مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٠٩

( مسألة ٢١ ) : لا يجوز للمتطهر بعد دخول الوقت إبطال وضوئه بالحدث الأصغر إذا لم يتمكن من الوضوء بعده كما مر [١]. لكن يجوز له الجماع مع عدم إمكان الغسل [٢]. والفارق وجود النص في الجماع. ومع ذلك الأحوط تركه أيضاً.

______________________________________________________

الجمع بين الغسل والتيمم ، فلا وجه للإشكال عليها بأن الجمع مطابق للاحتياط فلا حاجة الى الإعادة.

[١] ومرّ وجهه.

[٢] إجماعا كما في المعتبر. ويشهد له مصحح إسحاق بن عمار المروي في الوسائل عن التهذيب قال : « سألت أبا إبراهيم (ع) عن الرجل يكون مع أهله في السفر فلا يجد الماء يأتي أهله؟ فقال (ع) : ما أحب أن يفعل ذلك إلا أن يكون شبقاً أو يخاف على نفسه » (١) ، وزاد في محكي مستطرفات السرائر : « قلت : يطلب بذلك اللذة. قال (ع) : هو حلال » (٢) ، وخبر السكوني عن جعفر (ع) عن آبائه (ع) عن أبي ذر : « أنه أتى النبي (ص) فقال : يا رسول الله هلكت ، جامعت أهلي على غير ماء. قال : فأمر النبي (ص) بمحمل فاستترنا به وبماء فاغتسلت أنا وهي. ثمَّ قال (ص) : يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين » (٣) فان الظاهر من قوله : « يا أبا ذر » كونه ردعاً لأبي ذر عن اعتقاده الهلاك ، بأنه لا هلاك مع وجود البدل ، ولو كان حراماً لم يجد وجود البدل.

نعم يمكن أن يتأمل في دلالتهما على المقام ، لظهورهما في جواز الجماع حيث لا ماء أصلا ، لا للوضوء ولا للغسل ، بحيث كانت وظيفة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب التيمم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب التيمم حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب التيمم حديث : ١٢.

٣٤١

( الرابع ) : الحرج في تحصيل الماء [١] أو في استعماله وإن لم يكن ضرر أو خوفه. ( الخامس ) : الخوف من استعمال الماء على نفسه [٢]

______________________________________________________

المكلف التيمم على كل حال ، غاية الأمر أنه إن جامع كان تيممه بدلا عن الغسل ، وإن لم يجامع كان بدلا عن الوضوء ، وهو غير ما نحن فيه من جواز نقض الطهارة المائية بالجماع ، لأن جواز تبديل الأصغر بالأكبر لا يلازم جواز تبديل الطهارة المائية بالتربية ، إذ الثاني على خلاف قاعدة لزوم حفظ الشروط الوجودية ، والأول ليس كذلك ، فالأصل يقتضي جوازه. اللهم إلا أن يكون المراد من‌ « غير ماء » عدم الماء الكافي للغسل ، فيعم المقام. أو يتمسك بترك الاستفصال عن أن الجماع على طهارة أو على الحدث الأصغر الدال على عموم الحكم للمقامين ، وإن كان الظاهر الاختصاص بالثاني لكونه الغالب المنساق الى الذهن. ثمَّ إن الظاهر أن قول أبى ذر : « هلكت » ليس المراد منه تفويت الطهارة المائية ، بل تفويت الصلاة ، بقرينة قوله (ص) : « يكفيك الصعيد ». فلا يكون مما نحن فيه. فلاحظ.

[١] كما يقتضيه دليل نفي الحرج ، فإنه إذا نفى وجوب الطهارة المائية يدور الأمر بين سقوط وجوب الصلاة ، ووجوبها بلا طهارة ، ووجوبها بطهارة غير المائية والترابية ، ووجوبها ولو بالترابية ، وما عدا الأخير معلوم البطلان فيتعين هو. مع أن هذه الملازمة تستفاد من النصوص كما سنشير إليه في المسوّغ السادس.

[٢] بلا خلاف ظاهر فيه في الجملة. وعن المعتبر نسبته الى أهل العلم. ويشهد به صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « انه قال في رجل أصابته جنابة في السفر وليس معه إلا ماء قليل ويخاف إن هو اغتسل‌

٣٤٢

أو أولاده وعياله أو بعض متعلقيه أو صديقه [١] ،

______________________________________________________

أن يعطش. قال (ع) : إن خاف عطشاً فلا يهريق منه قطرة وليتيمم بالصعيد فان الصعيد أحب الي » (١) ، وصحيح الحلبي : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الجنب يكون معه الماء القليل فان هو اغتسل به خاف العطش أيغتسل به أو يتيمم؟ فقال (ع) : بل يتيمم. وكذلك إذا أراد الوضوء » (٢) ، ونحوهما موثق سماعة قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف : قلته. قال (ع) : يتيمم بالصعيد ويستبقي الماء فان الله عز وجل جعلهما طهوراً الماء والصعيد » (٣) ، وخبر ابن أبي يعفور قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يجنب ومعه من الماء قدر ما يكفيه لشربه أيتيمم أو يتوضأ؟ قال (ع) : يتيمم أفضل ، ألا ترى أنه إنما جعل عليه نصف الطهور » (٤).

