درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ٢

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني

درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ٢

المؤلف:

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني


المحقق: د. طلعت صلاح الفرحات / د. محمّد أديب شكور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر ناشرون وموزعون
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9957-07-514-9

الصفحات: ٨٠٢
الجزء ١ الجزء ٢

وقالوا : (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ) لتوهّمهم أنّ تلك الآيات كانت ملجئة ضروريّة (٢١٦ ظ) فأخبر الله تعالى أنّ الجحود في مقابلة تلك الآيات كان محكيّا ، كالجحود في مقابلة آيات رسل الله.

٧ ـ وقوله : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي) في إنكارهم أن يكون الرسول بشرا مثلهم.

٨ ـ وقوله : (وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً) [كما](١) في قولهم : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ) [الفرقان : ٧] ، وقوله : (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) [الطور : ٣٠].

٩ ـ قوله : (٢)(ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ ...) : الآية تهديد للكافرين ، وبشارة للمؤمنين ، وقد صدق الله لنبيّنا وعده ، فنصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، وأنجاه مع صاحبه (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ) [التوبة : ٤٠] ، وأهلك صناديد قريش (٣) بعد ذلك.

روي : أنّه عليه‌السلام قبل فتح خيبر وفدك ، وقبل استقرار أمره ، انتخب من وجوه العرب الذين أسلموا سبعة نفر (٤) منهم : حاطب بن أبي بلتعة (٥) ، وشجاع بن وهب الأسديّ (٦) ، وسليك بن عامر العامريّ ، والعلاء بن الحضرميّ (٧) ، وعمرو بن أميّة الضمريّ (٨) ، ودحية بن خليفة الكلبيّ (٩) ، و [أبو] حذافة السهميّ (١٠) ، وقال لهم : إنّي مرسلكم إلى ملوك الأرض ، فأنتم منّي بمنزلة الحواريين من عيسى عليه‌السلام ، ثمّ أرسل حاطبا إلى المقوقس ملك القبط ، وبعث

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) ك : وفي قوله.

(٣) مكرر في أ.

(٤) ساقطة من ع.

(٥) حاطب بن أبي بلتعة عمرو بن عمير بن سلمة اللخمي البدري ، حليف بني أسد ، من المهاجرين ، توفي سنة ٣٠ ه‍. ينظر : المعارف ٣١٧ ، والاستيعاب ١ / ٣١٢ ، وأسد الغابة ١ / ٤٣١.

(٦) أبو وهب شجاع بن وهب بن ربيعة الأسدي البدري ، توفي سنة ١٢ ه‍. ينظر : الطبقات الكبرى ٣ / ٩٤ ، والجرح والتعديل ٤ / ٣٧٨ ، والإصابة ٢ / ١٣٨.

(٧) العلاء بن عبد الله بن عماد الحضرمي ، من حلفاء بني أمية ، من سادة المهاجرين ، استشهد سنة ١٤ ه‍. ينظر : طبقات خليفة ٧٢ ، معجم الصحابة ٢ / ٣٠٠ ، وسير أعلام النبلاء ١ / ٢٦٢.

(٨) أبو أمية عمرو بن أمية ابن خويلد الضمري ، صاحب رسول الله عليه‌السلام ، توفي في خلافة معاوية. ينظر : الطبقات الكبرى ٤ / ٢٤٨ ، والاستيعاب ٣ / ١١٦٢ ، وسير أعلام النبلاء ٣ / ١٧٩.

(٩) دحية بن خليفة بن فروة الكلبي ، صحابي ، كان جبريل عليه‌السلام يأتي بصورته ، توفي في خلافة معاوية رضي الله عنهما. ينظر : الطبقات الكبرى ٤ / ٢٤٩ ، تاريخ دمشق ١٧ / ٢٠١ ، والإصابة ١ / ٤٧٣.

(١٠) (وحذافة السهمي) ساقطة من ك. وما بين المعقوفتين من كتب التخريج ، وأبو حذافة عبد الله بن قيس بن عدي السهمي القرشي ، أحد السابقين ، توفي سنة ٥٩ ه‍. ينظر : الثقات ٣ / ٢١٦ ، وأسد الغابة ٣ / ٢١١ ، والإصابة ٢ / ٢٩٦.

٣٠١

شجاعا إلى الحارث بن أبي شمر الغسّاني ملك الشام من تحت يد قيصر ، وأرسل سليكا إلى هودة بن خليفة ملك التهامة ، وأرسل العلاء إلى المنذر بن امرئ (١) القيس ملك البحرين ، وبعث عمرا (٢) إلى النجاشيّ ملك الحبشة ، وبعث دحية إلى قيصر ، ثمّ إلى ملك عمان ، وأرسل حذافة إلى كسرى أفرويز (٣) الجبار ملك الفرس ، وكانت نسخ كتبه عليه‌السلام إلى هؤلاء متقاربة ، وكان المنافقون يتعجّبون منه ، ويقولون : كيف يكاتب الملوك قاطبة ، ويستشهر سيوفهم على نفسه ، ولم تثبت له قدم بعد ، فأمّا المقوقس ملك القبط فأحسن الإجابة ، وأهدى إليه هدايا فاخرة من الكسوة والجواري والغلمان والمراكب ، ويقال : إنّه أسعد بالإيمان والإسلام ، وأمّا ملوك الشام وتهامة والبحرين وعمان فاستحود عليهم الشيطان ، وزيّن لهم العصيان ، وأما النجاشيّ فشهد الشهادتين ، وخطب لرسول الله أمّ حبيبة بنت أبي سفيان (٤) بوكالة من جهته عليه‌السلام ، وردّ إليه جعفر بن أبي طالب عزيزا (٥) مكرّما مع سائر المهاجرين إليه في الهجرة الأولى ، فرجعوا شاكرين ، وأرسل ابنه في عشرين نقيبا من خواصّه ، فغرقت بهم السفينة في البحر ، ثمّ إنّه مات على الشهادة ، وصلّى عليه رسول الله ، وأمّا قيصر فذكر الزهريّ : أنّه بلغه كتاب رسول الله من جهة عظيم بصرى (٦) ، وذلك أنّ دحية دفعه إليه ليوصله إلى قيصر ، ففتح الكتاب ، فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم (٢١٧ و) من محمد رسول الله إلى هرقل (٧) عظيم الروم ، سلام على من اتّبع الهدى ، أما بعد ، فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله الأجر (٨) مرّتين ، وإن توليت فإنّ عليك إثم الإرّيسيّين (٩) ، وأهل (١٠) الكتاب. [فلما فرغ من قراءة الكتاب](١١) ارتفعت عنده الأصوات (١٢) ، وكثر اللغظ ، وقاموا عن مجلسهم ، ثمّ دعا هرقل عظماءهم بعد

__________________

(١) الأصول المخطوطة : امرؤ.

(٢) الأصول المخطوطة : عمروا.

(٣) ع : أفرويزما. جاء في السيرة النبوية لابن كثير ١ / ٤٨ : «وكسرى هذا هو : أبرويز بن هرمز بن أنوشروان بن قباذ ، وهو الذي غلب الروم».

(٤) أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب الأموية ، توفيت سنة ٤٤ ه‍. ينظر : المنتخب من كتاب أزواج النبي ٥٠ ، والاستيعاب ٤ / ١٨٤٣ ، وصفة الصفوة ٢ / ٤٢.

(٥) أ : عن ابن.

(٦) الأصول المخطوطة : صنوى ، والتصحيح من كتب التخريج.

(٧) ساقطة من ك.

(٨) ع : أجرك.

(٩) الذين هم داخلون في طاعتك ويجيبونك إذا دعوتهم. لسان العرب ٦ / ٥.

(١٠) أ : وبأهل.

(١١) زيادة من مصادر التخريج.

(١٢) أ : الأصول.

