مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٠٩

( مسألة ٣ ) الظن بمباشرة الغير لا يسقط وجوب المبادرة [١] فضلا عن الشك.

______________________________________________________

الجزء المأتي به فلا ينطبق على وجود الجزء ثانياً ، لأنه وجود بعد وجود فكيف يمكن الامتثال ثانياً؟

قلت : الجزء المأتي به إنما ينطبق عليه صرف الوجود بالإضافة إلى الكل الصادر عن فاعل الجزء ، لا بالإضافة إلى الكل الصادر عن غيره ـ كما هو محل الفرض ـ ولذلك لا يمكن أن يتألف منه الكل الذي يصدر عن غيره. فصرف وجود الجزء كما ينطبق على الجزء المأتي به ينطبق على الجزء المأتي الصادر عن الفاعل الثاني ، ونسبة صرف الوجود إليهما نسبة واحدة بعين النسبة إلى الكل الصادر عنهما ، إلا أن يقال : صرف الوجود إذا كان ينطبق على الجزء المأتي به أو لا امتنع انطباقه ثانياً على غيره ضرورة وإلا كان خلفاً ، فالتحقيق : أن الإتيان بالجزء ثانياً ليس بداعي الأمر ، بل بداعي ملاكه فان الملاك والترجح النفساني موجود في الجزء المأتي به ثانياً كما هو موجود في المأتي به أولا بنحو واحد ، غاية الأمر أن يلتزم بأن موضوع الأمر غير موضوع الملاك ، ولا مانع من ذلك ، وقد يلتزم به في الموارد التي يكون التكليف فيها حرجياً ، فان التقرب فيها بالملاك لا بالأمر ، وموضوع الملاك يكون أعم من موضوع الأمر. ومن ذلك يظهر أنه بناء على هذا يمكن تبديل الامتثال بالجزء بالنسبة إلى نفس الفاعل الأول بخلاف الوجه السابق ، فإنه يصحح تبديل الامتثال بالنسبة الى غير الفاعل الأول فقط. فلاحظ.

[١] كما عن تهذيب العلامة ، وجامع المقاصد ، لقاعدة الاشتغال. وعن ظاهر الأردبيلي : الثاني. وربما استدل له بأنه لو انحصر المسقط‌

٤١

( مسألة ٤ ) : إذا علم صدور الفعل عن غيره سقط عنه التكليف ما لم يعلم بطلانه وإن شك في الصحة ، بل وإن ظن البطلان ، فيحمل فعله على الصحة ، سواء كان ذلك الغير عادلا أو فاسقاً [١].

( مسألة ٥ ) : كل ما لم يكن من تجهيز الميت مشروطاً بقصد القربة كالتوجيه إلى القبلة : والتكفين ، والدفن ـ يكفي صدوره من كل من كان من البالغ العاقل ، أو الصبي ، أو المجنون. وكل ما يشترط فيه قصد القربة ـ كالتغسيل والصلاة ـ يجب صدوره من البالغ العاقل ، فلا يكفي صلاة الصبي عليه إن قلنا بعدم صحة صلاته [٢] ،

______________________________________________________

بالعلم لتعذر أو تعسر ، إذ لا أقل من توقف صحته على النية التي لا تعلم قطعاً. وفيه : أن الكلام في الظن في أصل الفعل ، لا في صحته ، والثاني مجرى لقاعدة الصحة ولو مع الشك أو ما دونه ، فلا مجال لقياس الأول عليه. والشك في النية وإن لم يكن مورداً لقاعدة الصحة ، إلا أنه يمكن إحراز النية في كثير من الموارد ببعض الأمارات الشرعية من قول أو فعل. وبالجملة : إثبات حجية الظن بدليل نفي الحرج ونحوه غير ظاهر. نعم لا يبعد دعوى السيرة على العمل بالظن الغالب المتاخم للعلم إذا كان الميت بين أهله أو غيرهم من المسلمين مع علمهم به. بل لا يبعد ذلك مع الظن مطلقاً ، وإن قال في الجواهر : « فيه نظر أو منع ».

[١] لقاعدة الصحة في فعل الغير المبرهن عليها في الأصول التي لا يفرق في جريانها بين الظن بها ، والشك ، والظن بعدمها ، ولا بين كون الفاعل عادلاً ، أو فاسقاً.

[٢] إذ لا مجال لتوهم الاكتفاء بالباطل.

٤٢

بل وإن قلنا بصحتها ـ كما هو الأقوى ـ [١] على الأحوط [٢] نعم إذا علمنا بوقوعها منه صحيحة جامعة لجميع الشرائط لا يبعد كفايتها ، لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط.

فصل في مراتب الأولياء‌

( مسألة ١ ) : الزوج أولى بزوجته من جميع أقاربها [١]

______________________________________________________

[١] قيد للقول بالصحة. وقد قربنا وجهه فيما سبق.

