مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٠٩

( مسألة ١٤ ) : يسقط وجوب الطلب إذا خاف [١] على نفسه أو ماله من لص أو سبع أو نحو ذلك كالتأخر عن القافلة [٢]. وكذا إذا كان فيه حرج ومشقة [٣] لا تتحمل.

______________________________________________________

اللثام عدم وجوبهما ، وحكاه عن المنتهى ونهاية الأحكام والتحرير والتذكرة وكذلك في جامع المقاصد قواه ، وحكاه عن التذكرة والذكرى. أما الأول : فلما عرفت في المسألة التاسعة من أن العصيان في تفويت الطهارة لا يمنع من صدق عدم وجدان الماء بعده ، فيشمله دليل المشروعية وأما الثاني : فلظهور دليل المشروعية في الاجزاء. فما في المقنعة وعن الدروس والبيان من وجوب الإعادة عند التمكن من الماء ضعيف ، سواء أكان المراد من الإعادة ما يقابل القضاء أم ما يعمه. ودعوى : أن الصلاة بالطهارة المائية فاتت ، وصحة الصلاة بالتيمم لا يقتضي سقوط التكليف بالفائت. مندفعة : بما عرفت من ظهور دليل مشروعية التيمم في إجزائه عن الطهارة المائية كما يقتضيه التسالم على ذلك في غير الفرض من سائر موارد مشروعية التيمم كما سيأتي إن شاء الله.

[١] كما عن غير واحد ، بل في الجواهر نفي الريب فيه. ويشهد له خبر الرقي ويعقوب بن سالم المتقدمان في صدر الفصل المجبور ضعفهما بالعمل.

[٢] يعني : إذا كان موجباً للخوف على نفسه أو ماله ، وإلا فلا دليل على مسقطيته.

[٣] لدليل نفي الحرج (١) بناء على ما عرفت من الملازمة بين‌

__________________

(١) هو قوله تعالى ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) ـ الحج : ٧٨ ـ وقوله تعالى : ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) ـ البقرة : ١٨٥ ـ وقوله تعالى ( ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ) ـ المائدة : ٦.

٣٢١

( مسألة ١٥ ) : إذا كانت الأرض في بعض الجوانب حزنة وفي بعضها سهلة ، يلحق كلاً حكمه [١] من الغلوة والغلوتين.

( الثاني ) : عدم الوصلة إلى الماء الموجود [٢] لعجز : من كبر ، أو خوف من سبع أو لص [٣] ، أو لكونه في بئر مع عدم ما يستقى به من الدلو والحبل ، وعدم إمكان إخراجه بوجه آخر ولو بإدخال ثوب وإخراجه بعد جذبه الماء وعصره.

______________________________________________________

سقوط وجوب الوضوء ومشروعية التيمم.

[١] بلا خلاف. ولو كان الجانب الواحد بعضه حزناً وبعضه سهلا فالنص قاصر عن شموله. ومقتضى ما دل على وجوب الطلب وجوب الاحتياط بمعاملته معاملة السهلة. لكن قال في جامع المقاصد : « ولو اختلفت في ذلك توزع الحكم بحسبها ». وكأنه لفهم المناط.

[٢] إجماعا ادعاه جماعة منهم المحقق في المعتبر قال فيه : « وعدم الوصلة كعدم الماء ، وهو إجماع ». ويشهد له جملة من النصوص كصحيح الحلبي أنه سأل أبا عبد الله (ع) : « عن الرجل يمر بالركية وليس معه دلو قال عليه‌السلام : ليس عليه أن يدخل الركية لأن رب الماء هو رب الأرض فليتيمم » (١). ونحوه حسن الحسين بن أبي العلاء عنه (ع) (٢) وصحيح ابن أبي يعفور عنه (ع) (٣) وزاد في الأخير : « ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم ».

[٣] إجماعاً كما في كشف اللثام ، كما يشهد به ـ مضافا الى أدلة نفي الحرج والضرر ـ خبر يعقوب بن سالم المتقدم. ( ودعوى ) أنه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب التيمم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب التيمم حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب التيمم حديث : ٢.

٣٢٢

( مسألة ١٦ ) : إذا توقف تحصيل الماء على شراء الدلو أو الحبل أو نحوهما ، أو استيجارهما ، أو على شراء الماء أو اقتراضه وجب [١] ولو بأضعاف العوض [٢]

______________________________________________________

لا مجال لأدلة نفي الضرر في المقام كما يشهد به اتفاق النص والفتوى على وجوب الشراء ولو بالمال الكثير. والخبر ظاهر في الخوف على النفس فلا يشمل المال ( لا تهم ) للفرق بين الشراء ، وبين تعريض النفس للصوص في نظر العقلاء ، حيث يقدمون على الأول ولا يقدمون على الثاني ، لما فيه من الغضاضة والحزازة التي لا تتحمل ، وحينئذ يكفي نفي الحرج في مشروعية التيمم وإن لم تف به قاعدة الضرر ولا الخبر. على أن تخصيص القاعدة في الأول لا تقتضي تخصيصها في الثاني. فما في الحدائق من الإشكال في الخوف على المال ضعيف جداً ، ولا سيما بعد الاتفاق عليه كما اعترف به.

[١] بلا خلاف ظاهر ، بل عن المنتهى نفي الخلاف عند العلماء في وجوب شراء الماء ، وفي كشف اللثام الاتفاق عليه. والظاهر عدم الفرق بينه وبين غيره مما ذكر في المتن عندهم. وتقتضيه ـ مضافا الى صدق الوجدان ـ النصوص الآتية.

