درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ٢

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني

درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ٢

المؤلف:

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني


المحقق: د. طلعت صلاح الفرحات / د. محمّد أديب شكور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر ناشرون وموزعون
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9957-07-514-9

الصفحات: ٨٠٢
الجزء ١ الجزء ٢

وكانت ألف سنة. (١) وقيل : إنّ الجاهلية الأولى كانت في أيّام نمرود. (٢)

وعن عمر بن سلمة ربيب النّبيّ عليه‌السلام قال : لمّا نزلت : (يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) كان في بيت أمّ سلمة فدعا فاطمة والحسن والحسين فجلّلهما (٣) بكساء ، وعليّ خلف ظهره ، فجلّلهم بكساء ، ثمّ قال : «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا» ، قالت أمّ سلمة : وأنا معهم يا نبيّ الله ، قال : «إنّك على مكانك ، وأنت على خير». (٤) وفي بعض الروايات : قالت أمّ سلمة : ألست من أهل بيتك يا رسول الله؟ قال : بلى ، فأدخلها معهم في كسائه. ولكن الرّواية الأولى أشهر ، فإن لم يدخلها فلاستغنائها بظاهر الكتاب ، فليطمئنّ قلبها ، أو كونها متأخرة في تزوجه عن نزول الآية.

٣٥ ـ وعن أمّ سلمة (٢٦٤ ظ) قالت : قلت : يا رسول الله ، تذكر الرّجال في كلّ شيء ، ولا نذكر ، فأنزل الله : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ ...) الآية. (٥) وإنما أحبّت أمّ سلمة إفراد النّساء بالذّكر على سبيل الإتباع والإجمال ليتشرفن بذلك ويتبركن ، لا (٦) لأنّ ظاهر الخطاب لا يتناولهنّ ، فإنّ طريقة العرب مشهورة أنّهم إذا جمعوا بين مذكّر ومؤنّث ، وعاقل وغير عاقل ، ومفرد ومضاف أن يغلّبوا المذكّر والمؤنّث والعاقل والمفرد.

(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ) : نزلت في شأن زينب بنت جحش (٧) بن رياب بن أعصر بن ضمرة بن مرّة بن كثير بن عثم بن داود بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر الأسديّة ، وأمّها أميمة بنت عبد المطّلب عمّة رسول الله ، توفّيت زينب في زمن عمر بن الخطّاب ، فسترت على جنازتها بنعش ، وهي أوّل من سترت بنعش ، فشيّع الجنازة عمر رضي الله عنه ، فلمّا رأى النّعش استحسن ذلك ، وقال : نعم حنا الظّعينة. (٨)

وكان السّبب في ذلك أنّ النّبيّ عليه‌السلام أمرها أن تتزوّج بمولاه زيد بن (٩) حارثة بن

__________________

(١) ينظر : تفسير الطبري ١٠ / ٢٩٥ ، وتفسير ابن أبي حاتم (١٧٦٧٠) ، وتفسير الماوردي ٣ / ٣٢٣.

(٢) ينظر : الماوردي ٣ / ٢٣٢ ، والكشاف ٣ / ٥٤٥ ، والدر المنثور ٦ / ٥٣٠ عن عائشة وعكرمة.

(٣) أ : عللهما.

(٤) أخرجه الترمذي في السنن (٣٨٧٨) ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٤٥١ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٢ / ١٥٠ ، وقال الترمذي : هذا حديث غريب من حديث عطاء.

(٥) أخرجه أحمد في المسند ٦ / ٣٠٥ ، والطبراني في الكبير ٢٣ / (٥٥٤) ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٤٥١.

(٦) ساقطة من ع.

(٧) ينظر : معاني القرآن الكريم ٥ / ٣٥٠ ، والقرطبي ١٤ / ١٦٨ ، والدر المنثور ٦ / ٥٣٧.

(٨) ينظر : الطبقات الكبرى ٨ / ١١٢ ، وسير أعلام النبلاء ٢ / ٢١٢ ـ ٢١٣.

(٩) ساقطة من أ.

٤٦١

شراحيل بعد وفاة أمّ أيمن مولاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو أسامة بن زيد (١) ، وزيد هذا هو الذي ابتلاه الله تعالى بنفي نسبه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ثبوته ، وابتلاه الله بمزاجّة رسوله إيّاه وامرأته على ما سنذكره ، وكان راضيا عن الله تعالى مطمئنا بقلبه على الإيمان ، فعوّضه الله من مجاز النّسبة والمرأة الفاتنة ذكرا مخلّدا ، وهو أن صرّح باسمه ووصفه بالجميل في كتابه المعجز ، وهو حيّ مكلّف يأكل الطعام ، ويمشي في الأسواق ، وهذه رتبة كانت مختصة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل ذلك ، لم ينلها حمزة وعباس وعليّ ، ولا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، ولا فاطمة والحسن والحسين ، ولا خديجة وعائشة وحفصة.

وسئل الزّهريّ : من أوّل من أسلم؟ قال : من النّساء خديجة ، ومن الرّجال زيد بن حارثة. (٢) وعن سليمان بن يسار قال : أوّل من أسلم زيد بن حارثة. (٣)

روي : أنّ حارثة (٤) تزوج إلى طيء بامرأة من بني نبهان (٥) ، فأولدها جبلة وزيدا وأسماء ، فتوفّيت أمّهم ، وبقوا في حجر جدّهم (٦) لأمّهم ، وأراد أبوهم حملهم ، فأبى عليه جدّهم ، ثمّ تراضوا على أن حمل جبلة وأسماء ، وترك زيدا عند جدّه ، فجاءت خيل من تهامة ، فأغارت على طيء ، فسبت زيدا ، وطاروا به إلى سوق عكاظ ، فرآه النّبيّ (٧) عليه‌السلام من قبل أن يبعث ، فقال لخديجة : «يا خديجة ، رأيت في السّوق غلاما صفته كيت وكيت ، يصف عقلا وأدبا وجمالا (٨) ، (٢٦٥ و) لو أنّ لي مالا لاشتريته» ، فأمرت خديجة ورقة بن نوفل ، فاشتراه من مالها ، فقال لها النّبيّ عليه‌السلام : «يا خديجة ، هذا الغلام بطيبة من نفسك» ، فقال : يا محمد ، إني رأيت غلاما رضيّا ، وأحبّ أن أتبنّاه ، وأخاف أن تبيعه ، أو تهبه ، فقال : «يا موفّقة ، ما أردت إلا أن أتبنّاه» ، فقالت له (٩) : خذه يا محمد ، فربّاه وتبنّاه ، وكان يقال له : زيد بن محمد ، فجاء رجل من الحيّ فرأى زيدا ، فعرفه ، فقال : ألست زيد بن حارثة؟ قال : لا ، أنا زيد بن محمد ، قال : بلى أنت زيد بن حارثة ، نسبة أبيك وعميك (١٠) وإخوتك كيت وكيت ، وقد أتعبوا الأبدان ، وأنفقوا

__________________

(١) أرى والله أعلم : أن ذكر أسامة بن زيد هنا مقحم.

(٢) ينظر : تاريخ الطبري ١ / ٤٧٥.

(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٨ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧.

(٤) (وعن سليمان بن يسار ... روي : أن حارثة) ، ساقط من أ.

(٥) ع : نهبان.

(٦) الأصول المخطوطة : أمهم ، وفي حاشية الأصل : مكتوب لعله : جدهم. وهو أوفق بالمعنى.

(٧) حرف الظاء من كلمة عكاظ ، وقوله : فرآه النبي ، بياض في أ.

(٨) ع : جمالا وأدبا.

(٩) ك : خديجة.

(١٠) ع : وعمك.

