مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٠٩

وإن كان بعنوان التهيؤ. نعم لو تيمم بقصد غاية أخرى واجبة أو مندوبة يجوز الصلاة به بعد دخول وقتها [١] ، كأن يتيمم لصلاة القضاء أو للنافلة إذا كان وظيفته التيمم.

( مسألة ٢ ) : إذا تيمم بعد دخول وقت فريضة أو نافلة يجوز إتيان الصلوات التي لم يدخل وقتها بعد دخوله [٢] ما لم يحدث أو يجد ماء ، فلو تيمم لصلاة الصبح يجوز أن يصلي به الظهر. وكذا إذا تيمم لغاية أخرى غير الصلاة.

______________________________________________________

[١] كما يأتي في المسألة اللاحقة.

[٢] ولا حاجة الى تجديد التيمم بلا إشكال ظاهر. وفي الذخيرة : « الظاهر أنه لا خلاف فيه بين الأصحاب ». وفي محكي الخلاف : « لا بأس أن يجمع بين صلاتين بتيمم واحد ، فرضين كانتا أو نفلين ، أدائيتين أو فائتتين ، وعلى كل حال في وقت واحد أو وقتين بإجماع الفرقة ». وفي المعتبر : « أنه مذهب علمائنا أجمع ». ويقتضيه جملة من النصوص ، كصحيح حماد بن عثمان قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل لا يجد الماء أيتيمم لكل صلاة؟ فقال (ع) : لا ، هو بمنزلة الماء » (١) وصحيح زرارة عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل تيمم قال (ع) : يجزؤه ذلك الى أن يجد الماء » (٢) ، وصحيحه الآخر : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام يصلي الرجل يتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلها؟ فقال (ع) : نعم ما لم يحدث أو يصب ماء » (٣) ، ونحوها غيرها. نعم عن الإيضاح أنه ذكر وجهاً أو قولا بوجوب التجديد. ولكنه في غاية الضعف عندنا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب التيمم حديث : ٣‌

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب التيمم حديث : ٢‌

(٣) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب التيمم حديث : ١‌

٤٤١

( مسألة ٣ ) : الأقوى جواز التيمم في سعة الوقت [١] وإن احتمل ارتفاع العذر في آخره بل أو ظن به.

______________________________________________________

كما في الجواهر. ولأجل ذلك يتعين حمل ما في رواية أبي همام عن الرضا عليه‌السلام : « قال : يتيمم لكل صلاة حتى يوجد الماء » (١) إما على التقية أو على الاستحباب. وفي المعتبر : حكى ذلك عن الشافعي بالنسبة إلى الفرائض دون النوافل ، فلا يحتاج عنده الى تجديد التيمم بالنسبة إليها قياساً منه على المستحاضة. وضعفه في المعتبر بأن المستحاضة حدثها متجدد فجاز أن يمنع عما زاد على صلاة واحدة ، ولا كذلك المتيمم. انتهى. نعم روى السكوني عن أبي عبد الله (ع) : « لا يتمتع بالتيمم إلا صلاة واحدة ونافلتها » (٢). لكن لا مجال للعمل بها بعد ما عرفت من الإجماع. على أن الجمع العرفي يقتضي حملها على الاستحباب ـ كما في المعتبر ـ أو على التقية.

[١] مطلقاً كما عن جملة من كتب الأساطين ، كالمنتهى والتحرير والإرشاد والبيان ومجمع البرهان والمفاتيح. وعن حاشية الإرشاد والمدارك وحاشيتها : أنه قوي. وفي الجواهر : أنه الأقوى في النظر. ونسب الى الصدوق وظاهر الجعفي والبزنطي. وقد يشهد له جملة من النصوص ، كصحيح زرارة : « قلت لأبي جعفر (ع) : فإن أصاب الماء وقد صلى بتيمم وهو في وقت. قال (ع) : تمت صلاته ولا إعادة عليه » (٣) ومصحح أبي بصير قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل تيمم وصلى ثمَّ بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت. فقال (ع) : ليس عليه إعادة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب التيمم حديث : ٤‌

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب التيمم حديث : ٦‌

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب التيمم حديث : ٩‌

٤٤٢

______________________________________________________

الصلاة » (١) ، وصحيح محمد بن مسلم قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أجنب فتيمم بالصعيد وصلى ثمَّ وجد الماء. قال (ع) : لا يعيد ، إن رب الماء رب الصعيد ، فقد فعل أحد الطهورين » (٢) ، وخبر علي ابن سالم عن أبي عبد الله (ع) قال : « قلت له : أتيمم وأصلي ثمَّ أجد الماء وقد بقي علي وقت. فقال : لا تعد الصلاة ، فإن رب الماء هو رب الصعيد » (٣) ، وخبر معاوية بن ميسرة قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل في السفر لا يجد الماء تيمم وصلى ثمَّ أتى الماء وعليه شي‌ء من الوقت أيمضي على صلاته أم يتوضأ ويعيد الصلاة؟ قال (ع) : يمضي على صلاته ، فان رب الماء هو رب التراب » (٤) ، ونحوها غيرها. وظهور الجميع في صحة التيمم في السعة مما لا مجال لإنكاره. مضافاً الى إطلاق أدلة البدلية.

ودعوى : أن إطلاقها يقتضي وجوب التأخير ، لأن مفادها ، بدلية التيمم عند تعذر الوضوء ، وتعذره إنما يكون بالتعذر في جميع الوقت لا في بعضه.

