مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٠٩

______________________________________________________

( الحادي عشر ) : يوم النيروز.

( الثاني عشر ) : يوم التاسع من ربيع الأول.

( الثالث عشر ) : يوم دحو الأرض ، وهو الخامس والعشرين من ذي القعدة.

( الرابع عشر ) : كل ليلة من ليالي الجمعة على ما قيل ، بل في كل زمان شريف على ما قاله بعضهم ، ولا بأس بهما لا بقصد الورود.

( مسألة ١٩ ) : لا قضاء للأغسال الزمانية إذا جاز وقتها كما لا تتقدم على زمانها مع خوف عدم التمكن منها في وقتها إلا غسل الجمعة كما مر. لكن عن المفيد استحباب قضاء غسل يوم عرفة في الأضحى ، وعن الشهيد استحباب قضائها أجمع وكذا تقديمها مع خوف عدم التمكن منها في وقتها. ووجه الأمرين غير واضح. لكن لا بأس بهما لا بقصد الورود.

( مسألة ٢٠ ) : ربما قيل بكون الغسل مستحبا نفسيا ، فيشرع الإتيان به في كل زمان من غير نظر إلى سبب أو غاية ووجهه غير واضح ، ولا بأس به لا بقصد الورود.

فصل في الأغسال المكانية

أي الذي يستحب عند إرادة الدخول في مكان ، وهي الغسل لدخول حرم مكة ، وللدخول فيها ، ولدخول مسجدها وكعبتها ، ولدخول حرم المدينة ، وللدخول فيها ، ولدخول مسجد النبي (ص) ، وكذا للدخول في سائر المشاهد المشرفة‌

٢٨١

______________________________________________________

للأئمة (ع) : ووقتها قبل الدخول عند ارادته. ولا يبعد استحبابها بعد الدخول للكون فيها إذا لم يغتسل قبله ، كما لا يبعد كفاية غسل واحد في أول اليوم وأول الليل للدخول إلى آخره بل لا يبعد عدم الحاجة إلى التكرار مع التكرر. كما أنه لا يبعد جواز التداخل أيضاً فيما لو أراد دخول الحرم ومكة والمسجد والكعبة في ذلك اليوم ، فيغتسل غسلا واحداً للجميع ، وكذا بالنسبة إلى المدينة وحرمها ومسجدها.

( مسألة ١ ) : حكي عن بعض العلماء استحباب الغسل عند ارادة الدخول في كل مكان شريف. ووجه غير واضح ، ولا بأس به لا بقصد الورود.

فصل في الأغسال الفعلية

وقد مر أنها قسمان :

القسم الأول : ما يكون مستحباً لأجل الفعل الذي يريد أن يفعله ، وهي أغسال :

( أحدها ) : للإحرام ، وعن بعض العلماء وجوبه. ( الثاني ) : للطواف سواء كان طواف الحج ، أو العمرة ، أو طواف النساء ، بل للطواف المندوب أيضاً. ( الثالث ) : للوقوف بعرفات. ( الرابع ) : للوقوف بالمشعر. ( الخامس ) : للذبح والنحر. ( السادس ) : للحلق. وعن بعضهم استحبابه لرمي الجمار أيضا. ( السابع ) : لزيارة أحد المعصومين من قريب أو بعيد. ( الثامن ) : لرؤية أحد الأئمة (ع) في المنام. كما نقل‌

٢٨٢

______________________________________________________

عن موسى بن جعفر (ع) أنه إذا أراد ذلك يغتسل ثلاث ليال ويناجيهم فيراهم في المنام‌ (١). ( التاسع ) : لصلاة الحاجة ، بل لطلب الحاجة مطلقا. ( العاشر ) : لصلاة الاستخارة ، بل الاستخارة مطلقاً ولو من غير صلاة. ( الحادي عشر ) : لعمل الاستفتاح المعروف بعمل أم داود. ( الثاني عشر ) : لأخذ تربة قبر الحسين (ع). ( الثالث عشر ) : لإرادة السفر خصوصا لزيارة الحسين (ع). ( الرابع عشر ) : لصلاة الاستسقاء ، بل له مطلقا. ( الخامس عشر ) : للتوبة من الكفر الأصلي أو الارتدادي ، بل من الفسق ، بل من الصغيرة أيضا على وجه. ( السادس عشر ) : للتظلم والاشتكاء إلى الله من ظلم ظالم. ففي الحديث عن الصادق (ع) ما مضمونه : إذا ظلمك أحد فلا تدع عليه ، فان المظلوم قد يصير ظالما بالدعاء على من ظلمه. لكن اغتسل وصل ركعتين تحت السماء ثمَّ قل : « اللهم إن فلان بن فلان ظلمني ، وليس لي أحد أصول به عليه غيرك فاستوف لي ظلامتي الساعة الساعة بالاسم الذي إذا سألك به المضطر أجبته ، وكشفت ما به من ضر ، ومكنت له في الأرض وجعلته خليفتك على خلقك ، فأسألك أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تستوفي ظلامتي الساعة الساعة فسترى ما تحب (٢) ( السابع عشر ) : للأمن من الخوف من ظالم ، فيغتسل ويصلي ركعتين ويحسر عن ركبتيه ويجعلهما قريباً من مصلاه ويقول‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب النوادر من أبواب الأغسال المسنونة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب بقية الصلوات المندوبة حديث : ١.