٤٦٢

الأموال في سبيلك ، فقال (١) :

ألكني إليّ قومي وإن كنت نائيا

يأبى قطين البيت عند المشاعر

فكفّوا عن الوجد الذي قد شجاكم

ولا تعلموا في الأرض نصّ الأباعر

فإنّي بحمد الله في خير أسرة

خيار معد كابر بعد كابر

وإنّي مولى للنّبيّ (٢) محمد

حويت بهم سهم القريع المفاخر

فمضى الرجل وأخبر حارثة ، ولحارثة في ذلك شعر [من الطويل] : (٣)

بكيت على زيد ولم أدر ما فعل

أحيّ يرجى أم أتى دونه الأجل

فو الله ما أدري وإنّي لسائل

أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل

فيا ليت شعري هل لك (٤) الدّهر رجعة

فخير من الدّنيا رجوعك لي بجل

سأعمل نصّ العيس في الأرض جاهدا (٥)

ولا نسأم التّطواف إذ تسأم الإبل

وإن هبّت الأرياح هيّج ذكره

فيا طول أحزاني عليه ويا وجل

تذكّرنيه الشّمس عند طلوعها

وتعرض ذكراه إذا عسعس الطفل

حياتي أو تأتي عليّ منيّتي

وكلّ أمرئ (٦) فان وإن غرّه الأمل

ثمّ إن حارثة أقبل مكة وأخواه وولده وبعض عشيرته ، فإذا النّبيّ عليه‌السلام في فناء الكعبة في نفر من أصحابه ، وزيد فيهم ، فلمّا نظروا إليه عرفوه وعرفهم ، فقالوا : يا زيد ، فلم يجبهم انتظارا منه لرأي رسول الله عليه‌السلام ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من هؤلاء يا زيد؟ فقال : يا رسول الله ، هذا أبي وهذان عمّاي ، وهذا أخي ، وهؤلاء عشيرتي ، فقال له : قم يا زيد ، فسلّم عليهم ، وسلّموا عليه ، فقال (٧) : امض معنا يا زيد ، فقال : ما أريد برسول الله بدلا ، (٢٦٥ ظ) ولا أوثر عليه أحدا ، قالوا : يا محمد ، إنّا معطوك بهذا الغلام ديّات ، فسمّ ما شئت ، فإنّا حاملوه إليك ، فقال : أسألكم أن تشهدوا أن لا إله إلا الله وأنّي خاتم أنبيائه ورسله (٨) ، فأبوا وتلكؤوا (٩) ،

__________________

(١) الطبقات الكبرى ٣ / ٤١ ، وصفة الصفوة ١ / ٣٧٩ ، والمنتظم ٣ / ٣٤٧ ، ما عدا البيت الأخير.

(٢) أ : النبي.

(٣) ينظر : صفوة الصفوة ١ / ٣٧٨ ، والبدء والتاريخ ٥ / ٢٢ ، والمنتظم ٣ / ٣٤٧.

(٤) ساقطة من الأصل وأ. والصواب ما أثبت يتنظر : مصادر التخريج.

(٥) ع : صاهرا.

(٦) الأصول المخطوطة : امرؤ ، والتصويب من كتب التخري.

(٧) ع : فقالوا له.

(٨) ساقطة من ك.

(٩) بياض في ع ، وا : تلكأ.

٤٦٣

وتلجلجوا ، وقالوا : نعطي ما عرضنا عليك يا محمد ، قالوا : هاهنا (١) خصلة غير هذه ، قد جعلت الأمر إليه ، إن شاء فليرحل ، قالوا : يا محمد ، ما بقي ، قضيت ما عليك ، يا زيد (٢) فانطلق معنا ، قال : هيهات هيهات ، ما أريد برسول الله بدلا ، ولا أوثر عليه أحدا ، قال أبوه : يا نبيّ الله ، أمّا أنا (٣) فأقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله ، فآمن حارثة ، وأبى الباقون ، ورجعوا إلى البريّة. والحديث مختصر. (٤)

وعن أبي عمرو الشيبانيّ : أنّ جبلة بن حارثة قال : قدمت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت له : يا رسول الله ، ابعث معي أخي زيدا ، قال : هو ذا ، فإن انطلق معك لم أمنعه ، قال زيد : يا رسول الله ، والله لا أختار عليك أحدا ، قال جبلة بن حارثة : فرأيت رأي أخي أفضل. (٥)

وعن عمر : أنّه فرض لأسامة بن زيد في ثلاثة آلاف وخمس مئة ، وفرض لعبد الله بن عمر في ثلاثة آلاف ، فقال عبد الله لأبيه : لم فضّلت أسامة عليّ ، فوالله ما سبقني إلى مشهد ، قال : لأنّ زيدا كان أحبّ إلى رسول الله من أبيك ، وكان أسامة أحبّ إلى رسول الله (٦) منك ، فآثرت حبّ رسول الله على حبّي. (٧) وعن ابن عمر : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث بعثا وأمّر عليهم أسامة بن زيد ، وطعن (٨) النّاس في إمرته (٩) ، فقال : إن تطعنوا في إمرته فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من قبل ، وايم الله ، إن كان لخليقا للإمارة ، وإن كان لمن أحبّ النّاس إليّ ، وإنّ هذا من أحبّ النّاس إليّ بعده. (١٠) فلمّا كان زيد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهذه المنزلة أحبّ إكرامه وتشريفه بأن تزوّج منه بنت عمّته ، فترفعت المرأة عن ذلك ، فأنزل الله هذه الآية ، فسلّمت لحكم الله ، وتزوّجت بزيد بن حارثة.

٣٧ ـ (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) : إنعام الله توفيقه للإيمان ، وإنعام رسول الله هو عتقه وتزويجه. (١١)

__________________

(١) الأصل وك وأ : هاهنا. وهو الصواب ، ينظر : مصادر التخريج.

(٢) ع : يا زيد ما عليك.

(٣) الأصل وك وأ : أني.

(٤) ينظر قصة زيد ومجيء أهله في الطبقات الكبرى ٣ / ٤١ ، والفوائد ٢ / ٨٣ ـ ٨٥ ، وصفة الصفوة ١ / ٣٧٨ ـ ٣٨١.

(٥) أخرجه الترمذي في السنن (٣٨١٥) ، والطبراني في الآحاد والمثاني (٢٦٠٠) ، والحاكم في المستدرك ٣ / ٢٣٧ ، وقال الترمذي : حديث حسن غريب.

(٦) (من أبيك ، وكان أسامة أحب إلى رسول الله) ، ساقط من ع.

(٧) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٣٢٨٧٨) ، والترمذي (٣٨١٣) ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب.

(٨) أ : فطعن.

(٩) أ : امرأة ، وكذلك التي بعدها. وما أثبت الصواب لأن الحديث هنا عن الإمارة.

(١٠) أخرجه البخاري (٤٢٥٠) ، ومسلم في صحيحه (٢٤٢٦) ، والترمذي في السنن (٣٨١٦).

(١١) ينظر : تفسير الطبري ١٠ / ٣٠٢ ، والتفسير الكبير ٩ / ١٦٩.

٤٦٤

(وَاتَّقِ اللهَ) : من كلام رسول الله له.

(وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ) : معطوف على بلغ (١).

والسّبب في نزولها : أنّ المرأة مكثت عند زيد ما شاء الله ، ثمّ إنّ رسول الله أتى بيت زيد ذات يوم وهو غائب عن بيته ، فوقع بصره على المرأة وهي قائمة في درع وخمار ، فألقى الله حبها في حبه (٢) ، فأعرض عنها مدبرا وهو يقول : سبحان الله (٣) مقلّب القلوب ، (٢٦٦ و) فلمّا سمعت المرأة تلك اللّفظة علمت بما ابتلي به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجلست متستّرة ، ولم تكلّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بيته ، ورجع زيد إلى بيته (٤) ، فأخبرته المرأة بالقصّة ، فلم يثبت زيد أن جاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يشكو زينب بأنّها متكبّرة ذات نخوة ، ما تطيعه في أمر ، ولا تبرّ قسمه ، وأنّه (٥) يريد أن يطلّقها ، فزجره النّبيّ عليه‌السلام تمسّكا بالنّصيحة الشّرعيّة ، وفي قلبه ما في قلبه ، فأظهر الله ذلك عليه. (٦)

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : لو كان النّبيّ كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية. (٧) فلمّا نزلت الآية (٨) أذن النّبيّ عليه‌السلام لزيد في طلاقها ، وفي أن خطبها بعد ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فرجع زيد وأخبر المرأة بأنّه شكا منها إلى رسول (٩) الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاستأذن في طلاقها ، فأذن له في ذلك ، ثمّ قال لها : جزاك الله خيرا إن كنت لتطيعيني (١٠) وتبرّين قسمي ، فبكت المرأة ، ثمّ أخبرها بأنّه وكيل من جهة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أن يخطبها له ، فضحكت. (١١)

(فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً) : أي : استوفى حاجته من النّظر والمفاكهة والملاعبة إلى ما وراء ذلك من المسيس وغيرها. الوطر : الأرب والحاجة. (١٢)

__________________

(١) ساقطة من أ. والعطف يكون على معنى التبليغ والإظهار المتعلق بالإمساك وتقوى الله ، والله أعلم.

(٢) ع : في قلبه.

(٣) غير موجودة في ع.

(٤) (ورجع زيد إلى بيته) ، ساقط من ك.

(٥) الأصل وك وأ : أن ، وع : أني.

(٦) ينظر : الكامل في ضعفاء الرجال ٣ / ٣١٦ ، وتخريج الأحاديث والآثار ٣ / ١١١ ، وفي سند الحديث سليم مولى الشعبي ، وقال عنه النسائي : ليس بثقة ، وقال يحيى : ضعيف ، وقال عمر بن علي : ضعيف الحديث.

(٧) أخرجه أحمد في المسند ٦ / ٢٤١ ، ومسلم في صحيحه (١٧٧) ، والترمذي في السنن (٣٢٠٨).

