للهروي ١ / ٩٢ ، وإيجاز البيان عن معاني القرآن ٢ / ٧٢٧ ، ووضح البرهان في مشكلات القرآن ٢ / ٢٦٥.

(٥) (منقوص ... أو منغص) ، ساقط من ع.

(٦) ينظر : التبيان في أقسام القرآن ٣١.

(٧) ينظر : الكشاف ٤ / ١٩٩ ، والتفسير الكبير ٩ / ٥٥٣ ، والبحر المحيط ٩ / ٢٩٧ عن ابن عباس وغيره.

(٨) ع : الهدا.

(٩) ينظر : معاني القرآن للفراء ٣ / ١٥ ، وتفسير غريب القرآن ٣٨٨ ، والتفسير الكبير ٩ / ٥٥٤.

(١٠) (وقال الآخر : إن ... يسمع إن أخفينا) ، ساقط من ع.

(١١) أخرجه البخاري في الصحيح (٤٨١٦) ، ومسلم في الصحيح (٢٧٧٥) ، والترمذي في السنن (٣٢٤٨).

٥٤٥

٢٩ ـ وعن عليّ رضي الله عنه في قوله : (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ،) قال : ابن آدم (٢٨٩ ظ) قتل (١) أخاه من الإنس ، وإبليس الأبالسة من الجنّ. (٢) وعن أبي جعفر قال (٣) : ابن آدم الذي قتل أخاه والشّيطان الذي سوّل.

٢٧ ـ (أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) : شركهم وكفرهم. (٤)

٢٥ ـ (وَقَيَّضْنا) : أتحنا وقدّرنا وسبّبنا. (٥)

٣٠ ـ وعن أبي بكر الصّديق رضي الله عنه في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) قال : على أنّ الله ربّهم. (٦) وعن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه : لم يروغوا روغان الثّعالب. (٧) وعن سفيان بن عبد الله الثّقفيّ أنّه قال للنّبيّ عليه‌السلام : قل لي قولا في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك ، قال : «قل : آمنت بالله ، ثم استقم» (٨) على هذه المقالة. وعن ابن عبّاس قال : ثمّ استقاموا على ما افترض الله عليهم. (٩)

٣٣ ـ (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً) : ذكر الكلبيّ : أنّ الآيات نزلت في نبيّنا عليه‌السلام وأبي جهل لعنه الله. والأقرب أنّه في نبيّنا عليه‌السلام وفي بعض المؤلّفة. وعن عائشة قالت : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ) قالت : المؤذنون. (١٠)

(وَعَمِلَ صالِحاً) : بين الأذان والإقامة. (١١)

٣٥ ـ الضّمير في (يُلَقَّاها) : عائد إلى الحالة الموعودة ، وهي حالة يودّ العدوّ أنّه وليّ حميم ، أو يشبّه بوليّ حميم.

__________________

(١) الأصول المخطوطة : قال. والتصويب من كتب التخريج.

(٢) ينظر : تفسير الثوري ٢٦٦ ، وتفسير الصنعاني ٣ / ١٨٦ ، وتفسير ابن أبي حاتم (١٨٤٦٠) ، والمستدرك ٢ / ٤٧٨.

(٣) ع : قيل.

(٤) ينظر : تفسير مقاتل بن سليمان ٣ / ١٦٥ ، وتفسير السمرقندي ٣ / ٢١٤ ، وتفسير القرطبي ١٥ / ٣٥٦.

(٥) ينظر : غريب الحديث لابن الجوزي ٢ / ٢٧٤ ، والنهاية في غريب الحديث ٤ / ١٣٢ ، ولسان العرب ٧ / ٢٢٥.

(٦) ينظر : تفسير الطبري ١١ / ١٠٦.

(٧) ينظر : الزهد لابن المبارك ١١٠ ، والزهد لابن أبي عاصم ١١٥ ، ومعاني القرآن الكريم ٦ / ٢٦٦.

(٨) أخرجه أحمد في المسند ٣ / ٤١٣ ، ومسلم في الصحيح (٣٨) ، والنسائي في الكبرى (١١٤٨٩) ، وابن حبان في صحيحه (٩٤٢).

(٩) تنوير المقباس ٤٢٤ ، وتفسير السمرقندي ٣ / ٢١٥.

(١٠) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٨٦ ، والبحر المحيط ٩ / ٣٠٥ ، والدر المنثور ٧ / ٢٨٠ ، وقال أبو حيان في البحر المحيط : «وينبغي أن يتأول قولهم على أنهم داخلون في الآية ، وإلا فإن السورة بكمالها مكية بلا خلاف ، ولم يكن الأذان بمكة ، إنما شرع بالمدينة».

(١١) ينظر : الطبري ١١ / ١١٠ عن قيس بن حازم ، والبحر المحيط ٩ / ٣٠٥.

٥٤٦

٣٨ ـ (لا يَسْأَمُونَ) : لا يملّون. (١)

وعن ابن عباس : أنّه كان يسجد بآخر الآيتين من (حم). (٢)

٤١ ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) : مبتدأ وخبره في جملة. (٣)

٤٤ ـ قوله : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ) أي : قل لهم.

وعن الحارث الأعور ، عن عليّ رضي الله عنه قال : قيل : يا رسول الله ، إنّ أمّتك ستفتن من بعدك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو سئل ما المخرج منها؟ قال : «كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، من ابتغى العلم في غيره (٤) أضلّه الله ، ومن ولي هذا الأمر من جبّار فحكم بغيره قصمه الله ، وهو الذّكر الحكيم ، والنّور المبين ، والصّراط المستقيم ، فيه خبر من قبلكم ، وبيان من بعدكم ، و (٥) حكم ما بينكم ، وهو الفصل ، ليس بالهزل ، وهذا الذي سمعته الجنّ ، فلم تتناه قالوا : (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) [الجن : ١ ـ ٢] ، لا يخلق عن كثرة الرّدّ على طول الدّهر (٦) ، ولا تنقضي عبره ، ولا تفنى عجائبه». ثم قال للحارث (٧) : «خذها إليك يا أعور» (٨).

