مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٠٩

نعم يجوز في كل غسل رمس كل من الأعضاء الثلاثة مع مراعاة الترتيب في الماء الكثير [١].

( مسألة ١ ) : الأحوط إزالة النجاسة عن جميع جسده قبل الشروع في الغسل [٢]

______________________________________________________

لإطلاق تشبيهه بغسل الجنابة في النص والفتوى ، ففي خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « غسل الميت مثل غسل الجنب » (١) ، ونحوه غيره. وعن التذكرة : أنه استشكله. وفي كشف اللثام : الأقوى العدم. وجعله في الجواهر الأظهر ، لنصوص الترتيب التي بها يرفع اليد عن إطلاق التشبيه ، وأضاف الى ذلك في كشف اللثام الاستدلال بالأصل ، والاحتياط وظواهر الفتاوى ، واحتمال التشبيه بغسل الجنابة في الترتيب ، بل ظهوره. لكن الظهور في ذلك ممنوع ، والنصوص التي فيه موردها الماء القليل كما هو المتعارف نظير ما ورد في غسل الجنابة.

[١] اتفاقا كما في طهارة شيخنا الأعظم (ره). لحصول الغسل وعدم منافاته للترتيب.

[٢] بل وجوبه محكي عليه الإجماع عن التذكرة ونهاية الاحكام وكشف الالتباس والمفاتيح. وفي المنتهى ، وعن مجمع البرهان : نفي الخلاف فيه وعن المدارك : أنه مقطوع به في كلام الأصحاب. ويقتضيه ما في المرسل عن يونس عنه (ع) : « امسح بطنه مسحاً رفيقاً فان خرج منه شي‌ء فأنقه ، ثمَّ اغسل رأسه ، ثمَّ أضجعه على جنبه الأيسر .. » (٢) ، وما في صحيح الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب غسل الميت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب غسل الميت حديث : ٣.

١٢١

وإن كان الأقوى كفاية إزالتها [١]

______________________________________________________

عن غسل الميت ، فقال (ع) : أقعده واغمز بطنه غمزاً رفيقاً ثمَّ طهره من غمز البطن » (١). وأما الأمر بغسل فرجه في المرسل وغيره فالظاهر أنه ليس مما نحن فيه لعدم التعرض فيه للنجاسة ، ويشهد به الأمر بغسله ثانياً قبل الغسل بماء الكافور.

[١] لعدم ثبوت الإجماع على وجوب التقديم على الغسل ، كيف؟ وعباراتهم مختلفة ، فبعضها خال من ذكر التقديم ، وبعضها خال من ذكر الوجوب ، وبعضها خال من التعرض للإزالة أصلا ، وبعضها وإن كان متعرضاً للوجوب والتقديم معاً إلا أن الاستدلال من المحقق وغيره عليه بصون ماء الغسل عن النجاسة إنما يقتضي تقديم الإزالة على غسل محلها لا غير ، كما أن الاستدلال عليه بأن إزالة النجاسة العينية أولى من إزالة النجاسة الحكمية إنما يقتضي وجوب الإزالة في الجملة ولو بعد الغسل. فالقدر المتيقن من مجموع هذه الكلمات هو وجوب الإزالة في الجملة. وفي كشف اللثام : « كأنه لا خلاف في وجوب تطهيره من النجاسة وإن لم يتعرض له الأكثر وكأنه المعني بالإجماع المحكي في التذكرة ونهاية الاحكام. ( الى أن قال ) : فالظاهر أن الفاضلين وكل من ذكر تقديم الإزالة أو التنجية أرادوا إزالة العين لئلا يمتزج بماء الغسل » ومع هذا لا يبقى وثوق بالإجماع. وأما ما في الروايتين فلا يبعد حمله على الاستحباب كما هو محمل ما ورد مثله في غسل الجنابة ، فإنه أولى من تقييد ما دل على أن غسل الميت كغسل الجنابة. وبالجملة : إذا ثبت أفضلية تقديم إزالة النجاسة على الغسل في الجنابة ثبت هنا بعموم التنزيل ، وحينئذ يكون حمل الروايتين عليها أولى عرفا من حملهما.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب غسل الميت ، حديث : ٩.

١٢٢

عن كل عضو قبل الشروع فيه [١].

( مسألة ٢ ) : يعتبر في كل من السدر والكافور أن لا يكون في طرف الكثرة بمقدار يوجب إضافته وخروجه عن الإطلاق [٢].

______________________________________________________

على الوجوب وتقييد عموم التنزيل بغير ذلك ، كما يظهر بالتأمل.

[١] الكلام في اعتبار ذلك وعدمه هنا هو الكلام فيه في الجنابة. فراجع.