(٨) (فلما نزلت الآية) ، ساقط من أ.

(٩) أ : لرسول.

(١٠) الأصول المخطوطة : لتعطينني. والتصويب من كتب التخريج.

(١١) ينظر : مسند أبي عوانة ٣ / ٥٦ ، وتفسير السمعاني ٤ / ٢٨٨.

(١٢) ينظر : التبيان في تفسير غريب القرآن ٣٤١ ، ولسان العرب ٥ / ٢٨٥.

٤٦٥

وعن الشّعبيّ : أنّ زينب بنت جحش قالت للنّبيّ عليه‌السلام : إنّي لأدلّ عليك بثلاث ، ما من نسائك امرأة تدلّ بهن : إحداهنّ : أنّ جدّي وجدّك واحد ، والثاني : أنّ الله تعالى زوجنيك من السماء ، والثالث : أنّ السفير جبريل (١) عليه‌السلام. (٢)

(لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ) : يبين أنّ فعل النّبيّ عليه‌السلام كان فعلا طاهرا يدلّ على جوازه لأمّته ما لم تقم دلالة لتخصيص فيها فرض الله له ، وفي استباحة ما خصّه الله بالإباحة (٣) له ممّا يراه النّاس محظورا عليه بعقولهم أو بأوهامهم.

٣٨ ـ (سُنَّةَ اللهِ) : نصب على المصدر ، أي : سنّ الله فيك سنّته. (٤)

(وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً (٥) مَقْدُوراً) : أي : كان قضاؤه مقدّرا. (٦)

٣٩ ـ (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ) : في محلّ الخفض بدلا من (الَّذِينَ خَلَوْا)(٧) [الأحزاب : ٣٨].

٤٠ ـ (مِنْ رِجالِكُمْ) : أي : من رجال الدّنيا ، فإنّ الله استأثر نبيّه أطفالا لم يبلغوا مبلغ الرّجال. (٨) وقال الشّعبيّ : ما كان ليعيش فيكم له ولد ذكر (٩). (١٠) وتسمية الفاطميّة بني رسول الله على المجاز ، كقوله عليه‌السلام لأغيلمة (١١) ليلة الجمع حين قدّم ضعفة أهله : «أبنيني لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشّمس» (١٢).

٤١ ـ (اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) : عن عبد الله بن بسر (٢٦٦ ظ) أنّ رجلا قال : يا رسول الله ، إنّ شرائع الإسلام قد كثرت عليّ ، فأخبرني بشيء أتشبّث به ، فقال : «لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله» (١٣) ، وعن أنس قال : قال رسول الله عليه‌السلام : «ذكر الله علم

__________________

(١) أ : يل.

(٢) تفسير الثعلبي ٨ / ٤٩ ، وتفسير القرطبي ١٤ / ١٩٥ ، والخصائص الكبرى ٢ / ٤٢٩.

(٣) ك : بالأخذ له.

(٤) ينظر : كشف المشكلات ٢ / ٢٣٠ ، مجمع البيان ٨ / ١٢٢ ، والبحر الميحيط ٨ / ٤٨٤.

(٥) أ : قديا.

(٦) ينظر : تفسير السمرقندي ٣ / ٥٩ ، وتفسير السمعاني ٤ / ٢٩٠ ، وتفسير البيضاوي ٤ / ٢٣٢.

(٧) ينظر : تفسير الطبري ١٠ / ٣٠٥.

(٨) ينظر : تفسير الطبري ١٠ / ٣٠٥ ، والكشاف ٣ / ٥٥٣ ، والدر المنثور ٦ / ٥٤٤.

(٩) الأصول المخطوطة : ذلك. والصواب ما أثبت.

(١٠) ينظر : الترمذي (٣٢١٠) ، والدر المنثور.

(١١) الأصول المخطوطة : لأغيامه ، والتصويب من كتب التخريج.

(١٢) أخرجه الطيالسي في مسنده ٣٥٢ ، وأحمد في المسند ١ / ٣٢٦ ، والنسائي في السنن الصغرى ٥ / ٢٧١.

(١٣) أخرجه الترمذي (٣٣٧٥) ، وابن ماجه في السنن (٣٧٩٣) ، وابن حبان في صحيحه (٨١٤).

٤٦٦

الإيمان (١) ، وبراءة من النّفاق ، وحصن من الشّيطان ، وحرز من النّار» (٢).

٤٤ ـ (تَحِيَّتُهُمْ) : من عند الله. (٣) فكفى للجيفة البالية فخرا بأن يحيّيها محيّيها ، وينجّيها منجّيها.

٤٦ ـ (إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ) : يحتمل : الوحي فرقا للنّبيّ عليه‌السلام. ويحتمل : التّوفيق (٤).

٤٨ ـ (وَدَعْ أَذاهُمْ) : واترك مراعاة جانبهم والتودّد إليهم باحتمال مشقّتهم ، (٥) وإنّما أمره بذلك لأنّ النّبيّ عليه‌السلام ما كان يحتمل أذاهم إلا لوجه الله تعالى.

٥٠ ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ) : فيه دليل على أنّ جواز الجمع بين الحقيقة في لفظ إذا تجانسا (٦) ، ولم يتنافيا ؛ لأنّ قوله : (أَحْلَلْنا) : حقيقة في حقّ أزواجه في غيرهنّ إذ هو في معنى قوله : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ).

فأمّا أزواجه (٧) اللّواتي آتاهنّ أجورهنّ : فخديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ بن كلاب توفّيت قبل الهجرة ، وسودة بنت زمعة (٨) ، ومعه من مهاجري الحبشة ، تزوجها بمكة ، وطلقها بالمدينة ، فسألته لوجه الله أن يراجعها بمكة ، وبنى (٩) بها بالمدينة ، وحفصة بنت عمر تزوّج بها بالمدينة بعد موت خنيس بن حذافة ، وكان رسول الله أرسله إلى كسرى ، وزينب بنت خزيمة من بني عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة توفّيت قبل رسول الله ، وكانت تدعى أمّ المساكين ، وزينب بنت جحش الأسدية ، وأمّ حبيبة بنت أبي سفيان الأمويّة ، وأمّ سلمة بنت أبي أميّة بن المغيرة المخزوميّة ، وميمونة بنت الحارث الهلاليّة أمّ الفضل التي هي أمّ الخلفاء رضي الله عنهم ، وصفية بنت حييّ النضيرية أعتقها ، ثمّ تزوّج بها ، وجويرية بنت الحارث المصطلقيّة ، فهؤلاء إحدى عشرة (١٠) امرأة أمّهات المؤمنين ، توفّيت ثنتان قبله ، ومات عن تسع منهن. (١١)

__________________

(١) ع : القرآن.

(٢) تفسير الثعلبي ٣ / ٢٣١.

(٣) ينظر : الكشاف ٣ / ٥٥٥.

(٤) الكشاف ٣ / ٥٥٦.

(٥) كشف المعضلات ٢ / ٢٣٠ ، وتفسير القرطبي ١٤ / ٢٠٢.

(٦) أ : تجافيا.

(٧) (في غيرهن إذ ... فأما أزواجه) ، ساقط من ع.

(٨) ع : ربيع.

(٩) ك : وهي.

(١٠) الأصول المخطوطة : عشر.

(١١) ينظر : سيرة ابن هشام ٤ / ٢١٩ ـ ٢٢٣ ، والطبقات الكبرى ٨ / ٢١٦ ـ ٢٢٠ ، والأربعين في مناقب أمهات المؤمنين ٤٧.

٤٦٧

وروي : أنّه عليه‌السلام تزوّج بحمنة بنت ذي اللّحية من بني بكر بن كلاب ، فدخل بها ليلة ، فطلّقها ، فخبّر أنّها تظلع فطلّقها. وتزوّج بأميمة (١) بنت النّعمان الكندية ، فقالت : ملكة تحت سوقة ، فلم يطأها ، وطلّقها. (٢) وتزوّج بامرأة فلمّا دخل عليها وبسط يده إليها قالت : أعوذ بالله منك ، فقال عليه‌السلام : لقد عذت بمعاذ ، فطلّقها. (٣) وأما ما ملكت يمينه من السّواري فمارية القبطية أمّ إبراهيم احتجبت بعد نزول آية الحجاب ، وريحانة بنت شمعون (٢٦٧ و) القرظيّة ، قيل : إنّها احتجبت بعد نزول آية الحجاب.

(مِمَّا (٤) أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ) : الإفاء في اللّغة الرّدّ ، (٥) وإنّما سمّيت الغنيمة فيئا ؛ لأنّ النّعمة يستحقها المؤمنون ، فكأنّ الكفّار اغتصبوها ، أو جميع ما في الأرض للمؤمنين في عصر آدم عليه‌السلام وبنيه فما يغنمه المسلمون ، فكأنهم يرتجعونه.

