مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٠٩

لكن مع ذلك أخذ الأجرة حرام [١] إلا إذا كان في قبال المقدمات غير الواجبة [٢] ، فإنه لا بأس به حينئذ.

( مسألة ٧ ) : إذا كان السدر أو الكافور قليلاً جداً ـ بأن لم يكن بقدر الكفاية ـ فالأحوط خلط المقدار الميسور وعدم سقوطه بالمعسور.

______________________________________________________

وقد أوضحنا ذلك في محله من ( حقائق الأصول ).

[١] لم يتضح الدليل على حرمة أخذ الأجرة على الواجبات كلية ، كما هو محرر في محله. فالعمدة في حرمة أخذ الأجرة هنا ما قد يدعى من أن المستفاد من أدلة وجوب التجهيز أنه حق من حقوق الميت على المكلفين الأحياء ، فهو مملوك له عليهم. وليس مملوكا للفاعل كي يمكن أخذ الأجرة عليه ولكن ذلك محتاج إلى لطف قريحة كما اعترف به شيخنا الأعظم (ره) وغيره. أو ما يدعى من الإجماع على الحرمة حيث لم ينقل القول بالجواز عن أحد سوى المرتضى. ولعله لبنائه ـ كما قيل ـ على اختصاص الوجوب بالولي ، فلا يجب على غيره ، كي يكون أخذ الأجرة عليه من قبيل أخذ الأجرة على الواجب. وفيه : مع أن عدم نقل القول بالجواز ليس إجماعاً على عدمه ، وأن القول باختصاص الوجوب بالولي مما لم ينقل عن المرتضى ولا عن غيره ـ ان ظاهر المحكي عن المرتضى الجواز مطلقاً حتى للولي. وقد تعرضنا في مبحث القراءة من كتاب الصلاة لبعض ما له نفع في المقام. فراجع.

[٢] أو في مقابل بعض الخصوصيات غير الواجبة ، مثل حفر القبر الى حد معين من الطول والعرض والعمق ، ووضع الميت في موضع معين للتغسيل ، ونحو ذلك. لكن حمل السيرة على أخذ الأجرة في كثير من البلدان على ما ذكر بعيد.

١٤١

( مسألة ٨ ) : إذا تنجس بدن الميت بعد الغسل أو في أثنائه بخروج نجاسة أو نجاسة خارجة لا يجب معه إعادة الغسل [١] ، بل وكذا لو خرج منه بول أو مني [٢] ، وإن كان الأحوط في صورة كونهما في الأثناء إعادته ،

______________________________________________________

[١] بلا كلام كما عن ظاهر المعتبر والتذكرة. وفي الجواهر : ينبغي القطع به. ويقتضيه ـ مضافا الى الأصل والى ما يستفاد من النصوص الآتية ـ خبر الكاهلي عن أبي عبد الله (ع) : « إذا خرج من منخر الميت الدم أو الشي‌ء بعد الغسل وأصاب العمامة والكفن قرض بالمقراض » (١). ونحوه مرسل ابن أبي عمير (٢) ، فان الاقتصار على القرض ظاهر في نفي الإعادة. فتأمل.

[٢] على المشهور فيهما وفي كل نجاسة حدثية ، للأصل ، والموثق روح ابن عبد الرحيم عن أبي عبد الله (ع) : « إن بدا من الميت شي‌ء بعد غسله فاغسل الذي بدا منه ولا تعد الغسل » (٣) ، وخبر الكاهلي والحسين ابن المختار عنه (ع) : « عن الميت يخرج منه الشي‌ء بعد ما يفرغ من غسله قال (ع) : يغسل ذلك ولا يعاد عليه الغسل » (٤) ، ومرفوع سهل : « إذا غسل الميت ثمَّ أحدث بعد الغسل فإنه يغسل الحدث ولا يعاد الغسل » (٥). ومنها يظهر ضعف ما عن ابن أبي عقيل من وجوب الإعادة. لكن المحكي من كلامه ظاهر في اختصاص خلافه فيما لو خرج في الأثناء. وحينئذ فلو‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب غسل الميت حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب غسل الميت حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب غسل الميت حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب غسل الميت حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب غسل الميت حديث : ٥.

١٤٢

خصوصاً إذا كان في أثناء الغسل بالقراح [١]. نعم يجب إزالة تلك النجاسة عن جسده ولو كان بعد وضعه في القبر [٢] إذا أمكن بلا مشقة ولا هتك [٣].

( مسألة ٩ ) : اللوح أو السرير الذي يغسل الميت عليه لا يجب غسله بعد كل غسل من الأغسال الثلاثة [٤].

______________________________________________________

لم تشهد النصوص المذكورة بخلافه لاختصاصها بالخروج بعد الغسل كفى في رده الأصل والإطلاق الوارد في بيان الكيفية ، مضافاً الى ما في مرسل يونس عنهم (ع) فإنه بعد الأمر بتغسيله بالكافور قال (ع) : « وامسح بطنه مسحاً رفيقاً فان خرج شي‌ء فأنقه ثمَّ اغسل .. » (١). ونحوه موثق عمار (٢). وربما يستشهد له بما دل على وجوب الاستئناف في غسل الجنابة. لكن عرفت أنه غير ثابت هناك ، مع إمكان دعوى وجوب الخروج عنه بالموثق والمرسل.