٣٠٢

ذلك ، وقال : يا معشر الروم ، هل لكم في الفلاح والرشد آخر الأبد ، وأن يثبت لكم ملككم. قال : فحاصوا حيصة حمر (١) الوحش إلى الأبواب ، فوجدوها قد غلّقت ، فقال هرقل : عليّ بهم ، فرجعوا إليه ، فألان لهم القول ، وألطف لهم ، وقال : إنّما اختبرت شدّتكم على دينكم ، فقد رأيت الذي أحببت ، فسجدوا له ، ورضوا عنه. (٢) قيل : لّما بلغ رسول الله خبره قال : ضنّ الخبيث بملكه. (٣) وأمّا كسرى فذكر الخرداد بهمن وغيره : أنّه لّما بلغه الكتاب أمر بأن (٤) يفتح ، ويقرأ عليه ، فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس ، سلام على من اتّبع الهدى ، وآمن بالله واليوم الآخر ، وشهد (٥) أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمدا عبده ورسوله ، أدعوك إلى الله ، فإنّي أنا رسول الله إلى الناس كافّة ، لأنذر من كان حيّا ، ويحقّ القول على الكافرين ، فأسلم تسلم ، فإن أبيت فعليك إثم المجوس ، والسّلام. فلمّا قرئ عليه الكتاب ورم أنفه ، وامتلأ غيظا ، فأطرق على سريره محتنقا بحنقه ، منتفخة أوداجه ، يدير حدقتيه في حماليقه ساعة طويلة ، ثم رفع رأسه ، وقال : ليس هذا بأوّل عبد اجترأ على ربّه وسيّده ، وإنّما قال : هذه المقالة لاستيلائه على اليمن دار مملكة العرب ، ولسجود النّعمان بن المنذر ملك الحيرة بين يديه ولاعتقاده أنّه ملك الملوك والأقاليم كلّها ، وأنّه خذايكان (٦) الأرض ، فاغترّ بسلطانه وعلوّه ، وأصرّ على طغيانه ، وأمر كاتبه بأن يكتب إلى مرزبان اليمن ، والمرزبان بلغتهم : الوالي ، واسمه باذان مهريبداد ، أنّ عبدا لي بالحجاز اسمه محمد كتب إليّ يأمرني أن أترك ديني ، وأتّبع دينه ، فإذا أتاك كتابي هذا فابعث إليه رجلين جلدين ممّن معك ليأتيا به مربوطا مشدودا ، فإن أبى فليأتيا في رأسه ، وأمر أن يكتب إلى رسول الله : أن اشخص إلينا لننظر في أمرك ، فرجع حذافة [إلى](٧) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأخبره بالقصة ، وذكر أنّه أمر بالكتاب ، وكان من أديم ، أن يمزّق ، ويرقع به دلو البئر ، فقال عليه‌السلام : إنّما مزّق ملكه ، ثمّ إنّ باذان لّما بلغه كتاب صاحبه بعث إلى النبيّ عليه‌السلام (٢١٧ ظ) أشخاصين من قوّاده ، وكانا رجلين عاقلين ، اسم أحدهما بابويه ، واسم الآخر خورخسرة ، وأمرهما أن يحذرا سطوة ملك الملوك لئلا يشتغل بالممانعة ، فأتيا رسول الله ، وأدّيا الرسالة ، فأمر عليهم بإنزال الرسولين ، وأكرمهما ، ثمّ دعاهما

__________________

(١) الأصل وك وأ : الحمر.

(٢) ينظر : صحيح مسلم (١٧٧٣) ، وصحيح ابن حبان (٦٥٥٥).

(٣) ينظر : الطبقات الكبرى ١ / ٢٥٨ ، ونصب الراية لأحاديث الهداية ٦ / ٥٦٤.

(٤) ك : أن.

(٥) أ : وأشهد.

(٦) هكذا في الأصول المخطوطة ، ولعلها : أخذ أركان الأرض.

(٧) زيادة يقتضيها السياق.

٣٠٣

بالغد ، وقال : إنّ ربّي قتل ربّكما الليلة ، فسألاه شرح القصة ، فقال : قد سلّط الله عليه ابنه شيرويه فقتله ، وذلك لتسع ساعات مضت من الليل. وقيل : وكانت تلك الليلة ليلة الثلاثاء لعشر خلون من جمادى الأولى ، قال : فدهشا ، وسقط في أيديهما ، ثمّ قال لهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : انصرفا إلى باذان ، فأعلماه هذا ، وقولا له : إن أسلمت قررتك على ولايتك ، وخلع على بابويه بردة فاخرة ، وأعطى خورخسرة منطقة أهداها إليه المقوقس ، فرجعا إليه ، وأخبرا باذان بالقصة ، وقال بابويه : ما هبت شيئا من الخلق هيبة هذا الرجل ، فلم يثبت باذان إلا قليلا أن بلغه كتاب شيرويه ، يخبره بالخبر ، ويوعز إليه أن لا يتعرض لرسول الله إلى أن يأتيه مقال جديد. (١)

وكما كاتب رسول الله هؤلاء الملوك ، كاتب ملوك الهند والصين.

١٠ ـ (فِيهِ ذِكْرُكُمْ) : قال مجاهد : حديثكم. (٢) وقيل : تذكيركم وذكراكم. (٣) وقيل : صيرورتكم مذكورين في الغابرين ، فإنّه لو لا القرآن لم يذكروا بخير ولا شرّ في الأمم في أقطار الأرض ، وبهذا فسّر بشر.

١١ ـ (وَكَمْ قَصَمْنا) : أهلكنا ، والقصم : أن ينكسر الشيء (٤) فيبين ، ومنه يقال : أقصمت الثنيّة.

١٢ ـ (يَرْكُضُونَ) : يعدون ويسيرون هربا ، وليس هذا بوصف قرية واحدة ، لقوله : (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ) [الأنبياء : ١١] ، ولكنّ ابن عباس ذكر خبرا موافقا لهذا الوصف. روى الكلبيّ ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، أنّه قال : إنّ قرية من قرى اليمن يقال لها (٥) : حضورا (٦) ، أرسل إليهم ، فكذبوه ، ثم قتلوه ، فسلّط الله عليهم بختنصر عبدا من عباده ومع جنوده ، فقيل له : اغز أرضا يقال له : عربايا ، يعني العرب ، الذي ليست لبيوتهم أبواب ، ولا (٧) أغلاق ، فلا تدع شيئا ممّن له روح من طير أو سبع ولا غيره إلا قتلته ، فغزاهم بالجنود ، فلمّا بلغهم مسير بختنصر وأصحابه ، خرجوا إليهم ، فكتّبوا له الكتائب ، فقاتلهم قتالا شديدا حتى حوّلوه عن منزله ، ثم كتّب الكتائب ، فأتوهم من بين أيديهم ومن خلفهم ، فهزمهم الله ، واتبعهم بختنصر بالجنود ليقتلهم ، فمرّوا على دورهم منهزمين ، وفيها أهلوهم وذراريهم ، فلم يلووا على شيء من

__________________

(١) ينظر : الطبقات الكبرى ١ / ٢٩٥ ، وتاريخ دمشق ٢٧ / ٣٥٧.

(٢) ينظر : تفسير مجاهد ٤٠٧.

(٣) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٣٨٥ ، وزاد المسير ٣ / ٣٨٥.

(٤) ساقطة من أ.

(٥) الأصول المخطوطة : له.

(٦) حضور : بالفتح ثم الضم وسكون الواو وراء : بلدة باليمن ، سميت بحضور بن عدي بن مالك. ينظر : معجم ما استعجم ١ / ٤٤٥ ، ومعجم البلدان ٢ / ٢٧٢.

(٧) ع : أو.

٣٠٤

أمرهم ، فردّتهم الملائكة إلى دورهم ، فرجعوا إليها ، ودخل عليهم بختنصر وأصحابه ، فجعلوا يقتلونهم وهم يقولون : يا لثارات فلان ، يا لثارات فلان ، ولا يسمون النبيّ الذي قتلوه (٢١٨ و) فلمّا رأوا أنّ الصوت لا يسكت عنهم ، وهم يقتلونهم ، عرفوا (١) أنّ الله هو سلّطهم عليهم بقتلهم النبيّ الذي بعثه إليه ، فقالوا : يا ولينا إنّا كنّا ظالمين بقتل النبيّ. (٢)

١٥ ـ يقول الله عزوجل : (فَما زالَتْ تِلْكَ) يعني : الكلمة.

(دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ) : فلم يبق منهم عين تطرف من ذكر أو أنثى ، ولا صغير ولا كبير ، ولا دابة ولا طير. وذكر شيخنا : أنّ اسم هذا النبيّ ويغم. وذكر الخرداد بهمن : أنّ اسمه شعيب بن مهدم بن أبي مهدم بن حضور ، قال : وحضور بطن من حمير ، قال : فلمّا قتلوه أوحى الله تعالى إلى نبيّ اسمه برخيّا من سبط يهودا بن يعقوب عليهما‌السلام : أن ائت بختنصر فمره أن يغزو العرب الذين لا أغلاق لبيوتهم ولا أبواب ، فتقتل مقاتلتهم ، وتستبيح أموالهم ، فأقبل (٣) برخيّا من حران إلى بابل ، فأخبر بختنصر الخبر ، فتوجّه لذلك ، فأنزل من يلقي مستأمنا الأبيات ، ثمّ أتاهم بختنصر ، وهتف بهم هاتف [من الطويل] :

سيغلب قوم غالبوا الله جهرة

وإن كايدوه كان أقوى وأكيدا

كذاك يضلّ الله من كان من قلبه (٤)

مريضا ومن والى النّفاق وألحدا (٥)

وهربوا يركضون ، فحصدوا أجمعين. (٦)

١٥ ـ وقوله : (حَصِيداً) أي : شيئا حصيدا.