[١] كأن وجهه دعوى إطلاق النصوص بنحو يشمل جميع ما ذكر. ولا يخلو عن إشكال ، فإن الصحيحين الأولين‌ ظاهران في عطش نفسه ، وكذلك خبر ابن أبي يعفور‌ ، وأما موثق سماعة فهو وإن كان يقتضي العموم لما ذكر ، لأن الظاهر من قلة الماء قلته بنحو لا يفي بما يحتاج اليه مما حمل لأجله ، سواء كان ري نفسه ، أم عياله ، أم رفقائه وأصحابه الذين معه ، أم دوابه ، أم حيوانه مما كان مقصوداً له ربه ورفع عطشه ، إلا أنه لا مجال للأخذ بإطلاقه ، لاقتضائه جواز التيمم مع خوف قلة الماء عن استعماله في سائر حوائجه ، كطبخه وغسل ثيابه وأوانيه ونحو ذلك مما يقطع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب التيمم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب التيمم حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب التيمم حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب التيمم حديث : ٤.

٣٤٣

فعلاً ، أو بعد [١] ذلك من التلف بالعطش ، أو حدوث مرض [٢] ، بل أو حرج أو مشقة لا تتحمل [٣]. ولا يعتبر العلم بذلك ، بل ولا الظن ، بل يكفي احتمال يوجب الخوف [٤] حتى إذا كان موهوماً ، فإنه قد يحصل الخوف مع الوهم إذا كان المطلب عظيماً [٥]

______________________________________________________

بعدم مشروعيته لأجله ، ولأجل ذلك اقتصر بعض على عطش نفسه كما في الشرائع وفي المعتبر والقواعد ، أو عطش رفيقه أو حيوان له حرمة. وخص بعضهم الرفيق بالمسلم. وعممه بعضهم للكافر الذي يضر به تلفه أو ضعفه. وزاد في التذكرة الذمي والمعاهد. والذي تقتضيه القواعد التعميم لكل ما يلزم من صرف الماء فيه الوقوع في الحرام أو الضرر البدني أو المالي أو الحرج ، وعدم التعدي الى غير ذلك كما ذكر في المنن ظاهراً. وأما الموثق فالإشكال عليه بما ذكر غير ظاهر ، لانصرافه إلى صورة لزوم المحذور من قلة الماء كانصراف المريض في الآية ، والكسير والجريح والقريح في النصوص الى المتضرر ، ولا فرق بين المقامين.

[١] متعلق بالعطش المتعلق بالتلف المتعلق بالخوف.

[٢] يعني : معتد به بحيث يحرم الوقوع فيه ، أو يلزم منه الحرج.

[٣] لاختصاص دليل نفي الحرج بذلك.

[٤] الاكتفاء بذلك مبني على الأخذ بالموثق الذي عرفت إشكاله ، ولو بني على عدم الأخذ به والرجوع الى القواعد فإنما يقتضي سقوط الطهارة المائية إذا كانت موجبة للاحتياط مع الخوف كما إذا خاف على نفسه من المرض أو التلف.

[٥] بل وإن لم يكن كذلك والمعيار في صدق الخوف الاحتمال المعتد به للأمر المكروه.

٣٤٤

فيتيمم حينئذ. وكذا إذا خاف على دوابه [١] أو على نفسه محترمة وإن لم تكن مرتبطة به [٢]. وأما الخوف على غير المحترم كالحربي ، والمرتد الفطري ، ومن وجب قتله في الشرع فلا يسوّغ التيمم. كما أن غير المحترم الذي لا يجب قتله بل يجوز كالكلب العقور ، والخنزير ، والذئب ، ونحوها لا يوجبه وإن كان الظاهر جوازه [٣]. ففي بعض صور خوف العطش يجب حفظ الماء وعدم استعماله كخوف تلف النفس أو الغير ممن يجب‌

______________________________________________________

[١] هذا داخل في الموثق ، ولولاه لأشكل الأمر لعدم وجوب حفظ المال عند خوف التلف ، ولا سيما إذا أمكن الانتفاع بالدابة بالذبح. وكذلك الحكم في النفس المحترمة ، فإنه لا يجب الاحتياط في حفظها عند خوف تلفها.

[٢] دخوله في النصوص غير ظاهر كاقتضاء احترام النفس مشروعية التيمم ، لأنه إنما يتم لو وجب الاحتياط ، وهو محل إشكال. بل لو كان الخوف من غير التلف بل لحدوث مرض أو حرج أو مشقة فلا ينبغي التأمل في عدم وجوب الاحتياط حينئذ وعليه فلا وجه للخروج عن عموم وجوب الطهارة المائية.

[٣] كأنه لما ورد من قوله (ع) : « لكل كبد حرى أجر » (١) ونحوه. ولكنه ـ كما ترى ـ لا يصلح لمعارضة دليل وجوب الطهارة المائية بعد عدم صلاحية ما ذكر لإثبات المشروعية ، وليس هو من المحاذير التي ينصرف إليها الموثق. ولذا لم أقف على موافق له في ذلك. نعم أو اتفق‌

__________________

(١) ورد هذا المضمون في بعض النصوص. راجع الوسائل باب : ١٩ ـ ٤٩ من أبواب الصدقة.

٣٤٥

حفظه ، وكخوف حدوث مرض ونحوه. وفي بعضها يجوز حفظه ولا يجب مثل تلف النفس المحترمة التي لا يجب حفظها [١] وإن كان لا يجوز قتلها أيضاً. وفي بعضها يحرم حفظه ، بل يجب استعماله في الوضوء أو الغسل كما في النفوس التي يجب إتلافها. ففي الصورة الثالثة لا يجوز التيمم وفي الثانية يجوز ويجوز الوضوء أو الغسل أيضاً. وفي الأولى يجب ولا يجوز الوضوء أو الغسل.

