مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٠٩

______________________________________________________

من يغسلها؟ وعن المرأة هل تنظر الى مثل ذلك من زوجها حين يموت؟ فقال (ع) : لا بأس بذلك ، إنما يفعل ذلك أهل المرأة كراهية أن ينظر زوجها إلى شي‌ء يكرهونه منها » (١) والتقييد في السؤال بفقد المماثل لا يقدح في الاستدلال به مطلقاً ، لظهور التعليل في عموم الحكم ، لأن ما يفعله أهل المرأة إنما هو في صورة وجود المماثل ، فاذا كان ما يفعله أهل المرأة في هذه الصورة إنما كان من الملاحظات العرفية فقد دل على عدم المانع شرعاً في هذه الصورة. ونحوه مصحح محمد بن مسلم قال : « سألته عن الرجل يغسل امرأته. قال (ع) : نعم إنما يمنعها أهلها تعصباً » (٢) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال : « سئل عن الرجل يغسل امرأته. قال (ع) : نعم من وراء الثوب ، لا ينظر الى شعرها ، ولا إلى شي‌ء منها. والمرأة تغسل زوجها ، لأنه إذا مات كانت في عدة منه ، وإذا ماتت فقد انقضت عدتها » (٣) ، ونحوها غيرها.

وعن التهذيبين والغنية وغيرها : اعتبار فقد المماثل. ويشهد لهم‌ رواية أبي حمزة عن أبي جعفر (ع) : « لا يغسل الرجل المرأة إلا أن لا توجد امرأة » (٤) بناء على أن المراد بالمرأة الأولى الزوجة ، ورواية أبي بصير : « قال أبو عبد الله (ع) : يغسل الزوج امرأته في السفر ، والمرأة زوجها في السفر إذا لم يكن معهم رجل » (٥) المعتضدتان بإطلاق ما دل على اعتبار المماثلة ، وبما ورد في تعليل تغسيل أمير المؤمنين (ع) لفاطمة (ع)

__________________

(١) الوسائل باب ، ٢٤ من أبواب غسل الميت ، حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب غسل الميت ، حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب غسل الميت ، حديث : ١١.

(٤) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب غسل الميت ، حديث : ١٠.

(٥) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب غسل الميت ، حديث : ١٤.

٨١

ومع التجرد [١] ، وإن كان الأحوط الاقتصار على صورة فقد المماثل‌

______________________________________________________

بأنها صدِّيقة لا يغسلها إلا صدِّيق ، ففي رواية المفضل بن عمر قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : من غسل فاطمة (ع)؟ قال ذاك أمير المؤمنين (ع) ، فكأنما استفظعت ذلك من قوله. فقال لي : كأنك ضقت مما أخبرتك. فقلت : قد كان ذلك جعلت فداك. فقال : لا تضيقن فإنها صدِّيقة لم يكن يغسلها إلا صدِّيق ، أما علمت أن مريم لم يغسلها إلا عيسى (ع) » (١) ونحوها مرسلة الصدوق (٢). وفيه : ـ مع أن الروايتين لا تخلوان من ضعف في سندهما ـ لا تصلحان لتقييد ما سبق ، لقوة دلالته بالتعليلات الآبية عن التقييد بصورة فقد المماثل. وإطلاق ما دل على اعتبار المماثلة مقيد بما ذكر. والتعليل في تغسيل فاطمة (ع) لا يبعد كونه تعليلا للفعل نفسه لا للجواز ، فان استعظام السائل كان لمباشرته (ع) للتغسيل مع شدة تألمه للمصيبة ، لا لجواز وقوع ذلك منه ، فيكون الجواب تعليلا لذلك لا للجواز ، بل من البعيد جداً أن يكون غسلها (ع) فاقداً لبعض الشرائط.

[١] كما هو الأشهر كما في الرياض. ويدل عليه في الزوجة صحيح منصور قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يخرج في السفر ومعه امرأته أيغسلها؟ قال (ع) : نعم ، وأمه وأخته ونحو هذا يلقي على عورتها خرقة » (٣). وفي الزوج صحيح الكناني عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل يموت في السفر في أرض ليس معه إلا النساء. قال (ع) : يدفن ولا يغسل ، والمرأة تكون مع الرجال بتلك المنزلة تدفن ولا تغسل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب غسل الميت حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب غسل الميت ، حديث : ١٥.

(٣) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب غسل الميت ، حديث : ١.

٨٢

______________________________________________________

إلا أن يكون زوجها معها ، فان كان زوجها معها غسلها من فوق الدرع ويسكب الماء عليها سكباً ، ولا ينظر الى عورتها ، وتغسله امرأته إن مات والمرأة إن ماتت ليست بمنزلة الرجل. والمرأة أسوأ منظراً إذا ماتت » (١) فان ذكر الدرع في الزوجة وتركه في الزوج مع التعليل بأسوئية منظر المرأة صريح في جواز تغسيلها له مجرداً. ونحوه خبر ابن سرحان عن أبي عبد الله (ع) (٢). ومثلهما صحيح الحلبي المتقدم (٣).