٤٣ ـ (ما يُقالُ لَكَ) : معنى قوله : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) [الزمر : ٦٥]. والثاني : من معنى قوله : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) [فاطر : ٤]. (٩)

٤٧ ـ (أَكْمامِها) : جمع كمّ ، وهو وعاء الطّلع ، ويقال : كمّ العسل إذا ستر (١٠) من الهواء حتى يقوى ، والأكمام (١١) : أغطية النّور. (١٢)

__________________

(١) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٨٧ ، وتفسير القرطبي ١٥ / ٣٦٤ ، وتفسير أبي السعود ٨ / ١٥.

(٢) أخرجه الحاكم في المستدرك ٢ / ٤٧٥ ، البيهقي في السنن ٢ / ٣٢٦.

(٣) قال النحاس في إعراب القرآن ٤ / ٦٤ : (وقيل : الخبر محذوف ، ومعناه أهلكوا) ، وينظر : التبيان في إعراب القرآن ٢ / ٣٣٤.

(٤) ع : عزه.

(٥) ساقطة من أ.

(٦) ع : الدهرة.

(٧) ع : الحارث.

(٨) أخرجه الدارمي في السنن ٢ / ٥٢٦ ، والترمذي في السنن (٢٩٠٦) ، وقال الترمذي : هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وإسناده مجهول ، وفي الحارث مقال.

(٩) ينظر : معاني القرآن للفراء ٣ / ١٩ ، وتفسير الطبري ١١ / ١١٧ عن السدي وقتادة ، والدر المنثور ٧ / ٢٨٦.

(١٠) ك : أستر.

(١١) الأصل وك وع : الأمامم ، وأ : الأكاسم.

(١٢) ينظر : معاني القرآن للفراء ٣ / ٢٠ ، ولسان العرب ١٢ / ٥٢٦ ، والقاموس المحيط ١ / ١٤٩١.

٥٤٧

٥٣ ـ (الْآفاقِ) : النّواحي ، واحده (١) أفق ، (٢) فمن جملة ما رأت قريش من الآيات في الآفاق على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إيمان النّجاشيّ ، وفيروز الدّيلمي ، وبادان والي اليمن ، وهلاك كسرى أنرواز والأسود (٢٩٠ و) (٣) العنسيّ ، واستئصال اليهود ، ومخافة هرقل ، وأخذ أكيد صاحب دومة الجندل. وما رأوه (٤) بعد ذلك : هلاك مسيلمة ، وأخذ طليحة الأسديّ ، وفتح العراق والشّام ، وما والاهما من ديار الشّرق والغرب. وممّا سيرونه بإذن الله : فتح (٥) قسطنطينية ، وهلاك الدّجال ، وسائر ما هو مأمول من فضل الله ورحمته ، والذي رأوه من الآيات في أنفسهم على عهد رسول الله عليه‌السلام : غزواته المعروفة إلى يوم فتح مكة ، والذي رأوه (٦) بعد ذلك : ما رآه بنو أمية من السّفاح والمنصور والمهديّ رضي الله عنه.

__________________

(١) الأصول المخطوطة : واحد. والصواب ما أثبت.

(٢) المفردات في غريب القرآن ١٩.

(٣) من هنا إلى أعجلت ، إن رسول الله ، في آية ٢٢ من سورة حم عسق (الشورى) ، متأخر عما بعده.

(٤) ك : ما رواه ، وكذلك التي بعدها.

(٥) ك : ففتح.

(٦) أ : راده.

٥٤٨

سورة حم عسق (الشورى)

مكيّة. (١) وعن ابن عبّاس وقتادة : إلا أربع آيات : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا ... الْمَوَدَّةَ) الآية [الشورى : ٢٣] ، فلمّا نزلت قال رجل من المنافقين : والله ، ما أنزل الله هذه الآية ، فأنزل الله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ) [الشورى : ٢٤] ، ثمّ إنّ الرجل تاب من ذلك وندم ، فأنزل : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ) [الشورى : ٢٥] الآيتان. (٢)

وهي خمسون آية عند [غير] أهل الكوفة. (٣)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١ و ٢ ـ (حم (١) عسق) : قيل : في العين إشارة إلى العلم ، وفي السّين إشارة إلى سرّ الله في إفتراق الفرق (٤) ، وفي القاف إشارة إلى قول الله في وصف الجماعة ، وفي السّين إشارة إلى المتشبّهات بالرجال من النّساء ، والمتشبّهين بالنّساء من الرّجال ، والقاف إشارة إلى القوم المنقادين لقائدهم. وقيل : السّين إشارة الشّماس ، والقاف إشارة إلى (٥) الوفاق. وعن أبي عبيدة : أنّ العين إشارة إلى العذاب ، والسّين إشارة إلى السّنين ، والقاف فيها العجب. وقال الضّحّاك (٦) : (حم (١) عسق) قضي العذاب الذي سيكون ، وأرجو أن يكون قد مضى يوم بدر والسّنون التي أصابت أهل مكّة أخذه من حمّ الأمر (٧) ، أي : قدّر ، ومن الحمام الذي هو الموت.

٥ ـ (يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ) : أي : وجود ابتداء حالة الانفطار من جهاتهنّ اللّواتي هي من فوقهنّ لثقل ما فوقهن من العرش ، أو ممّا شاء الله ، (٨) أو لهيبة الله تعالى فوقهنّ لتصدّع (٩) الجبال من خشية الله. (١٠) وقيل : الضّمير في (فَوْقِهِنَ) عائد إلى الأنفس المعبودات من دون

__________________

(١) تفسير غريب القرآن ٣٩١ ، والبحر المحيط ٩ / ٣٢٢ عن الحسن وعطاء وغيرهما ، والمحرر الوجيز ١٣ / ١٣٧.

(٢) ينظر : تفسير الماوردي ٣ / ٥١١ عنهما ، والبحر المحيط ٩ / ٣٢٢ عن ابن عباس.

(٣) وعد آيها عند أهل الكوفة خمسون وثلاث. البيان في عد آي القرآن ٢٢١ ، والتلخيص في القراءات الثمان ٣٩٩ ، وإتحاف فضلاء البشر ٤٩١. وما بين المعقوفتين زيادة من كتب التخريج.