[١] لاحتمال كونه هو المطهر له دون الأولين.

[٢] لإطلاق النص المتقدم الآمر بغسلها وقرضها ، وانصرافه الى ما قبل الدفن غير ظاهر بنحو يعتد به في رفع اليد عن الإطلاق. ولو سلم جرى الاستصحاب التعليقي بناء على حجيته.

[٣] إذ مع المشقة لا يجب شي‌ء لدليل نفي الحرج. وكذا مع الهتك لأن حرمة الميت أهم من طهارة بدله.

[٤] لإهمال النصوص التعرض لذلك على وجه يظهر منها عدم وجوبه وكذا غسله بعد الغسل. وقد تقدم ذلك في مبحث الطهارة بالتبعية. فراجع. والله سبحانه أعلم.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب غسل الميت حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب غسل الميت حديث : ١٠.

١٤٣

______________________________________________________

نعم الأحوط غسله لميت آخر ، وإن كان الأقوى طهارته بالتبع. وكذا الحال في الخرقة الموضوعة عليه ، فإنها ـ أيضاً ـ تطهر بالتبع ، والأحوط غسلها.

فصل في آداب غسل الميت

وهي أمور :

الأول : أن يجعل على مكان عال من سرير أو دكة أو غيرها. والأولى وضعه على ساجة وهي : السرير المتخذ من شجر مخصوص في الهند. وبعده مطلق السرير. وبعده المكان العالي مثل الدكة. وينبغي أن يكون مكان رأسه أعلى من مكان رجليه.

الثاني : أن يوضع مستقبل القبلة كحالة الاحتضار ، بل هو أحوط.

الثالث : أن ينزع قميصه من طرف رجليه وإن استلزم فتقه بشرط الاذن من الوارث البالغ الرشيد. والأولى أن يجعل هذا ساتراً لعورته.

الرابع : أن يكون تحت الظلال من سقف أو خيمة ، والأولى الأول :

الخامس : أن يحفر حفيرة لغسالته.

السادس : أن يكون عارياً مستور العورة.

السابع : ستر عورته وإن كان الغاسل والحاضرون ممن يجوز لهم النظر إليها.

الثامن : تليين أصابعه برفق ، بل وكذا جميع مفاصله إن‌

١٤٤

______________________________________________________

لم يتعسر ، وإلا تركت بحالها.

التاسع : غسل يديه قبل التغسيل الى نصف الذراع في كل غسل ثلاث مرات ، والأولى أن يكون في الأول بماء السدر وفي الثاني بماء الكافور ، وفي الثالث بالقراح.

العاشر : غسل رأسه برغوة السدر أو الخطمي مع المحافظة على عدم دخوله في أذنه أو أنفه.

الحادي عشر : غسل فرجيه بالسدر أو الأشنان ثلاث مرات قبل التغسيل. والأولى أن يلف الغاسل على يده اليسرى خرقة ويغسل فرجه.

الثاني عشر : مسح بطنه برفق في الغسلين الأولين إلا إذا كانت امرأة حاملا مات ولدها في بطنها.

الثالث عشر : أن يبدأ في كل من الأغسال الثلاثة بالطرف الأيمن من رأسه.

الرابع عشر : أن يقف الغاسل الى جانبه الأيمن.

الخامس عشر : غسل الغاسل يديه الى المرفقين بل الى المنكبين ثلاث مرات في كل من الأغسال الثلاثة.

السادس عشر : أن يمسح بدنه عند التغسيل بيده لزيادة الاستظهار إلا أن يخاف سقوط شي‌ء من أجزاء بدنه فيكتفى بصب الماء عليه.

السابع عشر : أن يكون ماء غسله ست قرب.

الثامن عشر : تنشيفه بعد الفراغ بثوب نظيف أو نحوه.

التاسع عشر : أن يُوضأ قبل كل من الغسلين الأولين‌

١٤٥

______________________________________________________

وضوء الصلاة مضافاً الى غسل يديه الى نصف الذراع.

العشرون أن يغسل كل عضو من الأعضاء الثلاثة في كل غسل من الأغسال الثلاثة ثلاث مرات.

الحادي والعشرون إن كان الغاسل يباشر تكفينه فليغسل رجليه الى الركبتين.

الثاني والعشرون : أن يكون الغاسل مشغولا بذكر الله والاستغفار عند التغسيل والأولى أن يقول مكرراً : « رب عفوك عفوك » ، أو يقول : « اللهم هذا بدن عبدك المؤمن وقد أخرجت روحه من بدنه وفرقت بينهما فعفوك عفوك » خصوصاً وقت تقليبه.

الثالث والعشرون : أن لا يظهر عيباً في بدنه إذا رآه.

