درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ٢

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني

درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ٢

المؤلف:

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني


المحقق: د. طلعت صلاح الفرحات / د. محمّد أديب شكور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر ناشرون وموزعون
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9957-07-514-9

الصفحات: ٨٠٢
الجزء ١ الجزء ٢

٧١ ـ (يَوْمَ) : نصب على الظرف.

(بِإِمامِهِمْ (١)) : مقدّمهم (٢) وداعيهم إلى الخير والشرّ ، يدلّ عليه ظاهر الخطاب ، وقوله : (أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ) [هود : ٦٠] ، (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) [غافر : ٤٦]. وقيل : الإمام ما أسلفه كلّ إنسان في كتابه. (٣) يدلّ عليه فحوى الآية ، وقوله : (هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) [يونس : ٣٠].

(وَلا يُظْلَمُونَ) : معطوف على (يَوْمَ نَدْعُوا).

٧٢ ـ (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) : إنّما جاءت التفضيل على لفظة أعمى عند الفراء ، بخلاف التفضيل في الألوان ؛ لأنّ المراد به : عمى القلب ، وعمى القلب من فعل الإنسان بغفلته. يجوز أن يقال : فلان أعمى من فلان في القلب ، ولا يجوز في العين. وقال بعض النحويين : كل نعت على أفعل ، والفعل منه ثلاثي عار عن الزيادات الملحقة فالتفضيل (٤) منه (٥) على لفظة أفعل جائز. تقول : عمي وزرق وعشي ، فهو أعمى وأزرق وأعشى من فلان. وأنكره الفراء ؛ لأنّ الكثرة في هذه الأفعال غير متصورة ، والتفضيل يكون بعد الكثرة كالمبالغة. (٦)

٧٣ ـ (وَإِنْ كادُوا) : بمعنى قد ، كقوله : (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) [الأعلى : ٩] ، ويجوز بمعنى الجحد ، واللام بمعنى الاستثناء.

(لَيَفْتِنُونَكَ) : يصرفونك عن الحق إلى الباطل ، وعن المطّلب (٧) بن عبد الله بن حنطب : رأى رسول الله من قومه كفّا عنه ، فجلس خاليا يتمنّى أن لا ينزل عليه شيء ينفّرهم عنه ، وقاربهم (٨) وقاربوه ، ودنوا منه ، وألقى الشيطان (١٩٢ و) في أمنيّته في سورة النجم ما ألقى ، فرضوا بما تكلّم به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقالوا : قد عرفنا أنّ الله هو يحيي ويميت ويرزق ، ولكنّ آلهتنا

__________________

(١) الأصول المخطوطة : إمامهم.

(٢) ك : تقدمهم.

(٣) ينظر : ياقوتة الصراط ٣١٢ ، والغريبين في القرآن والحديث ١ / ١٠٩ ، والتفسير الكبير ٧ / ٣٧٦ ، وابن عطية ٩ / ١٤٨ عن ابن عباس والحسن.

(٤) ك : بالتفضيل.

(٥) ع : فيه.

(٦) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ١٢٧ ـ ١٢٨.

(٧) الأصل وك وأ : عبد المطلب ، والتصحيح من كتب الترجمة ، وهو المطلب بن عبد الله بن حنطب القرشي المخزومي ، توفي سنة ١١٧ ه‍. ينظر : طبقات خليفة ٢٤٥ و ٢٥٦ ، والطبقات الكبرى (القسم المتمم) ١ / ١١٥ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٤ / ٣٠٣.

(٨) ك : وأقاربهم. وهي ساقطة من أ.

٢٢١

هذه تشفع لنا (١) ، ولّما سجد في آخر السورة سجدوا معه أجمعون ، ورفع الوليد بن المغيرة ، وأبو أحيحة سعيد بن العاص (٢) التراب إلى وجوههما يسجدان عليهما من ضعفهما وعجزهما ، وقال أبو أحيحة : يا محمد ، إنّ لك أن تراجع ، ولقد أصبت حيث ذكرت آلهتنا بخير ، فاغتمّ رسول الله ، وجلس في بيته حزينا ، فلمّا أتاه جبريل عليه‌السلام قرأ عليه سورة والنجم (٣) ، قال : ما جئتك بهاتين الكلمتين ، فقال عليه‌السلام : قلت عليه ما لم أقل فأنزل. (٤)

وعن ابن عباس : قدم رسول الله وفد ثقيف ، فأبصرهم المغيرة بن شعبة ، وهو يرعى في نوبته ، فانصرف إلى رسول الله ليبشره ، واستقبله أبو بكر ، فأقسم عليه أن لا يسبقه بالبشارة ، فرجع المغيرة إلى هؤلاء الوفود يعلمهم التحيّة إذا دخلوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأبوا عليه إلا تحية أهل الجاهلية ، وكان خالد بن سعيد بن العاص يمشي بين يدي رسول الله وبين القوم ، وهو الذي كتب كتابهم ، فلمّا دخلوا عليه قالوا : يا محمد ، نحن أخوالك (٥) وأصهارك وجيرانك ، وخير أهل نجد سلما ، وأضرّهم عليك حربا ، إن سالمنا سالم من بعدنا ، وإن حاربنا حارب من بعدنا ، فقال عليه‌السلام : ماذا تريدون؟ قالوا : نبايعك على ثلاث خصال : أن لا نجبّي (٦) ، يعنون في الصلاة ، وأن (٧) لا نكسّر أصنامنا بأيدينا ، وأن تمتعنا بالطاغية سنة ، يعنون اللات ، فقال عليه‌السلام : لا خير في دين لا صلاة فيه ، ولا ركوع ولا سجود ، وأمّا أن لا تكسروا أصنامكم بأيديكم ، فذلك لكم ، وأمّا الطاغية فإنّي غير ممتعكم بها ، قالوا : يا رسول الله ، إنّا نحبّ أن تسمع العرب بأنّك أعطيتنا ما لم تعط غيرنا ، فإن كرهت ، وخشيت أن تقول العرب : أعطاهم ما لم يعطنا ، فقل : أمرني ربّي بذلك ، فسكت عليه‌السلام ودعا بوضوء ، فقال عمر بن الخطاب : أحرقتم رسول الله ، أحرق الله أكبادكم ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يدع الأصنام في أرض العرب ، إما أن تسلموا ، وإما أن ترجعوا ، فلا حاجة لنا فيكم ، فأنزل الله. (٨)

__________________

(١) أ : لنا عنده.

(٢) أبو أحيحة سعيد بن العاص بن أمية ، القرشي الأموي ، شاعر جاهلي. أسماء من يعرف بكنيته ٣٠ ، وتاريخ دمشق ٢١ / ١٠٥.

(٣) أ : النجم.

(٤) أخرجه ابن سعد في الطبقات ١ / ٢٠٥ ، وينظر : نصب المجانيق ٣٠. هذا في الحديث الموضوع عن النبي عليه‌السلام ، في قصة إلقاء الشيطان الكلام على لسان النبي عليه‌السلام ، في سورة النجم ، بعد قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (٢٠)) [النجم : ١٩ ـ ٢٠]. ينظر : تفسير ابن كثير ٣ / ٣٠٨ ـ ٣١٠ ، وقد ألف الشيخ ناصر الدين الألباني كتابا رد فيه هذه القصة من أصلها ، سماه «نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق)).

(٥) ك : أخو الملك. وهو تحريف.

(٦) يريدون الركوع في الصلاة. غريب الحديث لابن قتيبة ١ / ١٤٧ ، ولسان العرب ١٤ / ١٣٠.

(٧) الأصل : فأن. وع : أنا.

(٨) ينظر : مجمع البيان ، والسيرة النبوية ، وتاريخ المدينة ٢ / ٥١١.

٢٢٢

٧٤ ـ (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ) : أي : كدت تمتعهم بالطاغية سنة ، أو كدت تتمنّى أن لا ينزل عليك ما ينفّرهم عنك.

٧٥ ـ (إِذاً) : أي (١) : إن تحقّق ركونك إليهم.

(ضِعْفَ) : عذاب (الْحَياةِ).

(وَضِعْفَ) : عذاب (الْمَماتِ). وإنما يضاعف الوعيد لتضاعف النعمة.

٧٦ ـ (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ) : ذكر الواقدي عن جماعة : أنّ قريشا أهلكوا يوم بدر ، فلم يلبثوا بعده إلا قليلا. وعن مجاهد : أنّ الآية مكية في قريش ، كقوله : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنفال : ٣٠].

