مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٠٩

كما أنه ينتقض بوجدان الماء [١] ، أو زوال العذر [٢] ، ولا يجب عليه إعادة ما صلاه كما مر وإن زال العذر في الوقت ، والأحوط الإعادة حينئذ ، بل والقضاء أيضاً في الصور الخمسة المتقدمة.

( مسألة ١٣ ) : إذا وجد الماء أو زال عذره قبل الصلاة لا يصح أن يصلي به [٣].

______________________________________________________

[١] بلا خلاف فيه أيضاً ، وعن جماعة : الإجماع عليه ، بل عن التذكرة : أنه قول العلماء إلا ما نقل عن أبي سلمة والشعبي. ويشهد له الخبران السابقان‌ (١) وغيرهما. مضافا الى إطلاق أدلة الطهارة المائية ، لانتفاء تقييدها بأدلة البدلية ، لاختصاصها بصورة الفقدان المقدم على استصحاب بقاء الطهارة الترابية وان قلنا أنها طهارة تامة ، فضلا عما لو قلنا بأنها طهارة ناقصة ، أو أن التيمم لا يوجب الطهارة أصلا بل هو مبيح ـ كما هو المعروف ـ إذ على الأول يعتضد الإطلاق المذكور بإطلاق ما دل على لزوم الطهارة التامة ، وعلى الأخير يعتضد بذلك ، وبما دل على اعتبار الطهارة ، فإن الإطلاقات الثلاثة حينئذ تكون متعاضدة ومقدمة على الاستصحاب.

[٢] بلا إشكال ظاهر. وقد يستفاد من النصوص المتقدمة ، لظهورها في كون الإصابة ملحوظة بما أنها من أسباب التمكن من الطهارة المائية. مضافا الى إطلاق أدلة الطهارة المائية كما سبق.

[٣] إجماعا كما عن الخلاف والمعتبر والمنتهى والتذكرة والمختلف والنهاية وغيرها ، بل عن الأربعة الأول : دعوى إجماع أهل العلم سوى شذاذ من العامة. ويدل عليه ما دل على انتقاض التيمم بإصابة الماء مما تقدم في‌

__________________

(١) هما خبرا زرارة والسكوني المتقدمان في التعليقة السابقة‌

٤٦١

وإن فقد الماء أو تجدد العذر [١] فيجب أن يتيمم ثانياً. نعم إذا لم يسع زمان الوجدان أو زوال العذر للوضوء أو الغسل بأن فقد أو زال العذر بفصل غير كاف لهما لا يبعد عدم بطلانه [٢] وعدم وجوب تجديده ، لكن الأحوط التجديد [٣] مطلقاً. وكذا إذا كان وجدان الماء أو زوال العذر في ضيق الوقت ،

______________________________________________________

المسألة السابقة المستفاد منها حكم زوال العذر.

[١] لإطلاق تلك النصوص.

[٢] كما عن جامع المقاصد وفوائد الشرائع والمسالك ومجمع البرهان وغيرها ، تنزيلا لإطلاق ما في النصوص ومعاقد الإجماعات من الانتقاض بإصابة الماء على خصوص الإصابة بنحو يمكن الطهارة المائية ، بل قال في جامع المقاصد : « والمقتضي للنقض هو التمكن من فعلها لا مطلق التمكن ، للقطع بأنه لو علم من أول الأمر أنه لا يتمكن من فعلها لا ينتقض تيممه ». وهو في محله ، فان منصرف الجميع ليس هو الانتقاض بالإصابة تعبداً ، بل الانتقاض بارتفاع السبب المسوغ له ، فالمراد من الإصابة ما كان عدمها شرطاً في مشروعية التيمم ، وهي إنما تكون في صورة القدرة على الاستعمال عقلا وشرعاً ، ولذا لا يظن من أحد الالتزام بالانتقاض بمجرد وجود الماء ولو كان مغصوباً. ومنه يظهر الحكم فيما لو وجده في وقت يضيق عن استعماله ، فإنه لا ينتقض به تيممه كغيره مما هو مقرون بمانع شرعي أو عقلي. ويؤيد ذلك خبر أبي أيوب المروي عن تفسير العياشي : « إذا رأى الماء وكان يقدر عليه انتقض التيمم » (١).

[٣] وجهه : احتمال إطلاق النص والفتوى البطلان بإصابة الماء الشامل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب التيمم حديث : ٦‌

٤٦٢

فإنه لا يحتاج إلى الإعادة حينئذ للصلاة التي ضاق وقتها.

( مسألة ١٤ ) : إذا وجد الماء في أثناء الصلاة فإن كان قبل الركوع من الركعة الأولى بطل تيممه [١] وصلاته ، وإن كان بعده لم يبطل ويتم الصلاة.

______________________________________________________

لهذه الصورة أيضاً.

[١] كما عن النهاية ومجمع البرهان والمفاتيح وشرحها وغيرها ، وحكي عن الصدوق ومصباح السيد وجمله والجعفي. ويشهد له ـ مضافا الى إطلاق ما دل على الانتقاض بإصابة الماء ـ صحيح زرارة : « قلت لأبي جعفر (ع) : إن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة. قال (ع) : فلينصرف فليتوضأ ما لم يركع ، وإن كان قد ركع فليمض في الصلاة فإن التيمم أحد الطهورين » (١) ، وخبر عبد الله بن عاصم قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل لا يجد الماء فيتيمم ويقوم في الصلاة فجاء الغلام فقال هو ذا الماء. فقال (ع) : إن كان لم يركع فلينصرف وليتوضأ وإن كان قد ركع فليمض في صلاته » (٢). قال في المدارك : « وهذه الرواية مروية في التهذيب بثلاثة طرق أقربها إلى الصحة : ما رواه الشيخ عن محمد بن علي بن محبوب ، عن الحسن بن الحسين اللؤلئي ، عن جعفر ابن بشير ، عن عبد الله بن عاصم. وفي الحسن بن الحسين اللؤلئي توقف وإن وثقه النجاشي ، لقول الشيخ : إن ابن بابويه ضعفه ».

