مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٠٩

فلا يبعد الانتقال إلى التيمم [١] : والفرق بين الصورتين [٢] : أن في الأولى يحتمل سعة الوقت ، وفي الثانية يعلم ضيقه ، فيصدق خوف الفوت فيها دون الأولى. والحاصل أن المجوز للانتقال إلى التيمم خوف الفوت الصادق في الصورة الثانية دون الأولى.

______________________________________________________

الموهوم الذي يكون ظرفا للوقت كما يكون ظرفا لها ، نظير الصلاة في الطهارة. وحينئذ كما يجري استصحاب الطهارة لإثبات كون الصلاة في حالها كذلك يجري استصحاب الوقت لإثبات كونها في الوقت. لأن مرجع ظرفية الزمان للزمانيات مجرد وجودها في حاله. ومنه يظهر صحة جريان استصحاب النهار واستصحاب رمضان لإثبات وجوب الصوم. فتأمل جيداً.

وإما لقاعدة الشك في القدرة المقتضية للاحتياط ، لأن الشك في ضيق الوقت يرجع الى الشك في القدرة على الصلاة بالطهارة المائية وعدمها ، وقد تقدمت الإشارة الى أن الشك في القدرة على الواجب يقتضي الاحتياط في فعله إما لبناء العقلاء عليه ، أو لعموم ما دل على وجوبه المقتصر في الخروج عنه على القدر المتيقن ، وهو فرض العلم بالعجز دون العجز الواقعي على ما هو القاعدة في الشبهة المصداقية إذا كان المخصص لبياً.

[١] لقاعدة وجوب المبادرة إلى الموقت عند خوف فوته ، التي يدل عليها ـ مضافا الى ظهور تسالم الفقهاء والعقلاء عليها ، وإن خالف فيها بعض الأعاظم من المتأخرين ـ مصحح زرارة السابق (١) ، بناء على جواز العمل ببعض طرق روايته ، وجواز التعدي عن مورده الى غيره. ومنه يظهر ضعف بعض الحواشي على المقام من أن الأقرب عدم الانتقال.

[٢] حاصل الفرق : أن في الصورة الأولى يتردد الوقت بين القصير والطويل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب التيمم حديث : ١. وقد تقدم ذكره في صدر المبحث.

٣٦١

( مسألة ٢٨ ) : إذا لم يكن عنده الماء ، وضاق الوقت عن تحصيله مع قدرته عليه ـ بحيث استلزم خروج الوقت ولو في بعض أجزاء الصلاة ، انتقل أيضاً إلى التيمم. وهذه الصورة أقل إشكالا من الصورة السابقة ، وهي : ضيقه عن استعماله مع وجوده ، لصدق عدم الوجدان [١] في هذه الصورة ، بخلاف السابقة. بل يمكن أن يقال بعدم الإشكال أصلا ، فلا‌

______________________________________________________

فيمكن جريان الاستصحاب فيه. وفي الصورة الثانية لا تردد في ذلك ، بل يعلم مقداره لكن لا يعلم مقدار الصلاة مع الطهارة المائية ، فلأجل ذلك يخاف الفوت. ولأجل أن الاستصحاب لا يجري في هذه الصورة ، لاختصاصه بصورة الشك في الامتداد ، والمفروض عدمه ، يتعين الرجوع الى قاعدة خوف الفوت. وهذا الفرق وإن كان ظاهراً ، إلا أن كونه فارقاً بينهما في العمل بقاعدة خوف الفوت وعدمه غير ظاهر. بل الظاهر أن العمل بها في الصورتين على حد واحد. نعم لو كان دليل القاعدة منحصراً بالمصحح أمكن دعوى انصرافه الى خصوص الصورة الثانية لا غير. لكن عرفت عدم انحصار الدليل فيه ، ودعوى الانصراف ممنوعة. ويحتمل أن يكون غرضه في الفرق بين الصورتين : أنه في الصورة الأولى يتردد الأمر في الوقت بين الطويل والقصير ، وفي الصورة الثانية يعلم أنه قصير وإن كان يتردد أيضاً بين الزائد والناقص بأن لا يدري أنه عشر دقائق أو خمس عشرة دقيقة ، فالشك في الصورتين يكون في الامتداد وعدمه. والاشكال فيه أظهر ، فإن الفرق المذكور لا يصلح فارقاً في جريان الاستصحاب وعدمه ، ولا في تحقق خوف الفوت وعدمه ، ولا في العمل بالقاعدة وعدمه.

[١] هذا يتم إذا كان عدم الوجدان بمعنى الفقدان ، لا بمعنى عدم‌

٣٦٢

حاجة إلى الاحتياط بالقضاء هنا.

( مسألة ٢٩ ) : من كانت وظيفته التيمم من جهة ضيق الوقت عن استعمال الماء ، إذا خالف وتوضأ أو اغتسل بطل ، لأنه ليس مأموراً بالوضوء لأجل تلك الصلاة [١]. هذا إذا قصد الوضوء لأجل تلك الصلاة. وأما إذا توضأ بقصد غاية أخرى من غاياته ، أو بقصد الكون على الطهارة صح على‌

______________________________________________________

القدرة على الوجود ، وإلا فهو غير صادق. ولازم الأول : أن لزوم تحصيل الماء للدليل الخاص بخلاف الثاني فإن لزوم تحصيله عليه يكون لأجل تحقيق عدم الوجدان. وكأنه لذلك يمكن أن يقال بعدم الإشكال ، لأنه إذا صدق عدم الوجدان فقد تحقق معه موضوع المشروعية ، غاية الأمر أنه يجب تحصيل الماء للدليل ، لكنه يختص بصور سعة الوقت ، ولا يشمل الفرض.