( مسألة ٢٢ ) : إذا كان معه ماء طاهر يكفي لطهارته وماء نجس بقدر حاجته الى شربه لا يكفي في عدم الانتقال الى التيمم [٢] لأن وجود الماء النجس حيث أنه يحرم شربه كالعدم‌

______________________________________________________

كون الحيوانات المذكورة من توابع المسافر بحيث يهمه شأنها وسقايتها فلا يبعد دخولها في الموثق.

[١] إذا كانت لا يجب حفظها فلا دليل على مشروعية التيمم إذا خاف عطشها ، إلا أن تكون من توابع المكلف فتدخل في الموثق.

[٢] في المدارك نسبته الى قطع الأصحاب ، وفي المعتبر وعن غيره التصريح به. وفي المدارك : « هو جيد إن ثبت حرمة شرب النجس ». والوجه فيه : ما أشار إليه في المتن ـ تبعاً للمعتبر ـ من أن الماء الذي يحرم شربه بمنزلة العدم ، لأن حرمة شربه تقتضي وجوب حفظ الماء الطاهر والمنع من استعماله في الوضوء ، ومع هذا المنع يكون المكلف عاجزاً عن استعماله في الوضوء فيشرع له التيمم. وما قد يظهر من المدارك من التأمل في حرمة شرب النجس مخالف للإجماع والنصوص ، كما اعترف به في الحدائق والجواهر وغيرهما ، وقد تقدم في النجاسات.

٣٤٦

فيجب التيمم وحفظ الماء الطاهر لشربه. نعم لو كان الخوف على دابته لا على نفسه يجب عليه الوضوء أو الغسل [١] وصرف الماء النجس في حفظ دابته. بل وكذا إذا خاف على طفل من العطش فإنه لا دليل على حرمة إشرابه الماء المتنجس [٢]. وأما لو فرض شرب الطفل بنفسه فالأمر أسهل [٣] ، فيستعمل الماء الطاهر في الوضوء مثلا ويحفظ الماء النجس ليشربه الطفل. بل يمكن أن يقال : إذا خاف على رفيقه أيضاً يجوز التوضؤ وإبقاء الماء النجس لشربه ، فإنه لا دليل على وجوب رفع اضطرار الغير من شرب النجس [٤]. نعم لو كان رفيقه عطشانا فعلا لا يجوز إعطاؤه الماء النجس ليشرب مع وجود الماء الطاهر ،

______________________________________________________

( ودعوى ) معارضة حرمة شرب النجس بوجوب الطهارة المائية ، فترجيح الحرمة على الوجوب يتوقف على أهميتها منه. ( مندفعة ) بأن أهمية حرمة شرب النجس من وجوب الطهارة المائية ـ مع أنها معقد ظاهر الإجماع ـ تستفاد من تسويغ التيمم في جملة من الموارد المنصوصة ، مثل خوف ضياع المال القليل ، وتلف الدابة من العطش ، ونحوهما ، فاذا ثبتت أهميتها سقط وجوب الطهارة المائية ، ويستكشف مشروعية التيمم كما سبق. مضافاً إلى ما عرفت الإشارة إليه ، ويأتي في المسوغ السادس من أن لزوم أي محذور كاف في مشروعية التيمم وإن لم تثبت الأهمية.

[١] لجواز صرف الماء النجس في الشرب كالماء الطاهر.

[٢] تقدم الكلام فيه في الماء النجس. فراجع.

[٣] لأن عدم وجوب منعه أوضح من جواز سقيه النجس.

[٤] قد يستفاد هذا الوجوب مما ورد في بيع الدهن المتنجس من‌

٣٤٧

كما أنه لو باشر الشرب بنفسه لا يجب منعه.

( السادس ) : إذا عارض استعمال الماء في الوضوء أو الغسل واجب أهم [١] ، كما إذا كان بدنه أو ثوبه نجساً ولم يكن عنده من الماء إلا بقدر أحد الأمرين من رفع الحدث أو الخبث ،

______________________________________________________

الأمر بالإعلام ، وكذا وجوب المنع لو باشره. وقد تقدم ذلك في أحكام النجاسات.

[١] فإن أهميته توجب ترجيح فعليته على فعلية وجوب الوضوء أو الغسل ، فاذا سقط وجوبهما عن الفعلية ثبت مشروعية التيمم ، لما عرفت من أنه يستفاد مما ورد في مشروعيته عند عدم الوجدان ، أو المرض ، أو خوف البرد ، أو خوف العطش ، أو خوف اللص أو السبع على تقدير طلب الماء ، أو نحو ذلك الملازمة بين سقوط وجوب الطهارة المائية ومشروعية التيمم ، ألا ترى الى قول الصادق (ع) : « لا تطلب الماء ولكن تيمم فإني أخاف عليك التخلف .. » (١) ، فان التعليل إنما يصلح تعليلا لنفي الطلب لا لمشروعية التيمم ، فلو لا الملازمة بينهما لم يكن وجه للاكتفاء به ، والى قوله (ع) في خبر ابن سالم : « لا آمره أن يغرر بنفسه .. ، » (٢) ، حيث اقتصر (ع) عليه ولم يتعرض لوجوب التيمم ، فلو لا الملازمة المذكورة لم يكن أيضاً وجه للاقتصار عليه ، ونحوهما صحيح الحلبي : « ليس عليه أن يدخل الركية لأن رب الماء .. » (٣) ، ومثله حسن الحسين بن أبي العلاء (٤).