فصل في مكروهات الغسل

( الأول ) : إقعاده حال الغسل. ( الثاني ) : جعل الغاسل إياه بين رجليه. ( الثالث ) : حلق رأسه أو عانته. ( الرابع ) : نتف شعر إبطيه ( الخامس ) : قص شاربه. ( السادس ) : قص أظفاره ، بل الأحوط تركه وترك الثلاثة قبله. ( السابع ) : ترجيل شعره. ( الثامن ) : تخليل ظفره. ( التاسع ) : غسله بالماء الحار بالنار أو مطلقاً إلا مع الاضطرار. ( العاشر ) : التخطي عليه حين التغسيل. ( الحادي عشر ) : إرسال غسالته الى بيت الخلاء ، بل إلى البالوعة ، بل يستحب أن يحفر لها بالخصوص حفيرة كما مر. ( الثاني عشر ) : مسح بطنه إذا كانت حاملا.

١٤٦

( مسألة ١ ) : إذا سقط من بدن الميت شي‌ء من جلد أو شعر أو ظفر أو سن يجعل معه في كفنه ويدفن ، بل يستفاد من بعض الأخبار استحباب حفظ السن الساقط ليدفن معه ، كالخبر (١) الذي ورد : أن سناً من أسنان الباقر (ع) سقط فأخذه ، وقال : الحمد لله ، ثمَّ أعطاه للصادق (ع) وقال : ادفنه معي في قبري.

( مسألة ٢ ) : إذا كان الميت غير مختون لا يجوز أن يختن بعد موته.

( مسألة ٣ ) : لا يجوز تحنيط المحرم بالكافور ، ولا جعله في ماء غسله كما مر ، إلا أن يكون موته بعد الطواف للحج أو العمرة.

فصل في تكفين الميت

يجب تكفينه [١] بالوجوب الكفائي [٢] رجلا كان ، أو امرأة ، أو خنثى ، أو صغيراً [٣] بثلاث قطعات [٤] :

______________________________________________________

فصل في تكفين الميت‌

[١] إجماعاً ، بل ضرورة. ويقتضيه جملة من النصوص.

[٢] كما تقدم في التغسيل.

[٣] إجماعاً. ويقتضيه ـ مضافاً الى التصريح في بعض النصوص بالرجل والمرأة والصغير كما سيأتي ـ إطلاق بعضها الآخر.

[٤] إجماعاً حكاه جماعة كثيرة من القدماء والمتأخرين ، واستثني في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٧ من آداب الحمام حديث : ٢.

١٤٧

الأولى : المئزر [١].

______________________________________________________

بعضها سلار ، قال في المعتبر : « هذا مذهب فقهائنا أجمع خلا سلار » ، وفي الذكرى : « انه عند الجميع إلا سلار فإنه اكتفى بقطعة واحدة ، وجعل الأسبغ سبع قطع ، ثمَّ خمساً ، ثمَّ ثلاثاً » ، ثمَّ استدل على خلافه بالإجماع. وقد يستشهد لسلار بصحيح زرارة المروي عن التهذيب عن أبي جعفر (ع) « العمامة للميت من الكفن هي؟ قال (ع) : لا ، إنما الكفن المفروض ثلاثة أثواب أو ثوب تام لا أقل منه يوارى فيه جسده كله فما زاد فهو سنة » (١) المطابق لمقتضى الأصل. وفيه ـ مع أنه معارض بما عن الكافي وفي بعض نسخ التهذيب من روايته بالواو ، وبما عن الروض وأكثر نسخ التهذيب من إسقاط العاطف والمعطوف ، كما في طهارة شيخنا الأعظم (ره) وبما عن أكثر النسخ المعتبرة من إسقاط حرف العطف كلية ، كما في الرياض ـ لا مجال للاعتماد عليه في قبال ما عرفت من الإجماع الموافق لجملة من النصوص ، كخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « الميت يكفن في ثلاثة سوى العمامة والخرقة .. » (٢) ، وموثق سماعة : « سألته عما يكفن به الميت ، قال (ع) : ثلاثة أثواب » (٣) ، ونحوهما غيرهما ، ولا سيما والمحكي في المنتهى عن الجمهور كافة : الاجتزاء بالواحد.

[١] على المشهور ، بل عن الخلاف والغنية وغيرهما : الإجماع عليه وعن الأردبيلي : التأمل في مستنده. وفي المدارك : « وأما المئزر فقد ذكره الشيخان وأتباعهما وجعلوه أحد الثلاثة المفروضة ، ولم أقف في الروايات على ما يعطي ذلك ، بل المستفاد منها اعتبار القميص والثوبين الشاملين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب التكفين حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب التكفين حديث : ١٢.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب التكفين حديث : ٦.