ثمَّ إن المحقق الثاني في جامع المقاصد التزم في المقام بوجوب التيمم اعتماداً على ما عرفت من صدق عدم الوجدان ، ولم يلتزم به في الصورة السابقة ، لصدق الوجدان. وقد عرفت إشكاله. وفي المستند : فصل كذلك ، مع بنائه على صدق الوجدان في الصورتين معاً ، ولكنه اعتمد مرسل حسين العامري عمن سأله : « عن رجل أجنب فلم يقدر على الماء وحضرت الصلاة فتيمم بالصعيد ، ثمَّ مر بالماء ولم يغتسل ، وانتظر ماء آخر وراء ذلك ، فدخل وقت الصلاة الأخرى ولم ينته الى الماء ، وخاف فوت الصلاة. قال (ع) : يتيمم ويصلي » (١). لكن إرساله مانع عن العمل به.

[١] يعني لا يصح امتثالا للأمر الآتي من قبل الصلاة في الوقت ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب التيمم حديث : ٢.

٣٦٣

ما هو الأقوى من أن الأمر بالشي‌ء لا يقتضي النهي عن ضده. ولو كان جاهلا بالضيق وأن وظيفته التيمم فتوضأ فالظاهر أنه كذلك ، فيصح إن كان قاصداً لإحدى الغايات الأخر ، ويبطل إن قصد الأمر المتوجه إليه من قبل تلك الصلاة.

( مسألة ٣٠ ) : التيمم لأجل الضيق مع وجدان الماء لا يبيح إلا الصلاة التي ضاق وقتها ، فلا ينفع لصلاة أخرى غير تلك الصلاة ولو صار فاقداً للماء حينها. بل لو فقد الماء في أثناء الصلاة الأولى أيضاً لا تكفي لصلاة أخرى ، بل لا بد من تجديد التيمم لها ، وإن كان يحتمل الكفاية في هذه الصورة [١].

______________________________________________________

لأنه لا واقع له. ولا يصح امتثالا للأمر المتعلق بالصلاة ولو قضاء ، أو للأمر المتعلق بغير الصلاة من الغايات الأخرى ، لعدم قصده ، والعبادية المعتبرة في صحة العبادة لا بد فيها من وقوع الفعل بداعي أمره ، وهو غير حاصل.

وكأن ما في بعض الحواشي على المقام من أن الأقوى الصحة مبني على إطلاق الصلاة في عبارة المصنف. لكن مراده خصوص الصلاة في الوقت. كما أنه لو بني على كون عبادية المقدمات العبادية إنما هي لقصد أمرها النفسي لا الغيري الآتي من قبل الأمر بذيها ، بل يكون هو داعياً الى امتثال الأمر النفسي ، لكان الوجه الصحة. لكن عليه يكون من قبيل الصورة الثانية. ولا فرق في ذلك كله بين صورة العلم بالضيق والجهل به ، لاتحاد مناط الصحة والبطلان في المقامين. نعم يختلفان في أن قصد الأمر الآتي من قبل الصلاة تشريعي في الأولى دون الثانية.

[١] بل لا يخلو من قوة ، لأن وجوب المبادرة إلى التيمم والصلاة‌

٣٦٤

( مسألة ٣١ ) : لا يستباح بالتيمم لأجل الضيق غير تلك الصلاة من الغايات الأخر [١] حتى في حال الصلاة ،

______________________________________________________

التي ضاق وقتها موجب للعجز عن الوضوء للصلاة الثانية ، وحينئذ يكون المقام من صغريات مزاحمة الوضوء بواجب أهم ، فيصدق عدم الوجدان من حين وقوع التيمم الى حين فقد الماء ، فاذا فقد الماء في أثناء الصلاة فقد استمر عدم الوجدان إلى حين الصلاة الثانية ، فلا مانع من إيقاعها بالتيمم الأول ، لصدق عدم الوجدان من حين التيمم بالإضافة إلى الصلاة الثانية أيضاً ، فيكون التيمم مشروعاً بالنسبة إليها فلا مانع من استباحتها به وكذا الحكم لو كان فقدان الماء بعد الصلاة بمقدار لا يسع الوضوء. ومن ذلك تعرف أن الاحتمال الذي ذكره المصنف هو الموافق للقواعد. وببالي أن بعضهم قوى ذلك ، وهو في محله كما ذكرنا.