٧٧ ـ (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ) : أي : سنّتنا فيمن أرسلنا ، وانتصاب السنّة بإضمار بيّنّا (١٩٢ ظ) وأوضحنا.

٧٨ ـ (أَقِمِ الصَّلاةَ) : اتصالها بها من حيث وعد النصرة في ضمن قوله : (وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ) [الإسراء : ٧٦] ، والصلاة من أسباب النصرة. وقيل : اتصالها الإعراض ، فإنّه إذا أقام (٢) الصلاة أعرض عنهم ، واستراح من شغلهم.

(دلوك الشمس) : ميلها. وقيل : غروبها. (٣)

(إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) : ظلمته.

(وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) : صلاة الفجر ، انتصب على العطف ، والفجر : الإصباح.

(كانَ مَشْهُوداً) : أبو هريرة (٤) ، عنه عليه‌السلام : «يشهده ملائكة الليل ، وملائكة النهار». (٥) على الصلاة في أقم الصلاة. (٦)

٧٩ ـ (فَتَهَجَّدْ) : من الهجود نقيض الهجوع.

(بِهِ) : بالقرآن.

__________________

(١) ساقطة من ك.

(٢) الأصل وأ : قام.

(٣) ينظر : ياقوتة الصراط ٣١٣ ، وتفسير غريب القرآن ٢٥٩ ، والعمدة في غريب القرآن ١٨٤ ، والمحكم والمحيط الأعظم ٦ / ٧٥٤.

(٤) ع وأ : هبيرة.

(٥) أخرجه أحمد في المسند ٢ / ٤٧٤ ، والبخاري في القراءة خلف الإمام (٢٥١) ، والترمذي في السنن (٣١٣٥) ، والنسائي في الكبرى (١١٢٣٩).

(٦) (على الصلاة في أقم الصلاة) ساقطة من ع.

٢٢٣

(نافِلَةً) : صفة لاسم مضمر ، واتصالها بها بإضمار جعلناها. وقيل : على الحال. (١) قال ابن عباس : ليس لأحد نافلة غير النبيّ عليه‌السلام ؛ لأنّ كلّ إنسان يخاف على نفسه أن لا تقبل فريضته. (٢)

(مَقاماً مَحْمُوداً) : مقام الشفاعة بين يديّ الله تعالى. وعن كعب بن مالك ، عنه عليه‌السلام : «يحشر الناس يوم القيامة ، فأكون أنا وأمّتي على تلّ ، فيكسوني ربّي حلّة خضراء ، ثمّ يؤذن لي في الشفاعة ، فأقول ما شاء الله أن أقول ، فذلك المقام المحمود». (٣)

أبو حنيفة رحمه‌الله ، عن شداد (٤) ، وعطية العوفي (٥) كليهما ، عن أبي سعيد الخدري (٦) : في قوله : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ ...) الآية ، قال : يخرج الله قوما من النار من أهل الإيمان والقبلة بشفاعة محمد عليه‌السلام فذلك المقام المحمود ، فيؤتى بهم نهرا (٧) يقال له : الحيوان ، فيلقون فيه ، فينبتون فيه كما يخرج الشعارير (٨) ، ثم يخرجون منه ، فيدخلون الجنة ، فيسمون فيها : الجهنميين (٩) ، ثم يطلبون إلى الله أن يذهب ذلك الاسم عنهم ، فيذهب. (١٠)

٨٠ ـ (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي) : عن ابن عباس ، قال : كان النبيّ عليه‌السلام بمكة ، ثم أمر بالهجرة ، فنزلت : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُ) [الإسراء : ٨١]. (١١) عن ابن مسعود : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة عام الفتح ، وحول الكعبة ثلاث مئة وستون نصبا ، فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يطعنها بمخصرة (١٢) في يده ، وربما قال : بعود ، ويقول : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) (وَما يُبْدِئُ

__________________

(١) ينظر : اللباب ١٢ / ٣٦٠ ، والتبيان في إعراب القرآن ٢ / ٩٥ ، والدر المصون ٤ / ٤١٤.

(٢) ينظر : مجمع البيان.

(٣) أخرجه أحمد في المسند ٣ / ٤٥٦ ، والبخاري في التاريخ الكبير ٥ / ٣٠٩ ، والهيثمي في موارد الظمآن ١ / ٦٣٩ (٢٥٧٩) ، والطبراني في مسند الشاميين (١٧٥٩).

(٤) أبو رؤبة شداد بن عبد الرحمن القشيري ، ينظر : الثقات لابن حبان ٤ / ٣٥٧ ، ورواة الآثار ٩٥.

(٥) أبو الحسن عطية بن سعد العوفي الجدلي ، تابعي ، من شيعة الكوفة ، توفي سنة ١١١ ه‍. ينظر : أحوال الرجال ١ / ٥٦ ، والضعفاء والمتروكين ٣ / ٨٥ ، والكامل في ضعفاء الرجال ٥ / ٣٦٩.

(٦) هو سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة الخدري الأنصاري ، الإمام المجاهد ، مفتي المدينة ، توفي سنة ٦٤ ه‍. ينظر : معجم الصحابة ١ / ٢٥٨ ، وصفة الصفوة ١ / ٧١٤ ، والإكمال ٤ / ٤٤٦.

(٧) ساقطة من ع.

(٨) الأصل : النعارير ، وك : النقارير. والشعارير : واحدها شعرور ، وهو صغار القثاء. ينظر : العين ١ / ٢٥٢ ، وغريب الحديث للحربي ١ / ١٥٠.

(٩) الأصول المخطوطة : الجهنميون.

(١٠) ينظر : شرح مسند الإمام أبي حنيفة ٢٩٤ ـ ٢٩٥ ، وحلية الأولياء ٧ / ٢٥٣.

(١١) ينظر : زاد المسير ٥ / ٥٦.

(١٢) المخصرة : ما اختصره الإنسان في يده فأمسكه من عصا أو مقرعة أو عنزة أو عكازة أو ما أشبهها. غريب الحديث لأبي عبيد ١ / ٣٠٨ ، ولسان العرب ٤ / ٢٤٣.

٢٢٤

الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) [سبأ : ٤٩]. (١) قال ابن عمر : ليس في هذا الحديث تاريخ نزول الآية ، فإنّ فيه ذكر التلاوة فحسب.

٨٢ ـ (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ) : اتصالها بها من حيث (وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ) ، وهذه في وصف الظالمين.

٨٣ ـ (أَعْرَضَ) : عن طاعتنا.

٨٣ ـ (وَنَأى بِجانِبِهِ) : تباعد بما يقرب فيه حالة اقترابه ، وهو جانب من جسده. وقيل : تباعد بقوته ورجاله. (٢)

(يَؤُساً) : من يئس على سبيل المبالغة.

٨٤ ـ (شاكِلَتِهِ) : ما يشاكله ويليق به من الخصال التي خلقها الله ميسّرة له. وفي الآية ردّ على القدرية.

٨٥ ـ (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) : قال النضر بن الحارث : يا معشر قريش ، والله لقد نزل إليكم أمر ما تقدرون قدره ، كان محمد فينا حتى بلغ ما ترون ، (١٩٣ و) ولا أحد أرضى فينا منه ، فلمّا جاءكم ما جاءكم به ، قلتم : شاعر ، والله ما الذي جاءكم بشعر ، لقد رأينا الشعر وعرفناه ، فما هو قريض (٣) ولا رجز ، وقلتم : سحر ، وقد رأينا وسمعنا السحر ، فو الله ما هو بسحر ، ثمّ قلتم : كاهن ، فو الله ما هو بكهانة ، ولا سجاعة ، وقلتم : مجنون ، وقد رأينا المجانين وعرفنا أصناف الجنون ، فانظروا في أمركم ، فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا النضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط ، وأبيّ بن خلف إلى أحبار يهود من أهل يثرب ، وقالوا : هم أهل الكتاب الأوّل والعلم بأمر الرسل وصفاتهم في كتبهم ، فسألوهم عن محمد وأمره. فخرجوا ثلاثتهم حتى أتوا يهود بني قريظة والنضر وماسكة وقينقاع ، فسألوهم (٤) عن النبي عليه‌السلام فوجدوهم قوما حسّدا ، فقالوا : سلوا الرجل عن ثلاثة أشياء نأمركم بهنّ ، فإن أخبركم عنهنّ فالرجل مرسل ، وإن لم يفعل فالرجل متقوّل ، فإنّه قد أظلّ زمان نبيّ نسمعكم تصفون صفته ، نجده عندنا كما تصفون ، فروا رأيكم فيه ، إذا سألتموه سلوه عن فتية هلكوا في الزمان الأوّل ، كان أمرهم عجبا؟ وسلوه عن طوّاف قد بلغ المشرق والمغرب ، قد كان له خبر دنيا وقصص؟ وسلوه عن

__________________

(١) أخرجه البخاري في صحيحه (٤٤٤٣) ، ومسلم في صحيحه (١٧٨١) ، والترمذي السنن (٣١٣٨) ، والنسائي في الكبرى (١١٢٩٧).