(وَبَناتِ عَمِّكَ) : فضباعة بنت الزبير بن عبد المطّلب كانت تحت المقداد (٦) ، وأمّ الحكم بنت الزبير بن عبد المطّلب كانت تحت الرّبيعة بن الحارث بن عبد المطّلب (٧) ، وأمّ هانئ فاختة بنت أبي طالب (٨) ، وجمانة (٩) بنت أبي طالب لا نعرف لهما زوجا (١٠) ، وأمّ حبيب بنت عبّاس من أمّ الفضل ، وآمنة وصفية ابنتا (١١) عبّاس من أمهات الأولاد لا نعرف أزواج بنات عبّاس ، وأمّ أبيها بنت حمزة لا نعرف زوجها ، وهند بنت المقدم بن عبد المطّلب كان تحت عبد الله بن أبي مسروح أخي بنتي سعد بن بكر بن هوازن ، وبنات لأبي لهب ، وأروى بنت الحارث بن عبد المطّلب لم يتزوج رسول الله بواحدة من هؤلاء فيما مضى ، ولا فيما استقبل من عمره ، وأما بنات عمّاته فغير مسمّيات في المعارف والتّاريخ ما خلا زينب بنت جحش فإنّها ابنة عمّة رسول الله عليه‌السلام ، وأما بنات خاله فغير مسمّيات ، لا يعرف لوالدة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا لمرضعته أخ

__________________

(١) أ : أمية.

(٢) ينظر : صحيح البخاري (٥٢٥٥) ، وكشف المشكل ٢ / ١٣٣.

(٣) ينظر : صحيح البخاري (٥٢٥٤) ، ومسند أبي يعلى (٤٩٠٣) ، والمستدرك ٤ / ٣٩ ، عن عائشة أنها : بنت الجون الكلابية.

(٤) الأصول المخطوطة : ما.

(٥) ينظر : الغريبين ٥ / ١٤٨٥ ، ومشارق الأنوار ٢ / ١٦٥ ، ولسان العرب ١ / ١٢٦.

(٦) ينظر : الطبقات الكبرى ٨ / ٤٦ ، وتهذيب الكمال ٣٥ / ٢٢١ ، والاستيعاب ٤ / ١٨٧٤ ،.

(٧) (كانت تحت الربيعة بن الحارث بن عبد المطلب) ، ساقط من أ. وينظر : الطبقات الكبرى ٨ / ٤٦ ، والإصابة في تمييز الصحابة.

(٨) أخت علي بن أبي طالب ، وقيل : اسمها هند ، وكانت تحت هبيرة بن أبي وهب المخزومي. ينظر : الاستيعاب ٤ / ١٩٦٣ ، وتاريخ دمشق ٣ / ٢٤٤ ، وتهذيب الكمال ٣٥ / ٣٨٩.

(٩) ك : عمانة.

(١٠) أ : لها وزوجا.

(١١) أ : بنتا.

٤٦٨

من أروام ، ولكن (١) بني زهرة أخوال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على طريق الإجمال لمكانة آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة ، وبنو سعد بن بكر بن هوازن أخواله لمكان مرضعته حليمة بنت أبي ذويب السعديّة ، وأما بنات خالاته فغير مسمّيات ، ولا تعرف أخت لوالدة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا لمرضعته ، ولكنّ الزهريّات والسّعديات خالاته على طريق الإجمال لمكان آمنة وحليمة.

والظاهر من قوله : (اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ) : وصف لبنات الخالات. (٢)

وروي : (أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي ..) الآية ، فلم أكن أحلّ له ؛ لأنّي لم أهاجر ، كنت من الطلقاء. (٣)

فالظاهر من قوله : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً) : أنّه عامّ في جميع المؤمنات مهاجرات وغير مهاجرات (٤). وقال ابن عباس : نهي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أصناف النّساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات. (٥)

وقوله : (خالِصَةً لَكَ) : منصوبة بمضمر ، أي : جعلنا هذه الخصلة (٦) ، أو هذه الفريضة خالصة لك ، (٧) والتّخصيص هو عدم العوض ؛ لأنّ (٨) الواهبة معطوفة على ذوات الأجور ، والمعطوف عليه في الظاهر يدلّ عليه ما روي : أنّ خولة بنت حكيم وهبت نفسها للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢٦٧ ظ) وكانت من المهاجرات الأول. (٩) قالت عائشة : كنت إذا ذكرت [قلت :](١٠) استحيي امرأة تهب نفسها لرجل بغير مهر ، وكانت من أغير النّاس ، وفيها نزلت : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ)، قلت : يا رسول الله ، إنّ ربّك ليسارع في هواك. (١١)

__________________

(١) الأصول المخطوطة : ولكنى.

(٢) ينظر : مجمع البيان ٨ / ١٢٩.

(٣) هكذا في الأصول المخطوطة ، وهو مجتزأ من حديث أخرجه الترمذي في السنن (٣٢١٤) ، والطبراني في الكبير ٢٤ / (١٠٠٧) ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٤٥٦ ، عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت : خطبني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فاعتذرت إليه فعذرني ...

(٤) (وغير مهاجرات) ، ساقط من أ.

(٥) أخرجه أحمد في المسند ١ / ٣١٨ ، والترمذي في السنن (٣٢١٥) ، والطبراني في الكبير ١٢ / ٢٤٨ ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن.

(٦) الأصل وك وع : الخلصة.

(٧) ينظر : البيان في إعراب القرآن ٢ / ١٩٣.

(٨) ساقطة من ك.

(٩) ينظر : الطبقات الكبرى ٨ / ١٥٨ ، وتهذيب الكمال ٣٥ / ١٦٤ ، ومعتصر المختصر ١ / ٢٩٣ ، عن عروة بن الزبير.

(١٠) زيادة من كتب التخريج.

(١١) أخرجه البخاري في الصحيح (٤٧٨٨) ، ابن ماجه في السنن (٢٠٠٠) ، وابن أبي حاتم في التفسير (١٧٧٣٦) ، والطحاوي في شرح مشكل الآثار ١٥ / ٣٣٦.

٤٦٩

وعن ابن عباس قال : ألقى الله في قلب أمّ شريك بنت جابر الإسلام ، فأسلمت وهي بمكّة ، وهي إحدى نساء قريش ، ثمّ إحدى بني عامر بن لؤيّ ، وكانت تحت أبي الغلواء (١) الدّوسيّ ، فأسلمت وجعلت تدخل على نساء قريش سرّا تدعوهنّ ، وترغبهنّ في الإسلام حتى ظهر أمرها لأهل مكّة ، فأخذوها فقالوا : لو لا قومك لفعلنا بك ، ولفعلنا ، لكن سنؤدّك إليهم ، قالت (٢) : فحملوني على بعير ليس تحتي شيء من (٣) وطاء ولا غيره ، ثمّ تركوني ثلاثا لا يطعمونني ولا يسقونني ، قالت : فما أتت عليّ ثلاث صرما (٤) في الأرض شيء أسمعه ، قالت : فنزلوا ، وكانوا إذا نزلوا منزلا أوثقوني في الشّمس ، ثمّ استظلوا ، فهم فيها حتى يرتحلوا ، قالت : فبيناهم قد نزلوا منزلا ، وأوثقوني في الشّمس إذ أتي ببرد على صدري فتناولته ، فإذا هو دلو من ماء ، فشربت منه قليلا ، قال : فصنع بي ذلك مرارا ، ثمّ تركت فشربت منه حتى رويت ، ثمّ أفضت سائره على جسدي وثيابي ، فإذا استيقظوا إذا هم بأثر الماء ، ورأوني حسنة الهيئة ، فقالوا لي : أتحلّلت فأخذت سقانا فشربت منه حتى رويت؟ قلت : ما فعلت ، ولكنّه من الأمر كذا وكذا ، قالوا : إن كنت صادقة فدينك خير من ديننا ، فلمّا نظروا إلى أسقيتهم وجدوها كما تركوها ، فأسلموا عند ذلك ، قال : فأقبلت إلى النّبيّ عليه‌السلام ووهبت نفسها للنّبيّ عليه‌السلام بغير مهر ، فقبلها ، ودخل بها فرآها قد علتها كبرة فطلّقها. (٥)

وفي وقوله : (إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها) دليل على أنّ لفظة الهبة من ألفاظ النّكاح. (٦)

٥١ ـ والظاهر من قوله : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ) : إرجاء الواهبات أنفسهنّ ليبقين موقوفات غير مقبولات ولا مردودات ، وذكر الخردادنهى (٧) في تاريخه : أنّ النّبيّ عليه‌السلام أرجى سودة وصفيّة وجويريّة وأمّ حبيبة وميمونة ، وآوى عائشة وحفصة وزينب بنت جحش وأمّ سلمة. (٨)

فالإرجاء على هذا القول الإخراج من القسمة والنّوبة من غير طلاق ، فإن كان كذلك لم

__________________

(١) كتب التخريج : أبي العسكر.

