مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٠٩

وغلوة سهمين في السهلة في الجوانب الأربعة [١] ، بشرط احتمال وجود الماء في الجميع [٢] ، ومع العلم بعدمه في بعضها يسقط فيه ، ومع العلم بعدمه في الجميع يسقط في الجميع. كما أنه لو علم وجوده فوق المقدار وجب طلبه [٣]

______________________________________________________

ويكون الموضوع الموجب للاكتفاء بالغلوة سهولة الطلب ، وعليه فيمكن التعدي الى غير الشجر مما يكون اشتغال الأرض به موجباً لصعوبة الطلب.

[١] كما هو المشهور ، وظاهر التذكرة نسبته إلى علمائنا. وعن النهاية والوسيلة : الاقتصار على اليمين واليسار. وعن المقنعة : الاقتصار على الامام واليمين والشمال. لكن مقتضى إطلاق النص ـ ولا سيما بملاحظة كون مقتضى حكم العقل وجوب الاحتياط في المقام ـ هو وجوب الضرب في جميع الجهات بنحو يستوعب الطلب الدائرة المفروضة في مكانه ، بحيث يكون مركزها مبدأ للطلب. ومحيطها واقع في نهاية الغلوة أو الغلوتين ، ولا وجه للتخصيص بجهة دون جهة. ويحتمل أن يكون المراد من كل من اليمين واليسار ـ فيما عن النهاية والوسيلة ـ نصف الدائرة ، وأن الوجه في إهمال المقنعة جهة الخلف كونها وقع الطلب فيها بالمرور فيها الى أن وصل الى مكانه. فلاحظ.

[٢] وفي الحدائق : « الظاهر عدم الخلاف فيه ». لكن حكي عن قواعد الشهيد والحبل المتين والمعالم : العدم ، لبنائهم على كون وجوب الطلب نفسياً ، فلا مانع من الأخذ بإطلاق الدليل. لكن قد عرفت ضعفه ولا سيما وكون مفهوم الطلب مما لا مجال لاعتباره إلا في ظرف رجاء المطلوب واحتماله ، لا مع العلم بعدمه.

[٣] كما عن نهاية الاحكام وجماعة. وفي التذكرة : « لو دل على‌

٣٠١

مع بقاء الوقت. وليس الظن به كالعلم [١] في وجوب الأزيد ، وإن كان الأحوط خصوصاً إذا كان بحد الاطمئنان [٢] ، بل لا يترك في هذه الصورة فيطلب الى أن يزول ظنه ولا عبرة بالاحتمال في الأزيد.

______________________________________________________

ماء وجب قصده مع المكنة وإن زاد على الغلوة والغلوتين ». وكأنه لصدق الوجدان المانع من مشروعية التيمم ، فإطلاق وجوب الطهارة المائية يقتضي فعليته ، ونصوص التحديد لا تنافي ذلك ، لأن ظاهرها صورة الاحتمال لا غير ، فمعه يسقط وجوب الطهارة المائية. كما أن الظاهر سقوطه إذا كان الماء بعيداً مثل فرسخ ونحوه ، فان الظاهر صدق عدم الوجدان. فاذا بنينا على جواز البدار في السعة ـ كما سيأتي في أحكام التيمم ـ لا مانع من صحة التيمم حينئذ ، وإن علم بوجود الماء بعيداً بحيث يمكن الوصول اليه قبل خروج الوقت. ولا بد من ملاحظة كلماتهم ، فان كان إجماع على وجوب السعي إلى الماء مطلقاً ـ كما هو الظاهر من بعض الكلمات ـ فهو ، وإلا فاللازم جعل المدار على صدق عدم الوجدان عرفاً ، بناء على القول بجواز البدار ، ولو لأجل النصوص الخاصة كما عرفت. وسيأتي في مبحث جواز البدار اختصاص القول به بصورة عدم العلم بوجوده في الوقت وإلا لم يجز إجماعاً ، وإن كانت أدلة المواسعة شاملة لذلك حتى النصوص لو لزم من الطلب الحرج أو الضرر أو نحوهما مما يوجب سقوط التكليف.

[١] فلا يجب مع الظن الطلب زائداً على الحدين لعدم الدليل عليه ، وما في جامع المقاصد وعن الروض من إلحاقه به ، وتعليله بأن شرط التيمم العلم بعدم الماء ، كما ترى خروج عن إطلاق دليل التحديد.

[٢] فقد تردد فيه في الجواهر كالمتن ، لاحتمال خروجه عن نصوص‌

٣٠٢

( مسألة ١ ) : إذا شهد عدلان بعدم الماء في جميع الجوانب أو بعضها سقط وجوب الطلب [١] فيها أو فيه ، وإن كان الأحوط عدم الاكتفاء. وفي الاكتفاء بالعدل الواحد إشكال [٢] فلا يترك الاحتياط بالطلب.

( مسألة ٢ ) : الظاهر وجوب الطلب في الأزيد من المقدارين إذا شهد عدلان بوجوده في الأزيد ، ولا يترك الاحتياط في شهادة عدل واحد به.

( مسألة ٣ ) : الظاهر كفاية الاستنابة [٣] في الطلب وعدم وجوب المباشرة ، بل لا يبعد كفاية نائب واحد عن جماعة ،

______________________________________________________

التحديد لانصرافها عنه ، بل هو المتعين بناء على حجيته ، لما عرفت من كون موضوع الأمر في النصوص هو موضوع حكم العقل به من باب الاحتياط ، وحيث لا مجال لحكم العقل مع وجود الحجة يكون خارجاً عن موضوع النصوص أيضاً.