و (الخمود) : الجمود والانطفاء.

١٦ ـ (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ) : اتصالها من حيث ذكر الوبال ينافي العبث والخبال.

١٧ ـ (أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً) : قال ابن عباس : ولدا بلغة حضرموت. (٧) وقيل : صاحبة. (٨)

__________________

(١) ع : سلطه.

(٢) ينظر : تفسير ابن أبي حاتم ٨ / ٢٤٤٧ ، والدر المنثور ٥ / ٤٤ ، وتفسير السمعاني ٣ / ٣٧١ ، واللباب في علوم الكتاب ١٣ / ٤٥٦ من غير نسبة.

(٣) (من سلط يهودا ... فأقبل) ساقطة من ع.

(٤) ع : من كان قبله.

(٥) والقائل أعشى همدان ، تاريخ الطبري ٣ / ٥٠١ ..

(٦) ينظر : فتح القدير ٣ / ٢٥٧.

(٧) ينظر : تهذيب اللغة ٤ / ٣٣٠٥ من غير أن ينسبه لابن عباس ، ونسبه لأهل التفسير ، وزاد المسير ٥ / ٢٥٣.

(٨) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ١١ عن مجاهد وقتادة ، والدر المنثور ٥ / ٥٤٥ وزاد المسير ٥ / ٢٥٣ عن الحسن وقتادة.

٣٠٥

(لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) يعني : الملأ الأعلى ، وهم الذين (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) [الأعراف : ٢٠٦] ، وإنّما وصفهم بأنّهم عنده لأتمارهم بأمره ، واتّحادهم بذكره ، ودوام مراقبتهم إيّاه ، مخلصين له الدين ، قاهرين بإذنه الملحدين ، بخلاف الأرواح الخبيثة الملابسة للأصنام والطواغيت ، يدلّ عليه قوله : (لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ) [الزمر : ٤] ، ووجه الإنكار على اليهود والنصارى والمجوس ظاهر ، وعلى بني مليح من حيث إنّهم كانوا يسمّون الملائكة ، ويصفون الشياطين ، فكأنّ قولهم في الحقيقة عائد إلى الشياطين دون الملائكة.

١٨ ـ (فَيَدْمَغُهُ) : فيهلكه ، والدمغ : إصابة الدماغ ، ووصف عليّ رسول الله فقال : دامغ جيشات الأباطيل. (١)

١٩ ـ (يَسْتَحْسِرُونَ) : يحصرون ، وهو الإعياء والانقطاع.

٢٠ ـ (لا يَفْتُرُونَ) : لا يضعفون ولا يملّون.

٢١ ـ (أَمِ) : بمعنى ألف الاستفهام.

(يُنْشِرُونَ) : يخلقون ، وهذه قريبة من قوله : (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ) الآية [الرعد : ١٦].

٢٢ ـ وقوله : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) دليل على صحة قياس العكس على وحدانية الله تعالى.

٢٣ ـ وقوله : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) دليل على أنّه لا علّة لفعل الله تعالى ، وأنّه غير داخل (٢) (٢١٨ ظ) تحت حكم ، ولا مفض إلى ظلم أيّ شيء فعل لعلمه الغيوب ، وسبقه العيوب.

٢٤ ـ (بُرْهانَكُمْ) أي : الوحي المفخر بالإذن ، واتخاذ الشركاء ، في نحوه قوله : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) [الحج : ٧١].

(هذا) : يعني : القرآن.

و (ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ) : من المؤمنين واليهود والنصارى وعيسى والخضر وإلياس.

(وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) : من الرسل الماضين وأتباعهم الذين قصّهم الله تعالى في القرآن.

__________________

(١) ينظر : غريب الحديث لابن قتيبة ٢ / ١٤٦ ، والنهاية في غريب الحديث ١ / ٣٢٤ و ٢ / ١٣٣ ، وغريب الحديث لابن الجوزي ١ / ١٨٣ و ٣٤٨ ، ولسان العرب ٦ / ٢٧٧. والجيشات : جمع جيشة وهي المرّة من جاش إذا ارتفع ، ويريد بذلك ما ارتفع من الأباطيل. المراجع السابقة.

(٢) ساقطة من أ.

٣٠٦

٢٥ ـ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) : إخبار عن عامّة الرسل على طريق الإجمال.

٢٧ ـ (لا يَسْبِقُونَهُ (١) بِالْقَوْلِ) : غاية الإخبات والإنصات ، وترك الافتيات (٢).

٢٨ ـ (لِمَنِ ارْتَضى) أي : من ارتضاه الله أن يشفعوا له ، هم الذين خلقهم الله لذلك ، فإنّه يقول عزوجل مخبرا عنهم : (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) [غافر : ٧].

(مِنْ خَشْيَتِهِ) : من مهابته.

(مُشْفِقُونَ) : خائفون.

٢٩ ـ (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ ...) الآية ، فائدة الوعيد : تفخيم الأمر ، وتعظيم الشأن ، وقد ذكرنا أنّ الوعيد : إيجاب حكم معلق بشرط موهوم. وعن الضحاك وغيره : أنّ إبليس كان فيهم ، فارتكب الشرط المشروط ، فوجب (٣) عليه الحدّ. (٤)

٣٠ ـ (كانَتا رَتْقاً) : يمسك المطر والنبات ، والرّتق ، بفتح التاء : الانغلاق والانطباق ، ومنه المرأة الرتقاء ، والرّتق ، بسكون التاء : متعدّ ، ومنه يقال : فاتق راتق. وعن أبي صالح الحنفي (٥) : أنّ السماوات كنّ واحدة ، والأرضين كنّ واحدة في ابتداء الخلق ، ثمّ جعل الله كلّ واحدة منهم في سبعة أطباق. (٦)

(وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) : قال الكلبيّ : كلّ شيء حيّ أنبتته الأرض. وقال الكلبيّ أيضا : بقاء النبات وحياة حي من الماء. وقال أبو العالية (٧) : المراد بالماء النطفة. (٨) وأطلق قتادة (٩) والضحاك ، وهو ظاهر الآية.

٣١ ـ (فِجاجاً) : جمع فجّ ، والفجّ : الفرجة من جبلين ، وتفاجّت النّاقة إذا فرجت بين

__________________

(١) ع : لا يسبقونهم.

(٢) الافتيات : فعل الشيء بغير ائتمار من حقّه أن يؤتمر فيه. التعاريف ٧٩.

(٣) ع : فهوجب.

(٤) ينظر : تفسير ابن أبي حاتم ٨ / ٢٤٥١ ، وزاد المسير ٥ / ٢٥٦ ، وتفسير الضحاك (التوبة ـ العنكبوت) ١٦٥.

(٥) عبد الرحمن بن قيس الحنفي ، كوفي ، تابعي ، من خيار التابعين. ينظر : التاريخ الكبير ٥ / ٣٢٨ ، وذكر أسماء التابعين ٢ / ١٥٢ ، وسير أعلام النبلاء ٥ / ٣٨.

(٦) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ٢٠ ، وابن كثير ٣ / ٢٣٩ ، والدر المنثور ٥ / ٥٥٠.

(٧) رفيع بن مهران الرياحي البصري ، الإمام المقرئ الحافظ المفسر ، توفي سنة ٩٣ ه‍. ينظر : رجال مسلم ١ / ٢٠٩ ، وتاريخ دمشق ١٨ / ١٥٩ ، وشذرات الذهب ١ / ١٠٢.

(٨) ينظر : تفسير ابن أبي حاتم ٨ / ٢٤٥١ ، وتفسير البغوي ٥ / ٣١٦ ، وزاد المسير ٥ / ٢٥٧ ، والدر المنثور ٥ / ٥٥٠.

(٩) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ٢١ ، وتفسير الماوردي ٣ / ٤٤٤.

٣٠٧

رجليها لتبول أو لتحلب.

