مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٠٩

( مسألة ٢ ) : إذا كان في محل المسح لحم زائد يجب مسحه [١] أيضاً ، وإذا كانت يد زائدة فالحكم فيها كما مر في الوضوء [٢].

( مسألة ٣ ) : إذا كان على محل المسح شعر يكفي المسح عليه [٣] وإن كان في الجبهة بأن يكون منبته فيها. وأما إذا كان واقعاً عليها من الرأس فيجب رفعه ، لأنه من الحائل.

( مسألة ٤ ) : إذا كان على الماسح أو الممسوح جبيرة يكفي المسح بها أو عليها [٤].

______________________________________________________

[١] لأنه معدود جزءاً منه عرفاً.

[٢] ومر الكلام فيه فراجع.

[٣] قد يشكل ذلك بما سبق في مسح الرجلين من أن الشعر خارج عن الجبهة والكفين ، فالاجتزاء بمسحه خلاف ظاهر ما دل على وجوب مسحهما. اللهم إلا أن يقال : البناء على وجوب مسح البشرة وازالة الشعر بالحلق ونحوه حرجي نوعاً ، لغلبة نبات الشعر في ظهر الكف وكثرته في الجبهة ، فلو بني عليه لكثر الهرج والمرج ، فإهمال السؤال عن مثل ذلك يدل على وضوح كون المراد من الممسوح ما يعم الشعر. وكأنه الى ذلك أشار في الجواهر حيث استدل على عدم وجوب استبطان الشعر في الأغم بالعسر والحرج ، ولو أراد العسر والحرج الشخصيين ـ كما هو ظاهره ـ ففي إطلاقه تأمل ظاهر.

[٤] بلا خلاف يعرف كما في الجواهر. وفي غيرها : دعوى الاتفاق عليه. وهذا هو العمدة فيه ، وإلا فقد عرفت الإشكال في قاعدة الميسور كلية ، كما عرفت الإشكال في مثل رواية عبد الأعلى (١) ونحوها مما ورد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب الوضوء حديث : ٥‌

٤٢١

( مسألة ٥ ) : إذا خالف الترتيب بطل وإن كان لجهل أو نسيان [١].

( مسألة ٦ ) : يجوز الاستنابة عند عدم إمكان المباشرة [٢] فيضرب النائب بيد المنوب عنه ويمسح بها وجهه ويديه [٣]. وإن لم يمكن الضرب بيده فيضرب بيده نفسه.

______________________________________________________

في وضوء الجبيرة ، وأنها إنما تدل على نفي جزئية ما هو حرجي لا وجوب الباقي. وقد تقدم في وضوء الجبيرة ما له نفع في المقام. فراجع.

[١] لإطلاق دليل اعتباره.

[٢] بل تجب بلا خلاف. وفي المدارك : نسبته إلى علمائنا. ويشهد له ما ورد في الكسير والمجدور مثل ما في مصحح ابن أبي عمير عن ابن مسكين وغيره من قول الصادق (ع) : « ألا يمموه إن شفاء العي السؤال » (١) ، ومرسله : « ييمم المجدور والكسير إذا أصابتهما جنابة » (٢). ونحوه مرسل الفقيه (٣).

[٣] كما في ظاهر الذكرى وفي جامع المقاصد والمدارك ، بل في الجواهر : « لم أقف على قائل بغيره. نعم في الذكرى عن الكاتب : أنه يضرب الصحيح بيده ثمَّ يضرب (٤) بيدي العليل. ثمَّ قال : ولم نقف على مأخذه » انتهى ما في الجواهر ووجهه ظهور الأدلة في قيام النائب مقام المنوب عنه فيما يعجز عنه لا غير ، فمع إمكان الضرب بيده العليل يجب ، لأنه بعض الواجب ، ومع العجز عنه يضرب النائب بيده. وإطلاق‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب التيمم حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب التيمم حديث : ١٠‌

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب التيمم حديث : ١٢‌

(٤) يعني : يضرب بيديه على يدي العليل منه مد ظله‌

٤٢٢

( مسألة ٧ ) : إذا كان باطن اليدين نجساً وجب تطهيره إن أمكن ، والا سقط اعتبار طهارته [١] ، ولا ينتقل الى الظاهر إلا إذا كانت نجاسته مسرية الى ما يتيمم به ولم يمكن تجفيفه [٢].

______________________________________________________

الأمر بالتولية في كلامهم منزل على ذلك أيضاً. ولا ينافيه ما ورد من أمر الصادق (ع) الغلمة بأن يغسلوه لما كان شديد الوجع (١) ، حيث أن الظاهر منه توليهم الغسل مع تمكن الغلمة من مباشرة بعض الغسل بيديه (ع). للفرق بأن اليد في الغسل ليست دخيلة في مفهومه بخلاف اليد في التيمم ، فمع إمكان المسح بها لا مجال للاكتفاء بيد النائب. ومن ذلك يظهر الاشكال فيما في الجواهر حيث توقف في الترتيب المذكور في المتن لما ذكر. فراجع.

ولو تمكن من المسح بيدي العليل ولم يتمكن من الضرب بهما ، ففي كشف اللثام : « لا يبعد وجوب ضرب الصحيح يديه على الأرض ، ثمَّ ضربهما على يدي العليل ، ثمَّ المسح بيدي العليل على أعضائه كما قال أبو علي ». وفيه : ـ كما في الجواهر ـ أنه لا يصدق المسح حينئذ بالأرض أي : بما ضربها به.

