درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ٢

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني

درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ٢

المؤلف:

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني


المحقق: د. طلعت صلاح الفرحات / د. محمّد أديب شكور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر ناشرون وموزعون
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9957-07-514-9

الصفحات: ٨٠٢
الجزء ١ الجزء ٢

٢٩ ـ (لِئَلَّا) : (لا) (١) زائدة ، (٢) (٣٠٥ و) وفي جزء عبد الله : (لكي يعلم). (٣) قال الفرّاء : تجعل العرب (لا) صلة في كلام فيه جحد ، قال الله : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) [الأعراف : ١٢] ، (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام : ١٠٩](وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) [الأنبياء : ٩٥]. (٤)

٢٩ ـ (أَهْلُ الْكِتابِ ...) :(٥) بعضهم حالة الاختيار ، أو كلّهم حالة الاضطرار.

__________________

(١) ساقطة من أ.

(٢) مجمع البيان ٩ / ٣١٠ ، والتفسير الكبير ١٠ / ٤٧٥ ، والدر المصون ٦ / ٢٨٢.

(٣) تفسير الطبري ١١ / ٦٩٧ ، وإعراب القرآن للنحاس ٤ / ٣٦٩ ، والمحرر الوجيز ١٤ / ٣٣٠.

(٤) معاني القرآن للفراء ٣ / ١٣٨.

(٥) يفسر هنا قوله تعالى : (أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ).

٦٢١

سورة المجادلة

مدنيّة. (١)

وهي اثنتان وعشرون آية في غير عدد أهل مكّة وإسماعيل. (٢)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١ ـ (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ) : روي : أنّ أوس بن (٣) الصّامت قال لامرأته خولة بنت ثعلبة الأنصارية : أنت عليّ كظهر أمّي ، وكانت هذه الكلمة يطلّق (٤) بها أهل الجاهليّة ، فأتت النّبيّ عليه‌السلام فقالت : إنّ أوسا تزوّجني وأنا شابّة مرغوب فيّ (٥) ، فلمّا خلا سني ، ونثرت بطني جعلني عليه كأمّه ، فقال عليه‌السلام : «ما أراك إلا حرمت عليه» ، وروي : «ما عندي من أمرك شيء» ، فقالت : زوجي وابن عمّي وأحبّ النّاس إليّ ، وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يخدم ، أشكو إلى الله تعالى ، وقالت فيما قالت : إنّ لي صبية صغارا ، إن ضممتهم إليه ضاعوا ، وإن ضممتهم إليّ جاعوا ، وكانت عائشة تغسل رأس النّبيّ عليه‌السلام فقالت : يا خويلة ، أقصري حديثك ومجادلتك مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أما ترين إلى وجه النّبيّ عليه‌السلام تربّد ليوحى (٦) إليه ، فما تحوّلت عنه إلى جانب آخر حتى نزل جبريل عليه‌السلام بآية الظّهار. (٧) فجعله تحريما مؤقّتا بالتكفير. (٨) أو شبّه امرأته بظهر أمّه أو بطنها أو فخذها أو فرجها ، أو قال : رقبتك أو رأسك وفرجك يكون ظهارا. (٩) ولا يجوز الظّهار من الذميّ. (١٠) والأمة لا تدخل في الظّهار. (١١)

__________________

(١) زاد المسير ٨ / ٣ عن ابن عباس ، والدر المنثور ٨ / ٦٧ عن ابن عباس وابن الزبير.

(٢) وعدد آيها عند أهل مكة وإسماعيل عشرون آية. البيان في عد آي القرآن ٢٤٢ ، والتلخيص ٤٣١ ، ومجمع البيان ٩ / ٣١٤ ، وجمال القراء ٢ / ٥٤٩.

(٣) ساقطة من ع.

(٤) ع : نطق.

(٥) (وأنا شابّة مرغوب فيّ) ، ساقط من ع ، و (فلما) بدلا منها : (فلا).

(٦) الأصول المخطوطة : لا وحي ، والتصويب من كتب التخريج.

(٧) حديث خولة مع زوجها أوس رضي الله عنهم أخرجه أحمد في المسند ٦ / ٤١٠ ، وأبو داود في السنن (٢٢١٤) ، والطبراني في الكبير (٦١٦) وابن حبان في صحيحه (٤٢٧٩) عن خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها.

(٨) ينظر : المبسوط للسرخسي ٦ / ٢٤٤ ، وتبيين الحقائق ٣ / ٢.

(٩) ينظر : الهداية شرح البداية ٢ / ١٨ ، وبدائع الصنائع ٣ / ٢٣٣ ، وفتح القدير ٤ / ٢٥٠.

(١٠) ينظر : بدائع الصنائع ٣ / ٢٣٠ ، وتبيين الحقائق ٣ / ٢ ، وشرح فتح القدير ٤ / ٢٤٥.

(١١) ينظر : المغني ٨ / ١٥ لم يجعله ظهارا لكنه أوجب فيه الكفارة ، والمبسوط للسرخسي ٦ / ٢٢٨ ليس ظهارا ولا كفارة فيه.

٦٢٢

٣ ـ وفي قوله : (ثُمَ (١) يَعُودُونَ لِما قالُوا) أربعة أقوال : أحدها : اللّام بمعنى من ، أي : ممّا قالوا كقوله : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) [الأنبياء : ١]. والثّاني : ثمّ يعودون إلى إبطال أو رفع أو استدراك ما قالوا. (٢) والثّالث : المراد بالعود النّدامة ، واللّام بمعنى على ، أي : يندمون على ما قالوا. والرابع : على التّقديم والتّأخير ، تقديره : والذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون فتحرير رقبة لما قالوا (٣)(مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا). (٤)

وقد أخطأ من فسّر العود بتكرار لفظة الظّهار ؛ لأنّه لم يرد فيه توقيف ، ولا هو من قضيّة اللّغة ، (٥) ولفظ (ثمّ) يدلّ على تأخّر العود عن الظّهار بزمان ، فإن مسّها قبل الكفّارة فعليه الكفّارة (٦) ؛ لما روي : أنّ سلمة بن صخر جاء إلى النّبيّ عليه‌السلام فقال : تظاهرت من امرأتي فرأيتها في ليلة قمرا فأعجبتها ، فواقعتها ، فقال عليه‌السلام : «استغفر الله ، ولا تعد حتى تكفّر» (٧) ، وإن مسّها في أثناء الكفّارة فعليه الاستقبال ؛ لأنّ إيجاب جميع الصّوم قبل المسيس أمر بإخلاء الشّهرين عن المسيس ، وهو قادر على ذلك ، والذي لا يستطيع شيئا من الكفّارات الثلاث ، فلسنا نرى له أن يقرب امرأته بوجه من الوجوه.

٥ و ٢٠ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) : الآيتان في الوعيد.

(الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : كفّار بدر. (٨) وقيل : كفّار الخندق. (٩)

٧ ـ (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ) (٣٠٥ ظ) من مجاز الكلام ، وحقيقته استحالة اجتماعهم من غير أن يجمع ، وتناجيهم من غير أن يسمع ، فهو واحد قبلهم ، وواحد معهم ، وواحد بعدهم ، تعالى عن كلّ اتّصال وانفصال وانعقاد وانحلال.

٨ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى) : كان المنافقون يرجفون في المدينة على

__________________

(١) أ : قولهم.

(٢) ينظر : تفسير البيضاوي ٥ / ١٩٢ ، وتفسير أبي السعود ٨ / ٢١٦.

(٣) ك تقديم وتأخير : لما قالوا فتحرير رقبة.

(٤) ينظر : إعراب القرآن للنحاس ٤ / ٣٧٣ عن الأخفش ، وتفسير السمرقندي ٣ / ٣٩٢ ، المحرر الوجيز ١٤ / ٣٣٨.