١٤٨

______________________________________________________

للجسد أو الأثواب الثلاثة ، وبمضمونها أفتى ابن الجنيد في كتابه .. ( الى أن قال ) : وقريب منه عبارة الصدوق ». وأشار بالأخير إلى صحيح زرارة وموثق سماعة المتقدمين ونحوهما ، وبالأول إلى مثل خبر يونس بن يعقوب : « إنى كفنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما وفي قميص من قمصه » (١) وكأن الوجه في اعتبار الشمول في الأثواب الثلاثة أو الثوبين ـ مع أن الثوب أعم من الشامل قطعاً ولذا يشمل القميص ـ هو أن ظاهر تكفين الميت بالثياب أو إدراجه فيها هو ستره بكل واحد منها على نحو الشمول ، مضافاً الى ما في حسن حمران : « ثمَّ يكفن بقميص ولفافة وبرد يجمع فيه الكفن » (٢) بناء على أن اللفافة ما يلف جميع البدن. وفيه : أنه لو سلم كون الشمول مأخوذاً في التكفين والإدراج في أنفسهما فلا نسلم ظهورهما لو أضيفا إلى المتعدد في الشمول بالإضافة الى كل واحد من المتعدد ، بل يجوز أن يكون على نحو التجزئة والتبعيض ، وظهور اللفافة فيما يلف جميع البدن غير ظاهر المنشأ ، بل توصيف البرد بأنه يجمع فيه الكفن يدل أو يشعر بتفرق ما عداه من أجزاء الكفن.

وأما القول المشهور فقد استدل له بصحيح عبد الله بن سنان : « قلت لأبي عبد الله (ع) كيف أصنع بالكفن؟ قال (ع) : تأخذ خرقة فتشدها على مقعدته ورجليه. قلت : فالإزار؟ قال (ع) : إنها لا تعد شيئاً إنما تصنع لتضم ما هناك لئلا يخرج منه شي‌ء .. » (٣) فان ظاهر السؤال الثاني توهم السائل كفاية الإزار عن الخرقة حيث أجاب (ع) بأن فائدة الخرقة الضم الذي لا يتأتى بالإزار ، وحينئذ فلو لا كون المراد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب التكفين حديث : ١٥.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب التكفين حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب التكفين حديث : ٨.

١٤٩

______________________________________________________

بالإزار المئزر لم يكن وجه لهذا التوهم ، لعدم المناسبة بين الخرقة المذكورة وبين اللفافة الشاملة ليتوهم إغناؤها عنها ، فيكون المقام نظير ما ورد في آداب الحمام ، وفي ثوبي الإحرام ، وفي الاستمتاع بالحائض ، وفي الاتزار فوق القميص ، وغير ذلك مما أريد من الإزار فيه المئزر.

ومنه يظهر إمكان الاستدلال بما اشتمل على ذكر الإزار في أجزاء الكفن على القول المشهور ، كخبر معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (ع) : « يكفن الميت في خمسة أثواب قميص لا يزر عليه ، وإزار ، وخرقة يعصب بها وسطه ، وبرد يلف فيه ، وعمامة يعتم بها » (١). بل لعل في عدم توصيف الإزار بشي‌ء وتوصيف البرد بأنه يلف فيه إيماء الى أن الإزار لا يلف فيه بل يؤزر به. وبصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : « يكفن الرجل في ثلاثة أثواب ، والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة : درع ومنطق ، وخمار ، ولفافتين » (٢) فان المنطق كمنبر ، وهو ـ كما في القاموس ـ : « شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها ، فترسل الأعلى على الأسفل إلى الأرض ، والأسفل ينجر على الأرض » ، فيكون هو المئزر. وبموثق عمار : « تبدأ فتبسط اللفافة طولا ثمَّ تذر عليها من الذريرة ، ثمَّ الإزار طولا حتى تغطي الصدر والرجلين ، ثمَّ الخرقة عرضها شبر ونصف ثمَّ القميص .. » (٣). وهذا الاستدلال وإن كان لا يخلو من بعض المناقشات ، لكن إيماء النصوص المذكورة إلى المذهب المشهور لا مجال للتأمل فيه ، فهو ـ بضميمة الأصل المقتضي للاحتياط عند الدوران بين التعيين والتخيير » وظهور الإجماع عليه ـ يعين البناء عليه. فتأمل.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب التكفين حديث : ١٣.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب التكفين حديث : ٩.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب التكفين حديث : ٤.

١٥٠

ويجب أن يكون من السرة إلى الركبة [١] ، والأفضل من الصدر الى القدم [٢].

الثانية : القميص [٣]. ويجب أن يكون‌

______________________________________________________

[١] كما هو الظاهر مما نسبه في الحدائق إلى الأصحاب من أنه ما يستر ما بين السرة إلى الركبة. وفي جامع المقاصد : اعتبار سترهما. وفي المقنعة وعن المراسم : من سرته الى حيث يبلغ من ساقيه. وعن مختصر المصباح : من سرته الى حيث يبلغ. والجميع غير ظاهر ـ كما اعترف به في الجواهر ـ لصدق المئزر بدون ذلك كله ، ولا سيما وكون الأصل البراءة.

[٢] كما عن الذكرى ، ولموثق عمار المتقدم‌. وعن المسالك والروضة. وظاهر النهاية والمبسوط : ما بين صدره وقدمه. ووجهه غير ظاهر. ونحوه ما عن الوسيلة من استحباب أن يكون ساتراً من الصدر الى الساقين.