[١] لأنه مع وجود الحجة على العدم لا مجال لحكم العقل فلا تشمله النصوص. نعم لو بني على كون الوجوب نفسياً أو غيرياً لم يسقط ، لما سبق.

[٢] مبني على الإشكال في حجيته في الموضوعات.

[٣] كما عن الشهيدين وابن فهد وغيرهم. وفي جامع المقاصد : « ويجوز الاستنابة في الطلب وينبغي اشتراط عدالة النائب ، ويحسب لهما ، لأن إخبار العادل يثمر الظن ». وفي التذكرة : « لو أمر غيره بالطلب لم يبح له التيمم على إشكال ينشأ من الاعتماد على الظن وقد حصل من إخبار الثقة ». وفي المنتهى : « لو أمر غيره فطلب الماء فلم يجده لم‌

٣٠٣

______________________________________________________

يكتف به لأن الخطاب بالطلب للمتيمم فلا يجوز أن يتولاه غيره كما لا يجوز له أن يتممه ». وهذه الكلمات ليست جارية على مجرى واحد ، فان كلام العلامة مبني على عدم كون المقام مقام النيابة ، وكلام جامع المقاصد مبني على خلاف ذلك.

وتحقيق ذلك : أن النيابة تختص بالمورد الذي تكون نسبة الفعل فيه الى المخاطب دخيلة في ترتب الأثر مثل الصوم والصلاة ونحوهما ، فإن النائب بفعله بقصد النيابة يتحقق منه فعل منسوب الى المنوب عنه ، فيترتب عليه أثره. ولو لم يقصد النيابة لا تتحقق النسبة إلى المنوب عنه فلا يترتب الأثر عليه. أما الموارد التي لا تكون النسبة فيها دخيلة في ترتب الأثر فلا مجال لاعتبار النيابة فيها وليست من مواردها.

وعلى هذا فالأولى أن يقال : إن بني على كون الوجوب في المقام نفسياً أو غيرياً فظاهر الدليل وجوب فعل المكلف نفسه فيكون من موارد النيابة. وحينئذ يشكل الأمر في جواز النيابة فيه ، لعدم ثبوت العموم الدال على جوازها كلية بحيث يرجع اليه عند الشك ، والدليل عليه بالخصوص مفقود ، وبناء العرف عليه في كل مقام وإن كان حجة ـ كما تقتضيه الإطلاقات المقامية ـ إلا أن ثبوت بنائهم في المقام غير ظاهر. وإن بني على كون الوجوب طريقياً ـ نظير وجوب الفحص في الشبهات الحكمية راجعاً إلى إيجاب الاحتياط وإلغاء الأصل المؤمن ـ فظاهر الدليل عدم الخصوصية في الطلب المنسوب الى المكلف ، وأن الواجب هو اليأس من وجود الماء فيما دخل الحد الحاصل من الطلب سواء أكان الطلب والفحص من المكلف أم من غيره فاذا علم بوقوع الطلب من غيره على أحسن وجوهه اكتفى به وان لم يكن بقصد النيابة ، وإلا فلا وإن وقع بقصد النيابة.

٣٠٤

ولا يلزم كونه عادلا [١] بعد كونه أميناً موثقاً [٢].

( مسألة ٤ ) : إذا احتمل وجود الماء في رحله أو في منزله أو في القافلة وجب الفحص حتى يتيقن العدم أو يحصل اليأس منه ، فكفاية المقدارين خاص بالبرية [٣].

( مسألة ٥ ) : إذا طلب قبل دخول وقت الصلاة ولم يجد ففي كفايته بعد دخول الوقت مع احتمال العثور عليه لو أعاده إشكال [٤] ، فلا يترك الاحتياط بالإعادة. وأما مع انتقاله عن‌

______________________________________________________

[١] لإطلاق الطلب بعد فهم عدم خصوصية النسبة إلى المكلف فيه ، لعدم الدليل عليه ، ولذا لا يشترط في سائر موارد النيابة.

[٢] ليقبل خبره.

[٣] يعني : خاص بطلب الماء الذي يكون في البرية مثل الآبار والنابع ومجامع المياه ونحو ذلك ، ولا يرتبط بالماء الذي يكون في الرحل أو النزل أو القافلة أو نحوها مما لا يتعلق بالأرض ، فإنه يجب الفحص عنه بلا تقدير ، فيكون حاله حال الفحص في الحضر لا بد في سقوطه من حصول العلم بالعجز أو اليأس من الوصول اليه أو الحرج أو الضرر كما تقدمت الإشارة إليه في أول المسألة ، وتقدم نقل ما في التذكرة والمنتهى والروض ، فراجع.

[٤] قال في المعتبر : « لو طلب قبل الوقت لم يعتد بطلبه وأعاده ، ولو طلب بعد دخول الوقت اجتزأ به ». وقال في المنتهى : « لو طلب قبل الوقت لم يعتد به ووجبت إعادته لأنه طلب قبل المخاطبة بالتيمم فلم يسقط فرضه كالشفيع لو طلب قبل البيع ». ثمَّ استدل له بمصحح زرارة المتقدم‌ ، ثمَّ قال : « لا يقال : إذا كان قد طلب قبل الوقت ودخل الوقت ولم يتجدد حدوث ماء كان طلبه عبثاً. لأنا نقول : إنما يتحقق‌