[٢] بل هو الذي استظهره في الجواهر ، وفي كشف الغطاء في مبحث الصلاة : « وتصح من المميز وإن لم يكن مكلفاً على الأقوى ، ولكن لم يسقط بفعله التكليف الظاهري عن المكلفين » وعلله في الجواهر باستصحاب الشغل ، وعدم معلومية إجزاء الندب عن الواجب. وفيه : أن إجزاء الندب عن الواجب لا مجال للتوقف فيه مع العلم بكونه فرداً له وإن لم يكن بواجب ، فإنك قد عرفت في المباحث السابقة أن موضوع المشروعية في الصبي هو موضوعها في البالغ ، والاختلاف بينهما في اللزوم وعدمه لا غير ، وحينئذ لا مجال لجريان استصحاب الشغل. ومن ذلك يظهر الوجه في ما ذكره المصنف (ره) بقوله : « نعم إذا .. » ، لكن يظهر منه الفرق بين صورة العلم باجتماع الشرائط وصورة الجهل ، وكأنه للتوقف في جريان قاعدة الصحة في فعل غير البالغ ، ولكنه غير ظاهر ، لعموم أدلتها.

فصل في مراتب الأولياء‌

[١] إجماعاً صريحاً وظاهراً محكياً عن جماعة كثيرة. ويدل عليه خبر‌

٤٣

______________________________________________________

أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « عن المرأة تموت من أحق أن يصلي عليها؟ قال (ع) : الزوج. قلت : الزوج أحق من الأب والأخ والولد؟ قال (ع) : نعم ». (١). وقريب منه خبره الآخر عنه (ع) وزاد قوله : « ويغسلها » (٢) ، وخبر إسحاق بن عمار عنه (ع) : « الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها » (٣) وقصور السند مجبور بما عرفت نعم يعارضها صحيح حفص عنه (ع) : « في المرأة تموت ومعها أخوها وزوجها أيهما يصلي عليها؟ فقال (ع) : أخوها أحق بالصلاة عليها » (٤) ، وخبر عبد الرحمن عنه (ع) : « عن الصلاة على المرأة الزوج أحق بها أو الأخ؟ قال (ع) : الأخ » (٥) ، إلا أن إعراض الأصحاب عنهما يوجب طرحهما ، أو حملهما ، على التقية لموافقتهما العامة كما عن الشيخ. وفي المنتهى حكى ذلك عن أبي حنيفة وعن أحمد في إحدى الروايتين ثمَّ إنك عرفت أن ظاهر النصوص المذكورة وغيرها هو الأولوية الوجوبية كما هو المشهور. وظاهر مجمع البرهان أنها استحبابية ـ ونسبه الى المنتهى وحكي عن المدارك ، وكشف اللثام ، والذخيرة ، وكذا عن الغنية في الصلاة ، ـ للأصل ، مع ضعف دليل الوجوب سنداً ودلالة ، ومع قيام السيرة على عدم تعطيل الفعل للاستئذان من الولي وعسر التوقف عليه. والجميع كما ترى ، إذ الأصل لا مجال له مع الدليل ، وضعف السند مجبور بالعمل ، وضعف الدلالة غير ظاهر بظهور الأولوية والأحقية بذلك ، كما في سائر.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب صلاة الجنازة ، حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب صلاة الجنازة ، حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب صلاة الجنازة ، حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب صلاة الجنازة ، حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب صلاة الجنازة ، حديث : ٥‌

٤٤

______________________________________________________

موارد الحقوق اللازمة ، والسيرة المدعاة ممنوعة كمنع العسر في الانتظار. ثمَّ إن النصوص المذكورة يحتمل أن يكون المراد منها مجرد جعل الولاية للولي على الميت ، فيكون المجعول حكما ، ويحتمل أن يكون المجعول حقاً له ، وهو النظر في أمر الميت. وقد تقدمت حكاية التردد عن الذكرى في أن الولاية المجعولة نظر للولي أو للميت ، فيحتمل أن يكون مراده التردد في أن المجعول حكم أو حق ، ويحتمل أن يكون مراده أن المجعول حكم ، وهو الولاية ، وتردده في أن الغرض من جعلها الإرفاق بالولي فلم يجز إجباره.

وكيف كان فالظاهر من النصوص مجرد جعل الولاية بلا جعل حق للولي بحيث تكون إضافة خاصة بين الولي وشؤون التجهيز على نحو تكون تلك الشؤون مملوكة له ، كما يقتضيه مفهوم الحق المقابل للحكم عند الأصحاب والظاهر أن ذلك هو المفهوم من كلام الأصحاب. وبالجملة : الظاهر من النصوص والفتاوى أن المجعول هو مجرد الولاية على الشؤون المتعلقة بالميت التي هي من الاحكام لا الحقوق ، نظير السلطنة المجعولة للمالك على ماله. وأما ما في رواية السكوني المتقدمة (١) من قوله : « فهو غاصب » فهو وإن كان ظاهراً في ثبوت الحق ، لكنه أعم من أن يكون حقاً للولي أو حقاً للميت يحرم التصرف فيه بغير إذن وليه ، فان ذلك يستوجب صدق الغصب. وعلى كل حال لو صلى غير الولي بغير إذن الولي كان آثماً ، إما لأنه تصرف في حق الولي بغير إذنه ، أو تصرف في حق الميت بغير إذن وليه ، وكلاهما حرام. وإذا حرمت الصلاة بطلت لمنافاة الحرمة للعبادية ، ويشهد به التعبير بالغصب في الحبر. لكن عن النراقي ـ في اللوامع ـ : الصحة ، لأن المنهي عنه خارج عن العبادة. وكأنه يريد أن الحرام هو التصرف في الحق‌

__________________

(١) تقدمت في أول الفصل السابق.