مندفعة : بأن مقتضى إطلاقها الزماني الاكتفاء بتعذر جميع أفراد الوضوء في كل زمان ، وهو حاصل بتعذر الماء في أول الأزمنة ، فدعوى اعتبار التعذر في جميع الأزمنة محتاج إلى قرينة مفقودة.

والمشهور ـ مطلقاً أو عند المتقدمين ـ وجوب التأخير إلى آخر الوقت وعن الناصريات والانتصار وشرح جمل القاضي والغنية : الإجماع عليه.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب التيمم حديث : ١١‌

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب التيمم حديث : ١٥‌

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب التيمم حديث : ١٧‌

(٤) الوسائل باب : ١٤ من أبواب التيمم حديث : ١٣‌

٤٤٣

______________________________________________________

وفي الكفاية : نقل جماعة الاتفاق عليه. ويشهد له جملة أخرى ، كصحيح زرارة عن أحدهما (ع) : « إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فاذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت فاذا وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضأ لما يستقبل » (١) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) : سمعته يقول ـ في حديث ـ : إذا لم تجد ماء وأردت التيمم فأخر التيمم الى آخر الوقت فان فاتك الماء لم تفتك الأرض » (٢) ، وموثق عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام « فاذا تيمم الرجل فليكن ذلك في آخر الوقت فان فاته الماء فلن تفوته الأرض » (٣) ، وموثقه الآخر : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أجنب فلم يجد ماء يتيمم ويصلي؟ قال (ع) : لا حتى آخر الوقت ، إن فاته الماء لم تفته الأرض » (٤). مضافاً الى ما دل على وجوب الإعادة إذا وجد الماء في الوقت ، كصحيح يعقوب بن يقطين قال : « سألت أبا الحسن (ع) عن رجل تيمم وصلى فأصاب بعد صلاته ماء أيتوضأ ويعيد الصلاة أم تجوز صلاته؟ قال (ع) : إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضأ وأعاد فان مضى الوقت فلا إعادة عليه » (٥).

وحينئذ يجب حمل الأخبار السابقة على صورة اعتقاد الضيق خطأ ، أو على صورة وجدان الماء قبل الفراغ من الصلاة بالتيمم ، أو على كون التيمم كان قبل الوقت لغاية فدخل وقت الصلاة فصلاها في السعة ، أو على صورة الجهل بأن الحكم المضايقة مع احتمال كون الوقت في الصحيح الأول‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب التيمم حديث : ٣‌

(٢) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب التيمم حديث : ١‌

(٣) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب التيمم حديث : ٣‌

(٤) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب التيمم حديث : ٤‌

(٥) الوسائل باب : ١٤ من أبواب التيمم حديث : ٨‌

٤٤٤

______________________________________________________

قيداً للصلاة لا لاصابة الماء ، فلا يكون مما نحن فيه. ويحتمل الجمع بينها بحمل آخر الوقت في الطائفة الثانية على الآخر العرفي الذي لا ينافيه وجدان الماء فيه بعد الصلاة. فتدل النصوص الأخيرة على المنع من السعة في الجملة. وأما أدلة البدلية : فإطلاقها الزماني وإن اقتضى التوسعة ، لكن عرفت غير مرة أن جعل البدل لأجل الاضطرار ظاهر ـ بقرينة مناسبة الحكم والموضوع ـ في كون المصحح للبدلية هو التعذر مطلقاً وأنها مختصة بصورة حكم العقل بسقوط التكليف بالمبدل منه رأساً ، وذلك لا يحصل إلا بالتعذر في تمام الوقت.

وفيه : أن حمل النصوص على ما ذكر مما لا مجال لارتكابه ، إذ الثاني والثالث خلاف المقطوع به من النصوص الأول ، والباقي خلاف ظاهرها ، بل الأخير خلاف ظاهر الطائفتين معاً لو لم يكن خلاف المقطوع به من بعض كل منهما ، فلا يمكن ارتكابه من دون شاهد عليه.

وعن المعتبر والتذكرة والنهاية والمختلف واللمعة والموجز وشرحه وغيرها : جواز التقديم مع العلم باستمرار العجز وعدمه مع عدمه. واختاره في القواعد وجامع المقاصد ، ونسبه في الثاني إلى أكثر المتأخرين. وعن الروضة : أنه الأشهر بينهم. ووجهه ظهور الصحيحين والموثقين بصورة احتمال وجدان الماء ، فتكون أخص مطلقاً من الطائفة الأولى ، فلتحمل على صورة العلم بالعدم ، ولأجل ذلك تكون أخص مطلقاً مما دل على وجوب الإعادة مطلقاً ، فيحمل على صورة الرجاء جمعاً. وهذا نحو من الجمع العرفي كما حرر في محله : إذ أنه يدور الأمر فيها بين الطرح والتخصيص والثاني أولى. وفيه : أنه لا يتضح وجه هذا الظهور. أما صحيح زرارة : فعلى تقدير روايته « فليطلب » دال على وجوب الطلب في تمام الوقت ،

