مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٠٩

يخاف عليه من عذاب القبر أو لا ، ففي الخبر : « إن الجريدة تنفع المؤمن والكافر‌ ، والمحسن والمسي‌ء‌ ، وما دامت رطبة يرفع عن الميت عذاب القبر » [١] ، وفي آخر : « ان النبي (ص) مرَّ على قبر يعذب صاحبه فطلب جريدة فشقها نصفين فوضع أحدهما فوق رأسه والأخرى عند رجليه ، وقال : يخفف عنه العذاب ما داما رطبين » ، وفي بعض الأخبار ، ان آدم (ع) أوصى بوضع جريدتين في كفنه لأنسه ، وكان هذا معمولا بين الأنبياء وترك في زمان الجاهلية فأحياه النبي (ص).

( مسألة ١ ) : الأولى أن تكونا من النخل [٢].

______________________________________________________

يستشكل في مشروعيتهما للصغير ونحوه ممن يؤمن من عذاب القبر من جهة ما سيأتي من أن فائدتهما دفع العذاب. لكن يندفع ـ لو تمَّ ـ بما أرسله في المقنعة والتهذيب والذكرى من أن آدم (ع) لما هبط من الجنة خلق الله تعالى من فضل طينته النخلة فكان يأنس بها في حياته ، فأوصى بنيه أن يشقوا منها جريداً بنصفين ويضعوه معه في أكفانه ، وفعل بعده الأنبياء الى أن درس في الجاهلية فأحياه نبينا (ص) (١).

[١] لم أقف على خبر حاو لهذه المضامين ، بل الأول مذكور في خبر الحسن بن زياد الصيقل عن أبي عبد الله (ع) (٢) وغيره ، والثاني في مرسل المقنعة عن الصادق (ع) (٣) ، والثالث في غير واحد من الصحاح.

[٢] كما هو مورد أكثر النصوص. لكنه محمول على الفضل ، لمكاتبة‌

__________________

(١) الذكرى المسألة العاشرة من مسائل التكفين. والمنقول في الوسائل عن الشيخ في باب : ٧ من أبواب التكفين حديث : ١٠ يختلف نصاً عن الموجود في المتن ولكنه يشتمل عليه مضموناً.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب التكفين حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب التكفين حديث : ١١.

٢٠١

وإن لم يتيسر فمن السدر [١] ، وإلا فمن الخلاف أو الرمان [٢] ،

______________________________________________________

علي بن بلال : « أنه كتب إليه يسأله ـ يعني أبا الحسن الثالث (ع) ـ عن الجريدة إذا لم يجد يجعل بدلها غيرها في موضع لا يمكن النخل. فكتب عليه‌السلام : يجوز إذا أعوزت الجريدة ، والجريدة أفضل ، وبه جاءت الرواية » (١). إلا أن يقال : إنما تدل على أفضلية الجريدة في حال الإعواز لا مطلقا ، فلا تدل على جواز غيرها في حال الإمكان. لكن الظاهر من قوله (ع) : « والجريدة أفضل » أنها كذلك مع الإمكان.

وكيف كان فما قد يظهر من محكي الخلاف والسرائر وغيرهما من مساواة النخل لغيره في حال الإمكان ليس في محله.

[١] كما هو المشهور ، لمضمر سهل : « قلنا له جعلنا فداك إن لم نقدر على الجريدة؟ فقال (ع) : عود السدر. قيل : فان لم نقدر على السدر فقال (ع) : عود الخلاف » (٢). وبه يقيد إطلاق مكاتبة علي ابن بلال المتضمنة : انه إذا لم يمكن يجوز من شجر آخر رطب ، لو لا البناء على عدم حمل المطلق على المقيد في المستحبات ، بل يحمل المقيد على تعدد المطلوب.

[٢] جمعاً بين المضمر المتقدم‌ وبين‌ مرسل علي بن إبراهيم القمي : « يجعل بدلها عود الرمان » (٣). لكن لم يظهر من المرسل كون المراد منه إذا لم يقدر على السدر ، بل لعل الظاهر منه إرادة إذا لم يقدر على الجريدة فيكون الرمان في رتبة السدر. وعن المفيد وسلار وابن سعيد : تقديم الخلاف على السدر. ولم يعرف مستنده.

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب التكفين حديث ٢.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب التكفين حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب التكفين حديث : ٤.

٢٠٢

وإلا فكل عود رطب [١].

( مسألة ٢ ) : الجريدة اليابسة لا تكفي [٢].

( مسألة ٣ ) : الأولى أن تكون في الطول بمقدار ذراع [٣]

______________________________________________________

[١] لإطلاق المكاتبة.

[٢] لاعتبار الرطوبة في مفهوم الجريدة كما عن غير واحد من أهل اللغة ، أو لفوات الفائدة وهي تجافي العذاب ، لاختصاصه بحال الرطوبة. ولرواية محمد بن علي بن عيسى قال : « سألت أبا الحسن (ع) عن السعفة اليابسة هل تجوز للميت توضع معه في حفرته؟ فقال (ع) : لا يجوز اليابس » (١).