٢٨٣

______________________________________________________

مائة مرة : « يا حي يا قيوم ، يا حي لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث فصل على محمد وآل محمد وأغثني الساعة الساعة » ، ثمَّ يقول : « أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تلطف بي وأن تغلب لي وأن تمكر لي وأن تخدع لي وأن تكفيني مئونة فلان بن فلان بلا مئونة ». وهذا دعاء النبي (ص) يوم أحد. ( الثامن عشر ) : لدفع النازلة يصوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر وعند الزوال من الأخير يغتسل. ( التاسع عشر ) : للمباهلة مع من يدعي باطلا. ( العشرون ) : لتحصيل النشاط للعبادة ، أو لخصوص صلاة الليل ، فعن فلاح السائل أن أمير المؤمنين (ع) كان يغتسل في الليالي الباردة لأجل تحصيل النشاط لصلاة الليل (١) ( الحادي والعشرون ). لصلاة الشكر. ( الثاني والعشرون ) : لتغسيل الميت ولتكفينه. ( الثالث والعشرون ) : للحجامة على ما قيل. ولكن قيل انه لا دليل عليه. ولعله مصحف الجمعة. ( الرابع والعشرون ) : لإرادة العود إلى الجماع ، لما نقل عن الرسالة الذهبية أن الجماع بعد الجماع بدون الفصل بالغسل يوجب جنون الولد (٢). لكن يحتمل أن يكون المراد غسل الجنابة ، بل هو الظاهر. ( الخامس والعشرون ) : الغسل لكل عمل يتقرب به إلى الله ، كما حكي عن ابن الجنيد. ووجهه غير معلوم ، وإن كان الإتيان به لا بقصد الورود لا بأس به.

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب النوادر من أبواب الأغسال المندوبة حديث : ٢.

(٢) مستدرك الوسائل باب النوادر من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١٩.

٢٨٤

______________________________________________________

القسم الثاني : ما يكون مستحبا لأجل الفعل الذي فعله ، وهي أيضا أغسال :

أحدها : غسل التوبة على ما ذكره بعضهم من أنه من جهة المعاصي التي ارتكبها ، أو بناء على انه بعد الندم الذي هو حقيقة التوبة. لكن الظاهر انه من القسم الأول كما ذكر هناك ، وهذا هو الظاهر من الاخبار ومن كلمات العلماء. ويمكن أن يقال انه ذو جهتين ، فمن حيث أنه بعد المعاصي وبعد الندم يكون من القسم الثاني ، ومن حيث ان تمام التوبة بالاستغفار يكون من القسم الأول. وخبر مسعدة بن زياد في خصوص استماع الغناء في الكنيف ، وقول الامام (ع) له في آخر الخبر‌ « قم فاغتسل فصل ما بدا لك » (١) يمكن توجيهه بكل من الوجهين. والأظهر انه لسرعة قبول التوبة أو لكمالها.

الثاني : الغسل لقتل الوزغ. ويحتمل أن يكون للشكر على توفيقه لقتله ، حيث انه حيوان خبيث. والاخبار في ذمه من الطرفين كثيرة ففي النبوي : « اقتلوا الوزغ ولو في جوف الكعبة » ، وفي آخر : « من قتله فكأنما قتل شيطانا ». ويحتمل أن يكون لأجل حدوث قذارة من المباشرة لقتله.

الثالث : غسل المولود ، وعن الصدوق وابن حمزة وجوبه لكنه ضعيف. ووقته من حين الولادة حينا عرفيا ، فالتأخير إلى يومين أو ثلاثة لا يضر. وقد يقال إلى سبعة أيام. وربما قيل ببقائه إلى آخر العمر. والأولى على تقدير التأخير عن الحين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب الأغسال المندوبة حديث : ١.

٢٨٥

______________________________________________________

العرفي الإتيان به برجاء المطلوبية.

الرابع : الغسل لرؤية المصلوب. وذكر أن استحبابه مشروط بأمرين : ( أحدهما ) : أن يمشي لينظر متعمدا إليه ، فلو اتفق نظره أو كان مجبورا لا يستحب. ( الثاني ) : أن يكون بعد ثلاثة أيام إذا كان مصلوبا بحق ، لا قبلها ، بخلاف ما إذا كان مصلوبا بظلم ، فإنه يستحب معه مطلقا ولو كان في اليومين الأولين. لكن الدليل على الشرط الثاني غير معلوم ، إلا دعوى الانصراف ، وهي محل منع. نعم الشرط الأول ظاهر الخبر وهو : « من قصد الى مصلوب فنظر إليه وجب عليه الغسل عقوبة » (١). وظاهره أن من مشى إليه لغرض صحيح ـ كأداء الشهادة أو تحملها ـ لا يثبت في حقه الغسل.