(٥) ينظر : الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ٣٣٣ ، وتفسير القرطبي ١٧ / ٢٨٠ ـ ٢٨١.

(٦) بداية المبتدي ٨١ ، وبداية المجتهد ٢ / ٨٦.

(٧) أخرجه أبو داود في السنن (٢٢٢١) ، والترمذي (١١٩٩) ، والبيهقي في الكبرى ٧ / ٣٨٦ ، وقال الترمذي : حديث حسن غريب صحيح. وقال ابن حجر رحمه‌الله في الدراية في تخريج أحاديث الهداية ٢ / ٧٥ : «لم أجد في شيء من طرقه ذكر الاستغفار».

(٨) إيجاز البيان عن معاني القرآن ٢ / ٨٠٧ ، ووضح مشكلات القرأن ٢ / ٣٩١ ، وتفسير القرطبي ١٧ / ٢٨٨.

(٩) معاني القرآن للفراء ٣ / ١٣٩ ، ووضح البرهان في مشكلات القرآن ٢ / ٣٩١ ، وتفسير القرطبي ١٧ / ٢٨٨.

٦٢٣

سبيل التّناجي إذا خرجت سريّة من المسلمين ، فكان (١) يحزن من ذلك أولياء الغزاة ، ويظنّون أنّهم سمعوا مكروها من جهة الغزاة ، أو عندهم خبر سبق ، فنهاهم الله عن ذلك ، فلم ينتهوا ، فأنزل الله. (٢)

وعن عائشة قالت : دخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يهود فقالوا (٣) : السّام عليكم با أبا القاسم ، قالت عائشة : فقلت : عليكم السّام ونلت منهم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ الله لا يحبّ الفحش والتّفحّش» ، قالت : أو ما سمعتهم يقولون : السّام عليك؟ قال عليه‌السلام : أو ما تسمعينني ما أقول؟ عليكم ، فأنزل الله : (وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ.)(٤)

١١ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ) : نزلت فيمن لم يتفسّح لثابت بن قيس. (٥) التّفسّح : التّوسّع في المجلس ، والفسحة : الوسعة. (٦)

(يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ) : قبوركم ، (٧) أو يبارك لكم في مجلسكم.

(وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا) : انهضوا للعدوّ. (٨) وقيل : قيام الرّجل عن المجلس لمن هو أفضل منه قرآنا وعلما.

١٢ و ١٣ ـ وعن مجاهد في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) قال : نهوا عن مناجاة النّبيّ عليه‌السلام إلا يقدّموا صدقة ، فلم يناجه إلا عليّ بن أبي طالب قدّم دينارا ، أو تصدّق به ، ثمّ أنزل الله : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) فشقّ ذلك على المسلمين ، فوضعت ، وأمر بمناجاته بغير صدقة. (٩)

١٤ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا ...) الآيات : نزلت الآيات في المنافقين الذين كانوا يتولّون اليهود والمشركين في الشّرّ. (١٠)

__________________

(١) ساقطة من أ.

(٢) ينظر : تفسير السمعاني ٥ / ٣٧٦ ، وتفسير القرطبي ١٧ / ٢٩١ عن ابن عباس.

(٣) أ : وقالوا.

(٤) أخرجه إسحاق بن راهويه ٣ / ٨١٥ ، ومسلم في الصحيح (٢١٦٥) ، والنسائي في الكبرى (١١٥٧١).

(٥) ينظر : مجمع البيان ٩ / ٣٢١ ، وزاد المسير ٨ / ١٠ ، وتفسير البغوي ٨ / ٥٧ عن الكلبي.

(٦) ينظر : القاموس المحيط ١ / ٩٩٦ ، والمحيط والمحكم الأعظم ٣ / ٣٠٥ ، ولسان العرب ٢ / ٥٤٣.

(٧) تفسير القرطبي ١٧ / ٢٩٩.

(٨) ينظر : زاد المسير ٨ / ١١ عن الحسن ، وتفسير غريب القرآن لابن الملقن ٤٥٤.

(٩) تفسير مجاهد ٦٦٠ ـ ٦٦١.

(١٠) ينظر : تفسير الطبري ١٢ / ٢٣ عن قتادة وابن زيد ، وزاد المسير ٨ / ١٣ ، وتفسير مبهمات القرآن ٢ / ٥٨٠.

٦٢٤

١٦ ـ (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) : ترسا. (١)

٢٢ ـ (لا تَجِدُ قَوْماً) : نزلت في إبطال عذر حاطب بن أبي بلتعة حيث قال : لم أتقرّب إلى قريش إلا لمكان أهل بيتي منهم. (٢)

(أُولئِكَ) : إشارة إلى قوم مؤمنين. (٣)

(كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) : أوجده وأوجبه فيه (٤).

(وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) [الصف : ٨].

__________________

(١) ينظر : مجمع البيان ٩ / ٣٢٤ ، وعمدة الحفاظ ١ / ٤٠٢.

(٢) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٥ / ١٤١ ، وتفسير السمعاني ٥ / ٣٩٣ ، ومجمع البيان ٩ / ٣٤٥ ، وزاد المسير ٨ / ١٥.

(٣) ينظر : تفسير السمرقندي ٣ / ٣٩٩.

(٤) ساقطة من أ. وينظر : المحرر الوجيز ١٤ / ٣٦٠ ، تفسير القرطبي ١٧ / ٣٠٨.

٦٢٥

سورة الحشر

مدنيّة. (١)

وهي أربع وعشرون آية بلا خلاف. (٢)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١ ـ (سَبَّحَ لِلَّهِ) : الآيات نزلت في بني قينقاع ، أو في بني النّضر. (٣)

والقصّة في (٤) ذلك : أنّ النّبيّ عليه‌السلام هاجر إلى المدينة ، صالحته اليهود على أن لا يكونوا له (٥) ولا عليه ، فلمّا غزا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بدرا ، وظفر بالمشركين قالت : والله هذا النّبيّ الذي وجدنا لا تردّ له راية ، ثمّ إنّ طائفة من اليهود ، وهم بنو قينقاع ، نقضوا العهد وحسدوا رسول الله عليه‌السلام ، وخافوا على أنفسهم فقالوا للمسلمين : والله لو قاتلناكم لرأيتم منّا غير الذي رأيتم (٦) من أهل بدر ، فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأرسل إليهم أن اخرجوا من جوارنا ، فأبوا وتحصّنوا وتهيّؤوا للقتال ، فحاصرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى نزلوا (٢٠٦ و) على حكمه ، فغنم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رقابهم وأموالهم ، ولم تكن لهم نخل ولا مزارع ، ثمّ استوهبهم ابن أبيّ بن سلول ، فأرسلهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أذرعات ، وكانت هذه الغزوة في شوّال سنة اثنتين. (٧)

وكان كعب بن الأشرف ، وهو رجل من طي بن نبهان ، ولكنّه من جهة أخواله ، فإنّ أمّه كانت من بني النّضير ، قد نقض العهد ، وهجا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورثى قتلى بدر ، وحرّض المشركين على المسلمين ، ثمّ ارتحل إلى مكة ، وحالف قريشا تحت أستار الكعبة ، أن يكون معهم على عداوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم محمد بن مسلمة الأنصاريّ في أربعة من الأوس منهم عبّاد بن بشر وأبو نائلة (٨) سلكان بن سلامة والحارث بن أوس وأبو عبس (٩) بن جبر

__________________

(١) زاد المسير ٨ / ١٧ ، والدر المنثور ٨ / ٨٤ عن ابن عباس وابن الزبير.