وعن نهاية الشيخ والمنتهى والبيان وجامع المقاصد والروضة وغيرها : وجوب كونه من وراء الثياب. بل عن الروض : انه المشهور في الأخبار والفتاوى. ويدل عليه في الزوجة ـ مضافاً الى صحيح الحلبي المتقدم ـ صحيح ابن مسلم : « عن الرجل يغسل امرأته؟ قال (ع) : نعم من وراء الثوب » (٤) وما في مصحح الحلبي : « وفي المرأة إذا ماتت يدخل زوجها يده تحت قميصها فيغسلها » (٥) ، ونحوه موثق سماعة (٦) وفي الزوج خبر زيد الشحام عن أبي عبد الله (ع) : « عن رجل مات في السفر مع نساء ليس معهن رجل. فقال (ع) : إن لم يكن له فيهن امرأة فليدفن في ثيابه ولا يغسل ، وإن كان له فيهن امرأة فليغسل في قميص من غير أن تنظر الى عورته » (٧) وفي خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن الرجل يموت وليس عنده من يغسله إلا النساء‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب غسل الميت ، حديث : ١٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب غسل الميت ، حديث : ٧ وملحق حديث : ١٢.

(٣) تقدم في التعليقة السابقة.

(٤) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب غسل الميت ، حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب غسل الميت ، حديث : ٣.

(٦) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب غسل الميت ، حديث : ٥.

(٧) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب غسل الميت ، حديث : ٧.

٨٣

وكونه من وراء الثياب. ويجوز لكل منهما النظر إلى عورة الآخر [١] وإن كان يكره. ولا فرق في الزوجة بين الحرة والأمة ،

______________________________________________________

هل تغسله النساء؟ فقال (ع) : تغسله امرأته وذات محرمه ، وتصب عليه الماء صباً من فوق الثياب » (١) وفي موثق سماعة : « ولا تخلع ثوبه » (٢).

وفيه : أما ما ورد في الزوجة فمعارض بما سبق مما يوجب حمله على الفضل ، ولا سيما بملاحظة التعليل بأسوئية منظرها. ومنه يظهر أيضاً تعين حمل ما ورد في الزوج على ذلك جمعاً بينه وبين ما سبق ، ولا سيما بملاحظة الأولوية الظاهرة من التعليلات ، وعدم القول بلزوم ذلك فيه دونها. مع أن خبر الشحام‌ مضعف بأبي جميلة ، وخبر عبد الرحمن‌ بالإرسال ، ولقرب كون الأمر بالصب من فوق الثياب فيه وفي موثق سماعة‌ من جهة حضور النساء.

وأضعف من ذلك ما عن الاستبصار من جواز التجريد في الزوج دون الزوجة اعتماداً منه على نصوص المنع عن التجريد فيها ، وترجيحاً لها على صحيح منصور‌. إذ فيه : ـ مع أن التعليل فيها ظاهر في عدم المنع ـ أنه لا وجه للترجيح مع إمكان الجمع العرفي.

[١] كما قواه في البرهان ، لاستصحاب جواز النظر الثابت حال الحياة ، ولإطلاق صحيح ابن سنان المتقدم فيهما (٣) ، ولظهور صحيحي الكناني والحلبي وخبر ابن سرحان في جواز نظر المرأة إلى عورة زوجها. نعم ظاهرها المنع من نظر الزوج إلى عورة زوجته ، لكن التعليل فيها يوجب الحمل على الكراهة ، ولا سيما بملاحظة ما تقدم في صحيح ابن سنان‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب غسل الميت ، حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب غسل الميت ، حديث : ٩.

(٣) تقدم في التعليق على قوله ( ولو مع وجود المماثل ) في هذا المورد.

٨٤

والدائمة والمنقطعة [١] ، بل والمطلقة الرجعية [٢] ، وإن كان الأحوط ترك تغسيل المطلقة مع وجود المماثل ، خصوصاً إذا كان بعد انقضاء العدة [٣] ، وخصوصاً إذا تزوجت بغيره‌

______________________________________________________

صدراً وذيلا. وأما الأمر بإلقاء الخرقة على العورة في صحيح منصور فمن القريب ـ جداً ـ أن يكون راجعاً الى تغسيل الأم والأخت ونحوهما. وأما ما في خبر الشحام من المنع من نظر كل منهما إلى عورة الآخر فقد عرفت الإشكال في حجيته. فالقول بالكراهة متعين.

[١] للإطلاق مع عدم ظهور الخلاف فيه. نعم استشكل في الجواهر في المنقطعة كما تقدم منه في الولاية ، وعرفت ما فيه.

[٢] لإطلاق ما دل على أنها زوجة من النص والفتوى ، فيترتب عليها أحكامها ، ولا خلاف فيه يوجد كما في الجواهر وغيرها. نعم في المنتهى : « لو طلق الرجل امرأته فإن كان رجعياً ثمَّ مات أحدهما ففي جواز تغسيل الآخر له نظر ». وكأنه لاحتمال انصراف دليل التنزيل المتقدم الى غير هذا الحكم. وفيه : منع ذلك.

[٣] ففي الجواهر وغيرها عن بعض متأخري المتأخرين انه استشكل فيه بصيرورتها أجنبية حينئذ ، ولا سيما إذا تزوجت ، والظاهر أن الاشكال ـ لو تمَّ ـ لا يختص بالمطلقة ، بل يعم الزوجة بعد خروجها عن عدة الوفاة. وفيه : أن صيرورتها أجنبية إنما كان بالموت لا بالخروج عن العدة ، لكنه لا يقدح في ترتب الأحكام الثابتة للزوجة حين الموت أو ما هي بمنزلتها. اللهم إلا أن يدعى انصراف الإطلاقات عن الفرض ، والمتيقن منها التغسيل عند الموت كما هو المتعارف ، فيرجع في غيره الى عموم اعتبار المماثلة المقدم على الاستصحاب. لكن الانصراف بدائي لا يعوِّل عليه في‌

٨٥

إن فرض بقاء الميت بلا تغسيل إلى ذلك الوقت [١]. وأما المطلقة بائناً فلا إشكال في عدم الجواز فيها [٢].