[٢] إجماعا في شراء نفس الماء كما عن الخلاف. وعن المهذب البارع أنه فتوى فقهائنا. وعن غيرهم : نسبته الى المشهور. لصدق الوجدان أيضاً ، فيتعين العمل بإطلاق أدلة الطهارة المائية. مضافا الى صحيح صفوان « سألت أبا الحسن (ع) عن رجل احتاج الى الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على الماء فوجد بقدر ما يتوضأ به بمائة درهم أو بألف درهم وهو واجد لها يشتري ويتوضأ أو يتيمم؟ قال (ع) : لا ، بل‌

٣٢٣

______________________________________________________

يشتري ، قد أصابني مثل ذلك فاشتريت ، وتوضأت وما يشتري بذلك مال كثير » (١). وقريب منه غيره. وفي خبر الحسين بن أبي طلحة : « سألت عبداً صالحاً عن قول الله عز وجل ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (٢) ما حد ذلك؟ فان لم تجدوا بشراء وغير شراء ، إن وجد قدر وضوئه بمائة ألف أو بألف وكم بلغ؟ قال (ع) : ذلك على قدر جدته » (٣). وبذلك ترفع اليد عن عموم : « لا ضرر » المقتضي لعدم وجوب الشراء بأكثر من ثمن المثل لكونه ضرراً مالياً اتفاقا كما يظهر من كلماتهم في خيار الغبن وغيره. أما لو كان الشراء بالقيمة فلا مجال لتطبق « لا ضرر » بلحاظه ، إذ لا ضرر في شراء الشي‌ء بقيمته. نعم يمكن تطبيقها بلحاظ وجوب الوضوء بالماء إذا كان ضرراً مالياً. لكن النصوص المذكورة كما يظهر منها وجوب الشراء ولو كان ضرراً مالياً يظهر منها أيضاً وجوب الوضوء به ، فتكون أيضاً هي المانع من تطبيق عموم : « لا ضرر » بلحاظ وجوب الوضوء الضرري.

فإن قلت : لا حاجة الى النصوص المذكورة في المقام ، لأن وجوب الوضوء بالماء حكم ضرري ، لاقتضائه إتلاف الماء الذي له مالية ، فيكون دليله مخصصاً لقاعدة نفي الضرر ، وحيث أنه يجب الأخذ بإطلاق الدليل المخصص يجب الأخذ بإطلاق وجوب الوضوء حتى لو كانت قيمته مائة أو ألفاً.

قلت : الماء الذي يلزم صرفه في الوضوء لا يعد إتلافه ضرراً عرفاً غالباً ، فلا يكون دليله مخصصاً للقاعدة ، بل يكون بينهما عموم من وجه ، فتكون القاعدة حاكمة عليه حكومتها على سائر العمومات التي قد تكون ضررية وقد لا تكون ، فلا بد من الرجوع الى النصوص المتقدمة لتكون‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب التيمم حديث : ١.

(٢) المائدة : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب التيمم حديث : ٢.

٣٢٤

ما لم يضر بحاله [١]. وأما إذا كان مضراً بحاله فلا. كما أنه لو أمكنه اقتراض نفس الماء أو عوضه مع العلم أو الظن بعدم إمكان الوفاء لم يجب ذلك [٢].

______________________________________________________

مخصصة للقاعدة. واختصاصها بشراء الماء لا يمنع من التعدي عنه الى شراء الآلة أو استيجارها ، لعدم الفرق بين الجميع. وأما ما عن ابن الجنيد من عدم وجوب الشراء إذا كان غالياً بل يتيمم ويعيد ، فضعيف.

[١] باتفاق الأصحاب كما عن شرح المفاتيح. وعن المنتهى : « لو كانت الزيادة كثيرة تجحف بماله سقط عنه وجوب الشراء ولا نعرف فيه مخالفاً ». نعم عن السيد المرتضى وابن سعيد : إطلاق إيجاب الشراء ، وكأنه لإطلاق النصوص المتقدمة. وفيه : أنه يتم لو لم يكن الضرر بالحال حرجاً وضيقاً لا يتحمل عادة ، وإلا فلا وجه للوجوب ، لعموم نفي الحرج المقدم على الإطلاق. ومن هنا يشكل إطلاق الضرر بالحال في كلام الأكثر ، أو الإجحاف كما في كلام جماعة. ولا يبعد أن يكون مرادهم منهما ذلك. كما لا يبعد أن يكون مراد السيد وابن سعيد غير صورة الحرج كما احتمله في كشف اللثام ، وحينئذ فلا إشكال ولا خلاف. والظاهر عدم الفرق في صدق الضيق والحرج بين ما يكون مضراً بحاله الحالي وما يكون مضراً بحاله الاستقبالي كما عن التذكرة والذكرى وغيرهما. وما عن صريح المعتبر : من تخصيص الاستثناء بالأول لعدم العلم بالبقاء الى وقته ، ولإمكان حصول مال له على تقدير البقاء. ضعيف ، فان مجرد احتمال حصول المال غير كاف في رفع الحرج إذا كان الاحتمال غير معتد به عند العقلاء ، وكان احتمال البقاء قريباً جداً.

[٢] لأن القدرة على الأداء وإن لم تكن شرطاً في صحة القرض ـ كما‌

٣٢٥

( مسألة ١٧ ) : لو أمكنه حفر البئر بلا حرج وجب [١]. كما أنه لو وهبه غيره بلا منة ولا ذلة وجب القبول.