[٢] كما في القواعد ، وعن التذكرة والنهاية والبيان وجامع المقاصد والتنقيح وغيرها ، فان المذكور في صحيحي ابن مسكان عن أبي عبد الله (ع) (١) وسليمان بن خالد عنه (ع) (٢) وغيرهما : الغسل بماء وسدر ، وبماء وكافور. وظاهره اعتبار صدق الماء حقيقة عليه حين الغسل به. وأظهر منه ما في صحيح يعقوب بن يقطين من قول العبد الصالح (ع) : « ثمَّ يفاض عليه الماء ثلاث مرات ... ( الى أن قال ) : ويجعل في الماء شي‌ء من سدر وشي‌ء من كافور » (٣). ولا ينافيه ما في خبر الكاهلي عن أبي عبد الله (ع) (٤) من التعبير بماء السدر وماء الكافور ، إذ كما يحتمل أن تكون الإضافة فيه من قبيل إضافة الماء المضاف ، يحتمل أن تكون لأجل كون الماء فيه شي‌ء من السدر أو الكافور ، إذ يكفي في الإضافة أدنى ملابسة. ويشهد للثاني قوله (ع) في الخبر المذكور : « فاغسله بماء من قرنه الى قدمه ». كما لا ينافيه ـ أيضاً ـ ما في صحيحي الحلبي عن أبي عبد الله (ع) من التعبير بالغسل بالسدر (٥) ، إذ لا مجال للأخذ‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب غسل الميت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب غسل الميت حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب غسل الميت حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب غسل الميت حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ٢ من أبواب غسل الميت حديث : ٢ و ٤.

١٢٣

وفي طرف القلة يعتبر أن يكون بمقدار يصدق أنه مخلوط بالسدر أو الكافور [١].

______________________________________________________

بظاهره ، فلا بد من حمله على إرادة الغسل بماء ممزوج بالسدر. وإطلاقه وإن كان يقتضي جواز الغسل بالمضاف ، لكنه مقيد بما عرفت.

وبالجملة : التأمل في مجموع النصوص يقتضي البناء على اعتبار الإطلاق كما ذكره الجماعة ، ومنه يظهر ضعف ما في الجواهر من أن ظاهر الأدلة خلافه. ونحوه ما عن المدارك وفي الذكرى : « المفيد قدَّر السدر برطل أو نحوه ، وابن البراج برطل ونصف ، واتفق الأصحاب على ترغيته ، وهما يوهمان الإضافة ويكون المطهر هو القراح ». وفيه : ـ كما في كشف اللثام ـ « أن الإرغاء لا يستلزم إضافة الماء الذي تحت الرغوة » وقد استظهر في مفتاح الكرامة من جماعة ممن ذكر الإرغاء أنهم يريدون غسل الرأس بالرغوة قبل الغسل الواجب. نعم قد يوهم المرسل عن يونس عنهم (ع) (١) أن ذلك بعض الغسل الواجب ، لكن قوله (ع) : بعد ذلك : « واجتهد أن لا يدخل الماء منخريه ومسامعه » ظاهر في غسله بالماء الذي كان في الإجانة الذي قد صب عليه ما تحت الرغوة ، وفي التعبير بلفظ الماء إشعار بإطلاقه.

[١] قد عرفت أن المذكور في النصوص : الغسل بماء السدر ، وبالسدر ، وبماء وسدر ، ومقتضى الجميع أن يكون مقدار السدر بحيث يصدق معه الغسل به. وما في صحيح يعقوب بن يقطين من قوله (ع) : « ويجعل في الماء شي‌ء من سدر وشي‌ء من كافور » (٢) لا يصلح لمعارضة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب غسل الميت حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب غسل الميت حديث : ٧.

١٢٤

وفي الماء القراح يعتبر صدق الخلوص منهما [١]. وقدَّر بعضهم السدر برطل [٢]. والكافور بنصف مثقال تقريباً [٣]. لكن المناط ما ذكرنا.

______________________________________________________

ما سبق ، ولا سيما وفي صدره الأمر بالغسل بالسدر. فتأمل. وأما ما في المتن من اعتبار صدق الخلط فلا وجه له ، إلا أن يرجع الى ما ذكرنا. وكذا ما في القواعد ، وظاهر غيرها من الاكتفاء بالمسمى. وفي الشرائع : « قيل : مقدار السدر سبع ورقات » ، وفي الجواهر : « لم نعرف قائله ولا من نسب اليه ». وفي خبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : الأمر بطرح ذلك المقدار بالماء القراح (١) ، ونحوه خبر عبد الله ابن عبيد عنه (ع) (٢) لكنهما ـ مع أنهما في غير ما نحن فيه ـ لا يصلحان لإثبات ذلك ، لظهور الاتفاق على خلافهما.

[١] لأن القراح هو الخالص عن إضافة شي‌ء اليه. وفي صحيح الحلبي : « ثمَّ اغسله بماء بحت ».

[٢] محكي عن المفيد في المقنعة : وعن القاضي في المهذب : تقديره برطل ونصف. وليس عليهما دليل ظاهر.

[٣] المنقول عن الهداية والفقيه والمقنعة والمراسم : تقدير الكافور بنصف مثقال. وظاهره أنه تحقيق لا تقريب. ولم نقف على وجهه. نعم المذكور في موثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « نصف حبة » (٣) وفي المرسل عن يونس عنهم (ع) : « حيات كافور » (٤). وفي رواية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب غسل الميت حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب غسل الميت ، حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب غسل الميت ، حديث : ١٠.

(٤) الوسائل ، باب : ٢ من أبواب غسل الميت حديث : ٣.

١٢٥

( مسألة ٣ ) : لا يجب مع غسل الميت الوضوء [١] قبله أو بعده وإن كان مستحباً [٢].