٤٥

______________________________________________________

لا الصلاة ـ مثلا ـ وكأنه مبني على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي ، وأن المجعول في المقام حق وضعي. وفيه : أن ظاهرهم التسالم على بطلان الصلاة إذا اتحدت مع الغصب ـ حتى عند القائلين بالاجتماع ـ يظهر ذلك من كلماتهم في مبحث المكان المغصوب واللباس المغصوب.

هذا ولا بأس بالتعرض في المقام للفرق بين الحق والحكم ، فنقول قد ذكرنا في حاشيتنا على مكاسب شيخنا الأعظم ( قده ) ـ نهج الفقاهة ـ أن الحق في اللغة والعرف : هو الأمر الثابت في قبال الباطل غير الثابت ، وفي الاصطلاح : الحقية عبارة عن نوع من الملكية التي هي نحو خاص من الإضافة بين المالك والمملوك ، والاعتبار الخاص بينهما الذي هو معنى لام الملك في مثل قولك : الفرس لزيد فان اللام حاكية عن إضافة بين زيد والفرس على نحو خاص يرى فيه ، الفرس من توابع زيد وشؤونه ولواحقه ، يعبر عنها بملكية زيد للفرس. فاذا باع زيد الفرس على عمرو ، صار الفرس ملكا لعمرو ، وكانت الإضافة المذكورة بين الفرس وعمرو بعد ما لم تكن. كما أنها حينئذ لا تكون بين الفرس وزيد بعد ما كانت. وأما إضافة الحقية : فهي نوع من الإضافة المذكورة تختلف معها باختصاصها بمورد خاص.

توضيح ذلك : أن المملوك في الإضافة الملكية تارة : يكون عيناً متقومة بنفسها ، كالفرس ، والدرهم ، والدار. وأخرى : يكون عرضاً ومعنى ، كالعقد ، والفسخ ، وعمل الحر ، ونحوها. والأول : تارة : يكون خارجياً ، كالفرس ، والدرهم الخارجيين. وأخرى : يكون ذمياً كالمبيع في السلم ، والثمن في النسيئة. وثالثة : لا يكون كذلك ، كما في حق الجناية وحق الزكاة على بعض الأقوال. ويختلف الأول والأخيران في أن وجود الأول‌

٤٦

______________________________________________________

قائم بنفسه ، ووجودهما قائم بغيره. وفي أن اعتبار وجود الأول لا يتوقف على إضافته إلى مالك ووجود الأخيرين ـ اعتباراً ـ يتوقف على إضافته إلى مالك ، فيكون اعتباره ملازماً لاعتبار إضافته إلى المالك ، فلو انتفى مصحح اعتبار إضافته إلى المالك امتنع اعتباره ، فلو لا السلف لامتنع اعتبار شي‌ء في ذمة البائع ، كما أنه لو لا النسيئة لامتنع اعتبار شي‌ء في ذمة المشتري وكذلك لو لا الجناية ووجود سبب الزكاة لامتنع اعتبار شي‌ء في العبد ، أو في النصاب. فأقسام الأول ـ وهو العين ـ ثلاثة.

وأما الثاني ـ وهو المعنى ـ فأقسامه ـ أيضاً ـ ثلاثة لأنه تارة : يكون ذمياً ، كعمل الحر الأجير المملوك في ذمته للمستأجر بالإجارة. وأخرى : لا يكون ذمياً بل هو أمر قائم بغيره ، وهو تارة : لا يكون اعتباره موقوفاً على إضافته إلى مالك ، كما في منافع الأعيان المملوكة كالدار والعبد ، فان اعتبارها في الخارج يكون تابعاً لقابلية العين للمنفعة سواء أكان لها مالك أم لم يكن. وأخرى : يكون موقوفاً على ذلك ، مثل حق الخيار القائم بالعقد ، وحق الشفعة القائم بالمبيع ، وحق القسم القائم بالزوج ، وحق التحجير القائم بالأرض ، وحق القصاص القائم بالجاني ، وحق الرهانة القائم بالعين المرهونة ، الى غير ذلك ، فإنها لو لم يكن مصحح لاعتبار إضافتها إلى المالك لم يصح اعتبارها. ومنه منافع الأجير الخاص الذي يستأجر بلحاظ منافعه الشخصية.

ولا يخفى أن إضافة المالكية والمملوكية بين المالك وكل واحد من المذكورات في الجميع على نحو واحد ، فكما أن زيداً مالك للفرس والدرهم الخارجيين ، كذلك هو مالك بنحو تلك الملكية للدين الذي في ذمة من اشترى منه نسيئة ، أو في ذمة من باعه سلفاً ، ولمنافعه إذا كان أجيراً ،

٤٧

______________________________________________________

ولمنافع الأعيان التي استأجرها ، ولفسخ العقد إذ كان مغبوناً مثلا ، ولأخذ المبيع بالشفعة إذا كان شريكا ، وللاقتصاص من الجاني إذا جنى عليه عمداً ولاستيفاء دينه من العين المرهونة .. الى غير ذلك من الأمثلة. ولا تفاوت بين أفراد هذه الإضافة في الموارد المذكورة قوة وضعفاً ، بل هي في الجميع على نحو واحد ومرتبة واحدة ، وإن كان بعضها يختص ـ اصطلاحا ـ باسم الحقية ، والآخر باسم الملكية ، فليس الاختلاف بين الملكية والحقية إلا بحسب المورد لا غير.