(٤) (في افتراق الفرق) ، ساقط من ع.

(٥) ساقطة من ع.

(٦) ينظر : تفسير السمرقندي ٣ / ٢٢٣.

(٧) ك : الأمن.

(٨) ينظر : تفسير الماوردي ٣ / ٥١٢ ، والكشاف ٤ / ٢١٣ ، والتفسير الكبير ٩ / ٥٧٧ ، والبحر المحيط ٩ / ٥٧٧.

(٩) أ : لتضرع.

(١٠) ينظر : تفسير غريب القرآن ٣٩١ ، وتفسير الطبري ١١ / ١٢٨ ، ومعاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٩٤.

٥٤٩

الله على ظنّ أنّه بنات الله ، تعالى الله عمّا يقولون ، فالسّماوات تكاد يتفطّرن من فوقهن ، أي : من فوق هؤلاء الأنفس (١) لعظم قول المشركين فيهنّ ، هؤلاء الأنفس إنّما هنّ الأرواح الخبيثة من الشّياطين دون الملائكة الذين (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ ...). (٢)

٦ ـ (حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ) : شهيد عليهم. (٣)

٧ ـ (أُمَّ الْقُرى) : مكّة. (٤)

٨ ـ (أُمَّةً واحِدَةً) : أي : مجتمعين على دين واحد ، هدى (٢٩٠ ظ) أو ضلالة (٥). (٦)

١١ ـ (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) : أي : في حال الازدواج. (٧)

١٣ ـ (ما وَصَّى بِهِ (٨) نُوحاً) : من شريعتنا تحريم ذوات الأرحام. (٩)

(وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) : لعطف الجملة وهو مبتدأ ، وخبره (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) ، فكذلك إشارة إلى إقام الدّين ، وترك التّفرق فيه.

١٥ ـ (لا حُجَّةَ) : في ترك إقامة الدّين ، وفي تركيب (١٠) بما أنزله (١١) الله تعالى ، ولم ينسخه.

١٦ ـ (يُحَاجُّونَ (١٢) فِي اللهِ) : يجادلون في دين الله. (١٣)

(مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ) : من بعد ما وجد الجواب. (١٤)

١٣ ـ (الدِّينِ) : إنّه دين نوح وسائر الأنبياء عليهم‌السلام ، وإنّه موافق لما (١٥) أنزل الله من كتاب غير مخالف لبعض الكتب المنزلة ، ولا يبعد أن يكون الجواب هو الإعجاز الإلهيّ.

__________________

(١) أ : الأنس.

(٢) ينظر : المحرر الوجيز ١٣ / ١٤١.

(٣) ينظر : تأويلات أهل السنة ٤ / ٣٩٣.

(٤) معاني القرآن للفراء ٣ / ٢٢ ، ومعاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٩٤ ، والمحرر الوجيز ١٣ / ١٤٤.

(٥) أ : سلالة.

(٦) ينظر : تأويلات أهل السنة ٤ / ٣٩٤ ، وتفسير الماوردي ٣ / ٥١٣ عن الضحاك ، وتفسير البيضاوي ٥ / ٧٧.

(٧) ينظر : تفسير الطبري ١١ / ١٣٢ ، والمحرر الوجيز ١٣ / ١٤٦ ، والبحر المحيط ٩ / ٣٢٦.

(٨) غير موجودة في الأصل وك وأ.

(٩) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٩٥ ، وتأويلات أهل السنة ٤ / ٣٩٧ ، وتفسير الماوردي ٣ / ٥١٤ عن الحكم.

(١٠) كذا في الأصول المخطوطة ، ولعلها : التكذيب.

(١١) أ : أنزل.

(١٢) (وترك التفرق ... (يُحَاجُّونَ)) ساقط من ع.

(١٣) ينظر : المحرر الوجيز ١٣ / ١٥٥ ، وتفسير البيضاوي ٥ / ٧٩.

(١٤) ينظر : تفسير الماوردي ٣ / ٥١٧.

(١٥) ع : كما.

٥٥٠

٢٠ ـ عن قتادة قال : إنّ الله تعالى يعطي على نيّة الآخرة ما يشاء من أمر الدّنيا ، ولا يعطي على نيّة الدّنيا إلا الدّنيا ، ثمّ قرأ : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ ...) الآية. (١) عن أبي هريرة ، عنه عليه‌السلام : «يخرج في آخر الزّمان رجال يلبسون جلود الضّأن من اللّين ، وألسنتهم أحلى من السّكّر ، وقلوبهم قلوب الذّئاب ، فيقول الله : أبي تغترون أم عليّ تجترؤون ، فبي (٢) حلفت ، لأبعثنّ على أولئك فتنة تدع الحليم فيهم حيران». (٣)

٢١ ـ إنّ (كَلِمَةُ الْفَصْلِ) : هي التي أوجب الله تأخيرها إلى يوم الفصل. (٤)

٢٢ ـ عن زرّ بن حبيش الأسديّ قال : قرأت على عليّ بن أبي طالب القرآن في المسجد الجامع بالكوفة ، فلمّا بلغت رأس العشرين من حم عسق (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ ...) الآية ، قال : بكى حتى ارتفع نحيبه ، ثمّ رفع رأسه إلى السّماء ، فقال : يا زرّ (٥) أمّن على دعائي ، ثمّ قال : اللهم إنّي أسألك إخبات المخبتين ، وإخلاص المؤمنين ، وموافقة الأبرار ، واستحقاق حقائق الإيمان ، ووجوب رحمتك ، وعزائم مغفرتك ، والغنيمة من كلّ برّ ، والسلامة من كلّ إثم ، والفوز بالجنّة ، والخلاص من النّار ، يا زرّ ، (٦) إذا ختمت القرآن فادع بهؤلاء الدّعوات ، فإنّ حبيبي رسول الله أمرني أن أدعو بهن عند ختم القرآن. (٧)

٢٣ ـ وعن أبي زكريا الفرّاء قال : إنّ الأنصار جمعوا نفقة ، فأتوا بها إلى رسول الله وقالوا : إنّ الله قد هدانا بك ، وأنت ابن أختنا ، فاستغن بهذه النّفقة على ما ينوبك ، فلم يقبلها النّبيّ عليه‌السلام ، فأنزل الله : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)، (٨) أي : في قرابتي من قريش. وعن أبي مالك قال : لم يكن فخذ من قريش إلا للنّبيّ عليه‌السلام فيهم قرابة ، فقال : «إن لم تتّبعوني على ما آتيكم فاحفظوا قرابتي فيكم» (٩). قيل : سئل ابن عباس عن هذه الآية ، فقال سعيد بن جبير : القربى آل محمد ، فقال ابن عباس : أعجلت؟! إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١٠)

__________________

(١) تفسير الماوردي ٣ / ٥١٧.