(٢) ينظر : ياقوتة الصراط ٣١٤ ، وجواهر الألفاظ ٢٥٥.

(٣) في الأصول المخطوطة : تعريض. والقريض : قول الشعر. لسان العرب ٧ / ٢١٨ ، وتاج العروس ٥ / ٧٦.

(٤) الأصل وك : سألهم.

٢٢٥

الروح؟ فإن أخبركم عنه ، فإنّه (١) كاذب ، وإن لم يخبركم فهو كما قال ، وإن عجز عنهما ، فهو متقوّل. ثم خرجوا حتى انتهوا إلى فدك ، فقالوا لهم مثل هذا سواء. إلا أنّهم قالوا : هذه صفته ، ونجد مخرجه من بلادكم ، ونجد مهاجره يثرب ، فرجع النفر إلى مكة ، فلما قدموا على قريش قالوا : قد جئنا بفصل ما بينكم وبين محمد ، قد أمرنا أهل الكتاب الأوّل والمعرفة ، وجئناهم جميعا أهل يثرب وفدك ، فأمرونا أن نسأله عن أمور ، فإن أخبرنا عنها ، فهو كما قال ، وإن عجز عنهما فهو متقوّل ، فمشت قريش مع هؤلاء الرسل حتى وقفوا على النبيّ عليه‌السلام وهو جالس عند الكعبة قد فرغ من صلاته ، فقالوا : إنّا نريد أن نسألك عن أشياء ، وتكلم النفر الذين كانوا قدموا ، وسألوه عن تلك الخصال الثلاث ، فقال : أخبركم غدا ، ولم يستثن ، فمكث الوحي عن النبيّ عليه‌السلام خمس عشرة ليلة لا يأتيه جبريل عليه‌السلام بشيء ، فكبر ذلك عليه ، وأرجف أهل مكة ، وقال بعضهم لبعض : الرجل متقوّل ، وبطل ما كان يقول ، وعدنا أن يخبرنا عما سألناه غدا ، واليوم خمس عشرة ليلة ، ولم يأتنا بشيء ، ثم عادوا ، فسألوه عن حديث أصحاب الكهف ، فقصّ عليهم حتى بلغ إلى قوله : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الكهف : ٢٣] وحتى بلغ قوله : (وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً) [الكهف : ٢٤] ، ثم جاء بحديث (١٩٣ ظ) الطوّاف ، وهو ذو القرنين ، فأخبرهم عن ذلك كلّه ، وقصّه عليهم ، ثم سألوه عن الروح؟ وقال مقاتل : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) فانصرفوا ، وقد جاءت هذه الأمور كلها ولا (٢) يؤمنون.

وعن ابن عباس : أنّ قريشا اجتمعوا منهم الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، وأبو جهل بن هشام ، وأمية وأبي ابنا (٣) خلف ، والأسود بن عبد المطلب ، وسائر قريش ، فبعثوا خمسة رهط منهم : عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث إلى المدينة يسألون اليهود عن رسول عليه‌السلام ، عن أمره وصفته ومبعثه ، وأنّه قد خرج من بين أظهرنا ، وأصدقوهم نعته ، وقولوا لهم : إنّه يزعم أنّه نبيّ مرسل ، واسمه محمد ، وهو فقير يتيم ، وبين كتفيه خاتم النبوّة ، فلما قدموا المدينة أتوا أحبارهم وعلماءهم ، فوجدوهم إذ قدموا المدينة قد اجتمعوا في عيد لهم ، فسألوهم عنه ، ووصفوا لهم صفته ونعته وخاتم النبوّة (٤) ، وقالوا : إنّا (٥) نزعم أنّه. يتعلّم من مسيلمة الكذّاب! فقالوا : نحن نجده في التوراة كما وصفتموه ، فهو نبيّ ، وأمره حقّ ، فاتّبعوه ، ولكن سلوه عن ثلاث

__________________

(١) ع : فإنه.

(٢) الأصل وك وع : لا.

(٣) ع : بن.

(٤) ساقطة من ك.

(٥) ساقطة من ك.

٢٢٦

خصال ، فإنّه يخبركم بخصلتين ، ولا يخبركم بالثالثة (١) إن كان نبيّا ، فإنّه قد سألنا مسيلمة الكذّاب عن هؤلاء الخصال ، فلم يدر ما هو ، وقد زعمتم أنّه يتعلّم من مسيلمة الكذّاب (٢). قال : فرجعت الرسل إلى قريش بما ذكرنا في الحديث ، فلما وافق قول اليهود قالوا : (سِحْرانِ (٣) تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ) [القصص : ٤٨].

٨٦ ـ (وَلَئِنْ شِئْنا) : اتصالها بها من حيث إتيان العلم ، ويحتمل : أنّها شبه وعيد بعد احتباس على ترك الاستثناء.

(ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ) : أي : لا تجد شيئا تتوكّل عليه ، واسترداد ما ذهبنا به.

٨٧ ـ (إِلَّا رَحْمَةً) : قال الفراء : هذا «كقوله : (إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها)» (٤) [يوسف : ٦٨] ، ويحتمل : أنّ الاستثناء متصل ، وأنّ الرحمة مستثناة من الموجود المنفيّ ، وهو أن يتوكّل على رحمة الله ، ويستشفع إلى الله برحمته في استرداد ما ذهب به.

٨٨ ـ (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ) : قال الفراء : لئن بلا مرفوع ؛ لأنّه كاليمين. (٥) وقد جزم بعض القرّاء.

(ظَهِيراً) : معينا.

وفيها (٦) دلالة على أنّ ما ألقى الشيطان في سورة النجم (٧) ، وهو قوله (٨) : تلك الغرانيق العلى ، منهنّ شفاعة ترتجى ، (٩) لم يكن بمثل القرآن على ما فيه من الفصاحة والجزالة والجريان على لسان ذي الرسالة ، والتباسه بالقرآن عند أهل المقالة إلى أن نسخه الله تعالى بقوله : (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) [النجم : ٢١ ـ ٢٢] فاتّصل هذا الناسخ بالإنكار السابق ، وهو قوله : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (٢٠)) [النجم : ١٩ ـ ٢٠] ، اتصالا يتبيّن فيه صدر الكلام إليه ، وانفتح عوار إجارة الشيطان لديه ، واستقامت دعوى الإعجاز من بعد ما كادت (١٩٤ و) تميل.

__________________

(١) الأصل وك وأ : بالثالث.

(٢) ساقطة من ك.

(٣) الأصول المخطوطة : ساحران.

(٤) معاني القرآن للفراء ٢ / ١٣٠.

(٥) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ١٣٠.

(٦) ك : وفيه.

(٧) ع وأ : والنجم.

(٨) ع : قولك. أي : قول الشيطان.

(٩) هذا حديث موضوع عن النبي عليه‌السلام ، ينظر : الآية ٧٣ من السورة.

٢٢٧

٨٩ ـ (إِلَّا كُفُوراً) : كفرا بالقرآن.