______________________________________________________

مغيرة مؤذن بني عدي عن أبي عبد الله (ع) : « قال : غسل علي بن أبي طالب (ع) رسول الله (ص) بدأه بالسدر والثانية بثلاثة مثاقيل من كافور (١) لكن الجميع لم يعرف القول به من أحد. ولعل الاختلاف لاختلاف مراتب الفضل.

[١] كما هو المشهور ، بل عن بعض إنكار قائل صريح بالوجوب. نعم نسب إلى المقنعة والمهذب والنزهة وظاهر الاستبصار والكافي والمحقق الطوسي. وكأنه لما في صحيح حريز عن أبي عبد الله (ع) : « الميت يبدأ بفرجه ثمَّ يوضأ وضوء الصلاة » (٢) ونحوه غيره. لكن عن السرائر : نسبتها الى الشذوذ ، وعن المبسوط والخلاف : أن عمل الطائفة على ترك العمل بها. وحينئذ لا مجال للعمل بها ، ولا سيما مع موافقتها للعامة كما قيل ، وفي المنتهى : « أطبق الجمهور على الوضوء ». وقد يشير اليه ما في صحيح ابن يقطين : « عن غسل الميت أفيه وضوء الصلاة أم لا؟ فقال (ع) : غسل الميت يبدأ بمرافقه .. » (٣) حيث لم يتعرض فيه لإثبات الوضوء ولا نفيه مع كونه المسؤول عنه ، فيدل على نكتة هناك ، أو أنه ظاهر في نفيه ، فيكون معارضاً لها.

[٢] كما عن المشهور أو الأشهر ، وعن كثير من كتب القدماء والمتأخرين ومتأخريهم : النص على استحبابه ، حملا لتلك النصوص عليه ، ولا سيما مع تأيدها بما دل على أن كل غسل معه وضوء ، وبناء على حمله على الاستحباب.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب غسل الميت حديث : ١١.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب غسل الميت حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب غسل الميت حديث : ٧.

١٢٦

والاولى أن يكون قبله [١].

( مسألة ٤ ) : ليس لماء غسل الميت حد [٢] ، بل المناط كونه بمقدار يفي بالواجبات أو مع المستحبات. نعم‌ في بعض الأخبار أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوصى الى أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يغسله بست قرب [٣] ، والتأسي به (ص) حسن [٤] مستحسن.

______________________________________________________

[١] كما تضمنته النصوص ، بل يشكل البناء على مشروعيته بعده لو لا ما عن جماعة من التصريح بعدم الفرق بين فعله قبله وبعده ، الموافق لإطلاق : « في كل غسل وضوء إلا الجنابة ». فتأمل.

[٢] لإطلاق الأدلة ، ولمكاتبة الصفار الى أبي محمد (ع) : « كم حد الماء الذي يغسل به الميت ، كما رووا : أن الجنب يغسل بستة أرطال ، والحائض بتسعة أرطال ، فهل للميت حد من الماء الذي يغسل به؟ فوقع (ع) حد غسل الميت أن يغسل حتى يطهر إن شاء الله تعالى » (١) قال الصدوق في محكي الفقيه : « وهذا التوقيع في جملة توقيعاته عندي بخطه في صحيفة ».

[٣] كما في رواية فضيل سكرة قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : جعلت فداك هل للماء الذي يغسل به الميت حد محدود؟ قال : إن رسول الله (ص) قال لعلي (ع) : إذا أنا مت فاستق لي ست قرب من ماء بئر غرس فاغسلني .. » (٢). وفي مصحح حفص عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « بسبع قرب » (٣).

[٤] بل ظاهر الرواية الأولى حكاية ذلك بعنوان التحديد لسبق السؤال‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب غسل الميت ، حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب غسل الميت ، حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب غسل الميت حديث : ١.

١٢٧

( مسألة ٥ ) : إذا تعذر أحد الخليطين سقط اعتباره واكتفي بالماء القراح بدله [١] ، ويأتي بالأخيرين وإن تعذر كلاهما سقطا وغسل بالقراح ثلاثة أغسال ، ونوى بالأول ما هو بدل السدر ، وبالثاني ما هو بدل الكافور [٢].

______________________________________________________

عنه ، فتدل على رجحانه مع قطع النظر عن التأسي.

[١] أما أصل وجوب التغسيل في الجملة فالظاهر أنه مما لا إشكال فيه لظهور التسالم عليه ، نعم عن المبسوط والسرائر التعبير بـ « لا بأس بالغسل بالماء القراح » ، وقد يشعر ذلك بعدم الوجوب ، لكن المظنون قويا إرادة الوجوب. وأما وجوب الغسل بالقراح بدله فهو المحكي عن العلامة والمحقق والشهيد الثانيين وغيرهم. وفي المعتبر والذكرى ، وعن النافع والمدارك ومجمع البرهان وغيرها : عدمه. وينبغي ابتناء الخلاف المذكور على اعتبار إطلاق الماء في الغسلين الأولين واعتبار إضافته ، فعلى الأول : يتعين الأول ، لقاعدة الميسور ، والاستصحاب في وجه. وعلى الثاني : يتعين الثاني ، لعدم صدق الميسور عرفا ، ولتعدد الموضوع كذلك ، فلا مجال للقاعدة والاستصحاب. والاشكال على القاعدة بعدم حجيتها في غير محله ، لظهور التسالم عليها في المقام ، ولذا لا إشكال في وجوب الغسل بالماء القراح. وكذلك الاشكال على الاستصحاب باختلاف الحدوث والبقاء في الحيثية ، فإن ذلك لا يوجب تعدد الموضوع ولا يمنع من صدق البقاء. اللهم إلا أن يشكل الاستصحاب باختصاصه بصورة طرو تعذر الخليط بعد الموت. والقاعدة بأن الإجماع على العمل بها في الماء القراح لا يقتضي الإجماع عليه في المقام ، ولا سيما مع وضوح الخلاف.