______________________________________________________

رفع اليد عن الإطلاق ، كما في الجواهر وطهارة شيخنا الأعظم (ره) وغيرهما. نعم في كشف اللثام ـ بعد ما حكى ما في الذكرى من قوله : « انه لا عبرة بانقضاء عدة الوفاة عندنا ، بل لو نكحت جاز لها تغسيله وإن بعد الفرض » ـ قال : « قلت : قال الصادق (ع) في صحيح زرارة .. » ثمَّ ذكر صحيح زرارة المتقدم‌ ، ثمَّ صحيح الحلبي المتقدم أيضاً. المتضمنين أنها في عدة وكأنه يشير إلى الإشكال بأن مقتضى التعليل بأنها في عدة : عدم الجواز بعد انقضاء العدة لكن عرفت أن المراد تعليل عدم تأكد استحباب التغسيل بثيابه ، وإلا فلا ريب في جواز تغسيل الزوج لها مع أنه ليس منها في عدة كما في الصحيحين المذكورين.

[١] يشير به الى ما ذكره في الذكرى من بعد الفرض. وفي حاشية الروضة وغيرها : « يتحقق هذا الفرض بدفن الميت بغير غسل ، ثمَّ تزوجت زوجته بعد مضي عدتها ، آثم أخرج الميت من قبره لغرض كالشهادة على عينه ، أو أخرجه السيل ولم يتغير بدنه ». وفي الجواهر : « تعارف في عصرنا بقاء الميت مدة طويلة جداً بسبب إرادة دفنه في أحد المشاهد المشرفة ».

أقول : العمدة في استبعاد الفرض من جهة تلاشي الميت في هذه المدة الطويلة على نحو يسقط غسله وتيممه ، لكن في هذا العصر تعارف تحنيطه.

[٢] وفي الجواهر : أنه واضح. لعدم الدليل على إجراء الحكم فيها ، لكونها أجنبية قطعاً كما في طهارة شيخنا الأعظم (ره) ، فإطلاق ما دل على اعتبار المماثلة محكم ، ولأجله لا مجال للرجوع الى الاستصحاب التعليقي لو سلم جريانه في نفسه :

٨٦

الثالث : المحارم بنسب أو رضاع [١] ، لكن الأحوط بل الأقوى اعتبار فقد المماثل [٢] ، وكونه من وراء الثياب [٣].

______________________________________________________

[١] إجماعاً صريحاً وظاهراً ، حكاه جماعة.

[٢] نسبه في كشف اللثام الى ظاهر الأكثرية ، وفي غيره الى المشهور لمصحح ابن سنان قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : إذا مات الرجل مع النساء غسلته امرأته ، وإن لم تكن امرأته معه غسلته أولاهن به ، وتلف على يدها خرقة » (١) فان تقديم المماثل أولى من تقديم الزوجة لما عرفت من الإشكال في كونها في مرتبة المماثل. واحتمال أن يكون للزوجة خصوصية اقتضى وجودها المنع من تغسيل الرحم لا من جهة كونها متقدمة عليه في المرتبة ، خلاف الظاهر. فتأمل. ويعضد المصحح إطلاق ما دل على اعتبار المماثلة. وعن السرائر ، وفي المنتهى ، وكشف اللثام وغيرها : العدم ، لإطلاق صحيح منصور المتقدم‌ ، المعتضد بإطلاق وجوب التغسيل ، المؤيد بإطلاق صحيح الحلبي وغيره حيث ذكر فيه : « تغسله امرأته أو ذات قرابته .. » (٢) ، المشعر بمساواة الزوجة للرحم. وفيه : أن الإطلاق مقيد بما ذكر ، مع أن في إطلاق صحيح منصور تأملا ، لقرب دعوى كون ذكر السفر فيه مما يصلح للقرينية على فرض فقد المماثل. وإطلاقات التغسيل مقيدة بما دل على اعتبار المماثلة فهو المرجع دونها. وصحيح الحلبي لا يصلح لمعارضة المصحح لوجوب تقييده به.

[٣] كما عن ظاهر المشهور أو صريحه ، بل في مفتاح الكرامة : « لم أجد فيه مخالفاً إلا ما يظهر من الغنية ». ويقتضيه الأمر به في جملة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب غسل الميت ، حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب غسل الميت ، حديث : ٣‌

٨٧

الرابع : المولى والأمة ، فيجوز للمولى تغسيل أمته [١] إذا لم تكن مزوجة ، ولا في عدة الغير ، ولا مبعضة ، ولا مكاتبة. وأما تغسيل الأمة مولاها : ففيه إشكال [٢] ،

______________________________________________________

من النصوص كخبر عبد الرحمن‌ وموثق سماعة المتقدمين (١) ، ونحوهما موثق عمار (٢). نعم يعارضها صحيح منصور المتقدم (٣). المعتضد بإطلاق مصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « أنه سئل عن الرجل يموت وليس عنده من يغسله إلا النساء. قال (ع) : تغسله امرأته أو ذات قرابته إن كانت ، ويصب النساء عليه الماء صباً » (٤). وحمل الصحيح على خصوص المرأة بعيد جداً. وكأنه لذلك كان ظاهر الغنية والكافي والذكرى ـ على ما حكي ـ الاستحباب ، وحكي اختياره عن جماعة من متأخري المتأخرين ، ولا بأس به لو لا مخالفة المشهور. فتأمل.

