مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٠٩

يكن يعلوها الملح ، وإلا فلا يجوز. وكذا يكره بالرمل [١]. وكذا بمهابط الأرض [٢]. وكذا بتراب يوطأ [٣] ، وبتراب الطريق [٤].

______________________________________________________

أيضاً عن جماعة. وتقتضيها قاعدة التسامح بناء على الاكتفاء فيها بفتوى الفقيه.

[١] أما الجواز فيه : فإجماع صريحاً وظاهراً عن جماعة. وفي جامع المقاصد : « أما الرمل فيجوز عندنا على كراهية ». لما سبق من الإطلاق وعن الحلبي في الإشارة : للعدم مع وجود التراب. وتبعه في كشف الغطاء ولكنه غير ظاهر. وما عن أبي عبيدة قد عرفت حاله. وأما ما رواه محمد ابن الحسين : « أن بعض أصحابنا كتب الى أبي الحسن الهادي (ع) يسأله عن الصلاة على الزجاج ، قال : فلما نفذ كتابي إليه تفكرت وقلت هو مما أنبتت الأرض وما كان لي أن أسأل عنه. قال : فكتب إلي : لا تصل على الزجاج وإن حدثتك نفسك أنه مما أنبتت الأرض ، ولكنه من الملح والرمل وهما ممسوخان » (١). فضعيف في نفسه ، غير معمول به في الرمل ، ومعارض بما عن الحميري في دلائل علي بن محمد العسكري (ع) قال : « وكتب اليه محمد بن الحسين بن مصعب .. الى أن قال : فإنه من الرمل والملح والملح سبخ » (٢). واحتمال تعدد السؤال بعيد. مع أنه لا يدفع التعارض. فتأمل جيداً.

[٢] إجماعاً كما عن الخلاف والمعتبر.

[٣]لخبر غياث : « قال أمير المؤمنين (ع) : لا وضوء من موطإ » (٣) قال النوفلي : « يعني ما تطأ عليه برجلك ».

[٤] لخبر غياث المتقدم‌ ، ولخبره الآخر : « نهى أمير المؤمنين (ع)

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب ما يسجد عليه ملحق حديث : ١‌

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب التيمم حديث : ١‌

٤٠١

فصل في كيفية التيمم

ويجب فيه أمور :

الأول : ضرب باطن اليدين معاً دفعة على الأرض ، فلا يكفي الوضع بدون الضرب [١] ،

______________________________________________________

فصل في كيفية التيمم‌

أن يتيم الرجل بتراب من أثر الطريق » (١).

[١] في كشف اللثام : نسبة ذلك الى المشهور. وفي الذكرى : نسبته الى معظم عبارات الأصحاب. للأمر بالضرب في أكثر النصوص ، وهو ظاهر في الوجوب ، فيجب حمل ما دل من النصوص على الاكتفاء بالوضع (٢) عليه حملا للمطلق على المقيد ، لأن الظاهر أن الضرب أخص مفهوماً من الوضع ، فتكون النسبة بين الدليلين هي النسبة بين المقيد والمطلق. فما في ظاهر الشرائع والقواعد ، وحكي عن الشهيد في الذكرى والدروس ، واختاره المحقق الثاني في جامع المقاصد وحاشية الإرشاد من الاكتفاء بالوضع ، وتبعهما الأردبيلي وغيره ، ضعيف. قال في جامع المقاصد : « واختلاف الأخبار وعبارات الأصحاب في التعبير بالضرب والوضع يدل على أن المراد بهما واحد فلا يشترط في حصول مسمى الضرب كونه بدفع واعتماد كما هو المتعارف ». وما ذكره خلاف قاعدة حمل المطلق على المقيد ، اللهم إلا أن يكون مراده : أن الوضع المماسة بغير دفع واعتماد ، فيكون المفهومان متباينين ، فيكون‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب التيمم حديث : ٢‌

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٢ ـ ٤ ـ ٥ ـ ٨‌

٤٠٢

ولا الضرب بإحداهما [١] ، ولا بهما على التعاقب [٢] ،

______________________________________________________

الجمع بين دليليهما بالتخيير. لكن المبنى المذكور ضعيف ، لأنه خلاف المفهوم منهما عرفاً ، ولذا لا يتوهم من اقتصر على التعبير بالوضع المنع من الدفع والاعتماد.

[١] إجماعا محصلا ومنقولا ، ونصوصاً كما في الجواهر. نعم قد يظهر مما عن التذكرة والنهاية من احتمال الاجتزاء بالمسح بكف واحدة ـ وعن الأردبيلي استظهاره ـ الاجتزاء بضرب واحدة. لكنه لو تمَّ ففي غير محله لتواتر النصوص في الأمر بضربهما معاً ، أو حكاية ذلك في فعل المعصومين عليهم‌السلام : نعم في موثق زرارة : « سألت من أبي جعفر (ع) عن التيمم ، فضرب بيده الى الأرض ، ثمَّ رفعها فنفضها ، ثمَّ مسح بها جبينه وكفيه مرة واحدة » (١). وروايته الأخرى عن أبي جعفر (ع) وفيها : « فضرب بيده على الأرض ، ثمَّ ضرب إحداهما على الأخرى ، ثمَّ مسح بجبينه ، ثمَّ مسح كفيه كل واحدة على الأخرى ، مسح باليسرى على اليمنى واليمنى على اليسرى » (٢). وفي رواية الخزاز : « فوضع يده على المسح » (٣). لكن ظاهر الأولين : اليدان ، بقرينة ما في ذيلهما من مسح الكفين. وعلى ذلك تحمل الأخيرة.