وقيل ـ كما نسب إلى الأكثر في كلام بعض ، بل الى المشهور كما في جامع المقاصد وعن المسالك والروض ومجمع البرهان ، بل عن الحلي : دعوى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب التيمم حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب التيمم حديث : ٢‌

٤٦٣

______________________________________________________

الإجماع عليه ـ : إنه يمضي وإن تلبس بتكبيرة الإحرام فقط. ويشهد له صحيح زرارة ومحمد بن مسلم أنهما قالا لأبي جعفر (ع) : « في رجل لم يصب الماء وحضرت الصلاة فتيمم وصلى ركعتين ثمَّ أصاب الماء أينقض الركعتين أو يقطعهما ويتوضأ ثمَّ يصلي؟ قال (ع) : لا ، ولكنه يمضي في صلاته فيتمها ولا ينقضها ، لمكان أنه دخلها وهو على طهر بتيمم » (١) فان مورده وإن كان الإصابة بعد الركعتين إلا أن التعليل فيه دال على أن السبب في عدم نقض الصلاة مجرد دخوله فيها بالتيمم ، وخبر محمد بن سماعة عن محمد بن حمران عن أبي عبد الله (ع) : قال : « قلت له : رجل تيمم ثمَّ دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثمَّ يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة. قال (ع) : يمضي في الصلاة. واعلم أنه ليس ينبغي لأحد أن يتيمم إلا في آخر الوقت » (٢). واشتراك محمد بن سماعة ومحمد بن حمران بين الثقة وغيره ـ كما في الجواهر ـ غير قادح في حجية السند ، إذ لا يبعد انصراف الأول عند الإطلاق إلى الثقة الجليل ابن موسى بن نشيط والد الحسن وإبراهيم وجعفر ، والثاني إلى النهدي الجليل لشهرتهما ، ولذا لم أقف على طاعن في سند الرواية المذكورة ، بل في المعتبر : ترجيحها على رواية عبد الله بن عاصم بأن محمد بن حمران أشهر في العدالة والعلم من عبد الله بن عاصم ، والأعدل مقدم ، انتهى. وهذه شهادة منه بصحة الرواية ، ولا سيما بملاحظة كون الراوي عنهما البزنطي الذي هو من أصحاب الإجماع ، وممن قيل في حقه : إنه لا يروي إلا عن ثقة. مع أن في دلالة صحيح زرارة كفاية. وحمل الدخول فيهما على الدخول في الركوع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب التيمم ملحق الحديث الرابع‌

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب التيمم حديث : ٣‌

٤٦٤

______________________________________________________

ـ كما في الجواهر ـ لأنه الدخول الكامل ، ولا سيما بملاحظة ما ورد من أن الصلاة أولها الركوع (١) ، وأنها ثلث طهور ، وثلث ركوع ، وثلث سجود (٢) ، وأن إدراك الركعة بإدراك الركوع (٣) ـ كما ترى ـ خلاف الظاهر جداً. وما ورد من أن أولها الركوع ، وتثليثها الى الأثلاث المذكورة فهو بملاحظة بعض الجهات التي نظر إليها الإمام (ع) ، ولا يصلح قرينة عليه حيث ورد في كلام السائل ، وما ورد من أن إدراك الركعة بإدراك الركوع أجنبي عما نحن فيه ، إذ المراد منه أن آخر ما تدرك به الركعة الركوع ـ كما ذكرناه في مبحث الجماعة ـ فهو على خلاف المقصود أدل ، لا أن أول ما تدرك به الركعة الركوع. فلاحظ.

ومثله في الاشكال ما في الجواهر أيضاً من الحمل على ضيق الوقت ـ كما يشعر به ذيله ـ إذ فيه : أن خصوصية ضيق الوقت لو كانت في مورد السؤال لم يناسب إهمال التعرض لها فيه لأهميتها جداً ، بل لا يناسب معها أصل السؤال المذكور ، لوضوح كونه مانعاً من نقض التيمم ولو قبل الدخول في التكبير. والذيل لو لم يشعر بالسعة لمناسبته لها ـ كما هو الظاهر ـ فلا أقل من عدم إشعاره بالضيق.