٩٠ ـ (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) : قال أبو أمامة بن سهل بن حنيف (١) : اجتمع نفر من قريش ، عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبو سفيان (٢) ، وزمعة بن الأسود ، والوليد بن المغيرة ، وعبد الله بن أبي (٣) أمية بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، ونبيه ومنبّه ابنا الحجاج ، والأخنس بن شريق ، وسهل بن عمرو ، فاجتمعوا في الحجر ، قال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد فخاصموه ، وكلّموه حتى تعذروا في أمره ، فبعثوا إليه رسولا ، فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو يظنّ أنّهم يريدون خيرا ، وكان عليهم حريصا ، يحبّ رشدهم ، ويكبر عليهم عنتهم ، فقالوا : يا محمد ، إنّا بعثنا إليك لنعذر فيك ، والله لا نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت عليهم ، لقد شتمت الآباء ، وسببت الآلهة ، وسفّهت الأحلام ، وفرّقت الجماعة ، فإن كنت إنما تطلب بهذا الحديث مالا جمعنا لك من أموالنا حتى كنت أكثرنا مالا ، وإن كنت إنّما تطلب الشرف فنحن مشرّفوك علينا ، وإن كنت تريد ملكا ملّكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك به رييّا ، فرييّ (٤) غلب الرييّ ، وكان يسمون تابع الجن الريي (٥) ، فإن كان ذلك بذلنا أموالنا في طلب الطبّ ، أو نعذر في أمرك. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أطلب ما تقولون ، ما جئت بما جئت به أطلب أموالكم ، ولا الشرف فيكم ، ولا الملك عليكم ، ولكنّ الله بعثني إليكم رسولا ، وأنزل علي كتابا ، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا ، فأنا بلغتكم رسالات ربّي ، ونصحت لكم ، فإن تقبلوا ما جئتكم ، فهو حظّكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردّوه عليّ أصبر لأمر الله». قال أبو جهل : واحدة ، فإنّ العرب تقول : آخر الدواء الكيّ ، فهذه كلمة آخر ما نكلمك. قال عليه‌السلام : «ما هي؟» قال : بلدنا هذا أضيق بلاد الله ساحة وعيشا ، فسل لنا ربّك الذي بعثك ، فليسوّ (٦) هذه الجبال التي ضيّقت علينا ، وليجر لنا أنهارا كأنهار الشام ، أو عيونا كعيون (٧) اليمن ، وليبعث لنا من مضى من آبائنا ، وليكن فيمن يبعث لنا قصيّ بن كلاب ، فإنّه كان شيخا صدوقا نسأله عمّا تقول أحق هو أم باطل؟ فإن صدّقوك (٨) ،

__________________

(١) هو أسعد بن سهل بن حنيف الأنصاري الأوسي المدني الفقيه المعمر الحجة ، توفي سنة ١٠٠ ه‍. ينظر : الكنى للبخاري ١ / ٨٣ ، والمراسيل لابن أبي حاتم ٢٣ ، والاستيعاب ٤ / ١٦٠٢.

(٢) هو صخر بن حرب بن أمية ، الأموي القرشي ، والد معاوية رضي الله عنهما ، توفي سنة ٣١ ه‍. ينظر : والأسامي والكنى ٢٦ ، ومعجم الصحابة ٢ / ١٩ ، والاستيعاب ٤ / ١٦٧٧ ،

(٣) ساقطة من ع.

(٤) ع : الأصل وك وأ : فربما.

(٥) ع : الريا.

(٦) ع : فليسير.

(٧) ك وأ : غيولا كغيول ، وع : غيولا كعيون.

(٨) أ : فإنك صدوق.

٢٢٨

وصنعت ما سألناك (١) ، صدّقناك. فقال النبيّ عليه‌السلام : «ما بهذا بعثت إنّما جئتكم من الله بما بعثني به ، وقد بلّغتكم ما أرسلت به إليكم ، ما أنا بفاعل ، ولا بالذي أسأل ربّي هذا». قالوا : يا محمد ، أيعلم ربّك أنّا سنجلس معك ونسألك عما سألناك ، وترجع علينا ما ترجع. قال : نعم ، فقال نبيه بن الحجاج : أخرى ، بلغنا أنّ هذا إنّما يعلّمك رجل باليمامة يقال له : الرحمن ، ثمّ قال لجلسائه : تعلمون ذلك؟ قال القوم : نعم ، وإنّا والله لا نؤمن (١٩٤ ظ) بالرحمن ، فقد أعذرنا إليك يا محمد ، إنّا والله لا نتركك حتى نهلكك ، أو تهلكنا ، فقال الأخنس بن شريق : نحن نعبد الملائكة فهي بنات الله ، وقال عبد الله بن أبي أمية : لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلا ، إلى قوله : (بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٣] ، فلمّا قام النبيّ عليه‌السلام تبعه أبو جهل ، فقال : يا محمد ، والله لا نعذر إليك بعد هذا المجلس مذلانك ، وقام معه عبد الله بن أبي أمية ، فقال : يا محمد ، عرض عليك قومك أمرا ، فلم تقبله ، ثم سألوك (٢) لأنفسهم أمورا ، ليعرفوا بها صدقك من كذبك ، فلم تأتهم بها ، وإنّا نسألك خصلة واحدة ، قال عليه‌السلام : وما هي؟ قال : تنزل علينا كسفا من السماء ، فهذه لا نبالي بها ، ولا يبالي ربك ، ولم نؤمن بك حتى تتخذ إلى السماء سلما ، ثم ترقى فيه ، وأنا أنتظر (٣) حتى تأتينا ، ثم تأتي معك بصحيفة منشورة معها أربعة من الملائكة يشهدون أنّها كما تقول ، وايم الله لو فعلت ذلك ما ظننت أنّي أصدقك ، ثم انصرف ، وانصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بيته حزينا لما كان يطمع فيه من قومه.

(يَنْبُوعاً) : عينا (٤).

عنوا بقولهم : (كَما زَعَمْتَ) قوله : (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ) الآية [سبأ : ٩] ، وهذا ليس بوعيد كائن ، ولكنّه تخويف وتنبيه على القدرة ، وقوله : (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا (٥) سَحابٌ مَرْكُومٌ) [الطور : ٤٤] في معنى قوله : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ ...) الآية (٦) [الأنعام : ١١١].

__________________

(١) (وصنعت ما سألناك ، صدقناك) ، ساقطة من أ.

(٢) مذل يمذل مذلا أي : قلقت وضجرت بسرك حتى أفشيته. لسان العرب ١١ / ٦٢١.

(٣) (وأنا أنتظر) ، ساقطة من ع.

(٤) ساقطة من أ.

(٥) أ : فقالوا.

(٦) ساقطة من ك.

٢٢٩

٩٢ ـ (كِسَفاً) : جمع كسفة ، وهي القطعة ، وبتسكين السين ، إن أريد به الوحدان ، فهو الغطاء والغشاوة.

قال الأزهري : (القبيل) : الجماعة ليسوا من أب واحد ، وإذا كانوا من أب واحد فهم قبيلة. (١)

٩٣ ـ (لِرُقِيِّكَ) : الرقي والارتقاء : العروج.

(سُبْحانَ رَبِّي) : أي : هو منزّه عن أن يكون محلّا للاقتراح.

٩٤ ـ (وَما مَنَعَ النَّاسَ) : أهل مكة.

(إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) : القرآن. وقيل : الناس الذين ينكرون النبوّة ، وينسبون الأنبياء إلى النواميس من المخاريق ، وهم طائفة من الفلاسفة.

٩٥ ـ (يَمْشُونَ) : يتقلّبون فيها.

(مُطْمَئِنِّينَ) : مقيمين غير محتارين ، أو مطمئنين على قضية العقل ، أو على ملّة واحدة.

(عَلَيْهِمْ) : على (٢) هؤلاء الملائكة الذين يكونون سكان الأرض وأهلها ، إنّما (٣) لا يجوز الإرسال إلا [من](٤) جنسهم لأجل اللبس والابتلاء ، قال الله تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ (٥) مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) [الأنعام : ٩].

٩٧ ـ (عُمْياً وَبُكْماً) : قال الكلبيّ والضحاك : عن الحجة ، (وَصُمًّا) عن الخبر.

(خَبَتْ) : سكنت. وقيل : طفئت. (٦) وقيل : سكن لهبها (٧) وهي حية لم تبطل بعد. (٨) أبو هريرة ، عنه عليه‌السلام : «يحشر الناس يوم القيامة ، ثلاثة أصناف : صنفا (٩) مشاة ، وصنفا ركبانا ، وصنفا على وجوههم» ، قيل : يا رسول الله ، وكيف يمشون على وجوههم؟ قال : «إنّهم يتّقون

__________________

(١) ينظر : تهذيب اللغة ٣ / ٢٨٧٦.

(٢) ساقطة من ع.

(٣) ع : وإنما.

(٤) زيادة يقتضيها السياق.

(٥) أ : جعلناه.