[٢] كما عن الحدائق نسبته الى ظاهر الأخبار والأصحاب. لكنه لا يخلو من تأمل ، فإن إطلاق الضرب في النص والفتوى يقتضي الأعم من ذلك. وقد يستفاد ذلك من أخبار الضربة والضربتين ، فان الوحدة العرفية إنما هي بملاحظة الدفعة ، فإن المراد من الوحدة ما يقابل التعدد لا ما يقابل التعاقب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٣‌

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٩‌

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٢‌

٤٠٣

ولا الضرب بظاهرهما [١] حال الاختيار. نعم حال الاضطرار يكفي الوضع [٢]. ومع تعذر ضرب إحداهما يضعها ويضرب بالأخرى. ومع تعذر الباطن فيهما أو في إحداهما ينتقل الى الظاهر [٣] فيهما ، أو في إحداهما [٤]. ونجاسة الباطن. لا تعد عذراً [٥] ، فلا ينتقل معها الى الظاهر.

______________________________________________________

أيضاً. فتأمل.

[١] كما عن جماعة التصريح به ، منهم المفيد والمرتضى والحلي. وفي المدارك : « انه المعهود من الضرب والوضع ». وفي الذكرى : « لأنه المعهود من الوضع والمعلوم من عمل صاحب الشرع ». بل عن بعض المحققين : أنه وفاقي ، وعليه عمل المسلمين في الأعصار والأمصار من دون شك انتهى. ولعل هذا المقدار كاف في منع الظاهر. مضافاً الى انصراف النصوص الى الباطن. إلا أن يقال : الانصراف المذكور منشؤه التعارف ومثله لا يقدح في الإطلاق كما أشرنا إليه مراراً.

[٢] إجماعاً ظاهراً كما يظهر من غير واحد. وهو العمدة فيه ، وأما قاعدة الميسور كلية فغير ثابتة.

[٣] للإطلاق. والإجماع على اعتبار الباطن مختص بالاختيار.

[٤] يعني يضرب بباطن الأخرى كما قواه في الجواهر ، وجعل الاقتصار على الضرب بباطن إحداهما وجهاً. وفي المستند : جعل الأقوى الأول أو الاكتفاء بضرب الظاهر فيهما للإطلاق. وهو في محله لو لا ما يظهر منهم من أن اعتبار الباطن لا يختص بصورة الإمكان فيهما معاً.

[٥] مع عدم التعدي ، بلا خلاف أجده بين الأصحاب كما في الجواهر لإطلاق الأدلة. ودليل اعتبار الطهارة لا يقتضي اعتبارها مع الاضطرار كما سيأتي.

٤٠٤

الثاني : مسح الجبهة بتمامها [١] ،

______________________________________________________

[١] إجماعاً محصلا ومنقولا ، مستفيضاً بل متواتراً كما في الجواهر. وفي المستند : « هو محل الوفاق بين المسلمين بل هو ضروري الدين ». ونحوه ما عن المصابيح. وفي كشف اللثام : « ادعى الحسن تواتر الأخبار بأنه (ص) حين علم عماراً مسح بهما جبهته ». لكن لم يعثر على رواية متضمنة للجبهة ـ كما اعترف به غير واحد ـ غير موثق زرارة المروي في التهذيب عن المفيد عن أبي جعفر (ع) عن التيمم : « فضرب بيده الأرض ثمَّ رفعها فنفضها ثمَّ مسح بها جبهته » (١). لكن في الوسائل عن الكافي وعن التهذيب عنه روايته : « جبينه » (٢). ومن الغريب ما في جامع المقاصد قال : « ومسح الجبهة من قصاص الشعر في مقدم الرأس إلى طرف الأنف الأعلى ـ وهو الذي يلي آخر الجبهة ـ متفق على وجوبه بين الأصحاب والأخبار الكثيرة دالة عليه مثل قول الصادق (ع) في موثق زرارة : ( ثمَّ مسح بها جبهته وكفيه مرة واحدة ) (٣) ». وكأنه أراد من الأخبار الكثيرة ما تضمن المسح على الجبينين أو الجبين ، كما يقتضيه ما ذكره في الذكرى في الدليل على وجوب مسح الجبهة ، فإنه قال : « وقد روي من طرق شتى كصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) ـ في قضية عمار ـ : ( ثمَّ مسح جبينه بأصابعه وكفيه إحداهما بالأخرى ) (٤) ، وموثق زرارة عنه (ع) : ( ثمَّ مسح جبهته وكفيه مرة واحدة ) (٥). ومثله رواية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم الملحق الثاني للحديث الثالث‌

(٢) راجع الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٣ وملحقة الأول‌

(٣) هو الموثق المتقدم في صدر التعليقة‌

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٨‌

(٥) هو الموثق المتقدم في صدر التعليقة‌

٤٠٥

والجبينين [١]

______________________________________________________

عمرو بن أبي المقدام » (١). ورواية عمرو إنما تضمنت الجبينين. وكذلك غيرها من الأخبار ، ففي بعضها ذكر الوجه (٢). وفي جملة ذكر الجبين مفرداً في بعضها (٣) ومثنى في أخرى (٤) : ومقتضى الجمع العرفي وغيره حمل أخبار الوجه على الجبين ، فيخلو مسح الجبهة عن النص عليه غير الموثق المتقدم المعارض بما هو أوثق. لكن الإجماعات المتقدمة كافية في ثبوته. وما عن الهداية والفقيه من الاقتصار على الجبينين لا بد أن يكون محمولا على ما يعم الجبهة. فلاحظ.