(٢) الأصول المخطوطة : قال.

(٣) ساقطة من ع.

(٤) بياض في ع.

(٥) ينظر : حلية الأولياء ٢ / ٦٧ ، وصفة الصفوة ٢ / ٥٤ ، والمنتظم ٥ / ٢٣٧ ، من غير قوله : فطلقها.

(٦) وهذا رأي السادة الحنفية رحمهم‌الله تعالى ، ورواية عن الإمام مالك رحمه‌الله تعالى ، أما الإمام الشافعي رحمه‌الله فلم يجز ذلك ، واعتبر أن النكاح غير منعقد بهذا اللفظ. ينظر : شرح فتح القدير ٣ / ١٩٣ ، وشرح ابن عابدين ٣ / ١٩ ، ومواهب الجليل ٣ / ٤٢١ ، ومنح الجليل ٣ / ٢٦٨ ، ومغني المحتاج ٣ / ١٤٠.

(٧) ع : الحدادي.

(٨) ينظر : تفسير الصنعاني ٣ / ١١٨ ، وتفسير الطبري ١٠ / ٣١٣ ، والدر المنثور ٦ / ٥٦٠ ، عن أبي رزين.

٤٧٠

يكن إلا برضاهن على سبيل المصالحة (١) ، كما في قصّة سودة بنت زمعة. (٢)

(وَمَنِ ابْتَغَيْتَ) : إيواءها (٣).

(مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ) : في إيوائها (٤).

و (ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ (٥) (٢٦٨ و) أَعْيُنُهُنَّ) : أي : الإيواء بعد الإرجاء أقرب من مسرّتهنّ (٦).

(كُلُّهُنَّ) : تأكيد للضّمير المكتسبي بقوله : (وَيَرْضَيْنَ)(٧) دون الضّمير في قوله : (آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ).

٥٢ ـ (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ) : في (٨) تحريم ذوات المهور في المستقبل من غير الأصناف المذكورة دون الواهبات أنفسهن ، وما تملكه يمينه في باقي عمره ، إن رزقه الله تعالى. (٩)

ولم يبلغنا أنه قبل نفس واهبة ، أو ملك سرية (١٠) ملك اليمين بعد هذه الآية ، ما كان فعل شيئا من ذلك. وفائدة الآية استعمالها ، وإلا فائدتها اعتقادها.

وعن مجاهد : (لا يَحِلُ (١١) لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) : أي : من بعد ما سمّى لك من يهوديّة ولا كافرة. (١٢)

ويمنع كون الذّميّة في رتبة المؤمنين ، أو (١٣) تحريم عسيلته على أهل النّار ، فإنّ أبا طيبة شرب دمه وحرّمت عليه النّار. (١٤) وعن عائشة قالت : ما مات رسول الله حتى أحلّ له النّساء. (١٥) فقد فهمت

__________________

(١) ك : المعالجة. ينظر : تفسير الثعالبي ٣ / ٢٣٣ ، وتفسير القرطبي ١٤ / ٢١٤

(٢) ومختصر قصة سودة رضي الله عنها : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أراد أن يطلقها ، فطلبت منه البقاء عنده ، وتهب ليلتها لعائشة رضي الله عنها. ينظر : المستدرك ٢ / ٢٠٣ ، والاستيعاب ٤ / ١٨٦٧.

(٣) ينظر : تفسير ابن أبي حاتم (١٧٧٤١).

(٤) ((مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ) : في إيوائها) ، ساقط من أ.

(٥) غير موجودة في أ.

(٦) ع : سترهن.

(٧) ينظر : مجمع البيان ٨ / ١٣١ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٩٦.

(٨) سقاطة من ع.

(٩) ينظر : مجمع البيان ٨ / ١٣٣ ، والتفسير الكبير ٩ / ١٧٧.

(١٠) ك : سريته.

(١١) ع : تحل.

(١٢) ينظر : تفسير مجاهد ٥١٩ ، والدر المنثور ٦ / ٥٦٢.

(١٣) ع : و.

(١٤) ينظر : تلخيص الحبير ١ / ٣٠ ، وخلاصة البدر المنير ١ / ١٣ ، وكلاهما ضعّفا هذه الرواية.

(١٥) أخرجه أحمد في المسند ٦ / ٤١ ، والترمذي في السنن (٣٢١٦) ، والنسائي في الصغرى ٥ / ٣٥٦.

٤٧١

من الآية تحريم الحرائر بعد التّسع ، ثمّ شاهدت من سنّته ما استدلّت (١) به على نسخ الآية بالسّنة.

٥٣ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ) : عن أنس بن مالك قال : تزوّج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدخل بأهله ، فصنعت ، أي : أمّ سليم ، حيسا ، فجعلته في تور ، فقالت : يا أنس ، اذهب بهذا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقل له : وجّهت بهذا إليك أمّي ، وهي تقرئك السّلام ، وتقول : إنّ هذا لك منّا قليل ، قال : فذهبت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : إنّ أمّي تقرئك السّلام ، وتقول : إنّ هذا لك منّا قليل ، فقال : «ضعه» ، ثمّ قال : «اذهب فادع فلانا وفلانا ومن لقيت» ، وسمّى رجالا ، فدعوت من سمّى ومن لقيت ، قال : قلت لأنس : كم عددا كانوا؟ قال : زهاء ثلاث مئة ، قال : فقال رسول الله : «يا أنس ، هات التّور» ، قال : فدخلوا حتى امتلأت الصّفّة والحجرة ، فقال رسول الله : «ليتحلّق عشرة عشرة ، وليأكل كلّ إنسان ممّا يليه» ، قال : فأكلوا حتى شبعوا ، قال : فخرجت طائفة ، ودخلت طائفة حتى أكلوا كلّهم ، قال : قال : «يا أنس ، ارفع» ، قال : رفعت فما أدري حين وضعت كان أكثر أم حين رفعت ، قال : وجلس طوائف منهم يتحدّثون في بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورسول الله (٢) جالس وزوجته مولّية وجهها إلى [الحائط](٣) ، فثقلوا على رسول الله ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسلّم على نسائه ، ثمّ رجع ، فلمّا رأوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد رجع (٤) ظنّوا أنّهم ثقّلوا عليه ، قال : فابتدروا الباب ، فخرجوا كلّهم ، وجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أرخى السّتر ودخل ، فأنا جالس في الحجرة ، فلم يلبث إلا يسيرا حتى خرج عليّ ، وأنزلت عليه هذه الآية ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقرأها على النّاس ، قال أنس : (٢٦٨ ظ) أنا أحدث النّاس عهدا بهذه الآيات ، وحجبن نساء النّبيّ. (٥)

(وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) : في محلّ الخفض معطوفا على قوله : (غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ)

وعن عائشة قالت : كنت آكل أنا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيسا في قعب ، فمرّ عمر بن (٦) [الخطاب](٧) ، فدعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأكل معنا ، فأصابت أصبعه أصبعي ، فقال : أوّه لو أطاع فيكون ما رأتكنّ عين ، فنزل الحجاب (٨).

__________________

(١) ك : استدليت.

(٢) (ورسول الله) ، غير موجود في ع وأ.

(٣) بياض في الأصول المخطوطة ، وهي زيادة من سنن الترمذي.

(٤) الأصل وك : رجعوا ، وع : ردحوا ، وأ : رفعوا. والصواب ما أثبت. ينظر مصادر التخريج.

(٥) أخرجه مسلم في الصحيح (١٤٢٨) ، والترمذي في السنن (٣٢١٨).

(٦) ساقطة من ع.

(٧) زيادة من كتب التخريج.

(٨) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (١٠٥٣) ، والنسائي في الكبرى (١١٤١٩) ، والطبراني في الأوسط (٢٩٤٧).

٤٧٢

وعن الشّعبيّ : أنّ نبيّ الله عليه‌السلام تزوّج قتيلة بنت قيس ، ومات عنها ، ثمّ تزوّجها عكرمة بن أبي جهل ، فأراد أبو بكر أن يقتله ، فقال له عمر : إنّ النّبيّ عليه‌السلام لم يحجبها ، ولم يقسم لها (١) ، ولم يدخل بها ، وارتدّت مع أخيها عن الإسلام ، وبرئت من الله ورسوله ، فلم يزل به حتى تركه. (٢)

وما روي عن طلحة في عائشة ، لا نراه إلا فرية بعض روافض أهل الكوفة ، أخذ الكلبيّ منهم ، ثمّ تابعه عليه مقاتل (٣) ، ثمّ أخذه الفرّاء (٤) من تفاسيرهما.