[٢] كما في جامع المقاصد قال : « فاعلم أنه لا بد من تمييز الغسلات‌

١٢٨

( مسألة ٦ ) : إذا تعذر الماء ييمم ثلاثة تيممات [١] بدلا عن الأغسال على الترتيب والأحوط تيمم آخر بقصد بدلية‌

______________________________________________________

بعضها عن البعض الآخر ، لوجوب الترتيب بينها ، وذلك بالنية » ، وفي الجواهر : « فيه تأمل بل منع ». وكأنه لأن عنوان بدلية الناقص عن التام وإن كان عنواناً قصدياً إلا أن القاعدة لا تقتضي وجوبه. وعنوان الميسور إنما لوحظ مرآة للمقدار الممكن بشهادة التعبير بعدم السقوط الظاهر في وجوب ما كان واجباً قبل التعذر وهو ذات المقدار الممكن. وفيه : أن ذلك إنما يتم لو فرض كون الأغسال الثلاثة حينئذ من قبيل أفراد طبيعة واحدة لا تمايز بينها ، ولكنه غير ظاهر. ومجرد الاتفاق في الصورة لا يستوجب الاتفاق في الحقيقة. ومقتضى قاعدة الاشتغال لزوم التعيين بالقصد ، لاعتباره في عبادية العبادة ، ومع عدم قصد التعيين يشك في وقوعه على وجه العبادة. إلا أن يقال : الشك في المقام يرجع فيه الى قاعدة البراءة كما لو شك في اعتبار وقوعه على وجه العبادة على ما حقق في مبحث التعبدي والتوصلي.

[١] أما أصل وجوب التيمم فإجماع كما عن جماعة. وعن الخلاف والتهذيب : انه إجماع المسلمين والفقهاء عدا الأوزاعي. ويشهد له خبر زيد بن علي (ع) عن آبائه (ع) عن علي (ع) : « ان قوماً أتوا رسول الله (ص) فقالوا : يا رسول الله (ص) مات صاحب لنا وهو مجدور فان غسلناه انسلخ ، فقال (ص) : يمموه » (١) بناء على إلغاء خصوصية مورده. مضافا الى عموم بدلية التراب :

( والاشكال ) فيه باختصاصه بصورة استقلال الماء بالمطهرية ، فلا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب غسل الميت حديث : ٣.

١٢٩

______________________________________________________

يشمل صورة اشتراكه مع غيره كالسدر والكافور فيها. أو بصورة المطهرية من الحدث ، فلا يشمل مطهرية الماء من الخبث. ( مندفع ) : بأن الظاهر من أدلة المقام بضميمة ما دل على انحصار المطهر بالماء والتراب كون السدر والكافور من قبيل شرط التأثير ، نظير الترتيب ونحوه من شرائط الطهارة لا أنه جزء المقتضي. وبأن الظاهر من النصوص كون الميت محدثاً أيضاً ، غاية الأمر أن الحدث والخبث معاً يرتفعان بالغسل.

نعم يعارض ذلك ما عن المدارك من صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن (ع) : « ثلاثة نفر كانوا في سفر : أحدهم جنب ، والثاني ميت ، والثالث على غير وضوء ، وحضرت الصلاة ومعهم ماء يكفي أحدهم ، من يأخذ الماء ويغتسل به ، وكيف يصنعون؟ قال (ع) : يغتسل الجنب ، ويدفن الميت ، ويتيمم الذي عليه وضوء ، لأن الغسل من الجنابة فريضة ، وغسل الميت سنة ، والتيمم للآخر جائز » (١). لكن الموجود في الوسائل والحدائق والجواهر عن الفقيه روايته بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن أبي الحسن موسى (ع) ـ هكذا ـ : « ويدفن الميت بتيمم » (٢) وكذا في الوسائل عن التهذيب عن عبد الرحمن ابن أبي نجران عن رجل عن أبي الحسن (ع) (٣). نعم في الحدائق عن التهذيب روايتها عن ابن أبي نجران عن رجل حدثه عن أبي الحسن الرضا (ع) بإسقاط لفظ « بتيمم » ، ونحوه في الجواهر عن أبي الحسن (ع)

__________________

(١) نقله في المدارك ـ مع اختلاف يسير في بعض العبارات ـ في أحكام الأموات في التعليق على قول الماتن : ( ولو خيف من تغسيله تناثر جلده .. ) ولكن نقله عن عبد الرحمن بن أبي نجران في الحكم السادس من احكام التيمم.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب التيمم حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٨ من أبواب التيمم ، ملحق الحديث الأول.