٤٤٥

______________________________________________________

وحيث أنه خلاف الإجماع لا بد أن يحمل على معنى : انه فليطلب إن كان الوقت يسع الطلب وإلا فليتيمم بلا طلب. فلا يدل على وجوب التأخير فضلا عن اختصاصه بصورة الرجاء. وعلى تقدير روايته « فليمسك » ـ كما رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد ـ فلا يدل على الاختصاص بصورة الرجاء بوجه. وأما صحيح ابن مسلم والموثقان : فالذيل فيها وإن كان يناسب الرجاء من جهة « أن » الشرطية التي تكون غالباً للشك ، لكن من المحتمل (١) قريباً في مثل هذا التركيب أن لا يكون كذلك ، نظير : إن فاتك اللحم لم يفتك المرق. ولا سيما وأن حمل الطائفة الأولى على خصوص صورة العلم بالعدم مما تطمئن النفس بخلافه ، لندرة حصول الأسباب الموجبة للعلم المذكور ، فيبعد جداً عدم تعرض السائل للسبب المسوغ للتيمم ، كما يبعد ترك الاستفصال فيها عن وجوده ، ولا سيما بملاحظة التعليل الموجود في الكثير منها بأن رب الماء هو رب الصعيد ، فإنه آب عن التخصيص. وعلى هذا فالجمع على النحو المذكور تصرف في الطائفتين معاً من دون شاهد قوي. فالأقرب العمل بإطلاق الطائفة الأولى الدالة على الصحة في السعة ـ كما هو مبنى القول الأول ـ وحمل الأمر بالتأخير إلى آخر الوقت على الاستحباب. كما يشير اليه ما في رواية محمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « واعلم أنه ليس ينبغي لأحد أن يتيمم إلا في آخر الوقت » (٢) ، ورواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل تيمم فصلى ثمَّ أصاب الماء. فقال (ع) : أما أنا فكنت فاعلا ، إني كنت أتوضأ وأعيد » (٣). والله سبحانه أعلم.

__________________

(١) هذا الاحتمال خلاف الظاهر ، وعليه فلا مانع من البناء على خروج صورة الرجاء من النصوص السابقة ويبقى تحتها صورتا العلم باستمرار العذر واليأس من ارتفاعه. ( منه مد ظله )

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب التيمم حديث : ٣‌

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب التيمم حديث : ١٠‌

٤٤٦

نعم مع العلم بالارتفاع يجب الصبر [١]. لكن الأحوط التأخير إلى آخر الوقت مع احتمال الرفع وإن كان موهوماً. نعم مع العلم بعدمه وبقاء العذر لا إشكال في جواز التقديم [٢]. فتحصل : أنه إما عالم ببقاء العذر الى آخر الوقت ، أو عالم بارتفاعه قبل الآخر أو محتمل للأمرين ، فيجوز المبادرة مع العلم بالبقاء ، ويجب التأخير مع العلم بالارتفاع ، ومع الاحتمال الأقوى جواز المبادرة خصوصاً مع الظن بالبقاء ، والأحوط التأخير خصوصاً مع الظن بالارتفاع.

( مسألة ٤ ) : إذا تيمم لصلاة سابقة وصلى ولم ينتقض تيممه حتى دخل وقت صلاة أخرى يجوز الإتيان بها في أول وقتها وإن احتمل زوال العذر في آخر الوقت على المختار ، بل وعلى القول بوجوب التأخير في الصلاة الأولى [٣] عند بعضهم لكن الأحوط التأخير في الصلاة الثانية أيضاً ، وإن لم يكن‌

______________________________________________________

[١] إجماعاً كما في هداية الكاظمي والبرهان القاطع وظاهر الجواهر. ويظهر ذلك من كلماتهم في مسألة وجوب الطلب زائداً على الحد إذا علم بوجود الماء فيه. فان تمَّ فهو ، وإلا فإطلاق أدلة التوسعة يقتضي جواز البدار. ودعوى انصرافها عن هذه الصورة غير ظاهرة ،

[٢] بل التأخير فيه أحوط ـ كما نص عليه في الجواهر ـ خروجاً عن شبهة القول بالمنع مطلقاً المدعى عليه الإجماع من جماعة ، فعن الشيخ في الخلاف : لا يجوز قبل آخر الوقت طمع في الماء أو يئس. انتهى. نعم الاحتياط فيه أضعف منه فيما قبله.

[٣] فان المحكي عن صريح جماعة وظاهر آخرين : أن محل الخلاف‌

٤٤٧

مثل الاحتياط السابق ، بل أمره أسهل. نعم لو علم بزوال العذر وجب التأخير كما في الصلاة السابقة.