( الثالث ) : الخوف من استعماله على نفسه [٢] أو عضو من أعضائه ، بتلف ، أو عيب ، أو حدوث مرض ، أو شدته ، أو طول مدته ، أو بطء برئه ، أو صعوبة علاجه ، أو نحو ذلك‌

______________________________________________________

هو الظاهر من النصوص والفتاوى ، عدا ما عن الحلبي ـ إلا أن الاقدام على الدين مع العلم أو الظن بعدم القدرة على وفائه يوجب صدق الحرج عرفاً ، لما فيه من المعرضية للمهانة والمنة. نعم لو أمن ذلك كان وجوب الوضوء بلا مانع.

[١] الحكم فيه وفيما بعده ظاهر.

[٢] إجماعا كما عن الغنية. بل عن التذكرة والمنتهى انه بإجماع العلماء. وفي المعتبر : « ويجوز التيمم لو منعه من استعمال الماء مرض. وهو قول أهل العلم إلا طاوس » ، وقال في الفرع الرابع : « يستبيح المريض التيمم مع خوف التلف إجماعا ولا يستبيحه مع خوف المرض اليسير كوجع الرأس والضرس. وقيل : يستبيحه بخوف الزيادة في العلة أو بطئها أو الشين. مذهبنا : نعم ». ويشهد به ـ مضافا الى قوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى ) (١) والى ما دل على نفي الضرر والحرج ، والى خبر الرقي ويعقوب بن سالم المتقدمين ـ (٢) النصوص الدالة على مشروعية التيمم للمجروح ، والمقروح ، والمكسور ، والمبطون ، ومن يخاف على نفسه البرد ، كصحيح البزنطي عن الرضا (ع) : « في الرجل تصيبه الجنابة وبه‌

__________________

(١) المائدة : ٦.

(٢) تقدم ذكرهما في أوائل الفصل.

٣٢٦

مما يعسر تحمله عادة ، بل لو خاف من الشين الذي يكون تحمله شاقاً تيمم [١]. والمراد به : ما يعلو البشرة من الخشونة المشوهة للخلقة أو الموجبة لتشقق الجلد وخروج الدم.

______________________________________________________

قروح أو جروح أو يكون يخاف على نفسه من البرد. فقال (ع) : لا يغتسل ويتيمم » (١) » ومثله صحيح داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه‌السلام(٢) ، ومرسل ابن ابي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « يؤمم المجدور والكسير إذا أصابتهما الجنابة » (٣) ، ونحوهما غيرهما. وقصور النصوص عن شمول بعض الفروض المذكورة ، لا يهم بعد دخول الجميع تحت دليلي نفي الحرج والضرر.

[١] بلا خلاف يعرف في الجملة ، وعن ظاهر جماعة : الإجماع عليه ، وقد تقدم عن المعتبر نسبته الى مذهبنا ، كما أنه حكى عن المنتهى نسبته إلى علمائنا. وإطلاقه في كلامهم يقتضي عدم الفرق بين الشديد والضعيف ، إلا أنه لا يظهر عليه دليل. وإطلاق معاقد ظاهر الإجماع مما يشكل الاعتماد عليه ، لتقييده في كلام جماعة ـ منهم المنتهى وجامع المقاصد والروضة ـ بالفاحش ، وفي كلام آخر بما لا يتحمل عادة. بل عن الكفاية دعوى الاتفاق على عدم مشروعية التيمم فيما لا يغير الخلقة ويشوهها. وحينئذ مقتضى وجوب الاقتصار على المتيقن في الدليل اللبي هو التخصيص بالشاق كما هو مورد أدلة نفي العسر والحرج والضرر ، ويجب الرجوع في غيره الى عموم وجوب الطهارة المائية بعد أن لم يعثر له على دليل سوى عمومات العسر والحرج ، كما في الجواهر.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب التيمم حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب التيمم حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب التيمم حديث : ١٠.

٣٢٧

ويكفي الظن بالمذكورات [١] أو الاحتمال الموجب للخوف ، سواء حصل له من نفسه أو قول طبيب أو غيره وإن كان فاسقاً أو كافراً [٢]. ولا يكفي الاحتمال المجرد عن الخوف [٣]. كما أنه لا يكفي الضرر اليسير [٤] الذي لا يعتني به العقلاء.

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ظاهر. بل مقتضى ذكر الخوف في معاقد الإجماعات أنه إجماع ، لصدقه معه قطعاً. وحينئذ فيشهد له من النصوص ما ذكر فيه الخوف ، وهو صحيحا البزنطي وداود بن سرحان وصحيح الرقي وخبر يعقوب بن سالم المتقدمة كلها (١). كما أن مقتضاها أيضاً الاكتفاء بالاحتمال المعتد به عند العقلاء ـ كما قواه في الجواهر ـ لصدق الخوف معه أيضاً ، كصدقه مع الظن.

[٢] بلا خلاف ظاهر إلا عن المنتهى حيث نفى قبول قول الذمي. وهو غير ظاهر ، إلا أن يكون مراده صورة التهمة المانعة من تحقق الخوف بقوله ، كما ذكر في التذكرة قال : « أما الذمي فإن اتهمه في أمر الدين لم يقبل وإن ظن صدقه قبل ». والمدار على صدق الخوف.