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب التيمم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب التيمم حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب التيمم حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب التيمم حديث : ٤.

٣٤٨

______________________________________________________

وبالجملة : ظهور النصوص المذكورة في الملازمة بتوسط المناسبات الارتكازية العرفية مما لا ينبغي التأمل فيه. وقد سبق تقريب الملازمة المذكورة بأنه إذا سقط وجوب الوضوء فأما أن يلتزم بسقوط الصلاة ، وهو ـ مع أنه خلاف الإجماع ـ خلاف ما دل على أنه لا تترك الصلاة بحال ، أو بوجوب الصلاة بلا طهارة وهو أيضاً ـ مع أنه خلاف الإجماع ـ خلاف قوله (ع) : « لا صلاة إلا بطهور » (١) ، أو يلتزم بمشروعية طهارة غير المائية والترابية ، وهو خلاف الضرورة ، فيتعين المصير إلى مشروعية التيمم ، ولأجل ذلك بنى الأصحاب على مشروعيته بمجرد لزوم حرج أو ضرر في استعمال الماء ، أو في طلبه ، أو في شرائه ، أو نحو ذلك بحيث مهما دل دليل على نفي وجوب الوضوء كفى عندهم في الدلالة على مشروعية التيمم ، ولم يحتاجوا في إثباتها إلى دليل آخر دال على مشروعيته بالخصوص. ولعل ذلك هو الموافق لإطلاق تنزيل التراب منزلة الماء ، وأنه أحد الطهورين.

وعليه فلا تتوقف مشروعيته على ثبوت أهمية الواجب المزاحم للطهارة المائية ، بل يكفي فيها عدم ثبوت أهميتها بالنسبة الى ذلك الواجب ، لأنه مع التساوي في الاهتمام يحكم العقل بالتخيير بين الطهارة المائية والواجب الآخر ، فيجوز تركها بنظر العقل وفعل ذلك الواجب ، فاذا جاز الترك جاءت المشروعية للملازمة. وكذا إذا احتملت الأهمية في كل واحد منهما بعينه لحكم العقل بالتخيير أيضاً نعم لو علمت أهمية الطهارة المائية لم يكن وجه للمشروعية ، لحكم العقل بوجوب الطهارة المائية بعينها ، وكذا إذا احتملت أهميتها بناء على أن احتمال الأهمية كاف في حكم العقل بالتعيين ـ كما هو التحقيق ـ ولو لأجل الدوران في حكم العقل بين التعيين والتخيير.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الوضوء حديث : ١.

٣٤٩

______________________________________________________

ولأجل أن العلم بأهمية الطهارة المائية أو احتمالها بعينها فرض نادر لم يتعرض الفقهاء ( رض ) للتمييز بين ما يكون من الواجبات أهم من الطهارة المائية ، وما تكون أهم منه ، وما يستويان.

هذا بناء على أن الوجدان المأخوذ عدمه موضوعاً لبدلية التيمم هو الوجدان العقلي. أما إذا أريد منه عدم الوجدان الأعم من الشرعي والعقلي فالوجدان العقلي الذي يلزم منه محذور شرعي كلا وجدان ، لأن المحذور الشرعي لما كان موجباً لصرف قدرة المكلف الى غيره ومانعاً عن صرف قدرة المكلف فيه فقد اقتضى سلب القدرة على الماء إذا كان في استعماله محذور ، وإن لم يكن أهم من الطهارة المائية ، لأن الأهمية إنما تقتضي الترجيح في نظر العقل لأجل الاضطرار ، وإلا فالمحذور مانع من الطهارة في نفسه ، وموجب لصدق عدم الوجدان ، فان ترجيح الأهم عقلا راجع الى إلغاء المهم وعدم الاعتداد به ، وإلا فالمهم لا قصور في منعه عن الأخذ بالأهم ، فلذلك يصدق معه عدم الوجدان بالنسبة إلى الأهم. فالمراد من الوجدان الذي أخذ عدمه موضوعاً لمشروعية التيمم خصوص ما لا يلزم منه محذور أصلا. فاللازم البناء على تقديم سائر الواجبات والمحرمات على الطهارة المائية عند التزاحم ، لأنه إذا كان في استعمال الماء محذور ترك الواجب أو فعل الحرام فقد تحقق موضوع مشروعية التيمم فيجب ، ويحرم عقلا ارتكاب الحرام أو ترك الواجب المزاحمين له.

وقد عرفت في صدر المبحث في شرح المسألة الثانية عشرة أن دعوى انصراف الوجدان في الآية الشريفة الى الثاني قريبة جداً ، كيف؟! ولو لا ذلك لزم صدق الوجدان بمجرد وجدانه للماء ولو كان أمانة. وهو ـ كما ترى ـ لا ينسبق الى الذهن من الآية الشريفة وأمثالها مما علق فيه الحكم على عدم‌

٣٥٠

ففي هذه الصورة يجب استعماله في رفع الخبث [١] ويتيمم ، لأن الوضوء له بدل [٢] ، وهو التيمم بخلاف رفع الخبث.