الخامس : غسل من فرط في صلاة الكسوفين مع احتراق القرص أي تركها عمدا ، فإنه يستحب أن يغتسل ويقضيها. وحكم بعضهم بوجوبه ، والأقوى عدم الوجوب وإن كان الأحوط عدم تركه. والظاهر انه مستحب نفسي بعد التفريط المذكور ولكن يحتمل أن يكون لأجل القضاء ، كما هو مذهب جماعة فالأولى الإتيان به بقصد القربة لا بملاحظة غاية أو سبب ، وإذا لم يكن الترك عن تفريط أو لم يكن القرص محترقاً لا يكون مستحبا ، وإن قيل باستحبابه مع التعمد مطلقا ، وقيل باستحبابه مع احتراق القرص مطلقا.

السادس : غسل المرأة إذا تطيبت لغير زوجها ، ففي الخبر :

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الأغسال المندوبة حديث : ٣.

٢٨٦

______________________________________________________

« أيما امرأة تطيبت لغير زوجها لم تقبل منها صلاة حتى تغتسل من طيبها كغسلها من جنابتها » (١) واحتمال كون المراد غسل الطيب من بدنها كما عن صاحب الحدائق بعيد ، ولا داعي إليه.

السابع : غسل من شرب مسكرا فنام ، ففي الحديث عن النبي (ص) ما مضمونه : ما من أحد نام على سكر إلا وصار عروساً للشيطان إلى الفجر ، فعليه أن يغتسل غسل الجنابة (٢).

الثامن : غسل من مس ميتاً بعد غسله.

( مسألة ١ ) : حكي عن المفيد استحباب الغسل لمن صب عليه ماء مظنون النجاسة ، ولا وجه له. وربما يعد من الأغسال المسنونة غسل المجنون إذا أفاق ، ودليله غير معلوم. وربما يقال إنه من جهة احتمال جنابته حال جنونه. لكن على هذا يكون من غسل الجنابة الاحتياطية ، فلا وجه لعده منها. كما لا وجه لعد إعادة الغسل لذوي الأعذار المغتسلين حال العذر غسلا ناقصاً مثل الجبيرة ، وكذا عد غسل من رأى الجنابة في الثوب المشترك احتياطاً ، فان هذا ليس من الأغسال المسنونة.

( مسألة ٢ ) : وقت الأغسال المكانية كما مر سابقاً قبل الدخول فيها أو بعده لإرادة البقاء على وجه. ويكفي الغسل في أول اليوم ليومه ، وفي أول الليل لليلته ، بل لا يخلو كفاية غسل الليل للنهار وبالعكس من قوة ، وإن كان دون الأول في الفضل. وكذا القسم الأول من الأغسال الفعلية ، وقتها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الأغسال المندوبة حديث : ١.

(٢) مستدرك الوسائل باب نوادر ما يتعلق بأبواب الجنابة حديث : ١٢ لكن المذكور فيه ( وجب عليه كما يغتسل من الجنابة ).

٢٨٧

______________________________________________________

قبل الفعل على الوجه المذكور ، وأما القسم الثاني منها فوقتها بعد تحقق الفعل الى آخر العمر ، وإن كان الظاهر اعتبار إتيانها فوراً ففوراً.

( مسألة ٣ ) : ينتقض الأغسال الفعلية من القسم الأول والمكانية بالحدث الأصغر من أي سبب كان ، حتى من النوم على الأقوى. ويحتمل عدم انتقاضها بها مع استحباب إعادتها كما عليه بعضهم ، لكن الظاهر ما ذكرنا.

( مسألة ٤ ) : الأغسال المستحبة لا تكفي عن الوضوء ، فلو كان محدثاً يجب أن يتوضأ للصلاة ونحوها قبلها أو بعدها والأفضل قبلها ، ويجوز إتيانه في أثنائها إذا جي‌ء بها ترتيبياً.

( مسألة ٥ ) : إذا كان عليه أغسال متعددة زمانية أو مكانية أو فعلية أو مختلفة يكفي غسل واحد من الجميع إذا نواها جميعا ، بل لا يبعد كون التداخل قهريا. لكن يشترط في الكفاية القهرية أن يكون ما قصده معلوم المطلوبية ، لا ما كان يؤتى به بعنوان احتمال المطلوبية ، لعدم معلومية كونه غسلا صحيحاً حتى يكون مجزياً عما هو معلوم المطلوبية.

( مسألة ٦ ) : نقل عن جماعة كالمفيد والمحقق والعلامة والشهيد والمجلسي ـ استحباب الغسل نفساً ولو لم يكن هناك غاية مستحبة أو مكان أو زمان. ونظرهم في ذلك إلى مثل قوله تعالى ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (١) ، وقوله : « إن استطعت أن تكون بالليل والنهار على طهارة‌

__________________

(١) البقرة : ٢٢٢.

