درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ٢

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني

درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ٢

المؤلف:

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني


المحقق: د. طلعت صلاح الفرحات / د. محمّد أديب شكور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر ناشرون وموزعون
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9957-07-514-9

الصفحات: ٨٠٢
الجزء ١ الجزء ٢

و (الوعد المفعول) : هو الضمان المأتي.

٦ ـ (لَكُمُ الْكَرَّةَ) : إليكم المنعة والقوّة لتكرّوا عليهم ، فتخرجوهم من دياركم.

(نَفِيراً) : عشيرة ورهطا.

٧ ـ (فَلَها) : أي : فعليها.

و (إذا) : ظرف زمان ، والعامل مضمر فيه ، تقديره : فإذا وعد الآخرة أنجزناه وحقّقناه ، وبعثناهم ليكون كذا وكذا.

(وَلِيُتَبِّرُوا) : وليهلكوا ما علوه إهلاكا ، أو ليهلكوكم (١) ما داموا (٢) عالين إهلاكا.

لم يختلف أهل العلم في الموعود الأوّل أنّه بختنصر وأصحابه ، ولكنّهم اختلفوا في تعريفه ونسبته ، وعاقبة أمره ، واختلفوا في الموعود (١٨٥ ظ) الثاني. الكلبي (٣) : أنّه كان ملك بابل ، غزا بيت المقدس ، وقتل أربعين ألفا من قرّاء التوراة ، وسبى الباقين ، فمكثرا في تلك المحنة تسعين سنة حتى مات بختنصر ، واستولى على بابل ملك من همذان اسمه كورش ، وأنّه تزوّج من بني إسرائيل امرأة (٤) اسمها مسحت بنت روبابيل التي تشفّعت إلى زوجها ، وسعت في إصلاح قومها ، وفي ردّهم إلى أوطانهم فأجابها زوجها إلى ذلك.

وذكر أنّ الموعود الثاني ملك من ملوك الروم ، اسمه انطياخوس سار فيهم سيرة بختنصر البابلي بعد مئتين وعشرين سنة. قالوا : ثمّ رحمهم‌الله تعالى وأمّنهم في ديارهم ، وبعث إليهم أنبياء حتى عادوا إلى الكفر والطغيان وقتل الأنبياء ، وكفروا بالمسيح ، فعاد الله إليهم بالعقوبة ثالثا ، وسلط اسفسيانوس الرومي ، وابنه ططوس بن اسفسيانوس بعد أبيه ، فخرب (٥) بيت المقدس ، ولم يزل خرابا إلى أن بناه المسلمون في خلافة عمر بن الخطاب.

وحكى الشعبي (٦) في كتاب «سير الملوك» : أنّ بخت نصر إنما هو بخت نرسي ، وهذه كلمة نبطية ، ومعناها كثير البكاء والأنين ، واسمه بالفارسية لهراسف بن قنوجي بن كنيمش بن (٧) كتابنه بن كيقباذ. كان كيقيانوس بن كيقباذ (٨) ، طرد أخاه وجفاه وأقصاه ، وسيّره إلى مدينة

__________________

(١) ك : ليهلكوا.

(٢) ع : ماذا مين.

(٣) ساقطة من ع.

(٤) ساقطة من أ.

(٥) أ : فخرجت.

(٦) أبو عمرو عامر بن شراحيل الهمداني ، تابعي ، ولي القضاء لعمر بن عبد العزيز ، توفي سنة ١٠٥ ه‍. ينظر : المعارف ٤٤٩ ، طبقات الفقهاء ٨٢ ، والمقتنى في سرد الكنى ١ / ٤٢٨.

(٧) ساقطة من أ.

(٨) ك : لقبا.

٢٠١

سوس (١) ، وهو كتانبه بن كيقباذ ، فنزلها ، ولم ينزل بها عقبه إلى أن انتشا بخت نرسي ، وهو لهراسف ، وكان قد مرّ به يهوديّ على عهد سليمان عليه‌السلام وهو صبيّ بعد يلعب بالتراب ، ويصوّر فيه ، فوقف عليه اليهودي ، وكان عالما ، فتأمّل فيما يصور ، فإذا هو يصوّر بيت المقدس ومسجده ، وشوارعه (٢) وسككه لا يغادر منها شيئا ، فقال اليهوديّ في نفسه : والله هذا هو الموعود ، ثم انتظر ساعة ، هل يدع الصبيّ هذه الصورة بحالها أم يفسدها؟ فلما تّمت الصورة ، مسح الصبيّ عليها كفّه (٣) ، فطمسها ، فتيقّن اليهوديّ أنّه هو الموعود المخرّب لبيت المقدس ، فاستخبر الصبيّ : هل له من يكفله؟ فأخبره بأنّ له أمّا وبيتا ، فانتهى اليهوديّ إلى بيته ، ونزل عندهم ضيفا ، وتحرّم بطعامهم ، ثم تشفّع إلى الصبيّ بأمّه أن يعطيه الذمّة والأمان ، وبشّره بأنّه سيملك (٤) ، ويكون شأنه كذا وكذا ، فتمكّن ذلك الحديث في قلب بخت نصر ، ودخل ذلك في دماغه ، ولم يزل ذلك همته إلى أن توفّي سليمان ، ورجع أمر بني إسرائيل إلى رحبعم بن سليمان ، وهلك كيكسرى بن سياوش بن كيقانوس (٥) ، ورجع أمر العجم إلى بخت نصر (٦) ، فلما ملك الأمر ، وانتظمت أحواله ، جمع المرازنة والجنود ، وذكّرهم ما كان من استيلاء سليمان عليه‌السلام وحذّرهم من جهة رحبعم مثله ، وندبهم إلى قتاله ، وأجابوه (٧) ، فسار في مئتي (٨) ألف فارس حتى أوغل في الشام ، ولما سمع ذلك رحبعم ، وجعل من قبله (٩) (١٨٦ و) من بني إسرائيل في المسجد ، وخطب لهم خطبته (١٠) هذه : الحمد لله الذي تفرد بالعظمة ، وتوحد بالكبرياء ، وتردّى بالعزّ ، حمدا بما اصطنع إلينا من أياديه ، وأسبغ علينا من نعمه ، وأنقذنا من الهلكة والكفر ، أيّها الناس ، عليكم بتقوى الله (١١) ربّكم الذي بيده نواصيكم ، وإليه منقلبكم ، حافظوا على صالح سنّتكم ، وجاهدوا في سبيل ربّكم ، هذا عدوّكم قد أظلّكم ، فحاموا (١٢) عن دينكم ، وامنعوا بيضتكم ، وتوكّلوا على ربّكم ، أقول قولي هذا ، واستغفر الله لي ولكم. فبطروا (١٣) عمّا دعاهم إليه ، وخذلوه ، ورفضوه ،

__________________

(١) ساقطة من أ. وهي مدينة بخوزستان ، فيها قبر دانيال عليه‌السلام. معجم البلدان ٣ / ٢٨٠.

(٢) أ : وشوار.

(٣) ك : بكفه.

(٤) ع : سيهلك.

(٥) هكذا في المخطوط ، وفي تاريخ الطبري ١ / ٢٥٦ : كيخسرو بن شياوخش بن كيقاوس.

(٦) ساقطة من ك. وقوله : ودخل ذلك في دماغه ... إلى بخت نصر ، ساقطة من ع.

(٧) ع : فأجابوه.

(٨) ع : مئة.

(٩) ك : تليه.

(١٠) الأصول المخطوطة : خطبة.

(١١) غير موجودة في ك.

(١٢) ع : تحاموا.

(١٣) أ : فينظروا.