[١] لعدم انعقاد الإجماع عليها في الفرض لو فرض في غيره.

[٢] لإطلاق دليل اعتبار طهارة ما يتيمم به ، فيتعين الضرب بالظاهر لعدم الدليل على اعتبار الباطن حينئذ ، بل قد عرفت الإشكال في اعتباره اختياراً.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب التيمم حديث : ٣‌

٤٢٣

( مسألة ٨ ) : الأقطع بإحدى اليدين يكتفي بضرب الأخرى [١] ومسح الجبهة بها ثمَّ مسح ظهرها بالأرض ، والأحوط الاستنابة لليد المقطوعة ، فيضرب بيده الموجودة مع يد واحدة للنائب ويمسح بهما جبهته ، ويمسح النائب ظهر يده الموجودة والأحوط مسح ظهرها على الأرض أيضاً. وأما أقطع اليدين : فيمسح بجبهته على الأرض والأحوط مع الإمكان الجمع بينه وبين ضرب ذراعيه والمسح بهما وعليهما.

______________________________________________________

[١] أما وجوب التيمم في الجملة : فالظاهر أنه لا إشكال فيه في الأول. وهذا هو العمدة فيه لا قاعدة الميسور ، ولا قوله : « لا تسقط الصلاة بحال » ولا استصحاب بقاء التكليف ، مما عرفت إشكاله. إذ القاعدة لا دليل عليها. والخبر تقدم الكلام فيه في فاقد الطهورين. والاستصحاب محكوم بأدلة الشرطية والجزئية. وأما وجوب التيمم في أقطع اليدين : ففي المبسوط : أنه يسقط عنه فرض التيمم انتهى. وحينئذ تشكل دعوى الإجماع عليه. وأما كيفيته : فغير ظاهرة من الأدلة ، ومقتضى العلم الإجمالي : وجوب الاحتياط في الفرض الأول بالجمع بين الكيفيات المحتملة من مسح الكف بالأرض ، والضرب بالذراع بدلاً عن الكف المقطوعة ، والاستنابة. وفي الفرض الثاني : الجمع بين مسح الجبهة بالأرض ، وضرب الذراعين بدلاً عن الكفين ، ومسح الجبهة بهما ، والاستنابة. والجزم بالاكتفاء بالأول في الأول مشكل. وأشكل منه جعل الأحوط الأخير. مع أن الثاني أقرب منه. وأشكل من ذلك التفرقة في المتن بين أقطع اليد الواحدة وأقطع اليدين ، حيث لم يذكر الثاني في الأول ، ولم يذكر الثالث في الثاني. فتأمل جيداً.

٤٢٤

( مسألة ٩ ) : إذا كان على الباطن نجاسة لها جرم يعد حائلا ولم يمكن إزالتها فالأحوط الجمع بين الضرب به والمسح به والضرب بالظاهر والمسح به [١].

( مسألة ١٠ ) : الخاتم حائل فيجب نزعه حال التيمم.

( مسألة ١١ ) : لا يجب تعيين المبدل منه مع اتحاد ما عليه. وأما مع التعدد كالحائض والنفساء فيجب تعيينه [٢] ولو بالإجمال.

( مسألة ١٢ ) : مع اتحاد الغاية لا يجب تعيينها [٣] ،

______________________________________________________

[١] حيث عرفت أن مقتضى الإطلاق الاكتفاء بضرب الظاهر فالاكتفاء بضربه هنا في محله. والاحتياط حسن على كل حال.

[٢] لاختلاف حقيقة التيمم باختلاف المبدل منه ، نظير اختلاف صلاتي الظهر والعصر وصلاة الفجر ونافلتها. إذ مع اختلاف الحقيقة لا بد من القصد ، ليتحقق القصد إلى المأمور به المعتبر في وقوعه عبادة مقرباً وعليه لا فرق في وجوب التعيين بين اتحاد ما عليه وتعدده. نعم مع الاتحاد يكفي في التعيين قصد ما عليه ، ولا يكفي ذلك مع التعدد. أما مع عدم الاختلاف فيها فلا موجب للقصد ، بل لا مجال له ، لأنه فرع التعين الواقعي ، والمفروض عدمه ، كما تكرر التعرض لذلك في هذا الشرح.

[٣] قصد الغاية إنما يحتاج اليه بما أنه عبرة لقصد أمرها المصحح لعبادية التيمم ، حيث أنه لا أمر به نفسي ليتقرب به ، فالمقرب إنما هو الأمر بالغاية ، فقصدها راجع الى قصد الأمر بها ، فمع اتحاد الغاية يكفي قصدها إجمالا ، ولا مجال للتعيين ، لأنه فرع التعدد والاختلاف. ومع تعددها لا بد إما من قصد الجميع أو قصد واحدة بعينها ، لأن قصد الواحدة المرددة يرجع الى قصد الأمر المردد واقعاً ، وهو مما لا وجود له.

٤٢٥

ومع التعدد يجوز قصد الجميع ، ويجوز قصد ما في الذمة [١] ، كما يجوز قصد واحدة منها فيجزئ عن الجميع [٢].

( مسألة ١٣ ) : إذا قصد غاية فتبين عدمها بطل [٣]. وإن تبين غيرها صح له إذا كان الاشتباه في التطبيق [٤] ، وبطل إن كان على وجه التقييد.