[١] قطعاً كما في جامع المقاصد وعن المدارك وحاشية الجمال ، بل عن الأخير : أنه مقطوع به في كلام الأصحاب. وعن مجمع البرهان : « الظاهر عدم الخلاف فيه ، لإطلاق أو عموم ما دل على وجوب التغسيل المطابق لأصل البراءة عن شرطية المماثلة ». وفيه : أن إطلاق ما دل على اعتبار المماثلة من النص والفتوى مانع عن الرجوع الى إطلاق وجوب التغسيل أو أصالة البراءة ، فالعمدة ما تقدم مما يؤذن بالإجماع لو تمَّ. ومورده من يجوز نكاحها ، فلا يشمل الأقسام المذكورة.

[٢] بل أقوال : ( أحدها ) : المنع مطلقاً ـ كما عن المدارك وغيرها ـ

__________________

(١) تقدم ذكرهما في المورد الثاني من موارد عدم اعتبار المماثلة.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب غسل الميت ، حديث : ٥.

(٣) تقدم في المورد الثاني من موارد عدم اعتبار المماثلة.

(٤) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب غسل الميت. حديث : ٣.

٨٨

وإن جوزه بعضهم بشرط إذن الورثة [١] ، فالأحوط تركه. بل الأحوط الترك في تغسيل المولى أمته أيضاً.

( مسألة ١ ) : الخنثى المشكل إذا لم يكن عمرها أزيد من ثلاث سنين فلا إشكال فيها [٢] ، وإلا فإن كان لها محرم أو‌

______________________________________________________

لانتفاء العلقة بارتفاع الملك ، إما بالانتقال الى الوارث في غير أم الولد ، أو بالحرية فيها. ( ثانيها ) : الجواز كذلك ـ كما في القواعد وغيرها ـ لإطلاق كيفية التغسيل الموافق لأصل البراءة. ( ثالثها ) : الجواز في أم الولد لخبر إسحاق بن عمار عن جعفر (ع) عن أبيه (ع) : « أن علي بن الحسين (ع) أوصى أن تغسله أم ولد له إذا مات فغسلته » (١) ، والمنع في غيرها لما تقدم للأول كما في المعتبر وجامع المقاصد ، وعن الروض وجماعة. هذا والخبر المذكور ـ مع ضعفه في نفسه مخالف لما دل على أن الامام ، لا يغسله إلا امام ، وما تقدم من أن فاطمة عليها‌السلام صدِّيقة ولا يغسلها إلا صدِّيق‌ ، وما ورد في تغسيل الباقر (ع) لأبيه (ع) فلا مجال للعمل به. وحينئذ فالمرجع إطلاق اعتبار المماثلة المقتضية للقول بالمنع مطلقاً.

وأما حديث ارتفاع العلقة فلا أثر له في المنع. إذ لو قلنا ببقاء الملك ـ كما لو أوصى بأمته ثلثاً ، وقلنا ببقاء الثلث على ملكية الميت حقيقة ـ لم يكن ذلك كافياً في رفع اليد عن إطلاق اعتبار المماثلة. وكذا حال إطلاق كيفية الغسل ، وأصالة البراءة المستند إليهما في القول بالجواز مطلقاً ، فإنهما لا يعارضان إطلاق شرطية المماثلة.

[١] لانتقالها إليهم ، فيحرم فعلها بدون إذنهم.

[٢] لصحة غسل المخالف لها والمماثل.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب غسل الميت ، حديث : ١.

٨٩

أمة ـ بناء على جواز تغسيل الأمة مولاها ـ فكذلك [١] ،

______________________________________________________

[١] أما في الثاني : فظاهر. وأما في المحرم : فهو المصرح به في كلام جماعة ، منهم العلامة في القواعد ، وعلله في الذكرى وجامع المقاصد وكشف اللثام بأنه موضع ضرورة. وزاد في الثاني قوله : « لعدم الوقوف على المماثل ». ويشكل بأنه غير ظاهر كما اعترف به في الجواهر ، للعلم بوجود المماثل ، وإنما المفقود العلم به بعينه. نعم لو قلنا بعدم اعتبار فقد المماثل في صحة تغسيل المحرم ـ كما تقدم عن جماعة ـ فلا اشكال كما هو ظاهر. ومن ذلك يظهر أنه لا يناسب التعليل بذلك في كشف اللثام مع بنائه على جواز تغسيل المحرم المخالف حتى مع وجود المماثل. ولعل تعليله بذلك بناءً على مذهب مصنفه من عدم الجواز إلا مع فقد المماثل ، وبالجملة : التعليل المذكور بناءً على هذا المبنى ضعيف. وعلى هذا يكون حال فرض وجود المحرم حال فرض عدمه في الرجوع فيه إلى القاعدة.