١٣٠

المجموع. وإن نوى في التيمم الثالث ما في الذمة من بدلية الجميع أو خصوص الماء القراح كفى في الاحتياط [١].

( مسألة ٧ ) : إذا لم يكن عنده من الماء إلا بمقدار غسل واحد فان لم يكن عنده الخليطان أو كان كلاهما أو السدر فقط صرف ذلك الماء في الغسل الأول [٢]

______________________________________________________

أما صحيح ابن الحجاج فلم يعثر عليه في كتب الحديث ، والظاهر أنه اشتباه وأما رواية ابن أبي نجران فان كانت متعددة وجب الأخذ برواية الفقيه لصحة السند ، فتكون دليلا على وجوب التيمم ، وإن كانت واحدة فلا مجال للاعتماد على رواية الشيخ للإرسال والاضطراب. نعم سوق التعبير يناسب جداً سقوط لفظ « بتيمم » ، كما هو فيما يحضرني من نسخة من الفقيه معتبرة. فلا حظ. وكيف كان ، فلا مجال لرفع اليد عما ذكرنا أولا. فلاحظ.

وأما وجوب ثلاثة تيممات فهو المحكي عن التذكرة وجامع المقاصد ، لتعدد الأغسال الموجب لتعدد بدلها. وفيه : أن تعدد الأغسال لا يجدي مع وحدة الأثر ، والظاهر من أدلة بدلية التيمم حصول الأثر المقصود من استعمال الماء ، لأنه أحد الطهورين ، من غير فرق بين كيفيات تطهير الماء من الحدث. ولذا كان المنسوب إلى الأصحاب ـ كما عن الذكرى ـ أو إطلاق الأصحاب ـ كما في كشف اللثام ـ الاكتفاء بتيمم واحد. واختاره في الجواهر ، وشيخنا الأعظم.

[١] ويجوز ذلك في أحد الأولين ، لعدم الفرق بينها في حصول الاحتياط.

[٢] أما وجوب الصرف في الجملة فقد نفي الخلاف والاشكال فيه وأما وجوب صرفه في الأول فهو المحكي عن المحقق والشهيد الثانيين ، لأنه‌

١٣١

______________________________________________________

الميسور فيجب ، فاذا فعل كان ما بعده معسوراً فيسقط. ولاشتراط التأخر في غير الأول ، فإذا جي‌ء به بلا سبق الأول عليه لم يؤت بما هو ميسور الواجب. ولا مجال لدعوى ذلك بالنسبة إلى الأول ، فيقال إنه يشترط فيه التقدم ، لأن التقدم لا يقتضي تعيين محل الفعل ، ولذا لو جي‌ء به متأخراً صح ووجب إعادة غيره مما يعتبر فيه التأخر. وإما لأن استعماله في القراح يوجب تفويت جهة زائدة وهي الغسل بالخليط إن أمكن كما في الصورة الثانية ، مع أنها من الميسور فيجب فعلها.

ويمكن دفع الأول بأنه إذا لم يمكن فعل الجميع كانت نسبة القدرة الى كل واحد بدلية ، بمعنى : أن كلا منها مقدور في ظرف ترك الآخر ولا وجه لدعوى كون القدرة بالنسبة إلى الأول تعيينية دون ما بعده حتى يكون الأول ميسوراً والآخر معسوراً. والثاني بأن الترتيب إضافة قائمة بالمترتبين على نحو واحد ، فكونه شرطاً في الثاني دون الأول غير ظاهر. ووجوب إعادة المتأخر لو جي‌ء به متقدماً لا ينافي ذلك ، إذ الوجه فيه إمكان حصول الترتيب المعتبر فيهما بذلك فيجب ، لا لأنه شرط في المتأخر دون المتقدم. والثالث بأن في صرفه في الغسل بالخليط ـ أيضاً ـ تفويت جهة زائدة معتبرة في الثالث وهي الخلوص من الخليط ، إذ كما يعتبر في الأولين الخليط يعتبر في الثالث الخلوص منه. وهذا هو الوجه في احتمال التخيير الذي ذكره في المتن ، وهو الأقوى. وعليه يتخير في الصورة الثانية بين صرفه في كل من الأولين والثالث كما في الصورة الاولى.

وفي الذكرى : « لو وجد ماء لغسلة واحدة فالأولى القراح ، لأنه أقوى في التطهير ، ولعدم احتياجه الى جزء آخر. ولو وجد لغسلين فالسدر مقدم لوجوب البدأة به ، ويمكن الكافور لكثرة نفعه » ، والتعليلات‌

١٣٢

ويأتي بالتيمم بدلا عن كل من الآخرين على الترتيب [١]. ويحتمل التخيير في الصورتين الأوليين في صرفه في كل من الثلاثة في الأولى. وفي كل من الأولى والثانية في الثانية. وإن كان عنده الكافور فقط فيحتمل أن يكون الحكم كذلك ، ويحتمل أن يجب صرف ذلك الماء في الغسل الثاني مع الكافور ، ويأتي بالتيمم بدل الأول والثالث ، فييممه أولا ، ثمَّ يغسله بماء الكافور ، ثمَّ ييممه بدل القراح.