( مسألة ١٤ ) : إذا اعتقد كونه محدثاً بالأصغر فقصد البدلية عن الوضوء فتبين كونه محدثاً بالأكبر ، فإن كان على وجه التقييد بطل ، وإن كان من باب الاشتباه في التطبيق أو قصد ما في الذمة صح. وكذا إذا اعتقد كونه جنباً فبان عدمه وأنه ماس للميت مثلا.

( مسألة ١٥ ) : في مسح الجبهة واليدين يجب إمرار الماسح على الممسوح [٥] ، فلا يكفي جر الممسوح تحت الماسح. نعم لا تضر الحركة اليسيرة في الممسوح إذا صدق كونه ممسوحاً.

______________________________________________________

[١] هذا راجع الى قصد الجميع إجمالا.

[٢] لأنه بقصد غاية واحدة يصح فيترتب عليه عامة آثاره.

[٣] لانتفاء مشروعيته.

[٤] تقدم الكلام في ذلك في الوضوء وغيره. فراجع. وكذا المسألة الآتية.

[٥] كما تقدم منه في الوضوء. وقد تقدم أنه لا يخلو عن إشكال ، لصحة قولنا : « مسحت يدي بالجدار أو بالأرض » بلا عناية ولا تجوز. وحمله على القلب خلاف المرتكز منه عرفا ، إذ المصحح لدخول الباء على آلة المسح ليس هو مرورها على الممسوح مع سكونه ، بل المصحح كون الآلة غير مقصودة بالأصالة ، فإذا كانت الأرض قذرة صح قولنا : « امسح‌

٤٢٦

( مسألة ١٦ ) : إذا رفع يده في أثناء المسح ثمَّ وضعها بلا فصل وأتم ، فالظاهر كفايته [١] ، وإن كان الأحوط الإعادة.

( مسألة ١٧ ) : إذا لم يعلم أنه محدث بالأصغر أو الأكبر يكفيه تيمم واحد بقصد ما في الذمة.

( مسألة ١٨ ) : المشهور على أنه يكفي فيما هو بدل عن الوضوء ضربة واحدة للوجه واليدين [٢]. ويجب التعدد فيما هو بدل عن الغسل والأقوى كفاية الواحدة فيما هو بدل عن الغسل أيضاً ، وإن كان الأحوط ما ذكره ، وأحوط منه التعدد في بدل الوضوء أيضاً. والأولى أن يضرب بيديه ويمسح بهما‌

______________________________________________________

الأرض بيدك » ، ولا يصح قولنا : « امسح يدك بالأرض ». وإذا كانت اليد قذرة كان الأمر بالعكس. وإذا أريد تطهير الجبهة باليد لما في اليد من الأرض صح قولنا : « امسح الجبهة بيدك » ، ولا يصح : « امسح يدك بالجبهة » وإذا أريد العكس كان الأمر بالعكس ، فالمصحح لدخول الباء على الشي‌ء كونه ملحوظاً آلة لإحداث أثر في الممسوح ، لا مروره وحركته على الممسوح مع سكونه ، كما يظهر بالتأمل في موارد الاستعمال. فتأمل جيداً.

[١] لإطلاق الأدلة. ودعوى ظهورها في كون المسح وجوداً واحداً متصلا ، غير ظاهرة.

[٢] كما في المنتهى وكشف اللثام ، وعن المختلف ومجمع البرهان وغيرها بل عن الأمالي أنه من دين الإمامية ، وعن ظاهر التهذيب والتبيان ومجمع البيان : أنه مذهب الشيعة. وعن السيد المرتضى : أنه ضربة واحدة في الجميع. وحكي أيضاً عن المفيد في الغرية وابني الجنيد وأبي عقيل. وعن‌

٤٢٧

______________________________________________________

علي بن بابويه : أنه ضربتان في الجميع. وحكي عن جماعة من القدماء ومنهم المفيد في الأركان.

والوجه في الأول : أنه مقتضى الجمع بين النصوص الدال بعضها على الاكتفاء بالضربة الواحدة مطلقاً ، كموثق زرارة : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن التيمم فضرب بيده الى الأرض ، ثمَّ رفعها فنفضها ، ثمَّ مسح بها جبينه وكفيه مرة واحدة » (١). ونحوه خبر عمرو بن أبي المقدام (٢) ، وحسن الكاهلي (٣) ، وصحيح أبي أيوب الخزاز (٤) ، وخبر زرارة (٥) ، وصحيحه المروي في الفقيه (٦) ، والآخر المروي في التهذيب (٧) ، وموثقه المروي في مستطرفات السرائر (٨) ، وخبر داود ابن النعمان‌ ( ٩) ، وأكثرها أخبار بيانية بالفعل. والدال بعضها على اعتبار الضربتين ، كصحيح إسماعيل بن همام عن الرضا (ع) : « التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين » (١٠) ، ومصحح محمد عن أحدهما (ع) : « عن التيمم فقال (ع) : مرتين مرتين للوجه واليدين » (١١) ، وصحيحه الآخر : « سألت أبا عبد الله (ع) عن التيمم. فضرب بكفيه الأرض ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٣‌

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٦‌

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ١‌

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٢‌

(٥) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٧‌

(٦) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٨‌

(٧) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٥‌

(٨) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٩‌

(٩) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٤‌

(١٠) الوسائل باب : ١٢ من أبواب التيمم حديث : ٣‌

(١١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب التيمم حديث : ١‌

٤٢٨

______________________________________________________

ثمَّ مسح بهما وجهه ، ثمَّ ضرب بشماله الأرض فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع واحدة على ظهرها وواحدة على بطنها ، ثمَّ ضرب بيمينه الأرض ثمَّ صنع بشماله كما صنع بيمينه .. » (١) وخبر ليث في التيمم : « تضرب بكفيك على الأرض مرتين ثمَّ تنفضهما وتمسح بهما وجهك وذراعيك » (٢).