٢٨٨

فافعل » (١) ، وقوله : « أي وضوء أطهر من الغسل » (٢) ، « وأي وضوء أنقى من الغسل » (٣) ، ومثل ما ورد من استحباب الغسل بماء الفرات (٤) من دون ذكر سبب أو غاية إلى غير ذلك. لكن إثبات المطلوب بمثلها مشكل.

( مسألة ٧ ) : يقوم التيمم مقام الغسل في جميع ما ذكر عند عدم التمكن منه.

فصل في التيمم‌

ويسوغه العجز عن استعمال الماء [١]. وهو يتحقق بأمور :

______________________________________________________

فصل في التيمم‌

[١] قد اختلفت كلماتهم في بيان مسوغ التيمم. ففي الشرائع : « ما يصح معه التيمم ضروب : عدم الماء ، وعدم الوصلة اليه ، والخوف » وفي القواعد : « مسوغاته يجمعها شي‌ء واحد وهو العجز عن استعمال الماء » ثمَّ ذكر أن أسباب العجز ثلاثة ، وذكر الأمور الثلاثة المذكورة. ونحوه ما ذكره في التذكرة والمنتهى ، وتبعه عليه جماعة منهم صاحب الجواهر والمصنف. ولكنه لا يخلو من إشكال ، إذ موارد الحرج الذي يشرع معه التيمم ليست منه ، وكذلك موارد الضرر الذي لا يحرم ارتكابه مثل الضرر المالي أو البدني إذا كان غير ممنوع من ارتكابه عند العقلاء ، وسيذكر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الجنابة حديث : ١ و ٤ و ٨.

(٣) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب الجنابة حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب أحكام المساجد حديث : ٢٢.

٢٨٩

______________________________________________________

المصنف في المسوغ الخامس ما لا يكون منه أيضاً.

وأما الآية الشريفة وهي قوله تعالى في سورة المائدة ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) (١) ، ومثله في سورة النساء ، لكن صدره قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى ). » (٢). غير أنه ترك فيه قوله : ( منه ) في آخره. فظاهره لا يخلو من إشكال ، لأنه جمع فيه أموراً أربعة عطف بعضها على بعض. بـ ( أو ) المقتضية لاستقلال كل واحد منها في السببية مع أن سببية أحد الأولين مشروطة بأحد الأخيرين.

ولذلك حكى الأردبيلي في آيات الأحكام عن كشف الكشاف : أن الآية من معضلات القرآن ، بعد أن ذكر الاشكال على نظمها ـ بحسب فهمنا ـ من وجوه : مثل ترك الحدث في أولها ، وذكر الجنابة فقط بعده والاجمال الذي لم يفهم أن الغسل بعد الإقامة إلى الصلاة أم لا ، وترك « كنتم حاضرين صحاحا قادرين على استعمال الماء » ، ثمَّ عطف ( إِنْ كُنْتُمْ ) عليه وترك تقييد المرضى ، وتأخير ( فَلَمْ تَجِدُوا ) عن قوله ( أَوْ جاءَ ) وذكر ( جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ ) مع عدم الحاجة إليهما ، إذ يمكن الفهم مما سبق ، والعطف بـ ( أو ) والمناسب الواو ، والاقتصار‌

__________________

(١) المائدة : ٦.

(٢) النساء : ٤٣.

٢٩٠

______________________________________________________

في بيان الحدث الأصغر على الغائط والتعبير عنه بـ ( جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ) والأكبر على ( لامَسْتُمُ ) ، والتعبير عن الجنابة به. انتهى.

والعمدة الإشكال الأول. أما الإشكالات الباقية فموهونة. بعضها غير صحيح ، وبعضها مقتضى البلاغة. وأما الإشكال الأول : فقد ذكر جماعة في دفعه أن ( أو ) فيه بمعنى الواو نظير قوله تعالى ( وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ) ، ونحوه. وهو كما ترى غير ظاهر في المورد ولا في نظيره. والأولى في دفعه ما ذكره في الجواهر من أن المراد بالقيام إلى الصلاة القيام من النوم كما ورد في النص ، ويكون المراد من قوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً ) صورة الاحتلام ويكون المرض والسفر متعلقين به ، وإطلاق المرض من جهة غلبة الضرر باستعمال الماء ، وإطلاق السفر من جهة غلبة فقد بذل الماء والجميع متعلق بحدث النوم ، فيصح عطف المجي‌ء من الغائط والملامسة ـ المراد بها الجماع ـ عليه. نعم هذا التوجيه لا يطرد في الآية المذكورة في سورة النساء. اللهم إلا أن يكون المراد من السكر سكر النوم. لكن لو تمَّ لا يكفي في اطراد الجواب ، إذ ليس فيها القيام من النوم ، إلا أن يحمل على ذلك.