وفي الجواهر : « إن المقام من قبيل واجدي المني في الثوب المشترك فالأحوط لكل من الذكر والأنثى أن يغسله وإن كان لا يلزمهم ذلك ». وفيه : أنه يتم لو كان الخطاب بالتغسيل موجهاً الى المماثل لا غير ، أما لو كان الخطاب بتغسيل المماثل موجهاً الى كل أحد مماثلا كان أو مخالفاً ، كان الواجب على كل منهما تغسيله ، لعلم كل منهما بتوجه الخطاب اليه إما بتغسيله نفسه أو بتغسيل غيره. والظاهر الثاني لإطلاق دليل وجوبه. ودليل اعتبار المماثلة إنما اقتضى تقييد الغسل لا تقييد الخطاب ، ولا مانع من التكليف بفعل الغير ولو بالتسبيب اليه كما لا يخفى. بل لو قلنا بتوجه الخطاب الى المماثل كان مقتضى العلم الإجمالي بوجوب التغسيل على تقدير المماثلة وحرمة النظر على تقدير المخالفة الجمع بين الامتثالين حيث يمكن الجمع بينهما.

٩٠

وإلا فالأحوط تغسيل كل من الرجل والمرأة إياها [١] من وراء الثياب [٢] ، وإن كان لا يبعد الرجوع الى القرعة [٣].

( مسألة ٢ ) : إذا كان ميت أو عضو من ميت مشتبهاً بين الذكر والأنثى فيغسله كل من الرجل والمرأة [٤] من وراء الثياب.

______________________________________________________

[١] بل هو الظاهر كما عرفت.

[٢] هذا غير ظاهر الوجه ، ولا سيما إذا اقتضى خروجاً عن بعض القواعد. واحتمال حرمة النظر من كل منهما إليه منفي بأصل البراءة بناء على ما ذكرنا ، للشك البدائي. نعم بناء على توجه الخطاب الى المماثل يحرم النظر حيث يمكن الجمع بين الامتثالين للعلم الإجمالي كما عرفت ، لكنه غير اشتراط الستر في التغسيل. هذا والمحكي عن ابن البراج : أنه ييمم. وعن ابن الجنيد : تُشرى له أمة من تركته أو من بيت المال وتغسله. وحكي ذلك عن بعض الشافعية. وفي الذكرى : انه بعيد لانتفاء الملك عن الميت.

[٣] كأنه متابعة للشيخ ـ في الخلاف ـ من الرجوع الى القرعة في الخنثى مع فقد الأمارات الدالة على الأنوثة والذكورة ، محتجاً بالإجماع والأخبار. وفيه : عدم ثبوت هذا الإجماع ، ولا هذه الاخبار. وقد ورد غير ذلك مما تضمن أنه يعطى ميراث الرجال والنساء. وعليه عوّل في النهاية والإيجاز والمبسوط ، وسبقه الى ذلك المفيد والصدوق ، وتبعهم جماعة من أعاظم المتأخرين عنهم ، وهو الأقوى كما يظهر من مراجعة مبحث ميراث الخنثى.

[٤] الكلام فيه هو الكلام في الخنثى ، فإنهما من واد واحد كما في الجواهر تبعاً لجامع المقاصد ، فالجزم بالاحتياط هنا والتردد فيه في ما مضى غير ظاهر :

٩١

( مسألة ٣ ) : إذا انحصر المماثل في الكافر أو الكافرة من أهل الكتاب أمر المسلم المرأة الكتابية أو المسلمة الرجل الكتابي أن يغتسل أولاً ويغسل الميت بعده [١]

______________________________________________________

[١] على المشهور كما عن جماعة. وعن التذكرة : أنه مذهب علمائنا. وفي الذكرى : « لا أعلم لهذا مخالفاً من الأصحاب سوى المحقق في المعتبر » ‌لموثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « فان مات رجل مسلم وليس معه رجل مسلم ولا امرأة مسلمة من ذوي قرابته ، ومعه رجال نصارى ونساء مسلمات ليس بينه وبينهن قرابة. قال (ع) : يغتسل النصارى ثمَّ يغسلونه فقد اضطر. وعن المرأة المسلمة تموت وليس معها امرأة مسلمة ولا رجل مسلم من ذوي قرابتها ، ومعها نصرانية ورجال مسلمون وليس بينها وبينهم قرابة. قال (ع) : تغتسل النصرانية ثمَّ تغسلها » (١) ، وخبر زيد بن علي (ع) عن آبائه (ع) عن علي (ع) : « أتى رسول الله (ص) نفر فقالوا : إن امرأة توفيت معنا وليس معها ذو محرم. فقال (ص) : كيف صنعتم؟ فقالوا : صببنا عليها الماء صباً. فقال (ص) : أما وجدتم امرأة من أهل الكتاب تغسلها؟ قالوا : لا. قال (ص) : أفلا يممتموها » (٢).

وفي جامع المقاصد ، وعن المدارك وشرح الجعفرية : التوقف فيه. وفي المعتبر ، وعن الروضة ، وحاشية القواعد ، ومجمع البرهان ، وحاشية المدارك : سقوط الغسل. وقد يستظهر ذلك من ابن أبي عقيل والجعفي والقاضي وابني زهرة وإدريس والخلاف لعدم ذكرهم له. قال في المعتبر :

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب غسل الميت ، حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٩ من أبواب غسل الميت ، حديث : ٢.

٩٢

______________________________________________________

« والأقرب دفنها من غير غسل ، لأن غسل الميت يفتقر إلى النية والكافر لا تصح منه نية القربة » ثمَّ طعن في الخبر الأول بأن رواته فطحية ، وأنه مناف للأصل ، وفي الثاني بأن رواته زيدية. قال في الذكرى : « وجوابه : منع النية هنا ، أو بالاكتفاء بنية الكافر كالعتق منه. والضعف يجبر بالعمل .. الى أن قال : وللتوقف فيه مجال لنجاسة الكافر في المشهور فكيف يفيد غيره الطهارة ». بل فيه تنجيس لبدن الميت لتغسيله بالماء النجس بمباشرة الكافر.