والشاهد على الجمع المذكور ما في المنتهى : أنه روى الشيخ في الصحيح عن الصادق (ع) : « أن التيمم للوضوء مرة واحدة ومن الجنابة مرتان » (٣) ، والمرسل المستفاد مما عن جمل المرتضى والغنية وغيرهما من نسبه التفصيل إلى رواية أصحابنا (٤). وفي السرائر : نسبته إلى الأظهر في الروايات (٥) ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « قلت له : كيف التيمم؟ قال (ع) : هو ضرب واحد للوضوء ، والغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثمَّ تنفضهما نفضة للوجه ومرة لليدين .. » (٦) بناء على أن الواو في قوله (ع) : « والغسل من .. » استئنافية لا عاطفة للغسل على الوضوء.

هذا وفي صلاحية ما ذكر للشهادة بالجمع المذكور تأمل ظاهر. أما صحيح المنتهى : فقد طعن فيه جماعة ـ منهم السيد في المدارك ـ بأنه لا وجود له في كتب الشيخ ولا في غيرها ، وإنما هو توهم من عبارة الشيخ في التهذيب توهم ذلك ، فإنه بعد ما جمع بين الأخبار المتقدمة بالحمل على التفصيل المذكور ، قال (ره) : « مع أنا أوردنا خبرين مفسرين لهذه الأخبار ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب التيمم حديث : ٥‌

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب التيمم حديث : ٢‌

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب التيمم حديث : ٨‌

(٤) مستدرك الوسائل باب : ١٠ من أبواب التيمم حديث : ٣‌

(٥) السرائر باب التيمم صفحة : ٢٦‌

(٦) الوسائل باب : ١٢ من أبواب التيمم حديث : ٤‌

٤٢٩

______________________________________________________

أحدهما عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (ع) ، والآخر عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن مسلم عن أبي عبد الله (ع) : أن التيمم من الوضوء مرة واحدة ومن الجنابة مرتان .. » ومن الظاهر بل المقطوع به أن ما ذكره حاصل ما فهمه من معنى الخبرين لا متنهما ، إذ المراد من الأول صحيح زرارة المتقدم في بيان شاهد التفصيل‌ ، ومن الثاني صحيح ابن مسلم المتقدم في نصوص التعدد المذيل بقوله (ع) : « هذا التيمم على ما كان فيه الغسل وفي الوضوء الوجه واليدين الى المرفقين ، وألقى ما كان عليه مسح الرأس والقدمين فلا ييمم بالصعيد ». واحتمال أن العلامة (ره) قد وقف على الخبر في كتب الشيخ من دون أن يقف عليه أحد سواه مما لا مجال للاعتماد عليه ، ولا سيما مع اعتبار الوثوق في حجية الرواية.

وأما المراسيل : فالظاهر أنها هي المسانيد التي أشار إليها الشيخ وفهم منها التفصيل ، إذ من البعيد عثور هؤلاء الجماعة عليها من دون أن يعثر عليها أحد سواهم. مع أن الإرسال مانع من الاعتماد عليها ، ومجرد الموافقة لفتوى المشهور غير كافية في الجبر.

وأما صحيح زرارة : فدلالته غير ظاهرة ، بل الظاهر من قوله (ع) : ضرب واحد أنه نوع واحد. والغسل معطوف على الوضوء ، إذ حمل الواو على الاستئناف يوجب كون المراد : أن الغسل هو أن تضرب لا التيمم وهو كما ترى. مع أنه لا داعي إلى ارتكاب دعوى حذف « ان » أو غيرها ليصح الحمل ، ولا إلى دعوى اختلاف سياق الجواب ، حيث أن حمل الضرب على الضربة يوجب مخالفة بيان التيمم في الوضوء لبيانه في الغسل. نعم رواه المحقق (ره) في المعتبر هكذا : « ضربة واحدة للوضوء وللغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثمَّ تنفضهما مرة للوجه ومرة‌

٤٣٠

______________________________________________________

لليدين » (١). ودلالته على التفصيل ظاهرة. غير أن المحقق انفرد بروايته كذلك فلا مجال للاعتماد عليه ، وإن كان يؤيده دعوى الشيخ أنه شاهد على التفصيل ، وأن قوله (ع) فيه : « هو ضرب واحد » لو كان المراد منه أنه نوع واحد لم يكن جواباً عن السؤال ، بل كان ذكره تطفلاً ، وحينئذ لا يناسب وقوعه في صدر الجواب. وأيضاً فإن استعمال الضرب بمعنى النوع نادر ، فلا يحمل عليه الكلام ، ولا سيما إذا لزم منه المخالفة لقرينة السياق. لكن هذا المقدار لا يوجب دخوله في موضوع الحجة ، ولا صلاحيته لمعارضة ما في التهذيب الذي قد عرفت ظهوره في التعدد في بدلي الوضوء والغسل من الجنابة.