(٢) ك : وبي ، وهي ساقطة من ع ، وأ : فهي.

(٣) أخرجه ابن المبارك في الزهد ١٧ ، وهناد في الزهد ٢ / ٤٣٧ ، الترمذي في السنن (٢٤٠٤).

(٤) ينظر : تأويلات أهل السنة ٤ / ٤٠٤ ، والمحرر الوجيز ١٣ / ١٥٩ ، وتفسير البيضاوي ٥ / ٨٠.

(٥) ع : يا أبا زر.

(٦) ع : يا أبا زر.

(٧) أخرجه الذهبي في ميزان الاعتدال ٣ / ١٠٨ وقال في ترجمة زكريا بن صمصامة : أتى بخبر منكر ، ثم ساق الحديث.

(٨) ينظر : معاني القرآن للفراء ٣ / ٢٢ ـ ٢٣.

(٩) ينظر : تفسير الثعلبي ٨ / ٣١٠ ، وتفسير القرطبي ١٦ / ٢١.

(١٠) من قوله : العنسي ، واستئصال اليهود ... في آية ٥٣ في سورة حم السجدة (فصلت) إلى هنا ، متأخر عما سبق.

٥٥١

(٢٩١ و) لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة ، فقال : «ألا تصلوا بيني وبينكم من القرابة» (١).

٢٤ ـ (يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) : يصيّره غير سامع ولا قابل للوحي. (٢)

والواو في قوله : (وَيَمْحُ اللهُ) لعطف (٣) الجملة لا للعطف على المجزوم ، وسقوط الواو هاهنا كسقوطها من قوله : (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ) [الإسراء : ١١] ، إذ لو كان معطوفا لما ذكر اسم الله تعالى ، وإن محو الباطل واجب بالإجماع غير موقوف على جزاء وشرط. (٤) وعن عليّ قال : خصلتان حفظتهما من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنا (٥) أحبّ أن تحفظوهما ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما عاقب الله عليه عبدا في الدّنيا من ذنب ، فالله أرحم من أن يثنّي عليه عقوبته في الآخرة ، وما عفا الله عن عبده في الدّنيا من ذنب (٦) ، فالله أكرم من أن يعود في شيء عفا عنه». (٧) وعن أبي موسى الأشعريّ ، عنه عليه‌السلام : «لا يصيب عبدا نكبة فما فوقها أو دونها إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر ، ثم قرأ : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى : ٣٠]. (٨)

٣٢ ـ (كَالْأَعْلامِ) : الجبال. (٩)

٣٣ ـ (فَيَظْلَلْنَ) : في محلّ الجزم ؛ لأنّه معطوف على مجزوم. (١٠)

(رَواكِدَ) : سواكن. (١١)

٣٨ ـ (شُورى) : اسم من المشاورة ، (١٢) ووجه المدح على كون الأمر شورى بينهم

__________________

(١) أخرجه الترمذي في السنن (٣٢٥١) ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.

(٢) ينظر : تفسير الطبري ١١ / ١٤٦ ، والتفسير الكبير ٩ / ٥٩٦ ، والبحر المحيط ٩ / ٣٣٥ ـ ٣٣٦.

(٣) ع : لطف.

(٤) ينظر : إعراب القرآن للنحاس ٣ / ٥٩ ـ ٦٠ ، وكشف المشكلات وإيضاح المعضلات ٢ / ٢٩٢ ، والتبيان في إعراب القرآن ٢ / ٣٣٨.

(٥) الأصول المخطوطة : وأن. والتصويب من كتب التخريج.

(٦) (فالله أرحم من ... في الدنيا من ذنب) ، ساقط من أ.

(٧) أخرجه أحمد في المسند ١ / ٩٩ ، وابن ماجه في السنن (٢٦٠٤) ، والدارقطني في السنن ٣ / ٢١٥.

(٨) أخرجه الترمذي في السنن (٣٢٥٢) ، وقال : حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

(٩) معاني القرآن الكريم ٦ / ٣١٨ عن مجاهد ، وتفسير الماوردي ٣ / ٥٢٠ ، وتفسير أبو السعود ٨ / ٣٣.

(١٠) ينظر : البيان في غريب إعراب القرآن ٢ / ٢٩١ ، والتبيان في إعراب القرآن ٢ / ٣٣٩.

(١١) مجاز القرآن ٢ / ٢٠٠ ، وتفسير غريب القرآن ٣٩٣ ، وتفسير السمرقندي ٣ / ٢٣٣.

(١٢) ينظر : المصباح المنير ١ / ٣٢٧.

٥٥٢

قبح الاستبداد والتّضادّ ، كقول الله تعالى : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) [آل عمران : ١٥٩]. وقال عمر بن الخطّاب في بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما : إنّها كانت فلتة (١) ، وقد وقى الله شرّها ، فلا تكون الإمارة من بعد إلا عن مشورة. (٢)

٣٩ ـ (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) : وجه المدح على الانتصار عند البغي كراهة الذّلّة والتّمسكن ، وتمكين العدوّ من الأهل والنّفس. عن عليّ ، عنه عليه‌السلام : «أنّ الله ليبغض من يدخل عليه بيته ولا يقاتل» (٣). وهذا محمول على من لم يقاتل فشلا وجبنا وخذلانا لأهله وعياله دون من سلّم الله أمره ، وكره الفتنة كهابيل وعثمان والحسن بن عليّ رضي الله عنهم ، «المستبّان ما قالا من شيء فعلى [البادئ] حتى يعتدي المظلوم» (٤).