هذا وظاهر الإشكالات التي تتوجه على العمل بالنصوص ترجع إلى أمور : ( الأول ) : عدم تأتي النية من الكافر من جهة عدم اعتقاده بمشروعية التغسيل. ( الثاني ) : عدم صلاحية الكافر للتقرب. ( الثالث ) : أنها ضعيفة السند. ( الرابع ) : أن الكافر نجس فلا يفيد غيره طهارة لأن الفاقد لا يعطي. لكن يدفع الأول : أن محل الكلام صورة نأتي النية من الكافر ، إما لغفلته عن اعتقاده أو لرجاء المطلوبية. ويدفع الثاني : أن اعتبار صلاحية الفاعل للتقرب ليس مستفاداً من الأدلة العقلية التي لا تقبل التخصيص ، بل هو مستفاد من الأدلة اللفظية واللبية وهي تقبل ذلك. ويدفع الثالث : اعتبار سند الموثق ولو من جهة عمل الأصحاب به ويدفع الرابع : أن الكافر إنما يفيد غيره الطهارة بتوسط الماء ، ولا مانع من تأثير الماء النجس في رفع حدث الميت وحصول الطهارة له ، لاختلاف السنخ ، فلا ينافي قاعدة : ( أن الفاقد لا يعطي ). وأما الطهارة الخبثية الحاصلة من التغسيل. فلأنها من آثار ارتفاع الحدث لا من تأثير الماء النجس ، لأن النجاسة الخبثية قائمة بالحدث فتزول بزوال موضوعها. وأما تنجس بدن الميت بالماء النجس ، فلا يهم ، لأن النجاسة عرضية ، وهي أخف من النجاسة الذاتية الزائلة بالتغسيل.

٩٣

والآمر ينوي النية [١]. وإن أمكن أن لا يمس الماء وبدن الميت تعين [٢]. كما أنه لو أمكن التغسيل في الكر أو الجاري تعين [٣]. ولو وجد المماثل بعد ذلك أعاد [٤]. وإذا انحصر‌

______________________________________________________

وأما الارتكازيات العرفية فلا تصلح لرفع اليد عن النصوص ، مع أن دخل الارتكاز العرفي في أسباب الحدث وروافعه بعيد.

وبالجملة : ليس لنا ما يقتضي طرح النص المذكور والمنع من تخصيص العمومات به ، ولا سيما بعد ما اشتهر من أنه ما من عام إلا وقد خص. لكن الرواية من الموثق الحجة بلا حاجة الى انجباره بالعمل ، والقواعد ليست بحيث لا تقبل التخصيص. ولا مجال لحمل النص على التقية لأن المنقول ـ كما في الجواهر ـ عن جميع العامة ـ عدا سفيان الثوري ـ عدم جواز التغسيل ، لعدم صحة العبادة من الكافر.

[١] كما احتمله في كشف اللثام لأن الكافر بمنزلة الآلة. وفيه : أن ظاهر النص والفتوى أن المغسل هو الكافر ، فيكون هو الفاعل ، والمعتبر نية الفاعل لا غيره ، والآمر ليس له فعل إلا أمر الكافر بالغسل ، فلو كان الأمر من العبادات كان اللازم نية القربة به لا بالغسل الصادر من الكافر.

[٢] محافظة على طهارة الماء وبدن الميت اللازمتين ، ولا يقدح في ذلك عدم تعرض النص لذلك ، لإمكان أن يكون لندرة الفرض.

[٣] يعني : حيث يدور الأمر بين تغسيله في أحدهما وتغسيله بالقليل المباشر له الكافر ، أو مباشرة بدن الميت. أما لو أمكن عدم مباشرة الكافر للماء وبدن الميت فلا يتعين أحدهما.

[٤] قال في الجواهر : « لم أجد فيه خلافاً بين من تعرض له. نعم استشكل فيه في القواعد كما في التحرير ». ويقتضيه قصور أدلة البدلية‌

٩٤

في المخالف فكذلك [١] ، لكن لا يحتاج الى اغتساله قبل التغسيل [٢] وهو مقدم على الكتابي على تقدير وجوده [٣].

( مسألة ٤ ) : إذا لم يكن مماثل حتى الكتابي والكتابية سقط الغسل [٤] لكن الأحوط تغسيل غير المماثل [٥].

______________________________________________________

عن شمول الفرض ، لاختصاصها بصورة عدم التمكن من تغسيل المماثل المسلم ، فاذا وجد المماثل المسلم انكشف عدم صحة الغسل من أول الأمر ، كما أشرنا إليه في نظائره. ولأجل ذلك نقول بعدم جواز البدار إلا على تقدير استمرار العذر واقعاً. نعم ظاهر الدليل كون المأتي به فرداً ناقصاً ، فيترتب عليه ما يترتب على صرف الطبيعة الشاملة للكامل والناقص من الأحكام ، ومنها طهارة بدنه ، فلا يلزم الغسل ، ولا الغسل بمسه.

[١] للقطع بالأولوية وإن كان الدليل قاصراً عنه. وفي الجواهر لم يستبعد عدم الإلحاق ، لكنه أمر بالتأمل.