وأما صحيح ابن مسلم الذي ادعى الشيخ أنه مفسر للنصوص : فدلالته موقوفة على كون الغسل بالضم مقابل الوضوء ، وقوله (ع) : « وفي الوضوء .. » جملة استئنافية ، ويكون وجه المقابلة بين الغسل والوضوء تعدد الضرب في الأول والاتحاد في الثاني. لكن ذلك كله خلاف الظاهر فان الظاهر كون الغسل بالفتح مقابل المسح ، ويكون المراد : التيمم إنما يكون للأعضاء المغسولة لا الممسوحة. ولا سيما بناء على روايته بإسقاط حرف العطف ، كما في بعض الكتب. ويشهد له أيضاً جر الوجه واليدين لكونهما بدلا عن « ما » المجرورة بـ « على » في الجملة السابقة. والبناء على التقدير فيه ، كما ترى. فيكون الصحيح المذكور كالصريح في التعدد في الوضوء.

ثمَّ إن العلامة في المختلف جمع بين النصوص المذكورة بذلك معللا بأنه لا يمكن صرف الكثرة الى ما هو بدل الوضوء ، فان وجوب الاستيعاب‌

__________________

(١) المعتبر صفحة : ١٠٧ ـ مسألة : ٣ من الفصل الثالث في كيفية التيمم‌

٤٣١

______________________________________________________

في الغسل يناسب كثرة الضربات ، وعدم استيعابها في الوضوء يناسب وحدتها. ولأنهما حدثان مختلفان في المبدل فيختلفان في البدل. انتهى. وتبعه على ذلك في جامع المقاصد وغيره. وهو كما ترى ، إذ هو استحسان محض لا يصلح للحجية.

فالمتعين إذاً الجمع بين النصوص بغير ما ذكر ، إما بتقييد الأولى بالثانية ، أو حمل الثانية على الاستحباب ، أو التقية. والأول وإن كان يقتضيه صناعة الجمع العرفي لتقدمه على الأخيرين ـ وعليه بني القول بالضربتين مطلقاً ـ لكنه بعيد عن سياق نصوص الاتحاد ، فان خلوها عن التعرض للضربة الثانية يوجب ظهورها في كون مسح الكفين بأثر الضربة الأولى لا بغيرها ، فهي ليست من قبيل المطلق كي تقوى نصوص التعدد على تقييده. اللهم إلا أن تحمل ـ بواسطة نصوص التعدد ـ على أنها ليست في مقام البيان من هذه الجهة ، ولأجل ذلك أهمل فيها بعض ما يعتبر في التيمم ، كغيرها من الأخبار البيانية في الوضوء وغيره. ثمَّ إنه قد يتوهم أن مصحح زرارة المتقدم في نصوص الوحدة صريح في الاكتفاء بالضربة الواحدة ، ونحوه ما رواه ابن أبي المقدام‌. ولكنه كما ترى ، لأن المتيقن رجوع القيد الى المسح ، ورجوعه الى الضرب غير ظاهر. وعدم معرفة الخلاف في الاكتفاء بالمسحة الواحدة غير كاف في الإرجاع إلى الضرب ، لإمكان أن ينقدح التعدد في ذهن السائل لأي سبب كان كما لا يخفى. كما أنه قد يورد على التفصيل المتقدم بأنه خلاف ما دل على التسوية بين ما هو بدل الوضوء وما هو بدل الغسل ، كموثق عمار : « عن التيمم من الوضوء والجنابة ومن الحيض للنساء سواء؟ فقال (ع) : نعم » (١).

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب التيمم حديث : ٦‌

٤٣٢

جبهته ويديه ، ثمَّ يضرب مرة أخرى ويمسح بها يديه [١]. وربما يقال : غاية الاحتياط أن يضرب مع ذلك مرة أخرى يده اليسرى ويمسح بها ظهر اليمنى ، ثمَّ يضرب اليمنى ويمسح بها ظهر اليسرى [٢].

______________________________________________________

وفيه : أنه يمكن حمل التسوية فيه على التسوية في الممسوح وإن كان خلاف الظاهر ، لكن لا بأس بارتكابه إذا اقتضاه الجمع العرفي. ولكن الشأن في ذلك ، فان المتحصل من جميع ما ذكرنا سقوط القول بالتفصيل ، لأنه خلاف صحيحي زرارة ومحمد المتقدمين في شاهد الجمع عليه كما عرفت ، وخلاف ظاهر موثق عمار المتضمن للتسوية ، فيتعين الجمع بالتصرف في نصوص الوحدة ، كما عليه العمل في غير المقام من النصوص البيانية قولية أو فعلية فإنه أولى من حمل نصوص التعدد على الاستحباب ، فإنه بعيد عن سياقها جداً : كما أنه أولى من حملها على التقية. ومن القريب جداً أن تكون النصوص البيانية واردة لدفع توهم لزوم مباشرة البدن للتراب ، ولزوم الاستيعاب لمواضع الغسل كما وقع من عمار ( رض ) ، فاشتملت على بيان الضرب وعدم الاستيعاب ، فتحمل النصوص على ذلك جمعاً. فلا مجال ـ على هذا ـ لحمل نصوص التعدد على التقية لموافقتها للعامة. إذ فيه : أن الترجيح بمخالفة العامة فرع تعذر الجمع العرفي بأحد الوجهين السابقين. مع أن الاقتصار على الضربة الواحدة والاكتفاء بمسح الكف منقول عن بعض الصحابة والتابعين ، وعن جماعة من فقهاء المخالفين وجمهور محدثيهم. فلاحظ.