وكلّ تحريم ثبت بالنّسب يثبت (٥) بالرّضاع لقوله عليه‌السلام : «يحرم من الرّضاع ما يحرم من النّسب» (٦) ، لما روى عن عائشة قالت (٧) : جاء عمّي من الرّضاع بعد ما ضرب علينا الحجاب ، فقلت : والله لا آذن لك حتى يأتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأستأذنه ، فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : جاء عمّي من الرّضاعة ، فأبيت أن آذن له حتى أستأذنك ، قال : «فليلج عليك عمّك» ، قالت : قلت : إنّما أرضعتني المرأة ، ولم يرضعني الرّجل ، فقال عليه‌السلام : «إنّه (٨) عمّك فليلج عليك». (٩)

٥٦ ـ (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) : عليه‌السلام ، عن كعب بن عجرة قال :

لمّا نزلت هذه الآية قلنا : يا رسول الله ، [كيف](١٠) الصّلاة عليك ، قال : «قولوا : اللهمّ صلّ على محمد وعلى آل محمد ، كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم (١١) ، إنّك حميد مجيد» (١٢).

وعن ابن عبّاس ، عنه عليه‌السلام قال : «من قال : جزى الله عنّا محمدا ما هو أهله أتعب سبعين كاتبا ألف صباح» (١٣). وقال عليه‌السلام : «من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ فقد خطئ (١٤) طريق الجنّة» (١٥).

__________________

(١) أ : يفسح.

(٢) ينظر : المستدرك ٤ / ٤٠ ، وتاريخ دمشق ٣ / ٢٢٧ ، ومعتصر المختصر ١ / ٣١٣.

(٣) تفسير مقاتل بن سليمان ٣ / ٥٣.

(٤) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ٣٤٩.

(٥) بياض في أ.

(٦) أخرجه البخاري في الصحيح (٢٦٤٥) ، وابن ماجه في السنن (١٩٣٧) ، والنسائي في الكبرى (٥٤٣٥).

(٧) ع وأ : قال.

(٨) الأصول المخطوطة : إن ، والتصويب من كتب التخريج.

(٩) أخرجه البخاري في الصحيح (٤٧٩٦) ، ومسلم في الصحيح (١٤٤٥) ، والدارمي في السنن ٢ / ٢٠٧.

(١٠) ينظر سنن الترمذي.

(١١) (وعلى آل إبراهيم) ، ساقط من أ.

(١٢) أخرجه البخاري في الصحيح (٣٣٧٠) ، ومسلم في الصحيح (٤٠٥) ، وأبو داود في السنن (٩٧٦).

(١٣) أخرجه الطبراني في الأوسط (٢٣٥) ، وحلية الأولياء ٣ / ٢٠٦ ، وفيه هانئ بن المتوكل وهو ضعيف ، ينظر : لسان الميزان ٦ / ١٨٦ ، ومجمع الزوائد ١٠ / ١٦٣.

(١٤) ع : أخطأ.

(١٥) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ٦ / ٣٢٦ ، وابن ماجه في السنن (٩٠٨) ، والبيهقي في السنن الكبرى ٩ / ٢٨٥.

٤٧٣

٥٧ ـ (يُؤْذُونَ اللهَ) : إيذاء الله على سبيل المجاز ، كخداع الله. (١)

٥٩ ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ...) الآية : قيل : كانت الحرائر والإماء يخرجن من بيوتهنّ في زيّ واحد ، وكانت السّفهاء يتعرّضون للحرائر والنّظر إلى وجوههنّ ، كما يتعرّضون للإماء لا يميزون (٢) بينهنّ ، فيتأدّى الحرائر بذلك ، فأنزل. (٣)

(جَلَابِيبِهِنَّ) : جمع جلباب ، وهي الإزار. (٤)

٦٠ ـ (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) : المولّدون للأقوال المضطربة التي لا قرار لها ، ولا حقيقة ، وأرجف الناس في الشّيء : إذا خاضوا فيه واضطربوا.

(إِلَّا قَلِيلاً) : إلا قليلين ، أو إلا زمانا قليلا. (٥)

(مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا) : فعلى قوله : إلا قليلين ، أو إلا زمانا قليلا ، نصب على الحال أو البدل (٦) ، وعلى قوله : إلا زمانا قليلا نصب على الذمّ (٢٦٩ و) والشّتم (٧) كقوله : (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) [المسد : ٤].

وفي الآية دليل على جواز قتل المنافق إذا أظهر (٨) نفاقه.

٦٢ ـ (الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) : أنبياء الله الذين نصرهم على من آذاهم. (٩) وقيل : (الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) : بني قريظة والنّضير.

٦٣ ـ (يَسْئَلُكَ (١٠) النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ) : كان النّاس يكثرون السؤال عن الساعة متى هي؟ فلذلك كثر الجواب.

٦٩ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى) : لم يذكر سبب نزول الآية ، والظّاهر أنّ سبب نزولها قول السّفهاء : تزوّج رسول الله بامرأة ابنه ، أو قول المنافقين : هو ذو قلبين في جوفه ، أو كراهة من كره الحجاب.

__________________

(١) سبق سورة البقرة آية ٩.

(٢) أ : يتميزون.

(٣) ينظر : الطبقات الكبرى ٨ / ١٧٦.

(٤) ينظر : مشارق الأنوار ١ / ١٤٩ ، ولسان العرب ١ / ٢٧٣.

(٥) ينظر : معاني القرآن ٥ / ٣٨٠ ، وتفسير القرطبي ١٤ / ٢٤٧ ، البحر المحيط ٨ / ٥٠٥ ، وتفسير أبي السعود ٧ / ١١٥.

(٦) ينظر : الكشاف ٣ / ٥٧٠ ، والبحر المحيط ٨ / ٥٠٥ ـ ٥٠٦ ، وتفسير أبي السعود ٧ / ١١٥.

(٧) ينظر : مشكل إعراب القرآن ٢ / ٥٨٢ ، وتفسير أبي السعود ٧ / ١١٥.

(٨) ك : ظهر.

(٩) ينظر : تفسير القرطبي ١٤ / ١٩٦ ، وينظر : أسرار التكرار في القرآن ١٧٢.

(١٠) أ : يسألونك.

٤٧٤

وأما الذين آذوا موسى عليه‌السلام إنّهم (١) الذين اتّهموه بقتل هارون عليه‌السلام ، فأراهم الله هارون مضطجعا على سريره من أسرّة الجنّة ، انشقّ عنه قبره ، ثمّ عاد إلى مكانه. وقيل : اتّهموه بالطّمع في مال قارون ، فخسف الله به وبداره وبماله (٢) الأرض. وعن أبي هريرة ، عنه عليه‌السلام : «أنّ موسى عليه‌السلام كان حييّا ما يرى من جلده شيء (٣) استحياء منه ، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل ، قالوا : ما تستّر هذا التّستّر إلا من عيب بجلده ، إمّا برص ، وإمّا أدرة ، وإمّا آفة ، وإنّ الله تعالى أراد تبرئته ممّا قالوا ، فخلا موسى يوما وحده ، فوضع ثيابه على حجر ثمّ اغتسل ، فلمّا فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها (٤) ، وإنّ الحجر عدا بثيابه فطلب موسى [الحجر](٥) ، فانتهى إلى ملأ (٦) من بني إسرائيل فرأوه أحسن النّاس خلقا ، وأبرأه ممّا كانوا يقولون ، قال : وقام الحجر فأخذ ثوبه ولبسه (٧)». (٨) الذين آذوه هم الذين اتّهموه في التّوراة ، وقالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) [البقرة : ٥٥].

٧٠ ـ (قَوْلاً سَدِيداً) : لا خلل فيه لصدقه ومتانته ، وأسدّ الأقوال قول : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، (٩) ولا حول ولا قوة إلا بالله.

٧١ ـ (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ) : تبديل سيئاتنا حسنات ، أو قبوله صالح أعمالنا بعد الشّهادتين.

٧٢ ـ (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ) : إن كان المراد أهلوها وسكانها العقلاء من الملائكة والجنّ فالعرض على سبيل التّخيير ، والإباء والإشفاق على سبيل الاجتهاد ، وإن كان المراد سائر الحيوان فالعرض ابتلاء طبائعها ، والإباء والإشفاق على سبيل الكراهة الطبيعيّة ، وإن كان المراد أعيانها التي هي جماد ، فالعرض على سبيل الإخبار والاضطرار ، والإباء والإشفاق كذلك.

فائدة العرض الأوّل : بيان اجتهاد. وفائدة (١٠) العرض الثّاني : بيان التّفاوت بين الطّبائع لا

__________________

(١) ع : هم.

(٢) ساقطة من ك وع وأ.

(٣) أ : شيئا.

(٤) الأصول المخطوطة : ليأخذه. والتصويب من كتب التخريج.

(٥) زيادة من كتب التخريج.

(٦) (وإن الحجر عدا بثيابه فانطلق موسى فانتهى إلى ملأ من) ساقطة من ع وأ.