( مسألة ٥ ) : المراد بآخر الوقت الذي يجب التأخير إليه‌

______________________________________________________

في جواز البدار وعدمه غير المتيمم. وعن الشيخ (ره) في المبسوط : الجواز مع قوله في المسألة بالمضايقة ، لاختصاص النصوص الدالة على المضايقة به ولما دل على الاكتفاء يتيمم واحد لصلوات متعددة. لكن عن السيد في المصباح : عدم جواز الصلاة بهذا التيمم ، وعن الشهيد في البيان : متابعته. وكأنه لأن النصوص الأول على تقدير تمامية دلالتها على المضايقة ظاهرة في عدم جواز الصلاة بالتيمم في سعة الوقت ، لا مجرد عدم جواز التيمم حينئذ. فتأمل. مع أنه لو سلم اختصاصها بما ذكر فنصوص التوسعة أيضاً مختصة به ، فالمرجع في المتيمم القاعدة التي قد عرفت الإشكال في دلالتها على التوسعة. وما دل على الاكتفاء بتيمم واحد للصلوات المتعددة أجنبي عما نحن فيه ، لظهوره في عدم الحاجة الى تجديد التيمم لكل صلاة ـ كما سبق نقله عن بعض العامة ـ ولا تعرض فيه لجواز الصلاة بهذا التيمم في السعة. وعلى هذا فإجراء حكم غير المتيمم عليه أوفق بالعمل بالأدلة لو لا إمكان التمسك باستصحاب الطهارة بناء على اقتضاء التيمم لها ، أما لو كان مجرد إباحة للغاية فثبوت الإباحة بالنسبة الى هذه الصلاة مشكوك من الأول. اللهم إلا أن يكون استصحابه من قبيل استصحاب الشرائع السابقة ويكون مقدماً على مثل : « لا صلاة إلا بطهور ». نظير استصحاب الطهارة. فتأمل جيداً. لكن الخروج بالاستصحاب عن عموم ما دل على اشتراط الطهارة المائية ـ التي هي الطهارة التامة ـ غير ظاهر وإن قلنا بأن التيمم موجب للطهارة الناقصة ، لأن الاستصحاب لا يعارض العام.

٤٤٨

أو يكون أحوط : الآخر العرفي ، فلا تجب المداقة فيه [١] ، ولا الصبر الى زمان لا يبقى الوقت إلا بقدر الواجبات [٢] ، فيجوز التيمم والإتيان بالصلاة مشتملة على المستحبات أيضاً ، بل لا ينافي إتيان بعض المقدمات القريبة بعد الإتيان بالتيمم قبل الشروع في الصلاة بمعنى إبقاء الوقت بهذا المقدار ، ( مسألة ٦ ) : يجوز التيمم لصلاة القضاء [٣] والإتيان بها معه ، ولا يجب التأخير إلى زوال العذر. نعم مع العلم بزواله‌

______________________________________________________

[١] لأنه المنصرف اليه من النصوص في المقام ، وكأن منشأه تعذر العمل على الحقيقي غالباً ، وإن كان ظاهر صحيح زرارة إرادة الحقيقي ، لكن عرفت الإشكال في صحة الاستدلال به ، وطريقه الآخر لا يخلو من ضعف. فتأمل.

[٢] لا تبعد دعوى انصراف النصوص الى التحديد بلحاظ ما يتعارف من الصلاة من حيث الاشتمال على بعض المستحبات الجزئية ، وبعض المقدمات من السرعة والبطء ونحو ذلك ، وإن كان ظاهر صحيح زرارة المشتمل على التعبير بفوت الوقت أقل ما لا بد منه في فعل الواجبات. وأما ما في المتن من إطلاق جواز الاشتمال على المستحبات فبعيد ، إلا أن يريد ما ذكرنا من المستحبات المتعارفة عند عامة الناس. فلاحظ.

[٣] وفي كلام بعض عدم وجدان الخلاف فيه. وفي الذكرى : « لو تيمم لفائتة صح التيمم ويؤديها به وغيرها ما لم ينتقض تيممه عندنا » لكن عن البيان : العدم ، لأن وقتها العمر فتشملها أخبار التأخير إلى آخر الوقت. وفيه : أن تلك الأخبار ظاهرة في الموقت بوقت بخصوصه. نعم لا تشملها أيضاً نصوص التوسعة ، وقد عرفت الإشكال في اقتضاء‌

٤٤٩

عما قريب يشكل الإتيان بها قبله. وكذا يجوز للنوافل الموقتة [١] حتى في سعة وقتها بشرط عدم العلم بزوال العذر إلى آخره.

______________________________________________________

القاعدة لها ، فيشكل الاكتفاء بالتيمم ما لم تجب المبادرة بظن الموت أو غيره. اللهم إلا أن يستفاد حكمها من الفرائض الموقتة التي قد عرفت أن الأظهر فيها المواسعة ، فإن التعليل الذي اشتملت عليه نصوصها صالح للتعدي عن مورده الى المقام. ثمَّ إنه لو بني على المواسعة لأدلتها فلا فرق بين صورة العلم بزوال العذر في الزمان اللاحق وعدمه ، لعدم الفرق بينهما في ترك الاستفصال. والإجماع السابق منتف هنا ، فإن إطلاق الجواز في كلامهم يقتضي الشمول لهذه الصورة فإنها الغالب الشائع. اللهم إلا أن يكون كلامهم وارداً لمجرد الإلحاق لخفاء الحكم في الفوائت ، فإذا كان الحكم في الملحق به يختص بغير صورة العلم بالقدرة فلا يكون الحكم في الملحق أوسع منه. فلاحظ.

[١] لعين ما سبق في الفرائض الموقتة ، فإن أدلة المواسعة والمضايقة جارية في المقامين ، لأن لسان الأدلة شامل لهما معاً. نعم في المعتبر : « يتيمم للفائتة وإن لم يكن وقت فريضة حاضرة ، والنافلة بعد دخول وقتها دون الأوقات المنهي عنها ». واستثناؤه الأوقات المنهي عنها غير ظاهر ، وفي الجواهر : « لا نعرف له وجهاً ».