[٣] على المشهور ، بل نسب إلى جماعة : الإجماع عليه. وتقتضيه النصوص المتقدمة في الإزار وغيرها. واشتمال أكثرها على غير الواجب لا يقدح في الدلالة على الوجوب ، ولا سيما مع الاقتصار في بعضها على خصوص الواجب ، كحسن حمران : « قال أبو عبد الله (ع) : إذا غسلتم الميت منكم فارفقوا به .. ( الى أن قال ) : قلت : فالكفن؟ فقال تؤخذ خرقة فيشد بها سفله ويضم فخذيه بها ليضم ما هناك ، وما يصنع من القطن أفضل ، ثمَّ يكفن بقميص ولفافة وبرد يجمع فيه الكفن » (١). وعن الإسكافي ، والمحقق في المعتبر. والشهيد الثاني ، وجماعة ممن تأخر عنهم : التخيير بينه وبين ثوب شامل للبدن. لخبر محمد بن سهل عن أبيه : « سألت أبا الحسن (ع) عن الثياب التي يصلي فيها الرجل ويصوم أيكفن فيها؟

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب التكفين حديث : ٥.

١٥١

من المنكبين الى نصف الساق [١] ، والأفضل إلى القدم [٢].

الثالثة : الإزار. ويجب أن يغطي تمام البدن [٣]. والأحوط أن يكون في الطول بحيث يمكن أن يشد طرفاه [٤] ، وفي العرض بحيث يوضع أحد جانبيه على الآخر [٥]. والأحوط أن لا يحسب الزائد على القدر الواجب [٦]

______________________________________________________

قال (ع) : أحب ذلك الكفن يعني : قميصاً. قلت : يدرج في ثلاثة أثواب؟ قال (ع) : لا بأس به ، والقميص أحب إلي » (١) ، ونحوه مرسل الفقيه (٢) ، بل لعلهما واحد. ولا بأس بالخروج بهما عن ظاهر الروايات السابقة ـ فيحمل على بيان أفضل الأفراد ـ لو لا إعراض المشهور عنهما.

[١] كما عن المحقق والشهيد الثانيين وغيرهما. وعلل بأنه المتعارف في ذلك الزمان. لكن لو تمَّ ففي وجوب الأخذ به تأمل.

[٢] كما عن بعض. وفي الجواهر : أنه لم يثبت.

[٣] بلا خلاف فيه ، لاتفاق النص والفتوى عليه.

[٤] بل في جامع المقاصد ، وعن الروض والرياض : تعين ذلك.

[٥] وأوجبه في الرياض حاكياً له عن الروض ، معللا له ولما قبله بعدم تبادر غيره. وفيه منع. نعم لا بد من جمع الكفن فيه ولو بتوسط الشد بالخيوط ، ولذا جعل في جامع المقاصد ذلك مما ينبغي.

[٦] هذا الاحتياط متفرع على ما قبله ، لأن المستثنى من أصل التركة هو القدر الواجب لا غير.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب التكفين حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب التكفين حديث : ٢٠.

١٥٢

على الصغار [١] من الورثة ، وإن أوصى به أن يحسب من الثلث [٢]. وإن لم يتمكن من ثلاث قطعات يكتفى بالمقدور [٣]. وإن دار الأمر بين واحدة من الثلاث تجعل إزاراً ، وإن لم يمكن فثوباً [٤] ، وإن لم يمكن إلا مقدار ستر العورة تعين [٥] ، وإن دار بين القبل والدبر يقدم الأول [٦].

( مسألة ١ ) : لا يعتبر في التكفين قصد القربة [٧]

______________________________________________________

[١] وكذا الكبار إلا إذا رضوا بذلك.

[٢] يعني : إلا إذا رضي الورثة فيحسب من الأصل إن كانوا بالغين.

[٣] بلا خلاف أجده ، كما في الجواهر. وعن التذكرة : الإجماع عليه ، لقاعدة الميسور ، وللاستصحاب فيما لو طرأ التعذر بعد الموت ، أو مطلقاً بناء على الاستصحاب التعليقي.

[٤] كما في جامع المقاصد حيث قال : « وتقدم اللفافة ثمَّ القميص ثمَّ المئزر ». وكأنه لأنه أقرب إلى الواجب في الفائدة فيكون هو الميسور ولأن احتمال الأهمية كاف في وجوب التقديم عند التزاحم.

[٥] كما استظهره في الجواهر. وكأنه لرواية الفضل الآتية (١).

أما قاعدة الميسور فلو تمت لم يفرق بين العورة وغيرها من أجزاء البدن.

[٦] للعلم بأهميته ، أو احتمالها.

[٧] كما نص عليه غير واحد ، وفي الجواهر : « ينبغي القطع به » مستظهراً من الأصحاب الإجماع عليه. ويقتضيه أصل البراءة بناء على جريانه في أمثال المقام كما هو محرر في محله من الأصول. وقد عرفت فيما سبق الإشكال في العموم الدال على اعتبار النية في كل واجب.

__________________

(١) تأتي في المسألة الثانية من هذا الفصل.

١٥٣

وإن كان أحوط [١].