وحينئذ فيتعين الجمع بين النصوص بالحمل على استحباب النقض لو أصاب الماء قبل الركوع ـ كما عن جماعة التصريح به ـ فإنه أقرب جمع عرفي بينها. ولا مجال لدعوى كون صحيح زرارة الأول في أعلى درجات الصحة ، فلا مجال لتقديم خبر ابن حمران عليه ، إذ الترجيح إنما يرجع اليه بعد تعذر الجمع العرفي. مع أن صحيح زرارة الثاني أيضاً هو في أعلى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب الركوع حديث : ٦‌

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب الركوع حديث : ١‌

(٣) راجع الوسائل باب : ٤٥ من أبواب صلاة الجماعة‌

٤٦٥

______________________________________________________

درجات الصحة. وكما أن الأول معتضد بخبر عبد الله بن عاصم كذلك الثاني معتضد بخبر محمد بن حمران‌ ، ومع التساوي فالحكم التخيير ، وهو يقتضي جواز الأخذ بالأخيرين ، والموجب للبناء على جواز الإتمام بالتيمم. وأضعف من ذلك دعوى كون نسبة الأولين إلى الأخيرين نسبة المقيد الى المطلق. إذ فيها : أن الدخول لو سلم إطلاقه في الصحيح بنحو يشمل حال الركوع فيكون قابلا للتقييد ـ ولو كان بلحاظ الإطلاق الاحوالي ـ لكن التعليل في ذيله المسوق مساق العلل العرفية مما يأبى ذلك جداً. مع أن ذلك لا يتأتى في قول السائل في خبر محمد بن حمران : « حين يدخل ». لأنه ظاهر في خصوص الزمان الأول لا غير ، لا أنه مطلق قابل للتقييد. وبالجملة ما هو المشهور متعين.

وأما ما عن ابن الجنيد من أنه إن وجد الماء قبل أن يركع الركعة الثانية قطع وان وجده بعد الأولى وخاف ضيق الوقت جاز أن لا يقطع فليس له دليل ظاهر. وأما خبر حسن الصيقل : « أنه سأل الصادق (ع) عن رجل تيمم ثمَّ قام يصلي فمر به نهر وقد صلى ركعة. قال (ع) : فليغتسل وليستقبل الصلاة » (١) ، فمع ضعفه في نفسه ، وعدم صلاحيته لإثبات تمام دعواه ، معارض بما سبق مما دل على الإتمام إذا كان قد ركع أو مطلقاً ، وصحيح زرارة ومحمد وان كان يدل على الإتمام إذا أصاب الماء بعد الركعتين ، لكن التعليل فيه يدل على الإتمام مطلقاً كما عرفت.

وأضعف منه ما عن سلار من نقض الصلاة إلا أن يكون وجده بعد القراءة فإنه لا شاهد له أصلا ، واحتمال صدق الدخول في الصلاة بذلك كما ترى ومثله ما عن ابن حمزة في الواسطة من وجوب القطع مطلقاً إذا غلب على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب التيمم حديث : ٦‌

٤٦٦

لكن الأحوط مع سعة الوقت الإتمام والإعادة مع الوضوء [١]. ولا فرق في التفصيل المذكور بين الفريضة والنافلة على الأقوى [٢] ،

______________________________________________________

ظنه عدم ضيق الوقت وإن لم يمكنه لم يقطعها إذا كبر. فإنه لا شاهد له إلا عموم انتقاض التيمم بوجود الماء ، لكنه مقيد بما سبق من أدلة القولين. نعم لا يبعد أن يكون مبناه عدم جواز التيمم في السعة فيكون وجدان الماء في أثناء الصلاة موجباً لبطلان التيمم من أول الأمر ، لا انتقاضه بعد الصحة كما هو مبنى الخلاف في المقام. فلاحظ.

ثمَّ إنه حيث عرفت أن مقتضى الجمع العرفي بين النصوص هو حمل ما دل على الانتقاض لو وجده قبل الركوع على الاستحباب ، يتعين الخروج عما دل على حرمة القطع بذلك. على أن العمدة في دليله الإجماع وهو غير منعقد في الفرض ، لحكاية القول باستحباب القطع عن جماعة منهم المحقق في ظاهر المعتبر.

[١] كأن وجهه الخروج عن شبهة خلاف ابن حمزة كما سبق.

[٢] كما عن المبسوط والمنتهى والتحرير والقواعد والمسالك وغيرها. ويقتضيه ترك الاستفصال في النصوص المتقدمة ، المعتضد بقاعدة إلحاق النوافل بالفرائض ، كما تقدمت الإشارة إلى وجهها في المباحث السابقة. وفي جامع المقاصد. « يحتمل تعين القطع هنا لأن إبطال النافلة غير ممنوع منه فيتحقق التمكن من استعمال الماء ». وفيه : أن مجرد الفرق بينهما في عدم جواز القطع اختياراً في الفرائض وجوازه في النوافل لا يوجب فرقاً بينهما في عموم الأدلة ، ولا سيما بملاحظة التعليل في النصوص ، وأن المقام ليس من صغريات حرمة القطع ، إذ لو كان التيمم ينتقض بوجدان الماء انقطعت الصلاة بنفسها. ( ودعوى ) أن ظهور الأمر بالإتمام في الوجوب‌

٤٦٧

وان كان الاحتياط بالإعادة في الفريضة آكد من النافلة [١].

( مسألة ١٥ ) : لا يلحق بالصلاة غيرها [٢] إذا وجد الماء في أثنائها ، بل تبطل مطلقاً وان كان قبل الجزء الأخير منها ، فلو وجد في أثناء الطواف ولو في الشوط الأخير بطل [٣]

______________________________________________________

قرينة على اختصاص النصوص بالفرائض لعدم وجوب الإتمام في النوافل. ( مندفعة ) بأن الأمر بالإتمام إرشادي إلى صحة التيمم والصلاة ، لا مولوي ليجي‌ء فيه ما ذكر.

[١] هذا بالنظر الى كون الفريضة واجبة. وأما بالنظر الى الدليل فالاحتياط في النافلة آكد ، لضعف دليل الصحة فيها بالإضافة إلى دليلها في الفريضة.