(٢) التلخيص في القراءات الثمان ٤٣٣ ، ومجمع البيان ٩ / ٣٢٧ ، وفنون الأفنان ٣١٣.

(٣) لم أجد فيما لدي من مصادر ما يدل على أن السورة نزلت في بني قينقاع ، والمفسرون على أنها نزلت في بني النضير ، وهذا هو الصواب ، أما ما ذكر من بني قينقاع فإنهم هم الذين جاء التشبيه بهم في قوله تعالى : (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً) [الحشر : ١٥] والله تعالى أعلم. ينظر : زاد المسير ٨ / ١٧ ، وتفسير البغوي ٨ / ٦٧ ، والدر المنثور ٨ / ٨٤ عن ابن عباس.

(٤) أ : والقصص.

(٥) ساقطة من ك.

(٦) أ : ما يتم.

(٧) ينظر : الكشاف ٤ / ٤٨٩ ، وتفسير أبي السعود ٨ / ٢٢٥ ، وتخريج الأحاديث والآثار ٣ / ٤٣٧ ، وقال الزيلعي : غريب ، وهو في تفسير الثعلبي من غير سند.

(٨) الأصول المخطوطة : نافلة ، والتصويب من كتب التخريج.

(٩) الأصول المخطوطة : عيسى. والتصويب من كتب التخريج.

٦٢٦

ليغتالوه ، فأتوه في جوف اللّيل ، واستنزله محمد بن سلمة من قصره ، وشكا إليه رسول الله واستقرضه طعاما ، ثمّ تشبّث برأسه ، فكبّر ، فخرج أصحابه من وراء الحائط وضربوه حتى برد ، وفي ذلك يقول عبّاد بن بشر [من الوافر] : (١)

صرخت به فلم يجعل لصوتي

وأوفى طالعا من فوق قصر (٢)

فعدت فقال : من هذا المنادي

فقلت : أخوك عبّاد بن بشر

وأقبل نحونا يهوي سريعا

وقال لنا : قد جئتم لأمر

فعانقه ابن مسلمة المرادى (٣)

له الكفّار (٤) كاللّيث الهزبر

وشدّ بسيفه صلتا عليه

فقطّره أبو عبس بن جبر

وصلت وصاحباي في مكان لّما

قتلناه الخبيث كذبح عير

وكان الله سادسنا فأبنا

بأفضل نعمة وأعزّ نصر

وكانت هذه الواقعة في صفر سنة ثلاث ، وبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سنة أربع جبر بن عتيك في ثلاثة من أصحابه إلى خيبر ليغتالوا لما فيه من خيبر ، وهو [أبو](٥) رافع بن سلام بن أبي الحقيق ، فاغتالوه ، وكانوا قد دخلوا عليه وهو سكران ، والذي تولّى قتله عبد الله بن أنيس الأنصاريّ ، ورجعوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سالمين. (٦)

ثمّ انطلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بني النّضير يستعينهم في دية رجلين من بني كلاب قتلهما عمرو بن أميّة ، وكان لهما عهد ، ومعه أبو بكر وعمر وعليّ وطلحة والزّبير وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير وسعد بن عبادة ، فاستقبلته اليهود ، ورحّبوا به فقالوا : قد آن لك أن تزورنا يا أبا القاسم ، ولك عندنا ما تحبّ ، ولكن احتبس عندنا ساعة نطعمك ، فاستنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بيت من بيوتهم ، وجلس معه أصحابه ، ورجعت اليهود بعضها إلى بعض يتآمرون في أمره ، فأشار عليهم حييّ بن أخطب أن يلقوا عليه رحا من فوق السّطح ، فأعلم الله نبيّه كيدهم ، فوثب كأنّه يريد حاجة ، وخرج حتى رجع إلى المدينة ، وتبعه أصحابه من بعده ، ثمّ أرسل إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأمرهم بالخروج من جواره ، وأجّلهم عشرة أيّام (٣٠٦ ظ) فأخذوا يتجهّزون للخروج ، ثمّ

__________________

(١) ينظر قصة قتل كعب الأشرف مع الأبيات : المستدرك ٣ / ٤٩٢ ، وسير أعلام النبلاء ١ / ٣٤٠ ، وتهذيب الكمال ١٤ / ١٠٦ ، والاستيعاب ٢ / ٨٠٢.

(٢) كتب التخريج : جدر.

(٣) كتب التخريج : المردّى.

(٤) ع وك : الكفار. وما أثبت الصواب ، ينظر : كتب التخريج.

(٥) زيادة من كتب التخريج.

(٦) ينظر : الطبقات الكبرى ٢ / ٩١ ، وأخبار المدينة ١ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤.

٦٢٧

أرسل إليهم ابن أبي [بن](١) سلول المنافق أن لا تبرحوا مكانكم ننصركم ، فاغترّوا بذلك ، وأرسلوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسنا بخارجين عن ديارنا ، فاصنع ما أنت صانع ، فكبّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسار بأصحابه نحوهم ، وهم مشاة على أرجلهم على المقدّمة الفضل بن عبّاس ، وعلى الميمنة عكاشة بن محصن ، وعلى الميسرة ثابت بن أقرم الأنصاريّ ، فصلّى العصر بفنائهم ، وهم يرمون بالنّبل والحجارة إلى اللّيل ، وانصرف (٢) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بيته في عشرة من أصحابه الدّرع ، وهو على فرس ، وقد استعمل عليّا رضي الله عنه على العسكر ، والمسلمون يكبّرون حتى أصبحوا ، ثمّ سار النبيّ عليه‌السلام ، وحمل معه قبّة من أديم ليبيت فيها ، فحاصرهم خمسة عشر يوما ، وسعد بن عبادة يحمل إليهم التّمر من المدينة ، وبينهم وبين المدينة مقدار ميلين ، وكان المسلمون يتّقون دورهم (٣) وهم بها على المسلمين ، ففي ذلك قوله تعالى : (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ)، وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقطع نخلهم ، وكانت خير أموالهم العجوة ، فأخذوا يعيبون المسلمين على ذلك ، ويقولون : إنّكم معشر المسلمين تزعمون أنّكم لا تحبّون الفساد في الأرض ، فكيف تقطعون النّخيل ، وإنّما هي لنا إن ظفرنا ، ولكم إن ظفرتم؟ وطمع بعض المسلمين في ذلك فلم يقطع منها شيئا ، ثمّ اختلفوا فيما بينهم بعد ما استولوا ، فأنزل الله : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ...) الآية [الحشر : ٥] ؛ لأنّ من قطعها قطعها إضرارا باليهود ، ومن تركها تركها نفعا للمسلمين ، وأسلم من بني النّضير يامين بن عمير وأبو سعد (٤) بن وهب ، فأحرزا أموالهما ، وشرط النّبيّ عليه‌السلام لليهود أن يخرجوا ولهم ما حملت إبلهم إلا الحلقة ، وهي السلاح ، فخرجوا على ذلك ، وغنم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سلاحهم وسائر أموالهم سوى ما حملت الإبل. (٥)

٢ ـ واختلفوا في قوله : (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) فقال القتبيّ (٦) : (الْحَشْرِ) : هو الجلاء. (٧) وهؤلاء اليهود أوّل قوم أجلوا عن ديارهم. وقال الأزهريّ : هو أوّل حشر إلى الشّام ، ثمّ يحشر إليها يوم القيامة. (٨)

وقد روى عكرمة ، عن النّبيّ عليه‌السلام قال : «من شكّ أنّ الحشر ليس بالشام فليقرأ : أوّل

__________________

(١) زيادة من كتب التخريج.

(٢) ك : وانصرف.

(٣) أ : دونهم.

(٤) ع : سعيد.

(٥) ينظر غزوة بني النضير وأمر إجلائهم : السيرة النبوية لابن هشام ٣ / ١٥١ وما بعدها.