[٢] لظهور دليل الاغتسال في كونه من جهة النجاسة غير الحاصلة في المخالف ، واحتمال كونه من جهة احتمال النجاسة العرضية الموجود في المخالف لا يساعده لفظ الاغتسال. لكن من الجائز أن يكون من جهة الجنابة الحاصلة فيه ، بل هو أقرب ، لأن الغسل من روافع الحدث لا الخبث مع أن القطع بالأولوية بدون الاغتسال غير حاصل.

[٣] لما عرفت من الأولوية.

[٤] كما تقدم في أول الفصل.

[٥] لما في جملة من النصوص من الأمر به ، كرواية جابر عن أبي جعفر (ع) : « في رجل مات ومعه نسوة ليس معهن رجل : قال (ع) : يصببن عليه الماء من خلف الثوب ، ويلففنه في أكفانه من تحت الصدر ،

٩٥

______________________________________________________

ويصلين عليه صفاً ويدخلنه قبره. والمرأة تموت مع الرجال ليس معهم امرأة. قال (ع) : يصبون الماء من خلف الثوب ، ويلفونها في أكفانها ويصلون ، ويدفنون » (١) ، ورواية أبي حمزة : « لا يغسل الرجل المرأة إلا أن لا توجد امرأة » (٢) ، ونحوهما غيرهما. وقد عرفت حكاية القول بمضمونها عن جماعة. لكنها ـ مع أنها مرمية بضعف السند ـ لا تصلح لمعارضة ما يدل على سقوط الغسل مما تقدمت الإشارة إلى بعضه ، فلتحمل على الاستحباب ، كما عن الاستبصار وزيادات التهذيب ، ولا ينافيه النهي عن التغسيل في تلك النصوص ، لوروده مورد توهم الوجوب ، وفي رواية زيد بن علي المتقدمة (٣) : وجوب تيمم الميت حينئذ وعن التذكرة وظاهر الخلاف : الاتفاق على نفيه. وفي حسنة المفضل بن عمر : « قلت لأبي عبد الله (ع) : ما تقول في المرأة تكون في السفر مع الرجال ليس فيهم لها ذو محرم ولا معهم امرأة ، فتموت المرأة ما يصنع بها؟ قال (ع) : يغسل ما أوجب الله سبحانه عليه التيمم » (٤). وعن المبسوط والنهاية والتهذيب : جواز العمل به. وفي صحيح ابن فرقد عن أبي عبد الله (ع) (٥) ، وخبر جابر عنه (ع) ـ في المرأة ـ : أنها يغسل كفاها (٦). وفي خبر أبي بصير عنه (ع) ـ فيها ـ : أنها يغسل منها مواضع الوضوء (٧). والكل مرمي بالشذوذ ، وعدم ظهور‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب غسل الميت حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب غسل الميت حديث : ٧.

(٣) تقدمت في المسألة الثالثة من هذا الفصل.

(٤) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب غسل الميت حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب غسل الميت حديث : ٢.

(٦) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب غسل الميت حديث : ٨.

(٧) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب غسل الميت حديث : ٦.

٩٦

من غير لمس ونظر [١] من وراء الثياب ، ثمَّ تنشيف بدنه قبل التكفين لاحتمال بقاء نجاسته [٢].

( مسألة ٥ ) : يشترط في المغسل أن يكون مسلماً بالغاً عاقلا اثني عشرياً [٣] فلا يجزئ تغسيل الصبي ، وإن كان مميزاً وقلنا بصحة عباداته على الأحوط ، وإن كان لا يبعد كفايته مع العلم بإتيانه على الوجه الصحيح ، ولا تغسيل الكافر إلا إذا كان كتابياً في الصورة المتقدمة. ويشترط أن يكون عارفاً بمسائل الغسل ، كما أنه يشترط المماثلة إلا في الصور المتقدمة.

______________________________________________________

[١] لحرمتهما ، وعدم الدليل على الترخيص فيهما. نعم ظاهر بعض النصوص المتقدمة ذلك ، إلا أنه لا مجال للعمل به ، لما عرفت.

[٢] يعني : فيتنجس به الكفن الواجب فيه الطهارة.

[٣] لبطلان عبادة الكافر والمخالف ، وكذا المجنون ، لعدم تأتي القصد منه. وأما الصبي : فقد تقدم الكلام في عبادته في المسألة الخامسة من الفصل السابع. ثمَّ إنه بناء على وجوب تغسيل الميت المخالف لو غسله المخالف لا يحكم بوجوب إعادته من المؤمن ، لقاعدة الإلزام بناء على عمومها للأموات. نعم لو غسله غسلنا كان اللازم القول بوجوب إعادته ، عملا بما دل على وجوب تغسيل المسلم ، إذ لا مجال فيه لقاعدة الإلزام ، فعموم ما دل على بطلان عبادة المخالف بلا معارض.

٩٧

فصل

قد عرفت سابقاً وجوب تغسيل كل مسلم لكن يستثنى من ذلك طائفتان : إحداهما : الشهيد المقتول في المعركة عند الجهاد مع الامام (ع) [١] أو نائبه الخاص [٢]. ويلحق به كل من قتل في حفظ بيضة الإسلام [٣] في حال الغيبة ،

______________________________________________________

فصل

[١] اتفاقاً. والظاهر أن المراد به ما يعم النبي (ص) كما عن جماعة.