( مسألة ٢ ) : الأحوط في كل من القطعات أن يكون وحده ساتراً لما تحته ، فلا يكتفى بما يكون حاكياً له [٢] وإن حصل الستر بالمجموع. نعم لا يبعد كفاية ما يكون ساتراً من جهة طليه بالنشاء ونحوه لا بنفسه [٣] ، وإن كان الأحوط كونه كذلك بنفسه.

______________________________________________________

[١] وعن الروض : ان النية معتبرة فيه لكن لو أخل بها لم يبطل. ثمَّ قوى ـ أيضاً ـ عدم الإثم. وتدافع كلامه ظاهر.

[٢] كما في جامع المقاصد ، وعن الروض. وعلل بأنه المتبادر من إطلاق الثوب ، لكنه ممنوع ، كما في طهارة شيخنا الأعظم وغيرها. وأما الإجماع الآتي على اعتبار كونه مما يصلى فيه فغير ظاهر العموم لما نحن فيه لو سلمت حجيته. وهل يعتبر حينئذ تحقق الستر بالمجموع أولا؟ قولان. حكي ثانيهما عن بعض متأخري المتأخرين ، للإطلاق المطابق للأصل. ورد بأنه خلاف صريح المروي عن الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) : « إنما أمر أن يكفن الميت ليلقى ربه طاهر الجسد ، ولئلا تبدو عورته لمن يحمله أو يدفنه ، ولئلا يظهر الناس على بعض حاله وقبح منظره .. » (١). وخلاف ظاهر المواراة المأمور بها في صحيح زرارة وابن مسلم المتقدم في تثليث الثياب ، بل الظاهر أن الستر مأخوذ في مفهوم الكفن ، أو معلوم من مذاق الشارع الأقدس.

[٣] لصدق الستر فيه.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب التكفين ، حديث : ١.

١٥٤

( مسألة ٣ ) : لا يجوز التكفين بجلد الميتة [١] ، ولا بالمغصوب [٢] ، ولو في حال الاضطرار [٣] ولو كفن بالمغصوب وجب نزعه بعد الدفن أيضاً [٤].

( مسألة ٤ ) : لا يجوز اختياراً التكفين بالنجس [٥] ،

______________________________________________________

[١] لفقد الطهارة المعتبرة فيه كما سيأتي.

[٢] إجماعاً كما في الذكرى ، بل إجماعاً محصلا ومنقولا ، وللنهي عن التصرف كما في الجواهر. أقول : بعد ما تقدم من أن التكفين ليس عبادياً فالنهي عن التصرف في المغصوب إنما يقتضي حرمته لا بطلانه ، ولا خروجه عن كونه مصداقاً. نعم بناء على الامتناع لا يكون التكفين به ـ بمعنى اللف بالكفن ـ واجباً وإن كان مصداقاً للتكفين لا بما هو واجب. اللهم إلا أن يقال : إن المراد من التكفين الواجب ليس مطلق فعل التكفين ، ولذا لا يجب بذل الكفن ، بل هو اللف بالكفن المبذول ، فاللف بغيره ليس من أفراد الواجب ولو مع قطع النظر عن الوجوب. فتأمل جيداً.

[٣] لعدم وجوب التكفين عند انحصار الكفن بمال الغير ، وحرمة التصرف فيه حينئذ على حالها. وأما بالنسبة إلى جلد الميتة فعدم جواز التكفين به في حال الضرورة يتوقف على عدم جواز الانتفاع بالميتة مطلقاً.

[٤] لوجوب تسليمه إلى أهله من غير مزاحم ، كما يأتي إن شاء الله تعالى في مستثنيات حرمة النبش. لكن هذا الوجوب يختص بالمباشر للتكفين ولا يعم غيره. نعم إذا كان كفن مبذول وجب كفاية تكفينه به ولا يمكن إلا بنزعه.

[٥] إجماعاً كما عن المعتبر والتذكرة. وتقتضيه النصوص الدالة على وجوب إزالة النجاسة عن الكفن بعد التكفين.

١٥٥

حتى لو كانت النجاسة بما عفى عنها في الصلاة على الأحوط [١] ، ولا بالحرير الخالص [٢]

______________________________________________________

[١] بل هو المتعين كما يقتضيه إطلاق النص والفتوى.

[٢] إجماعاً كما عن المعتبر والتذكرة والنهاية والذكرى والمدارك. واستدل له بمضمرة الحسن بن راشد : « سألته عن ثياب تعمل بالبصرة على عمل العصب اليماني من قز وقطن هل يصلح أن يكفن فيها الموتى؟ قال (ع) : إذا كان القطن أكثر من القز فلا بأس » (١). وفي الذكرى عدها من المقبولات. بل بقرينة رواية محمد بن عيسى وروايتها في الفقيه مرسلة عن أبي الحسن الثالث (ع) أن الحسن بن راشد هو مولى آل المهلب الثقة الذي هو من أصحاب الجواد (ع) والهادي (ع) ، لا مولى المنصور الضعف الذي هو من أصحاب الصادق (ع) والكاظم (ع). ولكن سيأتي في المسألة السادسة أن هذه الرواية غير معمول بظاهرها. نعم ربما يشير إلى المنع النهي عن التكفين بكسوة الكعبة في جملة من النصوص (٢) مع الاذن في بعضها ببيعها وهبتها والتبرك بها ، إذ الظاهر ـ كما في الذكرى ـ كون الوجه كونها حريراً. وبما عن الدعائم عن أمير المؤمنين (ع) : « ان رسول الله (ص) نهى أن يكفن الرجال في ثياب الحرير » (٣). وأما ما في خبر السكوني : « قال رسول الله (ص) نعم الكفن الحلة » (٤) فمطروح ، أو محمول على التقية لو كان المراد من الحلة الحرير. لكن أنكر ذلك في الذكرى ، وحكى عن أبي عبيدة : أن الحلل برود اليمن.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب التكفين حديث : ١.