وكيف كان فلا إشكال ولا خلاف في أن العجز عن استعمال الماء مسوغ للتيمم. وإنما الكلام في انحصار المسوغ به. والظاهر عدمه ، وأن المسوغ سقوط وجوب الطهارة المائية سواء كان للعجز عن استعمال الماء أم لا. يستفاد ذلك مما ورد في مشروعية التيمم عند لزوم الحرج من وجوب الطهارة المائية ، أو الضرر المالي عند طلب الماء أو شرائه ، أو الضرر البدني الذي لا يعتد به عند استعماله كالشين ، أو غير ذلك مما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى.

٢٩١

( أحدها ) : عدم وجدان الماء [١] بقدر الكفاية للغسل أو الوضوء في سفر كان أو حضر [٢] ووجدان المقدار الغير الكافي كعدمه [٣].

______________________________________________________

[١] إجماعاً ادعاه جماعة كثيرة ، وفي التذكرة وغيرها : نسبته إلى إجماع العلماء ، ويقتضيه الكتاب والسنة المتواترة.

[٢] هو مذهب علمائنا أجمع كما في المنتهى ، وعن الخلاف. وما في التذكرة عن السيد في شرح الرسالة من وجوب الإعادة على الحاضر ، ليس خلافا منه في ذلك ، لبنائه على وجوب التيمم والصلاة ، وانما خلافه في الاجتزاء بها على نحو لا تجب عليه الإعادة. نعم عن أبي حنيفة وغيره : أن الحاضر الفاقد للماء لا يصلي بل عن زفر. دعوى الإجماع عليه. وإطلاق الآية في وجه يردهم.

[٣] هو مذهب علمائنا كما في المنتهى وظاهر التذكرة وجامع المقاصد لظهور ما دل على مشروعية التيمم من الكتاب والسنة في كون موضوعه عدم الماء الكافي ، وقاعدة الميسور قد تقدم في بعض المباحث السابقة الإشكال في ثبوتها بنحو الكلية بحيث يرجع إليها عند الشك. مضافا الى إطلاق ما دل على وجوب التيمم للجنب إذا كان عنده ما يكفيه للوضوء كصحيح عبد الله بن علي الحلبي : « أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن الرجل يجنب ومعه قدر ما يكفيه من الماء الوضوء للصلاة أيتوضأ بالماء أو يتيمم؟ قال عليه‌السلام : لا ، بل يتيمم » (١) ، ونحوه صحيح جميل ومحمد بن حمران عن أبي عبد الله (ع) (٢) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) (٣)

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب التيمم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب التيمم حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب التيمم حديث : ٤.

٢٩٢

ويجب الفحص عنه [١]

______________________________________________________

وغيرها ، وحينئذ فما عن الشيخ في بعض أقواله من التبعيض ، وما عن العلامة في النهاية من احتماله ضعيف. وقد تقدم في الجبائر ما له نفع في المقام. فراجع.

[١] بلا إشكال ظاهر. وذلك لأن مقتضى الجمود على قوله تعالى : ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ) وإن كان الاكتفاء بعدم العثور عليه ، لكن الظاهر منه في المقام ـ بقرينة كون البدلية اضطرارية ـ إرادة عدم الوجود المقدور ، كما يتعارف كثيراً في استعمال هذا التركيب. ويشير إليه جملة من النصوص كصحيح صفوان قال : « سألت أبا الحسن (ع) عن رجل احتاج الى الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على الماء فوجد بقدر ما يتوضأ به بمائة درهم أو بألف درهم وهو واجد لها .. » (١) ، وخبر الحسين بن أبي طلحة قال : « سألت عبداً صالحاً عن قول الله عز وجل ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) ما حد ذلك؟ فان لم تجدوا بشراء وبغير شراء إن وجد قدر وضوئه بمائة ألف أو بألف وكم بلغ؟ قال : ذلك على قدر جدته » (٢) ، وفي خبر أبي أيوب المروي عن تفسير العياشي : « إذا رأى الماء وكان يقدر عليه انتقض تيممه » (٣). وبالجملة لا ينبغي التأمل في كون المراد من عدم الوجدان عدم الوجود المقدور مقابل الوجود الذي يكون تحت قدرته ، لا مطلق عدم الوقوف عليه كما في وجدان الضالة. وكأن ما يحكى عن المفسرين ـ بل ادعي عليه اطباقهم ـ من أن المراد به عدم القدرة يراد به ما ذكرنا ـ أعني عدم الوجود المقدور ـ

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب التيمم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب التيمم حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٩ من أبواب التيمم حديث : ٦.

٢٩٣

______________________________________________________

لا نفس عدم القدرة ، وإلا فحمل الوجدان على معنى القدرة خلاف الظاهر جداً.