٢٠٢

وتفرّقوا عنه. فلما رأى رحبعم ذلك منهم ، هاجرهم ، ونجا بنفسه إلى فلسطين ، وأقبل بخت نصر حتى ورد بيت المقدس لا يمنع عليه صغير ولا كبير ، فوضع في بني إسرائيل السيف ، وأقام بينهم ميزان الحيف (١) ، وأذاقهم لباس الخوف ، وسبا منهم سبيا كثيرا ، وكان من جملة السبايا دانيال عليه‌السلام ثم رجع بالغنائم ، والأسارى إلى بابل ، وأتى على هذا زمان ، ثمّ إنّه رأى رؤيا هائلة ، فأخبر بها أهل العلم ، فقالوا : هذا علم لا يتوصّل إليه إلا نبيّ يوحى إليه ، فبعث إلى السجن ، واستحضر دانيال عليه‌السلام فلمّا دخل عليه دانيال لم يسجد له ، فقال بخت نصر : لم لم تسجد كسائر العبيد؟ قال : لأنّ الله تعالى خصّني بالنبوّة ، وأمرني أن لا أسجد إلا له ، فأيقن بخت نصر أنّه نبيّ ، وأعجبه كلامه ، ثمّ ذكر له حديث الرؤيا ، فقال دانيال عليه‌السلام : رأيت صنما عظيما رجلاه في (٢) الأرض ، ورأسه في السماء ، رأسه من ذهب ، وصدره من فضة ، وبطنه من نحاس ، وفخذاه من حديد ، وساقاه إلى قدميه من فخّار ، وبينما (٣) أنت متأمّله وتتعجب منه إذا سقط عليه حجر من السماء فهشمه ، وجعل الحجر يعظم ، وينبسط حتى ملأ الأرض ، فصرت لا ترى غير الحجر والسماء شيئا ، قال بخت نصر : صدقت وبررت ، فما تأويلها؟ قال دانيال : أمّا الصنم فبيتكم أيّها العجم ، وأما الذهب فملوككم ، وأما الفضة فأشرافكم ، وأما النحاس فأوساطكم ، وأما الحديد فمن دونهم ، وأما الفخّار فسفلتكم ، وأما الحجر فنبيّ آخر الزمان ، يخرج من تهامة ، ويهاجر إلى طيبة ، اسمه محمد وأحمد ، يطحن الله به الكفر ، ويفرّق به بين الحق والباطل ، ويعزّ به الذليل ، ويقوّى به الضعيف ، ويغنى به الفقير ، ويؤمّن به الخائف ، فلا يزال أمره يعظم ، وأمّته تزداد ، ودينه يعلو ، ويملأ الأرض ذات العرض ، ويبقى الملك في قومه إلى يوم القيامة. (٤) قال بخت نصر : ومتى يكون ذلك؟ قال : بعدك بألف (٥) عام ، فلمّا سمع ذلك بخت نصر أطلقه من السجن ، وأذن له في الدخول عليه ، ولم يأل في إكرامه والإحسان إليه حتى حسده على ذلك مرازبة (٦) بخت نصر ، فأنكروا ذلك ، فاتّهموه في ذلك ، ورموا دانيال عليه (١٨٦ ظ) السّلام بالسحر ، فلم يلتفت بخت نصر إلى شيء من قولهم حتى قالوا : إنّه يعبد غير معبودك ، فأمر بخت نصر أن يحضر صنمه على رؤوس الناس ، ودعا بدانيال (٧) عليه‌السلام ، فقال : إذا رأيتني وقومي نسجد لهذا فاسجد معنا ، ثم خرّ بخت نصر ساجدا مع قومه أجمعين ، وأبى دانيال عليه‌السلام أن يسجد ،

__________________

(١) الخوف.

(٢) ك : إلى.

(٣) ع وأ : فبينما.

(٤) قصة الرؤيا التي رآها بخت نصر ، تنظر في : أعلام النبوة ١ / ٢٠٨ ، والبداية النهاية ٢ / ٣٢٥ ، والخصائص الكبرى ١ / ٤١.

(٥) ع : بعد.

(٦) واحدها : مرزبان ، معربة من الفارسية ، وهو الفارس الشجاع ، المقدم على القوم دون الملك. لسان العرب ١ / ٤١٧.

(٧) الأصول المخطوطة : به دانيال.

٢٠٣

وقال : قد أعلمتك أيّها الملك أوّل مرّة أنّ الله نهاني أن أسجد لغيره ، فغضب عليه (١) لمخالفته ، وبنى له بنيانا ، فألقاه في الجحيم ، فجعلها الله عليه (٢) بردا وسلاما ، فلما رأى ذلك بخت نصر منه دعاه ، واستصفاه ، واعتذر إليه ، وأطلق جميع من كان عنده من بني إسرائيل في السجن ، فأحسن إليهم ، ثم إنّ الله تعالى ابتلاه ثانية برؤيا هائلة ، وأنساه إياه (٣) ، فذكر ذلك لدانيال عليه‌السلام قال دانيال : رأيت شجرة لفّاء عظيمة ، أصلها في الأرض ، ورأسها في السماء ، ذات فروع باسقة ، وأغصان أنيقة ، ورأيت عليها كلّ طير في الأرض معششة مع فراخها حتى امتلأت تلك الشجرة وما والاها ، فبينا (٤) أنت تنظر إليها ، وتتعجب من عظمها ، وكثرة ما اكتنفها من الطير إذا أقبل ملك من السماء ، ليجتثّها من أصلها ، فنودي من السماء أن اجتث بعضها ، ودع بعضها ، فأمّها بفأسه ، فأبان أغصانها ، وبقي ساقها على حالها ، ونفرت ما كان عليها من الطير. قال بخت نصر : صدقت ، هذه رؤياي ، ما خرمت منها شيئا ، فما تأويلها؟ قال دانيال عليه‌السلام : أمّا الشجرة فملكك الواسع العظيم ، وأما الطير فجنودك ، وأما الاجتثاث فذهاب ملكك ، وإبادة سلطانك ، وأنّ الله تعالى ماسخك سبع سنين على صورة كلّ طائر (٥) ودابّة عقوبة لك على ما كان من هدمك بيت المقدس ، ونقلك منبر سليمان ، واستخفافك بالأنبياء والأولياء (٦) ، وسفكك دماء المسلمين ، غير أنّك لا تمسخ في صورة إلا كنت ملك ذلك الجنس ، فتقهر ذلك الجنس بقوّتك كقهرك بني آدم ، ثمّ تعود إنسانا. قال بخت نصر : وهل يقبل ربك توبتي؟ قال : أما دون هذه العقوبة فلا. فقام بخت نصر ، ودخل دار نسائه ، فبينا (٧) هو جالس إذ نظر إلى الريش قد نبت عليه (٨) ، فكان أول ما مسخ عقابا ، وآخر ما مسخ بعوضة ، ثمّ (٩) عاد إلى مملكته ، وكان ابنه كليماوس تخلّفه في قومه في هذه الفترة ، فلمّا عاد إنسانا ، وعاد إلى مملكته اغتسل ، ولبس المسوح ، وسلّ سيفه ، وكسر جفنه ، وحرج إلى جنوده يدعوهم إلى توحيد الله تعالى ، ويحذّرهم العذاب الأليم ، فلما هجم عليه الليل قبض الله روحه ، وكان ملكه سبعين عاما ، وهو لهراسف بلغة الفرس.

وولي الأمر بعده كليماوس ، وأساء السيرة في بني إسرائيل ، وردّهم إلى السجن ، فبينا هو

__________________

(١) ع : على.

(٢) ساقطة من ع.

(٣) الأصل وك وأ : أنساها.

(٤) ع : فبينما.

(٥) ع : على هيئة كل طير.

(٦) ع زيادة : عليهم‌السلام.

(٧) ع : فبينما.

(٨) ع : على.

(٩) ساقطة من أ.

٢٠٤

ذات يوم في مجلسه مع مرازبته وعظماء قومه إذ نظر إلى كف بدت من الحائط بلا معصم ، وكتبت ثلاثة (١٨٧ و) أحرف (١) بالعبرانية ، ثمّ غابت ، فاضطره الخوف إلى دعاء دانيال عليه‌السلام وألطف له (٢) القول ، وأراه تلك الكتابة ، واستفسره ، فقرأها عليه دانيال : بسم الله العلي الأعظم عزّ هذا الملك فذلّ ، ووزن فخفّ ، وجمع فتفرّق ، وابتلاه الله بعد هذا بملك اليمن ياسر بن ينعم ، قصده من صنعاء اليمن حتى نزل في تخوم أرضه ، ثم استولى عليها ، وكان على دين سليمان عليه‌السلام وأنّه غزا ديار بخت نصر منتقما لبني إسرائيل.

قال الزهريّ (٣) : ثم ابتلاه الله ببعوضة كبعوضة نمرود ، وكانت سبب موته ، وكان ملكه خمسين سنة ، وملك من بعده أخوه بشتاسب ، ثمّ بهمن بن اسفنديار بن بشتاسب ، وهو الذي ردّ بني إسرائيل إلى أوطانهم ، والسبب في ذلك : أنّه تزوج من سالمال بن رحبعم بن سليمان عليه‌السلام وكانت تسمى ابراخت ، فلما تزوج بها ملّك أخاها روبابيل بن سالمال بن رحبعم ، وسيّره إلى أرض الشام.