[٢] لاختصاص النصوص المتقدمة بالصلاة ، فالتعدي إلى غيرها منها محتاج الى دليل مفقود ، والمرجع عموم انتقاض التيمم بوجدان الماء.

[٣] لما عرفت. وما ورد من أن الطواف صلاة فلم أقف عليه عاجلا مروياً إلا في حديث أبي حمزة عن أبي جعفر (ع) : « أنه سئل أينسك المناسك وهو على غير وضوء؟ فقال (ع) : نعم إلا الطواف بالبيت فان فيه صلاة » (١) ، وهو على تقدير ظهوره في إرادة كون الطواف صلاة يشكل الأخذ بإطلاقه مع مخالفته للصلاة في كثير من الأحكام ولا سيما وكون الحكم في المقام من أحكام التيمم ، وأنه لا ينتقض بوجدان الماء. وإرجاعه إلى الصلاة وإن كان ممكناً. لكن دعوى عموم التنزيل لمثله محتاجة إلى لطف قريحة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الطواف حديث : ٦. وقد ورد هذا المضمون في روايتي معاوية بن عمار ورفاعة بن موسى المذكورتين في باب : ١٥ من أبواب السعي حديث : ١ ـ ٢‌

٤٦٨

وكذا لو وجد في أثناء صلاة الميت بمقدار غسله بعد أن يمم لفقد الماء ، فيجب الغسل وإعادة الصلاة [١] ،

______________________________________________________

[١] أما وجوب الغسل فاختاره في المعتبر وغيره ، وحكي عن المنتهى ونهاية الاحكام والإيضاح والدروس والبيان والموجز وجامع المقاصد ، وهو ظاهر بناء على المضايقة ، إذ وجدان الماء كاشف عن فساد التيمم من حين وقوعه ، وحينئذ تجب إعادة الصلاة سواء أكان الوجدان في أثنائها أم بعد الفراغ منها. وإلحاق المقام بما سبق لا دليل عليه : أما بناء على المواسعة ـ كما هو المشهور ـ فالظاهر أيضاً وجوب تغسيله ، لأن الظاهر من دليل وجوبه اعتبار طهارة الميت حدوثاً وبقاءً الى أن يدفن ، فلا يكفي مجرد الحدوث ولو مع الانتقاض بعد ذلك ، واحتمال ذلك بعيد وان قال في القواعد : « وفي تنزيل الصلاة على الميت منزلة التكبير نظر ». وكأن وجه النظر ـ على ما ذكر في كشف اللثام ـ هو الشك في أن غسله للصلاة عليه أو لتطهيره في آخر أحواله ، لكن فيه : أن إطلاق الأمر بالغسل يقتضي وجوبه نفسياً لا غيرياً للصلاة عليه ، كما أشار الى ذلك في الكشف. وأما وجوب إعادة الصلاة على هذا المبنى : ففي غاية الإشكال لو كان الوجدان بعد الفراغ لوقوعها صحيحة ، ولا ملازمة بين وجوب الغسل وإعادتها كما هو ظاهر. ولذا قرب في جامع المقاصد وكشف اللثام أنها لا تعاد ، وحكي عن نهاية الاحكام والإيضاح. ولو كان الوجدان في أثنائها فلا يبعد وجوب الاستئناف. واحتمال العدم من أجل التعليل في بعض النصوص السابقة بأنه دخلها وهو على طهر بتيمم ضعيف ، لاختصاص لفظة بتيمم المكلف نفسه ، فالتعدي منه الى المقام محتاج إلى عناية غير ظاهرة. ولذا اختار في البيان والدروس والموجز أنها تعاد. وما في المعتبر‌

٤٦٩

بل وكذا لو وجد قبل تمام الدفن [١].

( مسألة ١٦ ) : إذا كان واجداً للماء وتيمم لعذر آخر من استعماله فزال عذره في أثناء الصلاة ، هل يلحق بوجدان الماء في التفصيل المذكور؟ إشكال [٢] ، فلا يترك الاحتياط بالإتمام والإعادة إذا كان بعد الركوع من الركعة الأولى. نعم لو كان زوال العذر في أثناء الصلاة في ضيق الوقت أتمها [٣].

______________________________________________________

من أن الوجه أنه لا يقطع صلاته ، لأنه دخل في الصلاة دخولا مشروعاً فلم يجز إبطالها ، غير ظاهر ، لما عرفت ، إذ كما يعتبر أن يكون الدخول مشروعاً يجب أن يكون البقاء مشروعاً ، فاذا لم يكن البقاء كذلك لوجوب الترتيب بين تمام الصلاة والغسل لم يكن الدخول مشروعاً واقعاً ، وإن اعتقد المصلي حين الدخول أنه مشروع ، وحينئذ تكون الصلاة باطلة من أول الأمر. مع أنه لو فرض أنها صحيحة أول الأمر فهي باطلة في الأثناء ، فلا تكون مورداً لحرمة قطع الصلاة ، كما عرفت.

[١] أما بعد تمامه : فعلى المضايقة يجب نبشه وتغسيله ـ كما لو دفن بلا غسل ـ لانكشاف فساد التيمم من حين وقوعه. وأما على المواسعة : فلا يبعد العدم ، لعدم الدليل على كون مثل هذا الوجدان ناقضاً أو لعدم الدليل على وجوب الغسل حينئذ بعد دفنه على الوجه الصحيح الشرعي فتأمل.