(٦) ينظر : العين ٢٣٠ ، والمحيط والمحكم الأعظم ٥ / ٣٠٩ ، وزاد المسير ٥ / ٦٦.

(٧) ع : لهيبها.

(٨) ينظر : المحيط والمحكم الأعظم ٥ / ٣٠٩ ، والكليات ٤٣٤.

(٩) ع : صنف ، وكذلك ما بعدها.

٢٣٠

(١٩٥ و) بوجوههم كلّ حدب وشوك». (١) وعن بهز بن حكيم (٢) ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي عليه‌السلام : «إنّكم محشورون (٣) رجالا وركبانا ، وتجرّون على وجوهكم». (٤)

٩٩ ـ (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) : وجه الإلزام أنّهم كانوا معترفين بأنّ (٥) الله خلق السماوات والأرض ، وبأنّه قادر على أن يخلق مثلهم من ماء مهين ، وبأنّه جعل لأعمارهم غاية ينتهى إليها ، فوجب عليهم الاعتراف بقدرة الله على البعث ، فإنّ البعث في الوهم دون ما اعترفوا بالقدرة عليها.

١٠٠ ـ (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ) : اتصالها من حيث (أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٤] بخلوا (٦) بنعمة الله وإنعامه على بشر مثلهم.

(قَتُوراً) : بخيلا. يقال : قتر يقتر ، وأقتر يقتر. (٧)

١٠١ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) : اتصالها من حيث اقتراحهم الآيات ، أي : آتينا موسى تسع آيات من غير اقتراح ، كما أنزلنا على محمد القرآن بالحقّ من غير اقتراح.

عن صفوان بن عسّال (٨) : أنّ يهوديين قال أحدهما لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم نسأله ، فإنّه إن نسمع بقول نبيّ كان له أربعة أعين (٩) ، فأتيا النبيّ عليه‌السلام فسألاه عن قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ ...)، فقال رسول الله عليه‌السلام : «لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحقّ ، ولا تسرقوا ، ولا تسحروا (١٠) ، ولا تمشوا ببريء إلى

__________________

(١) أخرجه الطيالسي في المسند (٢٥٦٦) ، وأحمد في المسند ٢ / ٣٥٤ و ٣٦٣ ، والترمذي في السنن (٣١٤٢) وقال حديث حسن.

(٢) أبو عبد الملك بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري البصري ، توفي سنة ١٥٠ ه‍. ينظر : التاريخ الكبير للبخاري ٢ / ١٤٢ ، والكامل في ضعفاء الرجال ٢ / ٦٦ ، والعلل للمديني ٨٩. ووالده هو حكيم بن معاوية تابعي ، ينظر : مشاهير علماء الأمصار ٩٦ ، وتحفة التحصيل ٨١ ، وتقريب التهذيب ١ / ١٩٤. وجده هو معاوية بن حيدة القشيري ، له صحبة توفي بخراسان. ينظر : الطبقات الكبرى ٧ / ٣٥ ، وتهذيب الكمال ٢٨ / ١٧٢ ، والإصابة ٣ / ٤٣٢.

(٣) ع : تحشرون.

(٤) أخرجه مصنف ابن أبي شيبة ٧ / ٨٨ (٣٤٤٠٧) ، والترمذي (٢٤٢٤) وقال : هذا حديث حسن صحيح ، والحاكم في المستدرك ٤ / ٦٠٨.

(٥) أ : فإن.

(٦) ع : لا يخلوا.

(٧) ينظر : القاموس المحيط ٢ / ١١٣ ، ولسان العرب ٥ / ٧٠ ـ ٧١.

(٨) صفوان بن عسال المرادي الربضي ، صحابي ، سكن الكوفة. ينظر : الطبقات الكبرى ٦ / ٢٧ ، ومعجم الصحابة ٢ / ١٠ ، والجرح والتعديل ٤ / ٤٢٠.

(٩) الأصل وع وأ : أعنز.

(١٠) ع : ولا تسحروا ولا تسرقوا.

٢٣١

السلطان فيقتله ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تقذفوا محصنة (١) ، ولا تفرّوا من الزحف ، وعليكم اليهود خاصة أن (٢) لا تعدوا في السبت» ، فقبّلا يديه ورجليه ، وقالا : نشهد أنّك نبيّ (٣) ، قال : «فما يمنعكما أن تسلما؟» قالا : إنّ داود عليه‌السلام دعا الله أن لا يزال في ذريته نبيّ ، وإنّا نخاف أن يقتلنا اليهود. وقال أبو عيسى (٤) : هذا حديث حسن صحيح. (٥) لاعتراف اليهوديين به ، وشهادة ظاهر القرآن له من وجهين : أحدهما : قوله : (فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ) وموسى لم يجئ بني إسرائيل بالطوفان والجراد والقمّل ، ولكنّه جاءهم بالأمر والنهي. والثاني : قوله : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ ...) [الإسراء : ١٠٥] على هذه القاعدة ، والقرآن النازل بالحق إنّما هو أمر ونهي دون عذاب ، ودعوة داود عليه‌السلام صحيح أيضا مستجابة ؛ لأنّ عيسى بن مريم ، صلوات الله عليه ، لم يقتل ، ولم يصلب ، ولم يمت بعد ، وأما في سورة النمل عند قوله : (وَأَدْخِلْ (٦) يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ) [النمل : ١٢] فمشكل جدا ، يحتمل : أنّ المراد تسع مع اليد والعصا. ويحتمل : سوى اليد والعصا. ويحتمل : سوى العصا. وقد اختلفت الروايات عن ابن عباس ، وروى عكرمة : اليد والعصا والطوفان والجراد والقمّل والضفادع والدم والسنون ، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ، وهو (١٩٥ ظ) قول الشعبي ومجاهد والكلبي. (٧) ولا يبعد أن يكون (٨) الجراد مع القمّل آية واحدة ، والسنون مع نقص الثمرات آية واحدة. وروى سعيد بن جبير ، عنه في قوله : (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) [طه : ٤٠] جملة الآيات غير محصورة ، منها اليد والعصا والطوفان والجراد والقمّل والضفادع والدم ، وفلق البحر ، ونتق الجبل على بني إسرائيل ، وما آتاهم الله في التيه من المطعم والمشرب والملبس.

(مَسْحُوراً) : ساحرا ، بدليل سائر النظائر. وقيل : مسحورا حقيقة ؛ لقوله : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) [الشعراء : ٢٧]. (٩)

__________________

(١) (ولا تقذفوا محصنة) ، ساقطة من أ.

(٢) أ : بخاصيان.

(٣) ع : نبي الله.

(٤) محمد بن عيسى بن سورة السلمي البوغي الترمذي ، مصنف الجامع ، توفي سنة ٢٩٧ ه‍. ينظر : الفهرست ٢٣٣ ، وتذكرة الحفاظ للذهبي ٢ / ٦٣٣ ، والوافي بالوفيات ٤ / ٢٩٥.

(٥) أخرجه أحمد في المسند ٤ / ٢٣٩ ، وابن أبي عاصم في الجهاد (٢٧٥) ، والترمذي في السنن (٣١٤٤) ، وابن ماجه في السنن (٣٧٠٥).

(٦) ع : أدخل.

(٧) ينظر : مسند أحمد (١٧٦٢٦) ، وسنن الترمذي (٣١٤٤) ، وسنن النسائي (٤٠٧٨) ، والدر المنثور ٥ / ٣٠٢.

(٨) ع : فيكون.

(٩) ينظر : الدر المصون ٤ / ٤٢٤.

٢٣٢

١٠٢ ـ (هؤُلاءِ) : إشارة إلى التسع (١) اللواتي رواهنّ صفوان. (٢) وقيل : إشارة إلى اليد والعصا ، وسائر البراهين.

(بَصائِرَ) : حال لهؤلاء.

(مَثْبُوراً) : ممنوعا مصروفا عن الخير ، هذا غاية في اللين والحلم والاحتمال.

١٠٤ ـ (اسْكُنُوا الْأَرْضَ) : أرض مصر. وقيل : الأرض : أردن وفلسطين (٣).

(وَعْدُ الْآخِرَةِ) : هو البعث يوم القيامة. وقيل : هو نزول عيسى عليه‌السلام. ويحتمل : خروج موسى بهم من مصر إلى قتال الجبابرة.

(لَفِيفاً) : جميعا.