ثم ذكر الشعبي : أنّ الموعود الثاني ملك من ملوك الأهواز (٤) كان يسمى بخت نصر أيضا ، سلّطه الله بعد قتل يحيى بن زكريا عليه‌السلام وكان من نسل بخت نصر الأول ، قال : وكان بين المرتين خمس مئة عام.

وذكر محمد بن جرير الطبري : أن بخت نصر كان قائدا من قواد سنحاريب الملك ، ملك بابل ، وكان قد غزا بيت المقدس مع سنحاريب الملك في عهد حزقيا بن أحار ، وهو ملك من ملوك بني إسرائيل ، وكان بعد رحبعم بن سليمان بزمان طويل ، ورجع خائبا خاسرا ، فلما هلك سنحاريب تحول بخت نصر إلى لهراسف الملك ، وهو ببلخ حينئذ ، فذكر له حديث الشام ، وطلب منه أن يوجهه إلى تلك النواحي ، وضمن له أن يفتتحها له ، فأجابه لهراسف إلى ذلك ، وأمده بالأموال والرجال ، فكان من أمر بخت نصر ما كان ، ورجع إلى بابل ، فاتخذها دار مملكته في طاعة لهراسف ، ولم يكن هو (٥) للهراسف ، ثم إنّ لهراسف هلك ، وخلفه ابنه لشتاسف ، ورفع إليه حديث الشام ، وما كان من فساد بخت نصر في تلك النواحي ، فاستقبح ذلك ، فكتب إليه يأمره بالرجوع إلى بابل (٦) وصرفه بكورش ، وهو قائد من قوّاده. فلمّا انتهى كورش إلى بابل

__________________

(١) ك زيادة : هذا حكم بالكفر ، وأنكر عليه خراب الدنيا ، والتحرك إلى العقبى ، ويحتمل : أنه لم يحكم به ، ولكن استفهم ، واستعلمه أهو كافر؟ حيث ينكر البعث والنشور ، ولا يعترف بأن النعمة من الله إن شاء إلى.

(٢) ع : به.

(٣) أبو بكر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، تابعي ، توفي سنة ١٢٤ ه‍. ينظر : نسب قريش ٢٧٤ ، والمعارف ٤٧٢ ، وطبقات الفقهاء ٤٧.

(٤) ع : الأهوا.

(٥) ساقطة من ك.

(٦) الأصول المخطوطة : بابه.

٢٠٥

أحسن السيرة في بني إسرائيل ، وردّهم إلى أوطانهم ، وأمر بعمارة بيت المقدس ، وبقي الأمر على ذلك حتى أرسل إليهم بهمن [بن](١) اسفنديار بن لشتاسف رسولا يدعوهم إلى تجديد العهد ، وإظهار الطاعة ، وأداء الخراج ، وقتلوا (٢) رسوله ، فغضب ، وكان بخت نصر يعيش بعد (٣) ، فوجهه إليهم ، وأمره بإساءة السيرة فيهم ، فهو الموعود الأوّل والثاني.

٨ ـ (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) : قال الضحاك : كانت الرحمة الموعود هو أن يبعث محمدا عليه‌السلام. (٤)

[(وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً)](٥) قال ابن عباس : (١٨٧ و) سجنا محصورا فيه كهيئة الزّرب ، زرب الغنم. (٦)

٩ ـ (لِلَّتِي (٧) هِيَ أَقْوَمُ) : أي : إلى الخصلة التي [هي](٨) أصوب الخصال ، وهي ملّة الإسلام.

١٠ ـ (وَأَنَّ الَّذِينَ) : وبشر الذين لا يؤمنون بالآخرة أنا أعتدنا ، ويحتمل : أنهن بشارة المؤمنين أيضا ، فإنهم يفرحون بعذاب المخالفين لا محالة.

١١ ـ (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ) : نزلت في النضر بن الحارث (٩) حيث قال : (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) [الأنفال : ٣٢]. (١٠) وقيل : هي عامة (١١) في كلّ من يدعو على نفسه ، أو على ولده وأهله في حالة الضجر والغضب ، فيجتهد في دعائه بالشرّ ، كجهده في دعائه بالخير على هذه (١٢).

واتصالها من حيث (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)، فمن التي هي أقوم ، هو التنبيه على هذه الخصلة المذمومة ، وهو الدعاء بالشرّ.

__________________

(١) زيادة من تاريخ الطبري ١ / ٢٧٤.

(٢) ع : فقتلوا.

(٣) ساقطة من ع.

(٤) ينظر : تفسير ابن أبي حاتم ٧ / ٢٣١٩ ، والدر المنثور ٥ / ٢١٦.

(٥) زيادة يقتضيها السياق ، لأن المفسر يفسر معنى هذه الآية.

(٦) ينظر : تفسير الطبري ٨ / ٤٢ ، والدر المنثور ٥ / ٢١٦ ، وتفسير ابن كثير ٣ / ٣٩.

(٧) ع : التي.

(٨) زيادة من ك.

(٩) النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف العبدري ، ينظر : الطبقات الكبرى ٤ / ١٢٢.

(١٠) ينظر : تفسير ابن أبي حاتم ٧ / ٢٣١٩ ، وتفسير الطبري ٨ / ٣٢ ، والدر المنثور ٥ / ٥٠.

(١١) : عليه.

(١٢) (على هذه) ، ساقطة من ع. وهو من قول ابن عباس والحسن ، ينظر : وتفسير الطبري ٨ / ٤٤ ، والدر المنثور ٥ / ٢١٧.

٢٠٦

و (يَدْعُ) بغير الواو في محلّ الرفع ، [مثل](١)(يَدْعُ الدَّاعِ) [القمر : ٦] ، وقوله : (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) [العلق : ١٨](وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ) [الشورى : ٢٤] ؛ لاعتبار حالة الوصل ، وبني سائر الهجاء على اعتبار حالة الوقف ؛ لاستحباب الجمع بين الطريقتين. وقيل : المراد بالانسان هاهنا آدم عليه‌السلام. (٢)

و (العجول) : المستعجل.

١٢ ـ (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) : في أنفسهما ، وآية الليل والنهار : الشمس والقمر ليلة البدر.

(فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) : قال : هو اللطخ (٣) الذي هو في القمر. (٤) وروي : أنّه أثر مسحة جبريل. (٥) وزعم المنجّمون (٦) : أنّ جرم القمر كري ليليّ مائي مظلم مصقول ، وفيه حرارة عرضيّة بتسخين الشمس إيّاه.

١٣ ـ (أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ) : ردّ على القدرية ؛ لأنّ إلزام الطائر قبل وجود الفعل ، فلا معنى للطائر بعد وجود الفعل ، وقد سبق القول في التطيّر والطائر في سورة الأعراف. وقيل : أصل الكلمة تقال ، وذكر العنق على سبيل المجاز ؛ لأنّه موضع ما يلزم الإنسان من قلادة أو طوق أو غلّ أو نحوه. (٧)

(وَنُخْرِجُ) : نبرز له (٨) من الغيب.

و (المنشور) : ضدّ المطويّ.

١٤ ـ (اقْرَأْ) أي يقال له : (اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ ...) لاستلاب الاختيار والاقتدار ، ونسخها بالاضطرار إلى الإقرار.

١٥ ـ (وازِرَةٌ) : أي : نفس وازرة وزر نفس أخرى ، فلا تحمل نفس حمل نفس إلا أن تكون أكرهها على مأثم ، فإنّ الفعل في الإكراه يسند إلى المكره العاني ، وإلا أن يكون سنّ (٩)

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) ينظر : تفسير الطبري ٨ / ٤٥ ، والدر المنثور ٥ / ٢١٨ ، وتفسير ابن كثير ٣ / ٣٩.

(٣) اللطخ : كل شيء لطخ بغير لونه. اللسان ٣ / ٥١.

(٤) من قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ينظر : تفسير الطبري ٨ / ٤٥ و ٤٦ ، والدر المنثور ٥ / ٢١٨ ، والجواهر الحسان ٢ / ٢٥٣.

(٥) ينظر : التفسير الكبير ٧ / ٣٠٦ ، والدر المنثور ٥ / ٢١٨ عن علي بن أبي طالب وابن عباس.

(٦) ع : المنجم.

(٧) ينظر : تفسير الطبري ٨ / ٤٧ و ٤٨ ، والغريبين في القرآن والحديث ٤ / ١١٩٥ ، والخازن ٣ / ١٢٤.

(٨) ننزله.

(٩) ع وأ : سنت.