(٦) الأصل وك وأ : القيسي وع : قيس.

(٧) تفسير غريب القرآن ٤٥٩.

(٨) تهذيب اللغة ١ / ٨٢٧.

٦٢٨

الحشر» ، وهو قوله : (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) [الحشر : ٢] ، فلمّا قال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اخرجوا من المدينة» ، قالوا : إلى أين؟ قال : «إلى أرض المحشر» (١). وعن الحسن قال : لّما (٢) أجلى النّبيّ عليه‌السلام بني النّضير [قال] : «هذا أوّل الحشر ، وأنا على الأثر» (٣).

٦ ـ (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى ... رَسُولِهِ) : الآية في قطع أطماع الصّحابة عن قسمة أرض بني النّضير على حكم الجاهليّة ، وكان حكم الجاهليّة أنّ كلّ سريّة خرجت عن خيل أو ركاب وغنمت شيئا دفعوا (٣٠٧ و) المرباع إلى رئيسهم ، وقسموا سائرها بينهم ، فقالوا : هذا اليوم لك المرباع يا رسول الله ، فخلّ بيننا وبين الباقي. (٤) فبين الله تعالى أنّهم لا يستحقّونها (٥) بحكم جاهليةو لا إسلام ، أما حكم الجاهليّة فلأنّهم لم يكونوا أوجفوا عليه خيلا ولا ركابا ، وأما حكم الإسلام فإنّ الأمر لله يحكم كيف يشاء ، وقد حكم (٦) بالفرق بين الفيء وبين الغنيمة (٧).

(إيجاف الخيل) : كإيضاع الإبل ، وذلك إسراعها ، لكنّ الإيجاف أعمّ من الإيضاع (٨).

٧ ـ (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) : الآيات في صرف الأرضين المفتتحة إلى رأي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليحكم فيها خلاف حكمه في سائر الأموال المغنومة ، فحبس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعضها لنفسه وقرابته ولفقراء المسلمين ولسائر مواليه (٩) ، وقسم بعضها بين الغزاة ، وكان ممّا قسم النّصف من خيبر جعلها على ثمانية عشر سهما ، واستنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه بهذه السّنّة.

(كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً) : شيئا متداولا. (١٠)

٩ ـ (وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) : حاجة وفقر. (١١)

(مِمَّا أُوتُوا) : ممّا آتاهم الله من الرّضا والصّبر ، أو بما أوتي المهاجرون من الغنيمة. (١٢)

__________________

(١) أخرجه ابن عدي في الكامل ٣ / ٣٨٥ موقوفا على ابن عباس.

(٢) ع : كما.

(٣) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٢ / ٥٨.

(٤) ينظر : ومعاني القرآن للفراء ٣ / ١٤٤ ، وتفسير العز بن عبد السّلام ٣ / ٣٠١ ، وتفسير القرطبي ١٨ / ١٦.

(٥) الأصول المخطوطة : يستحبونها.

(٦) ك : كلم.

(٧) (خيلا ولا ركابا ، ... بين الفيء وبين الغنيمة) ، ساقط من أ.

(٨) ك : الإيضاح. ينظر : جمهرة اللغة ١ / ٤٩٠ ، ولسان العرب ٩ / ٣٥٢.

(٩) الأصول المخطوطة : يوانيه.

(١٠) معاني القرآن وإعرابه ٥ / ٤٦ ، وزاد المسير ٨ / ٢٣ ، وعمدة الحفاظ ٢ / ٢٩.

(١١) تفسير الطبري ١٢ / ٤١ ، وزاد المسير ٨ / ٢٣ ، وتفسير غريب القرآن لابن الملقن ٤٥٨.

(١٢) ينظر : تأويلات أهل السنة ٥ / ٩٠ ، وتفسير الماوردي ٤ / ٢١٢ عن مجاهد ومقاتل بن حيان ، وتفسير البيضاوي ٥ / ٢٠٠.

٦٢٩

١١ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا) : فهذا فصل آخر في ذمّ المنافقين وتوهين (١) ، ووعظ المؤمنين (٢).

١٤ ـ (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ) : أي : إذا قاتل بعضهم بعضا كان بأسهم بينهم شديد. (٣)

(وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) : تأنيث شتّ ، وإنما كانت قلوبهم شتّى لكونهم على أديان مختلفة. (٤)

١٥ ـ و (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : كفّار بدر. (٥)

(قَرِيباً)(٦) : أي : من مكان قريب وزمان قريب (٧). وقيل : فيه تقديم وتأخير تقديره : ذاقوا وبال أمرهم قريبا. (٨)

١٦ ـ والظّاهر من قول الشّيطان : (لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ) كقوله : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ) [الأنفال : ٤٨].

عن عبيد بن رفاعة ، يرفعه : أنّ امرأة ابتليت فألقى الشّيطان (٩) بحنقها إلى أهلها أنّ شفاءها أن تأتوها إلى فلان الرّاهب ، قال : فذهبوا بها إليه ، فكلّموه أن يضعوها عنده في صومعته ، فكره ذلك ، فلم يزالوا به حتى فعل بمكثه (١٠) ما شاء الله عنده ، ثمّ إنّ الشّيطان أوقعها في نفسه فوقع بها ، فحملت ، فلمّا حملت أتاه الشّيطان فقال : تفتضح الآن ، اعمد إليها فاقتلها وادفنها ، فإذا أتاك أهلها فسألوك ، فقل : ماتت ، فدفنتها ، ففعل ، فجاءها أهلها فأخبرهم أنّها ماتت فدفنتها ، فصدّقوه ، وانصرفوا ، فأتاهم الشّيطان ، فأوقع في أنفسهم أنّه قتلها ، فأتوه ليقتلوه ، فسبق إليه الشّيطان فقال : إنّ أهلها يأتوك ليقتلوك ، وقد علمت أنّي صاحب هذا أوله وآخره ، فأطعني أنحك منهم ، اسجد لي سجدتين تنج منهم ، ففعل ، ففيه نزلت : (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ)(١١). (١٢)

__________________

(١) هكذا في الأصول المخطوطة ، ولعلها : وتوهينهم.

(٢) ك وع وأ : ووعظا لمؤمنين.

(٣) ينظر : تأويل مشكك القرآن ٣٨٦.

(٤) ينظر : عمدة الحفاظ ٢ / ٢٨٨.

(٥) معاني القرآن وإعرابه ٥ / ١٤٨ ، وتفسير السمرقندي ٣ / ٤٠٨ ، والكشاف ٤ / ٥٠٧.

(٦) بياض في أ.

(٧) (وزمان قريب) ، ساقط من أ.

(٨) ينظر : التبيان في إعراب القرآن ٢ / ٤٠٦ ، والمحرر الوجيز ١٤ / ٣٨٧.

(٩) أ : الشيطا.

(١٠) هكذا في الأصول المخطوطة ، وأظنها : بمكثها.

(١١) ك زيادة : (فَلَمَّا كَفَرَ).

(١٢) ينظر : تفسير الصنعاني ٣ / ٢٨٥ ، وتفسير السمرقندي ٣ / ٤٠٨ ، وتفسير السمعاني ٥ / ٤٠٦.

٦٣٠

٢١ ـ (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ) : هذا فصل من السّورة ، اتصالها من حيث التّنبيه والوعظ السّابق في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) [الحشر : ١٨].

٢٢ ـ (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) (٣٠٧ ظ) هذا فصل آخر في الثّناء على الله ، واتّصالها بذكر المؤمنين ليتجدّد إيمانهم ، فينجع الوعظ السّابق في (١) قلوبهم.