[١] من غير خلاف ظاهر ، ولا ما يوجب توهم الخلاف إلا ما طفحت به عباراتهم وحكي عليه الاتفاق ونفي الخلاف من أنه يستباح بالتيمم لغاية ما يستبيحه المتطهر من سائر الغايات. إلا أنه ينبغي الجزم بأن مرادهم عدم الاحتياج في فعل كل غاية إلى إيقاع التيمم لها ، وتجديده عند فعلها ، لا أنه إذا شرع لغاية لصدق عدم الوجدان بالإضافة إليها يستباح به كل غاية وإن لم يصدق عدم الوجدان بالإضافة إليها ، فإن ذلك مقطوع بفساده من ملاحظة كلمات الأصحاب كما في الجواهر ، لعدم الدليل عليه ، فان أدلة المشروعية إذا دلت على إناطتها بعدم الوجدان ، وفرض أنه يختلف صدقه باختلاف الغايات ، فلا بد من اختلاف المشروعية باختلافه ، فيكون مبيحاً بالإضافة إلى غاية غير مبيح بالإضافة إلى أخرى ، لا أقل من أن ذلك مقتضى قاعدة الاشتغال.

٣٦٥

فلا يجوز له مس كتابة القرآن [١] ولو في حال الصلاة ، وكذا لا يجوز له قراءة العزائم إن كان بدلا عن الغسل. فصحته واستباحته مقصورة على خصوص تلك الصلاة ،

______________________________________________________

[١] اختار بعض جواز المس فيما لو كان التيمم لصلاة الفريضة ، لما سبق من أن الأمر بالمبادرة إلى التيمم والصلاة موجب للعجز عن استعمال الماء بالإضافة إلى المس ، فيصدق عدم الوجدان بالإضافة إليه : نعم لو كان التيمم لصلاة النافلة لم يكن مانع من الوضوء للمس ، لأن الأمر بالتيمم لها لا يوجب العجز عن استعمال الماء ، لكون الأمر استحبابياً ، كما أن الدخول في النافلة لا يوجب ذلك ، لجواز قطعها ، بخلاف الفريضة.

وفيه : أن العجز في مدة الصلاة لا يوجب صدق عدم الوجدان عرفاً كما يفهم ذلك مما دل على وجوب الطلب غلوة أو غلوتين ، ومما حكي الاتفاق عليه من وجوب السعي إلى الماء في خارج الحد إذا علم وجوده. ولو بني على تحقق عدم الوجدان بالعجز عن الماء في الأمد القصير مع العلم بحصوله بعده والتمكن منه ، لجاز التيمم لمن كان في السطح إذا كان الماء في السرداب وبالعكس ، ولجاز التيمم لمن كان على شفير بئر إذا كان يستطيع الاستقاء منه ، لحصول العجز في مدة التحصيل ، وهو كما ترى.

نعم لو وجبت المبادرة إلى المس استباحه بالتيمم ، لصدق عدم الوجدان بالنسبة إليه أيضاً. وسيأتي نقل الإجماع على وجوب الانتظار والصبر إذا علم بوجود الماء في الوقت حتى على القول بجواز البدار ، وأن القول المذكور يختص بصورة الاحتمال ، وإن كانت نصوص المواسعة وجواز البدار شاملة لصورة العلم ، لكن يخرج عنها بالإجماع المذكور. ومن ذلك يعلم الحكم في قراءة العزائم.

٣٦٦

( مسألة ٣٢ ) : يشترط في الانتقال الى التيمم ضيق الوقت عن واجبات الصلاة فقط [١] ، فلو كان كافياً لها دون المستحبات وجب الوضوء والاقتصار عليها ، بل لو لم يكف لقراءة السورة تركها وتوضأ [٢] ، لسقوط وجوبها في ضيق الوقت.

( مسألة ٣٣ ) : في جواز التيمم لضيق الوقت عن المستحبات الموقتة إشكال [٣] ، فلو ضاق وقت صلاة الليل مع وجود الماء والتمكن من استعماله يشكل الانتقال إلى التيمم.

______________________________________________________

[١] إذ الأمر بمستحباتها لا يوجب عدم القدرة على الطهارة المائية ، فتجب ويسقط هو للعجز عنها.

[٢] لظهور دليل سقوطها في مثل الفرض بنحو لا يصلح دليل بدليته لمعارضته ، ففي صحيح الحلبي : « لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأولتين إذا ما أعجلت به حاجة ، أو تخوف شيئاً » (١) ونحوه غيره. فإنه يكفي في صدق الحاجة الطهارة المائية. وبالجملة : المقام من قبيل تعارض المقتضي واللامقتضي.

[٣] كأنه للإشكال في أهمية الوقت من الطهارة المائية في المستحبات الموقتة ، إذ أهميته في الواجب الموقت لا تقتضي أهميته في المستحب الموقت. نعم لو كان الوجه في مشروعية التيمم لضيق الوقت هو عدم القدرة على الطهارة المائية للموقت ، لصدق عدم الوجدان معه ـ كما عرفت ـ كانت المشروعية في المستحب في محلها. لكن التشكيك في الأهمية غير ظاهر الوجه ، ولا سيما في المستحبات التي لا تقضى بعد الوقت. نعم يمكن الإشكال في النوافل الموقتة التي تقضى ، بأن الوقت قيد استحبابي ، واستحبابه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

٣٦٧

( مسألة ٣٤ ) : إذا توضأ باعتقاد سعة الوقت فبان ضيقه فقد مرّ أنه إذا كان وضوءه بقصد الأمر المتوجه اليه من قِبل تلك الصلاة بطل ، لعدم الأمر به ، وإذا أتى به بقصد غاية أخرى أو الكون على الطهارة صح. وكذا إذا قصد المجموع من الغايات التي يكون مأموراً بالوضوء فعلاً لأجلها. وأما لو تيمم باعتقاد الضيق فبان سعته بعد الصلاة فالظاهر وجوب إعادتها [١] ،

______________________________________________________

لا يمنع من صدق الوجدان. لكن المذاق العرفي وملاحظة ما تقدم عن الجواهر يستوجب ضعف الاشكال المذكور.