وحينئذ فإذا شك في وجود الماء قبل الفحص عنه فقد شك في الوجود الخاص فيشك في مشروعية التيمم فلا يجتزأ به في نظر العقل. بخلاف ما لو شك في الوجود بعد الفحص وعدم العثور عليه ، إذ حينئذ يحرز عدم الوجود الخاص فيتحقق موضوع المشروعية. ولذلك قال في جامع المقاصد : « لا ريب أن طلب الماء شرط لجواز التيمم ، لظاهر قوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) وعدم الوجدان إنما يكون بعد الطلب ». وكأنه لاحظ قرينة وروده مورد الاضطرار فيما ذكره ، وإلا فعدم الوجدان يصدق بمجرد عدم الاستيلاء عليه وإن احتمل وجوده والعثور عليه مع الطلب. فاذن العمدة في دعوى كون المراد ذلك هو القرينة المذكورة ، فالمراد عدم الوجدان الخاص.

اللهم إلا أن يقال : لو سلم ذلك كفى في إثبات المشروعية استصحاب عدم الوجود الخاص لكونه مسبوقا بالعدم. نعم لو كان المكلف مسبوقا بوجود الماء المقدور كان الاستصحاب نافياً للمشروعية. لكن وجوب الطلب عندهم لا يختص بذلك ، بل يجب الطلب حتى مع الشك في وجود الماء ، ومثله مجرى لاستصحاب العدم حتى لو كان قادراً على ماء غيره ثمَّ نفذ ذلك الماء ، لأن الماء النافذ غير الماء المشكوك ، فجريان استصحاب وجود الماء المقدور يكون من قبيل القسم الثالث من استصحاب الكلي ، والمرجع فيه استصحاب عدم وجود الماء.

فالعمدة إذن في وجوب الطلب بنحو الكلية ليس ما ذكرنا ، بل هو ما أشرنا إليه مكرراً في هذا الشرح ـ مثل مبحث الوضوء من الإناء‌

٢٩٤

إلى اليأس [١] إذا كان في الحضر [٢] ،

______________________________________________________

المغصوب ، ومبحث وضوء الجبائر ـ من أن وجوب الطهارة المائية ليس مشروطاً بالوجدان. بل هو مطلق غير مشروط به. واشتراط وجوب الطهارة الترابية بعدم الوجدان لا يلازم اشتراطه بالوجدان. ومع الشك في القدرة على الواجب المطلق يجب الاحتياط ، لبناء العقلاء عليه ، أو لعموم دليل الوجوب بناء على جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية إذا كان المخصص لبياً. فالطلب يكون واجباً من باب الاحتياط في امتثال وجوب الطهارة المائية. ولا مجال لإجراء استصحاب عدم القدرة لأن القدرة بالإضافة إلى وجوب الطهارة المائية ليست قيداً لموضوع الحكم الشرعي ليصح التعبد بوجودها أو عدمها بلحاظه ، بل هي موضوع للبعث العقلي لا غير ، فلا تكون مجرى للأصل الشرعي. نعم هي بالإضافة إلى مشروعية الطهارة الترابية مجرى للأصل الشرعي ، لأنها موضوع للحكم الشرعي ، إلا أن إثباتها بالأصل الظاهري لا يجدي في عذر العقل عن الطهارة المائية. ومن ذلك يظهر أن وجوب الطلب والفحص في المقام عقلي ، لا شرعي نفسي ولا غيري ، إذ لا وجه لذلك. لكن تقدم في بعض مباحث الماء المشكوك أن مشروعية التيمم لما كانت بعنوان كونه بدلا عن الطهارة المائية ، فهذه البدلية توجب المعذورية عند العقل وان كان نفس مشروعية التيمم لا توجب العذرية.

[١] اليأس ليس بحجة عقلا على العدم ، فكأن التسالم منهم على الاجتزاء به في المقام من جهة لزوم الحرج لولاه ، أو لأنه حجة عند العقلاء في الموارد التي لا يتيسر العلم فيها غالباً ومنها المقام.

[٢] الظاهر أن ذكر الحضر في المتن من باب المثال ، وإلا فإن‌

٢٩٥

______________________________________________________

معاقد الإجماع على وجوب الطلب ليست مختصة بالسفر ، بل هي شاملة لجميع الأحوال. نعم التخصيص بالغلوة والغلوتين يختص بالطلب في الأرض أما الطلب في غيرها كالقافلة والرحل فلا حد له إلا اليأس. ولذا قال في التذكرة : « إن رأى خضرة أو شيئاً يدل على الماء قصده واستبرأه ، ولو كان دونه حائل صعد عليه وطلب .. الى أن قال : وإن كان له رفقة طلب منهم ، فان تعذر ذلك كله فليطلب من جوانبه الأربعة غلوة .. » ، وفي المنتهى : « لو كان يطلب الماء فظهرت قافلة كثيرة طلب الماء من جميعهم ما لم يخف فوت الصلاة فيطلبه حينئذ الى أن يبقى من الوقت قدر الفعل » وقال في روض الجنان : « ولو فقده ( أي الماء ) وجب عليه الطلب من أصحابه ومجاوريه في ركبه أو رحله فان لم يجده وجب عليه الطلب غلوة .. »

وبالجملة : التحديد الآتي يختص بطلب المسافر الماء عند احتماله في الأرض ، أما إذا احتمل وجوده في غيرها من جار أو رفقة أو غيرهما فيجب الطلب الى أن يحصل اليأس وإن كان مسافراً كما سيأتي في كلام المصنف (ره). نعم لزوم الفحص الى آخر الوقت يختص بالقول بالمضايقة وعدم جواز البدار. أما على القول بجواز البدار ـ ولو لأجل النصوص الآتية في محلها ـ فاللازم في مقدار الفحص أن يحصل اليأس ويصدق معه عدم الوجدان.