٤٥ ـ (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ) : لأنّهم يحشرون على وجوههم فطمس على أعينهم ، وإنّما ينظرون إلى العرش ، أو إلى النّار. (٥)

٤٧ ـ (مِنْ نَكِيرٍ) : إنكار ، أي : لا يستطيعون الإنكار يومئذ. (٦)

٥٠ ـ (أَوْ (٧) يُزَوِّجُهُمْ) : أي : يجعل الأولاد أزواجا (٨) ذكورا وإناثا. (٩)

٥١ ـ (إِلَّا وَحْياً) : إلهاما. (١٠)

(أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) : وهو إلقاء الكلام في مسامع البشر من غير واسطة. (١١)

(أَوْ يُرْسِلَ) : من الملائكة (رَسُولاً). (١٢)

__________________

(١) ك وع وأ : ولته.

(٢) جزء من حديث أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ٧ / ٤٣١ ، وأحمد في المسند ١ / ٥٥ ، والنسائي في الكبرى (٧١٥١) عن عبد الرحمن بن عوف.

(٣) ينظر : مسند ابن الجعد ٣١٣ عن إبراهيم قال : كانوا يقولون : إن الله ...

(٤) حديث نبوي أخرجه مسلم في الصحيح (٢٥٨٧) ، وأبو داود في السنن (٤٨٩٤) ، والترمذي في السنن (١٩٨١) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : المستبان ... وما بين المعقوفتين زيادة من مصادر التخريج.

(٥) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٠٢.

(٦) ينظر : التفسير الكبير ٩ / ٦٠٩ ، وتفسير القرطبي ١٦ / ٤٧.

(٧) الأصول المخطوطة : و.

(٨) ساقطة من ك.

(٩) ينظر : مجاز القرآن ٢ / ٢٠١ ، وتفسير غريب القرآن ٣٩٤ ، ومعاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٠٢.

(١٠) تأويل مشكل القرآن ٧٨ و ٨٢ ، وتفسير الطبري ١١ / ١٦٢ ، والبحر المحيط ٩ / ٣٤٩.

(١١) ينظر : تفسير الطبري ١١ / ١٦٢ ، وتأويلات أهل السنة ٤ / ٤١٧ ، والتفسير الكبير ٩ / ٦١٣.

(١٢) ينظر : معاني القرآن للفراء ٣ / ٢٦ ، وتفسير الطبري ١١ / ١٦٢ ، ومعاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٠٣.

٥٥٣

والكلام الذي هو ممتنع (١) عن إدراك البشر إيّاه كلام الله تعالى حالة مشاهدة العبد إيّاه ، وذلك لوجوب الاضمحلال عند تجلّي ذي الجلال.

٥٢ ـ (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) : أي : لست تعرف إيمانا سماعيّا من جهة الكتاب ، ولا إيمانا عقليا من جهة الاعتبار بحولك وقوّتك وقضيّة طبيعتك. (٢)

(وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً) : (رُوحاً مِنْ أَمْرِنا).

(نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ (٢٩١ ظ) مِنْ عِبادِنا) : بالإلهام (٣) مرة ، وبالرّسالة أخرى كما هديناك. وقيل : لم يكن فيما مضى من الزّمان يعرف القرآن ، ولا الإيمان السّماعيّ. (٤)

__________________

(١) ساقطة من ك.

(٢) ينظر : تأويلات أهل السنة ٤ / ٤١٨.

(٣) ع : للإلهام.

(٤) ينظر : تفسير البيضاوي ٥ / ٨٥.

٥٥٤

سورة حم الزخرف

مكيّة. (١)

وهي تسع وثمانون آية في غير عدد أهل الشّام. (٢)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

٥ ـ (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً) : أفنعرض بالذّكر عنكم ، تقول : ضربت عن فلان ، وأضربت عنه إذا أعرضت عنه. (٣)

٨ ـ (مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) : سنّتهم (٤) ، وهي سنّة الله فيهم.

٩ ـ (لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ) : تقديره : ليسندنّ خلقهنّ إلى العزيز العليم (٥) ، وإنّما يحتاج إلى هذا التّقدير إذا وصلنا التي تليها ، وإذا (٦) فصلنا فالتّقدير في الثانية : أجل هو الذي جعل لكم.

١٣ ـ (عَلى ظُهُورِهِ) : إلى ضمير عائد إلى (ما) فيه ، (٧) وإنما جمع الظّهور مع كونها مضافة إلى واحد لكون الواحد في معنى الجمع ، كقولهم : كثر أوباش الجنود ، وقلّت أوباشه. (٨)

(مُقْرِنِينَ) : مستطيعين ، والاقتران : الاستطاعة والإطاقة والاقتدار. (٩)

١٨ ـ (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ) : يجوز أن يكون كلاما مبتدأ عن جهة الله على سبيل الإنكار ، ويجوز أن يكون حكاية قوله : من بشّر بالأنثى من الكفّار.

٢١ ـ وليس في قوله : (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ) : ما يمهّد لليهود والنّصارى عذرا ؛ لأنّهم محرّفون مبدّلون غير مستمسكين ، ولو كانوا مستمسكين لكانوا مستسلمين في محوه وإثباته وتصريفه آياته.

٢٣ ـ (عَلى أُمَّةٍ) : سنّة وطريقة. (١٠)

__________________

(١) تفسير الثعلبي ٨ / ٣٢٧ ، وتفسير السمرقندي ٣ / ٢٣٩ ، وزاد المسير ٧ / ١٢٧ ، وتفسير القرطبي ١٦ / ٦١.

(٢) وعدد آيها عند أهل الشام ثمان وثمانون آية. البيان في عد آي القرآن ٢٢٣ ، والتلخيص في القراءات الثمان ٤٠١ ، وفنون الأفنان ٣٠٧.

(٣) ينظر : لسان العرب ١ / ٥٤٧.

(٤) تفسير الطبري ١١ / ١٦٨ عن مجاهد ، ومعاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٠٦ ، وتفسير البغوي ٧ / ٢٠٦.

(٥) (إلى العزيز العليم) ، ساقط من ع.

(٦) (وصلنا التي تليها) ، وإذا ، ساقط من أ.