______________________________________________________

الوجدان ، مثل ما ورد في الكفارة المرتبة. ( ودعوى ) : أن حرمة التصرف في الأمانة لما كانت أهم من وجوب الطهارة المائية سقط وجوبها كما تقدم. ( مندفعة ) بأن ذلك مسلم ، إلا أن الكلام في صدق ما ينصرف اليه الذهن من الوجدان بذلك ، لا في سقوط الطهارة المائية وعدمه ، فالبناء على كون المراد من الوجدان ما لا محذور معه ينبغي أن يكون واضحاً. ويظهر ذلك من عبارة المنتهى الآتية.

[١] إجماعاً صريحاً وظاهراً ، محكياً عن المعتبر ، والمنتهى ، والتذكرة ، والذخيرة ، وحاشية الإرشاد. قال في المعتبر : « ولو كان على جسده نجاسة ومعه ماء يكفيه لإزالتها أو للوضوء أزالها به وتيمم بدلا من الوضوء ، ولا أعلم في هذه خلافاً بين أهل العلم ، لأن للطهارة بدلا هو التيمم ولا كذلك إزالة النجاسة ». وفي المنتهى : « لو كان على بدنه نجاسة ومعه من الماء ما يكفي إحداهما صرفه إلى الإزالة لا إلى الطهارة ، لأن الطهارة واجب لها بدل بخلاف إزالة النجاسة. لا نعرف فيه خلافا. وكذا لو كانت النجاسة على ثوبه ، وقال أحمد : إنه يتوضأ ويدع الثوب لأنه واجد للماء. وهو ضعيف إذ المراد بالوجدان التمكن من الاستعمال وهذا غير متمكن منه شرعاً ».

[٢] هذا التعليل وإن ذكره غير واحد ـ منهم الفاضلان في المعتبر والمنتهى ، كما تقدم في كلامهما ـ غير ظاهر ، إذ لا يدل جعل البدل على عدم الأهمية ، ولا عدمه على الأهمية بوجه ، بل الجعل وعدمه تابعان لوجود البدل وعدمه ، ولا دخل للأهمية وعدمها فيهما أصلا. وأما ما في طهارة شيخنا الأعظم (ره) في مبحث الشبهة المحصورة من أنه علل في‌

٣٥١

مع أنه منصوص في بعض صوره [١]. والأولى أن يرفع الخبث أولاً ثمَّ يتيمم ليتحقق كونه فاقداً للماء حال التيمم [٢]. وإذا توضأ أو اغتسل حينئذ بطل ، لأنه مأمور بالتيمم ، ولا أمر بالوضوء أو الغسل [٣].

______________________________________________________

بعض الأخبار مراعاة سائر الواجبات والمحرمات على الطهارة المائية ، بأن الله تعالى جعل للماء بدلا. فلم أقف عاجلا عليه. نعم يمكن أن يكون المراد من التعليل ما أشرنا إليه آنفاً من أن منصرف الوجدان في المقام وأمثاله الوجدان الذي لا محذور فيه لا مطلقاً.

[١] يشير بهذا الى خبر أبي عبيدة قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن المرأة الحائض ترى الطهر وهي في السفر وليس معها من الماء ما يكفيها لغسلها وقد حضرت الصلاة. قال (ع) : إذا كان معها بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله ثمَّ تتيمم وتصلي » (١) ، حيث أمر فيه بغسل النجاسة الخبثية مطلقاً وإن أمكن الوضوء. وفيه : أنه مبني على اعتبار الوضوء مع غسل الحيض ، وقد عرفت أنه محل إشكال. مضافا الى أن محتمل السؤال المفروغية عن وجوب الغسل إذا كان الماء يكفي له ، ولا يجب غسل الفرج حينئذ ، فالسكوت في الجواب عن الردع عنه دليل على عدم الأهمية المذكورة. فتأمل.

[٢] فيكون الفقد العقلي منضماً الى الفقد الشرعي.

[٣] فيه ما لا يخفى ، لأن المقام من صغريات مسألة الضد ، فيمكن الالتزام فيه بالأمر بالوضوء على نحو الترتب ، على ما هو التحقيق من إمكانه عقلا ، كما هو محرر في محله. مضافا إلى أن صحة الوضوء يكفي فيها وجود‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب الحيض حديث : ١.

٣٥٢

نعم لو لم يكن عنده ما يتيمم به أيضاً يتعين صرفه في رفع الحدث [١] ، لأن الأمر يدور بين الصلاة مع نجاسة البدن أو الثوب أو مع الحدث وفقد الطهورين ، فمراعاة رفع الحدث أهم. مع أن الأقوى بطلان صلاة فاقد الطهورين فلا ينفعه رفع الخبث حينئذ [٢].

______________________________________________________

ملاكه وإن لم يكن مأموراً به عقلا ، وقد عرفت أن ملاك الوضوء غير مشروط بالوجدان ولا بغيره.

لا يقال : إن ما ذكر إنما يتم لو كان ملاك الطهارة الحدثية أجنبياً عن ملاك الطهارة الخبيثة ، بأن كان كل منهما مستقلا في تأثير الوجوب المستقل وليس كذلك ، فإنهما معاً شرط في صحة الصلاة وترتب ملاكها عليها ، فعصيان الأمر بأحدهما ملازم لعصيان الأمر بالآخر ، فكيف يلتزم بصحة الوضوء التي هي فرع إطاعة أمره مع الالتزام بعصيان الأمر بإزالة الخبث؟لأنا نقول : هما ليسا شرطاً في مطلق الصلاة ، ولذا تصح بالتيمم مع النجاسة عند الاضطرار ، وإنما هما شرط لصحة الصلاة التامة ، فإذا توضأ صحت صلاته مع النجاسة ، لكنه فوت الصلاة التامة فيكون بذلك عاصياً وإن كان مطيعاً في شرطية الطهارة المائية.