وأما النوافل غير الموقتة فقد نص غير واحد على جواز التيمم لها. وفي المعتبر : « فيه تردد ، والجواز أشبه ، لعدم التوقيت ، والمراد بها تعجيل الأجر في كل وقت ، وفواته بالتأخير متحقق ». وما ذكره في محله إذ لا توسعة فيها فهي مضيقة تفوت بفوات الوقت ، فلو لم يؤدها في وقت فقدان الماء فاتت ، لأن الأمر بها كان على وجه التكرار لا صرف الطبيعة‌

٤٥٠

( مسألة ٧ ) : إذا اعتقد عدم سعة الوقت فتيمم وصلى ثمَّ بان السعة فعلى المختار [١] صحت صلاته ويحتاط بالإعادة ، وعلى القول بوجوب التأخير تجب الإعادة [٢].

( مسألة ٨ ) : لا تجب إعادة الصلاة التي صلاها بالتيمم‌

______________________________________________________

ليجري فيها ما تقدم في الفوائت. نعم يختص ذلك بما إذا كان أمد القدرة بعيداً ، أما إذا كان قريباً فلا يصدق معه اللاوجدان ، والمدار على صدقه عرفاً ، ولأجل ذلك لا يصح لمن خرج من بيته بقصد الاغتسال في الحمام أن يتيمم ويتنفل ، وكذا في أمثاله من الموارد التي لا يصدق فيها عدم الوجدان عرفاً. هذا وفي الجواهر : « لا تقتضي تلك الأدلة وجوب التأخير في غير فقد الماء من أسباب التيمم كالمرض ونحوه ، فقضية القاعدة أو العموم الجواز فيه حتى مع السعة حتى على القول بالتضييق. لكن قد عرفت أن الشهيد في الروض حكى الإجماع على عدم الفرق بينها ، ويشهد له التتبع لكلمات الأصحاب ».

أقول : بعد ما عرفت من أن المراد بعدم الوجدان في الآية عدم القدرة عليه ولو لمانع شرعي ، فالسؤال في الروايات المذكورة منزل عليه. أو يقال : إن عدم الوجدان المذكور في النصوص مذكور من باب المثال للسبب الموجب للتيمم ، أو أن عدم التعرض لبقية الأسباب في النصوص كان اعتماداً على النصوص المذكورة ، لأن الحكم في الجميع على نسق واحد.

[١] يعني : جواز التيمم في السعة. ووجه الصحة حينئذ ظاهر.

[٢] لأن موافقة الأمر الاعتقادي الخطئي لا تقتضي الاجزاء ، كما حرر في محله. وقد تقدم في المسألة الثانية عشرة من الفصل الأول ما للتأمل فيه نفع في المقام. فراجع وتأمل.

٤٥١

الصحيح بعد زوال العذر [١] ، لا في الوقت ولا في خارجه مطلقاً. نعم الأحوط استحباباً إعادتها في موارد :

( أحدها ) : من تعمد الجنابة مع كونه خائفاً من استعمال الماء ، فإنه يتيمم ويصلي ، لكن الأحوط إعادتها [٢] بعد زوال العذر ولو في خارج الوقت.

______________________________________________________

[١] كما هو المعروف ، بل المدعى عليه الإجماع في محكي كلام جماعة. ويقتضيه ظاهر أدلة البدلية ، وخصوص النصوص الدالة على نفي الإعادة لو وجد المتيمم الماء ، المتقدمة في مسألة المواسعة والمضايقة. نعم عن ابن الجنيد وأبي علي : وجوب الإعادة مع وجدان الماء في الوقت. وقد يشهد لهما صحيح ابن يقطين وموثق منصور بن حازم المتقدمان هناك (١) ، إلا أنهما غير صريحين بمنافاة القاعدة المذكورة ، بل ظاهرهما بطلان التيمم فلو بني على صحة التيمم في السعة ـ لما تقدم مما دل على عدم الإعادة ـ تعين حملهما على الاستحباب ، بل الثاني منهما مما لا مجال للأخذ بإطلاقه ، لعدم القائل بالإعادة لو وجد الماء خارج الوقت منّا ولا من غيرنا إلا طاوس على ما حكي.

[٢] فعن التهذيب والاستبصار والنهاية والمبسوط والمهذب والإصباح والروض : وجوب الإعادة. وعن المدارك : أنه لا يخلو من رجحان ، بعد أن جعل الأجود الحمل على الاستحباب ، لصحيح عبد الله بن سنان ـ كما عن الفقيه ـ والمرسل عنه ـ كما عن الكافي والتهذيب ـ : « سأل أبا عبد الله (ع) عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة ويخاف على نفسه التلف إن اغتسل. فقال (ع) : يتيمم ويصلي فإذا أمن البرد اغتسل‌

__________________

(١) تقدم ذكرهما في المسألة الثالثة من هذا الفصل‌

٤٥٢

( الثاني ) : من تيمم لصلاة الجمعة عند خوف فوتها لأجل الزحام ومنعه [١].

______________________________________________________

وأعاد الصلاة » (١). وفيه : أن إطلاق الخبر لا مجال للعمل به ، لعدم القائل به ومنافاته لما دل على نفي الإعادة عمن أجنب فتيمم ثمَّ وجد الماء ، فإنه وإن كان في فاقد الماء إلا أن اشتماله على تعليل نفي الإعادة بأن رب الماء رب الصعيد مانع من تخصيصه بمورده. وحمله على المتعمد لا قرينة عليه ، بل لعله خلاف ظاهره. فالمتعين حمله على التقية أو الاستحباب. وتقييد الاحتياط بالمتعمد لأجل تقييد الفتوى به.