(٧) ينظر : تفسير الثعلبي ٨ / ٣٢٩ ، وتفسير البغوي ٧ / ٢٠٦ ، وتفسير القرطبي ١٦ / ٦٥.

(٨) ينظر : معاني القرآن للفراء ٣ / ٢٨ ، وتفسير الثعلبي ٨ / ٣٢٩.

(٩) ينظر : مقاييس اللغة ٥ / ٧٦ ، والنهاية في غريب الحديث ٤ / ٥٦ ـ ٥٧.

(١٠) ينظر : معاني القرآن للفراء ٣ / ٣٠ ، وزاد المسير ٧ / ١٣٢.

٥٥٥

٢٦ ـ (بَراءٌ) : مصدر كالسّواء والخلاء ، (١) والمعنى : إنّني (٢) بريء ممّا تعبدون ، وأنّه سيهدين للإسلام.

٢٨ ـ (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) : بأنّه وضع في تلبية الحجّ لبّيك لا شريك لك (٣) ، وبأنّه قال : (فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [البقرة : ١٣٢].

(لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) : أي : يعرضون عن الكفر ويعتزلونه. وقيل : جعلها كلمة باقية في عقبه ، لعلّ عقبه يرجعون إلى قضية تلك الكلمة إذا اختلفت بهم الأهواء. (٤)

٣١ ـ (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) : نزل في الوليد بن المغيرة حيث قال : لو لا أنزل هذا القرآن عليّ بمكة أو على [أبي](٥) مسعود الثقفيّ بالطائف. (٦)

٣٣ ـ (وَمَعارِجَ)(٧) : سلالم. (٨)

٣٤ ـ (وَسُرُراً) : جمع سرير ، وهو مجلس يتّخذ من الألواح ونحوها في البيوت. (٩)

وإنّما وجب صبّ هذه النّعم على الكفّار (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) [الزخرف : ٣٣] بكرم الله ومحبّته أن لا يخلّي عبدا من إحسانه إمّا عاجلا وإمّا آجلا. وعن ابن عبّاس ، عنه عليه‌السلام : «لو لا أن يجزع عبدي المؤمن لعصبت الكافر بعصابة من حديد ، ولصببت الدّنيا عليه صبّا». (١٠) وعن كعب قال : إنّي لأجد في بعض الكتب : لو لا أن يجزع عبدي المؤمن لكلّلت رأس الكافر بإكليل ، فلا يصدع ، ولا ينبض منه عرق يوجع. (١١)

٣٦ ـ (وَمَنْ يَعْشُ) : يميل ، قال أبو الهيثم : يقال : عشوت إلى الشّيء (٢٩٢ و) إذا ملت إليه ، وعشوت عنه إذا أعرضت عنه ، وأصله تبيين الطّريق في اللّيل بضوء النّار في الظّلمة ، ولا يكون ذلك إلا على ضعف. (١٢)

__________________

(١) ينظر : معاني القرآن للفراء ٣ / ٣٠ ، وإيجاز البيان عن معاني القرآن ٢ / ٧٣٦ ، وتفسير القرطبي ١٦ / ٧٦.

(٢) الأصول المخطوطة : أنتم.

(٣) ساقطة من الأصل وع وأ.

(٤) ينظر : تفسير السمرقندي ٣ / ٢٤٣.

(٥) زيادة من كتب التخريج.

(٦) تفسير مقاتل بن سليمان ٢ / ٥٠٣ ، وينظر : تفسير تفسير الثعلبي ٨ / ٣٣٢ عن قتادة ، وتفسير السمرقندي ٣ / ٢٤٤.

(٧) ك : معارج.

(٨) ينظر : تفسير غريب القرآن ٣٩٧ ، وياقوتة الصراط ٤٥٩ ، ومعاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤١١ ، وعمدة الحفاظ ٣ / ٦١.

(٩) ينظر : لسان العرب ٤ / ٣٦١.

(١٠) ينظر : الفردوس بمأثور الخطاب ٣ / ١٨٢ ، وتفسير السمرقندي ٣ / ٢٤٥ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

(١١) ينظر : تفسير الثعلبي ٨ / ٣٣٤ ، وتفسير القرطبي ١٦ / ٨٨ ، وتفسير السمعاني ٦ / ٢٢١.

(١٢) ينظر : الغريبين ٤ / ١٢٧٩ ـ ١٢٨٠.

٥٥٦

٤٥ ـ وعن الزّهري : لّما أسري بالنّبيّ عليه‌السلام صلّى خلفه كلّ نبيّ كان أرسل ، فقال للنّبيّ عليه‌السلام : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا). (١) ويجوز أن يكون التّقدير : سل آل من أرسلنا ، أو سل ذوي من أرسلنا. (٢)

٤٧ ـ (يَضْحَكُونَ) : يستهزؤون. (٣)

٥٢ ـ (أَمْ) : بمعنى بل ، (٤) ويحتمل : أنّه مترتّب على ألف الاستفهام ، كأنّه قال : أفلا تبصرون مزيّتي على موسى أم تبصرونها ، فأنا خير منه عندكم. (٥)

٥٥ ـ (آسَفُونا) : أغضبونا. (٦)

٥٧ ـ (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً) : أي : وضع وخلق آية وعزّة. وقد سبق القول في كيفية جدال قريش ، وكيفية الردّ عليهم. (٧)

٥٨ ـ عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدال» ، ثمّ تلا : (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ). (٨)

٦١ ـ وعن عكرمة ، عن ابن عباس قال : إن كان ما يقول أبو هريرة حقّا فهو عيسى بن مريم ، (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ)، قال سفيان : يقول أبو هريرة : حقّا ، أقرئوه منّي السّلام. (٩) عني في الحديث : نزول عيسى بن مريم لقتل الدّجال في آخر الزّمان. (١٠) ولكان يجوز أن يقول : الضّمير عائد إلى عيسى بن مريم قبل ما رفع [إلى](١١) السماء ، فإنّه لم يبعث إلا في آخر الزّمان ، ولكان يجوز أن يقول : الضّمير عائد إلى القرآن ، (١٢) أو إلى نبيّنا عليه‌السلام (١٣).