[١] لانكشاف عدم مشروعيته واقعاً للقدرة على الطهارة المائية. إلا أن يقال : ـ في صورة كون الانكشاف بعد خروج الوقت ، أو بقاء مقدار منه لا تمكن معه الصلاة ـ إن اعتقاد الضيق موجب لحكم العقل بوجوب المبادرة إلى الصلاة بالتيمم ، فيكون استعمال الماء غير خال عن المحذور ، لكونه تجرياً ، فيكون ذلك موجباً لصدق عدم الوجدان واقعاً في حال الاعتقاد كالمعصية الحقيقية ، فإذا انكشف سعة الوقت كان وجوب الإعادة مبنياً على عدم جواز البدار. فلو قيل بجواز البدار وكفاية عدم القدرة على الماء في كل وقت لمشروعية التيمم فيه كانت الصلاة صحيحة. مضافاً الى إمكان استفادة الصحة من مصحح زرارة : « فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم .. » (١) بناء على إمكان التعدي من مورده الى المقام ، كما يظهر من المصنف في بعض الفروع السابقة ، نظير ما تقدم في المسألة الثانية عشرة ، وكذا من مرسل العامري المتقدم (٢) ، بناء على ظهوره في الحكم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب التيمم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٩ من أبواب التيمم حديث : ٢ تقدم في المسألة الثامنة والعشرين من هذا الفصل.

٣٦٨

وإن تبين قبل الشروع فيها وكان الوقت واسعاً توضأ وجوباً ، وإن لم يكن واسعاً فعلاً بعد ما كان واسعاً أولاً وجب إعادة التيمم [١].

الثامن : عدم إمكان استعمال الماء لمانع شرعي [٢] كما إذا كان الماء في آنية الذهب أو الفضة ، وكان الظرف منحصراً فيها بحيث لا يتمكن من تفريغه في ظرف آخر ، أو كان في إناء مغصوب كذلك ، فإنه ينتقل الى التيمم. وكذا إذا كان محرم الاستعمال من جهة أخرى.

( مسألة ٣٥ ) : إذا كان جنباً ولم يكن عنده ماء وكان موجوداً في المسجد ، فإن أمكنه أخذ الماء بالمرور وجب ولم ينتقل الى التيمم [٣]. وإن لم يكن له آنية لأخذ الماء ، أو كان عنده ولم يمكن أخذ الماء إلا بالمكث ، فإن أمكنه الاغتسال فيه بالمرور وجب ذلك. وإن لم يمكن ذلك أيضاً ، أو كان الماء في أحد المسجدين [٤] ـ أي : المسجد الحرام أو مسجد النبي (ص) ـ

______________________________________________________

الواقعي ، كما هو غير بعيد.

[١] قد عرفت أنه موقوف على عدم جواز البدار ، وأن المراد منه عدم صحة الفعل قبل آخر الوقت. ولو كان المراد عدم صحته على تقدير ارتفاع العذر ـ فلو بادر وانكشف استمرار العذر صح ـ يتعين البناء على عدم لزوم إعادة التيمم في الفرض ، لانكشاف استمرار العذر.

[٢] قد تقدم الكلام في المسوغ السادس. فراجع.

[٣] لعدم المقتضي للانتقال اليه بعد عدم المانع من أخذ الماء أو الاغتسال في حال المرور.

[٤] لحرمة المرور فيهما.

٣٦٩

فالظاهر وجوب التيمم [١] لأجل الدخول في المسجد وأخذ الماء أو الاغتسال فيه. وهذا التيمم إنما يبيح خصوص هذا الفعل [٢] ـ أي : الدخول والأخذ أو الدخول والاغتسال ـ ولا يرد الإشكال [٣] بأنه يلزم من صحته بطلانه ، حيث أنه يلزم منه كونه واجداً للماء فيبطل كما لا يخفى.

______________________________________________________

[١] تقدم الكلام فيه في المسألة الثامنة من فصل ما يحرم على الجنب.

[٢] لكونه غير واجد للماء بالإضافة إلى ذلك وواجداً له بالإضافة الى غير ذلك ، وإن كان وجدانه للماء بالقدرة على التيمم كما أشرنا إليه سابقاً في المسألة المذكورة.

[٣] هذا تفريع على قوله : « إنما يبيح خصوص .. ». يعني : أن التيمم المذكور لا يوجب صدق الوجدان بالإضافة إلى الكون في المسجد إلى أن يتحقق الاغتسال ، بل يصدق بالإضافة إليه عدم الوجدان حتى بعد التيمم ، نعم يصدق كونه واجداً بالإضافة إلى غيره ، ولكن التيمم لم يشرع له كما أشرنا إليه فيما سبق.

ويمكن أن يجاب عنه أيضاً بأن الوجدان الآتي من قبل التيمم يمتنع أن يكون مبطلاً للتيمم ، لأن معلول الشي‌ء يمتنع أن يكون علة لعدمه.