٣٠٥

______________________________________________________

أنه لم يحدث ماء إذا كان ناظراً الى مواضع الطلب ولم يتجدد فيها شي‌ء وهذا يجزؤه بعد دخول الوقت لأن هذا هو الطلب ، وأما إذا غاب عنه جاز أن يتجدد فيها حدوث الماء فاحتاج الى الطلب ». وظاهر ذيل كلامه ـ كظاهر ما في المتن ـ الفرق بين الطلب قبل الوقت وبعده ، ووجوب التجديد مع احتمال العثور في الأول وعدمه في الثاني. واستدل له في الجواهر بأن الطلب واجب للإجماع وغيره ، فلا ينطبق على ما قبل الوقت لأنه ليس بواجب. ولتوقف صدق عدم الوجدان على الطلب في الوقت ولظهور الآية في إرادة عدم الوجدان عند إرادة التيمم للصلاة والقيام إليها. ولأنه لو اكتفى بما قبل الوقت لاكتفى بالطلب الواحد لأيام متعددة وهو معلوم البطلان. انتهى. هذا والمنساق من الأدلة المذكورة ـ كصدر كلام المنتهى ـ الفرق بين الطلب قبل الوقت وبعده في الاجتزاء بالثاني مطلقاً دون الأول كذلك.

وكيف كان فإن أريد هذا فهو خلاف إطلاق خبر السكوني‌ ، والوجوه المذكورة لا تصلح لتقييده إذ هي مجال المناقشة ، لأن عدم وجوب ما قبل الوقت لا يلازم عدم الاجتزاء به كما هو الحال في جميع المقدمات المأتي بها قبل وقت ذيها. وتوقف عدم الوجدان على الطلب في الوقت أول الكلام. وظهور الآية في إرادة عدم الوجدان عند الصلاة مسلم ، لكنه لا يقيد الطلب المعتبر شرطاً في صحة التيمم ـ بناء عليه ـ في خصوص ما يكون في الوقت. والعلم ببطلان الاكتفاء بالطلب الواحد لأيام متعددة غير ظاهر.

وإن أريد الأول نقول : إن كان احتمال العثور على الماء لاحتمال الخطأ في الطلب ، أو لاحتمال تجدد وجود الماء احتمالا غير معتد به عند العقلاء ،

٣٠٦

______________________________________________________

فمقتضى النص عدم الاعتناء به وعدم وجوب تجديد الطلب لأجله ، لأن الاحتمال المذكور لازم غالباً لا ينفك عنه ، فلو بني على التجديد لأجله لزم وجوب التجديد دائماً إلى آخر الوقت ، وهو خلاف ظاهر النص من الاكتفاء بطلب واحد. وإن كان معتداً به عند العقلاء كنزول مطر ونحوه فالظاهر وجوب الطلب ثانياً ، وإن وقع الأول في الوقت لظهور النص في أنه يعتبر في صحة التيمم والصلاة به بقاء المكلف على الحالة التي كان عليها وبعبارة أخرى : ظاهر النص الدال على اعتبار الطلب في صحة التيمم ظاهراً إنما هو اعتبار نفس الحالة التي تحصل للطالب بعد الطلب وهو اليأس من القدرة على الماء ، لا اعتبار نفس السعي والطلب ، فاذا فرض زوال تلك الحالة بحدوث ما يوجب رجاء القدرة عليه وجب تحصيلها ثانياً.

ولأجل ما ذكرنا يندفع ما يقال من أن أدلة وجوب الطلب إنما اقتضت إلغاء أصالة عدم الوجدان الجارية قبل الطلب ، فإذا جرى الأصل المذكور بعد الطلب كفى في إحراز صحة التيمم ولم يحتج الى الطلب. وجه الاندفاع أن ظاهر النص اعتبار نفس الحالة الحاصلة بالطلب في صحة التيمم ، فلا بد من تجديد الطلب لتحصيل الحالة المذكورة ، وإلا فلا يحرز صحته.

هذا ولو بني على المناقشة فيما ذكرنا وعلى الحكم بعدم وجوب التجديد لو طلب في الوقت كان اللازم أيضاً الحكم بعدم وجوب التجديد لو وقع قبل الوقت ، عملا بالاستصحاب المذكور ، لعدم الفرق بينهما في شمول الإطلاق وجريان الاستصحاب ، فالفرق بينهما ـ كما ذكره الجماعة ـ غير ظاهر. ثمَّ إنه لو بني على الفرق بينهما في شمول الإطلاق وجريان الاستصحاب فقد عرفت الإشارة الى أن عدم وجوب التجديد عملا بالاستصحاب لو وقع بعد الوقت إنما يتم بالنسبة إلى إحراز صحة التيمم ، لا بالنسبة إلى الأمن من تفويت الواجب المطلق أعني : الطهارة المائية كما ذكرنا ذلك آنفاً.

٣٠٧

ذلك المكان فلا إشكال في وجوبه [١] مع الاحتمال المذكور.

( مسألة ٦ ) : إذا طلب بعد دخول الوقت لصلاة فلم يجد يكفي لغيرها من الصلوات فلا يجب الإعادة عند كل صلاة إن لم يحتمل العثور مع الإعادة ، وإلا فالأحوط الإعادة [٢].

( مسألة ٧ ) : المناط في السهم والرمي والقوس والهواء والرامي : هو المتعارف المعتدل الوسط في القوة والضعف [٣]

______________________________________________________

[١] وفي كشف اللثام وغيره : القطع به ، لإطلاق النص ، ودعوى انصرافه عن صورة عدم انتقاض تيممه بحدث ، ويكون المرجع فيها استصحاب صحة التيمم. غير ظاهرة.