٢٣ ـ (الْقُدُّوسُ) : اسم عظيم من أسماء الله تعالى ، اشتقاقه من القدس. (٢) وقال أبو عليّ الفسويّ (٣) : أصله من السّريانيّة قديس.

(الْمُؤْمِنُ) : من أسماء الله تعالى لإيمانه المؤمنين ظلمه ، وإيمانه الوحوش في الحرم ، ونصبه بيتا في الدّنيا من دخله كان آمنا.

و (الْمُهَيْمِنُ) : اسم من اسماء الله تعالى (٤) مشتقّ.

٢٤ ـ (الْبارِئُ) : الذي برئ النّسمة فهي البريّة ، واشتقاقه من البرء ، وهو الفصل ، فالله (٥) تعالى فصل بين الحق والباطل ، والحسن والقبح ، والحيوان والجماد ، (٦) وقد استوفينا الكلام في الأسماء في مفتاح (٧) الهدى.

__________________

(١) ساقطة من أ.

(٢) ينظر : تفسير أسماء الله الحسنى ٣٠.

(٣) الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي الفسوي ، صاحب التصانيف ، توفي سنة ٣٧٧ ه‍. ينظر : طبقات النحويين واللغوين ١٣٠ ، وسير أعلام النبلاء ٣٧٩ ـ ٣٨٠ ، وشذرات الذهب ٣ / ٨٨ ـ ٨٩.

(٤) (و (الْمُهَيْمِنُ) اسم من أسماء الله) ، مكرر في الأصل وأ.

(٥) ك : فإن الله.

(٦) ينظر : تفسير أسماء الله الحسنى ٣٧.

(٧) أ : مفتا.

٦٣١

سورة الممتحنة

مدنيّة. (١)

وهي ثلاث عشرة آية بلا خلاف. (٢)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١ ـ عن عليّ بن أبي طالب قال : بعثنا (٣) رسول الله عليه‌السلام أنا والزّبير والمقداد ، قال : «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإنّ بها ظعينة معها كتاب ، فخذوا منها» ، فانطلقنا يتعادى بنا خيلنا حتى أتينا [الرّوضة ، فإذا نحن بالظعينة](٤) ، فقلنا : لتخرجنّ (٥) الكتاب أو لنلقينّ الثياب ، فأخرجت من عقاصها ، فأتينا به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [فإذا فيه](٦) من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا حاطب ، ما هذا؟» فقال : يا رسول الله ، لا تعجل عليّ ، إنّي كنت أمرأ (٧) ملصقا من قريش ، ولم أكن من أنفسهم ، وكان معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون قراباتهم وأهليهم ، ولم تكن لي قرابة أحمي بها أهلي ، فأحببت [إذ فاتني](٨) ذلك من النّسب أن أتّخذ منهم يدا يحمون بها قرابتي وأهلي ، ما فعلت ذلك كفرا ، ولا ارتدادا عن ديني ، ولا رضى بالكفر بعد الإسلام ، فقال النّبيّ عليه‌السلام : «إنّه قد صدق» ، فقال عمر رضي الله عنه : دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فقال النّبيّ عليه‌السلام : «إنّه قد شهد بدرا وما يدريك يا عمر ، لعلّ الله قد اطّلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم» ، فأنزل الله تعالى (٩) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ). (١٠)

(بِالْمَوَدَّةِ) : صفة للاسم المنكور ، (١١) كقولك : لا تتخذوا (١٢) صديقا يفشي إليك

__________________

(١) زاد المسير ٨ / ٣٤ ، والدر المنثور ٨ / ٨٤ عن ابن عباس وابن الزبير.

(٢) التلخيص في القراءات الثمان ٤٣٤ ، ومجمع البيان ٩ / ٣٤٣ ، وجمال القراء ٢ / ٥٤٩.

(٣) أ : بينا.

(٤) زيادة من كتب التخريج.

(٥) الأصول المخطوطة : لتخرجين ، والتصويب من كتب التخريج.

(٦) زيادة من كتب التخريج.

(٧) الأصول المخطوطة : أمر ، والتصويب من كتب التخريج.

(٨) زيادة من كتب التخريج.

(٩) (فأنزل الله تعالى) ، ساقط من ع.

(١٠) أخرجه البخاري في الصحيح (٣٠٠٧) ، وأبو داود في السنن (٢٦٥٠) ، والترمذي في السنن (٣٣٠٥).

(١١) ينظر : مشكل إعراب القرآن الكريم ٦٧٧ ، والكشاف ٤ / ٥١١ ، والدر المصون ٦ / ٣٠١ ، وقالوا : إنها صفة ل(أَوْلِياءَ).

(١٢) الأصل : لا تتخذو.

٦٣٢

سرّك (١) ، والباء زائدة (٢).

(يُخْرِجُونَ) : في معنى الحال للذين كفروا. (٣)

(أَنْ تُؤْمِنُوا) : تعليل لإخراجهم. (٤)

(إِنْ كُنْتُمْ) : شرط للنّهي. (٥)

٧ ـ (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ) : الآية في الذين حسن (٦) إسلامهم من المؤلّفة قلوبهم ، ومن سائر الطّلقاء. (٧)

٨ ـ وعن عبد الله بن الزّبير قال (٨) : قدمت قتيلة بنت عبد العزّى بن أسيد (٢٠٨ و) على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا من صباب وسمن وقرظ ، فلم تقبل هداياها ، ولم تدخلها منزلها ، فسألت لها عائشة ، فأنزل الله تعالى : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ). (٩)

(أَنْ تَبَرُّوهُمْ) أي : تحسنوا إليهم. (١٠)

(وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) أي : تؤمنوا إليهم عهودهم. (١١)

١٠ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) : قال مقاتل (١٢) وغيره (١٣) : نزلت الآية في سبيعة بنت الحارث الأسلميّة ، وكانت تحت صيفيّ بن راهب ، فهربت منه عام الحديبية بعد الموادعة ، ولحقت بالمسلمين وهم بالحديبية ، فجاء صيفيّ ليستردها وهو يقول : العهد بيننا وبينكم أن تردّوا علينا ، من لحق بكم فلا تغدروا بنا قبل أن تجفّ طينة الكتاب ، وشنّع ، فقال النّبيّ عليه‌السلام : «ذلك الكتاب في الرّجال دون النّساء» ، فأنزل الله الآية. ورضي الفريقان به جميعا. وقيل : لم يرض المشركون بشيء ، (١٤) فأنزل الله تعالى

__________________

(١) ع : سره.

(٢) ينظر : تأويل مشكل القرآن ١٩٤ ، ومجمع البيان ٩ / ٣٤٢ ، وتفسير البغوي ٨ / ٩٣ ، واللباب في علوم الكتاب ١٩ / ٦.

(٣) ينظر : مشكل إعراب القرآن ٦٧٧. ، والتبيان في إعراب القرآن ٢ / ٤٠٧.

(٤) الكشاف ٤ / ٥١٢ ، وتفسير القرطبي ١٨ / ٥٣ ، وتفسير أبي السعود ٨ / ٢٣٥.

(٥) ينظر : تفسير السمعاني ٥ / ٤١٤ ، والتفسير الكبير ١٠ / ٥٢٠.

(٦) أ : خسروا.

(٧) ينظر : تفسير السمرقندي ٣ / ٤١٥ ، والتفسير الكبير ١٠ / ٥٢٠ ، وتفسير القرطبي ١٨ / ٥٨.

(٨) الأصول المخطوطة : قالت.

(٩) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٨ / ٢٥٢ ، وأخبار المدينة ١ / ٢٦٩ ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٥٢٧.

(١٠) تفسير السمعاني ٥ / ٤١٧.

(١١) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٥ / ١٥٨ ، وتفسير السمرقندي ٣ / ٤١٦ ، والتفسير الكبير ١٠ / ٥٢١ عن مقاتل.