[١] كما في جامع المقاصد والمسالك والمدارك وشرح المفاتيح وغيرها. ويشهد له موثق زرارة المتقدم (٥) ـ على رواية الكافي والتهذيب عنه ـ وموثقه الآخر المروي عن السرائر (٦) ، وصحيحه المروي عن الفقيه (٧) وغيرها (٨).

وعن ظاهر الفاضلين والشهيدين وغيرهم : عدم وجوب مسحهما لاقتصارهم على ذكر الجبهة. وتبعهم في الحدائق والرياض والمستند. وهو محتمل كل من عبر بالوجه من القصاص الى طرف الأنف ، كالمفيد والسيد والحلبي والطوسي والحلي وغيرهم. وكأنه لاستظهار ذلك منهم نسب القول‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٦‌

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ١ ـ ٢ ـ ٤ ـ ٥ ـ ٧‌

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٣ ـ ٨ ـ ٩‌

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٦‌

(٥) تقدم في التعليقة السابقة‌

(٦) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٩‌

(٧) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٨‌

(٨) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٦‌

٤٠٦

______________________________________________________

بالاختصاص بالجبهة إلى الأصحاب في الحدائق ، والى المشهور كما عن غيرها.

واستدل له بالأصل ، لعدم الدليل على الوجوب فيهما. والأخبار المذكورة لا تدل عليه ، إذ ليس فيها إلا أنه مسح على جبينيه ، والفعل محتمل للاستحباب ، ولذا ذكر في جملة منها نفض اليدين الذي لا إشكال في استحبابه. مع أن الأخذ بظاهر الأخبار المذكورة من الاكتفاء بمسح الجبين مما لا يمكن ، لما عرفت من الإجماع على وجوب مسح الجبهة ، فلا بد إما من طرحها وهو خلاف قاعدة أولوية الجمع. أو حملها على ما يعم الجبهة ، أو حملها على خصوص الجبهة. والأخير متعين ، لئلا يخلو تخصيص مسح الجبهة عن الدليل ، ولشيوع التعبير عنها بالجبين كما في الموثق : « لا صلاة لمن لم يصب أنفه ما يصيب جبينه » (١). ونحوه غيره.

والجميع كما ترى : فان ظهور الأخبار البيانية في الوجوب لا مجال لإنكاره. والفعل وان كان يحتمل الاستحباب لكن حكاية المعصوم في مقام البيان تدل على الوجوب ، والاشتمال على ما ثبت استحبابه من الخارج غير قادح. ولزوم خلو تخصيص الجبهة عن الدليل ـ لو لم يحمل الجبين على الجبهة ـ مندفع بإمكان حمل الجبهة في كلام الجماعة على ما يعم الجبين. واستعمال الجبين في خصوص الجبهة في الموثق وغيره غير ظاهر ، لإمكان إرادة ما يعمها. كيف؟! وهو أقرب عرفاً من مجاز المجاورة.

وبالجملة : نصوص الجبين لا مجال لرفع اليد عن ظاهرها. وموثق الجبهة لا يصلح لمعارضتها بعد روايته في الكافي بلفظ الجبين ، فالعمل بها متعين ، ولأجله يمكن حمل الجبهة في النص على ما يعم الجبينين.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب السجود حديث : ٧‌

٤٠٧

بهما [١] ، من قصاص الشعر الى طرف الأنف الأعلى [٢] والى الحاجبين‌

______________________________________________________

[١] كما هو المشهور كما عن المختلف والذكرى والكشف ، وفي الجواهر : « لعله مجمع عليه ». وتقتضيه الأخبار البيانية المشتمل بعضها على الأمر بذلك كخبر ليث : « وتمسح بهما وجهك » (١). فما عن التذكرة والنهاية من احتمال الاجتزاء بواحدة ـ وعن الأردبيلي استظهاره ـ غير ظاهر والأصل لا مجال له بعد الدليل ، كالإطلاق مع المقيد. وما في بعض الصحاح من إفراد اليد لا يعارض ما سبق ، كما سبق في ضرب اليدين ، لإمكان حمله على الجنس.

[٢] إجماعا كما عن الانتصار والغنية والروض والروضة وغيرها. وعن أمالي الصدوق : « انه من دين الإمامية » ، وفي بعضها : لم يقيد طرف الأنف بالأعلى. وكيف كان فالذي يقتضي التحديد المذكور في المتن : أنه مقتضى تحديد الجبهة والجبينين الواجب مسحهما بذلك.