وكيف كان فالحق ـ اصطلاحاً عين أو معنى متعلق بغيره ، وقائم فيه على نحو لا يصح اعتباره إلا في ظرف اعتبار ملكيته لمالكه ، فيختص بالقسم الثالث من كل من القسمين ، فيخرج منه الأعيان الخارجية المملوكة ، وكذا الذميات من أعيان ومعان ، لعدم كونها قائمة بمن له الذمة ، وانما هي في الذمة ، كما تخرج عنه منافع الأعيان لصحة اعتبارها من دون اعتبار مالك لها كما عرفت ، ولذا لا إشكال ولا خلاف في عدم سقوطها بالإسقاط نعم لا فرق بين الذميات ـ من أعيان ومعان ـ في سقوطها بالإسقاط كالحقوق إلا أنها لا تسمى عندهم حقوقا ، لاختصاص الحق ـ كما عرفت ـ بالملك القائم بموضوع ، وليست هي كذلك. ومن ذلك يظهر أن الدين في ذمة الحر ليس من الحقوق ، والاقتصاص القائم برقبة الحر الجاني منها ، ولذا ينعدم الثاني بانعدام موضوعه ، ولا ينعدم الأول بانعدام ذي الذمة ، بل يستوفي من تركته أو من غيرها. ولا يقال للدين : إنه ثابت في المديون ، ويقال : إنه ثابت في ذمته.

ومن ذلك يظهر أن قول شيخنا الأعظم (ره) في مكاسبه : « وأما الحقوق الأخر .. » مبني على المسامحة ، ولذا ضرب في النسخ المصححة‌

٤٨

______________________________________________________

على لفظ : « الأخر » لظهوره في أن عمل الحر من الحقوق ، وليس هو منها كما عرفت. نعم عمل الحر إذ كان الحر من قبيل الأجير الخاص من الحقوق ، فيسقط بالإسقاط. والفرق بينه وبين منافع الرق ومنافع سائر الأعيان المملوكة جاء من جهة الفرق بينهما بالمملوكية واللامملوكية ، ولذا لو حبس الحر لم يضمن منافعه ، وإذا حبس الرق ضمن منافعه. فلاحظ.

كما أن مما ذكرنا يظهر الفرق بين الحق والحكم ، فان الحكم لا يصح أن يضاف الى المحكوم عليه إضافة الملكية ، كما يصح أن يضاف الحق إلى المستحق ، مع أن الحق من أحكامه السقوط بالإسقاط ، للقاعدة المقررة بين العقلاء من أن لكل ذي حق إسقاط حقه ، كما ذكر ذلك شيخنا الأعظم (ره) في مسقطات خيار المجلس ، وليس كذلك الحكم ، فان سقوطه إنما يكون بإسقاط الجاعل له ، ولا يكون بإسقاط المحكوم عليه ضرورة. وصحة قولنا : « لزيد أن يشرب الماء ، وليس له أن يشرب الخمر » إنما هو لكون اللام فيه لام التعدية المتعلقة بفعل مقدر مثل : يجوز له ، أو : يحل له ، كما في قوله تعالى ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ ) (١) ، ونحوه غيره ، وليست اللام فيه للملك مثل قولنا : « الخيار للمغبون » ولذا كان مجرورها ظرفاً مستقراً ، بخلاف مجرور الأولى فإنه ظرف لغو. نعم لا تبعد دعوى كون الظاهر من اللام في مثل قولنا : « لزيد أن يفعل » كونها للملك ، فيكون الفعل من حقوق زيد ، وحينئذ فان لم تقم قرينة حالية ، أو مقالية ، أو عقلية على كونه حكما ، بني على كونه حقاً ، وإن قامت قرينة على ذلك كان العمل عليها. وبالتأمل في ما ذكرنا يتضح لك وجه الفرق بين الحق والملك ، ووجه الفرق بين ألحق‌

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

٤٩

حرة كانت أو أمة [١] دائمة أو منقطعة [٢] وإن كان الأحوط في المنقطعة الاستئذان من المرتبة اللاحقة أيضاً.

______________________________________________________

والحكم. وأما الفرق بين ما يسقط بالإسقاط وما لا يسقط به ، فهو أن الأول : ما يكون اعتبار وجوده تابعاً لاعتبار إضافته إلى مالك كالذميات أعياناً كانت ، أو معاني كالحقوق بالمعنى الذي ذكرناه. والثاني : ما لا يكون كذلك ، بل اعتبار وجوده تابع لمنشإ آخر ، كالأعيان الخارجية ومنافعها. فلاحظ وتأمل.

[١] للإطلاق ، قال في جامع المقاصد : « لا فرق في الزوجة بين الحرة والأمة ، والمدخول بها وغيرها ». وفي طهارة شيخنا الأعظم (ره) « مقتضى إطلاق النص وكلام الأصحاب ـ كما في المدارك ـ عدم الفرق في الزوجة بين الحرة والأمة ، ولا بين الدائمة والمنقطعة ». وفي الذخيرة : « واعلم أن إطلاق النصوص والفتاوى يقتضي عدم الفرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة ، والحرة والأمة ». وظاهر ذلك ونحوه من كلماتهم أنه من المسلمات ، ولولاه لأمكن الإشكال في إطلاق النصوص ، بدعوى انصرافه إلى الحرة التي كانت مالكة نفسها في الحياة ، وبالموت تكن نسبتها إلى كل من عداها نسبة واحدة ، لا مثل المملوك للغير في الحياة والممات ، مع أن تقييد النصوص المذكورة أولى من تقييد قاعدة السلطنة على الأملاك.