(١٢) ينظر : تفسير مقاتل بن سليمان ٤ / ٥١٧.

(١٣) أ : فاعيره. ينظر : تفسير السمرقندي ٣ / ٤١٦ ، والكشاف ٤ / ٥١٧ ، وتفسير أبي السعود ٨ / ٢٣٩.

(١٤) ينظر : إعراب القرآن للنحاس ٤ / ٤١٥ عن الزهري.

٦٣٣

على رسوله (١) بقوله : (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا).

(فَامْتَحِنُوهُنَّ) : قيل : استوصفوا الإيمان. وقيل : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يستحلف المرأة بالله أنّها لم تخرج مغاضبة لبعض أهلها ، ولا متعشّقة لبعض المسلمين ، ولا طالبة للدّنيا ، ولكنّها خرجت لوجه الله وحده لا شريك له. (٢) فإيمانهنّ إيمان القلب.

(فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) : إيمان اللّسان.

وحكم قوله : (فَلا (٣) تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) : باق.

وحكم قوله : (وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا) : منسوخ. (٤)

وحكم قوله : (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا) : منسوخ ، والنّسخ بالسّنّة المتواترة بعد انتهاء الموادعة.

وحكم قوله : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) : باق (٥). وذهب الشيخ أبو جعفر إلى أنّ هذه الآية متأخرة عن قوله : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) [البقرة : ٢٢١].

١١ ـ ولقوله (٦) : (وَإِنْ فاتَكُمْ) معنيان : أحدهما : أن تريد مسلمة (٧) أن تلحق بدار الحرب ، ثمّ يغير المسلمون على الكفّار ، ويسبوا تلك المرأة ، فيجب عليهم أن يعطوا من القسمة زوجها الأوّل المسلم ، مثل ما كان أنفق قبل ردّتها ، ثمّ يسترقّوا ، والثاني : أن تلحق مسلمة بالكفّار مرتدة ، فيرونها المشركون ، ويقابلهم المسلمون بإيواء مهاجرة من غير أن يسألوا ما أنفقوا ، ويؤتوا ما أنفقوا ، ويعطوا نفقة الكفّار ، فلا يحلّ لهم نكاح تلك المهاجرة على سبيل المهاجرة ، ولكنّ الواجب عليهم أن يسألوا ما أنفقوا ، أي : يعطوا يوم (٨) الكفّار على ما سبق في الآية ، وأيّ المعنيين (٩) صحّ فهو منسوخ بالسّنّة المتواترة.

١٢ ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ) : نزلت بعد فتح مكّة ، وكانت هند بنت

__________________

(١) الأصل وك وأ زيادة : (إلا) ولا معنى لوجودها.

(٢) ينظر : سنن الترمذي (٣٣٠٨) ، وزاد المسير ٨ / ٤١ ، وتفسير البغوي ٨ / ٩٨ عن ابن عباس.

(٣) أ : ولا.

(٤) ينظر : الناسخ والمنسوخ للنحاس ٧٢٧ عن الشافعي في أحد قولين.

(٥) الأصل وك وأ : باقي. وينظر : الناسخ والمنسوخ للمقري ١٧٩.

(٦) ع : وقوله.

(٧) أ : سلمة.

(٨) هكذا في الأصول المخطوطة : ولعلها مقحمة.

(٩) الأصول المخطوطة : المعتدين.

٦٣٤

عتبة امرأة أبي سفيان ، أمّ معاوية ، في جملة المبايعات ، فلمّا بلغ رسول الله عليه‌السلام إلى قوله : (وَلا يَسْرِقْنَ) قالت : إنّ أبا سفيان رجل شحيح ، فهل (١) لي في الأخذ من ماله مقدار ما يكفيني ويكفي أولادي ، فأذن لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمعروف ، لا وكس ولا شطط ، فلمّا بلغ إلى قوله : (وَلا يَزْنِينَ) قالت : وهل (٢) تزني الحرّة؟ فتبسم عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ، (٢٠٨ ظ) ثمّ قال : لا ، والله ، لا تزني الحرّة ، فلمّا بلغ قوله : (وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَ) قالت : ربّيناهم صغارا ، فقلتموهم كبارا (٣) فضحك عمر حتى استلقى على قفاه. (٤)

(بِبُهْتانٍ) : لقيط. (٥)

وعن أمّ سلمة الأنصاريّة قالت : قالت امرأة : ما هذا المعروف الذي لا ينبغي لنا أن نعصيك فيه؟ قال : لا تنحن ، قلت : يا رسول الله ، إنّ بني فلان قد أسعدوني على عمّي ، ولا بدّ لي من قضائهن ، فأبى عليّ ، فعاتبته مرارا ، فأمر لي في قضائهن ، فلم أنح بعد في قضائهن ولا غيره حتى السّاعة ، ولم يبق من النّسوة امرأة إلا وقد ناحت غيري. (٦)

قال طاوس : ما مسّت يد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يد امرأة إلا امرأة يملكها. (٧)

١٣ ـ (قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) : قيل : اليهود. (٨)

(يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ) : بسحرهم وكهانتهم وتحريفاتهم.

كما يئس المشركون من موتاهم. (٩) وقيل : المشركون يئسوا من خير (١٠) الآخرة لإيثارهم البعث ، كما يئس الذين سبقوهم بالكفر ، وماتوا عليه لمشاهدتهم العذاب. (١١)

ونزلت الآية ردا لعجز الكلام على صدره. والله أعلم.

__________________

(١) الأصول المخطوطة : فكان ، والتصويب من كتب التخريج.

(٢) ع : وهي.

(٣) ع : ربيناهن كبارا فقتلوهم صغارا.

(٤) ينظر : الطبقات الكبرى ٨ / ٢٣٧ ، وتفسير السمعاني ٥ / ٤٢٠ ، والكشاف ٤ / ٥١٩ ، وتفسير القرطبي ١٨ / ٧٢.

(٥) ينظر : زاد المسير ٨ / ٤٣ عن ابن عباس والجمهور ، وتفسير البغوي ٨ / ١٠١.

(٦) أخرجه مسلم في الصحيح (٩٣٦) بلفظ مختصر ، والترمذي في السنن (٣٣٠٧) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٦٩ / ٣٧.

(٧) ينظر : سنن الترمذي (٣٣٠٦) ، وتقريب الأسانيد وترتيب المسانيد ٧ / ٤٢ ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.

(٨) معاني القرآن وإعرابه ٥ / ١٦١ ، وتفسير الماوردي ٤ / ٢٢٩ ، وتفسير البغوي ٨ / ١٠٣.

(٩) ينظر : تفسير الطبري ١٢ / ٧٦ عن ابن عباس والحسين وغيرهما ، وتفسير الماوردي ٤ / ٢٢٩ عن ابن عباس.

(١٠) (من خير) ، ساقط من ع.

(١١) ينظر : تفسير الطبري ١٢ / ٧٧ عن مجاهد وعكرمة وغيرهما ، ورجحه الطبري ، وتفسير الماوردي ٤ / ٢٢٩ ، وتفسير البغوي ٨ / ١٠٣.

٦٣٥

سورة الصف

مكيّة (١) ، عن عطاء. (٢) مدنيّة ، عن الحسن وعكرمة وقتادة. (٣)

وهي أربع عشرة آية بلا خلاف. (٤)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

٢ ـ (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) : هم : (كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ) [النساء : ٧٧](٥) ، تولّوا إلا قليلا منهم ، والشّعراء الذين يقولون ما لا يفعلون.