وعن رسالة علي بن بابويه : وجوب استيعاب الوجه. ويشهد له ظاهر كثير من النصوص المتضمنة للأمر بمسح الوجه (٢) التي تبلغ أكثر من أحد عشر. لكن حمله على الجبهة والجبين ـ بقرينة نصوصهما والإجماع المتقدم ، وقوله تعالى ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ ) (٣) بناء على ظهور الباء في التبعيض ، أو بعد ملاحظة تفسيرها في صحيح زرارة بذلك (٤) ـ متعين ولأجله يسهل حمل كلام ابن بابويه عليه ، لتعارف تعبيره بمتون الاخبار كغيره من القدماء.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب التيمم حديث : ٢.

(٢) راجع الوسائل باب : ١١ ـ ١٢ ـ ١٣‌

(٣) المائدة : ٦‌

(٤) الوسائل باب : ١٣ من أبواب التيمم حديث : ١.

٤٠٨

والأحوط مسحهما [١] أيضاً. ويعتبر كون المسح بمجموع الكفين على المجموع [٢] ، فلا يكفي المسح ببعض كل من اليدين ، ولا مسح بعض الجبهة والجبينين ، نعم يجزئ التوزيع فلا يجب المسح بكل من اليدين على تمام أجزاء الممسوح.

______________________________________________________

وأما ما في المعتبر من أن الجواب الحق العمل بالخبرين ، فيكون مخيراً بين مسح الوجه وبعضه ـ وعن كشف الرموز : أنه قربه. وفي المدارك : أنه حسن ـ فهو بعيد عن ظاهر مجموع النصوص. نعم لا يبعد عن صناعة الجمع بين النصوص حمل نصوص الوجه على الاستحباب ، فإنه أقرب من حمل الوجه على الجبهة. ثمَّ إن المصرح به في كلام الجماعة أن طرف الأنف هو الأعلى. وعن السرائر : الإزراء ببعض المتفقهة حيث ظن أنه الأسفل. وهو كذلك لعدم ظهور وجهه ، لا من النص ولا من الفتوى. كما أن لازم التحديد المذكور وجوب مسح ما بين الحاجبين. والعمدة فيه الإجماعات السابقة ، وإلا فدخوله في الجبهة عرفاً أو لغة محل إشكال ، ولذا لا يجوز السجود عليه. فتأمل.

[١] وعن الصدوق : وجوبه. وتبعه في الذكرى وجامع المقاصد ناقلاً في الثاني عن الصدوق أن به رواية. وقد يظهر مما في المنتهى من قوله : « إنه لا يجب مسح ما تحت الحاجبين » أنه مسلم. وفيه : أنه لا دليل عليه لخروجهما عن الجبهة والجبين ، فالأصل والأخبار البيانية تنفيه. والرواية التي قد يظهر من محكي كلام الصدوق اعتبارها غير ثابتة كذلك. نعم يجب مسح شي‌ء منهما من باب المقدمة.

[٢] الوجوه المتصورة في مسح الجبهة باليدين خمسة ، كما ذكره بعض : ( الأول ) : أن يمر كل جزء من الكفين بكل جزء من الممسوح.

٤٠٩

______________________________________________________

( الثاني ) : أن يمر تمام كل منهما على تمام الممسوح. ( الثالث ) : أن يمر تمام إحداهما على بعضه وتمام الأخرى على الباقي. ( الرابع ) : أن يمر كلا من الكفين في الجملة ـ ولو بعضاً من كل منهما ـ على جميع أجزاء الممسوح. ( الخامس ) : أن يمر كلا من اليدين في الجملة ـ ولو بعض كل منهما ـ على بعض الممسوح بحيث لا يبقى منه جزء إلا وقد مر عليه بعض الماسح.

والأول : متعذر أو متعسر ، لتوقفه على إمرار كل من اليدين مرات متعددة بتعدد الخطوط الطولية للجبهة والجبينين. ولذا لم ينسب الى أحد.

والثاني : منسوب الى ظاهر المدارك وغيرها ، وفي صحة النسبة تأمل وهو يتوقف أولاً : على ظهور الأدلة في استيعاب الماسح ، وعلى ظهورها في لزوم مسح تمام أجزاء الجبهة بكل منهما. وهما معاً غير ثابتين ، بل الأول منهما خلاف قول الباقر (ع) في صحيح زرارة : « ثمَّ مسح جبينه بأصابعه » (١). ويتوقف حصوله على المسح بكل من اليدين تدريجاً. وهو غير ظاهر منها لو لم يكن الظاهر الدفعة.

وأما الثالث : فنسب الى ظاهر لوامع النراقي. وفيه الإشكال الأول مضافاً الى أن لازمه تكرار المسح ، لأن الغالب أن الكفين أوسع من مجموع الجبهة والجبينين ، فلا يحصل المسح بتمام كل من الكفين بالمسح مرة واحدة ، وظاهر النصوص البيانية الاجتزاء بمسح واحد.