[٢] الكلام في هذه المسألة بعينه الكلام فيما قبلها ، وفي الذكرى صرح بالاكتفاء بالطلب مرة في الصلوات إذا ظن الفقد بالأولى مع ات‌حاد المكان. ذكر ذلك بعد مباحث التخلي ، ونحوه في جامع المقاصد إذا كان الظن قوياً ، ومرادهم صورة بقاء الظن بحاله ، بناء منهم على الاجتزاء بذلك في الطلب مطلقاً ، وفي التحرير : « لو دخل عليه وقت صلاة أخرى وقد طلب في الأولى ففي وجوب الطلب ثانياً إشكال أقربه عدم الوجوب. ولو انتقل عن ذلك المكان وجب إعادة الطلب ». وظاهر إطلاقه المنافاة لما سبق ، إلا أن يحمل على صورة عدم نقض تيممه بحدث ، ليكون الوجه في عدم الوجوب استصحاب صحة التيمم بعد قصور الأدلة عن شمول المورد. وهو ـ مع بعده عن كلامه ـ لا يتجه بالإضافة إلى احتمال تفويت الطهارة المائية. أو يكون المراد صورة ما إذا كان احتمال العثور على الماء ـ لو طلب ثانياً ـ غير معتد به عند العقلاء ، فيكون اليأس من العثور على الماء الحاصل بالطلب الأول بحاله.

[٣] وفي كشف اللثام : أنه المعروف ، ويقتضيه الإطلاق المقامي‌

٣٠٨

( مسألة ٨ ) : بسقط وجوب الطلب في ضيق الوقت [١]

( مسألة ٩ ) : إذا ترك الطلب حتى ضاق الوقت عصى [١]

______________________________________________________

المعول عليه في أمثال المقام من موارد التحديد. لكن حكى فيه عن العين والأساس : أن الفرسخ التام خمس وعشرون غلوة. وعن ابن شجاع : ان الغلوة ثلثمائة ذراع إلى أربعمائة. وعن الارتشاف : أنه مائة باع وأن الميل عشرة غلاء. انتهى. ولكنها ـ مع اختلافها فيما بينها ـ لا تصلح للخروج عن مقتضى الإطلاق المقامي وهو الأخذ بالمتعارف ومعرفة مقداره موقوفة على الاختبار.

[١] بلا خلاف ولا إشكال ظاهر ، ويظهر من كلام غير واحد كونه من الواضحات ، فيتيمم ويصلي ولا قضاء عليه. ويشهد به صحيح زرارة السابق عن أحدهما (ع) : « إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فاذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت ، فان وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضأ لما يستقبل » (١) ، ويشير اليه الخبران المتقدمان (٢) الدالان على سقوط الطلب بالخوف.

[٢] بلا خلاف ظاهر ، ويظهر منهم الإنفاق عليه ووجهه ـ بناء على وجوب الصلب نفسياً كما عرفت سابقاً أنه ظاهر جماعة ـ ظاهر. أما بناء على كون وجوبه إرشادياً إلى إلغاء أصالة عدم الوجدان الجارية لو لا دليل وجوب الطلب ، فيكون مفاده تنجز احتمال عدم مشروعية التيمم كما عرفت أنه الظاهر ، فثبوت العصيان حينئذ غير ظاهر إلا بناء على القول‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب التيمم ، حديث : ٣ ، وقد تقدم نقله من دون قوله ( فان وجد .. ).

(٢) هما خبرا داود الرقي ويعقوب بن سالم المتقدمان قريباً في البحث عن وجوب الطلب في البرية.

٣٠٩

لكن الأقوى صحة صلاته حينئذ [١]

______________________________________________________

بفساد التيمم والصلاة حينئذ ، إذ لو قيل بصحتهما ـ كما سيأتي ـ لم يكن وجه للعصيان. كما أنه لو قيل بكون صحتهما منوطة بصدق عدم الوجدان واقعاً كان اللازم القول بالتجرؤ من جهة الإقدام على عدم اليقين بالفراغ لا العصيان الحقيقي لاحتمال الصحة والموافقة. نعم لو كان عالماً بأنه لو طلب لعثر كان عاصياً ، لكن محل الكلام أعم من ذلك. وكذا الإشكال في تحقق العصيان من جهة تفويت الطهارة المائية ـ بناء على كون وجوبها مطلقاً لا مشروطاً بالوجدان ـ فان ذلك إنما يتم أيضاً لو كان يعلم بأنه لو طلب الماء لعثر عليه ، أما لو كان يحتمل ذلك فليس منه إلا التجرؤ ، من جهة الإقدام على تفويت الواجب مع احتمال القدرة عليه. وكأنه لأجل ما ذكرنا عبر جماعة بالخطإ ـ منهم المحقق في الشرائع والعلامة في القواعد ـ ولم يعبروا بالعصيان. فلاحظ.

[١] كما هو المشهور كما في المدارك. وعن الروض : نسبته الى فتوى الأصحاب ، كما يقتضيه قوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ) (١) ، وإطلاق مصحح زرارة السابق (٢). واحتمال انصرافهما الى خصوص صورة عدم التفريط ممنوع ، كما هو كذلك في سائر موارد الأبدال الاضطرارية. وعلى هذا فما عن المشهور من شرطية الطلب للتيمم يراد بها الشرطية في السعة لا في الضيق ، وإلا لم يكن وجه للصحة في المقام. وأما ما عن ظاهر النهاية والمبسوط والخلاف والسرائر والنافع والدروس من وجوب الإعادة ، فمجرده لا يقتضي خلافا منهم في الصحة ، بل يحتمل خلافهم في الاجزاء. وحينئذ‌

__________________

(١) المائدة : ٦.

(٢) تقدم ذكره في المسألة الثامنة.

٣١٠

وإن علم أنه لو طلب لعثر [١] لكن الأحوط القضاء خصوصاً في الفرض المذكور.