[١] فعن النهاية والمبسوط والوسيلة وغيرها : وجوب الإعادة. وفي كشف اللثام : أنه أقوى. لخبر السكوني عن جعفر (ع) عن أبيه (ع) عن علي (ع) : « أنه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس. قال (ع) : يتيمم ويصلي معهم ويعيد إذا انصرف » (٢). ونحوه موثق سماعة (٣). وظهورهما في الصلاة مع المخالفين لكونها المتعارف في ذلك الزمان ـ لو سلم ـ غير قادح في صحتها ، لعموم أدلة التقية المقتضية للصحة. ومنه يظهر ضعف ما هو المشهور من نفي وجوب الإعادة ، للأصل ، وقاعدة الاجزاء والبدلية ، والتعليل باتحاد رب الماء ورب الصعيد ، وإطلاق معقد الإجماع على نفي الإعادة على من صلى صلاة صحيحة ، وإطلاق ما دل على عدم إعادة الصلاة بالتيمم عند وجدان الماء. إذ لا مجال لجميع ذلك بعد ورود الخبرين الحجتين في نفسهما المعول عليهما عند جماعة من الأساطين.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب التيمم حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب التيمم حديث : ١‌

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب التيمم حديث : ٢‌

٤٥٣

( الثالث ) : من ترك طلب الماء عمداً الى آخر الوقت وتيمم وصلى ثمَّ تبين وجود الماء في محل الطلب [١].

( الرابع ) : من أراق الماء الموجود عنده مع العلم أو الظن بعدم وجوده بعد ذلك. وكذا لو كان على طهارة فأجنب مع العلم أو الظن بعدم وجود الماء [٢].

( الخامس ) : من أخر الصلاة متعمداً الى أن ضاق وقته فتيمم لأجل الضيق [٣].

( مسألة ٩ ) : إذا تيمم لغاية من الغايات كان بحكم الطاهر [٤]

______________________________________________________

[١] فعن الذكرى وجامع المقاصد والمسالك : وجوب الإعادة. كما أشرنا إليه في المسألة الثالثة عشرة من الفصل الأول.

[٢] للتفريط المعلل به وجوب الإعادة في الفرض السابق.

[٣] فقد تقدم عن بعض وجوب القضاء حينئذ. وقد تقدم وجهه فيما سبق.

[٤] كما هو المشهور المحكي عن كثير من كتب الأساطين. قال في المبسوط : « إن تيمم جاز أن يفعل جميع ما يحتاج فعله إلى الطهارة مثل دخول المساجد وسجود التلاوة ومس المصحف والصلاة على الجنازة وغير ذلك » وهو الذي يقتضيه إطلاق أدلة البدلية والمنزلة : وعن الفخر : أنه استثنى دخول المسجدين واللبث في المساجد ومس كتابة القرآن. واستدل عليه في الإيضاح بقوله تعالى ( وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) (١) بناء على أن المعنى النهي عن قرب مواضع الصلاة ـ أي المساجد ـ إلا اجتيازاً ، فإنه غياه بالاغتسال ، ولو أباحه التيمم لكان أيضاً غاية. وكذا مس كتابة القرآن ، لأن الأمّة لم تفرق بين المس واللبث في المساجد. انتهى.

__________________

(١) النساء : ٤٣‌

٤٥٤

______________________________________________________

وفي كشف اللثام : « ويؤيد قوله الاتفاق على أن التيمم لا يرفع الحدث وإنما أثره رفع منعه وليس لنا قاطع برفع منعه من كل ما يمنعه ، ولا يفيده العمومات المتقدمة ، فالأولى الاقتصار على اليقين من الصلاة والخروج من المسجدين ». وظاهر الاستدلال : أن خلافه في جواز التيمم للغايات المذكورة ، لا استباحة الغايات المذكورة به عند فعله لغيرها من الغايات ، فلا يكون خلافاً فيما نحن فيه. مع أنه لو سلم فالإشكال في دليله واضح ، لأن جعل الغسل غاية لا ينافي ما دل على بدلية التيمم ، لأنه حاكم عليه حكومته على ما دل على اعتبار الوضوء أو الغسل في الصلاة كقوله تعالى : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ... ) (١). ومن ذلك يظهر الاشكال فيما حكاه في كشف اللثام عن التذكرة من أنه لو تيمم ـ يعنى الجنب ـ لضرورة ففي جواز قراءة العزائم إشكال. انتهى. وكذا الاشكال فيما ذكره في التذكرة أيضاً من قوله : « لا خلاف في أنه إذا تيمم للنفل استباح مس المصحف وقراءة القرآن إن كان تيممه عن جنابة ، ولو تيمم المحدث لمس المصحف أو الجنب لقراءة القرآن استباح ما قصد ، وفي استباحة صلاة الفرض أو النفل للشافعي وجهان » ، فان تقييده بما كان عن جنابة غير ظاهر وكذا اقتصاره على الاستباحة فيما قصد.

نعم بناء على المضايقة تشكل تمامية إطلاق استباحة كل غاية ، بل يتعين تقييده بخصوص الغاية المضيقة التي يلزم فواتها على تقدير عدم استباحتها بالتيمم ، كما تقدم في شرح المسألة الرابعة. وفي الجواهر : « ان المدار في الغايات التي تستباح بالتيمم الواقع لغاية خاصة أن تكون الغاية مما يشرع لأجله التيمم ». وكأنه (ره) يريد من الغايات في كلامه‌

__________________

(١) المائدة : ٦.