وأما الرابع : فنسب الى بعض ويرد عليه الإشكال الأخير. فيتعين الخامس ، فإنه الذي يساعده الظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٨‌

٤١٠

الثالث : مسح تمام [١] ظاهر الكف‌

______________________________________________________

وأما عبارة المتن : فالظاهر منها إرادة الثالث ، فان قوله : « فلا يكفي المسح .. » ينفي الأخيرين ، للاكتفاء بالبعض فيهما. وقوله بعد ذلك : « فلا يجب المسح .. » ينفي الأولين. وقد عرفت إشكال الثالث : ثمَّ إن قوله : « بمجموع الكفين على المجموع » غير ظاهر في لزوم استيعاب الكفين ، ولا في لزوم استيعاب الجبهة والجبينين ، فتفريع قوله : « فلا يكفي .. » على مضمون العبارة غير ظاهر. والعبارة التي يتفرع عليها ذلك هكذا : « ويعتبر كون المسح بتمام مجموع الكفين على تمام المجموع » فلاحظ.

[١] أما أصل مسح اليدين في الجملة : فالظاهر أنه إجماعي بين المسلمين ، ثابت بالكتاب والسنة. وأما وجوب مسح المقدار المذكور وعدم وجوب الزائد عليه : فهو المعروف بين أصحابنا. وادعى جماعة الإجماع عليه صريحاً وظاهراً. ويشهد له الاخبار البيانية المتضمنة للمسح على الكفين بظهورها في تمام الكف لا غير ، والمناقشة في دلالتها على الوجوب قد عرفت اندفاعها. وما في بعضها من ذكر اليد محمول على الأول ، ولا سيما بملاحظة عطف الأيدي في الآية الشريفة على الوجه المراد منه البعض بقرينة الباء ، كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) الوارد في الوضوء والتيمم (١).

نعم عن علي بن بابويه وجوب مسح الذراعين. ويشهد له صحيح ابن مسلم قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن التيمم فضرب بكفيه إلى الأرض ثمَّ مسح بهما وجهه ، ثمَّ ضرب بشماله الأرض فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع واحدة على ظهرها وواحدة على بطنها ، ثمَّ ضرب بيمينه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٨‌

٤١١

______________________________________________________

الأرض ثمَّ صنع بشماله كما صنع بيمينه » (١). وفي صحيح ليث عن أبي عبد الله (ع) : « وتمسح بها وجهك وذراعيك » (٢). وفي موثق سماعة : « فمسح بها وجهه وذراعيه » (٣). لكن الجميع لا يصلح لمعارضة ما سبق ـ ولا سيما مثل صحيح زرارة قال : « سمعت أبا جعفر (ع) يقول : ـ وذكر التيمم .. إلى أن قال : ومسح وجهه وكفيه ولم يمسح الذراعين بشي‌ء (٤) » ، وصحيحه الآخر عنه (ع) : « ثمَّ مسح جبينيه بأصابعه وكفيه إحداهما بالأخرى ثمَّ لم يعد ذلك (٥) » ، والصحيحين الآتيين‌ ـ لوجوب تقديمها عليها عرفاً. مضافاً الى ما عرفت من دعوى الإجماع على خلافها. نعم مقتضى قواعد الجمع الحمل على الاستحباب كما عن كشف الرموز. وعن المنتهى والمدارك : احتماله. وإلا أن الأقرب الى الذهن ورودها مورد التقية.

وعن السرائر عن قوم من أصحابنا : أن المسح من أصول الأصابع. ويشهد له مرسل حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ قال (ع) : « فامسح على كفيك من حيث موضع القطع (٦). » لكن إرساله وإعراض الأصحاب عنه يمنعان عن العمل به. فالعمل على المشهور لازم. وما في صحيح داود بن النعمان عن أبي عبد الله (ع) : « فمسح وجهه ويديه وفوق الكف قليلا (٧) » ، ونحوه مصحح أبي أيوب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب التيمم حديث : ٥‌

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب التيمم حديث : ٢‌

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب التيمم حديث : ٣‌

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٥‌

(٥) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٨‌

(٦) الوسائل باب : ١٣ من أبواب التيمم حديث : ٢‌

(٧) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٤‌

٤١٢

ظاهر الكف [١] اليمنى بباطن اليسرى [٢] ، ثمَّ مسح تمام ظاهر اليسرى بباطن اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع. ويجب من باب المقدمة [٣] إدخال شي‌ء من الأطراف. وليس ما بين‌

______________________________________________________

الخزاز عنه (ع) ( ١) ، محمول على كون المسح كذلك من باب المقدمة وإن حكي عن ظاهر الفقيه الفتوى به. ولعله محمول على ذلك أيضاً فلاحظ.

[١] إجماعاً ظاهراً كما عن جماعة ولم يعرف فيه مخالف. ويشهد له ما في حسن الكاهلي : « ثمَّ مسح كفيه إحداهما على ظهر الأخرى (٢) » ونحوه موثق زرارة عن أبي جعفر (ع) المروي عن مستطرفات السرائر قال فيه : « ثمَّ مسح بجبينيه ، ثمَّ مسح كفيه كل واحدة على ظهر الأخرى (٣) ». لكن في النسخة المصححة من الوسائل قد ضرب على لفظ « الظهر » كما هو كذلك فيما يحضرني من نسخة السرائر ، ويناسبه ما بعده من قوله : « فمسح باليسرى على اليمنى واليمنى على اليسرى ».

[٢] المسح بالباطن هنا وفي الوجه تابع لضرب الباطن الذي تقدم الكلام فيه. ويشير الى تعين الباطن ما في حسن الكاهلي.