٣٣ ـ (كُلٌّ فِي فَلَكٍ) : قال الكلبيّ (١) والفرّاء (٢) : الفلك موج مكفوف. وقال أبو عبيد الهرويّ : الفلك في اللّغة : موج البحر إذا جاء وذهب واضطرب ، (٣) وهذا يقتضي أنّ الفلك فلك واحد ، وكلّ (٤) يسعون فيه. وقيل : الفلك : الشيء المستدير ، ومنه سمّيت القطعة المستديرة من الأرض فلكا ، (٥) وهذا يحتمل ما ذكرنا ، ويحتمل : أنّ كلّ واحد في فلك على حدة ، وكلّ يسبّحون ، وهذا قول المنجّمة والفلاسفة ، وزعموا : أنّ الأفلاك الدائرة بالنجوم سبعة ، وأنّها لطيفة لا تشاهد ، ولكن يستدلّ عليها بالكواكب السيّارة ، ومع كلّ فلك من هذه الأفلاك سوى فلك الشمس فلك آخر مائل عن فلك الشمس هي علّة عدم الكسوف في كلّ شهر ، وعلّة (٦) رجوع الخمسة عن سيرها المستقيم تجاه فلك البروج ، و (٧) في ذلك الحق المعصومي بفصول الفرغاني (٢١٩ و) من مقالة أبي الريحان ، أمّا على التحقيق والتحصيل إذا أتيا الحكم بالتفصيل ، فإنّ ما يجري من الكواكب يقطع البروج في المسارب ، هي النجوم الثاقبات الثابتة ، والشمس أيضا معها مسامتة هذا ، فأمّا الخمسة السيّارة والقمر المدار فإنّها تجري على أقطاب من قطبي (٨) البروج في اقتراب وميلها ، أمّا الذي خصّ القمر منه فميل واحد من القدر ، وما يخصّ الخمسة المذكورة مختلف ألوانها ، تعيي من استفرغ فيها جهده ؛ لأنّها من حركات. قال رضي الله عنه : وهذا اعتراف منه بالعجز عن إدراك كيفيّة حركات النجوم كلّها في أفلاكها ، وفوق هذه الأفلاك السبعة فلكان آخران :

أحدهما : فلك البروج والكواكب الثابتة (٩) ، وهو لطيف لا يشاهد ، ولكن يستدلّ عليه بالكواكب الثابتة. زعموا أنّ هذه الكواكب الثابتة تزول عن مواضعها ، وأنّ هذا الفلك يدور دور هذه السبعة من نحو المغرب إلى المشرق ، إلا أنّ سيره بطيء لا يقطع في مئة سنة إلا جزءا واحدا من ثلاث مئة وستين جزءا في رأي بطليموس ، وقال أصحاب الممتحن وأصحاب

__________________

(١) ينظر : تفسير الطبري ٨ / ٢٤ ، والتفسير الكبير ٨ / ١٤١ من غير نسبة.

(٢) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٠١ ، وتهذيب اللغة ٣ / ٢٨٣١.

(٣) ينظر : الغريبين في القرآن والحديث ٥ / ١٤٧٥.

(٤) ع : ولهذا وكل.

(٥) ينظر : معجم تهذيب اللغة ٣ / ٢٨٣١ ، وتفسير الطبري ٨ / ٢٤ عن مجاهد ورجحه الماوردي في التفسير ٣ / ٤٤٦ ، وزاد المسير ٥ / ٢٥٧ عن ابن قتيبة.

(٦) ع : وعلته.

(٧) أ : وصح.

(٨) ع : قطع.

(٩) ساقطة من ك.

٣٠٨

الأرصاد : لا يقطع في ستّ وستين سنة إلا جزءا واحدا من ثلاث مئة وستين جزءا من أجزاء الفلك الأعظم.

والآخر فلك الأقطاب ، وهو كالضدّ للفلك الأعظم المستقيم المحوط المكوّر لسائر الأفلاك من نحو المشرق إلى المغرب ، وهذا الفلك الأعظم لطيف لا يشاهد ، ولكن يستدلّ عليه بالمجرّة ، أو تسير الطوالع والغوارب من نحو المشرق إلى المغرب على أدبارها.

ثمّ (١) اختلفوا فيما بينهم ، فزعم بعضهم أنّ الأفلاك السبعة في السماوات السبع التي أخبر الله تعالى عنهنّ أنّه سواهنّ سبع سماوات ، وأنّ فلك البروج هو الكرسيّ ، وأنّ فلك الأعظم هو العرش ، وزعم آخرون : أنّ هذه الأفلاك التسعة بين السماء والأرض ، وأنّ السماوات فوق هذه الأفلاك التسعة ، وأنّ هذه الأفلاك التسعة لم تكن حاجزة بيننا وبين السماء ، ولا ساترة إيّاها للطافتها ، ولكن تسمّى الأفلاك سماء ، كما يسمّى السحاب سماء ، والمطر سماء (٢) ، السقف سماء.

واختلفوا في ماهيّة هذه الأفلاك ، فزعم أفلاطون وأصحابه : أنّ السماء متركّبة من الطبائع الأربع. وزعم قوم منهم : أنّ السماء نار. وزعم قوم : أنّها مركب من نار وريح ، يعنون كلّهم بالسماء : الفلك ، وزعم أبسطاليس (٣) وأصحابه : أنّ السماء جرم خامس ليس من الطبائع الأربع ، فإنّها لو كانت نارا أو ريحا لعلت ، ولو كانت أرضا أو ماء لهبطت ، وأجمعوا أنّها متناهية (٢١٩ ظ) محدودة ، والله أعلم بالحقيقة. (٤)

(يَسْبَحُونَ) : يجرون ويطردون.

٣٥ ـ (كُلُّ نَفْسٍ)(٥) : أراد مادّة التنفيس ، وهي نسمة كالنسيم ، وهي خلاصة الجسد ، ومركب الروح.

(ذائِقَةُ الْمَوْتِ) : كقوله : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) [الرحمن : ٢٦] ، أراد حيوانات السماء والأرض ، واختلفوا في حيوانات الجنّة والنار. قيل : خلقها الله تعالى للبقاء ، فلا يتناولها حكم الفناء. وقيل : لا بدّ لهم (٦) من سبات أو وفاة. وقيل : يوم القيامة.

٣٦ ـ (آلِهَتَكُمْ) : بالذمّ والعيب والسوء والشتم.

__________________

(١) ساقطة من أ.

(٢) (ولا ساترة لها ... والمطر سماء) ساقطة من ك.

(٣) ع وأ : أرسطاليس.

(٤) هنا زيادة في الأصول المخطوطة : إلا الله.

(٥) الأصل وك وأ : كل على نفس.

(٦) ع : لا يدركهم.

٣٠٩

(وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ) : وهم يكفرون ، كفرهم إنكارهم تسمية الرحمن ، وأنّه هو الذي يذكر آلهتهم بالسوء. ويحتمل : أنّها في معنى قوله : (وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ) [الأنعام : ٨١].

٣٧ ـ (مِنْ عَجَلٍ) : من طين ، إنّما عبّر للتجنيس اللفظي. وقيل : هو مجاز ، كما يقال : خلق فلان من الرفق والحكمة ، وفلان من الخرق والطيش ، (١) وهذه حروف مؤخرة لما بعدها في التقدير مقدّمة في التلاوة.

٤٠ ـ (تَأْتِيهِمْ) : عائدة إلى الإناث ، وفي قوله : (سَأُرِيكُمْ آياتِي).

٤٢ ـ (يَكْلَؤُكُمْ) : يحفظكم ويحرسكم.

(بَلْ) : للإضراب.

٤٣ ـ (يُصْحَبُونَ) : يحفظون من قولك : صحبك الله ، أي : حفظك ، وقال المازني : هو من الإصحاب وهو المنع. (٢)

٤٤ ـ (حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) : أراد أحد أشياء ثلاثة (٣) : إمّا التنبيه على قساوة القلب باعتياد الكفر والإنكار ، فإنّ طول العمر على عادة واحدة مما يؤكّد العادة (٤) ، وإمّا التنبيه على بلوغهم نهاية الأجل ، فإنّ الشيء إذا طال بلغ نهايته ، وإذا بلغ نهايته انقضى. (٥)

٤٦ ـ (نَفْحَةٌ) : فورة من الخير والشرّ ، ونفح الريح : بردها ، ونفح العرق إذا (٦) نعر ، ونفحت أردان (٧) الجارية بالمسك ، وفلان نفّاح بالخير.

٤٧ ـ (الْقِسْطَ) : صفة الموازين.

(خَرْدَلٍ) : حبّ في حجم (٨) بزر قطونا في غاية الحراقة ، يتغرغر به من في دماغه فضل

__________________

(١) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٣٩٢ ، وتهذيب اللغة ٣ / ٢٣٤٠ ، وزاد المسير ٥ / ٢٥٩.

(٢) ينظر : تهذيب اللغة ٢ / ١٩٧٩ من غير نسبة.

(٣) ك : ثلاث مئة.

(٤) ع : العبادة.

(٥) ذكر ثنتين فقط ، ولم يذكر الثالثة.