ثمَّ إن النص الآتي الوارد في تحديد الطلب بالغلوة أو الغلوتين‌ وإن كان مورده المسافر لكن الظاهر منه المسافر العرفي لا خصوص المسافر الشرعي وإن احتمل أو قيل به. فما عدا المسافر العرفي يرجع في تحديد طلبه الى العقل الحاكم بوجوبه إلى أن يعلم بالعجز أو يحصل اليأس. بل لا يبعد التعدي من المسافر الى الحاضر ، فيكون ذلك حكم مطلق الأرض‌

٢٩٦

وفي البرية يكفي الطلب [١]

______________________________________________________

وإن كانت وطناً ، فيكون حكم سكان البوادي والجبال حكم المسافرين من حيث الطلب في الأرض.

فالمتحصل : أنه يجب الطلب الى أن يعلم بعدم القدرة على الماء ، أو ييأس منه ، أو يحصل حرج أو ضرر عليه ، فاذا لم يحصل شي‌ء من الأمور المذكورة وجب الطلب الى أن يحصل له عنوان عدم الوجدان عرفاً فيشرع له التيمم حينئذ بناء على القول بجواز البدار كما عرفت. نعم إذا علم بوجود الماء في مكان بعيد وجب السعي عليه كما سيأتي ، ويظهر منهم الإجماع عليه حتى على القول بجواز البدار ولو للنصوص الخاصة. وكذا لو علم بوجوده في آخر الوقت ، كما سيأتي في مبحث جواز البدار. فانتظر.

[١] أما وجوب الطلب في البرية : فعن الشيخ والعلامة والمحقق الثاني والسيد في المدارك وغيرهم : الإجماع عليه. وفي المنتهى : نسبته إلى علمائنا وفي التذكرة : نسبته إلى علمائنا أجمع. ويدل عليه ـ مضافاً الى ما عرفته في الحضر ـ مصحح زرارة المروي عن الكافي وأحد طريقي التهذيب عن أحدهما (ع) : « إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فاذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل » (١) ، وخبر السكوني عن جعفر بن محمد (ع) عن أبيه عن علي (ع) انه قال : « يطلب الماء في السفر إن كانت الحزونة فغلوة وإن كانت سهولة فغلوتين لا يطلب أكثر من ذلك » (٢). وإطلاق الأول لا ينافي الاستدلال به على أصل الوجوب. كما أن عدم صحة الثاني لا تقدح فيه بعد بناء الأصحاب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب التيمم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب التيمم حديث : ٢.

٢٩٧

______________________________________________________

على العمل بروايات راويه وهو السكوني ، ولا سيما بعد حكاية الإجماع على العمل به. وحمله على إرادة بيان مجرد تحديد الطلب ونفي وجوب الزائد على الحد لا الإلزام به خلاف الظاهر.

وما في صحيح داود الرقي عن أبي عبد الله (ع) : « لا تطلب الماء ولكن تيمم فإني أخاف عليك التخلف عن أصحابك فتضل ويأكلك السبع » (١) وما في خبر يعقوب بن سالم قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل لا يكون معه ماء والماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين أو نحو ذلك. قال (ع). لا آمره أن يغرر بنفسه فيعرض له لص أو سبع » (٢) لا يعارض ما سبق ، للتعليل فيهما بالخوف والتغرير ، فيختصان بهما ، ولا يشملان صورة الأمن كما هو محل الكلام. مع أن الثاني مورده صورة العلم بوجود الماء فلا يكون مما نحن فيه. وأما خبر علي بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « قلت له : أتيمم .. الى أن قال : فقال له داود الرقي أفأطلب الماء يميناً وشمالا؟ فقال (ع) : لا تطلب الماء يميناً وشمالا ولا في بئر ، إن وجدته على الطريق فتوضأ منه وإن لم تجده فامض » (٣) فهو وإن لم يكن مورده الخوف ، لكن يجب حمله عليه جمعاً ، ولا سيما بملاحظة قرب اتحاد الواقعة التي سأل فيها الرقي التي قد عرفت جوابه (ع) فيها مع الواقعة المحكية في هذا الخبر ، فان ذلك موهن لإطلاقه جداً ، هذا مع ضعف السند لتردد علي بن سالم بين المجهول وبين علي بن أبي حمزة البطائني الذي قيل فيه : « إنه أحد عمد الواقفة ». مضافا الى ما عرفت من دعوى الإجماع على خلافه. ومنه يظهر ضعف ما ذكره الأردبيلي من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب التيمم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب التيمم حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب التيمم حديث : ٣.