٢٠٧

سنّة سيئة ، فإنّ لها مثل وزر من عمل بها (١) إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ، (٢) كقوله : (وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [النحل : ٢٥].

والمراد ب (العذاب) : المنع والخسف (٣) والمسخ والطوفان والصواعق ونحوها ، دون عذاب الآخرة ، ألا ترى قال : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً) [الإسراء : ١٦] ، (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ) [الإسراء : ١٧]. (١٨٨ و)

١٨ ـ (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ) : اتصالها بها من حيث أهلكهم الله تعالى من المؤمنين ، وهذه الآية مجملة ، تفسيرها قوله : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) [النجم : ٢٩] ، وقوله : (بَلْ تُؤْثِرُونَ (٤) الْحَياةَ الدُّنْيا) [الأعلى : ١٦] ، وقوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا) [النحل : ١٠٧] ، والدليل على جواز طلب الدنيا بعمل الآخرة هو طلب الغنائم بالجهاد ، والاستسقاء بالدعاء (٥) والاستشفاء ، قال عليه‌السلام : «يقول الله عزوجل للدنيا : يا دنيا مرّي على أوليائي ، ولا تحلولي لهم فتفتنيهم» (٦).

(ما نَشاءُ) : أي : [ما](٧) نشاء كائنا ، فإنّ الله تعالى ما شاء كان (٨) ، وما لم يشأ لم يكن.

(لِمَنْ نُرِيدُ) : أي : ذلك ، وهو تخصيص بخصوص الجزاء الموعود ، فثبت به جواز تخصيص كلّ وعد ووعيد في القرآن من بعد عمومه ، وكذلك نسخه من بعد ثبوته.

(مَذْمُوماً) : معيبا.

١٩ ـ (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها) : وإنّما شرط في إرادة الآخرة السعيّ ؛ لأنّ الشرط في العاجلة شرط مجازيّ غير موجب ، قصد فيه التنبيه على قبحه وفساده ، فلم يكن لتأكيده معنى (٩) ، وشرط الآخرة شرط حقيقيّ موجب قصد منه تعليق الحكم به على التحقيق ،

__________________

(١) ساقطة من ع وأ.

(٢) جزء من حديث النبي عليه‌السلام الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (١٠١٧) ، وابن خزيمة في صحيحه (٢٤٧٧) ، والدارمي في سننه ١ / ١٤٠ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٤ / ١٧٥.

(٣) الأصل : الخسف.

(٤) أ : يرون.

(٥) (والاستسقاء بالدعاء) ، ساقط من ك.

(٦) مسند الشهاب ٢ / ٣٢٥ مرفوع للنبي عليه‌السلام ، والزهد للشيباني ١ / ٩٨ والفردوس بمأثور الخطاب ٥ / ٢٣٩ ، والإتحافات السنية بالأحاديث القدسية ١ / ٨٤ وهو موقوف.

(٧) زيادة يقتضيها السياق.

(٨) ع : ما شاء الله كان.

(٩) أ : في معنى.

٢٠٨

فاستجمع جميع ما يتعلّق به ، يدلّ عليه وجود العاجلة ابتداء وابتلاء من غير جزاء وامتناع الآخرة إلا ثوابا أو عقابا.

وفي الآية دلالة أنّ غير المؤمن قد سعى للآخرة ، وأنّ الإيمان غير العمل ، وأنّ الآخرة قيمة سعي المؤمن لا قيمة إيمانه ؛ لأنّ جزاء الإيمان أجلّ وأنفع من الآخرة بأسرها ، وهو الدخول في جملة الأولياء ، يقول الله تعالى : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) [البقرة : ٢٥٧] ، (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي) [آل عمران : ٣١] ، (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (١١)) [محمد : ١١] ، وأما قوله عليه‌السلام : «من قال : لا إله إلا الله دخل الجنّة» (١) ، وإنّما ذلك لترغيب العامّة ، وقد وعدهم الله على ذلك عصمة الأموال والدماء غير مرّة.

٢٠ ـ (هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ) : بدل من كلّ (٢) ، وهو في محلّ النصب. والمراد به مريدو (٣) العاجلة ، ومريدو الآخرة.

(مَحْظُوراً) : ممنوعا محبوسا ، وقال (٤) عليه‌السلام : «إنّ من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله ، وأن تحمدهم على رزق الله ، وأن تذمّهم على ما لم يؤتك الله ، إنّ رزق الله لا يجرّه حرص حريص ، ولا يردّه كره كاره ، إنّ الله بحكمته جعل الرّوح والفرح في الرضا واليقين ، والهمّ والحزن في الشكّ والسخط». (٥)

٢١ ـ (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا) : فائدة النظر إلى تفاوت الناس في مراتبهم : وقوع العلم بأنّها أرزاق (٦).

(وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ) : لأنّ خيرها وشرّها موجودان على سبيل الحقيقة دون (١٨٨ ظ) الابتلاء ، وعلى سبيل البقاء دون الفناء ، ولأنّ شريفها لا يحتاج إلى عمل وضيعها ، فيشركه في رباعها ومرابيعها ، ولا يخاف دسّ مكر منه إليه ، فيعود شرفه وبالا عليه.

٢٢ ـ (لا تَجْعَلْ) : خطاب للنبيّ ، والمراد به أمّته.

(فَتَقْعُدَ) : فتبقى.

__________________

(١) أخرجه : الترمذي (٢٦٤٤) ، وابن خزيمة في الصحيح (٢١٣١) ، وتالي تلخيص المتشابه ٢ / ٤٦٤ ، وابن حبان (١٥١ و ١٦٩).

(٢) ع : من كل معا.

(٣) الأصول المخطوطة : مرادوا.

(٤) ع : قيل.

(٥) أخرجه : ابن المبارك في الزهد (١٩٩) ، والطبراني في الكبير (١٠٥١٤) ، البيهقي في شعب الإيمان (٢٠٧) ، والخطيب في حلية الأولياء ١٠ / ٤١.

(٦) ((انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا) ... أرزاق) ، ساقطة من ع.

٢٠٩

و (الخذلان) : ضدّ النّصرة.

٢٣ ـ (وَقَضى رَبُّكَ) : نزلت في سعد بن أبي وقاص كان قد أسلم ، وله أمّ مشركة ، تشتمه ، وتطرده عن بيتها ، وتعود عليه بالجميل أخرى ، وكان سعد متقدم الإسلام ، لم يتقدمه إلا زيد بن حارثة ، وأبو بكر الصديق ، وعليّ بن أبي طالب.

(فَلا (١) تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) : نهي عن التأفيف ، ونصّ عليه ، يدلّ بفحواه على ما فوق ذلك أدخل في النهي ، كما أنّ مثقال ذرة ومثقال حبّة يدلّان أنّ ما فوقهما أدخل في الجزاء والحساب.

(وَلا تَنْهَرْهُما) : ولا تزجرهما.

(قَوْلاً كَرِيماً) : هو مقالة (٢) الرجل الكريم.

عن أنس (٣) قال : بعث رسول الله في بعض أمره ، فقال : أوصني ، فقال : «أوصيك أن تبرّ بوالدتك» ، قال : زدني ، قال : «أوصيك أن تبرّ بوالدتك» ، قال : زدني ، قال : «أوصيك أن تبرّ والديك (٤) ، فإنهما جنتاك». وعن أبي هريرة قال : بعد يا رسول ، (٥) من أحقّ بحسن الصحبة منّي؟ قال : «أمك» ، قال : ثمّ ، قال : «أمّك» ، قال : ثمّ من ، قال : «أبوك». (٦) عن محمد بن صدقة : أنّ رجلا أتى النبيّ عليه‌السلام فقال : أتيتك لأجاهد معك ، وتركت والديّ يبكيان ، قال : «فانطلق فأضحكهما كما أبكيتهما». (٧)

٢٤ ـ (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ) : أي : تواضع ، وتذلّل لهما (٨) من رحمتك عليهما ، وهذا أبلغ في الأمر بالتواضع من قوله : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الحجر : ٨٨].

٢٥ ـ (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ) : لأنّه هو الذي خلقها ، فسوّاها ، وألهمها فجورها وتقواها ، وهو الذي يحول بين المرء وقلبه ، وإليه المصير.

__________________

(١) الأصول المخطوطة : ولا.

(٢) الأصل وك : ما قاله.

(٣) أنس بن مالك بن النضر الأنصاري ، خادم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم توفي سنة ٩٥ ه‍. ينظر : معجم الصحابة ١ / ١٤ ، والإصابة ١ / ٧١.

(٤) ع : بوالدتك.