[٢] كما عن المبسوط والنهاية والوسيلة والسرائر والمنتهى. وعن مجمع البرهان : انه المشهور.

[٣] كما عن الغنية والمعتبر والدروس وجامع المقاصد والمدارك وغيرها. ويقتضيه إطلاق صحيح أبان بن تغلب قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الذي يقتل في سبيل الله أيغسل ويكفن ويحنط؟ قال (ع) : يدفن كما هو في ثيابه. إلا أن يكون به رمق ، فان كان به رمق ثمَّ مات فإنه يغسل ويكفن ويحنط ويصلى عليه. إن رسول الله (ص) صلى على حمزة وكفنه وحنطه لأنه كان قد جُرد » (١). ونحوه مصححه الآتي. أما التمسك بإطلاق الشهيد المذكور في بعض النصوص ، أو مَن قتل بين الصفين كما في بعض آخر ـ كما يأتي ـ فلا يخلو من إشكال ، لإجمال الأول ، واحتمال عدم ورود الثاني مورد البيان. ومما ذكرنا يظهر ضعف ما عن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب غسل الميت. حديث : ٧.

٩٨

من غير فرق [١] بين الحر والعبد ، والمقتول بالحديد أو غيره ، عمداً أو خطأ ، رجلا كان أو امرأة أو صبياً أو مجنوناً [٢] ، إذا كان الجهاد واجباً عليهم [٣] ، فلا يجب تغسيلهم بل يدفنون كذلك بثيابهم [٤] ،

______________________________________________________

الشيخين في المقنعة والمبسوط والنهاية من أنه يشترط في سقوط غسل الشهيد أن يقتل بين يدي إمام عادل في نصرته أو من نصبه ، ولذلك قال في المعتبر : « فاشتراط ما ذكره الشيخان زيادة لم تعلم من النص ».

[١] كما عن جماعة أنه ظاهر الأصحاب. ويقتضيه إطلاق النص.

[٢] ظاهر المعتبر : الاتفاق منا عليه في الصبي ، ونسب الخلاف فيه الى أبي حنيفة. وظاهر كشف اللثام : الاتفاق عليه في الصبي والمجنون واستشهد له ـ مضافاً الى الإطلاق المتقدم ـ بما ورد من قتل بعض الصبيان في بدر وأُحد وكربلاء ولم ينقل عن أحد تغسيلهم. وفي طهارة شيخنا الأعظم (ره) : « الظاهر من حسنة أبان‌ وصحيحته المقتول في سبيل الله ، فيختص بمن كان الجهاد راجحاً في حقه ، أو جوهد به ، كما إذا توقف دفع العدو على الاستعانة بالأطفال والمجانين ». وقريب منه ما في الجواهر وهو في محله. وإطلاق الشهيد ، وما قتل بين الصفين لا يخلو من اشكال كما عرفت.

[٣] هذا راجع الى أصل المسألة لا إلى الصبي والمجنون كما هو ظاهر ولم يتضح الوجه للتقييد بالوجوب ، إذ يكفي في كونه في سبيل الله كونه راجحاً.

[٤] إجماعاً حكاه جماعة كثيرة ، بل في المعتبر ، وعن التذكرة : إجماع أهل العلم خلا سعيد بن المسيب والحسن البصري. ويدل عليه من‌

٩٩

إلا إذا كانوا عراة فيكفنون [١] ويدفنون. ويشترط فيه أن يكون خروج روحه قبل إخراجه من المعركة [٢].

______________________________________________________

النصوص صحيح أبان بن تغلب المتقدم‌ ، ونحوه مصححه الآخر : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : الذي يقتل في سبيل الله يدفن في ثيابه ولا يغسل إلا أن يدركه المسلمون وبه رمق ثمَّ يموت بعد فإنه يغسل ويكفن .. » (١) ، ومصحح زرارة وإسماعيل عن أبي جعفر (ع) : « قلت له : كيف رأيت الشهيد يدفن بدمائه؟ قال (ع) : نعم .. » (٢) وخبر أبي خالد : « اغسل كل الموتى الغريق وأكيل السبع وكل شي‌ء إلا ما قتل بين الصفين ، فان كان به رمق غسل وإلا فلا » (٣) ، وغيرها.

[١] نفي وجدان الخلاف فيه ، لعموم وجوب التكفين خرج من له ثياب وبقي غيره. وأما ما في ذيل صحيح أبان : « إن رسول الله (ص) صلى على حمزة وكفنه وحنطه لأنه كان قد جرد » فمعارض بما في مصححه وصحيح زرارة وإسماعيل من أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفن حمزة في ثيابه. واحتمال أن مفاد نصوص الشهيد سقوط تكفينه ، وأن دفنه بثيابه ليس لأنها كفنه ، بل هو حكم آخر ، خلاف ظاهرها جداً.

[٢] المنسوب الى المشهور ـ بل قيل : نقل الإجماع عليه مستفيض ـ : أن المعيار في سقوط الغسل عن الشهيد أن يموت في المعركة سواء أدركه المسلمون حياً أم لا. قال في المعتبر : « الشهيد إذا مات في المعركة لا يغسل ولا يكفن ، وهو إجماع أهل العلم » ، وفي الذكرى : « يسقط تغسيل عشرة : الأول : الشهيد إذا مات في المعركة ، ولا يكفن أيضاً ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب غسل الميت حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب غسل الميت ، حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب غسل الميت ، حديث : ٣.

١٠٠