[٢] مقتضى التعليل المتقدم عدم الإشكال في الإلحاق ، بل يمكن أن يستفاد من نفس النصوص ، من جهة فهم عدم الخصوصية لوجدان الماء بل موضوع الحكم مطلق القدرة على استعمال الماء كما سبق في انتقاضه بزوال العذر.

[٣] فان ضيق الوقت عذر أيضاً مسقط للأمر بالطهارة المائية كما سبق.

٤٧٠

وكذا لو لم يف زمان زوال العذر للوضوء ، بأن تجدد العذر بلا فصل ، فان الظاهر عدم بطلانه [١] ، وان كان الأحوط الإعادة ، ( مسألة ١٧ ) : إذا وجد الماء في أثناء الصلاة بعد الركوع ثمَّ فقد في أثنائها أيضاً أو بعد الفراغ منها بلا فصل [٢] ، هل يكفي ذلك التيمم لصلاة أخرى أو لا؟ فيه تفصيل : فاما أن يكون زمان الوجدان وافياً للوضوء أو الغسل على تقدير عدم كونه في الصلاة أو لا ، فعلى الثاني : الظاهر عدم بطلان ذلك التيمم بالنسبة إلى الصلاة الأخرى [٣] أيضاً ، وأما على الأول : فالأحوط عدم الاكتفاء به [٤] بل تجديده لها ،

______________________________________________________

[١] للعجز عن الطهارة المائية ، فيكون زوال العذر كعدمه ، كما سبق في المسألة الثالثة عشرة ، وتقدم الوجه في الاحتياط الذي ذكره فراجع.

[٢] يعني : بلا فصل عن الفراغ يفي بالوضوء والغسل.

[٣] لما سبق من العجز المانع من الأمر بالطهارة المائية ، فيكون الوجدان كعدمه.

[٤] بل عن المبسوط والموجز والإيضاح : الجزم به ، وعن المنتهى والتذكرة : الميل إليه ، لإطلاق ما دل على انتقاض التيمم بوجدان الماء. مضافاً الى إطلاق أدلة وجوب الطهارة المائية. ومجرد الحكم بالصحة بالإضافة إلى الصلاة التي هو فيها لا يقتضي الحكم بها مطلقاً ، لانتفاء الملازمة بينهما. وفيه : ما عرفت من أن الظاهر من الوجدان الناقض ما يمكن معه الطهارة المائية عقلا وشرعاً ، وهو منتف ، لحرمة قطع الصلاة. واستدل له في المستند بأن مقتضى الآية وجوب الوضوء أو التيمم عند إرادة كل صلاة ، خرج ما خرج بدليل شرعي ، فيبقى الباقي. مع أن المخرج ـ مثل صحيح‌

٤٧١

______________________________________________________

زرارة : « يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلها؟ فقال (ع) : نعم ما لم يحدث أو يصب ماء » (١) ـ مخصوص بغير المورد. انتهى. وفيه : أن الظاهر من قوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (٢) وقوله تعالى ( وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ) (٣) : أن الواجب لكل صلاة هو الطهارة ، وكذا يستفاد ذلك من أدلة النواقض للطهارات ومن غيرها ، فاذا دل الدليل على كون التيمم طهارة ما لم ينتقض احتيج في وجوب إعادته إلى إثبات الناقض ، وكون الصحيح مخصوصاً بغير المورد غير ظاهر بعد ما كان الظاهر من إصابة الماء ما لم تكن مقرونة بمانع عقلي أو شرعي ، فإذا كانت الإصابة في الفرض مقرونة بالمانع الشرعي من جهة حرمة قطع الفريضة كان الفرض داخلاً في صدر الصحيح. نعم يتم ما ذكر لو كان الوجدان في صلاة النافلة ، لصدق الوجدان حقيقة بالإضافة إلى غيرها حيث لا مانع من الوضوء له ، لجواز قطعها. وعليه كان اللازم الجزم بعدم الاكتفاء به. ولما ذكرنا ونحوه اختار في المعتبر والدروس والبيان والذكرى وجامع المقاصد والمسالك والمدارك وغيرها ـ على ما حكي عن بعضها ـ عدم انتقاض التيمم ، والاكتفاء به لغير تلك الصلاة من الغايات : قال في المعتبر : « لو رأى الماء وهو في الصلاة ثمَّ فقده قبل فراغه ، قال الشيخ (ره) : ينتقض تيممه في حق الصلاة المستأنفة. ولو قيل لا يبطل تيممه لكان قوياً ، لأن وجدان الماء لا يبطل التيمم ما لم يتمكن من استعماله ، والاستعمال هنا ممنوع عنه شرعاً ، ضرورة وجوب المضي في صلاته ، لأنا نتكلم على هذا التقدير ». وظاهره ـ كغيره ـ تخصيص ذلك بالفريضة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب التيمم حديث : ١‌

(٢) المائدة : ٦‌

(٣) المائدة : ٦‌

٤٧٢

لأن القدر المعلوم من عدم بطلان التيمم إذا كان الوجدان بعد الركوع إنما هو بالنسبة إلى الصلاة التي هو مشغول بها [١] لا مطلقاً.

( مسألة ١٨ ) : في جواز مس كتابة القرآن وقراءة العزائم حال الاشتغال بالصلاة التي وجد الماء فيها بعد الركوع اشكال ، لما مر [٢] من أن القدر المتيقن من بقاء التيمم وصحته إنما هو بالنسبة إلى تلك الصلاة. نعم لو قلنا بصحته الى تمام الصلاة مطلقاً ـ كما قاله بعضهم ـ جاز المس وقراءة العزائم ما دام في تلك الصلاة. ومما ذكرنا ظهر الإشكال في جواز‌

______________________________________________________

كما أن اللازم تخصيصه بما بعد الركوع ، إذ قد عرفت جواز القطع بل استحباب لو وجد قبله. فلا حظ.