ولا يعارض ذلك بأن التيمم يمتنع أن يكون علة للوجدان لأن الوجدان علة لعدمه ، فان رفع اليد عن معلولية بطلان التيمم للوجدان ليس بأولى من رفع اليد عن معلولية الوجدان له ، وحينئذ فلا دليل على معلولية الوجدان للتيمم ، فاذا لم يعلم ترتب الوجدان عليه لم يجز الدخول في المسجد بعد التيمم ، لأصالة عدم ترتب الأثر عليه.

وجه الاندفاع : أن المعارضة إنما تتم لو كانت العلية في المقامين عقلية‌

٣٧٠

( مسألة ٣٦ ) : لا يجوز التيمم مع التمكن من استعمال الماء إلا في موضعين :

أحدهما : لصلاة الجنازة ، فيجوز مع التمكن من الوضوء أو الغسل على المشهور [١] مطلقاً ،

______________________________________________________

حيث أنه لا طريق للعقل إلى ترجيح أحد الطرفين. أما إذا كانت شرعية ـ كما فيما نحن فيه ـ تعين رفع اليد عن دليل معلولية البطلان للوجدان ، للعلم بعدم حجيته ، إما للتخصص أو للتخصيص ، فلا يكون مرجعاً في المقام على كل حال ، فيبقى دليل علية التيمم للوجدان بلا معارض. نعم لما لم يكن وجوب التيمم غيريا ، لعدم كونه مقدمة للدخول ، بل عقلي من باب وجوب الجمع بين غرضي الشارع مهما أمكن ، فلا بد أن يكون الأمر المصحح للتعبد به غير أمر الدخول ، بل الأمر الاستحبابي لدخول المساجد متطهراً ، ولأجل ذلك قلنا في مبحث غسل الجنابة : إن وجوب التيمم في المقام يتوقف على كون دخول المساجد من الغايات الشرعية للطهارة. فلو لم نقل بذلك تعذرت صحة التيمم للدخول لعدم الأمر المتعبد به ، بل يجب التيمم للصلاة ولا يجب عليه الدخول وإن كان يجوز له ، لكن هذا الجواز لا يوجب الوجدان الناقض للتيمم ، لئلا يلزم الخلف ، حيث أن المفروض أن المقصود بالتيمم استباحة الصلاة. فتأمل جيداً.

[١] نقلا وتحصيلا ، بل في الذكرى : نسبته إلى الأصحاب ، والتذكرة : إلى علمائنا ، وظاهره الإجماع كما عنه في المنتهى ذلك أيضاً ، بل في الخلاف : دعوى الإجماع صريحاً. كذا في الجواهر. واستدل له ـ مضافاً الى الإجماع المحكي ـ بموثق سماعة قال : « سألته عن رجل مرت به جنازة وهو على غير وضوء كيف يصنع؟ قال (ع) : يضرب بيده على حائط اللبن‌

٣٧١

لكن القدر المتيقن صورة خوف فوت الصلاة منه [١] لو أراد أن يتوضأ أو يغتسل. نعم لما كان الحكم استحبابياً [٢] يجوز أن يتيمم مع عدم خوف الفوت أيضاً ، لكن برجاء المطلوبية ، لا بقصد الورود والمشروعية.

الثاني : للنوم ، فإنه يجوز أن يتيمم مع إمكان الوضوء‌

______________________________________________________

فليتيمم » (١) ، ومرسل حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله (ع) قال : « الطامث تصلي على الجنازة لأنه ليس فيها ركوع ولا سجود ، والجنب يتيمم ويصلي على الجنازة » (٢).

[١] بل عن جمل المرتضى والمبسوط والنهاية وسلار والقاضي والدروس والبيان : الاقتصار على ذلك. وعن المعتبر : الميل اليه ، لعدم تمامية الإجماع ولعدم صحة سند الموثق والمرسل ، وانسباق الفوت من أولهما ، فلا موجب للخروج عما دل على اعتبار عدم الوجدان في مشروعية التيمم. وفيه : أن الموثق من قسم الحجة. لكن دعوى الانسباق فيه الى صورة الخوف غير بعيدة ، كما ورد في مصحح الحلبي قال : « سئل أبو عبد الله (ع) عن الرجل تدركه الجنازة وهو على غير وضوء فان ذهب يتوضأ فاتته الصلاة. قال (ع) : يتيمم ويصلى » (٣). نعم لا بأس بالحكم بمشروعيته مطلقاً بناء على قاعدة التسامح ، وعلى جواز تطبيقها بمجرد الفتوى.

[٢] إذ لو كان وجوبياً كان الاجتزاء بالتيمم محتاجاً الى دليل ، لأنه خلاف قاعدة الاشتغال.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢١ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ٦.

٣٧٢

أو الغسل على المشهور أيضاً مطلقاً [١] وخص بعضهم بخصوص الوضوء : ولكن القدر المتيقن من هذا أيضاً صورة خاصة ، وهي : ما إذا آوى الى فراشه فتذكر أنه ليس على وضوء فيتيمم من دثاره ، لا أن يتيمم قبل دخوله في فراشه متعمداً مع إمكان الوضوء ، نعم هنا أيضاً لا بأس به لا بعنوان الورود بل برجاء المطلوبية ، حيث أن الحكم استحبابي.