[١] الوجه في الأولوية احتمال أن يكون الضرب الثاني موجباً لكون مسح اليدين بأثره لا بأثر الضرب الأول كما هو معتبر على القول الأول.

[٢] الوجه فيه صحيح ابن مسلم المتقدم (١) الدال على التفريق في‌

__________________

(١) تقدم في أول المسألة‌

٤٣٣

______________________________________________________

الضربة الثانية. وعن والد الصدوق والمجالس : العمل به ، وعن بعض المتأخرين : أنه استحسنه. لكن الصحيح لا يصلح لإثباته ، لندرة القائل به وإعراض المشهور عنه ، اللهم إلا أن يكون الوجه في الاعراض بناءهم على أن اشتماله على مسح الذراعين قرينة على وروده مورد التقية ، فحينئذ لا يسقطه عن الحجية إذا منعت تلك القرينة ، ولا سيما إذا عمل به مثل الصدوق ووالده. وكذا مثل المحقق ، حيث خير بين الدفعة والتفريق ، عملا به وبغيره ، بناء منه على ظهور غيره في الدفعة ، وأن الجمع العرفي بينهما يقتضي التخيير. لكن منع القرينة غير ظاهر ، فإنه خلاف مبنى العقلاء في أصالة الجهة ، فلا مجال لرفع اليد عما دل على اعتبار الدفعة.

تنبيه

إذا بني على اختلاف كيفية التيمم قد يشكل الحال في غير الجنابة من أسباب الغسل ، بناء على كون شاهد الجمع صحيح المنتهى ومراسيل الجماعة المتقدمة وصحيح زرارة‌ ، لاختصاص الجميع بالجنابة ، والتعدي عنها الى غيرها من أسباب الغسل يحتاج الى فهم عدم الخصوصية ، أو ثبوت إطلاق مقامي لدليل التيمم لسائر الأسباب ، لينزل على التيمم للجنابة لا للوضوء ، لصلاحيته للاعتماد عليه دون ما للوضوء. لكن فهم عدم الخصوصية محتاج إلى عناية كما لا يخفى ، والدليل على التيمم لكل سبب سبب بالخصوص مفقود ، وأدلة البدلية الكلية مجملة من هذه الحيثية. نعم في صحيح أبي بصير : « سألته عن تيمم الحائض والجنب سواء إذا لم يجد ماء؟ قال (ع) : نعم » (١). وهو كاف في إلحاق الحيض بالجنابة. فيبقى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب التيمم حديث : ٧‌

٤٣٤

( مسألة ١٩ ) : إذا شك في بعض أجزاء التيمم بعد الفراغ منه لم يعتن به وبنى على الصحة ، وكذا إذا شك في شرط من شروطه [١]. وإذا شك في أثنائه قبل الفراغ في جزء أو شرط : فان كان بعد تجاوز محله بنى على الصحة [٢] ، وإن كان قبله أتى به وما بعده ، من غير فرق بين أن يكون بدلا عن الوضوء أو الغسل ، لكن الأحوط الاعتناء به مطلقاً وإن جاز محله ، أو كان بعد الفراغ ما لم يقم عن مكانه ، أو لم ينتقل الى حالة أخرى على ما مر في الوضوء ، خصوصاً فيما هو بدل عنه [٣].

( مسألة ٢٠ ) : إذا علم بعد الفراغ ترك جزء يكفيه العود اليه [٤] والإتيان به وبما بعده مع عدم فوت الموالاة ، ومع فوتها وجب الاستيناف. وإن تذكر بعد الصلاة وجب إعادتها‌

______________________________________________________

الإشكال في غيره من الأسباب. إلا أن يدفع بما في الجواهر من حكاية الإجماع على عدم الفرق بين أسباب الغسل. فتأمل جيداً.

[١] لقاعدة الفراغ المشار إليها في الوضوء.

[٢] لقاعدة التجاوز. وسقوطها في الوضوء للدليل الخاص به لا يقتضي سقوطها هنا ، لعدم الدليل على هذا الإلحاق. ودعوى : أن الوجه في سقوطها في الوضوء كون الأثر المقصود منه هو الطهارة وهو أمر بسيط فلو حظ كأنه عمل بسيط ، وهذا المعنى مشترك بين الطهارات كلها. غير ثابتة ، فالخروج عن إطلاق دليل قاعدة التجاوز في غير محله ، كما تقدمت الإشارة إليه في الوضوء : فراجع.

[٣] لاحتمال كون البدلية لها دخل في الإلحاق.

[٤] لإطلاق الأدلة.

٤٣٥

أو قضاؤها [١]. وكذا إذا ترك شرطاً مطلقاً ما عدا الإباحة في الماء أو التراب فلا تجب إلا مع العلم [٢] والعمد كما مر.

فصل في أحكام التيمم‌

مسألة ١ ) : لا يجوز التيمم للصلاة قبل دخول وقتها [٣]

______________________________________________________

[١] لبطلان الصلاة بفقد الطهور.

[٢] كما سبق.