(٧) ع : فلبسه.

(٨) أخرجه البخاري في الصحيح (٢٧٨) ، والنسائي في الكبرى (١١٤٢٤) ، والترمذي في السنن (٣٢٢١).

(٩) ينظر : تفسير ابن أبي حاتم (١٧٨٠٩) عن عكرمة ، وتفسير السمعاني ٤ / ٣١١ عن ابن عباس ، وتفسير القرطبي ١٤ / ٢٥٣ عن ابن عباس وعكرمة.

(١٠) ك : وبيان.

٤٧٥

يحملها الحرص على المخاطر ، وطبائع يحملها (١) الحرص عليها. وفائدة العرض الثّالث : تفخيم الأمر.

والظاهر من الأمانة في هذه الأقوال كلّها : أنّها الذّمة الصحيحة التي يتعلق بها الحقوق ، والظّاهر من حملها : اعتذار الإنسان (٢٦٩ ظ) بصحّة (٢) ذمّته أنّها فضيلة لا يرضى بعدمها البتة ، فأوّل ما ثبت ذمّة الإنسان اعتزال الشّجرة ، لم يتضرّع إلى الله ليحول بينه وبينها ، ثمّ ثبت في ذمته رعاية امرأته ، لم يتضرّع (٣) إلى الله ليكفيه أمرها ، فأكل من الشّجرة ، وقصّر في رعاية المرأة حتى أكلت من الشّجرة ، فسرى شؤم المعصية إلى [بني آدم](٤) في صلبه.

٧٣ ـ (الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ) : وعن ابن عبّاس قال : الأمانة المعترض على العباد عرض ذلك على السّماوات والأرض والجبال فقلن : و (٥) ما هي؟ قيل : إن أحسنتنّ جزيتنّ ، وإن أسأتنّ عوقبتنّ. (٦)

٧٢ ـ (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ)(٧) : يعني : آدم عليه‌السلام. (٨)

وقال قتادة في قوله : (ظَلُوماً) أي : لنفسه ، (جَهُولاً) بما حمل. (٩) أي : جهولا (١٠) بثقل ما (١١) حمل.

اللّام في قوله : (لِيُعَذِّبَ) لتنسيب العرض أو الحمل ، (١٢) أو كينونة الإنسان ظلوما جهولا. (١٣) وعن أبي حاتم السّجستانيّ : أنّه لام قسم سقطت نونها فانكسرت. (١٤)

وعن أبيّ بن كعب ، عنه عليه‌السلام : «من قرأ سورة الأحزاب ، وعلّمها (١٥) أهله وما ملكت يمينه أعطي الأمان من عذاب والجواز على الصّراط» (١٦).

__________________

(١) (الحرص على المخاطر ، وطبائع يحملها) ، ساقط من أ.

(٢) ك : صحة.

(٣) ع : ليتضرع.

(٤) زيادة يقتضيها السياق ، وهي في الأصول المخطوطة بياض.

(٥) ساقطة من ك.

(٦) ينظر : تفسير الطبري ١٠ / ٣٣٩ ، والدر المنثور ٦ / ٥٩٢.

(٧) قوله تعالى : (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها) ، غير موجود في ك.

(٨) ينظر : من حديث خيثمة ١٦٧ ، والبحر المحيط ٨ / ٥١٠ عن ابن جبير.

(٩) تفسير الطبري ١٠ / ٣٤٢ عن الضحاك.

(١٠) بدلا من قوله : بما حمل ، أي : جهولا ، في ك : بما جهل ، أي مهولا.

(١١) ع : بما ، وبثقل ساقطة منها.

(١٢) ينظر : الكشاف ٣ / ٥٧٤ ، البحر المحيط ٨ / ٥١١.

(١٣) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٥١١.

(١٤) ينظر : مجمع البيان ٨ / ٨٨.

(١٥) الأصل وك وأ : علمه. وما أثبت من ع ، وهو أصوب.

(١٦) ينظر : الوسيط ٣ / ٤٥٧ ، والكشاف ٣ / ٥٧٥ ، وكشف الخفاء ٢ / ٥٦٤.

٤٧٦

سورة سبأ

مكيّة. (١)

وهي أربع وخمسون آية في غير عدد أهل الشّام. (٢)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

٦ ـ الواو في : (وَيَرَى) : للاستئناف ، (٣) وهو عطف الجملة. (٤)

و (الَّذِينَ) : في محلّ الرّفع ؛ لأنّه مفعول ما لم يسمّ فاعله.

و (٥) (الْعِلْمَ) : نصب لأنّه مفعول (٦) ثان (٧).

و (الَّذِي أُنْزِلَ) : في محلّ النّصب لوقوع الرّؤية عليه ، وكذلك (الْحَقَّ)؛ (٨) لأنّ الرّؤية إذا كانت في معنى العلم أو الظنّ اقتضت مفعولين.

٧ ـ (مُزِّقْتُمْ) : بلي أجسامكم. (٩) والتّمزيق : تفريق الأجزاء ، وفسخ التآليف. (١٠)

(إِنَّكُمْ) : بالكسر ؛ لأنّ قوله : (يُنَبِّئُكُمْ) في معنى القول. (١١)

(أَفْتَرى) : لم يدخل المدّ ؛ فلأن (١٢) الهمزتين (١٣) مختلفتان ، وفي قوله : (آلذَّكَرَيْنِ) [الأنعام : ١٤٤] متّفقتان. (١٤)

١٠ ـ (أَوِّبِي) : سبّحي معه كلّ النّهار إلى اللّيل ، ورجّعي بالتّسبيح. (١٥)

__________________

(١) تفسير مقاتل بن سليمان ٣ / ٥٨ ، ومعاني القرآن ٥ / ٣٩٠ ، وتفسير القرطبي ١٤ / ٢٥٨.

(٢) وعدد آياتها عند أهل الشام خمس وخمسون آية ، ينظر : البيان في عد آي القرآن ٢٠٩ ، وجمال القراء ٢ / ٥٣٧ ـ ٥٣٨ ، وإتحاف فضلاء البشر ٤٥٧.

(٣) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ٣٥٢ ، والبيان في غريب إعراب القرآن ٢ / ٢٢٨ ، واللباب في علوم الكتاب ١٦ / ١٢.

(٤) ينظر : تفسير الطبري ١٠ / ٣٤٧ ، والبيان في غريب إعراب القرآن ٢ / ٢٢٨ ، وتفسير القرطبي ١٤ / ٢٦٢.

(٥) ع : أو.

(٦) (ما لم يسم ... لأنه مفعول) ، ساقط من أ.

(٧) الأصول المخطوطة : ثاني.

(٨) ينظر : الكشاف ٣ / ٥٧٨ ، والقرطبي ١٤ / ٢٥٨ ، وتفسير أبي السعود ٧ / ١٢٠.

(٩) ينظر : الكشاف ٣ / ٥٧٩ ، والتسهيل في علوم التنزيل ٣ / ١٤٧.

(١٠) ينظر : عمدة الحفاظ ٤ / ٩٩.

(١١) ينظر : تفسير الطبري ١٠ / ٣٤٨ ، وتفسير القرطبي ١٤ / ٢٦٢.

(١٢) ك وع : لأن.

(١٣) ع : الهمزتان.

(١٤) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ٣٥٤.

(١٥) ينظر : تفسير غريب القرآن ٣٥٣ ، وغريب القرآن للسجستاني ٧٤ ، ولسان العرب ١ / ٢١٨.

٤٧٧

(وَأَلَنَّا) : والإلانة : تصييره سهل المشي ، سهل الثني (١) ، سهل الاستعمال ، ضدّه الخشن والصّعب والشّديد (٢).

١١ ـ و (السَّرْدِ) : تنسيق حلقها ، وتمييزها (٣).

١٢ ـ (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) : أي : عين الصّفر ، فسالت ثلاثة أيام يعمل بها ما أحبّ ، كما يعمل بالطين. (٤) هكذا ذكر الكلبي لا أبو (٥) عبيد (٦) الهروي : أنّ القطر النحاس. (٧)

(وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) : حكاية (٨) أحوالهم التي كانوا عليهما.

١٣ ـ (وَجِفانٍ) : جمع جفنة ، وهي شيء أعظم من الصّحفة يجتمع عليها جماعة. (٩)

(كَالْجَوابِ) : جمع جابية. (١٠) وقال مجاهد : الجابية حوض الإبل. (١١) وقال ابن عرفة : الجابية كالحوض. (١٢)

وعن (٢٧٠ و) مسعر (١٣) بن كدام قال : إنّه لّما قيل : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) لم يأت عليهم ساعة من ليل ولا (١٤) نهار إلا ومنهم مصل يصلّي. (١٥)

١٤ ـ (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ) : وعن ابن عباس : أنّ سليمان عليه‌السلام كان لا يصلّي صلاة إلا وجد شجرة نابتة بين يديه ، فيقول لها : ما اسمك؟ فتقول : كذا وكذا ، فيقول :

__________________

(١) (سهل الثني) ، ساقط من أ.