(٦) ع : إذا أراد.

(٧) الأصول المخطوطة : أراد أن. والردن : بالضم أصل الكمّ. القاموس المحيط ١ / ١٥٤٨ ، وقد جاء في اللسان ٢ / ٦٢٣ قول الشاعر :

لقد عالجتني بالقبيح وتوبها

جديد ومن أردانها المسك ينفح

(٨) ك : جحيم. وبزر القطونا : حبّة يستشفى بها. لسان العرب ١٣ / ٣٤٤.

٣١٠

رطوبة ، والمراد به القلّة (١) على ما يتعارفه الناس.

٤٨ ـ (وَضِياءً) : ونورا.

(لِلْمُتَّقِينَ) : أنبياء بني إسرائيل ، ومن سلك منهاجهم. وكان دانيال الحكيم عليه‌السلام منهم. عن عبد الله بن أبي الهذيل (٢) قال : ضرّى بختنصر أسدين ، وألقاهما في جبّ ، وجاء بدانيال ، فألقاه عليهما (٣) ، فلم يهيّجاه ، فمكث ما شاء الله ، ثمّ اشتهى ما يشتهي الآدميون من الطعام والشراب ، فأوحى الله إلى أرميّا عليه‌السلام أن اتخذ طعاما وشرابا لدانيال (٤) ، فقال : يا ربّ ، أنا بالأرض المقدسة ، ودانيال بأرض بابل من أرض العراق (٥) ، فأوحى الله إليه أن اتخذ ما أمرنا ، سنرسل إليك من يحملك ، ويحمل ما أعددت ، ففعل ، فأرسل الله إليه من حمله ، وحمل ما أخذ حتى وقف على رأس الجبّ ، فقال دانيال : من هذا؟ قال : أرميّا ، قال : ما جاء بك؟ (٢٢٠ و) قال : أرسلني إليك ربّك عزوجل ، قال : وقد ذكرني؟ قال : نعم (٦) ، قال : الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره ، والحمد لله الذي لا يخيّب من رجاه ، والحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره ، والحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحسانا ، والحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة ، والحمد لله الذي يكشف ضرّنا بعد كربنا ، والحمد لله الذي هو ثقتنا حين يسوء ظنّنا بأعمالنا (٧) ، والحمد لله الذي هو رجاؤنا حين تنقطع الحيل عنّا.

٥١ ـ (إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ) : موسى وهارون. وقيل : أراد تقديم الرشد على النبوّة والرسالة. (٨)

٥٢ ـ (التَّماثِيلُ) : جمع واحدها تمثيل وتمثال ، فالأوّل مصدر ، والثاني الصّنم ، بمثالة التمساح.

عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان آزر يصنع أصناما يبيعها ، يطبع عليها بطابعه ، فكلّ صنم يوجد ليس عليه طابع آزر. روي : أنّه خلاف لما أمر به الملك وقبل عليه ، فكان آزر يبعث بها ، فيطاف بها في الأسواق والقرى التي حولهم ، فيبيعون ، ويرجعون إليه بالأثمان ، ويبعث مع

__________________

(١) ك : القلم.

(٢) أبو المغيرة عبد الله بن أبي الهذيل العنزي الكوفي التابعي ، توفي في ولاية خالد القسري على العراق. ينظر : الطبقات الكبرى ٦ / ١١٥ ، والتاريخ الكبير ٥ / ٢٢٢ ، وصفة الصفوة ٣ / ٣٣.

(٣) أ : عليهم.

(٤) الأصل وأ : بالدانيال ، وهذا من ك وع.

(٥) (فأوحى الله إلى أرميا ... أرض العراق) ، مكرر في ع.

(٦) ع : هم.

(٧) (والحمد لله الذي يجزي ... ظننا بأعمالنا) ، ساقطة من ع.

(٨) ينظر : تفسير الماوردي ٣ / ٤٥٠ ، واللباب في علوم الكتاب ١٣ / ٥١٧.

٣١١

إبراهيم ، فينادي بأعلى صوته : من يشتري ما يضرّه ولا ينفعه ، ويضرب رؤوسها بقرّاعة معه ، ويقول : يا لك غرورا ، ثمّ يأتي بها إلى النهر ، فينكّس رؤوسها ، فيقول : ألا تشربن؟! ما رأيت كاليوم أمرا أعجب يعبدون ما لا يسمع ولا يبصر ، ولا ينطق ، ولا يدري من عبده أو كفر به! فيقول بعض من يسمع إبراهيم ويقول هذا : أرأيت آزر وهو ثقة الملك على هذه الأصنام ، كيف يبعث بها مع هذا المجنون يقول ما يقول من إظهار عيبها؟ فبعضهم يقولون : مجنون ، وبعضهم يقولون : ضعيف ، وبعضهم يقولون : هو صاحب نمرود ، قال (١) : وبلغ نمرود كلّ ما يقول واسمه ، وحسب له ميلاده ، فإذا هو يكون الشهر في الذي تخوّف ، والذي (٢) ذبح عليه الولدان ، وقد ذبح أكثر من ألف من الولدان ، قال : فنظر إبراهيم عليه‌السلام نظرة في النجوم (فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) [الصافات : ٨٩] ، والسقيم عندهم المطعون ، وعرف أنّهم يهربون من الطاعون فرقا من العدوى ، فخرجوا من عنده هاربين. (٣)

٥٧ ـ (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) : عن الواقديّ ، عن أشياخه قال : كان آلهتهم العظمى عشرة من نحاس على سرر من ذهب مكلّلة بالياقوت والزبرجد ، أعينها حمر ، لها لهب كلهب النار ، لكلّ واحد منها (٤) عينان تتوقّدان في الظلمة ، وساتر ملبس بصفائح الذهب ، مكلّل (٥) بالياقوت ، فلمّا دخل عليها إبراهيم عليه‌السلام وجد عندها (٢٢٠ ظ) طعاما كثيرا قد وضعوه ، وشرابا من خمر ، فأقبل عليها ضربا باليمين ، أي : بيمينه التي حلف بها لأكيدنّ أصنامكم ، ويقال : بيمينه ، أي : بيده ، وجعل يقول : ألا تأكلون؟ ألا تشربون؟ وهراق ذلك الطعام ، وجعل يكسرها بفأس ، ثمّ عمد إلى أعظم العشرة الأصنام ، يقال له : براح ، فعلّق الفأس عليه ، وتركه والفأس معلّقة عليه ، وكان فعل إبراهيم هذا بهم وافق عيدا لهم يخرجون إليه ، يقيمون فيه (٦) ثلاثا يعكفون ، فلمّا رجعوا إلى مدينتهم ، وكانوا إذا دخلوا من مغيب ، أو خرجوا إلى مغيب سفر لم (٧) يدخل أحد بيتها حتى يسجد لها ، وإذا خرجوا (٨) لم يخرجوا حتى يسجدوا لها ، وإذا نزل بأحدهم أمر ذهب إليها.

__________________

(١) ساقطة من أ.

(٢) ع : والشهر الذي.

(٣) ينظر : تفسير الطبري ٨ / ١٤٢٥.

(٤) الأصل وع وأ : منهما.

(٥) أ : مكللة.

(٦) (يخرجون إليه يقيمون فيه) ، مكرر في ع.

(٧) ع : لهم.

(٨) ع : خرج.

٣١٢

٥٨ ـ (جُذاذاً) : قطعا.

(إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ) : الضمير راجع إلى الأصنام. وقيل : إلى الناس.

٥٩ ـ (قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا) : قال : لّما رجعوا من عيدهم بدؤوا بها قبل بيوتهم ، فرأوا ما فعل بها ، فقال نمرود : من فعل هذا؟ قال رجل من خزّان آلهتهم سمع إبراهيم عند خروجهم يقول : لأكيدنّ أصنامكم ، سمعت فتى يذكرهم يقال له : إبراهيم ، يقول ذلك ، فأخبر الملك ، فدعا إبراهيم فقال له : أرأيت إلهك هذا الذي تعبده ، وتدعو إلى عبادته ، وتذكر من قدرته وعظمته وربوبيّته التي تعظّم بها على غيره ، ما هي؟ صفها لي ، قال إبراهيم (١) عليه‌السلام : إنّ ربّي يحيي ويميت ، قال نمرود : فأنا أحيي وأميت ، ثم ذكرنا في الحديث. (٢)

٦١ ـ (عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ) : أي : جهارا نهارا.

(لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) : على إقراره. وقيل : يشهدون على الإنكار عليه ، فيرتدعون (٣) عن الإقدام على مثل صنيعه.