وذكر بعضهم موضعاً ثالثاً وهو ما لو احتلم في أحد المسجدين [٢] فإنه يجب أن يتيمم للخروج وإن أمكنه الغسل. لكنه مشكل ، بل المدار على أقلية زمان التيمم أو زمان الغسل أو زمان الخروج ، حيث أن الكون في المسجدين جنباً حرام ،

______________________________________________________

[١] بل في محكي الحدائق : « الظاهر عدم الخلاف فيه » : وكأنه للمرسل الذي رواه الصدوق في الفقيه عن الصادق (ع) : « من تطهر ثمَّ آوى الى فراشه بات وفراشه كمسجده ، فان ذكر أنه ليس على وضوء فتيمم من دثاره كائناً ما كان لم يزل في صلاة ما ذكر الله » (١). لكن مورده المحدث بالأصغر الناسي فالتعدي إلى غيره يحتاج الى دليل ، ولا سيما وفي خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) عن آبائه عن أمير المؤمنين (ع) قال : « لا ينام المسلم وهو جنب ولا ينام إلا على طهور فان لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد .. » (٢). اللهم إلا أن تتم قاعدة التسامح ، ويكتفى فيها بالفتوى.

[٢] تقدم الكلام فيه في المسألة الأولى من فصل ما يحرم على الجنب. فراجع.

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب الجنابة حديث : ٣.

٣٧٣

فلا بد من اختيار ما هو أقل زماناً من الأمور الثلاثة ، فإذا كان زمان التيمم أقل من زمان الغسل يدخل تحت ما ذكرنا من مسوغات التيمم من أن من موارده ما إذا كان هناك مانع شرعي من استعمال الماء ، فإن زيادة الكون في المسجدين جنباً مانع شرعي من استعمال الماء.

( مسألة ٣٧ ) : إذا كان عنده مقدار من الماء لا يكفيه لوضوئه أو غسله ، وأمكن تتميمه بخلط شي‌ء من الماء المضاف الذي لا يخرجه عن الإطلاق ، لا يبعد وجوبه [١]. وبعد الخلط يجب الوضوء أو الغسل وإن قلنا بعدم وجوب الخلط [٢] لصدق وجدان الماء حينئذ.

______________________________________________________

[١] لصدق الوجدان المانع من مشروعية التيمم. فان قلت : الظاهر من الوجدان وجود ما يكفي للوضوء والمفروض انتفاؤه. قلت : المراد من كفايته للوضوء كفايته بحسب قدرة المكلف ـ يعني بحيث يقدر أن يتوضأ به ـ وهو حاصل ، فكما يجب الوضوء إذا كان يكفي بتوسط تبريد أعضاء الوضوء أو تقليل ماء الغسل أو نحو ذلك من الوسائط التي تدخل تحت قدرة المكلف فكذا في المقام. ودعوى الانصراف عما نحن فيه ممنوعة.

[٢] يعني : إن قلنا بعدم وجوب الخلط وبمشروعية التيمم ، أو خلط من باب الاتفاق يجب الوضوء أو الغسل ، لصدق الوجدان.

٣٧٤

فصل في بيان ما يصح التيمم به

يجوز التيمم على مطلق وجه الأرض على الأقوى [١] ،

______________________________________________________

فصل في بيان ما يصح التيمم به‌

[١] كما هو المشهور ، كما في الجواهر وعن غيرها ، بل عن الخلاف ومجمع البيان : الإجماع عليه. ويدل عليه إطلاق الكتاب بناء على أن الصعيد اسم لمطلق وجه الأرض ـ كما هو المشهور بين أهل اللغة. وعن المنتهى والنهاية : نسبته إليهم. وعن الزجاج : « لا أعلم اختلافا بين أهل اللغة في ذلك ». قال في المعتبر (١) « والصعيد هو وجه الأرض بالنقل عن فضلاء اللغة ذكر ذلك الخليل وثعلب عن ابن الأعرابي. ويدل عليه قوله تعالى : ( فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً ) (٢) أي : أرضاً ملسة مزلقة. ومثله قوله (ع) : يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة على صعيد واحد‌ ، أي : أرض واحدة » (٣) وإطلاق النبوي المشهور المروي في الوسائل وغيرها بعدة طرق : « جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً » (٤). ونحوه ما ورد من قوله (ع) : « رب الماء هو رب الأرض » (٥) ، وقوله (ع) : « وان فاتك الماء لم تفتك الأرض » (٥) ، وغيرهما ، والموثق المتقدم فيمن مرت به جنازة (٧) ،

__________________

(١) المعتبر ، المسألة الأولى من فصل ما يتيمم به.

(٢) الكهف : ٤٠‌

(٣) لم نعثر في المصادر على هذا النص نعم وجدنا ما يشتمل على محل الاستشهاد. راجع مجمع البيان في تفسير آية ٣٣ ـ الرحمن‌

(٤) الوسائل باب : ٧ من أبواب التيمم‌

(٥) الوسائل باب : ٣ من أبواب التيمم حديث : ١ ـ ٤‌

(٦) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب التيمم حديث : ١‌

(٧) تقدم في المسألة السادسة والثلاثين من الفصل السابق‌

٣٧٥

______________________________________________________

الدال على جواز التيمم بحائط اللبن ، وخبر السكوني عن جعفر (ع) عن أبيه عن علي (ع) : « انه سئل عن التيمم بالجص فقال (ع) : نعم ، فقيل : بالنورة؟ فقال (ع) : نعم. فقيل : بالرماد؟ فقال (ع) : لا ، إنه ليس يخرج من الأرض إنما يخرج من الشجر » (١) ، ونحوه ما عن نوادر الراوندي (٢) مع التصريح فيه بجواز التيمم بالصفا العالية.