__________________

(١) ينظر : شرح مشكل الآثار ١٣ / ٥ ، وتفسير القرطبي ١٦ / ٩٥ عن سعيد بن جبير.

(٢) ينظر : تفسير غريب القرآن ٣٩٩ ، والطبري ١١ / ١٩٢ ، وزاد المسير ٧ / ١٣٩ عن ابن عباس وغيره.

(٣) ينظر : تفسير الثعلبي ٨ / ٣٣٨ ، وتفسير البيضاوي ٥ / ٩٢ ، وتفسير أبي السعود ٨ / ٤٩.

(٤) ينظر : تفسير غريب القرآن ٣٩٩ ، وتفسير الثعلبي ٨ / ٣٣٩ ، وتفسير البغوي ٧ / ٢١٧ ، وتفسير القرطبي ١٦ / ٩٩.

(٥) ينظر : تفسير السمعاني ٥ / ١٠٩ ، والكشاف ٤ / ٢٦٠.

(٦) تفسير مجاهد ٥٨٢ ، ومعاني القرآن للفراء ٣ / ٣٥ ، وتفسير غريب القرآن ٣٩٩ ، وإيجاز البيان عن معاني القرآن ٢ / ٧٣٩.

(٧) سبق سورة الأنبياء آية ١٠١.

(٨) أخرجه أحمد في المسند ٥ / ٢٥٦ ، والترمذي في السنن (٣٢٥٣) ، والطبراني في الكبير (٨٠٦٧) وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.

(٩) تاريخ دمشق ٤٧ / ٤٨٧. وسفيان من رواة الحديث وهو ابن عيينة : ... سفيان عن عمرو عن عكرمة .... وينظر : تفسير الصنعاني ٣ / ١٩٩.

(١٠) ينظر : معاني القرآن ٦ / ٣٨٠ ، وتفسير القرطبي ١٦ / ١٠٥ عن ابن عباس ومجاهد والضحاك وغيرهم.

(١١) زيادة يقتضيها السياق.

(١٢) ينظر : تفسير الثعلبي ٨ / ٣٤١ ، وتفسير العز بن عبد السّلام ٣ / ١٦٠ ،

(١٣) ينظر : معاني القرآن ٦ / ٣٨١ ، وتفسير القرطبي ١٦ / ١٠٥ عن الحسن وقتادة وسعيد بن جبير.

٥٥٧

والقول عند قوله : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ) مضمر ، يدلّ عليه قوله (١) : (وَاتَّبِعُونِ)(٢).

٧١ ـ (بِصِحافٍ) : صحيفة ، وهي القصعة المسلنطحة (٣).

(وَأَكْوابٍ) : جمع كوب (٤) ، وهو القدح الذي لا عروة له. (٥)

(تَلَذُّ الْأَعْيُنُ) : تستطيب.

٧٥ ـ (لا يُفَتَّرُ) : لا يحدث الفتور فيه.

٧٧ ـ (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) : بالموت ، (٦) كقولهم : (يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ) [الحاقة : ٢٧] ، ومالك : اسم خازن النّيران ، (٧) وهو رئيس الزّبانية. وعن عبد الله بن عمرو (٨) قال : نادى أهل النّار : (يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) قال : فخلّى عنهم أربعين عاما ، ثمّ أجابهم : (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) فقالوا : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها) [المؤمنون : ١٠٧] ، فخلّى عنهم مثلي الدنيا ، ثمّ أجابهم : (اخْسَؤُا (٩) فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) [المؤمنون : ١٠٨] ، فأطبقت عليهم ثانية ، فلم ينبس القوم بعد هذه بكلمة ، فإن كان إلا الزفير والشهيق. (١٠)

٧٩ ـ (أَمْ) : بمعنى ألف الاستفهام. (١١)

(أَبْرَمُوا) : أحكموا (١٢) ، نزلت الآية في شأن الذين تشاوروا في كيد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في دار النّدوة ، أو في أمثالهم (١٣). (١٤) وهو استفهام بمعنى الإنكار يدلّ عليه قوله : (فَإِنَّا مُبْرِمُونَ)، أي : لم تبرموا أمرا فإنّا مبرمون.

__________________

(١) ساقط من أ.

(٢) الأصول المخطوطة : فاتبعون.

(٣) ع : المسلطحة ، وفي أ : السلخطة ، وما أثبت الصواب ، ينظر : العين ٣ / ١٢٠ ، والفائق ١ / ٣٦٤.

(٤) ساقط من أ.

(٥) ينظر : معاني القرآن للفراء ٣ / ٣٧ ، وتفسير غريب القرآن ٤٠٠ ، وزاد المسير ٧ / ٤٩٤.

(٦) ينظر : زاد المسير ٧ / ١٤٥ ، وتفسير البغوي ٧ / ٢٢٢.

(٧) ينظر : مسند أحمد ٥ / ١٤ ، وصحيح مسلم (١٦٥) ، والمستدرك ١ / ١٣٥.

(٨) الأصول المخطوطة : عمر ، والصواب ما أثبت. ينظر : كتب التخريج.

(٩) أ : اسوأ.

(١٠) ينظر : مصنف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٨ ، والزهد لابن السري ١ / ١٥٨ ، والتخويف من النار ١ / ١٥٠ و ١٥٢.

(١١) ينظر : زاد المسير ٧ / ١٤٥.

(١٢) تفسير غريب القرآن ٤٠٠ ، والطبري ١١ / ٢١٤ عن ابن زيد ، وتفسير البغوي ٧ / ٢٢٣.

(١٣) أ : مثالهم.

(١٤) ينظر : تفسير مقاتل ٣ / ١٩٧ ، تفسير الماوردي ٣ / ٥٤٤ ـ ٥٤٥ ، وتفسير العز بن عبد السّلام ٣ / ١٦٢.