[٢] للإطلاق ، كما سبق. لكن في الجواهر قال : « على إشكال في المنقطعة ، خصوصاً إذا انقضى الأجل بعد موتها ، لبينونتها حينئذ منه ، بل لا يبعد ذلك بمجرد موتها وان لم ينقض الأجل ، لكونها كالعين المستأجرة إذا ماتت. كما لا يخفى على من أحاط خبراً بأحكام المتعة في‌

٥٠

ثمَّ بعد الزوج المالك أولى بعبده أو أمته من كل أحد [١] وإذا كان متعدداً اشتركوا في الولاية. ثمَّ بعد المالك طبقات الأرحام بترتيب الإرث [٢].

______________________________________________________

محلها ». وهو ـ كما ترى ـ خلاف الإطلاق ، والزوجية تنقطع بالموت ، لامتناع قيامها بالميت ، ولا فرق بين انقضاء الأجل بعد الموت وعدمه ، كيف؟! وقد ذهب صاحب الجواهر (ره) الى أن الزوجية في الانقطاع بعينها في الدوام ، خلافا لمن قال باختلاف الزوجيتين وأنها في الانقطاع نظير ملك المنفعة في الإجارة ، واليه مال شيخنا الأعظم (ره) ، فكيف يصح منه ( قده ) التفكيك بين الدائمة والمنقطعة؟

[١] قطعاً كما في البرهان القاطع ، لما عرفت من أنه مقتضى قاعدة السلطنة على الملك.

[٢] لما ذكروه من أن أولى الناس بالميت في أحكامه أولاهم بميراثه التي نفى في الحدائق الخلاف فيها نصاً وفتوى. فتأمل. وفي جامع المقاصد : « الظاهر أن الحكم مجمع عليه ». وعن الخلاف والجامع : الإجماع عليه صريحاً. وترك التعرض من بعضهم لذلك في بعض الاحكام لا يقتضي الخلاف فيه ، لعدم تعرض أحد منهم لتحرير الخلاف ، بل الظاهر أن الوجه فيه الاتكال على ذكره له في غيره من الاحكام. بل ادعى بعض الإجماع على عدم الفرق بين الأحكام. ولأجل ذلك يصح التمسك على الكلية بما في المنتهى من قوله : « وأحق الناس بالصلاة عليه أولاهم بالميراث قاله علماؤنا » ونحوه كلام غيره.

ويستدل عليه بالنصوص الواردة في الغسل ، كخبر غياث بن إبراهيم الرزامي عن جعفر (ع) عن أبيه (ع) عن علي (ع) : « يغسل الميت‌

٥١

______________________________________________________

أولى الناس به » (١) ، ونحوه مرسل الفقيه عن علي (ع) (٢) وزاد : « أو من يأمره الولي بذلك ». والواردة في الصلاة عليه ، كمرسل بن أبي عمير « يصلي على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يحب » (٣) ، ونحوه مرسل البزنطي (٤). وخبر السكوني : « إذا حضر سلطان من سلطان الله تعالى جنازة فهو أحق بالصلاة عليها إن قدمه ولي الميت وإلا فهو غاصب » (٥) فان المراد من الأولى ان كان الأولى بالإرث ثبت المطلوب وإن كان الأولى به من كل جهة ـ كما يقتضيه حذف المتعلق ـ يستكشف من أولوية الوارث بالإرث كونه أولى بالميت في جميع الأمور ، إذ لا يمكن فرض كون غيره كذلك ، وإلا لكان ذلك الغير وارثاً. ويشهد ـ أيضاً ـ لحمل الأولى به على الأولى بالميراث ما ورد في قضاء الولي ، ففي بعضه أطلق الأولى به (٦) ، وفسر في بعض آخر بالأولى بالميراث (٧). كذا ذكره شيخنا الأعظم (ره).

ويشكل الأخير بأن تفسير الأولى بالأولى بميراثه في القضاء لا يقتضي تفسير الاولى به هنا ، لعدم التلازم بين المقامين ، مضافا الى أن المشهور ـ بل كاد أن يكون مسلماً بينهم ـ تخصيص القضاء بالولد الذكر الأكبر فكيف يمكن حمل المقام عليه؟ ويشكل الأول بأن الأولى به المذكور في نصوص المقام لا يراد به الأولى بالميت نفسه ، بل المراد الأولى بشأن من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب غسل الميت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب غسل الميت حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب صلاة الجنازة ، حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ٤.

(٦) الوسائل باب : ١٢ من أبواب قضاء الصلاة ، حديث : ٦ و ١٢ وباب : ٢٣ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٦.

(٧) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب أحكام شهر رمضان ، حديث : ٥.