[١] إذا كان وجدان الماء ناقضاً للتيمم حقيقة فالبناء على التفكيك بين الصلاة التي هو فيها وبين غيرها في ذلك ـ بأن لا يكون ناقضاً بالنسبة إلى الصلاة التي هو فيها ويكون ناقضاً بالنسبة إلى غيرها ـ لا مانع منه عقلا ولا عرفاً ، بناء على أنه مبيح ، لأن معنى نقضه رفع أثره وهو الإباحة ، والتفكيك بين الغايات في الإباحة لا غرابة فيه. أما بناء على أنه مطهر فالتفكيك غريب ، لأن الطهارة إذا كانت حاصلة بالنسبة إلى الصلاة التي هو فيها كانت حاصلة بالنسبة إلى الغاية الأخرى. نعم إذا كانت طهارته ناقصة فالتفكيك بين الغايات قريب.

[٢] بناء على ما عرفت ينبغي الجزم بالعدم لو كان قبل الركوع أو كانت الصلاة نافلة. والظاهر ذلك أيضاً لو كانت فريضة وعلم ببقائه بعد الصلاة بنحو يمكن استعماله ، لما عرفت في مبحث التيمم لضيق الوقت من أن العجز عن استعمال الماء في الأمد القصير لا يصدق معه عدم الوجدان‌

٤٧٣

العدول من تلك الصلاة الى الفائتة التي هي مترتبة عليها [١] ، لاحتمال عدم بقاء التيمم بالنسبة إليها.

( مسألة ١٩ ) : إذا كان وجدان الماء في أثناء الصلاة بعد الحكم الشرعي بالركوع ـ كما لو كان في السجود وشك في أنه ركع أم لا ، حيث أنه محكوم بأنه ركع ـ فهل هو كالوجدان بعد الركوع الوجداني أم لا؟ إشكال [٢] ، فالاحتياط بالإتمام والإعادة لا يترك.

( مسألة ٢٠ ) : الحكم بالصحة في صورة الوجدان بعد الركوع ليس منوطاً بحرمة قطع الصلاة [٣] ، فمع جواز القطع‌

______________________________________________________

المأخوذ موضوعاً لمشروعية التيمم. فراجع. ولو علم بعدم بقائه كذلك ينبغي الجزم بالجواز.

[١] الدليل إنما دل على صحة الصلاة التي هو فيها ، فالعدول الى غيرها يتوقف على إحراز عدم الوجدان بالإضافة اليه ، وهو ـ كما عرفت ـ يتوقف على حرمة القطع ، وعدم بقاء الماء بعد الفراغ على تقدير الإتمام فإن حصلا أمكن العدول ، وإلا فلا.

[٢] مبناه إطلاق دليل قاعدة التجاوز بحيث يثبت جميع آثار وجود الركوع حتى ما نحن فيه ـ أعني : صحة الصلاة على تقدير الوجدان بعده ـ وعدم إطلاقه. لكن إطلاقه ـ كما في سائر المقامات ـ محكم. ودعوى انصرافه الى خصوص صحة الأجزاء اللاحقة ممنوعة ، ولا سيما بملاحظة التنصيص على الشك في القراءة وقد ركع ، إذ ليس لذلك الجعل أثر إلا نفي سجود السهو. فلاحظ ما علقناه على مباحث الخلل من الكتاب.

[٣] لإطلاق الدليل ، ولذا عممناه للنافلة.

٤٧٤

أيضاً كذلك ما لم يقطع. بل يمكن أن يقال في صورة وجوب القطع أيضاً إذا عصى ولم يقطع الصحة باقية ، بناء على الأقوى من عدم بطلان الصلاة مع وجوب القطع إذا تركه وأتم الصلاة [١].

( مسألة ٢١ ) : المجنب المتيمم بدل الغسل إذا وجد ماء بقدر كفاية الوضوء فقط لا يبطل تيممه. وأما الحائض ونحوها ممن تيمم تيممين إذا وجد بقدر الوضوء بطل تيممه الذي هو بدل عنه. وإذا وجد ما يكفي للغسل ولم يمكن صرفه في الوضوء بطل تيممه الذي هو بدل عن الغسل ، وبقي تيممه الذي هو بدل عن الوضوء من حيث أنه [٢] حينئذ يتعين صرف ذلك الماء في الغسل ، فليس مأموراً بالوضوء. وإذا وجد ما يكفي لأحدهما وأمكن صرفه في كل منهما بطل كلا التيممين. ويحتمل عدم بطلان ما هو بدل عن الوضوء من حيث أنه حينئذ يتعين صرف ذلك الماء في الغسل [٣] ،

______________________________________________________

[١] لابتناء البطلان على القول بحرمة الضد إذا وجب ضده ، ولا نقول بها كما هو محرر في مسألة الضد. نعم لو كان وجوب القطع من جهة حرمة الإتمام من باب الاتفاق كان البطلان في محله ، لامتناع التقرب بالصلاة حينئذ ، لكن المفروض في المتن الأول ، وسيأتي في مبطلات الصلاة التعرض لذلك.

[٢] الأولى أن يقول لعدم إمكان الوضوء كما هو المفروض.