( مسألة ٨ ) : إذا كان الميت مجروحاً أو محروقاً أو مجدوراً أو نحو ذلك مما يخاف معه تناثر جلده ييمم كما في صورة فقد الماء ثلاثة تيممات [٢].

( مسألة ٩ ) : إذا كان الميت محرماً لا يجعل الكافور في ماء غسله في الغسل الثاني [٣]

______________________________________________________

المذكورة تقتضي الترجيح على وجه الأولوية لا الوجوب ، وإلا فاشكالها ظاهر.

[١] كما عن البيان وجامع المقاصد والروض وغيرها ، لعموم البدلية. وفيه : أنه إنما يتم بناء على التعدد في المسألة السابقة ، وإلا فلا وجه للجمع بينه وبين الغسل ، وأدلة البدلية لا مجال لها مع صحة الغسل ولو بقاعدة الميسور ، لأن موضوعها عدم التمكن من الغسل الصحيح ، ولذا قال في الذكرى ـ في صورة ما إذا لم يجد الماء إلا لغسلة واحدة أو لغسلتين ـ : « ولا تيمم في هذين الموضعين لحصول مسمى الغسل ».

[٢] لما تقدم في تلك الصورة ، ومر الكلام فيه.

[٣] إجماعا كما عن الخلاف والغنية وجامع المقاصد ومجمع البرهان ، وفي المنتهى : « ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال علي (ع) ». ويدل‌

١٣٣

إلا أن يكون موته بعد طواف الحج أو العمرة [١] وكذلك لا يحنط بالكافور [٢] ، بل لا يقرب اليه طيب آخر [٣].

( مسألة ١٠ ) : إذا ارتفع العذر عن الغسل أو عن خلط الخليطين أو أحدهما بعد التيمم أو بعد الغسل بالقراح قبل‌

______________________________________________________

عليه جملة من النصوص كصحيح عبد الرحمن : « سألت أبا عبد الله (ع) عن المحرم يموت كيف يصنع به؟ قال : إن عبد الرحمن بن الحسن (ع) مات بالأبواء مع الحسين عليه‌السلام وهو محرم ومع الحسين (ع) عبد الله ابن العباس وعبد الله بن جعفر وصنع به كما يصنع بالميت وغطى وجهه ولم يمسه طيباً ، قال (ع) : وذلك كان في كتاب علي (ع) » (١) وموثق سماعة : « عن المحرم يموت. فقال (ع) : يغسل ويكفن بالثياب كلها ويغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالمحل غير أنه لا يمس الطيب (٢) ونحوهما غيرهما ، وإطلاقها يقتضي عدم الفرق بين إحرام الحج بأقسامه ، والعمرة مفردة وغيرها.

[١] كما عن نهاية الأحكام ومجمع البرهان ، وقرَّبه في الجواهر والحدائق ، لحل الطيب للحي حينئذ ، وظاهر النصوص تحريم ما كان يحرم على الحي لا غير ، فإطلاق ما دل على وجوب الغسل بالكافور محكم.

[٢] إذ الكلام فيه كما قبله إجماعاً ونصوصاً.

[٣] لإطلاق النص وجملة من معاقد الإجماعات ، بل هو ظاهر الاتفاق المحكي في جامع المقاصد ، مع أن اختصاص بعضها بالكافور ـ كإجماع الخلاف ـ يقتضي الثبوت في غيره بالأولوية.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب غسل الميت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب غسل الميت حديث : ٢.

١٣٤

الدفن تجب الإعادة [١] ، وكذا بعد الدفن إذا اتفق خروجه بعده على الأحوط [٢].

( مسألة ١١ ) : يجب أن يكون التيمم بيد الحي لا بيد الميت [٣] ، وإن كان الأحوط تيمم آخر بيد الميت إن أمكن ، والأقوى كفاية ضربة واحدة للوجه واليدين [٤] ، وإن كان الأحوط التعدد.

( مسألة ١٢ ) : الميت المغسل بالقراح لفقد الخليطين أو أحدهما ، أو الميمَّم لفقد الماء.

______________________________________________________

[١] كما في الذكرى وجامع المقاصد ، وعن الروض ، لما عرفت في نظائره من قصور أدلة البدلية حينئذ ، فالمرجع عموم وجوب التغسيل.

[٢] لاحتمال الانصراف عن مثله ، ولما في الرياض من حكاية دعوى الإجماع على وجوب الإعادة بعد الدفن ، لكن لا يبعد العدم بناء على فورية وجوب الدفن ثانياً في الفرض ، إذ يلحقه حكم ابتداء الدفن من تمامية البدلية.

[٣] نسب التصريح به الى كل من تعرض للكيفية. وعلل بأنه بدل التغسيل الذي يكلف به الحي. وفيه : أنه إنما يتم لو كان الضرب والمسح باليدين خارجاً عن قوام التيمم ، أما لو كان داخلا فيه فتكليف الحي به إنما يقتضي ضرب الحي بيد الميت والمسح بهما لا بيديه. نعم يمكن أن تكون غلبة تعذر الضرب بيد الميت موجبة لانصراف النص الآمر بالتيمم الى الضرب بيد الحي ، لكن لا مجال لدعوى ذلك بالنسبة إلى عمومات البدلية ، كما أنه لا إشكال فيما لو تعذر الضرب بيد الميت أو كان حرجاً انتقل إلى يدي الحي.