فصل في أحكام التيمم‌

[٣] إجماعاً كما عن المعتبر والنهاية والتحرير والدروس والتنقيح وجامع المقاصد والروض وغيرها ، وفي الذكرى والقواعد والمدارك والجواهر والمستند وغيرها. وكأنه لهذا الإجماع يجب الخروج عن مقتضى القواعد الأولية المقتضية لوجوب الطهارة قبل الوقت كغسل الجنب والمستحاضة للصوم قبل الفجر ، إما للبناء على كون الوقت شرطاً للواجب لا للوجوب فيكون الوجوب من قبيل الوجوب المعلق لا المشروط ، فيكون حالياً قبل الوقت والواجب استقبالياً. فيترشح منه وجوب غيري حالي أيضاً فيبعث الى فعل المقدمة. أو للبناء على كون الوجوب النفسي مشروطاً بالوقت لكن الوجوب الغيري غير مشروط به. أو للبناء على كون الوجوب الغيري وإن كان مشروطاً بالوقت أيضاً كالوجوب النفسي لكنه على نحو الشرط المتأخر ، وإن كان اشتراط الوجوب النفسي به على نحو الشرط المتقدم ، فيختلف الوجوبان في نحو الاشتراط وإن كانا متفقين في أصل الاشتراط ، وذلك الاختلاف ناشئ من اختلاف ملاكيهما في نحو الإناطة. أو للبناء على كون الوجوب النفسي مشروطاً بالوقت بوجوده اللحاظي‌

٤٣٦

______________________________________________________

الذهني لا الخارجي الحقيقي ، فقبل تحقق الشرط في الخارج يكون الوجوب حاصلا لكنه منوط لا مطلق ، وإذا كان موجوداً قبل تحقق الشرط خارجاً كان الوجوب الغيري كذلك ، فيكون باعثاً الى فعل المقدمة قبل تحقق الشرط. أو للبناء على كون المقدمة قبل الوقت واجبة وجوباً تهيئياً. وهذه الوجوه كلها مذكورة في تقريب عبادية المقدمات العبادية قبل الوقت مع قطع النظر عن الأمر بها من جهة أخرى.

لكن يشكل الأخير : بأنه لا معنى للوجوب التهيئي إلا الوجوب الغيري ، كما عن كشف اللثام الاعتراف به. ويشكل ما قبله : بأنه لو سلم وجود الوجوب النفسي قبل الوقت منوطاً بوجود الوقت فلا يجدي في البعث الى متعلقه ما لم يتحقق المنوط به. فاذا لم يصلح للبعث الى متعلقه قبل الشرط لا يصلح للبعث الى مقدمته كذلك. ويشكل ما قبله : بأن مصلحة المقدمة وإن كانت منوطة بالوقت بنحو الشرط المتأخر لترتب ذي المقدمة عليها إذا جي‌ء بها قبل الوقت ، لكن ذلك غير كاف في البعث إليها بعد ما كان ملاك الوجوب الغيري تابعاً للوجوب النفسي ، والمفروض أنه منوط بالشرط لأن معلول المعلول معلول. ومنه يظهر الاشكال فيما قبله. ويشكل الوجه الأول : بأن إرجاع الوجوب المشروط الى الوجوب المعلق إن كان في مقام الثبوت فهو غير معقول ، لأن ما يناط به الحكم ويكون قيداً له غير ما يكون قيداً للموضوع ، ولا يجوز إرجاع أحدهما إلى الآخر ، كما أوضحناه في الأصول. وإن كان الإرجاع في مقام الإثبات فهو خلاف ظاهر الأدلة الدالة على الاشتراط. على أن في معقولية الوجوب المعلق إشكالا وخلافاً ، وإن كان التحقيق معقوليته ، لكن الأخذ بظاهر الأدلة متعين. وعلى هذا فوجوب المقدمة قبل وقت الموقت لا بد أن يكون‌

٤٣٧

______________________________________________________

وجوباً عقلياً من باب وجوب الاحتفاظ بغرض المولى. ومن هذه الجهة لا فرق بين التيمم وغيره من الغسل والوضوء في عدم صحة تعلق الوجوب الغيري به ، وكون الوجوب المتعلق به عقلياً محضاً.

وكأن الفرق بين التيمم وغيره عند الأصحاب : أن التيمم لا يجوز الإتيان به قبل الوقت بداعي الأمر الغيري وإن قيل بذلك في الوضوء والغسل. قال في جامع المقاصد : « وينبغي أن يراد بعدم جواز التيمم قبل دخول الوقت ما إذا تيمم لفعل الفريضة قبل وقتها. أما تيممه لمطلق الفعل أو للكون على الطهارة مثلا مع فقد الماء فيجوز على احتمال في الثاني » ولذا قال في المنتهى : « وهل يجوز للجنب إذا تعذر عليه الغسل قبل الفجر؟ أقربه عدم الوجوب. وكذا الحائض والمستحاضة فيصح صومهم وإن كانوا محدثين من غير تيمم إذا لم يجدوا ماء ». ونحوه ما في المدارك وحكي عن غيرهما ، وإن كان يحتمل أن يكون ذلك لعدم ثبوت عموم البدلية عندهم ـ كما سيأتي ـ لا لأنه قبل الوقت ، فرقاً بينه وبين الوضوء والغسل في ذلك.