نعم لما كان حفظ الماء واجباً لأجل تحصيل الطهارة الخبثية فإن اتفق انطباق إتلافه على نفس الغسل به كان حراماً فيمتنع التقرب به لكن قد لا يتفق ذلك فلا مانع من التقرب به.

[١] لأن العجز في الفرض ليس موضوعاً لمشروعية التيمم ، ولا يترتب عليه ذلك ، فيقع الدوران كما ذكر في المتن.

[٢] وحينئذ يسقط الأمر به ، فيبقى الأمر بالصلاة مع الطهارة من‌

٣٥٣

( مسألة ٢٣ ) : إذا كان معه ما يكفيه لوضوئه أو غسل بعض مواضع النجس من بدنه أو ثوبه بحيث لو تيمم أيضاً يلزم الصلاة مع النجاسة ، ففي تقديم رفع الخبث حينئذ على رفع الحدث إشكال ، بل لا يبعد تقديم الثاني [١]. نعم لو كان بدنه وثوبه كلاهما نجساً ، وكان معه من الماء ما يكفي لأحد الأمور من الوضوء أو تطهير البدن أو الثوب ، ربما يقال بتقديم تطهير البدن والتيمم ، ثمَّ الصلاة مع نجاسة الثوب أو عرياناً على اختلاف القولين. ولا يخلو ما ذكره من وجه [٢].

______________________________________________________

الحدث بلا مزاحم.

[١] هذا مما لا ينبغي التأمل فيه بناء على أن النجاسة الملحوظة مانعاً في الصلاة يراد منها صرف الوجود ، فإن إزالة البعض لا تجدي في رفع المانع فلا تجب ، ويجب صرف الماء في الوضوء. أما إذا كانت ملحوظة بنحو الطبيعة السارية يكون كل جزء ملحوظاً مانعاً مستقلا ، فاذا دار الأمر بين الوضوء وبين إزالة جزء واحد كان الحال كما لو لم يكن إلا ذلك الجزء وقد تقدم منه أن إزالته أهم ، لا أقل من تساويهما في الاهتمام أو في احتمال الأهمية ، فيتخير بينهما عقلا. وقد عرفت أنه مع سقوط وجوب الوضوء يشرع التيمم. هذا ومقتضى التعليل في الفرض الأول بأن الوضوء له بدل : لزوم البناء على وجوب التيمم في جميع الفروض المذكورة في هذا المقام ، ولا يرجع الى قواعد التزاحم فيها كما صنع في المتن وتبعه بعض المحشين. وحيث عرفت آنفاً توجيه التعليل المذكور ، فالبناء على وجوب التيمم في هذه الفروض كلها وعدم الرجوع الى قواعد التزاحم هو الأقوى.

[٢] قد عرفت هذا الوجه. لكن الاشكال منه سابقاً في تقديم رفع‌

٣٥٤

( مسألة ٢٤ ) : إذا دار أمره بين ترك الصلاة في الوقت أو شرب الماء النجس كما إذا كان معه ما يكفي لوضوئه من الماء الطاهر ، وكان معه ماء نجس بمقدار حاجته لشربه ، ومع ذلك لم يكن معه ما يتيمم به بحيث لو شرب الماء الطاهر بقي فاقد الطهورين ـ ففي تقديم أيهما إشكال [١].

( مسألة ٢٥ ) : إذا كان معه ما يمكن تحصيل أحد الأمرين من ماء الوضوء أو الساتر لا يبعد ترجيح الساتر [٢] والانتقال إلى التيمم ، لكن لا يخلو عن إشكال ،

______________________________________________________

بعض الخبث على رفع الحدث آت هنا أيضاً ، فإن تطهير البدن إنما يتضح ترجحه على تطهير الثوب عند الدوران بينهما ، ولا موجب لوضوح ترجحه على رفع الحدث مع عدم الفرق بينه وبين ما سبق. فتأمل.

[١] للإشكال في تعيين المهم منهما. لكن مقتضى ما ورد من الحث على الصلاة في القرآن المجيد والسنة المطهرة من أنواع التأكيد ، والذم على تركها ، وأنها عمود الدين : هو كونها أهم بمراتب كثيرة من ترك شرب النجس لا أقل من كونها محتملة الأهمية ، فيلزم تقديمها وشرب النجس. وعلى تقدير التساوي واحتمال الأهمية في كل منهما فالحكم التخيير كما عرفت.

[٢] بل هو المتعين بناء على وجوب الصلاة عارياً على من لم يجد إلا ثوباً نجساً ، فان البناء سابقاً على وجوب صرف الماء في إزالة النجاسة عند الدوران بينه وبين الوضوء يقتضي البناء على ترجيح الساتر على الطهارة المائية. أما بناء على وجوب الصلاة في النجس فلا طريق الى ترجيح الساتر ، لكنه لا يخرج عن كونه محتمل الأهمية ، لاحتمال كون ترجح وصفه ـ أعني : الطهارة من النجاسة ـ على الطهارة المائية يقتضي أولوية ترجيح نفسه عليها.

٣٥٥

والأولى صرفه في تحصيل الساتر أولاً [١] ليتحقق كونه فاقد الماء ثمَّ يتيمم. وإذا دار الأمر بين تحصيل الماء أو القبلة ففي تقديم أيهما إشكال [٢].