٦٣ ـ (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ) : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لم يكذب إبراهيم قطّ إلا ثلاث كذبات : قوله : (إِنِّي سَقِيمٌ) [الصافات : ٨٩] ، وقوله : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ)، وقوله لسارة : أختي». (٤) قال : لهذا النوع من الكذب رتبة الصدق ، قال عليه‌السلام : «لا كذب إلا في اثنتين : في إصلاح ذات البين ، [و](٥) في حديث الرجل لامرأته ، وحديث المرأة لزوجها». (٦)

٦٥ ـ (ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ) : صرفوا بالخذلان على أدبارهم ، فانصرفوا عن تلاومهم إلى جدال إبراهيم عليه‌السلام. و (المنكوس) : المعكوس.

(ما هؤُلاءِ) : للجحد ، كقوله : (ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍ) [هود : ٧٩] ، (وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) [فصلت : ٤٨].

__________________

(١) قوله قال إبراهيم ، مكرر في أ.

(٢) الأصل (٥٦ ظ).

(٣) أ : ويرتعدون.

(٤) أخرجه مسلم في الصحيح (٢٣٧١) ، والبيهقي في الكبرى ٧ / ٣٦٦ ، والطبراني في الأوسط (٩٥٦).

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

(٦) أخرجه مرفوعا أحمد في المسند ٦ / ٤٠٤ ، والترمذي في السنن (١٩٣٩) ، والطبراني في الكبير ٢٤ / (٤٢٠) عن أسماء بنت يزيد «لا كذب إلا في ثلاث : ...» وذكر الكذب في الحرب. أما في مسلم (٢٦٠٥) فقد أخرجه مدرجا من كلام ابن شهاب إذ قال : ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث : ... فذكره. وقال النووي في شرح صحيح مسلم ١٦ / ٣٧٣ : قال القاضي : لا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور.

٣١٣

٦٨ ـ (قالُوا حَرِّقُوهُ) : عن الواقديّ ، عن شيوخه قالوا : أمر نمرود بإبراهيم إلى السجن أولا ، فجلس سبع سنين ، وجعل إبراهيم يدعو أهل السجن إلى الله وعبادته حتى فشا أمره ، وأحبّه قوم على دينه ، ولم يدخلوا معه ، فجاء السجّان إلى الملك ، فقال : إنّ الملك (٢٢١ و) كان قد غضب على قوم في جيشه خالفوه ، فكانوا يطلبون رضاه ، ويأبى الملك ، فدخل إبراهيم السجن ، فدعاهم إلى عبادة إلهه ، فقد رأيتهم قد ركنوا إلى قوله وأحبوه ، وأنا أخاف أن يتّبعوا دينه ، ويتركوا دين الملك ، ما يرى في السجن صنما إلا كسره حتى هانت عليهم موجدة (١) الملك ، قالوا : ما نبالي لو قتلنا على هذا الدين ، فبلغ نمرود من ذلك ما شقّ عليه ، واغتاظ غيظا شديدا.

وعن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال نمرود لإبراهيم عليه‌السلام : يا إبراهيم (٢) ، أيّة قتلة أقتلك ، وقد صنعت بآلهتنا ما صنعت؟ قال : فقال رجل من الأعراب ، وهم أكراد (٣) الجبل : حرّقوه بالنار ، قال نمرود : أصبت ، أصبت ما في نفسي ، ما رأيت كلمة أشفى لما أجد من كلمتك. وعن جابر ، عن عبد الله قال : سمعت الهرمزان يحدّث في عهد عمر رضي الله عنه قال : لّما أرادوا أن يحرقوا إبراهيم عليه‌السلام جعلوا له جيرا خمسين (٤) في خمسين ، وطوله ستون (٥) ذراعا ، وعرضه عشرة أذرع ، وله أساس في الأرض عشرون ذراعا ، ثمّ نادى مناد : بعزيمة الملك على أهل مملكته أن يحملوا جزل الحطب (٦) ، فيلقوه في الجير ، فطرحوا فيه جزل الحطب خمس عشرة ليلة ، فلم يبق أحد إلا ألقى في الحطب ، فلما ساوى الحطب رأس الجيرة ، وجعل له بابان من حديد : باب يدخل فيه ، وباب يخرج منه لحمل الحطب ، فلما بني كذلك ، والبابان مسدودان أذاب عليهما النحاس ، وأوقد النار في الحطب حتى غشي اللهب المدينة ، وأظلم عليهم الدخان ، فصار كالسحاب ، وسمع للنار مثل وقع الحديد على الحديد ، وارتفع في السماء لهبها ، فلمّا أرادوا يلقونه (٧) فيها صاحت السماء والأرض وما بينهما إلا الثقلين : ربّنا ليس في أرضك هذه الواسعة سهلها وجبلها وبرّها وبحرها أحد يعبدك غيره يحرق بالنار؟ فأذن لنا في نصره ، فقال تبارك وتعالى : إن دعا أحدا منكم فأغيثوه ، فإنّي قد أذنت لكم في ذلك ، وإن لم يدع غيري فأنا

__________________

(١) الموجدة : الغضب. لسان العرب ٣ / ٤٤٦.

(٢) ساقطة من أ.

(٣) أ : الواد.

(٤) ع : خمس. والجير : الجص إذا خلط بالنورة. لسان العرب ٤ / ١٥٧.

(٥) الأصل وك وأ : ستين.

(٦) جزل الحطب : ما عظم من الحطب ويبس. الصحاح ٤ / ١٦٥٥ ، ولسان العرب ١١ / ١٠٩.

(٧) هكذا في الأصول المخطوطة ، ولعلها : إلقاءه.

٣١٤

وليّه ، خلّوا بيني وبينه ، وأقبل إبراهيم عليه‌السلام على الدعاء يقول : ربّ أنت واحد في السماء ، وأنا واحد في الأرض ، لا يعبدك أحد غيري ، يا أحد يا صمد ، بك أستعين ، وبك أستغيث ، وعليك أتوكّل ، حسبي الله ، لا إله إلا هو ، ونعم الوكيل ، إنّك تعلم أنّما عداوتي قومي فيك ، فانصرني عليهم ، ونجّني اليوم من النار (١) ، قال : فأوحى الله عزوجل إلى النار أن كوني بردا وسلاما ، فكانت (٢) كما قال الله تعالى (٣) ، فمكث في النار سبعة أيّام ، وبعث الله إليه ملك الظلّ في صورة إبراهيم ، فقعد فيها إلى جنب إبراهيم يؤنسه ، ثمّ إنّ عدوّ الله ركب مركبا له ، فمرّ بالنار وقد خبت ، وقد احترقت (٢٢١ ظ) الجدر ، وذاب النحاس والحديد ، وصار الوقد والبناء رمادا وأعاصير ، وكان الوطاويط ، يعني : الخطاطيف ، يومئذ تطفئ عن إبراهيم النار ، وكان الأوزاع تنتفخ عليه ، وتلهب عليه ، قال أصحاب الملك : ما بقي شيء قد أراحنا الله من عدوّنا ، وأهلكه بأسوء قتلة ، وشفى الملك منه ، وشفانا منه ، وصارت النار رمادا ، فأنغض نمرود برأسه وقال : إنّي رأيت في المنام كأنّما هدّ الجير ، وخرج إبراهيم من النار سليما ، يجمر (٤) لم (٥) يكلم ، وأنّا طلبناه فلم نقدر عليه ، فانظروا ، فإنّه سيخرج منها سليما لم يكلم ، قال أصحابه : أين ذهب الملك؟ إنّ الحلم (٦) ليصدق ويكذب ، ونظنّ (٧) ذلك يكذب ، قال نمرود : فابنوا لي صرحا على أشرف النار ، فأنظر في قعرها ، ففعلوا ، فأشرف عليها ، ورأى أنّ إبراهيم عليه‌السلام جالسا ، ورأى رجلا مثله على صورته يروّح إبراهيم عليه‌السلام فناداه نمرود : يا إبراهيم ، الذي بلغت قدرته أن حال بينك وبين النار ، هل تستطيع أن تخرج؟ قال إبراهيم : نعم (٨) ، فخرج إبراهيم ، فاجتمع الناس ، فقالوا : من الرجل الذي كان معك؟ قال : ملك الظلّ ، وهو الذي أيّدني ربّي به ، وأوحى الله إلى النار فقال : (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً) فكانت عليّ كما قال ، ثمّ خرج إبراهيم إلى أمّه حتى قعد إلى جنبها ، وهي في المجمع ، فأقبلت سارة بنت هارون ، وكانت أوّل من آمن بإبراهيم حتى جلست إلى جنبه إيمانا به ، وتعجّبا لما صرف عنه ، وقالت : إنّي آمنت بالذي جعل النار عليك بردا وسلاما ، فقالت لها أمّ إبراهيم : احذري القتل على نفسك ، قالت : وكيف

__________________

(١) (لا يعبدك أحد غيري .. ونجني اليوم من النار) ساقطة من ك.