[٤] بناء على ما يأتي في التيمم من كفاية ذلك فيما هو بدل الغسل. وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله.

١٣٥

أو نحوه من الاعذار لا يجب الغسل بمسه [١] ، وإن كان أحوط.

فصل في شرائط الغسل

وهي أمور :

الأول : نية القربة [٢] على ما مر في باب الوضوء.

الثاني : طهارة الماء [٣].

الثالث : إزالة النجاسة [٤] عن كل عضو قبل الشروع في غسله ، بل الأحوط إزالتها عن جميع الأعضاء قبل الشروع في أصل الغسل ، كما مر سابقاً.

الرابع : إزالة الحواجب والموانع عن وصول الماء إلى البشرة [٥]. وتخليل الشعر والفحص عن المانع إذا شك في وجوده.

الخامس : إباحة الماء [٦] ، وظرفه ، ومصبه ، ومجرى‌

______________________________________________________

[١] تقدم الكلام في ذلك في غسل المس ، فراجع. والله سبحانه أعلم.

فصل في شرائط الغسل‌

[٢] كما تقدم في الفصل الحادي عشر.

[٣] إجماعاً محققاً. وفي المستند : للإجماع والاخبار.

[٤] كما تقدم في الفصل السابق.

[٥] في كون هذا شرطاً زائداً على اعتبار غسل البشرة إشكال ظاهر.

[٦] هذا شرط التقرب المعتبر فيه وفي سائر العبادات ، لامتناع التقرب بما هو معصية بناء على الامتناع ، وقد تقدم في شرائط الوضوء الكلام فيما يتعلق بهذا الشرط فراجع.

١٣٦

غسالته ، ومحل الغسل ، والسدة ، والفضاء الذي فيه جسد الميت ، وإباحة السدر والكافور. وإذا جهل بغصبية أحد المذكورات أو نسيها وعلم بعد الغسل لا تجب إعادته [١] ، بخلاف الشروط السابقة فإن فقدها يوجب الإعادة وإن لم يكن عن علم وعمد.

( مسألة ١ ) : يجوز تغسيل الميت من وراء الثياب [٢] ولو كان المغسل مماثلا ، بل قيل : إنه أفضل. ولكن الظاهر ـ كما قيل ـ أن الأفضل التجرد في غير العورة مع المماثلة.

______________________________________________________

[١] لعدم كونه معصية حينئذ ، فلا مانع من التقرب به ، كما سبق.

[٢] كما هو المشهور. وعن الخلاف : الإجماع عليه. ويشهد له جملة من النصوص كما سنشير إليها. وعن ابن حمزة : وجوب النزع. ويشهد له ما في المرسل عن يونس عنهم (ع) : « فان كان عليه قميص فأخرج يده من القميص واجمع قميصه على عورته » (١). لكن يعارضه ما في جملة أخرى ، مثل ما في صحيحي ابني مسكان وخالد عن أبي عبد الله (ع) : « إن استطعت أن يكون عليه قميص فيغسل من تحت القميص » (٢) ، وما في صحيح ابن يقطين : « ولا يغسل إلا في قميص يدخل رجل يده. » (٣) ولأجله حكي عن العماني ، وظاهر الصدوق : استحباب التغسيل من وراء الثياب. واختاره في الحدائق. بل عن الأول : دعوى تواتر الأخبار بأن النبي (ص) غسله علي (ع) في قميصه ثلاث غسلات (٤). لكن عن المشهور‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب غسل الميت حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب غسل الميت حديث : ١ و ٦.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب غسل الميت حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب غسل الميت حديث : ١٤.

١٣٧

( مسألة ٢ ) : يجزئ غسل الميت عن الجنابة والحيض ، بمعنى : أنه لو مات جنباً أو حائضاً لا يحتاج الى غسلهما بل يجب غسل الميت فقط [١] ،

______________________________________________________

استحباب التجريد. وكأنه كان حملاً لهذه النصوص على الجواز ، وعلى إرادة جعل القميص على العورة. وكلاهما ـ ولا سيما الأول ـ بعيد. ومنه يظهر ضعف ما عن المحقق الثاني من التخيير بين الأمرين جمعاً بين النصوص. والأقرب ما قرَّبه العماني ، لعدم صلاحية المرسل لمعارضة غيره لضعفه سنداً ، وإمكان التصرف فيه بحمله على إرادة بيان كيفية تجريد الغاسل للميت في ظرف بنائه على تجريده ، لا إرادة الأمر بالتجريد في ظرف البناء على إرادة عدمه. فتأمل جيداً.