ويحتمل أن يكون الوجه في فرق الأصحاب بين التيمم والوضوء والغسل. أن الوضوء والغسل مستحبان في أنفسهما ـ ولو للكون على الطهارة ـ مع قطع النظر عن الموقت ، فيمكن الإتيان بهما قبل الوقت بداعي الأمر النفسي ويصحان لذلك ، ولا كذلك التيمم ، لأنه عندهم مبيح لا مطهر ، فلا أمر به ، فلا يصح قبل دخول الوقت. لعدم مشروعيته حينئذ. وإن كان هذا أيضاً لا يخلو من نظر ، لأن القائلين بصحة المقدمات العبادية قبل الوقت اعتماداً على أحد الوجوه المذكورة يلزمهم أن يقولوا بصحة التيمم قبل الوقت ، لجريان الوجوه المذكورة فيه ،

٤٣٨

______________________________________________________

الموجب لتعلق الأمر الغيري ، المصحح لعباديته كما تجري في الغسل والوضوء مع ما عرفت من دعوى الإجماع على عدم الصحة حتى من القائل بصحة الوجوه المذكورة. وأيضاً فإن التحقيق قيام التيمم مقام الوضوء أو الغسل حتى المأمور بهما لأنفسهما ، أو للكون على الطهارة ـ كما سيأتي في المسألة العاشرة ـ سواء أقلنا بأنه مفيد للطهارة في الجملة أم لم نقل بذلك ، فيكون أيضاً مشروعاً قبل الوقت كالوضوء والغسل ، فلا وجه لعدم صحته حينئذ. وبالجملة : الفرق بين الوضوء والغسل وبين التيمم في صحتهما قبل الوقت وعدم صحته غير منطبق على القواعد إذا كان المراد به ذلك.

هذا ويحتمل قوياً أن نظر الأصحاب في الإجماع على عدم صحة التيمم قبل الوقت ما يقابل صحته آخر الوقت وصحته في السعة ، فإن عباراتهم في بيان الحكم المذكور هكذا : « لا يصح التيمم قبل الوقت إجماعاً ، ويصح في آخر الوقت إجماعاً ، وفي صحته في سعة الوقت خلاف ». فكأن نظرهم الى أن فقدان الماء قبل الوقت غير مجزي في صحة التيمم وصحة الصلاة به إجماعاً ، وفقدانه في سعة الوقت محل الخلاف ، وفقدانه في آخر الوقت مجزي في الصحة إجماعاً. فكأنهم قصدوا الإجماع على اعتبار الفقدان في الوقت في مقابل الفقدان قبله ، فإنه لا يكفي في صحة التيمم ـ ولو قلنا بتعلق الأمر الغيري به ـ لعدم الدليل على الاجتزاء بذلك. وأدلة التشريع واردة في فقدان الماء في الوقت لا غير ، فلا يشمل كلامهم صورة ما لو تيمم لغاية قبل الوقت ـ ولو كانت الكون على الطهارة ـ فدخل الوقت واستمر الفقدان للماء ، فإنه يصح تيممه وتصح صلاته به حينئذ. وأوضح منه : ما لو علم بفقد الطهورين بعد الوقت ، فإنه لا ينبغي الإشكال في وجوب التيمم عليه قبل الوقت ، كما اختاره في الجواهر وحكاه عن شرح المفاتيح.

٤٣٩

______________________________________________________

لكن الظاهر وجوب الإتيان به بداعي الأمر النفسي ، أو بداعي الكون على الطهارة ، لما عرفت من أن الأمر بالموقت لا يصلح للبعث اليه قبل الوقت ، وإنما الباعث العقل وهو لا يصلح للداعوية اليه على وجه يكون عبادة.

اللهم إلا أن يقال : إنه يكفي في عبادية العبادة كونها مشروعة في نفسها ، وكون الإتيان بها على وجه يستحق فاعلها الثواب وإن لم يقصد الفاعل الأمر الشرعي ، بل لو لا ذلك لم يصح الوضوء المأتي به بعد الوقت بداعي الصلاة ، لأن لأمر الغيري المترشح من قبل الأمر النفسي بالصلاة إنما يتعلق بالطهارة المقارنة للصلاة ، وهو بقاء الطهارة ، وبقاء الطهارة ليس مستنداً الى الوضوء فان الوضوء إنما يحدث الطهارة ، والحدوث ليس علة للبقاء ، ولا البقاء معلول له ، لأن العلية والمعلولية تستتبع الاثنينية ولا اثنينية بين الحدوث والبقاء ، بل هما وجود واحد مستمر. فالأمر بالصلاة مع الطهارة لا يترشح منه أمر غيري بالوضوء وإنما يترشح منه أمر غيري ببقاء الطهارة لا غير ، فلو بني على اعتبار الأمر الغيري في صحة الوضوء للصلاة كان باطلا ، وهو مما لا يمكن الالتزام به ضرورة.

وقد أشار الى ما ذكرنا في الجواهر قال : « فحينئذ لو تيمم قبل الوقت لذات الوقت لم يكن مشروعاً بالنسبة الى ذلك ، لكن قد يقال بعدم فساد التيمم في نفسه بعد فرض استحبابه للكون على الطهارة ، إذ هو حينئذ كالوضوء لغاية لم يشرع لها ، لأن ملاحظة الغاية أمر خارج عنه. اللهم إلا أن يقال بعدم حصول التقرب فيه ، لأنه قصد ما لم يشرع له وترك ما شرع له. فتأمل جيداً ». والذي يتحصل مما ذكرنا : أنه لم يتحقق من الأصحاب إجماع بنحو يخرج به عن القواعد ، فالعمل عليها متعين.

٤٤٠