٥٢

______________________________________________________

شؤونه ، وحينئذ يمتنع أن يراد من ذلك الشأن ما يعم الحكم المجعول له في هذه النصوص من الغسل والصلاة ونحوهما ، وإلا يلزم أخذ الحكم في موضوعه فيتعين إما حمل الأولى به على الأولى بالميراث ونحوه مما هو غير أحكام التجهيز ، أو حمل الأولوية على الأولوية العرفية ( يعني : أن الأولى شرعا بتغسيله هو الاولى عرفا به ) والثاني أقرب. والظاهر أن هذا هو المراد مما حكي عن المدارك من أن المراد من الأولى الأمس رحماً ، لا أن معنى الأولى الأمس رحما ، ضرورة أن الأولى الأحق والأجدر. لكن الأحقية بنظر العرف تكون بالأقربية في الرحم. ويشهد له ما في موثق زرارة : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ) (١) إنما عنى بذلك أولوا الأرحام في المواريث ، ولم يعن أولياء النعم ، فأولاهم بالميت أقربهم إليه من الرحم التي يجره إليها » (٢) ودعوى استكشاف الأقربية بالإرث ، ساقطة ، إذ لعل حكمة الإرث مبتلية على شي‌ء آخر ـ كما في الجواهر ـ ولذا لا يرث الجد مع ولد الولد مع أن الجد قد يكون أقرب من ولد الولد النازل ، كما أن كثرة النصيب وقلته كذلك.

هذا ويحتمل أن يكون المراد من الغسل ، والصلاة ، والأمر لمن يجب بذلك : فعلية هذه الافعال ، ويكون المراد من الاولى بالميت : من له ولاية ذلك شرعاً ( يعني : يغسل الميت ـ مثلا ـ من له ولاية ذلك شرعاً أو يأمر بالتغسيل من له ولاية الأمر به ). وحينئذ تكون النصوص مجملة لإجمال من له ولاية هذه الأفعال. نعم قد يكون مقتضى الإطلاق المقامي‌

__________________

(١) النساء : ٣٣.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب موجبات الإرث حديث : ١.

٥٣

______________________________________________________

تنزيله على من له ولاية ذلك عرفا الذي هو الأمس رحما ، فيرجع الى ما سبق أيضاً.

وأما ما يمكن أن يقال : من أن الآية ـ أعني قوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) ـ (١) رافعة لإجمال من له الولاية ، شارحة له. ففيه : أن الآية الشريفة مذكورة في سورتي الأنفال والأحزاب ، وظاهرها ـ ولا سيما في السورة الثانية ـ هو أولوية الأقارب من الأجانب ، قال تعالى في الثانية ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً ... ) (٢) وظاهر الجملة الأولى الولاية في الحياة ، وظاهر السياق يقتضي حمل الثانية على ذلك ، فيكون مفادها جعل الولاية للقريب دون الأجنبي ، فلا تدل على الترتيب بين طبقات الميراث في الولاية في ما نحن فيه. مضافاً الى ان الاستثناء فيها يقتضي حملها على الميراث ، فتكون الأولوية فيها من غير سنخ الأولوية المذكورة في الجملة الأولى ، فتكون أجنبية عما نحن فيه الذي هو الأولوية في التصرف. ويشهد بذلك الاستشهاد بها في كثير من النصوص على منع الأقارب الأجانب في الإرث (٣). نعم مقتضى الاستشهاد بها في بعض النصوص على حجب الأقرب للقريب الأبعد في الإرث (٤) ، وما ورد في الاستشهاد بها على إمامة ولد الحسين (ع) (٥) : أن يكون‌

__________________

(١) الأنفال : ٧٥.

(٢) الأحزاب : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب ميراث الأعمام والأخوال.

(٤) الوسائل باب : ٥ من أبواب ميراث الأعمام والأخوال.

(٥) الكافي باب ثبات الإمامة في الأعقاب حديث : ١ وباب نص الله ورسوله على الأئمة عليهم‌السلام حديث : ١ ، ٢ من كتاب الحجة وهكذا في الوافي باب ١٧ منه.

٥٤

فالطبقة الاولى ـ وهم الأبوان والأولاد ـ مقدمون على الثانية وهم الأخوة والأجداد ، والثانية مقدمون على الثالثة ، وهم الأعمام والأخوال. ثمَّ بعد الأرحام المولى المعتق ، ثمَّ ضامن الجريرة [١] ،

______________________________________________________

المراد بها ما يعم ترتيب أولوية الأقارب في الإرث ، وهو غير ما نحن فيه.

وأما صحيح هشام بن سالم عن الكناسي عن أبي جعفر عليه‌السلام ـ : « ابنك أولى بك من ابن ابنك ، وابن ابنك أولى بك من أخيك : قال : وأخوك لأبيك وأمك أولى بك من أخيك لأبيك ، وأخوك لأبيك أولى بك من أخيك لأمك. قال : وابن أخيك لأبيك وأمك أولى بك من ابن أخيك لأبيك ، وابن أخيك من أبيك أولى بك من عمك. قال : وعمك أخو أبيك من أبيه وامه أولى بك من عمك أخي أبيك من أبيه ، وعمك أخو أبيك من أبيه أولى بك من عمك أخي أبيك لأمه. قال : وابن عمك أخي أبيك من أبيه وأمه أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأبيه. قال : وابن عمك أخي أبيك من أبيه أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأمه » ـ (١) فمع انه لم يستوف تفصيل الاولى ، لا يوافق الكلية المذكورة ، لدلالته على أولوية المتقرب بالأب وحده على المتقرب بالأم وحدها من الاخوة ، والأعمام ، وأولادهم مع اشتراكهم في الميراث.

والمتحصل مما ذكرناه : ان العمدة في الكلية المشهورة ـ أعني : ان الأولى بأحكام الميت هو الاولى بميراثه ـ هو الإجماع المحكي صريحاً وظاهراً عليها. ولو أغمض عنه كان المدار في ترتيب الأولياء هو الأقربية في الرحم إلا ما خرج ، والطبقة الأولى غالباً أقرب من الثانية. وهي أقرب من الثالثة وسيأتي في المسألة الثانية بعض الكلام في ترتيب أهل كل طبقة فيما بينهم. والله سبحانه الموفق.