١٠٥ ـ (وَبِالْحَقِّ) : الصدق والصواب.

(أَنْزَلْناهُ) : الضمير عائد إلى الهدى في قوله : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) [الإسراء : ٩٤]. وقيل : المراد به : الوحي.

(وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) : توكيد.

١٠٦ ـ (وَقُرْآناً) : الواو للعطف على قوله : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) [الإسراء : ١٠٥] أي : أنزلناه مقرونا أو متركّبا وداعيا بالحق وقرآنا. ويحتمل : أن تكون لعطف الجملة ، وينصب القرآن بفعل مضمر كما في قوله : (وَإِيَّايَ (٤)) [البقرة : ٤١] ، والثاني (٥) : (فَاتَّقُونِ) [البقرة : ٤١] ، ومنه قوله : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ) [يس : ٣٩].

(عَلى مُكْثٍ) : لبث لتنذر ، والمراد به نزول القرآن نجوما متفرّقة على سبيل المهلة والتراخي.

١٠٧ ـ (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا) : على سبيل التهديد ، كقوله : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : ٢٩].

(إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ) : مؤمنو (٦) أهل الكتاب ، وورقة بن نوفل كان قد

__________________

(١) أ : البيع.

(٢) في حديث اليهوديين السالف الذكر. الآية ١٠١ من السورة.

(٣) ساقطة من أ. وينظر : تفسير ابن وهب ١ / ٤٦٥ ، وتفسير الطبري ٨ / ١٦٠ ، وزاد المسير ٥ / ٧٠ عن ابن عباس.

(٤) ساقطة من أ.

(٥) ساقطة من ك وع.

(٦) الأصول المخطوطة : مؤمنوا.

٢٣٣

أدرك الوحي ، وسمع القرآن ، ووعد النصرة عند الدعوة ، فما عاش إلى حين الدعوة ، وعن أبي بكر بن حزم (١) : لمّا هاج اليهوديّ فوق الأطم ، يعني : الزبير بن بالما ، هذا كوكب أحمر قد طلع ، وهو كوكب لم يطلع إلا بالنبوّة. قيل لأبي قيس من بني عديّ بن النجار (٢) ، وكان يترهّب ويلبس المسوح : ما يقول هذا اليهوديّ؟ فقال : انتظاره الذي صنع بي هذا أنا أنتظره (٣) حتى أصدقه وأتّبعه ، قال ابن حزم : وكان أبو (٤) قيس قد صدّق بالنبيّ عليه‌السلام وهو بمكة ، وكان (٥) شيخا كبيرا ، فلم يخرج حتى قدم النبيّ عليه‌السلام.

وعن زيد بن أسلم (٦) : أنّ أساقفة الحبشة استأذنوا النجاشيّ (٧) ، فوفدوا على (٨) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكانوا (٩) عشرين (١٠) رجلا ، فوجدوه (١١) عند المقام جالسا ، فجلسوا إليه ، (١٩٦ و) فكلّمه أسقف منهم ، يقال له : طابور ، وقال (١٢) : أنت الذي تزعم أنّك رسول الله؟ قال : نعم ، قال : إلى ما تدعو؟ قال : أدعو إلى الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمدا عبده ورسوله ، ثم تلا القرآن ، فبكوا حتى اخضلّوا لحاهم ، فقال طابور : فإنّي أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وشهد أصحابه ما شهد ، فلما قاموا اعترضهم أبو جهل وأمية بن خلف ، فقالوا لهم : حيّاكم الله من ركب بعثكم من وراءكم (١٣) من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل ، فلم يطمئنّ مجلسكم عنده حتى فارقتم دينكم (١٤) ، وصدقتموه بما قال ، وهو عندنا منذ عشر سنين ما استجاب له إلا غلام سفيه ، وآخر لا مال له ، ما نعلم ركبا أحمق منكم ، قالوا : سلام عليكم ، لا

__________________

(١) أبو بكر محمد بن عمرو بن زيد الأنصاري الخزرجي النجاري المدني ، أمير المدينة ، ثم قاضيها ، توفي سنة ١٢٠ ه‍. ينظر : تاريخ خليفة ٣٢٠ ، والجرح والتعديل ٩ / ٣٣٧ ، وتاريخ الإسلام ٥ / ٢٢.

(٢) ع وأ : نجار.

(٣) الأصول المخطوطة : ننتظره.

(٤) أ : ابن.

(٥) (بمكة وكان) ، ساقطة من ع.

(٦) أبو عبد الله زيد بن أسلم العدوي العمري مولاهم المدني الفقيه ، توفي سنة ٣٦ ه‍. ينظر : التاريخ الأوسط للبخاري ٢ / ٤٠ ، والمقتنى في سرد الكنى ١ / ٧٤ ، وطبقات الحفاظ ٦٠.

(٧) اسمه أصحمة ، وقيل : أصحم بن أبجر ، النجاشي ملك الحبشة ، واسمه بالعربية عطية ، أسلم على عهد النبي عليه‌السلام ، ولم يهاجر عليه ، توفي. ينظر : غوامض الأسماء المبهمة ٢ / ٦٨١ ، ومشارق الأنوار ١ / ٦٣ ، والإصابة ١ / ١٠٩.

(٨) ع : إلى.

(٩) أ : كانوا.

(١٠) ع : عشرون.

(١١) الأصول المخطوطة : فيجدونه.

(١٢) ساقطة من ع.

(١٣) النسخ المخطوطة : ورائكم.

(١٤) ك : دينه.

٢٣٤

نجاهلكم ، لنا ما نحن عليه ، ولكم ما أنتم عليه ، لم نأل أنفسنا خيرا ، فأقاموا عند النبيّ عليه‌السلام ثلاثا يغدون معه ، ويروحون معه حتى علموا قرآنا كثيرا ، ثم خرجوا مسلمين ، وفيهم نزلت : (وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ) [المائدة : ٨٣] ، ورجعوا إلى النجاشيّ ، فأخبروه بإسلامهم ، وبأنّه نبيّ ، فأسلم النجاشيّ ، وأحسن جوار من كان عنده من أصحاب النبيّ عليه‌السلام وازداد في دينه رغبة. (١)

١٠٧ ـ (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ) : يقعون على الأذقان سجودا ، واحده دقن. والمراد بالأذقان : الوجوه ؛ لأنّ الإنسان يعتمد عليه من وجهه. ويحتمل : أنّه كان من أعضاء السجود ، ثم نسخ بالجبهة والأنف.

١٠٨ ـ (إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا) : ما كان موعوده إلا موجودا بفعله ، كائنا بتكوينه.

١٠٩ ـ قال كعب الأحبار : إنّ العبد لتحطّ عنه الخطايا ما دام ساجدا.

١١٠ ـ (قُلِ ادْعُوا اللهَ) : ابن عباس : نزلت الآية ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مخيف بمكة ، فكان إذا صلّى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ، فكان المشركون إذا سمعوا شتموا القرآن ومن أنزله ، ومن جاء به ، فقال الله لنبيّه عليه‌السلام : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ)، أي : بقراءتك ، فيسمع المشركون ، فيسبوا القرآن ، ومن أنزل ، ومن جاء به ، فقال : (وَلا تُخافِتْ بِها) عن أصحابك ، (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً). (٢)

وعن عروة (٣) ، قال : قالت خالتي عائشة : يا ابن أختي ، أتدري فيما أنزلت : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها)؟ قلت : لا ، قالت : بالدعاء ، قالت عائشة : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) أي : بدعائك. وهي معنى قوله : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً (٤) وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) [الأعراف : ٢٠٥].

١١١ ـ (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) : أمر بالتحميد هاهنا ؛ لنزول القرآن عليه ، وإيمان أهل الكتاب به ، وانقطاع المشركين في جداله. وقيل : لم يكن يؤمر بالتحميد ، ولكنه أمر بالإخبار عن الله تعالى أنه محمود في صفاته لم يجانس شيئا ، فيتخده ولدا ، ولم يساوه شيء ، فيكون معه شريكا ، ولم يكن (١٩٦ ظ) ذليلا ، فيحتاج من ذلة إلى غيره ، فهو محمود في صفاته.

__________________

(١) ينظر : تفسير القرطبي ٦ / ٢٥٦.

(٢) ينظر : مسند أحمد ١ / ٢٣ و ٢١٥ ، وصحيح البخاري (٤٤٤٥) ، وصحيح مسلم (٤٤٦) والصحيح من أسباب النزول ٩٥.