وعن السيد في شرح الرسالة وأبي علي والحلبي والغنية : المنع عن غير التراب ، بل عن الأخير : الإجماع عليه : وكأنه لما عن جماعة من أهل اللغة من تفسير الصعيد بالتراب ، كما يساعده جملة من النصوص ، كصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) الوارد في بيان ما يمسح في التيمم حيث قال فيه أبو جعفر (ع) : « فلما أن وضع الوضوء عمن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحاً ، لأنه قال تعالى ( بِوُجُوهِكُمْ ) ثمَّ وصل بها ( وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) أي : من ذلك التيمم ، لأنه علم أن ذلك أجمع لم يجر على الوجه لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها » (٣) ، والنبوي المروي مرسلا ومسنداً عن الخصال والعلل بتفاوت يسير : « جعلت لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً » (٤). وفي صحيح محمد بن حمران وجميل ابن دراج جميعاً عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ : « إن الله جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً » (٥) : وفي حديث رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله (ع) : « إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب ولا ماء‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب التيمم حديث : ١‌

(٢) مستدرك الوسائل باب : ٦ من أبواب التيمم حديث : ٢. لكن الموجود فيه ( الصفا الناتية ) وذكر ( الثابتة ) نسخة بدل.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب التيمم حديث : ١‌

(٤) مستدرك الوسائل باب : ٥ من أبواب التيمم حديث : ٤‌

(٥) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب التيمم حديث : ١‌

٣٧٦

______________________________________________________

فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه » (١) ، ونحوه غيره ، فيقيد بها إطلاق النبوي وغيره. والموثق يمكن البناء على اختصاصه بمورده ونحوه مما لا يشترط فيه الطهارة. وخبر السكوني ظاهر في جواز التيمم بالجص والنورة بعد الإحراق مما هو خلاف المشهور فيكون موهوناً. وخبر النوادر ضعيف غير مجبور ، ولا يكفي في جبره مجرد موافقته للمشهور ما لم يكن معتمداً لهم كما لا يخفى.

لكن قد يقال : بناء على ما هو التحقيق من إعمال قواعد التعارض من الترجيح أو التخيير مع اختلاف نقل اللغويين يتعين الاعتماد على الأول لأنه أشهر ، ولو بني على التساوي جاز الاعتماد عليه وأما صحيح زرارة فلا يمكن الأخذ بظاهر التعليل فيه ، ولا سيما بملاحظة نصوص الأمر بالنفض ، فلا بد من حمله على إرادة تلقين الاستدلال لزرارة في قبال العامة ، ولعله مبني على مقدمات مطوية مسلمة عندهم ، كما لا يبعد أن يكون المراد من السؤال في صدر الصحيح أيضاً ذلك ، وعليه فلا يقوى على تقييد المطلق. والنبوي غير ثابت الحجية ، إذ لم أقف على روايته كذلك إلا مرسلا في الغوالي عن فخر المحققين (٢) ، ومسنداً في الخصال والعلل بطريق في غاية الضعف (٣). نعم عن مجالس المفيد الثاني روايته بطريق لا يخلو عن اعتبار : « جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً أينما كنت أتيمم من تربتها » (٤) لكن في صلاحيته للتقييد تأملا ظاهراً ، لأنه من قبيل المثبت الذي لا ينافي الإطلاق. ومثله حديث محمد بن حمران وجميل بن دراج. وأما حديث‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب التيمم حديث : ٤.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ٥ من أبواب التيمم حديث : ٨.

(٣) مستدرك الوسائل باب : ٥ من أبواب التيمم حديث : ٣.

(٤) مستدرك الوسائل باب : ٥ من أبواب التيمم حديث : ٥‌

٣٧٧

سواء كان تراباً أو رملا أو حجراً أو مدراً أو غير ذلك وإن كان حجر الجص والنورة [١] قبل الإحراق. وأما بعده فلا يجوز على الأقوى [٢].

______________________________________________________

رفاعة فالظاهر من قوله (ع) : « ليس فيها .. » أنه تفسير للمبتلة لا شرطاً زائداً كي يدل على عدم جواز التيمم بالصخر. فتأمل. وغيره قاصر الدلالة أو ضعيف السند ، فالعمل بالإطلاق متعين.

[١] كما هو المشهور بل عن مجمع البرهان : « لا ينبغي النزاع فيه » لصدق الأرض. وعن السرائر : المنع عنه في النورة. وقد يظهر من محكي كلامه أن الوجه فيه كونها من المعادن. وضعفه ظاهر ، لأنه لو سلم عموم المعدن لمثله فلا ينافي صدق الأرض عليه كالرمل. كضعف ما عن النهاية من اشتراط الجواز فيهما بفقد التراب ، إذ لو كانا من الصعيد جاز مطلقاً فيهما ، وإلا لم يجز كذلك ، فالتفصيل بلا فاصل ظاهر.