[١] للكلية المتقدمة ، دون آية ( أُولُوا الْأَرْحامِ ) ، كما هو ظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب موجبات الإرث حديث : ٢.

٥٥

ثمَّ الحاكم الشرعي ، ثمَّ عدول المؤمنين [١].

( مسألة ٢ ) في كل طبقة الذكور مقدمون على الإناث [٢] ،

______________________________________________________

[١] هذا ظاهر بناءً على الكلية المتقدمة ، إذ الولاية للإمام مع فقد من سبق ، لأنه الوارث ، وهما نائبان عنه من باب ولاية الحسبة ، لأن ولايته مانعة من التصرف ، والقدر المتيقن في الخروج عن مقتضاها تصرف الحاكم الشرعي أو المأذون منه. وتوهم كونهما نائبين عنه في التصرف من حيث كونه ولياً وارثاً. في غير محله ، لعدم ثبوت ذلك لهما بالنسبة إلى سائر الوراث الأولياء فضلا عن الامام. أما مع غض النظر عنها فيمكن القول بولايتهما على الترتيب المذكور من باب ولاية الحسبة ، لكنها تختص بما يكون مقتضى الأصل فيه المنع من التصرف ، وفي كون مقتضى الأصل في جميع أحكام الميت المنع اشكال ظاهر ، ولا سيما في مثل الصلاة والتلقين اللهم إلا أن يفهم من دليل جعل الولاية للولي ان الاحكام المذكورة منع الشارع من وقوعها من كل أحد ، فإذا فقد الولي الرحم كانا هما المرجع فيها لكونهما القدر المتيقن. لكن فهم ذلك لا يخلو من خفاء.

[٢] كما عن جماعة التصريح به. وفي القواعد : « الذكر من الوارث أولى من الأنثى » ، وفي المنتهى : « البالغ أولى من الصبي كذلك والرجل أولى من المرأة ، كل ذلك لا خلاف فيه ». وعن بعض نفي الريب فيه ، ووجهه غير ظاهر ، لأنه خلاف إطلاق القاعدة والآية الشريفة. وكون الرجل أقوى جنبة ، وأسد رأياً ، وأقرب الى الصلاح ، ونحو ذلك من التعليلات ، لا يصلح مستنداً لحكم شرعي. وما ورد من نفي القضاء على الأنثى لا مجال للعمل به في المقام. وتقديم الابن على الأم في خبر الكناسي ـ على ما قيل ـ لم أجده في ما يحضرني من نسخ الوسائل ، والحدائق » ،

٥٦

والبالغون على غيرهم [١] ، ومن متّ الى الميت بالأب والأم أولى ممن متّ بأحدهما [٢] ، ومن انتسب إليه بالأب أولى ممن انتسب إليه بالأم [٣]. وفي الطبقة الأولى الأب مقدم على الأم [٤] والأولاد [٥] ،

______________________________________________________

والجواهر ، ومرآة العقول ، وغيرها. ولذا حكي عن بعض القول بمشاركتها للذكور.

[١] لقصور نظر غير البالغ في حق نفسه ، ففي حق غيره أولى ، فتختص الولاية بالبالغ. ولا مجال لمشاركة ولي غير البالغ ، لاختصاص ولاية وليه في ما هو له ، وقد عرفت أنه ليس له ولاية النظر.

[٢] كما عن المشهور ، ويستفاد من خبر الكناسي ، لكنه خلاف إطلاق قولهم : « أولى بميراثه » ، بل وإطلاق آية ( أُولُوا الْأَرْحامِ ) لتساويهما في الأقربية إلى الميت على بعض محتملاتها الذي عليه يصح الاستدلال بها على ما نحن فيه.

[٣] كما يستفاد من خبر الكناسي‌.

[٤] لما تقدم في تقديم الذكر على الأنثى ، ولما يستفاد من خبر الكناسي من أن جانب الأب أولى رعاية. قيل : « ولأنه أقرب إلى إجابة الدعاء لأنه أشفق وأرق ». فتأمل.

[٥] ذهب إليه علماؤنا ، كما عن التذكرة ، ومذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفاً ، كما عن المدارك. واستدل له بانصراف إطلاق ما دل على أنه يصلي على الجنازة أولى الناس بها اليه. وفيه : أنه غير ظاهر. فإطلاق : « أولاهم بميراثه » ، وآية ( أُولُوا الْأَرْحامِ ) ، محكم لو لا كون الحكم مظنة الإجماع.

٥٧

وهم مقدمون على أولادهم [١]. وفي الطبقة الثانية الجد مقدم على الاخوة [٢] ، وهم مقدمون على أولادهم [٣]. وفي الطبقة الثالثة العم مقدم على الخال [٤] ، وهما على أولادهما [٥].

( مسألة ٣ ) إذا لم يكن في طبقة ذكور فالولاية للإناث [٦]. وكذا إذا لم يكونوا بالغين ، أو كانوا غائبين [٧] ، لكن الأحوط‌

______________________________________________________

[١] لأنهم أولى بميراثه ، وأقرب رحما الى الميت ، ولخبر الكناسي‌:

[٢] كما عن الشيخ ، والحلي ، ولم يتعرض له جماعة. وكون الجد وليا إجباريا دون الأخ لا يصلح وجهاً للتقديم ، ولا يطرد في الجد من الأم. كما أن كون الجد أقرب غير ظاهر ، لأن الأخ قد يتقرب بالأبوين فإطلاق : ( أولاهم بميراثه ) يقتضي مساواتهما في الولاية. وان كان الإنصاف انه لا يبعد كونه أقرب الى الميت عرفاً ، فيشمله عموم ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ ).