[٣] لأهمية الحدث الأكبر ، لا أقل من احتمال أهميته ، فيترجح رفعه في نظر العقل.

٤٧٥

فليس مأموراً بالوضوء ، لكن الأقوى بطلانهما [١].

( مسألة ٢٢ ) : إذا وجد جماعة متيممون ماءً مباحاً لا يكفي إلا لأحدهم بطل تيممهم أجمع [٢] إذا كان في سعة الوقت وإن كان في ضيقه بقي تيمم الجميع. وكذا إذا كان الماء المفروض للغير وأذن للكل في استعماله [٣]. وأما إن أذن للبعض دون الآخرين بطل تيمم ذلك البعض فقط [٤]. كما‌

______________________________________________________

[١] لم يتضح وجهه بعد فرض تعين صرف الماء في الغسل ـ كما يظهر مما سبق في المسوغ السادس ـ فان ذلك يوجب العذر عن الوضوء فلا يجب ، فلا ينتقض التيمم الذي هو بدله ، وينتقض ما هو بدل الغسل لارتفاع العذر عنه.

[٢] لتحقق القدرة عليه لكل واحد منهم في عرض تحقق القدرة لغيره عليه ، ومع القدرة على الطهارة المائية ينتقض التيمم الذي هو بدلها. هذا إذا لم يكن أحدهم مريداً لحيازته والوضوء به. أما مع تحقق الإرادة من كل منهم الى ذلك ، فتسابقوا اليه وسبق بعضهم اليه فحازه بطل تيمم السابق ، وبقي تيمم غيره ، لانتفاء قدرته حينئذ. وإذا سبقوا اليه جميعاً لم يبطل تيممهم جميعاً ، لعدم القدرة لكل واحد منهم ، لابتلائه بالمزاحم.

وإذا كان بعضهم مريداً لحيازته دون غيره فمن حازه بطل تيممه ، وأما من لم يحزه فان كان قادراً على التغلب عليه بطل تيممه ، من لم يقدر على ذلك لم يبطل تيممه.

[٣] فإن الإذن بمنزلة الإباحة الأصلية. وحينئذ تجري الأحكام المتقدمة للأقسام.

[٤] دون غيره ، لأن حرمة التصرف بدون الإذن مانعة من القدرة‌

٤٧٦

أنه إذا كان الماء المباح كافياً للبعض دون الآخر ـ لكونه جنباً ولم يكن بقدر الغسل ـ لم يبطل تيمم ذلك البعض.

( مسألة ٢٣ ) : المحدث بالأكبر غير الجنابة إذا وجد ماءً لا يكفي إلا لواحد من الوضوء أو الغسل قدم الغسل [١] وتيمم بدلاً عن الوضوء ، وإن لم يكف إلا للوضوء فقط توضأ وتيمم بدل الغسل.

( مسألة ٢٤ ) : لا يبطل التيمم الذي هو بدل عن الغسل [٢]

______________________________________________________

ومن ذلك يظهر وجه باقي المسألة.

[١] لما عرفت من أهمية الحدث الأكبر أو احتمال أهميته.

[٢] كما عن السيد (ره) في شرح الرسالة حيث قال : « إن الجنب إذا تيمم ثمَّ أحدث بالأصغر ووجد ما يكفيه للوضوء توضأ به ، لأن حدثه الأول قد ارتفع وجاء ما يوجب الصغرى ، وقد وجد من الماء ما يكفيه لها. فيجب عليه استعماله ولا يجزيه تيممه ». وتبعه عليه بعض المتأخرين كالكاشاني في المفاتيح ، وهو ظاهر كشف اللثام والذخيرة. ووجهه : أن التيمم عن الغسل بمنزلته ، فكما لا ينتقض الغسل بالأصغر لا ينتقض هو به. وأورد عليه جماعة بمنافاته للمستفاد من الأخبار والإجماع على كون التيمم مبيحاً لا رافعاً ، فلا يصح قوله : « لأن حدثه الأول قد ارتفع » ، ولصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « ومتى أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنباً والوضوء إن لم تكن جنباً » (١) ، ولما دل من النصوص على أمر الجنب بالتيمم إذا كان معه ما يكفيه للوضوء (٢) ، ولما دل على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب التيمم حديث : ٤‌

(٢) راجع الوسائل باب : ٢٤ من أبواب التيمم‌

٤٧٧

______________________________________________________

انتقاضه بالحدث من النصوص المتقدمة آنفاً (١). وفي المختلف : « لو أحدث المتيمم من الجنابة حدثاً أصغر انتقض تيممه إجماعاً ».

هذا ، ولا يخفى أن المستفاد من قوله تعالى في ذيل آية التيمم : ( ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ) (٢) ، وظاهر قوله (ص) : « جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً » (٣) وقوله (ع) « إن الله جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً » (٤) ، ونحو ذلك أن التيمم مطهر كالماء ، غاية الأمر أن ورود ذلك مورد الاضطرار يقتضي أن يكون مطهراً طهارة ناقصة لا أنه مبيح.

وأما أنه المستفاد من الإجماع : فهو كما ذكر. قال في المعتبر : « التيمم لا يرفع الحدث. وهو مذهب العلماء كافة. وقيل : يرفع. واختلف في نسبة هذا القول ، فقوم يسندونه الى أبي حنيفة ، وآخرون الى مالك. لنا الإجماع ، فإن الحكاية المذكورة لا تقدح فيه ، وقال ابن عبد البر من أصحاب الحديث منهم : أجمع العلماء على أن طهارة التيمم لا يرفع الحدث ». وفي جامع المقاصد « أجمع علماء الإسلام ـ إلا شاذاً ـ على أن التيمم لا يرفع الحدث وإنما يفيد الإباحة ». ونحوه كلام غيره. وقد اشتهرت دعوى الإجماع على ذلك في كلام أصحابنا وغيرهم.