[٣] هذا ظاهر لو كان الموضوع للمشروعية الخوف لا غير ، لعدم تحقق الخوف به ، فيرجع حينئذ إلى عموم دليل الطهارة المائية. وإن كان الموضوع هو الضرر الواقعي فمع احتماله ـ ولو ضعيفاً ـ يكون المورد من الشبهة المصداقية ، فالرجوع الى عموم الطهارة المائية بحيث يجدي في وجوبها وعدم وجوب التيمم يتوقف على الرجوع الى العام عند الشك في المخصص ولو بتوسط جريان أصالة عدم الضرر الى ما بعد الوضوء. فلاحظ.

[٤] كما عن صريح المبسوط وظاهر الشرائع حيث قيد فيها المرض‌

__________________

(١) تقدم الأولان في التعليقة الأولى من المسوغ الثالث للتيمم وتقدم الأخيران في أوائل الفصل‌

٣٢٨

وإذا أمكن علاج المذكورات بتسخين الماء وجب ، ولم ينتقل الى التيمم [١].

( مسألة ١٨ ) : إذا تحمل الضرر وتوضأ أو اغتسل فان كان الضرر في المقدمات ـ من تحصيل الماء ونحوه ـ وجب الوضوء [٢] أو الغسل وصح ، وإن كان في استعمال الماء في أحدهما بطل [٣].

______________________________________________________

المسوغ للتيمم بالشديد. بل عن المبسوط : نفي الخلاف فيه. وتقدم عن المعتبر التصريح بذلك. وكأنه لعدم صدق الحرج معه وانصراف الضرر عنه ، كانصراف الآية والنصوص المتقدمة عنه أيضاً. ومنه يظهر ضعف ما في الذكرى من الاستشكال في ذلك حيث قال : « ويشكل بالعسر والحرج وبقول النبي (ص) : لا ضرر ولا ضرار ». فان ذلك خارج عن محل كلامهم ظاهراً. وأضعف من ذلك ما عن جامع المقاصد من أن عدم اعتبار اليسير لا يخلو عن قوة. وجزم به في محكي إرشاد الجعفرية وكشف الالتباس ، لصدق الحرج والضرر والمرض. إذ صدق الأول ممنوع. والأخيران منصرفان عنه. ولعل مرادهم باليسير ما يكون معتداً به عند العقلاء ولو لاحتمال انجراره الى الشديد ، لا ما لا يكون معتداً به عندهم. وحينئذ فلا خلاف. وفي الذكرى : « أما الألم الخالي فلا ». يعني : لا يشرع معه التيمم. والظاهر أن مراده ما لا يكون حرجياً وإلا فدليل نفي الحرج يقتضي مشروعيته.

[١] لقصور الأدلة عن شمول مثله ، فيرجع فيه الى عموم وجوب الطهارة المائية.

[٢] كما نص عليه في الجواهر وغيرها ، لصدق الوجدان بعد ارتكاب المقدمات المحرمة فلا مجال لمشروعية التيمم.

[٣] كما في الجواهر ، لأن حرمة استعمال الماء مانعة من إمكان‌

٣٢٩

وأما إذا لم يكن استعمال الماء مضراً ، بل كان موجباً للحرج والمشقة كتحمل ألم البرد أو الشين مثلا ـ فلا تبعد الصحة [١]

______________________________________________________

التقرب به ، لامتناع التقرب بما هو معصية ، لأن المعصية مبعدة ، والمبعدية والمقربية ضدان في نظر العقلاء لا يمكن اجتماعهما في محل واحد ولو من جهتين ، كما هو محرر في مسألة اجتماع الأمر والنهي.

فان قلت : هذا يتم لو كان استعمال الماء محرماً نفسياً ولو لانطباق عنوان محرم عليه. أما لو كان محرماً غيرياً لكون الحرام النفسي هو الضرر المترتب عليه فقد تقرر في مبحث مقدمة الواجب أن الوجوب الغيري لا يصلح للمقربية ، وكذا الحرمة الغيرية لا تصلح للمبعدية ، بل المقربية والمبعدية إنما تكونان بنفس فعل الواجب أو الحرام المترتبين عليهما ، وإذا لم يكن استعمال الماء مبعداً لا مانع من أن يكون مقرباً.

قلت : الوجوب والحرمة الغيريان إنما لا يوجبان قرباً وبعداً بلحاظ نفسهما في قبال الوجوب والحرمة النفسيين. أما بلحاظ كونهما من شؤونهما فهما يوجبان القرب والبعد أيضا ، إذ لا ريب في كون السعي إلى إنقاذ ولد المولى انقياداً إلى أمره بانقاذ ولده ، كما أن السعي إلى قتل ولد المولى تمرداً عن نهي المولى عن قتل ولده ، والقرب والبعد إنما ينتزعان عند العقلاء من الانقياد والتمرد ، ولذا بنى الأصوليون بطلان العبادة إذا كانت ضداً للواجب على كون ترك الضد مقدمة لفعل ضده. وتحقيق ذلك كله يطلب من محله. فراجع.

[١] كما مال إليه في الجواهر ، لأن أدلة الحرج لما كانت امتنانية لم تصلح أن ترفع إلا فعلية وجوب الوضوء الحرجي ، ولا ترفع ملاكه ، إذ ليس في رفع الملاك امتنان ، وإذا كان الملاك باقياً أمكن التعبد به‌

٣٣٠

وإن كان يجوز معه التيمم [١] لأن نفي الحرج من باب الرخصة لا العزيمة [٢] ، ولكن الأحوط ترك الاستعمال [٣] وعدم الاكتفاء به على فرضه فيتيمم أيضاً.