[٣] لما سبق في الأولاد.

[٤] كما عن الشيخ ، والحلي. ودليله غير ظاهر ، إلا ما قد يستفاد من خبر الكناسي من كون جانب الأب أولى بالرعاية من جانب الأم. فلاحظ.

[٥] لما تقدم في نظيره.

[٦] جزما كما في جامع المقاصد ، ونسبه بعض الى تصريح الأصحاب به ونفي الريب فيه ، لأنهن أولى بميراثه ، بناء على ما عرفت من القاعدة. ويدل عليه ـ أيضا ـ صحيح زرارة : « المرأة تؤم النساء؟ قال (ع) : لا ، إلا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها » (١).

[٧] وكذا في المجنون ، كما قربه في الذكرى ، وجامع المقاصد ،

__________________

(١) الوسائل ، باب : ٢٥ من أبواب صلاة الجنازة ، حديث : ١.

٥٨

الاستئذان من الحاكم ـ أيضاً ـ في صورة كون الذكور غير بالغين أو غائبين [١].

( مسألة ٤ ) إذا كان للميت أم وأولاد ذكور فالأم أولى [٢] لكن الأحوط الاستئذان من الأولاد أيضاً.

( مسألة ٥ ) إذا لم يكن في بعض المراتب إلا الصبي أو المجنون أو الغائب فالأحوط الجمع بين إذن الحاكم والمرتبة المتأخرة [٣] لكن انتقال الولاية إلى المرتبة المتأخرة لا يخلو عن قوة [٤].

______________________________________________________

وكشف اللثام. لأنهم بنقصهم كالمعدوم ، فلا يشملهم الدليل ، كما أشرنا إليه آنفاً.

[١] لاحتمال ثبوت حق لهما ، فمع قصور ولايتهما عن التصرف فيه يرجع الى وليهما. لكن عرفت ضعفه ، وأنه ليس مفاد الأدلة إلا مجرد ثبوت الولاية ، فإذا قصر عنها لم يشمله الدليل بالمرة. نعم يتم ذلك بالنسبة إلى الغائب ، إذ لا قصور في ولايته ، ومقتضى ذلك اشتراكه مع الحاضر في ذلك ، فلا يجوز التصرف إلا بعد مراجعة الحاكم الشرعي من باب ولاية الحسبة.

[٢] كأنه لبعض ما تقدم في تقديم الأب عليه مع أنها أقرب الى إجابة الدعاء لأنها أرق وأشفق. ولكنه ـ كما ترى ـ مناف لما تقدم من تقديم الذكر على الأنثى. وكأنه لأجل ذلك لم أقف في ما يحضرني على موافق لما في المتن ، بل عرفت من بعض حكاية تقديم الولد على الأم في خبر الكناسي وإن كنا لم نجده.

[٣] عرفت وجهه في المسألة الثالثة.

[٤] لعموم : « أولاهم بميراثه » ، وقوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ )

٥٩

وإذا كان للصبي ولي فالأحوط الاستئذان منه أيضاً [١].

( مسألة ٦ ) إذا كان أهل مرتبة واحدة متعددين يشتركون في الولاية [٢] فلا بد من إذن الجميع ، ويحتمل تقدم الأسن [٣].

( مسألة ٧ ) إذا أوصى الميت في تجهيزه الى غير الولي ،

______________________________________________________

بعد البناء على سقوط القاصر عن مقام الولاية وعدم شمول الدليل له كالمعدوم لكن في جامع المقاصد قال : « ومع فقد الكامل في تلك الطبقة ففي الانتقال إلى الأبعد تردد ». وفي الجواهر : « ان الأقوى السقوط » ، لان تنزيل القاصر منزلة المعدوم على نحو يكون دليل الولاية شاملا للطبقة اللاحقة غير ظاهر ، كيف؟ ولا ريب في أن القاصر أولى بالميراث وأمس رحماً بالميت ممن بعده ، فاذا لم يشمله دليل الولاية لقصوره لا يكون شاملا لمن بعده بعد ما لم يكن موضوعاً له لعدم كونه وارثاً. نعم إذا كان غائباً يتعين الاستئذان من الحاكم الشرعي كما عرفت في المسألة الثالثة. وفي غيره يجوز التصرف لكل أحد ، إلا إذا تمَّ ما ذكره أخيراً في ولاية الحاكم والعدول ، وقد عرفت أنه لا يخلو من خفاء.

[١] قد عرفت وجهه‌

[٢] لكون نسبة الدليل الى الجميع نسبة واحدة.

[٣] كما هو ظاهر الحدائق حيث جعله المفهوم مما دل على اختصاص القضاء بالأكبر سناً. وفيه : أن ظاهر قوله (ع) في الصحيح : « يقضي عنه أكبر ولييه » (١) هو ثبوت الولاية لهما معاً ، وتخصيص القضاء به أعم من اختصاصه بالولاية ، فإطلاق الدليل الدال على ولايتهما معاً لا موجب للخروج عنه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٣.

٦٠