(٣) ع : عائشة.

(٤) ع : وخيفة.

٢٣٥

سورة الكهف

مكية. (١) وعن ابن عباس : إلا آية نزلت بالمدينة ، وهي قوله : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ ...) [الكهف : ٢٨]. (٢) وعن الحسن : إلا هذه الآية وقوله : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا) [الكهف : ٢٨] ، وقصة ذي (٣) القرنين.

وهي مئة وخمس آيات في عدد أهل الحجاز. (٤)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

عن أبي الدرداء (٥) ، عنه عليه‌السلام : «من حفظ أوّل الكهف عصم من فتنة الدجال». (٦) وعنه مرفوعا : «من قرأ ثلاث آيات من أوّل الكهف عصم من الدجال». (٧) وروي عنه عليه‌السلام : «من قرأ عشر آيات من أوّل الكهف عصم من فتنة الدجال» (٨).

١ ـ (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ) : للكتاب (٩) صفة عوج.

قوله : (عِوَجاً) [الكهف : ١] به. (١٠)

٢ ـ (قَيِّماً) : مستقيما ، وفيها تقديم وتأخير ، تقديرها : أنزل على عبده الكتاب قيّما ، ولم يجعله عوجا. (١١)

واتصال قوله : (قَيِّماً) بقوله : (لِيُنْذِرَ) أحسن اتّصال.

__________________

(١) قال القرطبي في التفسير ١٠ / ٣٤٦ : وهي مكية في قول جميع المفسرين ، هذا هو الأصح.

(٢) ينظر : زاد المسير ٥ / ٧٥.

(٣) في ك : ذكر.

(٤) عدد أهل الحجاز هو عدد المدني الأول والثاني والمكي. وعدد آيات السورة في الكوفي مئة وعشر ، وإحدى عشرة ومئة في عدد البصريين ، وعند الشاميين مئة وست آيات. ينظر : فنون الأفنان ١٤٠ لكن العدد الشامي عنده ١٠٧ آيات ، ومنار الهدى ٤٦١.

(٥) عويمر بن عامر بن زيد الخزرجي الأنصاري ، الإمام القدوة ، قاضي دمشق ، صاحب رسول الله عليه‌السلام. توفي سنة ٣١ ه‍. ينظر : الأسامي والكنى ٣٠ ، ومعرفة أسامي أرداف النبي ٧٩ ، والاستيعاب ٣ / ١٢٢٧.

(٦) أخرجه أحمد في المسند ٦ / ٤٤٩ ، ومسلم في الصحيح (٨٠٩) ، والترمذي في السنن (٢٨٨٦) ، وأبو داود في السنن (٤٣٢٣).

(٧) أخرجه الترمذي في السنن (٢٨٨٦) ، والمقدسي في فضائل الأعمال ١ / ١٢٣ ، والسيوطي في الدر المنثور ٥ / ٣١٢ ، عن أبي الدرداء.

(٨) (وروي عنه عليه‌السلام ... فتنة الدجال) ، ساقطة من ع. والحديث أخرجه النسائي في السنن الكبرى (١٠٧٨٤) ، والدر المنثور ٥ / ٣١٢ ، عن أبي ثوبان.

(٩) الأصول المخطوطة : الكتاب.

(١٠) هذا القول جاء متأخرا بمكانه في الآية الثانية ، ومكانه هنا.

(١١) ينظر : الفريد في إعراب القرآن المجيد ٣ / ٣٠٩.

٢٣٦

٥ ـ (ما لَهُمْ بِهِ) : بالله.

(مِنْ عِلْمٍ) : حقيقة ؛ لأنّهم لا يعرفونه ولا يعلمونه ، وإن تلفّظوا بأسمائه. وقيل : عائد إلى اتخاذ الولد ، وأراد به نفي الاتّخاذ (١) ، ونفي (٢) الولد ، كقوله : ما أرى في الدار أحدا ، نفى المرئيّ دون الرؤية. (٣)

(كَبُرَتْ) : كبيرة (٤) مقالتهم : اتّخذ الله ولدا ، فقال لهم مضمرة في هذا الفعل ملتبسة ، والتاء دالّة عليه ، ومعناه : عظمت كلمة ، نصب على التفسير.

٦ ـ (باخِعٌ) : قاتل ومهلك.

(آثارِهِمْ) : خلفهم ، وهم معرضون عنك. والأثر : رسم الشيء بعد مضيّه.

(أَسَفاً) : أخّر لرؤوس الآي ، والتقدير : باخع نفسك أسفا.

٧ ـ (زِينَةً) : نصب على الحال ، أو القطع ، أو المفعول الثاني.

(أَحْسَنُ عَمَلاً) : هو الصبر والشكر على موجودها عنده (٥).

عبد الله بن عمرو ، عنه عليه‌السلام : «خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرا صابرا ، ومن لم يكونا فيه لم يكتبه الله شاكرا (٦) ولا صابرا : من نظر في دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به ، ونظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله على ما فضّله به عليه ، كتبه الله شاكرا صابرا ، ومن نظر في دينه إلى من هو دونه ، ونظر في دنياه إلى من هو فوقه فأسف على ما فاته منها (٧) لم يكتب (٨) شاكرا ولا صابرا». (٩) وذكر حديث (١٠) ثلاثة من (١١) بني إسرائيل : أبرص وأعمى وأقرع ، على ما في الصحيحين. (١٢)

__________________

(١) أ : نفي الاتخاذ.

(٢) ك : ونفي.

(٣) ينظر : اللباب في علوم الكتاب ١٢ / ٤٢٢.

(٤) ك : كثرة.

(٥) الأصول المخطوطة : عند.

(٦) ع : لا شاكرا.

(٧) الأصول المخطوطة : منه.

(٨) ع : فضله الله.

(٩) أخرجه ابن المبارك في الزهد ١ / ٥٠ ، والترمذي في السنن (٢٥١٢) ، والنسائي في عمل اليوم والليلة ١ / ٢٦٩ ، والطبراني في مسند الشاميين (٥٠٥ و ١٣٨٧).

(١٠) ع : الحديث.

(١١) ع : في.

(١٢) أخرجه البخاري في الصحيح (٣٢٧٧) ، ومسلم في الصحيح (٢٩٦٤) عن أبي هريرة.

٢٣٧

٨ ـ (جُرُزاً) : مكانا لم يصبه المطر. وقيل : غليظة يابسة لا نبت فيها. (١) وقيل : كأنّه أكل نباتها. (٢)

وأوانه : إمّا عند خروج يأجوج ومأجوج ، وإمّا عند انقطاع (١٩٧ و) الحرث والنسل ، وإمّا عند البعث (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ ...) الآية [النبأ : ٤٠].

٩ ـ (أَمْ) : بمعنى الاستفهام (٣).

وإنّما لم يكونوا من آيات (٤) الله عجبا (٥) ؛ لجريان سنة الله بالكرامات.

وأصحاب الكهف فتية من اليونانية ، واليونانية : حيل من الناس كانوا يسكنون بلاد الروم ، ويختلطون بهم ، والاختلاف بينهم كالاختلاف بين القحطانية والعدنانية ، وكانوا معنيّين بعلم الفلسفة مختلفين فيها ، فمنهم موحّد ، ومنهم مشرك ، وكان ذو القرنين منهم ، فلمّا توفّاه الله امتنع ابنه عن المملكة ، فورث (٦) ملكه البطالمة. فاسم بطليموس الأوّل لوغوس ، وكان ملكه ثمانيا وثلاثين سنة ، واسم بطليموس الثاني دقيانوس ، وكان ملكه أربعين سنة ، وكان مشركا ، فابتدأ أمر هؤلاء الفتية في زمانه ، وكانوا قد هربوا منه ، وامتدّ سلطان البطالمة من بعد دقيانوس إلى نيّف وستين ومئة سنة ، ثمّ زال (٧) ملكهم ، وتحوّل أمر الروم إلى القياصرة من أولاد عيصو بن إسحاق بن إبراهيم (٨) ، وأوّلهم أغسطوس ، وفي عصره كان ميلاد عيسى عليه‌السلام ، وانتهت مدّة هؤلاء الفتية في الكهف إلى نهايتها ، والقياصرة يومئذ على النصرانيّة.

و (الْكَهْفِ) : الغار.