______________________________________________________

والتقرب بموافقته فيصح الوضوء والغسل عبادة.

[١] لما أشرنا إليه في صدر المبحث من أن سقوط وجوب الطهارة المائية ملزوم لمشروعية التيمم كما يظهر من النص والفتوى ، فيدل نفي الحرج عليها بالالتزام.

[٢] لأن كونه للامتنان ينافي كونه من باب العزيمة ، لأن العزيمة كلفة على خلاف الامتنان.

[٣] بل هو الذي قواه بعض الأعاظم مدعياً القطع بعدم التخيير بين الطهارة المائية والترابية ، لأن أدلة الحرج والضرر موجبة لتقييد متعلقات الأحكام بأن لا تكون حرجية أو ضررية. وفيه : أنه إن أريد أن مفادها تقييد ملاكاتها بذلك فهو مما لا تقتضيه الأدلة المذكورة كما عرفت ، إذ هي ظاهرة في نفي ما يؤدي الى الحرج والضرر لا غير ، والمؤدي إليهما ليس إلا الإلزام بمتعلقاتها ، والملاكات مما لا أثر لها في وجودهما ، لانتفائهما بمجرد الترخيص في مخالفة تلك الأحكام ، فإذا كانت ظاهرة في نفي الإلزام كان الملاك باقياً بحاله وهو كاف في صحة التقرب. بل قد عرفت في نية الوضوء أن الملاك في المقربية ليس إلا موافقة تلك الملاكات حتى مع فعلية تلك الأحكام ، ولا فرق في التقرب بين صورة وجود الأمر الفعلي وعدمه.

فان قلت : دليل الحرج ـ مثلا ـ إذا كان دالا على انتفاء الإلزام لم يكن دليل على وجود الملاك ليكون هو المقرب ، إذ العلم بوجوده إنما‌

٣٣١

______________________________________________________

كان بتوسط العلم بوجود الإلزام ، فإذا فرض البناء على انتفاء الإلزام كان وجود الملاك مما لا دليل عليه.

قلت : الأدلة الأولية كما تدل على وجود الحكم الفعلي مطلقاً حتى في صورة وجود الحرج تدل على وجود الملاك مطلقاً حتى في الصورة المذكورة ، فإذا دل دليل نفي الحرج على انتفاء الإلزام ولم يدل على انتفاء الملاك ، وجب الحكم بعدم حجية دليل الحكم الفعلي على ثبوته وبقاء حجيته على ثبوت الملاك ، فيحصل التفكيك في الحجية بين الدلالتين ، وهو مما لا بأس به ، كما يظهر من كلماتهم في كثير من المقامات : منها : باب التعارض حيث يظهر منهم الاتفاق على حجية المتعارضين في نفي الدليل الثالث ولو بناء على التساقط. ومنها : باب قضاء الفائت حيث يتمسكون بما دل على وجوب قضاء الفائت في موارد الفوت للحرج أو الاضطرار أو نحوهما ، فلو لا بناؤهم على وجود الملاك للأدلة الأولية لم يكن وجه للتمسك المذكور إذ مع عدم الملاك لا يصدق الفوت. وبالجملة : بناء الأصحاب على ما ذكر لا ينبغي التأمل فيه.

ولأجل ما ذكرنا من كون المقرب وجود الملاك يندفع الاشكال على صحة الوضوء ، بأنه بعد ارتفاع الوجوب بدليل الحرج لا مجال للالتزام بوجود الطلب في الجملة ، لعدم الدليل عليه ، ومراتب الطلب لا دليل على كونها استقلالية ، ليصح الالتزام ببقاء مرتبة منه دون الإلزام ، بل من الجائز أن تكون ارتباطية متلازمة ثبوتاً وسقوطاً.

وجه الاندفاع : أن الالتزام بارتفاع الطلب من أصله لا يهم ، ولا يقدح في إمكان التقرب ، لكفاية وجود الملاك فيه كما هو موضح في باب الضد الأهم ، حيث التزم المحققون بإمكان التقرب بالمهم مع التزامهم بانتفاء‌

٣٣٢

______________________________________________________

أصل الطلب عنه عند المزاحمة بالأهم ، لمنافاة طلبه ـ بأي مرتبة ولو استحبابية ـ لطلب الأهم بناء على عدم الترتب.

مع أن الاشكال في بقاء مرتبة من الطلب بعد ارتفاع مرتبة الإلزام بدليل نفي الحرج أو الضرر إنما يبتني على القول بأن اختلاف الوجوب والاستحباب إنما هو لاختلاف مرتبتي الطلب قوة وضعفاً. لكن أوضحنا في محله ضعفه ، وأن الاختلاف بينهما إنما هو باختلافهما بالترخيص وعدمه فان تحقق أضعف طلب من المولى يوجب حكم العقل بوجوب موافقته إلا أن يرد من المولى ترخيص في مخالفته. وحينئذ فأدلة نفي الحرج لا ترفع شيئاً من الطلب ولا مرتبة منه ، وإنما تقتضي الترخيص فيرتفع الوجوب ، فالطلب يكون بحاله باقياً بلا نقص فيه أصلا ، فيكون التقرب به وإن لم نقل بصحة التقرب بالملاك.