٣ ـ (٦) قيل لميمون بن مهران : أهو الذي يقرّظ نفسه ، أو هو الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وفيه تقصير؟ قال : كلاهما ممقوت. (٧)

٥ ـ (فَلَمَّا زاغُوا) : تهيؤوا للزّيغ مختارين له بخذلان الله تعالى ، خلق الله فيهم الزّيغ. (٨)

٦ ـ وعن عطاء ومقاتل والضّحّاك ، عن ابن عبّاس : اسمه في التوراة أحمد الضّحوك القتّال ، يركب البعير ، ويلبس الشّملة ، ويجتزئ بالكسرة ، سيفه على عائقه. (٩)

(فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ) : عيسى أو نبيّنا عليهما‌السلام. (١٠)

١١ ـ (تُؤْمِنُونَ) (وَتُجاهِدُونَ) : رفع بحذف النّاصبة (١١) ، تقديره : هو أن تؤمنوا وتجاهدوا ، (١٢) ويحتمل : أنّه خبر بمعنى الأمر. (١٣) والله أعلم.

__________________

(١) ساقطة من ع.

(٢) البيان في عد آي القرآن ٢٤٥ ، والمحرر الوجيز ١٤ / ٤٢٣.

(٣) البيان في عد آي القرآن ٢٤٥ عن قتادة ، وزاد المسير ٨ / ٤٥ عن جميعهم.

(٤) البيان في عد آي القرآن ٢٤٥ ، التلخيص في القراءات الثمان ٤٣٥ ، وجمال القراء ٢ / ٥٤٩ ، وإتحاف فضلاء البشر ٥٤١.

(٥) جاء هذا المعنى في سبب نزول الآية الكريمة ، ينظر : تفسير الطبري ١٢ / ٧٩ ، ومعاني القرآن وإعرابه ٥ / ١٦٣ ، وزاد المسير ٨ / ٤٦.

(٦) في قوله تعالى : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ).

(٧) الموافقات للشاطبي ٤ / ٢٥٥ ، والدر المنثور ٨ / ١٣٨.

(٨) ينظر : المحرر الوجيز ١٤ / ٣٢٨ ، وتفسير القرطبي ١٨ / ٨٣.

(٩) ينظر : تفسير السمعاني ٥ / ٢٩٦ عن كعب موقوفا ، والخصائص الكبرى ١ / ١٣٣ عن ابن عباس رفعه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(١٠) ينظر : التفسير الكبير ١٠ / ٥٢٩ ، والمحرر الوجيز ١٤ / ٤٢٩ ، وتفسير القرطبي ١٨ / ٨٤.

(١١) ع : الناصب.

(١٢) ينظر : معاني القرآن للفراء ٣ / ١٥٤ ، وكشف المشكلات وإيضاح المعضلات ٢ / ٣٦٣ ، والتبيان في إعراب القرآن ٢ / ٤١٠.

(١٣) ينظر : الكشاف ٤ / ٥٢٥ ، والبيان في غريب إعراب القرآن ٢ / ٣٦٣ ، وتفسير القرطبي ١٨ / ٨٧ عن المبرد والزجاج.

٦٣٦

سورة الجمعة

مدنيّة. (١)

وهي إحدى عشرة آية بلا خلاف. (٢)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

٣ ـ عن أبي هريرة قال : كنّا جلوسا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقرأ علينا سورة الجمعة ، فلمّا قرأ : (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) وفينا سلمان قال : فوضع يده على سلمان ، ثمّ قال : «لو كان الإيمان عند الثّريّا لنالته رجال من موالي». (٣)

٥ ـ (حُمِّلُوا التَّوْراةَ) : كلّفوا حملها قهرا بنتق الجبل فوقهم.

(ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها) : حقّ حملها. (٤)

(أَسْفاراً) : جمع سفر (٥) ، وهو الكتاب. (٦)

٨ ـ (الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ) : صفة الموت (٧) ، أو بدل منه ، وليس بالخبر ، والخبر مضمون فيه لن يعجزوه. وقيل : (فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) خبر ، وإنّما دخلت الفاء لأنّ الاسم الموصول (٢٢٠ و) كالشّرط ، فكان الخبر كأنّه الجزاء. (٨)

٩ ـ وعن جابر قال : بينما النّبيّ عليه‌السلام يخطب يوم الجمعة قائما إذا قدمت (٩) عير المدينة ، فابتدرها أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى لم يبق منهم إلا اثنا عشر رجلا فيهم أبو بكر وعمر ، فنزلت. (١٠)

__________________

(١) تفسير غريب القرآن ٤٦٧ ، وزاد المسير ٨ / ٥٠ ، والدر المنثور ٨ / ١٤٢ عن ابن عباس وابن الزبير.

(٢) التلخيص في القراءات الثمان ٤٣٦ ، وفنون الأفنان ٣١٤ ، وجمال القراء ٢ / ٥٤٩.

(٣) أخرجه أحمد في المسند ٢ / ٤١٧ ، والبخاري في الصحيح (٤٨٩٧) ، ومسلم في الصحيح (٢٥٤٦).

(٤) الوسيط ٤ / ٢٩٥ ، والتفسير الكبير ١٠ / ٥٤٠.

(٥) ع : سفرة.

(٦) معاني القرآن وإعرابه ٥ / ١٧٠ ، وتفسير البغوي ٨ / ١١٤ ـ ١١٥.

(٧) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣١٧.

(٨) ينظر : كشف المشكلات وإيضاح المعضلات ٢ / ٣٦٥ ، البيان في غريب إعراب القرآن ٢ / ٣٣٦ ، والتبيان في إعراب القرآن ٢ / ٤١٢.

(٩) ع : فدت.

(١٠) أخرجه البخاري في الصحيح (تفسير) ، ومسلم في الصحيح (٨٦٣) ، والترمذي في السنن (٣٣١١) ، وأبو يعلى في المسند (١٩٧٩).

٦٣٧

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) : والخطاب لجماعة سوى ذاكر (١) الله يسعون إليه ، وأقل الجمع الصحيح ثلاثة. (٢)

(نُودِيَ) : أدّن بعد زوال الشمس يوم الجمعة. (٣) والجمعة العروبة بين الخميس والسبت ، سميت جمعة ؛ لاجتماع الناس فيه. (٤)

(السعي) : المضيّ دون العدو ، (٥) كقوله : (وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى) [عبس : ٨].

و (ذِكْرِ اللهِ) : الخطبة. (٦)

وظاهر الآية يدل على جواز الاقتصار على تسبيحة. (٧)

(وَذَرُوا الْبَيْعَ) : اتركوا التبايع في الأسواق حالة النداء لتدركوا الخطبة والصلاة. والبيع منهيّ عنه ساعتئذ (٨) ، وجائز ؛ لأن النهي لمعنى في غيره. (٩)

١٠ ـ (فَانْتَشِرُوا) (وَابْتَغُوا) : أمر إباحة. (١٠)

(مِنْ فَضْلِ اللهِ) : التجارة. (١١)

وعن جابر بن سمرة قال : كان رسول الله عليه‌السلام يخطب قائما ، ثم يقعد ، ثم يقوم. (١٢)

__________________

(١) أ : ذكر.

(٢) وهو قول الإمام أبي حنيفة رحمه‌الله تعالى ، ينظر : المبسوط للسرخسي ٢ / ٢٤ ، والهداية شرح البداية ١ / ٨٣ ، وتبيين الحقائق ١ / ٢٢١.

(٣) ينظر : أحكام القرآن للجصاص ٥ / ٣٣٦ ، والبحر الرائق ٢ / ١٦٨.

(٤) ينظر : زاد المسير ٨ / ٥٣ ، وتفسير البغوي ٨ / ١١٦ ، وتفسير الخازن ٤ / ٢٩٠ ـ ٢٩١.