[١] قد أجمع عليه كل أهل العلم إلا الحسن البصري. كذا في المنتهى. ويقتضيه ـ مضافاً الى أصالة البراءة من وجوب غيره ـ صحيح زرارة : « قلت لأبي جعفر (ع) ميت مات وهو جنب كيف يغسل؟ وما يجزيه من الماء؟ قال (ع) : يغسل غسلا واحداً ، يجزئ ذلك للجنابة ولغسل الميت ، لأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة » (١) ، وموثق عمار : « عن المرأة إذا ماتت في نفاسها كيف تغسل؟ قال (ع) : مثل غسل الطاهرة ، وكذلك الحائض ، وكذلك الجنب إنما يغسل غسلا واحداً فقط » (٢) ، ونحوهما غيرهما. نعم في خبر العيص : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل يموت وهو جنب ، قال (ع) : يغسل من الجنابة ثمَّ يغسل بعد غسل الميت » (٣) ، وقريب منه خبره الآخر (٤).

__________________

(١) الوسائل باب : ٣١ من أبواب غسل الميت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣١ من أبواب غسل الميت حديث : ٢. وقد أشير في النسخة المصححة للمؤلف ـ دام ظله ـ الى أن كلمة ( فقط ) لا توجد في الفقيه.

(٣) الوسائل باب : ٣١ من أبواب غسل الميت حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ٣١ من أبواب غسل الميت حديث : ٨.

١٣٨

بل ولا رجحان في ذلك [١] وإن حكي ، عن العلامة (ره) رجحانه [٢].

( مسألة ٣ ) : لا يشترط في غسل الميت أن يكون بعد برده [٣] وإن كان أحوط [٤].

( مسألة ٤ ) : النظر إلى عورة الميت حرام [٥] ، لكن لا يوجب بطلان الغسل إذا كان في حاله [٦].

( مسألة ٥ ) : إذا دفن الميت بلا غسل جاز بل وجب نبشه لتغسيله [٧] أو تيممه. وكذا إذا ترك بعض الأغسال ولو سهواً ، أو تبين بطلانها ، أو بطلان بعضها. وكذا إذا دفن بلا تكفين ، أو مع الكفن الغصبي. وأما إذا لم يصلَّ عليه ، أو تبين بطلانها فلا يجوز نبشه لأجلها ، بل يصلى على قبره.

______________________________________________________

لكنهما لا يصلحان لمعارضة ما سبق.

[١] لما في المعتبر من نسبة نفي الوجوب والاستحباب الى مذهب أكثر أهل العلم ، ولأجله لا مجال لحمل خبري العيص المتقدمين عليه.

[٢] ذكر ذلك في المنتهى. وكذا عن الشيخ في التهذيبين : احتماله.

[٣] لإطلاق الأدلة.

[٤] لشبهة كون الحرارة من شؤون الحياة ، كما تقدم القول به عن بعض في غسل المس :

[٥] بلا إشكال ظاهر. ويقتضيه ـ مضافا الى الاستصحاب ـ ما دل من نصوص الباب على النهي عن النظر إليها ، والأمر بسترها بخرقة أو نحوها.

[٦] لخروج النظر عن الغسل فلا يوجب تحريمه تحريمه كي يمتنع التعبد به.

[٧] يأتي إن شاء الله تعالى الكلام في هذه المسألة في المستثنيات من‌

١٣٩

( مسألة ٦ ) : لا يجوز أخذ الأجرة على تغسيل الميت ، بل لو كان داعيه على التغسيل أخذ الأجرة على وجه ينافي قصد القربة بطل الغسل أيضاً [١]. نعم لو كان داعيه هو القربة وكان الداعي على الغسل بقصد القربة أخذ الأجرة صح الغسل [٢]

______________________________________________________

حرمة النبش.

[١] لفوات التقرب المعتبر فيه كما تقدم. والظاهر أن مراده صورة ما إذا لم يكن الغسل صادراً عن الأمر بل كان عن داعي الأجرة.

[٢] لصدوره عن داعي الأمر ، غاية الأمر أن الأجرة من قبيل داعي الداعي وذلك لا ينافي العبادية ، لأن المقوم لها صدور الفعل عن داعي الأمر وهو حاصل. وفيه : أن القربة المعتبرة في العبادات ليست عبارة عن مجرد الفعل عن داعي الأمر مطلقاً ، بل بنحو يوجب استحقاق الثواب من الآمر ، فاذا كان الداعي إلى امتثال أمر الشارع أمر المستأجر لأجل الأجرة لم يكن الفعل موجباً عقلا لاستحقاق الأجر والثواب من الشارع ، بل كان مستحقاً للأجر والثواب من المستأجر لا غير ، فينتفي التقرب المعتبر في عبادية العبادة. نعم لو كان الداعي إلى الإتيان بالغسل عن أمر الشارع إباحة الأجرة واستحقاقها شرعاً لم يكن ذلك منافياً لوقوعه على وجه العبادة ، كما في طواف النساء الذي يؤتى به بداعي إباحة النساء شرعا.

وبالجملة : الإتيان بالغسل عن أمره ( تارة ) يكون بداعي أمر الولي ( وأخرى ) بداعي الأجرة مع غض النظر عن أمر آمر. ( وثالثة ) يكون بداعي إباحة الأجرة شرعاً. والثالث لا ينافي العبادية قطعاً. والأول ينافيها. والثاني لا يبعد أن لا ينافيها ، فإنه من قبيل العبادة لأجل تحصيل الثواب الدنيوي ، وإن كان لا يخلو من اشكال ، فلا يحصل التقرب المعتبر.

١٤٠