(٢) ك : الشد.

(٣) ك : وتسهيرها ، وفي ع : سمرها ، وفي أ : تشميرها. وينظر : تفسير الطبري ١٠ / ٣٥٢ ، وزاد المسير ٦ / ٢٣٣ ، والدر المنثور ٦ / ٥٩٧ عن مجاهد.

(٤) ينظر : تفسير القرطبي ١٤ / ٢٧٠.

(٥) ع : لأبو.

(٦) الأصول المخطوطة : عبيدة ، والصواب ما أثبت.

(٧) ذكر أبو عبيد الهروي في الغريبين ٥ / ١٥٥٩ في هذه الآية فقال : أي : عين النحاس.

(٨) ك : مكانة.

(٩) ينظر : القاموس المحيط ١ / ١٠٦٧ ، ولسان العرب ٩ / ١٨٧.

(١٠) تفسير غريب القرآن ٣٥٤.

(١١) ينظر : تفسير مجاهد ٥٢٤.

(١٢) ينظر : الغريبين ١ / ٣١٢.

(١٣) ع : سعد ، و (قال) التي بعدها ساقطة ، وكلمة (بن) ساقطة من أ.

(١٤) ك : أو ، وأ : لا.

(١٥) ينظر : التهجد والقيام ٢٨٣ ، وتاريخ دمشق ١٧ / ٩٣.

٤٧٨

لما (١) أنت؟ فتقول : لكذا وكذا ، وإن كانت لغرس غرست ، وإن كانت لدواء علم ذلك الدّواء ، قال : فصلّى ذات يوم ، فإذا شجرة بين يديه نابتة (٢) ، فقال : ما اسمك؟ قالت : الخرنوب ، قال : لما (٣) أتيت؟ قالت : لخراب (٤) هذا البيت ، يعني : بيت المقدس ، فقال سليمان : اللهمّ غيّب الجنّ موتي حتى يعلم الإنس أنّهم كانوا لا يعلمون الغيب ، قال : فنحتها عصى ، فتوكّأ عليها حولا [ميتا](٥) ، ثمّ أكلتها الأرضة ، فسقط ، فعلموا عند ذلك بموته ، فشكرت الشّياطين ذلك الأرضة ، وأينما كانت الأرضة جاءها الشّياطين ، قال : قدّروا مقدار أكل العصا فكان سنة. (٦) والأرضة : دويبة تأكل الخشب. (٧)

(الْعَذابِ الْمُهِينِ) : سخره سليمان عليه‌السلام ، وتكليفه بإذن الله.

١٥ ـ (آيَةٌ) : اسم كان ، وخبره في الجار والمجرور. (٨)

(جَنَّتانِ) : رفع على أنّهما بيان الآية. (٩)

(كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ) : يدلّ على كون حجة الله فيهم من رسول الله أو نبيّ أو صديقّ أو صالح أو عاقل يذكّرهم بآلاء الله ونعمائه. وذكر الكلبيّ : أنّ الله تعالى بعث إليهم ثلاثة عشر نبيا ، وكانوا في ثلاث عشرة قرية. (١٠)

(بَلْدَةٌ) : أي : هذه بلدة طيّبة الطّين. (١١)

(وَرَبٌّ غَفُورٌ) : أي : ولكم رب غفور إن شكرتموه. (١٢)

١٦ ـ (فَأَعْرَضُوا) : عن الشّكر. (١٣)

(سَيْلَ الْعَرِمِ) : سيل مصدر قائم مقام الاسم. و (الْعَرِمِ) : المسنّاة التي هي السدّ

__________________

(١) أ : لها.

(٢) ساقطة من ك.

(٣) أ : لها.

(٤) أ : لجواب.

(٥) زيادة من كتب التخريج.

(٦) ينظر : المستدرك على الصحيحين ٢ / ٤٥٦ ، وتاريخ دمشق ٢٢ / ٢٩٥ ، والكامل في التاريخ ١ / ١٨٦ ، والأحاديث المختارة ١٠ / ٢٩١ عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(٧) تفسير الثعلبي ٨ / ٨١ ، وتفسير الطبري ١٤ / ٢٨٠ ، والمصباح المنير ١ / ١٢.

(٨) ينظر : مشكل إعراب القرآن ٥٤٤ ، وبلاغة القرآن الكريم ٨ / ٢٠٨.

(٩) ينظر : البيان في غريب إعراب القرآن ٢ / ٢٣١ ، ومشكل إعراب القرآن ٥٤٤.

(١٠) الأصول المخطوطة : ثلاثة عشر ، وينظر : تنوير المقباس ٣٦٠.

(١١) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ٣٥٨ ، ومشكل إعراب القرآن ٥٤٤.

(١٢) ينظر : تفسير البيضاوي ٤ / ٢٤٤ ، وتفسير أبي السعود ٧ / ١٢٧.

(١٣) تفسير البيضاوي ٤ / ٢٤٥ ، وتفسير أبي السعود ٧ / ١٢٧.

٤٧٩

والسّكر (١). وقيل : (الْعَرِمِ) : اسم واد. (٢) وقال ابن الأعرابيّ : العرم والبرّ من أسماء الفأرة. (٣) وقيل : (الْعَرِمِ) : المطر الشديد. (٤)

ذكروا في الاريخ : أنّ الله تعالى لما هيّأ أسباب سيل العرم (٥) ، وذلك في ملك ذي الأذغار بن ذي جيشان ، أقبلت طريفة الكاهنة إلى عمرو بن عامر بن أمّ أخيه عمران بن عامر بن حارثة بن امرئ (٦) القيس بن ثعلبة ، وكان بينه وبين كهلان (٧) بن سبأ ، وكان جالسا في نادي قومه ، فوقفت على رأسه ، ثمّ قالت : والظّلمة والضّياء ليقبلنّ إليكم الماء كالبحر إذا طما ، فيدع أرضكم يسفي عليها الصّبا ، قالوا : ومتى يكون؟ قالت : بعد سنين شدائد يقطع فيها الولد الوالد ، فيأتيكم السّيل (٨) (٢٧٠ ظ) بغيض هميل ، وخطب جليل ، وأمر وبيل ، فتخرب الديار ، ويضمحلّ القرار ، قال لها عمران : ويحك يا طريفة ، لقد أفجعتنا بأموالنا ، فبيّني مقالك ، فقالت : آتيكم بأمر (٩) عظيم ، وسيل ركيم ، ودهر وخيم ، وخطب جسيم ، فاحرسوا السّدّ لئلا يمتدّ ، وإن كان لا بدّ من الأمر المعدّ ، فانطلقوا إلى رأس الوادي ، فسترون العادي يجرّ كلّ حجر صيخاد ، بأنياب له حداد.

فانطلق عمران بن عامر في نفر من قومه حتى أتوا رأس الوادي ، فإذا بجرذ يحفر الجبل بأنيابه ، ويدفع برجله الحجر الذي يستثقله مئة رجل ، فيسدّ مسيل الوادي ممّا يلي البحر ، ويفتح ممّا يلي البلاد ، فاستشار (١٠) عمران عظماء بني كهلان ، فأجمعوا أن يكتموا الأمر إخوانهم من أولاد حمير ؛ ليبيعوا منهم حدائقهم وضياعهم ، ثمّ يرتحلوا عن تلك ، ففضّلوا ذلك ، ثمّ جاء السّيل (١١). (١٢)

(وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ) : وهم الذين بقوا في ديارهم. وقيل : الذين نزلوا الحجاز وأرض تهامة وسائر البوادي المتاخمة لهذه الدّيار.

__________________

(١) ينظر : تفسير غريب القرآن ٣٥٥ ، النهاية في غريب الحديث ٤ / ٢٤٢ ، ومعجم البلدان ٤ / ١١٠ عن أبي عبيدة.

(٢) ينظر : الطبري ١٠ / ٣٦٢ ، وزاد المسير ٦ / ٣٢٨ عن ابن عباس وغيره ، ومعاني القرآن الكريم ٥ / ٤٠٦ عن عطاء.

(٣) الغريبين ٤ / ١٢٦٤ ، وتفسير السمعاني ٤ / ٣٢٦.

(٤) ينظر : الغريبين ٤ / ١٢٦٥. معاني القرآن الكريم ٥ / ٤٠٧ ، وتفسير القرطبي ١٤ / ٢٨٦ عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(٥) أ : العم.

(٦) الأصول المخطوطة : امرؤ.

(٧) أ : الكهلان.

(٨) ك زيادة كلمة : العرم.

(٩) أ : أم.

(١٠) أ : فاستشان.

(١١) أ : ثم الحسيل.

(١٢) ينظر : معجم البلدان ٥ / ٣٥.

٤٨٠