______________________________________________________

فضعفه أظهر ، لصراحة أدلة مشروعية التيمم في اجزائه عن الطهارة المائية وعدم الحاجة الى الإعادة ، وإن كان مقتضى الجمع بين ذلك وبين ما دل على تحريم تفويت الطهارة الالتزام بأن ما يفوت من الطهارة غير قابل للتدارك بالقضاء. ويحتمل ـ كما في المدارك ـ أن يكون مراد الشيخ من وجوب الإعادة صورة ما لو تيمم في السعة ، الذي ادعى غير واحد الإجماع على وجوب الإعادة فيه ، فلا خلاف له فيما نحن فيه. ولعله مراد غيره فلا بد من ملاحظة كلامهم.

[١] لعدم الفرق بين الصورة المذكورة وغيرها في صدق عدم الوجدان وعموم الصحيح المتقدم (١) ، إذ مجرد العلم المذكور لا يجدي بعد تعذر الطلب من جهة الضيق كما هو ظاهر. نعم استثنى في القواعد صورة ما لو وجد الماء في رحله أو مع أصحابه فأوجب الإعادة فيها. وفي محكي البيان « لو أخل بالطلب حتى ضاق الوقت عصى وصحت الصلاة بالتيمم ، فان وجده بعدها في رحله أو مع أصحابه الباذلين أو في الفلوات أعادها ». وقريب منهما ما يحكى عن غيرهما. فان كان مرادهم صورة ضيق الوقت عن طلب الماء في الغلوة أو الغلوتين مع عدم ضيقه عن طلب الماء الذي وجده وإنما لم يطلبه لاعتقاد عدمه ـ كما لعله ظاهر المقنعة ـ فالحكم بوجوب الإعادة منهم مبني على ما يأتي إن شاء الله في المسألة الثانية عشرة. وإن كان مرادهم صورة الضيق عن طلب الماء مطلقاً حتى ما وجده في رحله أو عند أصحابه ـ كما لعله ظاهر عبارة البيان بل هو صريح المنتهى ،

__________________

(١) هو صحيح زرارة الذي تقدم ذكره في المسألة الثامنة.

٣١١

( مسألة ١٠ ) : إذا ترك الطلب في سعة الوقت وصلى بطلت صلاته [١] وإن تبين عدم وجود الماء. نعم لو حصل‌

______________________________________________________

قال فيه : « لو كان بقرب المكلف ماء وأهمل حتى ضاق الوقت فصار لو مشى اليه خرج الوقت فإنه يتمم وفي الإعادة وجهان أقربهما الوجوب » ـ كان الحكم بوجوب الإعادة غير ظاهر » لما عرفت من أن بناءهم على وجوب الإعادة إن كان لأجل البناء على بطلان التيمم والصلاة فهو خلاف إطلاق الآية والمصحح. وإن كان راجعاً الى عدم الاجزاء مع البناء على صحة التيمم والصلاة ـ كما هو ظاهر المنتهى والبيان ـ فهو خلاف ما دل على الاجزاء كما سيأتي إن شاء الله. نعم في الحدائق ـ بعد ما نسب الى المشهور القول بوجوب القضاء في الفرض ـ قال (ره) : « إسناداً الى ما رواه الشيخ (ره) عن أبي بصير قال : « سألته عن رجل كان في سفر وكان معه ماء فنسيه وتيمم وصلى ، ثمَّ ذكر أن معه ماء قبل أن يخرج الوقت. قال (ع) : عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة » (١) وأنت خبير بأن ظاهر الخبر المذكور أولا إنما هو النسيان وهو أخص من المدعى ، وثانياً ان تيممه وقع في السعة وهو خلاف المفروض في كلامهم » وسبقه في الاشكال الأول السيد في المدارك ، والمناقشة في اختصاصه بالسعة كما ترى. ومن ذلك يظهر أن ما عن السرائر والمهذب وظاهر المقنع والفقيه والنهاية من عدم لزوم الإعادة في محله.

[١] قطعاً وإجماعاً منقولا إن لم يكن محصلا كما في الجواهر. وفي غيرها : « ان الإجماع عليه مستفيض النقل ما بين صريح وظاهر والتتبع مساعدة » ، لعدم الدليل على مشروعيته حينئذ ، لأن دليل وجوب الطلب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب التيمم حديث : ٥.

٣١٢

منه قصد القربة مع تبين عدم الماء فالأقوى صحتها [١].

( مسألة ١١ ) : إذا طلب الماء بمقتضى وظيفته فلم يجد فتيمم وصلى ثمَّ تبين وجوده في محل الطلب ـ من الغلوة أو الغلوتين أو الرحل أو القافلة ـ صحت صلاته ولا يجب القضاء أو الإعادة [٢].

______________________________________________________

مانع من صدق عدم الوجدان. بل لو قيل بكون وجوب الطلب غيريا كان دليله دليلا على البطلان ، لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه.

[١] كما عن التحرير. وهو في محله بناء على كون وجوب الطلب إرشادياً ، إذ عليه يكون الفعل مصداقاً للمأمور به واقعاً فيسقط الأمر به واعتبار الجزم في التقرب لا شاهد عليه كما تقدم في أوائل مباحث التقليد ، مع أنه قد يتفق حصول الجزم بسبب الغفلة عن التكليف بالطلب شرعاً وعقلا. نعم بناء على كون وجوب الطلب غيريا لا بد من الحكم بالبطلان لكن عرفت ضعف المبني المذكور.

[٢] اتفاقاً كما قيل ، بل الظاهر كون الفرض من صغريات ما يأتي من أن من صلى بتيمم صحيح لم تجب عليه الإعادة ، الذي دعى جماعة الإجماع عليه ، المستدل عليه بالنصوص الكثيرة الصريحة في الاجزاء ...