(٥) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٥ / ١٧١ ، وزاد المسير ٨ / ٥٤ ، وهذا المعنى (المضي) مأخوذ من قراءة ابن مسعود رضي الله عنه لهذه الآية ، وهي «فامضوا إلى ذكر».

(٦) ينظر : زاد المسير ٨ / ٥٤ ، وتفسير البغوي ٨ / ١١٧ عن سعيد بن المسيب ، والتفسير الكبير ١٠ / ٥٤٢ ، وتفسير الجواهر الحسان ٣ / ٣٣٤.

(٧) والاقتصار على التسبيحة عند الأحناف ركن ، ولكن يكره ذلك تنزيها ، ينظر : تبيين الحقائق ١ / ٢٢٠ ، وحاشية ابن عابدين ٢ / ١٤٨.

(٨) بياض في ع.

(٩) ينظر : حاشية ابن عابدين ٢ / ١٦١.

(١٠) ينظر : معاني القرآن للفراء ٣ / ١٥٧ ، ومعاني القرآن وإعرابه ٥ / ١٧٢ ، والمحرر الوجيز ١٤ / ٤٤٨ وقال ابن عطية : «أجمع الناس على أن مقتضى الأمر الإباحة».

(١١) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٥ / ١٧٢ ، والوسيط ٤ / ٣٠٠ ، وتفسير البغوي ٨ / ١٢٣.

(١٢) أخرجه أبو داود في السنن (١٠٩٥) ، والنسائي في الصغرى ٣ / ١١٠ ، وابن خزيمة في صحيحه (١٤٤٧).

٦٣٨

سورة المنافقين

مدنيّة. (١)

وهي إحدى عشرة آية بلا خلاف. (٢)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١ ـ عند قوله : (لَرَسُولُ اللهِ) وقف حسن ؛ لأنّ قوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ (٣)) ليس من كلام المنافقين. (٤)

٤ ـ (خُشُبٌ) : جمع خشبة (٥) ، وهو ما صلب من نبات الأرض ، (٦) والمراد به الأصنام المنحوتة من الخشب. (٧)

(مُسَنَّدَةٌ) : مردودة إلى الجدار ليعتمد عليها ، فلا تخرّ.

وفائدة التّشبيه إثبات صورة حسنة لا خير فيها.

وعن زيد بن أرقم قال : غزونا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان معنا أناس من الأعراب ، وكنّا نبتدر الماء ، والأعراب يسبقوننا إليه ، فيسبق الأعرابيّ (٨) أصحابه ، فيملأ الحوض ، ويجعل حوله (٩) حجارة ، ويجعل النّطع (١٠) عليه حتى يجيء أصحابه ، قال : فأتى رجل من الأنصار أعرابيّا ، فأرخى زمام ناقته ليشرب ، فأبى أن يدعه ، فانتزع [حجرا](١١) فغاض (١٢) الماء ، فرفع الأعرابيّ خشبة فضرب بها [رأس الأنصاريّ](١٣) ، فشجّه ، فأتى عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين ، فأخبره (١٤) ، وكان من أصحابه ، فغضب عبد الله ، فقال : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى

__________________

(١) ع : فأعلمه.

(٢) البيان في عد آي القرآن ٢٤٧ ، والتلخيص في القراءات الثمان ٤٣٧ ، وفنون الأفنان ٤١٣.

(٣) الأصل وأ : لرسول الله.

(٤) ينظر : الوقف والابتداء لابن طيفور ٤٤٢ ، ومنار الهدى ٧٨٥.

(٥) الأصول المخطوطة : خشب. والتصويب من اللسان.

(٦) ينظر : لسان العرب ١ / ٣٥٢.

(٧) ينظر : الكشاف ٤ / ٥٤٢.

(٨) الأصول المخطوطة : فسبق أعرابي. والتصويب من كتب التخريج.

(٩) الأصول المخطوطة : حواله. والتصويب من كتب التخريج.

(١٠) النطع : بساط من أديم. القاموس المحيط ١ / ٩٩١.

(١١) ما بين المعقوفتين زيادة من كتب التخريج.

(١٢) الأصول المخطوطة : فناص. والتصويب من كتب التخريج. وغاض الماء : إذا غار ، النهاية في غريب الحديث ٣ / ٤٠١.

(١٣) ما بين المعقوفتين زيادة من كتب التخريج.

(١٤) ع : فأعلمه.

٦٣٩

ينفضّوا من حوله ، يعني : الأعراب ، فكانوا (١) يحضرون عند النّبيّ عليه‌السلام عند الطّعام ، قال عبد الله : إذا انفضّوا من عند محمد ، فأتوا محمدا بالطعام ليأكله هو وأصحابه ، ثمّ قال لأصحابه : لئن رجعتم إلى المدينة فليخرج الأعزّ منكم الأذلّ ، قال زيد : وأنا أردف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : فسمعت عبد الله ، فأخبرت عمّي ، فانطلق ، فأخبر رسول الله عليه‌السلام ، فحلف وجحد ، قال : فصدّقه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكذّبني ، قال : فجاء عمّي إليّ فقال : ما أردت (٣٠٩ ظ) إلا مقت (٢) رسول الله وكذّبك المسلمون ، قال : فوقع عليّ من أقوالهم ما لم يقع على أحد قال : فبينما أنا مع النّبي عليه‌السلام في سفر قد خفقت رأسي من الهمّ إذا أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعرّك أدني ، ثمّ ضحك في وجهي ، فما كان يسرّني أنّ لي بها الخلد في الدّنيا ، ثمّ إنّ أبا بكر لحقني فقال : ما قال لك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قلت : ما قال شيئا إلا أنّه عرّك أدني وضحك في وجهي ، فقال : أبشر ، ثمّ لحق عمر ، فقلت له مثل قولي لأبي بكر ، فلمّا أصبحنا قرأ النّبيّ عليه‌السلام سورة المنافقين. (٣)

وعن أبي هارون المدنيّ قال : قال عبد الله بن عبد الله بن أبي سلول لأبيه : والله لا تدخل المدينة حتى تقول : رسول الله الأعزّ ، وأنا الأذلّ ، قال : وجاء النّبيّ عليه‌السلام فقال : إنّه بلغني أنّك تريد أن تقتل أبي ، والذي بعثك بالحقّ ما تأملت في وجهه قطّ هيبة له ، ولئن شئت أن آتيك برأسه لآتينّك به ، فإنّي أكره أرى قاتل أبي ، فتركه النّبيّ عليه‌السلام. (٤)

٩ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) : فصل آخر ، اتّصالها من حيث سبق ذكر النّفقة ، وفحوى الخطاب : أنّ المراد بالصالحين المتصدّقون أو الصّدّيقون أو المصدّقون (٥).

١٠ ـ وعن الضّحّاك ، عن ابن عبّاس قال : من أخذ يموت ولم يحجّ ، ولم يؤدّ زكاة ماله ممّن وجب عليه الحجّ إلا سأل الرّجعة ، فقالوا : يا أبا عبّاس ، ما نزال نسمع منك الشّيء لا نذر ما هو ، قال : ما هو؟ قال : فأنا أقرأه عليكم قرآنا ، فقرأ عليهم : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي) قال : أحجّ. (٦)

__________________

(١) ع : فكانوا الأعراب.

(٢) الأصل وك وع : مقتك.

(٣) أخرجه الترمذي في السنن (٣٣١٣) ، والطبراني في الكبير (٥٠٤١) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ١٩ / ٢٧٠ ـ ٢٧١. وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.

(٤) أخرجه الحميدي في المسند ٢ / ٥٢٠.

(٥) أ : المتصدقون.

(٦) الكبائر للذهبي ٣٩ ، والزواجر ١ / ٣٩٠.

٦٤٠