[٣] ليس المقام من باب المقدمة العلمية التي تجب عقلا من باب وجوب الاحتياط ، لأن تلك يجب أن يكون موضوعها محتمل الواقع بحيث يحتمل أن يكون التكليف به عين التكليف بالواقع ، ولا من باب المقدمة الخارجية ، لعدم المقدمية بين مسح ما دخل في الحد وما خرج عنه ، بل المقام من باب آخر كما تقدم ذلك في الوضوء.

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٢‌

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ١‌

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٩‌

٤١٣

الأصابع من الظاهر [١] فلا يجب مسحها ، إذ المراد به ما يماسه ظاهر بشرة الماسح. بل الظاهر عدم اعتبار التعميق [٢] والتدقيق فيه ، بل المناط صدق مسح التمام عرفا.

وأما شرائطه : فهي أيضاً أمور : ( الأول ) : النية [٣] ، مقارنة لضرب اليدين [٤]

______________________________________________________

[١] لان الموجود في النص ظهر الكف ، وهو لا يصدق على ما بين الأصابع.

[٢] كما هو الظاهر من التيممات البيانية ، للاكتفاء فيها بالمسح مرة واحدة. وفي مجمع البرهان : « لو مسح ظهر الكف بالبطن بحيث ما تهاون وما قصر في الاستيعاب يكفيه ذلك وإن لم يستوعب جميع الظهر حيث يبقى ما بين الأصابع ، ولا سيما ما بين السبابة والإبهام وبعض الخلل ، لما يفهم من الاكتفاء بالمسح الواحد مع عدم المبالغة ولا التأكيد والتخليل. وقال الأصحاب : لا يستحب التخليل ويجب الاستيعاب. ولعله يراد إيصال البطن على جميع الظهر على الوجه المتعارف مع عدم التقصير والعلم بعدم الإيصال ». وما ذكره غير بعيد بملاحظة أن بقاء بعض الخلل بلا مسح من لوازم المسح مرة غالباً ، لعدم التسطيح الحقيقي في السطح الماسح والممسوح.

[٣] إجماعاً ادعاه جماعة. بل عن المعتبر والتذكرة وجامع المقاصد والروض : دعوى إجماع علماء الإسلام. ويقتضيه مرتكزات المتشرعة ، فإن رافع الحدث عبادة عندهم بخلاف رافع الخبث.

[٤] لكونه أول أفعاله كما هو المشهور ، ويقتضيه ظاهر النصوص البيانية. وعن نهاية العلامة والجامع : وجوب مقارنتها لمسح الجبهة. وظاهره‌

٤١٤

______________________________________________________

كونه أول الاجزاء كما عن صريح المفاتيح. ويساعده ظاهر الآية الشريفة وخبر زرارة عن أحدهما (ع) ـ في حديث ـ : « من خاف على نفسه من سبع أو غيره أو خاف فوت الوقت فليتيمم يضرب يده على اللبد والبرذعة ويتيمم ويصلي » (١). ولا ينافيه قوله (ع) : « يضرب » عقيب قوله : « فليتيمم » ، لظهوره في كونه بياناً له ، فان ذلك يتم لو لم يقل (ع) ثانياً : « ويتيمم » ، فإنه ظاهر حينئذ في اتحاد المراد منهما ، ويكون الضرب مقدمة له. كما أنه لا يقتضي ذلك جواز تلقيه الريح بجبهته المجمع على بطلانه. فان ذلك يتم لو لم تدل النصوص والإجماع على وجوبه ، لكن وجوبه أعم من جزئيته.

وفيه : أن تركه في الآية يدل على عدم وجوبه ، فاذا دلت النصوص على وجوبه وجزئيته وجب التصرف في ظاهر الآية. وأما الخبر : فليس فيه إلا استعمال التيمم فيما عدا الضرب ، والاستعمال أعم : نعم يبقى الإشكال في دلالة النصوص على الجزئية ، أما ما كان بياناً بالفعل : فلا وجه لدعوى دلالته عليها ، لكون الفعل أعم منها ومن الشرطية. وأما ما دل بالقول : مثل خبر ليث في التيمم « تضرب بكفيك على الأرض مرتين .. » (٢) فمن المحتمل أن يكون المقصود منه بيان التيمم بما له من الشرائط اللازمة ، كما يقتضيه الارتكاز ، فان البدلية قائمة بمسح الجبهة واليدين والضرب مقدمة لذلك. نعم ارتكاز المتشرعة في أثر الضرب من طهارة اليد يناسب كونه عبادياً ، كما أن ما ذكروه من لزوم إباحة التراب يقتضي ذلك ، وحمله على التكليف المحض بعيد. هذا ولو بني على الرجوع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب التيمم حديث : ٥‌

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب التيمم حديث : ٢‌

٤١٥

على الوجه الذي مر في الوضوء [١] ولا يعتبر فيها [٢] قصد رفع الحدث ، بل ولا الاستباحة ( الثاني ) : المباشرة حال الاختيار [٣] ( الثالث ) : الموالاة [٤]

______________________________________________________

الى الأصل فهو يقتضي البراءة بناء على أن الأصل التوصلية ، كما هو الظاهر حسبما حرر في محله.

[١] لأن الإجماع قام على عباديته بالمعنى المعتبر في الوضوء.