٥٥٨

٨١ ـ (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) : قال الكلبيّ : إنّ النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد الدّار بن قصيّ ، لعنه الله تعالى ، كان يهزأ بالقرآن ، وأنكر عليه عثمان بن مظعون وقال : اتق الله ، فإنّ محمدا ما يقول إلا حقا ، قال النّضر بن الحارث : وأنا والله (٢٩٢ ظ) ما أقول إلا حقا ، قال النّضر بن حارث : وأنا ، والله ، فإنّي أقول : لا إله إلا الله ، كما يقول محمد لا إله إلا الله ، ولكنني أقول : إنهنّ بنات الله ، أي : الأصنام ، فأنزل ، فلمّا سمعها النّضر بن الحارث فهم منها ما أعجبه ، وقال : إنّ محمدا قد صدّقني ، فقال الوليد بن المغيرة : ما صدّقك ، ولكنّه كذّبك ، فإنّه يقول : ما كان للرحمن ولد (١) لا يعني من أن يكون له ولد ، فغضب النّضر بن الحارث عند ذلك ، وقال : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ ... عَلَيْنا) الآية [الأنفال : ٣٢] ، فأنزل الله تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) [المعارج : ١]. (٢) قال : ذهب إلى هذا أهل التّفسير والمعاني. وقال (٣) ابن عرفة : إنّما يقول : عبد يعبد ، فهو عبد ، وقلّ ما يقال : عابد ، والتّقدير : عبده إن كان في أوهامكم وآرائكم للرحمن ولد ، فأنا أول عابد لله بالتوحيد الخالص. (٤) وقيل : التّقدير : لو كان يجوز أن يكون للرحمن ولد ، لكنت أول عابد لذلك الولد. (٥) وقد ذكرنا قضية لفظ أو ، ولو كان هذا تقدير الآية فهي قريبة من قوله : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) [الأنبياء : ١٧] ، (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ) [الزمر : ٤] ، وإنّما يكون مثل هذا الكلام للتّنبيه على غاية الاستحالة.

__________________

(١) الأصول المخطوطة : ولدا. والتصويب من كتب التخريج.

(٢) تفسير الثعلبي ٤ / ٣٥١.

(٣) ك : فقال.

(٤) ينظر : وضح البرهان في مشكلات القرآن ٢ / ٢٨٥ ، والغريبين ٤ / ١٢١٨.

(٥) ينظر : المحرر الوجيز ١٣ / ٢٥٤ ، وتفسير القرطبي ١٦ / ١١٩.

٥٥٩

سورة الدخان

مكيّة. (١)

وهي ست وخمسون آية في عدد أهل الحجاز والشّام. (٢)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

٣ ـ (فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) : هي ليلة القدر. (٣) وعن عكرمة : أنّها ليلة النّصف من شعبان. (٤) ولا يصحّ هذا القول ، إلا أن يكون ليلة القدر دوّارة في السّنة للتّفاوت الذي بين الحساب الشّمسيّ والقمريّ ، أو لمعنى لطيف إلهيّ. وقال ابن مسعود : من يقم الحول يصب ليلة القدر. (٥) وعن عبد الله بن عمرو بن العاص : نزلت صحف إبراهيم في أوّل ليلة من رمضان ، ونزلت التّوراة لستّ ليال خلون من رمضان ، والزّبور لثماني عشرة ليلة خلت من رمضان ، والإنجيل نزلت لثلاث عشرة ليلة (٦) خلت من رمضان ، والقرآن لأربع وعشرين مضت من رمضان. (٧) وعن ابن عبّاس : نزل القرآن جملة واحدة إلى بيت العزّة في السّماء الدّنيا ، ثمّ كانت تنزل بعد كيف ما شاء الله ، وذلك قوله : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) [الواقعة : ٧٥]. (٨)

٥ ـ (أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) : نصب على أنّه حال للمنزّل ، أي : أنزلناه أمرا من عندنا. (٩)

١٠ ـ (بِدُخانٍ) : وهي آية منتظرة من الآيات العشر.

وعن ابن أبي مليكة قال : دخلت على ابن عبّاس فقال : لم أنم هذه اللّيلة ، فقلت : لم؟ قال : طلع الكوكب ذو الذّنب ، فخشيت أن يطرق الدّخان ، وسلوني عن سورة (٢٩٣ و) البقرة ، وعن سورة يوسف فإنّي قرأت القرآن وأنا صغير. (١٠) وعن مسروق قال : جاء رجل إلى عبد الله بن

__________________

(١) تفسير غريب القرآن ٤٠٢ ، والبيان في عد آي القرآن ٢٢٥ ، وزاد المسير ٧ / ١٤٩.

(٢) وعند البصريين خمسون وسبع آيات ، والكوفيين خمسون وتسع. البيان في عد آي القرآن ٢٢٥ ، والتلخيص في القراءات الثمان ٤٠٥٠ ، وفنون الأفنان ٣٠٧.

(٣) تفسير الثعلبي ٨ / ٣٤٩ عن قتادة وابن زيد ، وإيجاز البيان عن معاني القرآن ٢ / ٧٤١ ، وزاد المسير ١٤٩ عن ابن عباس وغيره ، وتفسير مبهمات القرآن ٢ / ٤٧٥.

(٤) زاد المسير ٧ / ١٤٩ ، وتفسير البغوي ٧ / ٢٢٨.

(٥) أخرجه مسلم في الصحيح (٧٦٢) ، والترمذي في السنن (٣٣٥١) ، وابن خزيمة في صحيحه (٢١٩٣).

(٦) (لثلاث عشرة ليلة) ، ساقط من أ.

(٧) لم أجده من قول عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه ، وإنما وجدته حديثا مرفوعا إلى لنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ينظر : مسند أحمد ٤ / ١٠٧ ، والسنن الكبرى للبيهقي ٩ / ١٨٨ ، والطبراني في الأوسط (٣٧٤٠) عن واثلة بن الأسقع.

(٨) ينظر : السنن الكبرى للنسائي ٦ / ٥١٦ ، والمستدرك على الصحيحين ٢ / ٢٤٢ ، والطبراني في الكبرى ١٢ / ٣٢.

(٩) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٢٤ ، والبيان في غريب إعراب القرآن ٢ / ٢٩٩ ، والتبيان في إعراب القرآن ٢ / ٣٤٧.

(١٠) ينظر : تفسير الصنعاني ٣ / ٢٠٦ ، وتفسير الثعلبي ٨ / ٣٣٥١ ، وكشف المشكل ١ / ٢٧٩.

٥٦٠