٤٥٥

ما دام باقياً لم ينتقض [١] وبقي عذره ، فله أن يأتي بجميع ما يشترط فيه الطهارة ، إلا إذا كان المسوغ للتيمم مختصاً بتلك الغاية ، كالتيمم لضيق الوقت ، فقد مر أنه لا يجوز له [٢] مس كتابة القرآن ، ولا قراءة العزائم ، ولا الدخول في المساجد ، وكالتيمم لصلاة الميت ، أو للنوم مع وجود الماء.

( مسألة ١٠ ) : جميع غايات الوضوء والغسل غايات للتيمم أيضاً [٣] ، فيجب لما يجب لأجله الوضوء أو الغسل ،

______________________________________________________

ما يشرع التيمم له في الجملة. فلا يشمل مثل المس مما يحرم على المحدث ، بناء على عدم كونه غاية للوضوء ، ولا للتيمم ، كما تقدم في مبحث الوضوء ، بل الحكم في مثله الاستباحة وإن لم يشرع له التيمم ، لاختصاص حرمته بناء على هذا المبنى ـ بمن لم يكن على طهارة بالإضافة إلى غاية أخرى وهو غير حاصل بالنسبة الى من تيمم للصلاة إذا كان فاقداً للماء. نعم لو كان تيممه لضيق الوقت لا يشرع له المس ، لأنه واجد بالإضافة اليه وان لم يكن واجداً بالإضافة إلى الصلاة ، وفي مثله لا يكون عموم البدلية محكماً ، كما تقدم في مسوغات التيمم. فراجع.

[١] كما تقدم في شرح المسألة الثانية. فراجع.

[٢] ومر وجهه في المسألة الواحدة والثلاثين من الفصل الأول.

[٣] كما هو المعروف المشهور ، بل قيل : لم يعرف فيه خلاف إلا ما عن الفخر ، كما عرفت أنه ظاهر كلامه المحكي. وقد يظهر من كلام جماعة الخلاف فيه أيضاً. ففي الجواهر : « يظهر من غايات الكتاب والمنتهى ، وعن التذكرة ونهاية الأحكام : عدم وجوب التيمم إلا للصلاة والخروج من المسجدين. وكذا القواعد ، وعن التحرير والإرشاد ، لكن‌

٤٥٦

ويندب لما يندب له أحدهما ، فيصح بدلا عن الأغسال المندوبة والوضوءات المستحبة ، حتى وضوء الحائض [١] ، والوضوء التجديدي [٢] مع وجود شرط صحته من فقد الماء ونحوه.

______________________________________________________

مع زيادة الطواف فيها. وعن الفخر : أن والده لا يجوز التيمم من الحدث الأكبر للطواف ولا مس كتابة القرآن. وفي المنتهى : النص على عدم مشروعية التيمم لصوم الجنب والحائض والمستحاضة. وعنه في النهاية : الإشكال فيه ـ كالشهيد في الذكرى ـ بالنسبة إلى صوم الجنب ووطء الحائض بعد انقطاع الحيض. لكن عنه في الألفية : الميل الى العدم. وعن كشف الغطاء : المنع من مشروعية التيمم للجنب لدخول المسجدين واللبث في المساجد وكتابة القرآن ، بل في كل ما كان الموجب لرفع الحدث فيه الاحترام من مس أسماء الله تعالى وقراءة العزائم والوضع في المساجد ونحو ذلك ». انتهى ملخصاً. لكن ذلك كله ضعيف مخالف لإطلاق أدلة البدلية والمنزلة. وقد عرفت الإشكال في دليل الفخر.

[١] فعن التحرير والمنتهى وجامع المقاصد في باب الحيض وغيرها : عدم قيام التيمم مقام وضوئها للذكر ، لعدم كونه رافعاً ولا مبيحاً. وفيه أن إطلاق أدلة البدلية يقتضي قيامه مقامه مطلقاً في كل أثر وإن لم يكن رفعاً أو إباحة.

[٢] كما عن المعتبر والمنتهى والجامع والنفلية النص عليه ، بل في الجواهر : « هو داخل في ظاهر إجماع المنتهى ، حيث قال : يجوز التيمم لكل ما يتطهر به من فريضة ونافلة ومس مصحف وقراءة عزائم ودخول مساجد وغيرها. ولم ينقل خلافاً فيه إلا عن أبي محرمة فلم يجوزه إلا لمكتوبة ، والأوزاعي فكره أن يمس المصحف به » فتأمل. وقد عرفت‌

٤٥٧

نعم لا يكون بدلا عن الوضوء التهيئي [١] كما مر. كما أن كونه بدلا عن الوضوء للكون على الطهارة محل إشكال [٢] ،

______________________________________________________

أنه مقتضى إطلاق أدلة البدلية والمنزلة ، فما عن نهاية الأحكام والبيان من الاشكال فيه ضعيف.

[١] على ما تقدم في المسألة الأولى من هذا الفصل.

[٢] وإن نص على جوازه في الجواهر ، ولم أقف على مخالف فيه صريحاً. وكأن وجه الاشكال : أن التيمم غير رافع فلا مجال لقصد الكون على الطهارة بفعله. وفيه : أنه وإن لم يكن رافعاً لكنه بحكم الرافع بمقتضى إطلاق أدلة البدلية والمنزلة ، فكما تقتضي تلك الإطلاقات التوسعة في موضوع الأوامر الغيرية بالإضافة إلى الغايات الاختيارية ، كذلك تقتضي التوسعة بالإضافة إلى الغايات التوليدية ، فلا وجه للفرق بينهما ، إذ الطهارة المذكورة في جميع ذلك بمعنى واحد ، فاذا كان دليل البدلية حاكما على مثل : « لا صلاة إلا بطهور » (١). يكون أيضاً حاكما على مثل ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (٢) ، فالفرق بين الطهارتين بلا فارق.