[٢] كما سبق في الوضوء.

[٣] بلا خلاف كما عن المنتهى ، وبلا ريب كما في المدارك ، وإجماعاً ظاهراً كما عن كشف اللثام. ويقتضيه ظاهر الأمر به بناء على أصالة عدم جواز النيابة في العبادات وإن جازت في غيرها. أما بناء على أصالة الجواز فيها فالعمدة في وجوبها الإجماع.

[٤] إجماعاً صريحاً وظاهراً كما عن الغنية والتذكرة والمنتهى وجامع المقاصد والروض والحدائق وغيرها. وفي المدارك : « قد قطع الأصحاب باعتبارها » وهذا هو العمدة في وجوبها ، لا أدلة البدلية. ولا النصوص البيانية فعلا أو قولا ـ كما عن الذكرى ـ لقصور الأولى ، وإجمال الثانية ، وإطلاق الأخيرة. ولا الفاء في قوله تعالى ( فَتَيَمَّمُوا ) كما عن المنتهى ، لأنها فاء الجزاء ، وهي لا تدل على أكثر من الترتب بالعلية. مع أن التيمم في الآية بمعنى القصد ، وهو غير ما نحن فيه. مع أنه لا فورية فيه إجماعاً. ومنه يظهر حال الاستدلال بالفاء في قوله تعالى ( فَامْسَحُوا ) ، فقد قال في جامع المقاصد : « ومما يدل عليه ـ يعني : على الموالاة ـ العطف بالفاء في قوله تعالى ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ ) ، لدلالتها على التعقيب في مسح الوجه ، ويلزم فيما عدا ذلك لعدم القول بالفصل ». مع أنه لو تمت دلالة‌

٤١٦

وإن كان بدلاً عن الغسل ، والمناط فيها عدم الفصل المخل بهيئته عرفاً بحيث تمحو صورته [١] ( الرابع ) : الترتيب على الوجه المذكور [٢].

______________________________________________________

الفاء على ذلك في الوجه دلت عليه في غير الوجه كما يقتضيه العطف في الممسوح ، نظير قولك : « جاء زيد فجاء بكر وخالد ». وبأن الأمر للفور. مع أنه ليس للفور كما حقق في محله.

هذا وفي المدارك : « لو قلنا باختصاص التيمم بآخر الوقت بالمعنى الذي ذكروه كانت الموالاة من لوازم صحته لتقع الصلاة في الوقت » ، وفيه : أنه إن أريد من آخر الوقت العرفي فهو لا يقتضي الموالاة. وإن أريد منه الحقيقي ـ كما هو مقتضى كون التيمم بدلا سوغته الضرورة ـ فلا تقتضي الموالاة بالمعنى المراد منها هنا ، بل يكون المراد منها الحقيقية التي لا يقول بها أحد. فلاحظ.

هذا ومقتضى إطلاق معاقد الإجماعات عدم الفرق بين ما هو بدل الوضوء وما هو بدل الغسل ، فما في الدروس من عدم اعتبارها في الثاني ـ وعن النهاية احتماله ـ ضعيف. وكأنه اعتمدا في القول بوجوبها على دليل البدلية الذي قد عرفت ضعفه وأن العمدة فيه الإجماع. اللهم إلا أن يكون ذلك منهما قادحاً في إطلاق الإجماع. ولكنه بعيد ، لظهور معاقده في كون الموالاة شرطاً فيه من حيث هو. نعم هو دال على عدم تماميته عندهما.

[١] لأنه الظاهر منها عرفاً. وحملها على المعنى المعتبر في الوضوء لا معنى له إلا بالتقدير ، وهو خلاف المقطوع به منهم.

[٢] إجماعاً كما عن الغنية والمنتهى وإرشاد الجعفرية والمدارك والمفاتيح وظاهر التذكرة والذكرى وغيرها ، حتى حكي عن اثنى عشر كتاباً ما بين صريح وظاهر. وفي جامع المقاصد : حكى إجماع علمائنا على أنه لو نكس‌

٤١٧

( الخامس ) : الابتداء بالأعلى [١] ومنه الى الأسفل في الجبهة واليدين.

______________________________________________________

استأنف ما يحصل معه الترتيب. وما عن المرتضى من الفرق بين الوضوء والتيمم في وجوب الترتيب فقد خرق فيه الإجماع. وفي جامع المقاصد : « يجب تقديم اليمنى على اليسرى بإجماعنا ». وهذا هو العمدة في دليله. وأما الأخبار البيانية الفعلية : فهي وإن اشتملت على العطف بـ « ثمَّ » أو الفاء بين الضرب والمسح ، أو بين الوجه واليدين ، لكنها لا تدل على الوجوب ، لأن مجرد وقوع الترتيب بين الأفعال لا يدل على وجوبه ، لأنه من ضروريات الأفعال التي لا يمكن الجمع بينها. وبالجملة : الفعل مجمل لا يدل على الوجوب. نعم فيما حكاه أبو جعفر (ع) من فعل النبي (ص) في رواية مستطرفات السرائر من قوله (ع) : « فضرب بيده على الأرض ثمَّ ضرب إحداهما على الأخرى ثمَّ مسح بجبينيه ثمَّ مسح كفيه .. (١) مما فيه حكاية الترتيب من الامام (ع) دلالة على اعتباره ، لكنه خال عن الترتيب بين اليدين.