[٢] كما عن الأكثر. وفي المعتبر ، وعن التذكرة ومجمع البرهان : الجواز. بل في الأول حكاية ذلك عن علم الهدى في المصباح ـ إما لصدق الأرض. أو لاستصحابها ، أو لاستصحاب جواز التيمم ، أو لخبر السكوني المتقدم‌. والأول غير ظاهر لقرب انصرافها الى غيرهما. والثاني من قبيل استصحاب المفهوم المردد ، وفيه إشكال محرر في محله من استصحاب الكلي ، وأشرنا إليه فيما تقدم من هذا الشرح. والثالث من الاستصحاب التعليقي ، لأن الجواز بالمعنى التكليفي المحض معلوم ، وبمعنى ترتب الطهارة عليه معلق على وجوده ، والاشكال في الاستصحاب التعليقي مشهور. والخبر موهون بمخالفة المشهور ، بل بمخالفة الإجماعات المحكية على اعتبار الأرضية فلا يمكن رفع اليد عنها به. إلا أن يقال : لم يثبت الاعراض الموهن ،

٣٧٨

كما أن الأقوى عدم الجواز بالطين المطبوخ [١] ، كالخزف والآجر وإن كان مسحوقاً مثل التراب. ولا يجوز على المعادن [٢] كالملح والزرنيخ والذهب والفضة والعقيق ونحوها مما خرج عن اسم الأرض. ومع فقد ما ذكر من وجه الأرض يتيمم بغبار الثوب أو اللبد أو عرف الدابة ونحوها مما فيه غبار [٣]

______________________________________________________

لاحتمال كون منشئه دعوى مخالفة الإجماع ، وهي غير ثابتة ، لأن الظاهر من معاقد الإجماعات إرادة إخراج المعدن والثلج ، وإلا فذهاب جماعة من الأساطين إلى الجواز أعظم قادح في الإجماع كما هو ظاهر. فالاعتماد على النص ـ المعتبر في نفسه الكاشف عن أن المراد من الأرض ما يعم مثل ذلك ـ غير بعيد.

[١] كما عن جماعة. وعن آخرين : الجواز. ويظهر وجه القولين مما سبق في الجص والنورة.

[٢] إجماعا كما عن الخلاف والغنية وظاهر المفاتيح وفي المنتهى : « هو مذهب علمائنا أجمع » لخروجه عن مفهوم الصعيد. وعموم التعليل في خبر السكوني (١) مما لا مجال للعمل به. فما عن الحسن من الجواز ضعيف.

[٣] هو مذهب علمائنا كما في المعتبر ، وعند علمائنا كما في التذكرة ، ونحوه في غيرهما. ويشهد به صحيح زرارة قال : « قلت لأبي جعفر (ع) : أرأيت المواقف. إن لم يكن على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول؟ قال (ع) : يتيمم من لبده أو سرجه أو عرف دابته ، فان فيها غباراً ، ويصلي » (٢) ، وموثقه عن أبي جعفر (ع) : « قال : إن كان أصابه الثلج فلينظر لبد سرجه فيتيمم من غباره أو من شي‌ء معه ، وإن كان في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب التيمم حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب التيمم ، حديث : ١‌

٣٧٩

______________________________________________________

حال لا يجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم منه » (١) ، وفي صحيح رفاعة عن أبي عبد الله (ع) قال ـ في حديث ـ : « فان كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شي‌ء مغبر ، وإن كان في حال لا يجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم منه » (٢) ، وصحيح أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال : « إذا كنت في حال لا تقدر إلا على الطين فتيمم به فان الله أولى بالعذر إذا لم يكن معك ثوب جاف أو لبد تقدر أن تنفضه وتتيمم به » (٣) ونحوها غيرها ،

وعن السيد : مساواة الغبار للتراب. وفي المنتهى قال : « وفيه قوة » بعد أن جعل الوجه الاشتراط بفقد التراب. وعن إرشاد الجعفرية : الميل إليه ، لأن الغبار تراب فاذا نفض أحد هذه الأشياء عاد إلى أصله. وفيه : ـ كما عن كشف اللثام ـ أن مورد النص والفتوى الغبار غير الجامع للشرائط إذ الفرق بين الغبار والتراب هو الفرق بين الرطوبة والماء.

وعن المهذب : اشتراط فقد الوحل في جواز التيمم بالغبار. ويشهد له خبر زرارة عن أحدهما (ع) قلت : « رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء وفيها طين. قال « ع » : يتيمم فإنه الصعيد. قلت : فإنه راكب ولا يمكنه النزول من خوف وليس هو على وضوء. قال (ع) : إن خاف على نفسه من سبع أو غيره وخاف فوت الوقت فليتيمم ، يضرب بيده على اللبد أو البرذعة ويتيمم ويصلي » (٤). لكنه ـ مع ضعفه في نفسه ـ قاصر عن معارضة ما سبق.

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب التيمم حديث : ٢‌

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب التيمم حديث : ٤‌

(٣) الوسائل باب : ٩ من أبواب التيمم حديث : ٧‌

(٤) الوسائل باب : ٩ من أبواب التيمم حديث : ٥‌

٣٨٠