(وَالرَّقِيمِ) : قرية عند الكهف. وقال الفرّاء : اللوح من رصاص فيه قصّتهم وأسماؤهم. (٩)

١٠ ـ (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) : الكلبيّ ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : مدينة بالروم ظهر عليها ملك من الملوك كافر ، يقال له : دقيانوس ، على قريتهم وأرضهم ، وهي تسمّى

__________________

(١) ينظر : تفسير الطبري ٨ / ١٧٩ ، وابن أبي حاتم ٧ / ٢٣٤٥ عن ابن زيد ، وزاد المسير ٥ / ٧٨ عن ابن عيينة ، والدر المنثور ٥ / ٣١٨.

(٢) ينظر : الصحاح ٣ / ٨٦٦ ـ ٨٦٧ ، ولسان العرب ٥ / ٣١٧.

(٣) أ : استفهام.

(٤) ساقطة من ع.

(٥) في قول الله تعالى : (كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً).

(٦) أ : فورث.

(٧) أ : أزال.

(٨) (ثم زال ملكهم ... بن إبراهيم) ، ساقطة من ع.

(٩) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ١٣٤.

٢٣٨

أفسوس (١) ، فجعل يدعوهم إلى عبادة الأوثان ، وجعل يقتّلهم ، فمن كفر بالله ، واتّبع دينه تركه ، فهدى الله شابّا من أهل تلك المدينة إلى دين الإسلام ، فجعل يدعوهم سرّا حتى تابع على ذلك ستّة أغلمة ، ففطن بهم الملك ، فأرسل إليهم ، فأخذهم ، فدفعهم إلى آبائهم يحفظونهم حتى يرسل إليهم من يطلبهم من آبائهم ، فأرسل إليهم ، فهربوا ، فقالت الآباء : والله لقد خرجوا من عندنا بالأمس ، فلا ندري أين هم؟ ومرّوا بغلام راع (٢) ومعه كلب له ، فدعوه إلى أمرهم ، فأعجبه ذلك ، فتابعهم عليه ، ومضى معهم ، وتبعه (٣) كلبه ، واسم كلبه قطمير ، حتى أتوا غار كهف في مفيئه (٤) ، فدخلوا فيه ، ثمّ أرسلوا بعضهم إلى السوق يشتري لهم (٥) طعاما من السوق ، قال : وركب الملك (١٩٧ ظ) والناس معه لطلبهم يسألون عنهم (٦) ، فسمع رسولهم بذلك ، فعجّل أن يشتري لهم كلّ الذي أرادوا ، واشترى بعضا ، فأتاهم به ، فأخبرهم : أنّ الملك والناس في طلبكم ، فأكلوا ممّا أتاهم به ، ولم يشبعوا ، فقالوا : (رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً)، يقول : مخرجا ، ثمّ ناموا على جوعهم ، فضرب الله على آذانهم بالنوم سنين عددا ، ثلاث مئة وتسع سنين. وقال : ويسير الملك والناس معه يقفون آثارهم حتى انتهوا إلى باب الكهف ، فوجدوا آثارهم داخلين ، ولم يجدوا آثارهم خارجين ، فدخلوا الكهف ، فطلبوهم ، فعمّى الله عليهم أبصارهم ، فلم يجدوا شيئا ، فقال دقيانوس : سدّوا عليهم باب الكهف حتى يموتوا فيه ، فيكون قبورهم إن كانوا فيه نياما ، ثلاث مئة وتسع سنين ، ويقلّبون في كلّ عام مرّة مخافة أن تأكل الأرض لحومهم. وعن مجاهد : أنّهم مكثوا ثلاث مئة عام على شقّ واحد ، وقلّبوا في تسع سنين. قال الكلبيّ : ثمّ انصرف الملك والناس حين سدّوا عليهم الكهف إلى مدينة أفسوس ، وعمد رجلان مسلمان يكتمان إيمانهما من دقيانوس الكافر حين انصرف الجبار ، وعمدا إلى اللوح من رصاص ، فكتبا فيه أسماء الفتية وأسماء آبائهم ومدينتهم ، وأنّهم خرجوا فرارا من دقيانوس الملك الكافر ، فمن ظهر عليهم فإنّهم مسلمون ، ثمّ ألزقاه في السّدّ من داخل الكهف ، وكان دقيانوس أظهر علامات الكفر بالمدينة ، وقد دخل الفتية وهم يرونها ، وكانوا كلّما غزا ملك تلك المدينة (٧) وظهر عليها أظهر علاماته ، إن كان مسلما أظهر علامات

__________________

(١) بضم الهمزة وسكون الفاء والسينان مهملتان والواو ساكنة ، بلد بثغور طرطوس ، يقال : إنه بلد أصحاب الكهف. معجم البلدان ١ / ٢٣١.

(٢) الأصول المخطوطة : راعي.

(٣) الأصل وع وأ : واتبعه.

(٤) الأصول المخطوطة : مفيؤة.

(٥) الأصل وك وأ : بهم.

(٦) الأصول المخطوطة : عنه.

(٧) (وقد دخل تلك الفتية ... تلك المدينة) ، ساقطة من ع.

٢٣٩

المسلمين ، وإن كان كافرا أظهر علامات المشركين ، ثمّ إنّ صاحب الأرض التي كان فيها احتاج إلى أن يبني حظيرة (١) لغنمه ، فهدم ذلك السّدّ (٢) ، فبنى لغنمه ، فكان باب السدّ مفتوحا ، وقد اختلف الناس ، فقال قائلون : لا تقوم الساعة ، وليست بشيء ، وقال الآخرون : هي كائنة حقّا ، ثمّ استيقظوا بعد ثلاث مئة سنة وتسع سنين على جوعهم الذي ناموا عليه ، فنظر مكسلمينا وهو سيّدهم إلى الشمس قد زالت (٣) عن مكانها الذي كانت حين دخلوا ، فقال : كم لبثتم؟ فقالوا : لبثنا يوما أو بعض يوم. وأسماؤهم (٤) : يمليخا ومرطوس ونوايس (٥) وساريبوس وكشفوططيبوط وبطيمونسوس ، قالوا : ربّكم أعلم بما لبثتم ، وقال مكسلمينا : (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ (١٩٨ و) إِلَى الْمَدِينَةِ) [الكهف : ١٩] ، وهم يرون ملكهم دقيانوس كما هو عليه ، (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً) [الكهف : ١٩] ، يقول (٦) : أيّها أحلّ ذبيحة ؛ لأنّ عامّتهم كانوا مجوسا يوم دخلوا الكهف ، (فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) [الكهف : ١٩] ، يقول : طعاما منه ، (وَلْيَتَلَطَّفْ) في الشراء (٧) ، (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) [الكهف : ١٩] يقول : لا يعلمنّ بكم أحدا (٨) من المجوس ، (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ) [الكهف : ٢٠] يقول : في دينهم الشرك بالمجوسيّة ، (وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً) [الكهف : ٢٠] ، قال : فخرج رسولهم يمليخا ، فلما انتهى إلى باب السدّ إذا حجارة مكسورة على بابه ، فقال : إنّ هذا الشيء ما رأيناه ، وكان صاحب الكهف هدمه ، واسمه زندليس (٩) ، بنى حضيرة لغنمه (١٠) ، فقال (١١) : إنّ هذا ما رأيناه أمس حين دخلنا ، فكان أوّل شيء أنكره (١٢) ، وأنكر الطريق ، قال :

__________________

(١) ساقطة من ك.

(٢) ساقطة من ك.

(٣) الأصل وك وأ : زال.

(٤) قال الطبري في تفسيره : «وأما أسماء أهل الكهف فأعجمية ، والسند في معرفتها واه» وهذا ما وجدته ، فلم يتفق أهل الكتب على أسمائهم ، ينظر : تفسير الطبري ، والبدء والتاريخ ٣ / ١٢٨ ، والكامل في التاريخ ١ / ٢٧٧ ، ومعجم البلدان ٣ / ٦١.

(٥) ساقطة من ع وأ.

(٦) أ : فقال.

(٧) الأصول المخطوطة : في الشرى.

(٨) (لا يعلمن بكم أحدا) ، ساقطة من ك.

(٩) اسمه في كتاب البدء والتاريخ ٣ / ١٢٩ : دلس.

(١٠) ساقطة من أ.

(١١) ع : قال.

(١٢) (إن هذا ... شيء أنكره) ، ساقطة من أ.

٢٤٠