(٢) مكررة في الأصل وأ.

(٣) ع : (قال فأوحى الله ... كما قال الله تعالى) ، متقدم (لا يعبدك أحد غيري ... ونجني اليوم من النار). أما في أ : فالقول الثاني ساقط.

(٤) يجمر : يسرع. ينظر : القاموس المحيط ١ / ٣٩٣.

(٥) الأصل وع وك : لهم.

(٦) ع : الحكيم.

(٧) الأصول المخطوطة : أظن.

(٨) ك : رأى.

٣١٥

أخاف شيئا وقد آمنت بربّ إبراهيم؟ إنّ الذي منع إبراهيم ممّا ترين لقادر على أن يمنعني ، قال : وقال نمرود لأصحابه : قد أخبرتكم بالرؤيا التي رأيت مع ما كنّا نجد في النجوم من ذكر إبراهيم وخلافه ، ما يبعد أنّه سيظهر ، وكانت حول إبراهيم عليه‌السلام حين خرج من النار جماعة من الناس لا يحصى عددهم ، فهم يأتمرون به ليجدّدوا له عذابا آخر ، فأرسل الله تعالى ريحا عاصفا ، فنسفت رماد تلك النار عن وجه الأرض ، ثمّ ذرّته في وجوههم ، فخرجوا هاربين (١) مولّين ، وأرسل نمرود إلى إبراهيم عليه‌السلام : أنّي مقرّب إلى ربّك قربانا لما رأيت (٢) من قدرته ، ولما صرف عنك ممّا أردناه بك وصنعنا بك من أشدّ أصناف العذاب ، وأهول (٣) القتل ، فأذبح له أربعة ألاف بقرة ، فقال إبراهيم : إذا لا يقبل منك شيئا ما كنت على دينك (٢٢٢ و) قال نمرود : يا إبراهيم ، لا تطيّب نفسي بفراق ملكي ، ولو أنّ قومي تركوا ملكي في يدي لتبعتك ، ولكنّ قومي يأبون ، وأنا أضنّ بملكي ، ولك أن لا تؤذى ولا تهاج ، فلم يهجه يومئذ ، ولم يتعرّض له. (٤)

وعن سفيان بن عيينة قال : لمّا وضع إبراهيم في المنجنيق جاءه جبريل عليه‌السلام فقال : ألك حاجة؟ قال : أمّا إليك فلا ، ليست لي حاجة إلا إلى الله تعالى ، فأوحى الله تعالى إلى النار لئن نلت من إبراهيم أكثر من حلّ وثاقه لأعذبنّك عذابا لا أعذبه (٥) أحدا من خلقي. (٦)

قال : البرد خلاف الحرّ ، ويذكر ويراد به العافية والراحة ، كقولهم في الدعاء : اللهمّ أذقنا برد عفوك. قال : لو قال للنار : كوني بردا ، ولم يقل : سلاما لجمدت وأجمدت إبراهيم عليه‌السلام ، ولو لم يقل : على إبراهيم لبطلت النار في الدنيا ، ولم تحرق (٧) شيئا بعد ذلك.

٧٠ ـ (فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) : خسارهم : بقاؤهم في الضلالة ، وزوال ملكهم عند انقضاء آجالهم إلى بدل سوء.

روى الكلبيّ عن أبي صالح ، عن ابن عباس : أنّ إبراهيم لمّا خرج من النار سالما قال عمّه هارون (٨) أبو لوط : إنّما لم تحرقه النار لعبادتي إيّاها ، فحفظته فيّ ، فابنوا له أتونا ، واهلكوه بالدخان ، فإنّ الدخان لا وفاء له ولا حفاظ ، فبنوا أتونا ، وأوقدوا فيه نارا ، وأدخلوا فيه إبراهيم

__________________

(١) الأصل وك وأ : هازمين.

(٢) ع : رأت.

(٣) أ : وأهو.

(٤) ينظر : الكامل في التاريخ ١ / ٧٦.

(٥) الأصل وع وأ : أعذب.

(٦) ينظر : تاريخ دمشق ٦ / ١٨٣.

(٧) الأصول المخطوطة : تحترق.

(٨) الأصل وك وع : هارن ، وكذلك التي بعدها.

٣١٦

ولوطا وسارة ، فخرجت عنق من النار (١) وأصابت لحية هارون فاحترق بها ، وفتح الله طريقا (٢) لإبراهيم ولوط وسارة ، فخرجوا سالمين. (٣)

٧٢ ـ (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ) : خصّه ؛ لأنّ ولادته كانت بعد شيخوخة إبراهيم ويأس سارة ، فكانت آية من آيات الله تعالى ، وخصّ يعقوب لمكان نبوّته ، وكونه إسرائيل الله.

(نافِلَةً) : عطية زائدة.

٧٥ ـ (وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا) : نعمتنا ، وهو مواساة إبراهيم إيّاه في الدنيا ، والجنّة في العقبى.

٧٦ ـ (وَنُوحاً) : نصب بفعل مضمر ، أي : ونجّينا نوحا.

(مِنَ الْكَرْبِ) : شدة الحزن.

٧٨ ـ وانتصاب (داوُدَ) بفعل مضمر.

و (نَفَشَتْ) : انتشرت السائمة ، وأرتعت بالليل من غير راع (٤).

واللام في (الْقَوْمِ) للتعريف ؛ لأنّ القصّة معروفة عند أهل الكتاب ، أو للتعويض (٥) عن الإضافة ، أي : قومهما.

(لِحُكْمِهِمْ) : أي : على حكمهم.

(شاهِدِينَ) : مطّلعين ، والضمير عائد إلى داود وسليمان وقومهما.

٧٩ ـ وقوله : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) دليل على أنّهما حكما (٦) باجتهاد الرأي لا بالنصّ ، وللنبيّ أن يجتهد في حادثة علم أصولها بالوحي ، والهاء عائد إلى القصة.

وعن ابن عباس قال : إنّ غنم قوم وقعت في كرم قوم ليلا حين خرج عناقيده (٧) (٢٢٢ ظ) فأفسدتها ، فاختصموا [إلى](٨) داود بن أنشا النبيّ عليه‌السلام ، فقوّم داود الغنم والكرم ، فكانت القيمتان سواء ، فدفع الغنم إلى صاحب الكرم بما أفسدت ، ولم يكن حمل الكرم

__________________

(١) عنق من النار : قطعة منها. غريب الحديث والأثر ٣ / ٣١٠ ، ولسان العرب ١٠ / ٢٧٣.

(٢) أ : طريق.

(٣) ينظر : تفسير القرطبي ١٥ / ٩٨.

(٤) الأصول المخطوطة : راعي.

(٥) ك وع وأ : للتعريض.

(٦) ك : علما.

(٧) ع : خرجت عناقيده ليلا.

(٨) زيادة يقتضيها السياق.

٣١٧

كلّه ، قال : فخرجوا من عند داود عليه‌السلام ، فمرّوا على سليمان فقال : بم قضى بينكم الملك؟ فأخبروه ، فقال : نعم ما قضى به ، وغير هذا كان أوفق بالفريقين جميعا ، فرجع أصحاب الغنم إلى داود عليه‌السلام (١) ، فأخبروه بما قال سليمان ، فأرسل داود إلى سليمان ، فقال : كيف رأيت قضائي بين هؤلاء؟ قال : نعم ما قضيت ، قال : عزمت عليك بحقّ النبوّة ، وبحقّ الملك ، وبحقّ الوالد على ولده إلّا ما أخبرتني ، فقال سليمان : غير هذا كان أوفق بالفريقين جميعا ، قال : ما هو؟ قال : يأخذ أهل الكرم الغنم بما أفسدت كرمهم ، فينتفعون بألبانها وسمنها وأصوافها ونسلها ، ويعمل أهل الغنم لأهل الكرم في كرمهم حتى يعود كهيئته يوم أفسدت ، فقال داود عليه‌السلام : نعم ما قضيت ، فقضى داود بينهم بذلك ، فقوّموا بعد ذلك الكرم ، وقوّموا ما أصاب أهل الكرم من الغنم (٢) ، فوجدوه مثل ثمن الكرم ، فقضى به داود عليه‌السلام ، وحكم سليمان عليه‌السلام وهو ابن أحدى عشرة (٣) سنة.