وأما ما قد يقال من أن أدلة الحرج والضرر إذا كانت امتنانية لم تجر في مورد إقدام المكلف على الامتثال ، إذ لا امتنان على المكلف برفع التكليف في ظرف إقدامه على موافقته ، كما هو الحال في الاقدام على المعاملة المحاباتية مع العلم بالتفاوت ، فكما لا تجري أدلة نفي الضرر لرفع لزوم المعاملة حينئذ لا تجري أدلة نفي الحرج في المقام أيضاً ، فيكون الوضوء والغسل الحرجيان واجبين على المكلف في ظرف إقدامه عليهما ، ولا دليل على رفع وجوبهما حينئذ. ففيه : أن ذلك يتم في غير العباديات كالإنفاق ونحوه. أما هي : فيعتبر في صحتها صدورها عن داعي الأمر ، فيكون الأمر مؤدياً إلى الحرج ، وتبطل في صورة الإقدام عليها لا من جهة الأمر بنحو لا يكون الوقوع في الحرج مستنداً اليه ، لفقد التقرب المعتبر فيها حينئذ.

والذي يتحصل مما ذكرنا أمور : ( الأول ) : أنه يكفي في عبادية‌

٣٣٣

( مسألة ١٩ ) : إذا تيمم باعتقاد الضرر أو خوفه فتبين عدمه صح تيممه وصلاته [١]. نعم لو تبين قبل الدخول في الصلاة‌

______________________________________________________

الطهارة المائية وجود الملاك. ( الثاني ) : انه يمكن إثبات وجود الملاك بأدلة وجوب الطهارة المائية بنحو الدلالة الالتزامية. ( الثالث ) : أنه لو بني على عدم صحة التعبد بالملاك فيمكن التقرب بالطلب الفعلي. ( الرابع ) : أن أدلة نفي الحرج لا تنفي الطلب وإنما تنفي الإلزام. ( الخامس ) : أن الاقدام على الفعل لا يمنع من تطبيق أدلة نفي الحرج في العبادات وإن كان يمنع عنه في غيرها.

[١] كما صرح به في كشف الغطاء قال : « ولو انكشف عدم الضيق أو عدم الخوف صح ما فعله ». ويقتضيه تعليق مشروعية التيمم على الخوف من البرد في صحيحي البزنطي وداود بن سرحان : « في الرجل تصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح أو يكون يخاف على نفسه من البرد. فقال (ع) : لا يغتسل ويتيمم » (١) المعتضدين بخبري يعقوب بن سالم وداود الرقي المتقدمين (٢) ، فإنه إذا ثبت مشروعية التيمم مع الخوف ثبت مع الاعتقاد بطريق أولى. وإذا صح التيمم كان مجزئاً إجماعا حكاه جماعة كما يأتي إن شاء الله في محله. وأما صحيح ابن سنان : « أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة ويخاف على نفسه التلف إن اغتسل. فقال (ع) : يتيمم ويصلي فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة » (٣) ، فهو أجنبي عما نحن فيه ، وإنما يقتضي الإعادة عند ارتفاع الضرر. وسيجي‌ء ما يدل على خلافه من النص والإجماع بل صدره ـ بضميمة ما يأتي مما يدل على الاجزاء ـ يقتضي الإجزاء فيما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب التيمم حديث : ٧ ـ ٨.

(٢) تقدم ذكرهما في أوائل الفصل.

(٣) الوسائل باب : ١٦ من أبواب التيمم ، حديث : ١ ،

٣٣٤

______________________________________________________

نحن فيه كغيره مما دل على المشروعية مع الخوف.

نعم قد يعارض ذلك ما دل على كون موضوع المشروعية نفس الضرر الواقعي مثل دليلي نفي الضرر والحرج ، وقوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى ) (١) وما دل على مشروعية التيمم للمكسور والمجروح والمبطون والمقروح ، بتقريب أنه يمتنع أن يكون الموضوع كلا من الضرر وخوف الضرر ، لأنه يلزم اجتماع المثلين ، فلا بد من التصرف إما بالطائفة الأولى أو الثانية ، لكن الأول متعين ، لأن التصرف في الثانية ـ بحملها على إرادة كون الموضوع هو الخوف أو الاعتقاد ـ بعيد جداً ، فلا بد من التصرف بالطائفة الأولى بحملها على إرادة جعل حكم ظاهري في ظرف احتمال الضرر ، كما في سائر موارد الأحكام الظاهرية المجعولة في الشبهات الموضوعية ، فيكون وجوب التيمم أو جوازه في حال خوف الضرر حكماً ظاهرياً. وحينئذ فاجزاؤه عن الواقع في صورة انكشاف الخطأ خلاف التحقيق كما حرر في مسألة الاجزاء. وأما وجوب التيمم في حال اعتقاد الضرر أو جوازه فليس إلا حكما عقلياً ، ولا ينبغي التأمل في عدم اقتضاء موافقته الاجزاء عند انكشاف الخلاف كما هو موضح في تلك المسألة. نعم لو كان احتمال الضرر موجباً لكون الاقدام معه على استعمال الماء حرجاً وضيقاً على المكلف ، كان القول باجزاء التيمم معه في محله ، كما في سائر الموارد التي يكون فيها وجوب الوضوء مؤدياً إلى الحرج ، لكن محل الكلام في المقام أعم من ذلك كما هو ظاهر.

وفيه : أن حمل الطائفة الأولى على إرادة جعل الحكم الظاهري ـ أعني : جعل مشروعية التيمم ظاهراً في ظرف الشك في مشروعيته واقعاً للشك في تحقق الضرر وعدمه ـ خلاف ظاهرها ، فإن الأمر بالتيمم في صحيحي‌

__________________

(١) المائدة : ٦.