( ودعوى ) أن موضوع تلك المسألة التيمم الصحيح ، وهو أول الكلام في الفرض ، لأن وجود الماء في الحد يوجب كونه واجداً له في الواقع فلا يشرع له التيمم. ( مندفعة ) بما عرفت من أن موضوع المشروعية عدم الوجود المقدور وهو حاصل ، لأن عدم عثوره على الماء مع وقوع الطلب منه على وجهه ملزوم لعدم القدرة عليه. نعم لو كان الموضوع عدم الوجود مطلقاً تمَّ ما ذكر ، لكنه ليس كذلك.

٣١٣

( مسألة ١٢ ) : إذا اعتقد ضيق الوقت عن الطلب فتركه وتيمم وصلى ثمَّ تبين سعة الوقت لا يبعد صحة صلاته [١] وإن كان الأحوط الإعادة [٢] أو القضاء ، بل لا يترك الاحتياط بالإعادة. وأما إذا ترك الطلب باعتقاد عدم الماء فتبين وجوده‌

______________________________________________________

ومثلها دعوى كون عدم القدرة المأخوذ شرطاً في مشروعيته ليس مجرد عدم القدرة الذي يصلح عذراً في نظر العقل ، ليشمل ما يكون ناشئاً من عدم الالتفات ، لعدم الدليل على ذلك ، بل عدم القدرة واقعاً مع قطع النظر عن العلم والجهل ، وذلك منتف في المقام. وجه الاندفاع : أنك عرفت أن مقتضى الجمود على قوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ) هو الاكتفاء بمجرد عدم إصابة الماء وعدم استيلائه عليه ، غاية الأمر أن المتعارف في استعمال التركيب المذكور ـ بمناسبة كون البدل اضطراريا وأنه مجعول في ظرف الاضطرار ، كما يشير الى ذلك صحيح صفوان المتقدم في أول المبحث ـ هو إرادة عدم الإصابة المضطر اليه ، فيكون المراد عدم الوجدان المقدور وهو صادق فيما نحن فيه ، وإرادة أكثر من ذلك محتاجة إلى دليل مفقود.

[١] إما لأنه يستفاد من مصحح زرارة السابق بالأولوية ، أو لأن اعتقاد الضيق يوجب منعه من الطلب للمضادة بينه وبين الصلاة فلا يكون قادراً على الماء ، فيشرع له التيمم بناء على كون عدم القدرة ـ ولو بتوسط جعل الشارع ـ موضوعاً للمشروعية كما سيأتي.

[٢] لإمكان المناقشة في الأول بأن المصحح لا يدل على الصحة في ظرف انكشاف السعة ليمكن إلحاق المقام بمورده بالأولوية ، بل هو حكم ظاهري بالصحة ونفي القضاء ، فيجري فيه ما يجري في سائر الأحكام الظاهرية من عدم الاجزاء على تقدير الخطأ. وفي الثاني بأن عدم القدرة المأخوذ موضوعاً‌

٣١٤

______________________________________________________

لمشروعية التيمم لا يراد به ما يشمل ما ذكر مما كان ناشئاً عن اعتقاد خطئي لظهور الدليل في غيره ، والأصل عدم المشروعية.

وفيه : أن المناقشة في الأول إنما تتم لو كان الخوف طريقاً شرعا الى الضيق ، أو أن مقتضى الأصل ثبوت الضيق على خلاف استصحاب بقاء الوقت ، وكلاهما خلاف ظاهر المصحح ، فان ظاهره كون الوجه في التيمم لزوم ترجيح احتمال الفوت على احتمال إيقاع الصلاة بالطهارة المائية ، فإن المكلف عند خوف فوت الوقت يحتمل السعة الموجبة للطلب ، ويحتمل الضيق الموجب للمبادرة إلى الصلاة مع الطهارة الترابية ، فحيث يدور أمره بينهما يترجح في حقه العمل على الثاني لأهمية متعلقه ، فيكون وجوب التيمم من باب الاحتياط في الوقت. فاذا دل المصحح على المشروعية حينئذ حتى على تقدير السعة واقعاً ـ كما يقتضيه إطلاقه ـ فقد دل على المشروعية فيما نحن فيه بالأولوية. ولا ينافي ذلك قوله (ع) في المصحح : « وليصل في آخر الوقت » ، لأن المراد منه آخر الوقت الذي يخاف الفوت لو أخر عنه.

ويدفع المناقشة في الثاني : أن الموجب لسلب القدرة على الطلب ليس هو الاعتقاد ليدعى انصرافه الى غير الخطئي ، بل هو حكم العقل ، ولا يفرق فيه بين الاعتقاد الخطئي وغيره ، لأن موضع الأحكام العقلية الموضوعات الاعتقادية. نعم إنما يتم التقريب المذكور بناء على أن عدم القدرة المعتبر في التيمم أعم من العقلي والشرعي كما هو الظاهر.

وبالجملة : المحتمل بدواً في موضوعية عدم الماء لمشروعية التيمم وإن كان أحد أمور أربعة : ( الأول ) : عدم الماء في مقابل وجوده. ( الثاني ) : عدم وجدان الماء مطلقاً في مقابل فقدانه. ( الثالث ) : عدم وجدان الماء مع الاضطرار الى العدم ، أعني العدم الخاص في مقابل الوجدان وفي مقابل‌

٣١٥

وأنه لو طلب لعثر فالظاهر وجوب الإعادة [١] أو القضاء.