(٢) لاحظ الوسائل باب : ٢٢ من أبواب التكفين.

(٣) مستدرك الوسائل باب : ١٨ من أبواب التكفين حديث : ٢.

(٤) الوسائل ، باب : ٢٣ من أبواب التكفين حديث : ٢.

١٥٦

وإن كان الميت طفلا أو امرأة [١] ، ولا بالمذهب [٢] ، ولا بما لا يؤكل لحمه [٣] جلداً كان ، أو شعراً أو وبراً.

______________________________________________________

[١] لإطلاق النص ، وتصريح جملة من معاقد الإجماعات بعدم الفرق بين الرجل والمرأة. وفي المنتهى : « عندي فيه إشكال ينشأ من جواز لبسهن له في الصلاة بخلاف الرجل ، ومن عموم النهي » ونحوه عن نهاية الأحكام. وهو كما ترى ، إذ جواز اللبس في الصلاة لا يعارض عموم النهي.

[٢] كما عن كشف الغطاء. وليس له وجه ظاهر إلا القاعدة ـ المحكي عن الغنية الإجماع عليها ـ من أنه لا يجوز أن يكون الكفن مما لا تجوز فيه الصلاة. وقد بنى عليها غير واحد منهم الفاضلان ، والشهيدان ، والمحقق الثاني في جملة من كتبهم ، وعن مجمع البرهان : « وأما اشتراطهم كون الكفن من جنس ما يصلى فيه وكونه غير جلد فكأن دليله الإجماع » واستدل له برواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال : « قال أمير المؤمنين (ع) : لا تجمروا الأكفان ، ولا تمسحوا موتاكم بالطيب إلا الكافور فان الميت بمنزلة المحرم » (١) ، بضميمة ما دل على عدم جواز الإحرام بما لا تجوز فيه الصلاة (٢). ويمكن أن يقال : إنما يتم الاستدلال بالرواية لو قيل بحرمة مسح الميت بالطيب. أما لو قيل بالكراهة ـ كما هو المشهور ـ كان ذلك قرينة على كون المراد التنزيل في مجرد المرجوحية لئلا يلزم تخصيص المورد المستهجن ، ولا سيما مع بناء الأصحاب على عدم العمل بالعموم المذكور ، وأن الرواية ضعيفة السند بطريقيها معا. فالعمدة حينئذ كون الحكم مظنة الإجماع.

[٣] يعرف وجهه مما سبق.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب التكفين حديث : ٥.

(٢) لاحظ الوسائل باب : ٢٧ من أبواب الإحرام ، وباب : ٣٧ ، ٣٨ من أبواب تروك الإحرام.

١٥٧

والأحوط أن لا يكون من جلد المأكول [١] ، وأما من وبره وشعره فلا بأس [٢] وإن كان الأحوط فيهما ـ أيضاً ـ المنع [٣].

______________________________________________________

[١] لما عن المعتبر والتذكرة والذكرى وجامع المقاصد والمسالك وغيرها من المنع عنه ، لعدم صدق الثوب عليه أو انصرافه عنه. وعن ظاهر الغنية والدروس ، وصريح الروضة : الجواز ، بدعوى صدق الثوب عليه ، ومنع الانصراف عنه. مع أنه لو سلم ذلك كفى في الجواز تعليل وجوب التكفين بما سبق في رواية الفضل (١) المقتضي لعدم الفرق بين أفراد ما يوجب الستر والمواراة ، المعتضد بإطلاق لفظ الإزار والقميص واللفافة ونحو ذلك مما يصدق على الجلد قطعاً ، وعدم الموجب لانصرافه عنه. اللهم إلا أن يقال : الظاهر من رواية الفضل أن المراد التعليل لأصل الوجوب في الجملة في مقابل عدمه ، ولذا لا إشكال ممن عدا سلار في عدم الاكتفاء بالستر بثوب واحد وإطلاق اللفافة ونحوها ـ لو سلم ـ مقيد بما دل على وجوب الأثواب ، وصدقه على الجلد ممنوع ، أو هو محل تأمل. فيكون المرجع أصالة الاحتياط بناء على كونها المرجع عند الدوران بين التعيين والتخيير ، لكنها إنما تصلح مرجعاً بناء على عدم الإطلاق للفظ اللفافة ، وإلا كان هو المرجع.

[٢] كما هو المشهور ، لإطلاق الثياب.