( السابع ) : ضيق الوقت عن استعمال الماء [٣] بحيث لزم‌

______________________________________________________

[١] هذه الأولوية لإحراز صحة التيمم ومشروعيته ، لا احتياط في التكليف ، لاحتمال أن صرف الماء فيه مخالفة لوجوب الطهارة المائية.

[٢] لعدم وضوح ما يوجب ترجح أحدهما على الآخر. وقد عرفت أن مقتضى تعليله فيما سبق بأن له بدلا : الجزم بترجيح القبلة في المقام. كما أن مقتضى ما عرفت من التخيير عقلا بين المتزاحمين عند احتمال أهمية كل منهما : هو التخيير في المقام.

[٣] كما عن المنتهى والتذكرة والمختلف والروضة. وعن الرياض : أنه الأشهر بل ظاهر ما عن المنتهى من نسبة القول بالعدم الى بعض العامة الإنفاق عليه. واختاره في الجواهر. والعمدة فيه : أولا : ما عرفت من أن ظاهر النصوص والفتاوى الملازمة بين سقوط الطهارة المائية ومشروعية التيمم ، وحيث أن ضيق الوقت يسقطها ضرورة فلا بد من التيمم. نعم هنا لا إجماع على عدم السقوط كما كان في موارد الحرج ، لكن يكفي في عدم السقوط عموم : « لا تسقط الصلاة بحال » بناء على ثبوته كما سيأتي في فاقد الطهورين وثانياً : ما أشرنا إليه أيضاً آنفاً من أن الوجدان المأخوذ عدمه موضوعاً لمشروعية التيمم يختص بما لا محذور به من استعمال الماء ، فاذا كان ضيق الوقت موجباً للزوم المحذور من استعمال الماء الموجود ، كان موجباً لصدق عدم الوجدان الذي هو موضوع المشروعية. ودعوى اختصاص التقريب الأول بصورة كون السقوط لا من جهة ضيق الوقت ، والتقريب‌

٣٥٦

______________________________________________________

الثاني بصورة كون القدرة لا من جهته أيضاً. خلاف الظاهر ، ولو بملاحظة المناسبات الارتكازية العرفية التي يعول عليها في مقام البيان.

وأما ما في الجواهر من الاستدلال على الحكم بعموم تنزيل التراب منزلة الماء ، (١) وعدم سقوط الصلاة ، وظهور مساواة الفرض لما لو خاف فوت الوقت بالسعي اليه ، وظهور كون أصل مشروعية التيمم للمحافظة على الوقت ، فهو أهم في نظر الشارع من المحافظة على الطهارة المائية كسائر الشرائط التي تسقط عند الضيق ، وما ورد من الأمر بالتيمم عند الزحام يوم الجمعة وعرفة (٢). فلا يخلو من خدش ـ وإن كان مجموعه يوجب الاطمئنان بالحكم حسب المذاق الفقهي ـ إذ العموم لا يجدي بعد تقييده بعدم الوجدان. وعدم سقوط الصلاة ـ لو ثبت بنحو الكلية ـ لا يقتضي مشروعية التيمم التي هي خلاف الأصل ، اللهم إلا أن تستفاد بالملازمة بين ثبوت الصلاة في المقام ومشروعية التيمم. ومساواة الفرض لما لو خاف ضيق الوقت عن الطلب لا يخلو من خفاء ، لأن المستند في الثاني إن كان هو الإجماع فهو غير حاصل في المقام ، وإن كان مصحح زرارة (٣) ـ بناء على جواز العمل بروايته على بعض الطرق الذي فيه : « فليطلب » بدل : « فليمسك » كما هو الظاهر ـ فالتعدي منه الى المقام يحتاج الى لطف قريحة. وكون العلة في تشريع التيمم المحافظة على الوقت ـ لو سلم ـ يختص بما إذا صدق عدم الوجدان. وأهمية الوقت إنما تقتضي سقوط الوضوء لا مشروعية التيمم إلا بتوسط الملازمة بينهما. والتعدي من الزحام يوم الجمعة وعرفة الى المقام غير ظاهر ، ولا سيما بملاحظة كون الزحام‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٢٣ من أبواب التيمم.

(٢) راجع الوسائل باب : ١٥ من أبواب التيمم.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب التيمم حديث : ١ ، وقد تقدم ذكره والإشارة إليه مكرراً.

٣٥٧

من الوضوء أو الغسل خروج وقت الصلاة ولو كان لوقوع جزء منها خارج الوقت [١]. وربما يقال : إن المناط عدم‌

______________________________________________________

موجباً لعدم القدرة على الماء مع قطع النظر عن الوقت. فتأمل.