( مسألة ١٣ ) : لا يجوز إراقة الماء الكافي للوضوء أو الغسل‌

______________________________________________________

عدم الوجدان غير الاضطراري. وهذا على قسمين لأن العدم الاضطراري ( تارة ) : لقصور في الكلفة أو في الماء. ( وأخرى ) : لا لقصور في إحدى الجهات بل لمجرد الخطأ في الاعتقاد. لكن الأول لا مجال له لعدم الدليل عليه ولا منشأ لاحتماله. والثاني وإن كان هو يقتضي الجمود على قوله تعالى : فان لمْ تجدوا لكن المفهوم منه عرفا ـ بملاحظة وروده مورد الاضطرار وبملاحظة دليل وجوب الطلب ومثل صحيح صفوان المتقدم في أول المبحث ـ يأباه ، فلا مجال للأخذ به ، ويتعين الحمل إما على الثالث وإما على الرابع. والذي يساعده المذاق العرفي هو الأخير ، فإن المنع العقلي بعد ما كان موجباً لسلب القدرة ، كان كالمنع الشرعي وسيأتي في المسألة التاسعة عشرة ما له نفع في المقام. وعليه فالبناء على ما في المتن في محله. نعم إذا كان الخطأ في الاعتقاد لا يوجب منعاً عقلياً ـ كما في الفرض الآني ـ لم يكن وجه للاجزاء. كما أنه أيضاً يبتني على القول بجواز البدار ، وإلا فلو انكشف اتساع الوقت انكشف عدم جواز البدار ،

[١] لما عرفت من أن اعتقاد عدم الوجود لا يوجب صدق عدم الوجدان ، ولا منع عقلي يستوجب ذلك أيضاً كما في الفرض السابق. وأما مضمر أبي بصير المتقدم (١) فالتعدي عن مورده الى مثل المقام يحتاج الى لطف قريحة. وعن السيد المرتضى (ره) نفي الإعادة في الناسي ، وكأنه استضعاف للنص في قبال عموم عدم الوجدان الصادق مع النسيان ، ولكنه في غير محله ، لانجبار ضعف السند بالعمل. مع أنك عرفت أنه مقتضى‌

__________________

(١) تقدم في المسألة التاسعة من هذا الفصل.

٣١٦

بعد دخول الوقت إذا علم بعدم وجدان ماء آخر [١]. ولو كان على وضوء لا يجوز له إبطاله إذا علم بعدم وجود الماء ، بل الأحوط‌

______________________________________________________

القاعدة. هذا بناء على جواز التيمم في السعة. ولو خص الجواز بالضيق كان الظاهر وجوب الإعادة مطلقاً بلا خصوصية للنسيان.

[١] كما نسب إلى الأصحاب ، بل في الجواهر : دعوى ظهور الإجماع عليه ، إذ لم يعرف فيه مخالف إلا ما في المعتبر. لإطلاق وجوب الطهارة المائية ، كما هو ظاهر قوله تعالى. ( ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ... ) وقوله تعالى ( حَتَّى تَغْتَسِلُوا ).

ودعوى : أنه وإن كان مقتضى ظاهرهما ذلك ، إلا أن مقتضى الجمع بينه وبين ما بعده من قوله تعالى : ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ... ) كون موضوع الطهارة المائية خصوص واجد الماء كما هو الحال في أمثاله مما ورد فيه مطلق ومقيد ، كإطلاق أدلة وجوب التمام ، فإنه وإن كان يقتضي وجوبه مطلقاً ، إلا أن الجمع بينه وبين ما دل على القصر للمسافر يقتضي اختصاصه بغير المسافر ، فيكون التمام والقصر حكمين لموضوعين : الأول : حكم الحاضر ، والثاني : حكم المسافر ، وكذا نقول في المقام ، فان مقتضى الجمع بين أدلة الطهارة المائية والترابية كون موضوع الأولى الواجد ، وموضوع الثانية الفاقد. فكما لا مانع عقلا من الانتقال من الحضر الى السفر وبالعكس كذلك في المقام يجوز الانتقال من الوجدان الى عدمه وبالعكس لو أمكن وأمثالهما في الفقه كثيرة.

مندفعة : بأن ذلك وإن سلم لكنه يختص بما إذا لم يكن عنوان المفيد عنواناً اضطراريا ، أما لو كان كذلك فالعرف يأبى عن الجمع بالتقييد ، بل يكون المفهوم عنده من الدليلين هو وجود ملاك حكم المطلق مطلقاً غير مشروط‌

٣١٧

______________________________________________________

بنقيض عنوان المقيد ، وأنه في ظرف عذر المكلف عن موافقة حكم المطلق. ولأجل الاضطرار يثبت حكم المقيد. والرجوع إلى العرف في القيود الاضطرارية يوجب الجزم بما ذكرنا. مضافا إلى أن ارتكاز بدلية التيمم عن الوضوء أو الغسل عند المتشرعة لا يصح إلا من جهة وجود ملاكهما في ظرف مشروعيته ، إذ مع انتفاء ملاكهما لا معنى للبدلية عنهما ، ولو كان الوجوب مشروطاً بالوجدان كان عدم الوجدان موجباً لانتفاء الملاك كما هو ظاهر. نعم قد يعارض ذلك ما دل على الاجزاء مثل قوله (ع) « يكفيك الصعيد عشر سنين » (١) ، وقوله (ع) : التيمم أحد الطهورين » (٢) ، ونحوهما ، ولا سيما مثل قوله (ع) : « إن الله جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً » (٣). لكن لا يخفى أن مفاد أدلة الاجزاء ليس إلا نفي الإعادة أو القضاء ، ولا تدل على وفاء التيمم بتمام ما يفي به الوضوء أو الغسل ، ومن الجائز أن يكون نفي الإعادة والقضاء لعدم إمكان تدارك الفائت ، وأما التشبيه في الأخير فإنما وقع بين نفس الجعلين فيدل على تساويهما ، لا بين نفس المجعولين ليدل على تساويهما في المصلحة ، ليمتنع الترتب بينهما. فلاحظ.