(٥) هذا جزء من حديث أخرجه البخاري في الأدب المفرد (٦٤٦) ، وابن حبان في الصحيح (٩٠٧) ، وابن خزيمة (١٨٨٨).

(٦) من قوله : (من أحق الناس ..) جزء من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري في صحيحه (٥٦٢٦) ، ومسلم في صحيحه (٢٥٤٨) وابن حزم في المحلى ١٠ / ٣٢٣ ، والحميدي في المسند ٢ / ٤٧٦ (١١١٨).

(٧) أخرجه بلفظ (لأجاهد) ابن ماجه (٢٧٨٢) ، وأخرجه غيره بلفظ (لأبايعك على الهجرة) : أبو عبد الله المروزي في البر والصلة ٣٧ ، وأبو داود في السنن (٢٥٢٨) ، والحاكم في المستدرك ٤ / ١٦٨ و ١٦٩.

(٨) ساقطة من ع.

٢١٠

(إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ) : شرط جوابه : (فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) لأنّ الأواب : هو التواب ، والتواب : هو الصالح.

٢٦ ـ (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ ...) : حقّهم : ما يستحقونه ، ويستأهلونه ، لحاجتهم إليه من طعام أو كسوة أو ظهر.

(وَلا تُبَذِّرْ) : لا تفرق المال (١) على سبيل الإضاعة والإهلاك ، كأنّه أخذ من البذر.

٢٧ ـ (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) : هم الذين كانوا ينفقون أموالهم فيما لا يعنيهم رياء الناس ، واتباعا لهوى النفس ، وكان يتعذّر عليهم القيام بما يعنيهم.

٢٨ ـ (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ) : عن القتال والسؤال.

(ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها) : أي : انتظار رزق يأتيك لتواسيهم به.

(فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) : عدهم عدة جميلة.

عن مسعر (٢) ، عن زبيد اليامي (٣) [عن مرّة (٤) عن عبد الله بن مسعود] (١٨٩ و) قال : أضاف (٥) رسول الله ضيفا ، فبعث إلى نسائه ، فلم يجد عندهنّ شيئا ، فقال : «اللهمّ إني أسألك من فضلك ورحمتك ، فإنّه لا يملكها أحد غيرك» ، قال : فأتي النبيّ عليه‌السلام بشاة مشوية ، أو قال : مصلية ، فقال عليه‌السلام : «هذه من فضل الله ، ونحن ننتظر رحمته» ، (٦) قال زبيد : تعلمت بهذا ، فقلّ ما فقدت شيئا بعده.

٢٩ ـ (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) : عن المنهال بن عمرو (٧) : أنّ امرأة بعثت ابنها إلى رسول الله (٨) صلى‌الله‌عليه‌وسلم يستكسيه درعا ، وقالت له : إن قال : حتى يأتيني شيء (٩) ، فقل له : إنّ

__________________

(١) ساقطة من ع.

(٢) أبو سلمة مسعر بن كدام بن ظهير الهلالي العامري الكوفي ، توفي سنة ١٥٥ ه‍. ينظر : مشاهير علماء الأمصار ١٦٩ ، وتذكرة الحفاظ للقيسراني ١ / ١٨٨ ، وتهذيب الأسماء ٢ / ٣٩٥.

(٣) أبو عبد الرحمن زبيد بن الحارث بن عبد الكريم اليامي الكوفي ، توفي سنة ١٢٢ ه‍. الطبقات الكبرى ٦ / ٣٠٩ ، والمغني في الضعفاء ١ / ٢٣٦ ، وتهذيب الكمال ٩ / ٢٨٩.

(٤) أبو إسماعيل مرة بن شراحيل الهمداني البكيلي ، الكوفي ، المعروف بمرة الطيب ومرة الخير ، توفي سنة ٥٧٦ ،. ينظر : صفة الصفوة ٣ / ٣٤ ، المؤتلف والمختلف ٩٩ ، ونزهة الألباء في الألقاب ١ / ٤٥١.

(٥) ع : أتى.

(٦) ما بين المعقوفتين من مصادر التخريج ، ينظر : الطبراني الكبير (١٠٣٧٩) ، والحلية ٥ / ٣٦ ، والبيان والتعريف ١ / ١٤٢ ، ومجمع الزوائد (١٧٢٧٤).

(٧) أبو عمرو المنهال بن عمرو الأسدي ، أسد خزيمة ، مولاهم ، الكوفي ، توفي سنة بضع عشرة ومئة. ينظر : أحوال الرجال ٥٦ ، وذكر من تكلم فيه ١٨٢ ، وغاية النهاية ٣١٥.

(٨) إلى النبي.

(٩) ساقطة من ك.

٢١١

أمّي تستكسيك قميصك ، فأتى ابنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذكر له (١) ذلك ، فنزع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قميصه ، فدفعه إليه ، فأنزل. (٢)

وفي الآية نهي عن الإمساك والبخل ، ونهي عن الإسراف في النفقة.

عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ (٣) ، قال : كنّا عند رسول الله إذ جاءه رجل بمثل بيضة من ذهب ، فقال : يا رسول الله ، أصبت هذه من معدن فخذها ، فهي صدقة ما أملك غيرها ، فأعرض عنه ، ثمّ أتاه من خلفه ، فأخذها رسول الله ، فحذفه بها ، فلو أصابته لأوجعته ، أو لعقرته ، ثمّ قال عليه‌السلام : «يأتي أحدكم بما يملك ، فيقول : هذه صدقة ، ثمّ يقعد يستكف الناس ، خير صدقة ما كان على ظهر غنى» (٤).

٣٠ ـ (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ) : اتصالها بها من حيث قوله : (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا) [الإسراء : ٢١] ، أو من حيث (ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ) [الإسراء : ٢٨].

٣١ ـ (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ) : كانت العرب تئد البنات خشية العيلة (٥) عند الإعالة ، فأنزل.

(إِمْلاقٍ) : كثرة إنفاق.

٣٢ ـ (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) : الزنى في اللغة : اسم لوطئ المرأة في قبلها من غير عقد ، وإطلاق النبيّ عليه‌السلام الزنى على اليدين والرجلين محمول على الإثم دون الحكم لقوله : «ادرؤوا الحدود ما استطعتم» (٦).

٣٣ ـ (لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) : هو تحكيم الوليّ في قتل القاتل إن شاء قتله ، وإن شاء عفا عنه.

(إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) : أي : وليّ المقتول كان منصورا حيث جعل له سلطانا.

٣٤ ـ (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ) : روي : أنّ رجلا جاء إلى رسول الله ، فقال : يا رسول الله ، إنّ لي يتيما ، فأضربه؟ قال : «نعم ، ممّا تضرب منه ولدك» ، قال : أفآكل ماله؟ قال : «نعم ،

__________________

(١) ساقطة من أ.

(٢) ينظر : أسباب النزول للواحدي ١٦٥ ، لباب النقول ٢٩٤ ، وزبدة البيان للأردبيلي ٣٨٤.

(٣) أبو عبد الله جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري الفقيه ، شهد بيعة العقبة ، توفي سنة ٧٤ ه‍. ينظر : تذكرة الحفاظ للقيسراني ١ / ٤٤ ، وتهذيب الأسماء ١ / ١٤٩ ، والإصابة ١ / ٢١٣.

(٤) أخرجه : أبو داود في السنن (١٦٧٣) ، والحاكم في المستدرك ١ / ٥٧٣ ، والبيهقي في السنن ٤ / ١٥٤ ، وابن حزم في المحلى ٨ / ١٣ ـ ١٤.

(٥) العيلة : الفقر. المجموع المغيث ٢ / ٥٣٢ ، والنهاية في غريب الأثر ٣ / ٣٣٠.

(٦) أخرجه : الدارقطني في السنن ٣ / ٨٤ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٩ / ١٢٣ ، ومسند أبي يعلى (٦٦١٨) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

٢١٢

غير متأثّل بماله ، ولا واق مالك بماله» (١).

(إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) : أي : المحافظة به مسؤول عنها يوم القيامة.

٣٥ ـ (بِالْقِسْطاسِ) : بالقبان ، وقال أبو عبيد الهروي : «أيّ ميزان كان». (٢)

٣٦ ـ (لا تَقْفُ) : لا تتبع (٣) يقال : قفوته أقفوه ، وقفيته أقفيه ، وقفته أقوفه بمعنى (٤).