فإذاً العمدة في وجوب التيمم ما عرفت من التقريبين. ومنهما يظهر ضعف ما عن المعتبر وجامع المقاصد وكشف اللثام والمدارك من عدم مشروعية التيمم لضيق الوقت ، لصدق الوجدان. قال في المدارك : « لو كان الماء موجوداً عنده : فأخل باستعماله حتى ضاق الوقت عن الطهارة المائية والأداء ، فهل يتطهر ويقضي ، أو يتيمم ويؤدي؟ فيه قولان. أظهرهما الأول. وهو خيرة المصنف (ره) في المعتبر ، لأن الصلاة واجب مشروط بالطهارة ، والتيمم إنما يسوغ مع العجز عن استعمال الماء والحال ان المكلف واجد للماء ، متمكن من استعماله ، غاية الأمر أن الوقت لا يتسع لذلك ، ولم يثبت كون ذلك مسوغا للتيمم. وقال العلامة في المنتهى : يجب التيمم والأداء ، لقوله (ع) في صحيحة حماد بن عثمان : ( هو بمنزلة الماء ) (١) .. »

وفيه : ما عرفت من أنه يكفي في المشروعية سقوط الوضوء وإن صدق الوجدان ، مع أن الوجدان الذي هو منصرف الآية الشريفة والنصوص غير صادق. كيف؟! وقد بنوا على مشروعية التيمم إذا احتاج الماء في إزالة النجاسة ، وكذا إذا لزم من وجوب الوضوء حرج في استعماله ، أو من شرائه. أو في طلبه ، أو في شراء الآلة التي يستقى بها ، أو نحو ذلك ، مع صدق الوجدان بالمعنى المدعى صدقه هنا. وللتفكيك بين المقام وما ذكر تحكم. فلاحظ.

[١] إذ لا فرق بين الجزء الأخير وغيره في وجوب إيقاعه في الوقت.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب التيمم حديث : ٢.

٣٥٨

إدراك ركعة منها في الوقت ، فلو دار الأمر بين التيمم وإدراك تمام الوقت أو الوضوء وإدراك ركعة أو أزيد ، قدم الثاني ، لأن من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت. لكن الأقوى ما ذكرنا ، والقاعدة مختصة بما إذا لم يبق من الوقت فعلا إلا مقدار ركعة [١] ، فلا تشمل ما إذا بقي بمقدار تمام الصلاة ويؤخرها إلى أن يبقى مقدار ركعة. فالمسألة من باب الدوران بين مراعاة الوقت ومراعاة الطهارة المائية ، والأول أهم. ومن المعلوم أن الوقت معتبر في تمام أجزاء الصلاة فمع استلزام الطهارة المائية خروج جزء من أجزائها خارج الوقت لا يجوز تحصيلها ، بل ينتقل إلى التيمم. لكن الأحوط القضاء مع ذلك ، خصوصاً إذا استلزم وقوع جزء من الركعة خارج الوقت [٢].

______________________________________________________

[١] لأن قوله (ع) « من أدرك .. » (١) ظاهر في صورة فوات الوقت إلا ركعة ، ولا يدل على جواز تفويت الوقت إلا ركعة ، وحينئذ لا مخصص لما دل على وجوب إيقاع تمام الصلاة في الوقت ، فيشرع لأجله التيمم. إلا أن يقال : ذلك مسلم ، إلا أنه يدل على بدلية مقدار الركعة عن مقدار تمام الصلاة ، وحينئذ يكون فعل الصلاة بتمامها في الوقت مما له بدل ، فيدور الأمر بين واجبين كل واحد له بدل ، ولا وجه لترجيح أحدهما على الآخر. إلا أن يدعى ان الوقت بالنسبة الى كل جزء أهم من الطهارة المائية ، وكأنه الى هذا أشار المصنف بقوله : « والأول أهم ». لكن الأهمية في الفرض غير ظاهرة ، إلا أن تحتمل الأهمية.

[٢] كأنه من جهة ان النقص من حيث الوقت وارد على الصلاة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب المواقيت ـ كتاب الصلاة ـ حديث : ٢ و ٤ و ٥.

٣٥٩

( مسألة ٢٦ ) : إذا كان واجداً للماء وأخر الصلاة عمداً إلى أن ضاق الوقت عصى ، ولكن يجب عليه التيمم [١] والصلاة ولا يلزم القضاء ، وإن كان الأحوط احتياطاً شديداً [٢] ،

( مسألة ٢٧ ) : إذا شك في ضيق الوقت وسعته بنى على البقاء [٣] وتوضأ أو اغتسل. وأما إذا علم ضيقه وشك في كفايته لتحصيل الطهارة والصلاة وعدمها ، وخاف الفوت إذا حصلها ،

______________________________________________________

على كل حال.

[١] لما تقدم بعينه.

[٢] لاحتمال انصراف أدلة المشروعية عن صورة التفريط والتقصير ، كما عن بعض. لكنه ضعيف.

[٣] إما لاستصحاب بقاء الوقت الى ما بعد الصلاة والطهارة المائية وقد عرفت في الحيض في مبحث التحيض برؤية الدم أنه لا مانع من جريان الاستصحاب في الأزمنة المستقبلة. إلا أن يقال : الواجب إيقاع الصلاة في زمان هو وقتها من ليل أو نهار ، واستصحاب بقاء الوقت لا يصلح لإثبات كون الزمان الخارجي وقتاً إلا بناء على الأصل المثبت ، نظير استصحاب بقاء الكر في الحوض لإثبات كرية الماء الموجود فيه. وهكذا الحال في كل ما هو مفاد كان التامة ، فان استصحابه لا يثبت مفاد كان الناقصة. نعم لو كان مفاد القضية الشرعية أنه تجب الصلاة ما دام الوقت الكذائي موجوداً كان استصحابه كافياً في جواز الصلاة. لكنه خلاف الظاهر من القضايا الشرعية الآمرة بالصلاة في وقتها.

اللهم إلا أن يقال : الصلاة في الوقت لا يراد منه كون الوقت بنفسه ظرفاً للصلاة ، إذ لا ظرفية بينهما ، بل المراد منه وقوع الصلاة في الأمد‌

٣٦٠