وبالجملة : الطهارة التي اعتبرت في صحة الصلاة اعتبرت في جواز مس المصحف ، وفي رفع حزازة وطء الحائض ، وفي كمال قراءة القرآن وفي حصول الكمال النفساني المترتب على الوضوء للكون على الطهارة ، ولا فرق في معنى الطهارة في الجميع ، فاذا كان دليل البدلية حاكما على اعتبار الطهارة في بعضها كان حاكما عليه في الباقي ، والتفكيك بين الموارد بلا وجه ظاهر. هذا ولا يتضح وجه الجزم بمشروعية التيمم بدلاً عن التجديدي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الجنابة حديث : ٢‌

(٢) البقرة : ٢٢٢‌

٤٥٨

نعم إتيانه برجاء المطلوبية لا مانع منه ، لكن يشكل الاكتفاء [١] به لما يشترط فيه الطهارة ، أو يستحب إتيانه مع الطهارة.

( مسألة ١١ ) : التيمم الذي هو بدل عن غسل الجنابة حاله كحاله [٢] في الإغناء عن الوضوء ، كما أن ما هو بدل عن سائر الأغسال يحتاج الى الوضوء أو التيمم بدله مثلها ، فلو تمكن من الوضوء توضأ مع التيمم بدلها ، وإن لم يتمكن تيمم تيممين : أحدهما بدل عن الغسل ، والآخر عن الوضوء.

______________________________________________________

والتوقف في مشروعيته بدلا عن الوضوء للطهارة ، وكان الأنسب العكس بدعوى : أن أدلة البدلية ربما تنصرف الى صرف طبيعة الأثر ، فلا تشمل التجديد ، لأنه يوجب أثراً بعد أثر ، وإن كانت هذه الدعوى ضعيفة أيضاً.

[١] للإشكال في حصول الطهارة التنزيلية به ، الذي قد عرفت اندفاعه بالإطلاق.

[٢] من الواضح أن ملاحظة مجموع أدلة التشريع ـ ولا سيما الآيتين الشريفتين ـ تقتضي البناء على بدلية التيمم على الوضوء والغسل ، لا بدلية التراب عن الماء ، فاذا كان المشروع في حق المكلف غسل واحد أو وضوء كذلك كان عليه تيمم واحد ، وإذا كان عليه أغسال أو وضوءات أو أغسال ووضوءات كان عليه تيممات بعددها ، وإذا كان عليه أغسال متعددة ويغني عنها غسل واحد كان اللازم الاكتفاء بالتيمم الواحد المأتي به بدلا عن ذلك الغسل ، وعدم الاكتفاء بالمأتي به بدلا عن غيره إجراءً لحكم الأصل على البدل بمقتضى إطلاق أدلة التنزيل. نعم لو كان مفاد الأدلة تنزيل التراب منزلة الماء أمكن الاكتفاء بتيمم واحد إذا كان على المكلف غسل ووضوء ، لكنه خلاف ظاهر الأدلة. ولو سلم فلا إطلاق لدليل‌

٤٥٩

( مسألة ١٢ ) : ينتقض التيمم بما ينتقض به الوضوء والغسل من الأحداث [١].

______________________________________________________

البدلية على نحو يقتضي بدلية التراب عن الماء بالإضافة الى كل فعل يتعلق به ، والمتيقن البدلية عنه بالإضافة إلى فعل واحد من غسل أو وضوء ، والمرجع في مورد الشك دليل اعتبار الطهارة كما لعله ظاهر. وبما ذكرنا صرح في القواعد ، وتبعه عليه في جامع المقاصد وكشف اللثام ، وهو المحكي عن تصريح جماعة ، بل في الجواهر في مسألة الضربة والضربتين : « قد يشعر كشف اللثام بعدم خلاف فيه ». ومن ذلك يظهر ضعف ما عن المفيد وظاهر المقنعة من الاجتزاء بتيمم واحد في غسل الحيض بلا حاجة الى تيممين ، واستدل له الشيخ (ره) كما في المدارك ـ بما روي من أن تيمم الجنب والحائض سواء (١) ، وعن الذكرى أنه ظاهر الأصحاب إذ فيه : أن الصحيح ظاهر في المساواة في الكيفية ، ولا يشمل ما نحن فيه لا أقل من الاجمال فيه الموجب للرجوع الى عموم وجوب الطهارة كما عرفت. ومثله في الضعف ما في المدارك من أن الأظهر الاكتفاء بالتيمم الواحد بناء على ما اخترناه من اتحاد الكيفية وعدم اعتبار نية البدلية. إذ فيه : المنع من الابتناء المذكور ، إذ مع تعدد الأصل لا بد من تعدد البدل ، والاتحاد في الكيفية لا يأباه كما لا يأباه في المبدل منه.

[١] بلا خلاف وادعى عليه جماعة الإجماع ، ويشهد له صحيح زرارة : « قلت لأبي جعفر (ع) : يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلها؟ فقال (ع) : نعم ما لم يحدث أو يصب ماء » (٢) ونحوه خبر السكوني.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب التيمم حديث : ٧‌

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب التيمم حديث : ١‌

٤٦٠