الكلبي : هو أن يدّعي الإنسان علما لا يحسنه ، ويكذب على سمعه وبصره وفؤاده. (٥) وقال مقاتل : يقول الله تعالى : يا ابن آدم لا ترمني بالشرك ، فإنّك لا تعلم لي شريكا. وقيل : هو أن (١٨٩ ظ) يستنّ الرجل بسنة لا يعلم أسنة هي أم بدعة؟

(كُلُ (٦) أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) : خبر للاسم المنتصب بإنّ.

٣٧ ـ (مَرَحاً) : نشاطا وخيلاء.

(لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ) : لن تثقبها بشدة وطئك.

(وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً) : بأن تتعظم وتتشمخ بأنفك ، وتركب رأسك. عن جابر بن عتيك (٧) عنه عليه‌السلام : «من الغيرة ما يحبّ الله ، ومنها ما (٨) يبغض الله : فأمّا التي يحبّها فالغيرة في الريبة ، وأما التي يبغضها ففي غير ريبة ، وإنّ (٩) من الخيلاء ما يبغض الله ، ومنها ما يحبّ الله ، فأمّا الخيلاء التي يحبّ الله فاختيال الرجل نفسه عند اللقاء ، واختياله عند الصدقة ، وأمّا التي يبغض الله فاختياله في البغي». وروي : «في الفخر». (١٠)

٣٩ ـ (فَتُلْقى) : من الإلقاء ، ويجوز من اللقاء.

وعن ابن عباس : أنّ هذه الثماني عشر في ألواح موسى عليه‌السلام كتب الله له فيها ، أنزلها الله تعالى

__________________

(١) أخرجه : النسائي في الصغرى ٦ / ٢٥٦ ، وأبو داود (٢٨٧٢) ، والمعجم الصغير (٢٤٤) ، وابن مردويه في جزء فيه أحاديث ابن حيان ١٧٣.

(٢) الغريبين ٥ / ١٥٤١.

(٣) ساقطة من الأصل وك وع.

(٤) ومعناه : إذا تبعت أثره واقتديت به. ينظر : النهاية ٤ / ٩٤ ـ ٩٥ ، وتفسير القرطبي ١٠ / ٢٥٨ ، ولسان العرب ١٥ / ١٩٧.

(٥) ذكره في تنوير المقباس ٣٠٠ بمعناه.

(٦) ك وأ : كان.

(٧) جابر بن عتيك بن النعمان بن قيس بن الحارث الأوسيّ الأنصاري ، شهد بدرا والمشاهد ، توفي سنة ٦١ ه‍. ينظر : معجم الصحابة ١ / ١٣٩ ، وتهذيب الكمال ٤ / ٤٥٤.

(٨) أ : وأما التي.

(٩) ك : فإن.

(١٠) أخرجه : أحمد في المسند ٥ / ٤٤٦ ، وأبو داود في السنن (٢٦٥٩) بلفظ قريب ، والنسائي في المجتبى ، وسعيد بن منصور في السنن ٢ / ٢٥٢.

٢١٣

على نبيّنا عليه‌السلام من رأس اثنتين وعشرين آية ، قوله : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ...) [الإسراء : ٢٣] إلى رأس الأربعين قوله : (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ ...) [الإسراء : ٣٩] قال : وهي عشر آيات في التوراة ، قال : هذه الآيات سبع عشرة آية عند القرّاء ، فإن لم يقع سهو من جهة الرواة ، فكأنّه عدّ (سُلْطاناً) [الإسراء : ٣٣] ، أو (بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) [الإسراء : ٣٥] آية.

٤٠ ـ (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ) نزلت في بني مليح ، ومن ذهب مذهبهم من قريش. (١) أي : أفآثركم بالبنين على نفسه ، ورضي لنفسه بالبنات ، إن كان يليق به الولادة ، واتخاد الولد على زعمكم.

(قَوْلاً عَظِيماً) : لأنّهم كذبوا ، ثمّ لم يرضوا بتكذيبهم حتى جعلوه في غاية القبح والبشاعة.

٤١ ـ (وَلَقَدْ صَرَّفْنا) : أي : صرّفنا الآيات.

(نُفُوراً) : تباعدا وتوحشا.

٤٢ ـ (قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ) : وجه الردّ عليهم : أنّ الشيء لا ينفصل عن جنسه إلا قهرا ، فلو كانت في العالم لله أجناس ، لكانت قاهرة غير مقهورة ، ولو كانت كذلك لاتّحدت به ، ولرجع الأمر إلى الوحدانية ، والثاني : أنّ مساواة الأدنى داعية إلى مزاحمة الأعلى فيما تفرّد به ، ومزاحمته تؤدّي إلى فسخ المواضعة ، وفسخ المواضعة (٢) يوجب توحيد الأعلى.

٤٣ ـ (عُلُوًّا) : أي : تعاليا ، كقوله : (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ) [آل عمران : ٣٧] ، (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) [المزمل : ٨].

٤٤ ـ (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) : تسبيح الكلّ قريب من صوت الكلّ ، وهو الأصوات الدالّة على محدثها ، ومحدث ذواتها ، وكلّ صامت ناطق بالدلالة على صانعه. وعن الحسن : اللّبنة تسبّح ، فإذا بني بها سبّحت مع الأرض. (٣) وقال النخعي : الطعام يسبّح. (٤) وقال عكرمة لرجل : قميصك هذا يسبّح. وقال رجل لأبي هريرة : أسمع لبيتي تقعقعا ، قال ذلك تسبيح الجدر. (٥)

__________________

(١) ينظر : تفسير الطبري ٨ / ٨٣ ، وزاد المسير ٥ / ٢٨ ، وابن كثير ٣ / ٥٨.

(٢) (وفسخ المواضعة) ، ساقطة من ك وع.

(٣) ينظر : الدر المنثور ٥ / ٢٥٧.

(٤) ينظر : تفسير الطبري ٨ / ٨٥ ، والدر المنثور ٥ / ٢٥٥ و ٢٥٦.

(٥) ينظر : كتاب الهواتف ٩٥.

٢١٤

٤٥ ـ (مَسْتُوراً) : ساترا. كقوله : (وَماءٍ مَسْكُوبٍ) [الواقعة : ٣١] ساكب (١) ، و (يا مُوسى (١٩٠ و) مَسْحُوراً) [الإسراء : ١٠١] : ساحرا. وقيل : معناه حجاب لطيف لا يشاهد (٢). (٣)

عبد الحميد بن جعفر (٤) ، عن أبيه (٥) : أنّ المشركين قالوا لرسول الله : قلوبنا في أكنّة ممّا تقول ، وبيننا وبينك حجاب مستور فأنزل على زعمهم. فكأنّها مستقيمة ، أي : أو (٦) جعلنا ، ثم ردّ عليهم بقوله : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ) [الإسراء : ٤٧].

وقال مجاهد : (الحجاب) : صرف الله أسماعهم عن القرآن عند تلاوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال كعب : الإخبار به خاصّ من القرآن. كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا قرأ توارى منهم عن ذلك ، وصرفت أبصارهم عنه ، وذكر آيات الحجاب : (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ) [الكهف : ٥٧] ، (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ) [النحل : ١٠٨] ، (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) [الجاثية : ٢٣].

٤٧ ـ (نَحْنُ أَعْلَمُ) : منك.

(بِما يَسْتَمِعُونَ) : باستماعهم كيف هو ، على أيّ وجه هو حين يستمعون إليك ، وحين يتناجون ، ويستمع بعضهم إلى بعض؟

(إِذْ يَقُولُ) : نزل في قوله : (إِذْ هُمْ نَجْوى).

٤٨ ـ (انْظُرْ) : أمر على سبيل التعجب.

و (ضربوا له الأمثال) : وصفوا إيّاه بما سبق ذكره ، واختلافهم في وصفه عليه‌السلام.

٤٩ ـ (رُفاتاً) : فتاتا ، ما تناثر من كلّ شيء. وقيل : الرفات : الشيء المتكسر. (٧)

(جَدِيداً) : طريّا.

٥٠ ـ (قُلْ كُونُوا) : على صيغة (٨) الأمر ، والمراد من الشرط ، أي : ستعودون ، وإن كنتم

__________________

(١) ساقطة من ع.

(٢) الأصول المخطوطة : يساهون. وهو تحريف.

(٣) ينظر : زاد المسير ٥ / ٣١ ، والماوردي ٣ / ٢٤٦.

(٤) أبو الفضل عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله الأنصاري الأوسي المدني ، توفي سنة ١٥٣ ه‍. ينظر : تاريخ ابن معين ٢ / ٣٤١ ، والمراسيل لابن أبي حاتم ١١٤ ، وذكر من تكلم فيه ١١٦.