إلا أن الاعتماد على الإجماع المذكور غير ظاهر ، لتعليلهم له ـ كما في المعتبر وغيره ـ بأن المتيمم تجب عليه الطهارة عند وجود الماء بحسب الحدث السابق ، فلو لم يكن الحدث السابق باقياً لكان وجوب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب التيمم حديث : ١ ـ ٥‌

(٢) المائدة : ٦‌

(٣) راجع الوسائل باب : ٧ من أبواب التيمم‌

(٤) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب التيمم حديث : ١‌

٤٧٨

______________________________________________________

الطهارة بوجود الماء ، إذ لا وجه غيره ، ووجود الماء ليس حدثاً بالإجماع. انتهى.

وهو كما ترى ، إذ الطهارة التي يقتضيها التيمم ناقصة اجتزئ بها للضرورة ، فمع وجود الماء ترتفع الضرورة ، فتجب الطهارة التامة ، فيجب لأجلها الغسل أو الوضوء ، ولا يدل ذلك على انتفاء الطهارة الناقصة. اللهم إلا أن يقال : إذا كان التيمم يوجب طهارة ناقصة ، وإصابة الماء لا توجب حدثاً ، فاذا فقد الماء بعد التمكن منه لم يجب تجديد التيمم ، لبقاء الطهارة الناقصة بحالها ، مع أنه خلاف الإجماع.

فالأولى أن يقال : إن كان المراد من كون إصابة الماء حدثاً أنها حدث كسائر الأحداث فهو ممنوع كما ذكر ، لكن وجوب الوضوء أو الغسل عند التمكن من الماء لا يتوقف على ذلك ، وإن كان المراد أنها توجب انتقاض التيمم لأن مشروعيته مشروطة بفقده الماء حدوثاً وبقاء فلا مانع من الالتزام به ، ولا غرابة فيه ، لأن طهورية التيمم مجهولة الهوية ومن الجائز أن تكون مشروطة بعدم وجود الماء بقاء كما هي مشروطة به حدوثاً ، وعلى هذا فإنكار طهورية التيمم غير ظاهر ، ولعل مرادهم إنكار طهوريته بنحو طهورية الماء وإن كان بعيداً عن كلامهم.

وكيف كان فكون التيمم مبيحاً أو رافعاً لا يصلح أن يكون مبنى للمسألة ، لإمكان البناء على كونه رافعاً مع انتقاضه بالأصغر كوجدان الماء. وعلى كونه مبيحاً مع عدم انتقاضه به. كما قال به السيد ومن تبعه. فالعمدة في مبنى المسألة : هو أن الحدث الأصغر يوجب كون التيمم كأن لم يكن ، ويرجع المكلف الى حالته الأولى ، أو لا يوجب ذلك ، بل إنما يقتضي أثراً خاصاً به كما لو وقع بعد الغسل ، فعلى الأول : يتم المشهور‌

٤٧٩

______________________________________________________

وعلى الثاني : يتم مذهب السيد (ره). وكون التيمم لا يرفع الحدث لا يصلح لإثبات الأول ، ولذا قال في كشف اللثام ـ بعد ذكر الإيراد المذكور ـ : « ويندفع بأنه لا خلاف في رفعه مانعية الجنابة ، ولم يتجدد إلا حدث أصغر لا بد من رفع مانعيته ، ولا دليل على عود مانعية الجنابة به ».

وأما صحيح زرارة‌ : فمورده صورة وجدان الماء الكافي في رفع الحدث السابق ، وهو ناقض للتيمم إجماعاً ونصوصاً ، وليس مما نحن فيه. ويشكل ما بعده بأن مورده المحدث بالجنابة قبل التيمم. وأما النصوص المتقدمة آنفاً فإنما دلت على عدم جواز الصلاة بالتيمم مع الحدث بعده ، وليس هذا مورد الاشكال من أحد ، إنما هو في أن هذا الحدث يوجب الوضوء أو التيمم ، فهذه النصوص وما يطابقها مضموناً من الإجماعات لا مجال للاستدلال بها على القول المذكور. ويوضح ذلك ملاحظة صدر صحيح زرارة المتضمن لذلك : « قلت لأبي جعفر (ع) : يصلي الرجل بوضوء واحد صلاة الليل والنهار كلها؟ قال (ع) : نعم ما لم يحدث. قلت : فيصلي بتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلها؟ قال (ع) : نعم ما لم يحدث أو يصب ماء » (١).

وأما إجماع المختلف : فالمراد منه الإجماع على عدم استباحة الغايات بتيممه لو أحدث بالأصغر ، لا وجوب التيمم عليه. ولذلك قال ـ بعد ذلك ـ : « فان وجد من الماء ما لا يكفيه للغسل وكفاه للوضوء وجب عليه إعادة التيمم ولم يجز له الوضوء ، وهو اختيار الشيخ (ره) وابن إدريس وأكثر علمائنا. وقال السيد المرتضى : يتوضأ بذلك الماء ولا يجوز له التيمم ». ثمَّ شرع في الاستدلال للقولين.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب التيمم حديث : ١‌

٤٨٠