[٣] لما عن الإسكافي من المنع فيهما ، ويقتضيه ما في موثق عمار : « الكفن يكون برداً ، فان لم يكن برداً ، فاجعله كله قطناً ، فان لم تجد عمامة قطن فاجعل العمامة سابرياً ». (٢) لكنه محمول على الاستحباب ، لإعراض الأصحاب عنه ، بل الإجماع ـ كما عن الرياض ـ على الجواز في الصوف ،

__________________

(١) تقدمت في المسألة الثانية من هذا الفصل.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب التكفين حديث : ١.

١٥٨

وأما في حال الاضطرار فيجوز بالجميع [١].

( مسألة ٥ ) : إذا دار الأمر في حال الاضطرار بين جلد المأكول وأحد المذكورات يقدم الجلد على الجميع [٢].

______________________________________________________

وممن عدا الصدوق على جوازه في الكتان.

[١] كما استظهره شيخنا الأعظم. لما استفيد من أخبار علة تكفين الميت (١) ومن كون حرمته ميتاً كحرمته حيا (٢) ومن أن أصل ستر بدنه مطلوب ، مضافاً الى إطلاق ثلاثة أثواب ، وانصراف أدلة المنع الى حال الاختيار ، وفيه : أن أدلة التكفين ـ بعد ضم بعضها الى بعض ـ إنما اقتضت وجوب اللف بالكفن الجامع للشرائط لا غير. وحرمته ميتاً استحبابية إجماعاً ، أو المراد منها حرمة هتكه كما في حال الحياة ، وهو لا يقتضي لزوم التكفين مطلقاً. وكون ستر بدنه مطلوباً مصادرة. وإطلاق الثلاثة أثواب محل منع أو تأمل بالنسبة إلى مثل الجلد ، ومقيد بما دل على النهي عن مثل الحرير والنجس ، وانصرافه الى حال الاختيار غير ظاهر كسائر المقيدات. فالمتعين أن يقال : إذ لا إجماع على قاعدة الميسور في المقام ، فان كان دليل المنع الإجماع ـ كما في المذهَّب وما لا يؤكل لحمه ـ وجب التكفين لعدم الإجماع حال الاضطرار ، فلا مانع من الأخذ بإطلاق الأثواب ونحوه ، وإن كان الدليل عليه النهي ـ كما في الحرير ـ سقط التكفين لإطلاق دليل المقيد. وكذا لو كان أصالة الاحتياط الجارية عند الشك في التعيين ، لكون الأصل الجاري في حال الاضطرار هو البراءة. فتأمل جيداً.

[٢] كما عن المدارك والذكرى معللا في ثانيهما بعدم صريح النهي فيه.

__________________

(١) كرواية الفضل المتقدمة في المسألة الثانية من هذا الفصل.

(٢) الوسائل باب : ٥١ من أبواب الدفن حديث : ١.

١٥٩

وإذا دار بين النجس والحرير ، أو بينه وبين أجزاء غير المأكول لا يبعد تقديم النجس [١] وإن كان لا يخلو عن إشكال.

______________________________________________________

أقول : نظراً الى أن الكلام في هذه المسألة بعد البناء على وجوب التكفين في كل واحد لو انفرد ، نقول : بناء على التوقف في جواز التكفين بالجلد ـ كما تقدم في المتن ـ يتعين التكفين به لاحتمال جوازه اختيارا المانع من جواز التكفين بغيره. أما بناء على انصراف الثوب الى غيره أو اختصاصه بغيره فيشكل ترجيحه على غيره. اللهم إلا أن يحتمل تعينه بناء على الرجوع الى الاحتياط عند الدوران بين التعيين والتخيير ، فيتعين. هذا لو علم بعدم وجوب الجمع ، وإلا كان مقتضى قاعدة الاشتغال وجوب الجمع سواء احتمل تعين واحد بعينه أم لا.

[١] كما في الذكرى لعروض المانع. ووجهه شيخنا الأعظم (ره) : بأن دليل اعتبار الطهارة متأخر عن دليل اعتبار كون الكفن من غير الحرير أو مما تجوز فيه الصلاة ، بمعنى : أن الشارع لاحظ اعتبارها بعد اعتبار كون الكفن من غير الحرير مثلا ، فتكون معتبرة في خصوص ما لا يكون حريراً ، فاذا فرض اختصاص اعتبارها حال الاختيار وسقوط اعتبارها في حال الاضطرار تعين فعل الفاقد لها لا غير. ويشكل بأن لازمه عدم اعتبار الطهارة في الحرير ونحوه ، وهو ـ كما ترى ـ خلاف النص والإجماع ، وعليه فلم يبق فرق بين الاعتبارين ، إلا أن اعتبار أن لا يكون حريراً ونحوه ذاتي ، واعتبار الطهارة عرضي ، وهذا المقدار لا يوجب الفرق في الترجيح عند الاضطرار ، فيتعين الرجوع الى ما ذكرنا في ترجيح الجلد على غيره من أنه بعد البناء على وجوب التكفين حال الاضطرار فمع التردد يجب الاحتياط بالجمع ، فاذا علم بعدم وجوب الجمع يتخير إلا أن يدور الأمر بين التعيين‌

١٦٠