(٥) جعفر بن عبد الله بن الحكم الأنصاري الأوسي المدني. ينظر : التاريخ الكبير للبخاري ٢ / ١٩٥ ، والجرح والتعديل ٢ / ٤٨٢ ، وتهذيب الكمال ٥ / ٦٤.

(٦) ع : إذ.

(٧) ينظر : الغريبين ٣ / ٧٢٩ ، والخازن ٣ / ١٣٢ ، واللباب ١٢ / ٣٠٤ ، والكليات ٤٦٥.

(٨) ك : صفة.

٢١٥

شيئا شاقا صلبا بعيدا من التركيب الحيواني القابل للموت والحياة ، كقولهم : عش رجبا ترى عجبا. (١)

(الحديد) : هو الجوهر المنطبع المختصّ بالفرند (٢).

٥١ ـ (أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) : أو (٣) شيئا تستعظمونه ، وترونه أصبر على مرّ الزمان من الحجارة والحديد. وعن ابن عباس ومجاهد : أنّه الموت يوم بدر ، لا بدّ من العود ، وإن كنتم عين الموت. (٤) وقال عبد الله بن عمرو بن العاص (٥) : المراد به البعث. (٦)

(فَسَيُنْغِضُونَ) : فسيحرّكون.

٥٢ ـ (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ) : العامل فيه (عَسى أَنْ يَكُونَ) [الإسراء : ٥١] أي : يكون العود ، وهو البعث يومئذ على ما قال عبد الله بن عمرو.

(فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ) : أي : فتقومون من قبوركم مستجيبين للداعي ، معترفين بأنّ الله هو الإله الواحد المعبود المحمود في صفاته. ويحتمل : أنّ المؤمنين يشكرون لله يومئذ ، ويحمدونه ، فتلقف (٧) ذلك منهم المشركون ، لا يهتدون إلى كلام غير ذلك حالة البعث من شدّة الهول.

(وَتَظُنُّونَ (٨) إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) : لمكان (٩) شدّة الهول ، ينسون عذاب القبر. ويحتمل : لمكان الرقدة التي بين خراب الدنيا وقيام الآخرة ، ومدّتها على ما روي أربعون سنة ، (١٠) ولا يبعد أن يكون المراد : يوم بدر ، وبالدعاء ألقى [في](١١) قلوبهم من همّة البروز إلى مصارعهم ، وباستجابتهم خروجهم إلى ذلك على نشاط ورضى منهم ، مرحين (١٢) غير مكرهين ، وبظنّهم أنّهم لم يلبثوا إلا قليلا ، استيقانهم عند ذوق السيف ، أنّهم لم يؤجّلوا (١٩٠ ظ) بعد الوعيد إلا قليلا.

__________________

(١) ينظر : كتاب الأمثال لأبي عبيد ٣٣٨ ، وأمثال العرب للمفضل ٦٢.

(٢) الفرند : هو وشي السيف ، وقيل : السيف نفسه. ينظر : لسان العرب ٣ / ٣٣٤ ، والقاموس المحيط ١ / ٣٢٣.

(٣) ك : أي.

(٤) ينظر : تفسير الطبري ٨ / ٨٩ ، وزاد المسير ٥ / ٣٣ ، وابن كثير ٣ / ٦٣ من غير ذكر يوم بدر.

(٥) أبو محمد عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل القرشي السهمي ، الإمام الحبر العابد ، توفي سنة ٦٣ ه‍. ينظر : نسب قريش ٤١١ ، جمهرة أنساب العرب ١٦٣ ، والاستيعاب ٣ / ٩٥٦.

(٦) ينظر : الماوردي ٣ / ٢٤٨ عن الكلبي وليس عن ابن عمرو.

(٧) ع وأ : فيتلقف.

(٨) الأصول المخطوطة : فتظنون.

(٩) ع : المكان.

(١٠) ينظر : صحيح البخاري (٤٨١٤) ، وصحيح مسلم (٢٩٥٥) ، وشعب الإيمان للبيهقي ١ / ٣١٤ ، وإثبات عذاب القبر ١ / ١٢٩.

(١١) زيادة يقتضيها السياق.

(١٢) ع : بمرحين ، وأ : من حين.

٢١٦

٥٣ ـ (وَقُلْ لِعِبادِي) : قال ابن عباس : كان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة (١) يؤذيهم المشركون بالقول والفعل ، فشكوا ذلك إلى رسول الله عليه‌السلام فأنزل. (٢)

(لِعِبادِي) : المسلمين.

(هِيَ أَحْسَنُ) : من القول برد السّلام بلا فحش ينزع بينهم وبين الكفّار.

٥٥ ـ (وَلَقَدْ (٣) فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) : قال عليه‌السلام : «سألت ربي مسألة وددت أن لم أسألها إيّاه قط ، قلت : اتخذت إبراهيم خليلا ، وكلّمت موسى تكليما ، وسخّرت مع داود الجبال يسبحن ، وأعطيت سليمان كذا وكذا ، وأعطيت فلانا كذا وكذا ، فقال لي : ألم أجدك يتيما فآويتك؟ قال : قلت : بلى ، قال : ألم أشرح لك صدرك؟ قال : قلت : بلى ، قال : ألم أرفع لك ذكرك. قال : قلت : بلى ، قال : ألم أجدك ضالا فهديتك؟ قال : قلت : بلى ، قال : ألم أجدك عائلا فأغنيتك؟ قال : قلت : بلى ، قال : ألم أضع عنك وزرك؟ قال : قلت : بلى ، قال : ألم أوتك ما لم أوت نبيّا قبلك خواتيم سورة البقرة؟ قال : قلت : بلى ، قال : ألم أتخذك خليلا كما اتخذت إبراهيم خليلا؟». (٤) كان سؤاله على وجه التواضع والاعتراف بفضل الأنبياء ، ورفعة منازلهم ، تعرضا لزيادة رتبه ، لا (٥) أنّه نسي إحسان الله ، واستحقر نعم الله تعالى فنبّهه الله تعالى على أنّه بلغّ أجلّ المراتب وأرفّعها ، وأنّه لا ينبغي له التعرض لشيء بعدها ، وإنّما ندم على هذا السؤال دون سائر الدعوات المأثورة ؛ لأنّ تلك إلا سؤلة (٦) صدر بعضها منه على سبيل التعليم لأمّته ، وبعضها على سبيل الاحتياج دون التمنّي والاقتراح. عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ : أعطي إبراهيم الصحف الأولى أوّل ليلة من شهر رمضان ، وأعطي موسى عليه‌السلام التوراة لستّ ليال خلون من رمضان ، وأعطي داود عليه‌السلام الزبور لثنتي عشرة ليلة من رمضان ، وأعطي عيسى عليه‌السلام الإنجيل لثماني عشرة ليلة من رمضان (٧) ، وأعطي محمد عليه‌السلام الفرقان لأربع وعشرين من رمضان. قال : إما أن أراد شهر (٨) رمضان شهر صوم كلّ نبيّ في شريعته ، أو إعطاء (٩) شيء على سبيل الافتتاح ، فإنّ ميقات الألواح كان في ذي القعدة وعشر من ذي الحجة.

__________________

(١) ساقطة من ع.

(٢) ينظر : زاد المسير ٥ / ٣٥.

(٣) الأصول المخطوطة : وقد.

(٤) ينظر : المعجم الأوسط للطبراني (٣٦٥٢) ، والأحاديث المختارة ١٠ / ٢٨٧ ، ومعتصر المختصر ١ / ٥.

(٥) ك : إلا.

(٦) أ : سألة.

(٧) (وأعطي عيسى الإنجيل لثماني عشرة ليلة من رمضان) ساقطة من ك.

(٨) في ع وأ : بشهر.

(٩) في ع : أعطى.

٢١٧

٥٦ ـ (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) : قال ابن عباس : إنّ ناسا من خزاعة كانوا يعبدون الجنّ ، ويريدون أنّهم هم الملائكة ، فأنزل. (١)

(قُلِ ادْعُوا ...) : تقريع.

(فَلا يَمْلِكُونَ) : جواب شرط مضمر ، أو (٢) هي جملة معطوفة على ما مضى ، والفاء بمعنى الواو.

٥٧ ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ (٣)): من (٤) صفة الملائكة ، عند الكلبي. (٥) وصفة الجنّ ، عند الفراء. (٦) (١٩١ و) ويحتمل : صفة الفريقين جميعا.

(الْوَسِيلَةَ) : الخصلة التي يتقرّب بها العبد إلى سيّده ، تقرّب موالاة ومحبة ومودة ، لا تقرّب محاذاة أو أخوّة.

(أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) : مرتفع بحال مضمر تقديره : يبتغون (٧) إلى ربّهم الوسيلة مستفهمين ، أو ناظرين ، أو متسائلين أيّهم أقرب ؛ وذلك لمسارعتهم في الخيرات.

٥٨ ـ (نَحْنُ مُهْلِكُوها) : أي : مهلكو أهلها بالموت الذي لا بدّ منه.

(أَوْ مُعَذِّبُوها) : معذبوا أهلها بالخسف والمسخ ونحوها.

(فِي الْكِتابِ) : اللوح.

والفائدة تنبيه أهل مكة ؛ لئلا يغترّوا بكونهم في الحرم آمنين ، وتنبيه الناس ليتيقّنوا بخراب الدنيا ، ويزهدوا فيها.

٥٩ ـ (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ) : قال ابن عباس : سأل (٨) أهل مكة رسول الله (٩) عليه‌السلام أن يجعل لهم (١٠) الصفا ذهبا ، وأن ينحّي (١١) الجبال ليزرعوا فيها ، فقيل : إن شئت أن

__________________

(١) ينظر : تفسير الثوري ١ / ١٧٤ عن أبي معمر ، زاد المسير ٥ / ٣٧ ، وابن كثير ٣ / ٦٦ ، والدر المنثور ٥ / ٢٦٧ عن ابن مسعود.

(٢) ك : و.

(٣) كلمة غير واضحة في أ.

(٤) ساقطة من ع.

(٥) ينظر : زاد المسير ٥ / ٣٧ من غير نسبة.

(٦) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ١٢٥.

(٧) ع : ويبتغون.

(٨) ع : سألت.

(٩) ع : النبي بدلا من رسول الله.

(١٠) الأصول المخطوطة : لها.

(١١) ع : ينحو.

٢١٨

تستأني بهم لعلّنا نتخيّر منهم ، وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا ، فإن [كفروا] أهلكوا كما أهلك من قبلهم ، فقال عليه‌السلام : «بل استأني بهم» ، فأنزل. (١) مقاتل : أنّ عبد الله بن أبي أميّة والحارث بن هشام سألا رسول الله أن يريهما آية مثل آيات الأنبياء قبله ، فأنزل.

واللفظ مجاز وحقيقة ، ما منع آياتنا أن تكون مرسلة من عندنا إلا تكذيب الأولين.

وفائدة اللفظ ابتلاء المخاطبين ليتميّز العالمون من غيرهم.

(مُبْصِرَةً) : جليّة بيّنة ، كقوله : (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) [يونس : ٦٧].

(فَظَلَمُوا بِها) : فكفروا بها ، وكذّبوا بها ، أو ظلموا أنفسهم بقتلها.

(وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) : أي : لا نرسل بالآيات إليكم أيّها الآخرون إلا على سبيل الإنذار والوعظ. والثاني : لا نرسل بالآيات الملجئة إلا للتخويف الذي هو الإكراه.

٦٠ ـ (وَإِذْ قُلْنا) : واذكر إذ قلنا. وفائدة التذكير : التسلية بأنّهم في قبضته ، ولو شاء لهداهم أجمعين. واتصالها بما قبلها من حيث ذكر الآيات ، فإنّ الرؤيا من جملة الآيات. قال ابن عباس : هي رؤيا عين أريها النبيّ عليه‌السلام ليلة أسري به إلى بيت المقدس. (٢)

(وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) : هي الزقوم ، نصب بالعطف على الرؤيا ، أي : وما جعلنا الرؤيا والشجرة (٣) كلتيهما إلا فتنة للناس لمكان الشبهة والالتباس ، وإنّما وصفت بالملعونة لكون أهليها (٤) وآكليها ملعونين ، ولكونها (٥) مكروهة مستبشعة (٦) خبيثة ، تنفر الطّباع منها وتلعنها.

٦١ ـ (طِيناً) : نصب لنزع الخافض ، أو لأنّه مفعول ثاني لقوله ، أي : كونه في الابتداء طينا ، أو للحال ، أي : قدرته وصورته في حال كونه طينا.

٦٢ ـ (أَرَأَيْتَكَ) : استفهام بمعنى الإنكار.

(هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ) : مبتدأ وخبر في محل الرفع بالاستفهام.

(لَأَحْتَنِكَنَّ) : الاحتناك : الإفساد. وقيل : الاحتناك : الاستئصال. (٧)

__________________

(١) ينظر : تفسير الطبري ٨ / ٩٨ ، وزاد المسير ٥ / ٣٩ ، والدر المنثور ٥ / ٢٦٨ ، وما بين المعقوفتين زيادة من مصادر التحقيق.

(٢) ينظر : تفسير الطبري ٨ / ١٠١ ، وزاد المسير ٥ / ٤٠ ، وابن كثير ٣ / ٦٨ ـ ٦٩ ، والدر المنثور ٥ / ٢٧٠.

(٣) ساقطة من أ.

(٤) ع : أهلها.

(٥) ك : لكونه.

(٦) (مكروهة مستبشعة خبيثة) ، بياض في أ.

(٧) ينظر : مجاز القرآن لأبي عبيدة ١ / ٣٨٤ ، وياقوتة الصراط ٣١٠ عن ابن الأعرابي ، وإيجاز البيان عن معاني القرآن ٢ / ٥٠٣ ، والغريبين في القرآن والحديث ٢ / ٥٠٣ عن الأزهري.

٢١٩

٦٣ ـ (مَوْفُوراً) : (١٩١ ظ) متروكا برمّته ، ومن الدعاء : توفر وتحمد (١) ، أي : لا زلت موفورا محمودا.

٦٤ ـ (وَاسْتَفْزِزْ) : واستدع في استخفاف.

(بِصَوْتِكَ) : فاستمع (٢) بحاسة الأذن.

(وَأَجْلِبْ) : استجمع واستحث.

(وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) : أمّا الأموال : فالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام والربا والرشوة ، وسائر الأكساب الخبيثة ، والأولاد هي التي (٣) زيّن إلى آبائها قتلها ، ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ، وأولاد الزنى ، والتي يهوّدها آباؤها أو ينصّرها ، أو يمجّسها بعد الفطرة.

٦٥ ـ (إِنَّ عِبادِي) : نصف الآية خطاب لإبليس ، ونصفها خطاب لنبينا عليه‌السلام.

٦٧ ـ قال : (الكفور) : الذي ينزل وحده ، ويمنع رفده ، ويجلد عبده. (٤)

٦٨ ـ (حاصِباً) : هي الريح التي تقلع الحصباء ، أو تحصب الناس بالبرد.

٦٩ ـ (قاصِفاً) : هي الريح التي تكسر الجذع الذي عليه المراوح والشّراع ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص : الرياح ثمان : أربع عذاب ، وأربع رحمة ، أما الرحمة : فالناشرات والمرسلات والمبشرات والذاريات ، أما العذاب : فالعاصف والقاصف ، وهما في البحر ، والصرصر والعقيم ، وهما في البر. (٥)

(تَبِيعاً) : بالثأر.

٧٠ ـ (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) : في اللباس الذي يسترهم ويقيهم الحرّ والبرد والبأس ، وفي العقل الذي هو دليلهم إلى ما غاب عنهم في الحيل (٦) التي بها يتسلّطون على من هو أقوى منهم.

(وَفَضَّلْناهُمْ) : في كونهم مستأهلين لدين الإسلام مدعوين إلى دار السّلام ، بخلاف الشياطين والأنعام.

__________________

(١) هذا مثل يقال للرجل تعطيه الشيء فيرده عليك من غير تسخط. الصحاح ٢ / ٨٤٧ ، لسان العرب ٥ / ٢٨٨ ، وتاج العروس ٣ / ٦٠٥.

(٢) الأصل : فاستجمع ، وفي حاشية الأصل وك وع وأ : فاستمع.

(٣) ك : الذي ، وهي ساقطة من أ.

(٤) ينظر : الدر المنثور ٥ / ١٥٢٤ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والفردوس بمأثور الخطاب ٤ / ٣٣٨ عن أبي أمامة ، و ٤ / ٣٣٩ عن ابن عباس.

(٥) ينظر : العظمة ٤ / ١٣٠٥ و ١٣٢٩ ، والغريبين ٥ / ١٥٥٣ ، والدر المنثور ٨ / ٣٥١ ، ولسان العرب ٩ / ٢٨٣.

(٦) ع : بالحيل.

٢٢٠