٣٣٥

وجب الوضوء أو الغسل [١]. وإذا توضأ أو اغتسل باعتقاد عدم الضرر ثمَّ تبين وجوده صح [٢] ،

______________________________________________________

البزنطي‌ وداود بن سرحان‌ وقع في سياق الأمر بالتيمم لذي القروح والجروح والثاني لا مجال للتأمل في كونه حكماً واقعياً كما يقتضيه السؤال فيهما عن ذلك ، بل غيرهما من النصوص كالصريح في ذلك ، والتفكيك بين المقامين بعيد جداً. وحينئذ فليس التصرف في الطائفة الأولى ـ بحملها على الحكم الظاهري بأسهل من التصرف بالطائفة الثانية ، وعليه لا مجال للتصرف في كل من الطائفتين ، ويتعين العمل بهما والأخذ بظاهرهما.

وأما محذور لزوم اجتماع المثلين في صورة المصادفة ـ لو بني على العمل بهما ـ فغاية ما يقتضي امتناع الالتزام بمشروعيتين للتيمم ، فيمكن أن يلتزم بمشروعية واحدة لجهتين كما في جميع موارد اجتماع العناوين المتعددة في مورد واحد. وقد أشرنا في المسألة الثانية عشرة الى أن المستفاد من الأدلة : أن موضوع المشروعية العجز الواقعي بتوسط المنع الشرعي ، وفي موارد خوف الضرر لما كان يحرم الارتكاب من جهة طريقية الخوف أو من جهة وجوب الاحتياط ، فهذا التحريم الشرعي يوجب التحريم العقلي فتسلب القدرة على الفعل ويتحقق العجز. وقد سبق تقرير ذلك في المسألة المذكورة ، وسيأتي إن شاء الله في المسوغ السادس. وإذا كان العجز الظاهري لا يوجب حبس قدرة المكلف ـ كما لو قامت إمارة على عدم وجود الماء ، أو علم ذلك فانكشف الخلاف ـ لم يجز التيمم.

[١] لعدم الدليل على إجزاء التيمم حينئذ ، والمتيقن منه هو الاجزاء ما دام موضوع المشروعية باقياً ، فيرجع في حال ارتفاعه الى عموم وجوب الطهارة المائية.

[٢] هذا ظاهر لو كان موضوع مشروعية التيمم منحصراً باعتقاد‌

٣٣٦

لكن الأحوط مراعاة الاحتياط في الصورتين. وأما إذا توضأ أو اغتسل مع اعتقاد الضرر أو خوفه لم يصح [١] وإن تبين عدمه. كما أنه إذا تيمم مع اعتقاد عدم الضرر لم يصح وإن تبين وجوده [٢].

______________________________________________________

الضرر وخوفه ، إذ عليه يكون المشروع له واقعاً هو الطهارة المائية لا غير. وأما لو كان الضرر الواقعي موضوعاً أيضاً لمشروعية التيمم فقد يشكل الوضوء أو الغسل ، لكون المشروع في حق المكلف التيمم. لكن عرفت فيما سبق أن الطهارة المائية واجدة لملاكها في جميع موارد مشروعية التيمم ، فتصح لو جي‌ء بها إذا لم يكن مانع من التقرب ، ولا مانع منه مع جهل المكلف بالضرر الواقعي كما هو المفروض ، بخلاف الصورة الآتية.

[١] لما تقدم في الصورة الثانية من المسألة الثامنة عشرة من أن وقوع الوضوء أو الغسل على وجه المعصية مانع عن صحة التقرب به فيبطل ، وتبين عدم الضرر واقعاً وإن كان يكشف عن عدم الحرمة واقعاً ، لكنه يقتضي وقوعها بعنوان التجرؤ الذي هو كالمعصية الحقيقية في كونه مبعداً ومانعاً من التقرب. هذا وعليه فيختص الحكم المذكور بما لو كان الضرر المعتقد وجوده أو المحتمل مما يحرم ارتكابه ، كما هو ظاهر المتن. أما إذا كان يجوز ارتكابه فلا موجب للبطلان. كما أنه إنما يتم ما ذكر في صورة الخوف بناء على وجوب الاحتياط معه ، وإلا فلا معصية ولا تجرؤ ، ولا ملازمة بين مشروعية التيمم معه ووجوب الاحتياط كما لا يخفى.

[٢] هذا يتم لو لم يكن الضرر الواقعي موضوعاً لمشروعية التيمم ، وقد عرفت أن ذلك مفاد قوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى ) (١) ، وأدلة‌

__________________

(١) المائدة : ٦.

٣٣٧

( مسألة ٢٠ ) : إذا أجنب عمداً مع العلم بكون استعمال الماء مضراً وجب التيمم وصح عمله [١] ، لكن لما ذكر بعض العلماء وجوب الغسل في الصورة المفروضة‌

______________________________________________________

نفي الضرر والحرج ، ونصوص المجدور (١). اللهم إلا أن يستشكل في أدلة نفي الحرج والضرر بأنها امتنانية لا تشمل صورة اعتقاد عدم الضرر ، إذ ليس في شمولها لذلك امتنان. ويندفع بأنه يكفي في الامتنان جريانها في مثل المقام ، فإن صحة العمل وإجزاءه أثر امتناني جزماً. نعم يمكن الاستشكال فيها بأن الوقوع في الضرر من جهة فعل الوضوء في المقام ليس مستنداً الى وجوب الوضوء الضرري ، بل مستنداً الى جهل المكلف بالضرر واعتقاده عدم الضرر ، ولذا لو لم يجب الوضوء الضرري لتوضأ المكلف لاعتقاده عدم الضرر. وأما دعوى كون الظاهر من الآية ونصوص المجدور كون الموضوع هو الذي يعتقد بالضرر أو يخاف منه ، لا مطلق المريض ولو كان آمناً منه ، فيدفعها أن الظاهر من الجميع كون الموضوع المتضرر الواقعي ، بل عن مجمع البيان تفسير الآية بذلك عن الصادقين (ع). وما ورد من النصوص في من غسل فكز فمات (٢) ، كالصريح فيه. فالبناء على الصحة في الفرض مع تأتي نية القربة في محله.