٢٩٨

______________________________________________________

الميل الى الاستحباب ، لأن خبر السكوني ليس بصحيح ولا بصريح ، ولمعارضته بخبر علي بن سالم‌ ، وانه أوضح دلالة وسنداً وإن كان علي بن سالم مجهولا. انتهى.

وهل الوجوب في المقام نفسي؟ ـ كما عن قواعد الشهيد والحبل المتين والمعالم ـ أو غيري لكون الطلب شرطاً في صحة التيمم تعبداً ـ كما اختاره في الجواهر ولعله المشهور ـ أو عقلي بمناط وجوب الاحتياط مع الشك في القدرة؟ وجوه : من كون الأصل في الأمر كونه نفسياً ، ومن كون الظاهر منه ومن النهي الوارد في أمثال المقام كونهما إرشاداً إلى الشرطية والمانعية ، ومن كون ارتكاز الوجوب العقلي يصلح قرينة على الإرشاد اليه ، والأظهر الأخير ، إذ الأول خلاف الأصل الثانوي ، والثاني خلاف إطلاق الآية الدالة على مشروعيته بمجرد عدم الوجدان واقعاً ، فهذا الإطلاق بمناسبة الارتكاز يوجب حمله على الإرشاد لا غير. وعليه فلا دخل للطلب في صحة التيمم لا ظاهراً ولا واقعاً. بل هو راجع الى تأمين المكلف عن خطر تفويت الطهارة المائية.

لكن الإنصاف أن ذلك بعيد عن ظاهر المصحح ، فان ظهوره في ترتب التيمم على الطلب مما لا ينكر. فاذا بنينا على صحة جريان أصالة عدم الوجدان في نفسه ـ كما تقدم ـ فلا بد من الالتزام بكون الأمر بالطلب ـ من قبيل الأمر بالفحص في الشبهات الحكمية ـ راجعاً إلى إلغاء الأصل المذكور ، وتنجيز احتمال عدم مشروعية التيمم ، فلا يحكم المكلف بصحة صلاته ظاهراً إلا في ظرف تحقق الطلب. وعلى هذا يكون الطلب شرطاً في الحكم الظاهري بصحة التيمم ، لا شرطاً في الصحة واقعاً ولا واجباً نفسياً ، ولا واجباً عقلياً بحتاً. ولا يبعد الالتزام بذلك أيضاً في الطلب‌

٢٩٩

غلوة سهم في الحزنة [١] ولو لأجل الأشجار [٢].

______________________________________________________

لغير المسافر ، فيكون الإجماع عليه راجعاً إلى الإجماع على إلغاء الأصل المذكور فيه ، بل الظاهر عدم الإشكال في ذلك عندهم ، فيتعين المصير إلى إلغاء الأصل في المقامين.

[١] كما هو المشهور. وعن جماعة : الإجماع صريحاً أو ظاهراً عليه وعن الحلي : دعوى تواتر الاخبار به ، وإن كان لم يعثر في ذلك إلا على رواية السكوني المتقدمة كما اعترف به غير واحد ، فيقيد بها إطلاق مصحح زرارة المتقدم‌ ، فيحمل على إرادة بيان اشتراط الطلب المحدود بالحد السابق ببقاء الوقت وسقوطه مع ضيقه ، لا وجوب الطلب دائماً بدوام الوقت. ويشير الى ذلك إهمال بيان مبدأ الطلب فيه ، إذ لا يظن إمكان الالتزام بأن مبدأه أول الوقت ويمتد الى وقت الفوت. كما لا يظن الالتزام بأن مبدأه إرادة الصلاة ، لأن ذلك يؤدي الى عدم إرادة الصلاة إلا في آخر الوقت فراراً من كلفة الطلب ، فيتعين حمله على ما ذكرناه. ومنه يظهر ضعف ما عن المحقق من استحسان دوام الطلب ما دام الوقت ، عملا بالحسن إذ لا مجال لذلك مع وجود المقيد ، ولا سيما وأن المروي في أحد طريقي التهذيب ( فليمسك ) بدل ( فليطلب ) (١). وأما ما عن النهاية والمبسوط من تحديده بالرمية أو الرميتين مما ظاهره التخيير فلا وجه له ظاهر. ولعل مراده التفصيل المشهور ، فتكون ( أو ) في كلامه للتقسيم لا التخيير.

[٢] كما نص عليه في الجواهر وغيرها. وفي القاموس والمجمع : تفسير الحزنة ـ بالفتح فالسكون ـ بما غلظ من الأرض. وشموله لذلك لا يخلو من إشكال ظاهر. وحينئذ تعميم الحكم مبني على الاستفادة من غير اللفظ‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب التيمم ملحق الحديث الثالث.

٣٠٠