[١] على المشهور كما عن الكفاية والحدائق ، بل عن شرح المفاتيح : نسبته الى ظاهر الأصحاب ، وعن ظاهر جامع المقاصد : الإجماع عليه في اليدين ، وعن التذكرة والنهاية والذكرى والدروس : التصريح به ، وعن الصدوق والسيد والشيخين والحلبي وابن حمزة والحلبي : التنصيص على وجوب مسح الجبهة من القصاص الى طرف الأنف. واستظهر منها رجوع القيد الى المسح ـ كما هو الأصل في القيود التي يتردد الأمر بين كونها قيداً للحكم وكونها قيداً للموضوع ، فيجب عندهم الابتداء من الأعلى ـ لا الى الممسوح ، ليكون المقصود به التحديد. لكن في كفاية هذا المقدار للفتوى بوجوبه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٩‌

٤١٨

( السادس ) : عدم الحائل بين الماسح والممسوح [١] : ( السابع ) : طهارة الماسح والممسوح [٢]

______________________________________________________

تأمل ظاهر. والاستدلال بأدلة المنزلة والبدلية ـ كما في المدارك ـ ضعيف لعدم ظهورهما في مثل ذلك ، ولا سيما مع الاختلاف في الغسل والمسح وكثير من الخصوصيات ، إذ يكون حينئذ ذلك من قبيل تخصيص الأكثر. وكذا الاستدلال بالتيممات البيانية فإنها لم يتعرض فيها للابتداء من الأعلى وعلى تقدير التعرض لذلك فدلالتها غير ظاهرة ، فان مجرد الفعل لا يدل على اللزوم لإجمال الفعل ، ومجرد كون الفعل في مقام البيان لا يقتضي ظهوره في ذلك ، لأنه لا بد أن يقع الفعل على أحد الوجهين. ولأجل ذلك لو قال ـ بعد أن ابتدأ من الأعلى ـ : « الابتداء من الأعلى غير شرط ». لا يكون مناقضاً لفعله ، ولا معارضاً له في المدلول ، وهذا هو المعيار في الأفعال البيانية ، فإذا كان الفعل معارضاً للقول كان دالا وإذا لم يكن معارضاً له لا يكون دالا.

وبالجملة : لو اشتملت الأخبار البيانية على الابتداء بالأعلى فظهورها في ذلك ممنوع جداً. فإطلاق المسح الواقع في الكتاب والسنة غير ثابت التقييد ، فالقول بعدم وجوبه ـ كما عن الأردبيلي ـ أوفق بالعمل بالإطلاق. ولذا جعله في المدارك أحوط. وفي كشف اللثام : « هل يجب الابتداء من الأعلى؟ قطع به في التذكرة والنهاية الأحكام وهو خيرة الذكرى والدروس تسوية بينه وبين الوضوء ، وتمسكا بالبياني. وفيهما نظر ، والأصل العدم ».

[١] بلا إشكال ، فإنه المقطوع به من النصوص.

[٢] كما عن جماعة التصريح به. وعن شرح المفاتيح : نسبته الى الفقهاء. وعن حاشية الشهيد على القواعد : الإجماع على اعتبار طهارة‌

٤١٩

حال الاختيار [١].

( مسألة ١ ) : إذا بقي من الممسوح ما لم يمسح عليه ولو كان جزءاً يسيراً ـ بطل [٢] عمداً كان أو سهواً أو جهلاً. لكن قد مر أنه لا يلزم المداقة والتعميق.

______________________________________________________

أعضاء التيمم. وعن جامع المقاصد : القطع به. لكن في الجواهر : « لم أعثر على مصرح بشي‌ء منه من قدماء الأصحاب ». وعليه ففي ثبوت الإجماع على الاعتبار إشكال. ولذا اختار ابن فهد والسيد العميدي في حواشيه : العدم. ومال إليه في مجمع البرهان والحدائق ـ على ما حكي عنهم ـ عملا بإطلاق الأدلة. وأدلة البدلية والمنزلة قاصرة عن إثبات الاعتبار. قال في المدارك : « ذكر جمع من الأصحاب أن من الواجبات طهارة مواضع المسح من النجاسة ، واستدل عليه في الذكرى بأن التراب ينجس بملاقاة النجس فلا يكون طيباً ، وبمساواة أعضاء الطهارة المائية. ولا يخفى أن الدليل الأول أخص من المدعى. والثاني قياس محض. ومقتضى الأصل عدم الاشتراط. والمصرح بذلك قليل من الأصحاب. إلا أن الاحتياط يقتضي المصير الى ما ذكره ». وكأن مراده بمواضع المسح الأعم من الماسح والممسوح ، ولو أراد الثاني لم يتوجه الدليل الأول ، لاختصاصه بالماسح.

[١] لا إشكال ظاهر في اختصاص شرطية الطهارة بحال الاختيار كما صرح به في كلماتهم ، ويقتضيه الإطلاق كما هو ظاهر.

[٢] لعدم الإتيان بالمأمور به. لكن مع عدم فوات الموالاة يحصل الامتثال بالتدارك على نحو الترتيب.

٤٢٠