قول سليمان : غير هذا كان أوفق ، دليل على جواز مشاركة النبيّ والإمام في الاجتهاد ؛ لقوله تعالى : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) [آل عمران : ١٥٩]. وقول داود : عزمت عليك ، دليل على وجوب طلب الأحسن ما أمكن ، ولهذا رجع أبو حنيفة من قول إلى قول. وفي قضائه بقضاء سليمان دليل على أنّه كان على سبيل الفتوى ، ولم يبرم قضاءه ، أو كان من شريعته فسخ الاجتهاد (٤) ، أو أوحى الله أنّ الحقّ ما قاله سليمان ، فصار فسخ الاجتهاد بالنصّ.

والحكم في شريعتنا على ما روى أبو هريرة ، عنه عليه‌السلام : «العجماء جبار ، والمعدن جبار» (٥) ، وفي بعض الروايات : «جرح العجماء جبار» (٦) ، فيستعمل الخبرين العامّ على عمومه ، والخاصّ على خصوصه.

(وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) : دليل على حسن حكم داود ، وإن كان حكم سليمان أحسن منه ، وإنّ أقاويل المجتهدين كلّها دين لله تعالى.

(وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ (٧) وَالطَّيْرَ) : لمحاومة داود كان خلاف العددة (٨)

__________________

(١) (فأخبروه ، فقال : نعم ... بينكم الملك) ساقطة من ع.

(٢) ساقطة من أ.

(٣) الأصول المخطوطة : أحد عشر.

(٤) أ : اجتهاد.

(٥) أخرجه البخاري في الصحيح (١٤٢٨ و ٦٥٢٥) ، وابن خزيمة ٤ / ٤٦ ، والدارقطني في السنن ٣ / ١٥٤.

(٦) أخرجه مالك في الموطأ ٢ / ٨٦٩ ، والنسائي في الكبرى (٢٢٧٦) ، والبيهقي في الكبرى ٤ / ١٥٥ ، والدارمي ١ / ٤٨٣.

(٧) غير موجودة في الأصول المخطوطة.

(٨) ع : عدد.

٣١٨

متميزا لأولي الألباب بإذن الله.

٨٠ ـ (صَنْعَةَ لَبُوسٍ) : ما يلبس كالرّكوب ما يركب ، والسّحور ما يتسحّر به ، يعني : الدّرع من الحديد.

٨١ ـ (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً) : كانت ريحه عليه‌السلام تجري مرّة رخاء ، ومرّة عاصفة على مقدار المراد من مصلحة الحال ، وذكروا في قوله : (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) [سبأ : ١٢] كان يقيل باصطخر (١) فارس ، ثم يروح إلى كابل (٢) ، ثم يرجع إلى بلاده ، قالوا : وكان والي خراسان يومئذ كسرى بن سياوش بن (٢٢٣ و) كيقابوس تزحزح لسليمان عن ممالك العراق وفارس حتى انتهى إلى بلخ ، فنزلها ، ثم غاب غيبته ، واستخلف لهراسف. وروي : أنّ سليمان عليه‌السلام حجّ على سريره تحمله الريح.

٨٢ ـ (وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ) : إلى قعر الماء لاستخراج اللؤلؤ والياقوت ونحوهما.

(وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ) : من المحاريب والتماثيل والطواحين والحمّامات ، وقد عملوا السيوف المعجونة السليمانيّة ، وبنوا له تدمر (٣) بالشام.

(وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) أي : حابسين في طاعته وسلطانه ، أو عاصمين من عاجل العقوبة والهلاك. ويحتمل : أنّ الضمير عائد إلى داود وسليمان وأوليائهما.

٨٣ ـ وذكر أبو الحسن أحمد بن محمد البلخيّ : أنّ أيوب هو ابن أموص بن زرح بن عيصو (٤) بن إسحاق ، وامرأته رحمة بنت أفراييم بن يوسف ، وكان بالبتنيّة ، وهي أرض من ديار الشام ، بين دمشق ورملة ، فلبث في قومه سبع سنين يدعوهم إلى الله ، فلم يجبه إلا ثلاثة نفر ، وكان كثير المال والولد ، مباركا عليه فيهما ، يملك ألف رأس ثور للحراثة ، مع كلّ رأس ثور أتان تحمل ألات الحراثة ، خلف كلّ أتان جحشان وثلاثة ، والفدّادون كلّهم كانوا عبيدا له ، وكان يملك من الغنم ألف ألف ، وكان الرعاة عبيدا له ، وكانت أولاده عشرة من الذكور وسبعة من الإناث ، وكان أعبد خلق الله وأشكر خلقه في زمانه ، فحسده إبليس ، واعتقد أنّ سبب

__________________

(١) اصطخر : بالكسر وسكون الخاء المعجمة ، بلدة بفارس من الإقليم الثالث ، تنسب إلى أول من أنشأها اصطخر بن طهمورث ملك الفرس. ينظر : معجم البلدان ١ / ٢١١.

(٢) كابل : بصم الباء الموحدة ولام : عاصمة أفغانستان الآن ، وهي مدينة معروفة في بلاد الترك ، غزاها المسلمون في أيام بني مروان ، وافتتحوها. ينظر : معجم ما استعجم ٤ / ١١٠٨ ، ومعجم البلدان ٤ / ٤٢٦.

(٣) ساقطة من أ.

(٤) ع : عيوص.

٣١٩

عبادته وشكره هي (١) النعمة الظاهرة ، فلو انتزعت منه لكفر بالله عزوجل ، وأحبّ الله أن يبتلي عبده باستلاب النعمة الظاهرة ليجلّيه في حلية البؤس والفقر ، كما جلّاه في حلية الثروة والغنى ، ليظهر فساد اعتقاد عدوّه ، فسلّطه الله على أمواله وأهله حتى أهلك الحرث والنسل شيئا بعد شيء ، ثمّ سلطه على جسده ، فمسّه ونفخ فيه ، فمن شؤمه انفتخ جسد أيوب عليه‌السلام ، وخرج منه الجدريّ ، ثمّ تدوّدت قروحه بعد ذلك من داخل وخارج ، ولم يسلم منه إلا قلبه ولسانه ودماغه ، ولبث في ذلك البلاء (٢) سبع سنين ، وكلّ ذلك من جهة إبليس بإذن الله وتخليته ، وأيوب عليه‌السلام في (٣) ذلك صابر شاكر بإذن الله ولطفه وحسن توفيقه ، وكان لم يبق معه أحد من أصحابه وخوله إلا امرأته ، كانت تطوف على أبواب الناس وتسأل ، فبعضهم ينهرها ، وبعضهم يتصدق عليها ، فتجيء وتنفق عليه ، فتراءى لها إبليس لعنه الله في صورة آدميّ شابّ صبيح مليح ، وقال لها : أيّتها المرأة ، أنت امرأة من أولاد الأنبياء ، فما بالك تحت رجل من الأشقياء ، قد قلاه الله وابتلاه ، (٢٢٣ ظ) قالت : بل هو نبيّ الله وصفيّه ، لست بمؤثرة عليه أحدا أبدا ، ثمّ جاءت فذكرت ذلك لأيوب ، فقال أيوب : إنّما ذلك الشيطان فلا تكلّميه ، ولا تجيبيه بشيء ، ثمّ تراءى لها بعد ذلك ، وكلّمها بمثل كلامه (٤) الأوّل ، وأجابته بمثل جوابها الأوّل ، فأخبرت بذلك أيوب ، فقال : إنّما ذلك الشيطان فلا تكلّميه ، ولا تجيبيه بشيء ، ثمّ تراءى لها بعد ذلك وكلّمها ، وأجابته كذلك ، وأخبرت بذلك أيوب ، فقال : أما قلت لك مرّة بعد مرّة : إنّه الشيطان لا تكلّميه ، ولا تجيبيه ، وحلف (٥) بالله تعالى أن يضربها (٦) مئة جلدة إن شفاه الله تعالى. وعن ابن عباس قال : قال أيوب عليه‌السلام : كان الركض (٧) برجلي أشدّ عليّ من البلاء الذي كنت فيه ، فأتاه جبريل عليه‌السلام وقال : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ) [ص : ٤٢] ، ففعل ، ففجرّت له عين ، فاغتسل منها ، فصحّ جسده ، ثمّ قيل له : اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ، ففجرت له عين (٨) ، فشرب فالتأم ما في جوفه ، وبرئ قدمه.

__________________

(١) ك : وهي.

(٢) ك : البلاغ.

(٣) ساقطة من أ.

(٤) الأصل وأ : كلام.

(٥) ع : تحلف.

(٦) بياض في أ.

(٧) ك : الراكض.

(٨) (فاغتسل منها ... ففجرت له عين) ساقطة من ع وأ.

٣٢٠