[١] كما هو المشهور ، لعدم الفرق بينه وبين غير العامد في الدخول تحت إطلاق الأدلة. وفي كشف اللثام عن المقنعة : « ان على المتعمد الغسل وإن خاف على نفسه ، ولا يجزؤه التيمم ، وحكي عن ظاهر أبي علي وفي الهداية والخلاف وإن خاف التلف ، ويحتمله كلام المفيد ». واختار‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٥ من أبواب التيمم.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب التيمم حديث : ٦.

٣٣٨

______________________________________________________

في الوسائل وجوب الغسل مع المشقة الشديدة. وكأن الخلاف منهم للإجماع المدعى في الخلاف على ذلك ، ولصحيح سليمان بن خالد وأبي بصير وعبد الله ابن سليمان جميعاً عن أبي عبد الله (ع) : « انه سئل عن رجل كان في أرض باردة فتخوف إن هو اغتسل أن يصيبه عنت من الغسل كيف يصنع؟ قال (ع) : يغتسل وإن أصابه ما أصابه. قال : وذكر انه كان وجعاً شديد الوجع فأصابته جنابة وهو في مكان بارد وكانت ليلة شديدة الريح باردة فدعوت الغلمة فقلت لهم احملوني فاغسلوني. فقالوا : إنا نخاف عليك. فقلت : ليس بد. فحملوني ووضعوني على خشبات ثمَّ صبوا علي الماء فغسلوني » (١) ، وصحيح محمد بن مسلم قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل تصيبه الجنابة في أرض باردة ولا يجد الماء وعسى أن يكون الماء جامداً. فقال (ع) : يغتسل على ما كان. حدثه رجل أنه فعل ذلك فمرض شهراً من البرد. فقال (ع) : اغتسل على ما كان فإنه لا بد من الغسل. وذكر أبو عبد الله (ع) أنه اضطر اليه وهو مريض فأتوه به مسخناً فاغتسل. وقال : لا بد من الغسل » (٢) ، ومرفوع علي بن أحمد عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عن مجدور أصابته جنابة قال (ع) : إن كان أجنب هو فليغتسل وإن كان احتلم فليتيمم » (٣) ، ونحوه مرفوع إبراهيم بن هاشم (٤).

وفيه : أنه لا مجال للخروج عن أدلة نفي الضرر والحرج ، وما دل على حرمة الإضرار بالنفس ، وإطلاق الآية ، والنصوص الواردة في المجدور (٥)

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب التيمم حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب التيمم حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب التيمم حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ١٧ من أبواب التيمم حديث : ٢.

(٥) راجع الوسائل باب : ٥ من أبواب التيمم.

٣٣٩

وإن كان مضراً فالأولى الجمع بينه وبين التيمم [١] ، بل الأولى مع ذلك إعادة الغسل والصلاة بعد زوال العذر [٢].

______________________________________________________

ونحوه بالنصوص المذكورة بعد إعراض المشهور عنها ، ولا سيما بملاحظة اتفاق النص والفتوى على جواز تعمد الجنابة مع عدم الماء كما سيأتي. مع أن المرفوعين غير صالحين للحجية. والصحيحان ظاهران في غير العامد. وحملهما على العامد بقرينة حكاية الإمام (ع) فعله المختص بالعمد لكونه منزهاً عن الاحتلام يمنعه بُعد وقوع العمد إلى الجنابة منه (ع) وهو في الحال المذكورة التي يعجز فيها عن مباشرة الغسل ، ولا سيما بملاحظة علمه (ع) بأن الجماع يؤدي الى التكليف بالغسل الموجب للخوف على بدنه من الضرر والخطر. فالمتعين طرحهما أو حملهما على صورة حصول المشقة بالغسل بنحو لا ينفيها دليلا الحرج والضرر ، لكونها مما تتحمل عادة كما احتمل ذلك في كشف اللثام. فلاحظ.

[١] بل المتعين حرمة الغسل لما دل على حرمة الضرر. ومثله ما احتمله في المعتبر وحكاه عن التهذيب من حمل الصحيحين على الاستحباب.

[٢] فعن التهذيب والاستبصار والنهاية والمبسوط والمهذب والإصباح والروض : ان متعمد الجنابة يتيمم ويصلي ، فاذا ارتفع العذر أعاد الصلاة بعد الغسل. وقد يشهد له صحيح ابن سنان : « انه سأل أبا عبد الله (ع) عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة فيخاف على نفسه التلف إن اغتسل. فقال (ع) : يتيمم ويصلي فإذا أمن من البرد اغتسل وأعاد الصلاة » (١). لكن يجب التصرف فيه ، لما سيأتي من إجزاء التيمم الصحيح. مع أنها غير مختصة بالعامد. فلاحظ. ومن ذلك يظهر الوجه في أولوية الإعادة مع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب التيمم حديث : ٢.

٣٤٠