فان قلت : لو كانت مصلحة الطهارة المائية أهم وأعظم لزم عدم جواز فعل الغايات المشروطة بها إلا عند الضرورة مع بنائهم على أنه يستباح بالتيمم كل ما يستباح بالطهارة المائية ولو مع عدم الاضطرار ، فلو تيمم عند عدم الماء أو الخوف من استعماله جاز له القضاء وغيره من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب التيمم حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب التيمم حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب التيمم حديث : ١. ويدل على المطلب المذكور في المتن سائر أخبار باب : ٢٣ وجملة من أخبار باب : ٢٠ و ١٤ من أبواب التيمم. فراجع.

٣١٨

عدم الإراقة وعدم الابطال قبل الوقت أيضاً مع العلم بعدم وجدانه بعد الوقت [١]. ولو عصى فأراق‌

______________________________________________________

الواجبات والمستحبات وإن كانت موسعة ، وجاز لغيره استئجاره لذلك ، وجاز الاكتفاء بفعله في الكفائيات ، ونحو ذلك ، ولما جاز البدار مع أنه مذهب جماعة ، بل هو الصحيح كما يأتي إن شاء الله تعالى.

قلت : مع أن جملة مما ذكر محل إشكال أو منع كما سيأتي ، نقول إن تمَّ إجماع في جميع ما ذكر أو قام دليل عليه أمكن أن يكون كاشفاً عن رفع الشارع الأقدس اليد عن المقدار الزائد من المصلحة لجهة اقتضت ذلك ، لا أنه ترفع اليد عن إطلاق الوجوب الذي هو ظاهر الدليل كما عرفت. فاذا ثبت إطلاق وجوب الطهارة المائية وجب عقلا حفظها وحفظ مقدماتها التي تفوت بفواتها. ولأجله لا تجوز إراقة الماء ولا نقض الوضوء. وجوز بعض الثاني دون الأول. وكأنه لظهور الإجماع على عدم الجواز في الأول ولم يثبت في الثاني. وهو غريب ، إذ كيف يجوز الالتزام بوجوب حفظ الماء للوضوء للصلاة ، ثمَّ يحكم بجواز نقض ذلك الوضوء الذي وجب حفظ الماء لأجله؟! فلاحظ.

[١] كما نسب الجزم به إلى الوحيد. ويقتضيه حكم العقل بوجوب حفظ المقدمة قبل حصول شرط الواجب إذا علم بعدم القدرة عليها بعده ، كالسفر الى الحج قبل زمانه ، والتعلم قبل الوقت ، والغسل قبل الفجر ، ونحو ذلك ، وتفصيل الكلام فيه موكول الى محله في الأصول فراجع. وما اشتهر من عدم وجوب المقدمة قبل شرط الوجوب محمول على عدم الوجوب الشرعي ، لبناء المشهور على عدم تقدم الوجوب على الشرط زماناً لكونه منوطاً بوجود الشرط الخارجي لا العلمي اللحاظي ، لا عدم الوجوب‌

٣١٩

أو أبطل يصح تيممه وصلاته [١] وإن كان الأحوط القضاء.

______________________________________________________

مطلقاً ولو عقلا ، وإلا فهو مما لا أصل له كما يظهر من بنائهم على وجوب فعل المقدمات المذكورة وغيرها. فلاحظ.

وأما بناؤهم في المقام على جواز الإراقة قبل الوقت بحيث لا يكون آثماً بذلك فالعمدة فيه دعوى ظهور الإجماع وعدم الخلاف الكاشف عن أن المقدمة ليس مطلق الوجود قبل الوقت بل خصوص الوجود من باب الاتفاق ، فيمتنع أن يكون واجباً ، لأنه إذ وجب كان الغرض من وجوبه وجوده ، فيكون وجوبه داعياً الى وجوده ، فاذا وجد عن دعي وجوبه لم يكن وجوده من باب الاتفاق ، بل يكون بداعي الوجوب ، وهو خلف. لكن في تمامية دعوى الإجماع تأمل ظاهر. وأما قوله (ع) « إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة » (١) ، فغاية ما يقتضي توقيت الطهارة الواجبة بدخول الوقت ، وهذا مما لا إشكال فيه ، لأن الطهارة إنما تجب شرطاً في الصلاة مقارنة لها ، والصلاة لا تجب إلا بعد دخول الوقت ، فكأنه قال : ( إذا دخل الوقت وجبت الصلاة في حال الطهارة ) وهذا المقدار أجنبي عن الترخيص في إراقة الماء أو نقض الوضوء قبل الوقت ، بل مقتضى وجوبها حال الصلاة بعد الوقت حرمتهما عقلا. فتأمل جيداً. ثمَّ إنه لو فرض دلالة الحديث المذكور على عدم وجوب حفظ الطهارة قبل الوقت بترك الحدث لا بد من البناء على جواز إراقة الماء أيضاً إذ قد عرفت أن الالتزام بحرمة الإراقة وجواز إبطال الوضوء غريب.

[١] الظاهر أنه لا إشكال عندهم في صحتهما كما يظهر ذلك من ملاحظة كلماتهم. إنما الإشكال في الإعادة والقضاء ، فالذي اختاره في كشف‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب الوضوء حديث : ١.

٣٢٠