[٣] كما في مرسل يونس عنهم (ع) : « وتجعل له قطعتين من جريد النخل قدر ذراع » (٢) ، وخبر يحيى بن عبادة عن أبي عبد الله (ع) : « تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع .. » (٣) ، وفي الذكرى عن المشهور ـ بل عن الانتصار الإجماع عليه ـ أنهما قدر عظم ذراع ولم يعرف له مستند سوى ما في الرضوي : « روي أن الجريدتين كل واحدة بقدر عظم ذراع » (٤). ولو تمَّ ما عن كشف اللثام من أن الذراع حقيقة في عظمها كانت الروايتان ـ أيضاً ـ سنداً له. لكنه غير ظاهر. وفي مصحح جميل : « ان الجريدة قدر شبر » (٥). ولم يعرف قائل به بالخصوص مع أنه غير منسوب الى المعصوم. فتأمل. نعم عن الصدوق : « طول‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب التكفين حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب التكفين حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب التكفين حديث : ٤.

(٤) مستدرك الوسائل باب : ٨ من أبواب التكفين حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ١٠ من أبواب التكفين حديث : ٢.

٢٠٣

وإن كان يجزئ الأقل والأكثر [١]. وفي الغلظ كلما كان أغلظ أحسن [٢] من حيث بطوء يبسه.

( مسألة ٤ ) : الأولى في كيفية وضعهما أن يوضع إحداهما في جانبه الأيمن من عند الترقوة الى ما بلغت ملصقة ببدنه ، والأخرى في جانبه الأيسر من عند الترقوة فوق القميص تحت اللفافة إلى ما بلغت [٣].

______________________________________________________

كل واحدة قدر عظم الذراع ، وإن كانت قدر ذراع أو شبر فلا بأس ». كأن وجهه الجمع بين النصوص مع البناء على كون عظم الذراع أفضل. إلا أن العرف لا يساعد عليه ، بل الظاهر من العرف عند اختلاف الأخبار حمل الأكثر على الأفضل. وعليه : فالأفضل الذراع ، ودونه عظمه ، ودونه الشبر.

هذا لو تمت قاعدة التسامح لإثبات حجية الخبر الضعيف ، وإلا أشكل الحال في النصوص ، لضعف ما يوافق المشهور ، وإعراضهم عن غيره. وكذا الحال في الاشكال لو اقتضت قاعدة التسامح الاستحباب بعنوان البلوغ ، لامتناع تطبيقها على الجميع للتنافي وتطبيقها على واحد دون آخر ترجيح بلا مرجح. وكأنه لذلك اختار في الذكرى جواز الكل معللا بثبوت أصل المشروعية ، وعدم القاطع على قدر معين. وتبعه بعض من تأخر عنه. فتأمل جيداً.

[١] للإطلاق. ولو بني على قدر معين لم يلزم التقييد لما عرفت من عدم البناء عليه في المستحبات.

[٢] لم تتعرض لذلك النصوص.

[٣] كما هو المشهور ، كما عن جماعة. ويشهد له مصحح جميل : « توضع واحدة من عند الترقوة الى ما بلغت مما يلي الجلد ، والأخرى في‌

٢٠٤

وفي بعض الأخبار [١] : أن يوضع إحداهما تحت إبطه الأيمن ، والأخرى بين ركبتيه بحيث يكون نصفها يصل الى الساق ونصفها إلى الفخذ وفي بعض آخر [٢] : يوضع كلتاهما في جنبه الأيمن. والظاهر تحقق الاستحباب بمطلق الوضع معه في قبره [٣].

______________________________________________________

الأيسر من عند الترقوة الى ما بلغت من فوق القميص » (١).

[١] وهو مرسل يونس عنهم (ع) : « يجعل له واحدة بين ركبتيه نصف في ما يلي الساق ونصف في ما يلي الفخذ ، ويجعل الأخرى تحت إبطه الأيمن » (٢).

[٢] الظاهر أنه يشير الى مصحح جميل الآخر : « عن الجريدة توضع من دون الثياب أو من فوقها؟ قال (ع) : فوق القميص ودون الخاصرة ، فسألته من أي جانب؟ فقال (ع) : من الجانب الأيمن » (٣). وظاهره كون الجريدة واحدة كما عن الصدوق وفي الوسائل والجواهر. اللهم إلا أن يراد من الجريدة الجنس. هذا ولا معدل عن المشهور لدلالة المصحح عليه المؤيد أو المعتضد برواية يحيى بن عبادة قال (ع) : « وتوضع ـ وأشار بيده ـ من عند ترقوته الى يده تلف مع ثيابه » (٤) وقريب منها روايته الأخرى (٥) ، وكفى في اعتمادهم عليه وإعراضهم عن غيره معيناً للعمل به.

[٣] لإطلاق بعض النصوص كموثق سماعة : « يستحب أن يدخل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب التكفين حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب التكفين حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب التكفين حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ١٠ من أبواب التكفين حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ١٠ من أبواب التكفين حديث : ١.

٢٠٥

( مسألة ٥ ) : لو تركت الجريدة لنسيان ونحوه جعلت فوق قبره [١].

( مسألة ٦ ) : لو لم تكن إلا واحدة جعلت في جانبه الأيمن [٢].

( مسألة ٧ ) : الأولى أن يكتب عليهما اسم الميت واسم أبيه [٣] ، وأنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأن الأئمة من بعده أوصياؤه (ص) ، ويذكر أسماءهم واحداً بعد واحد.

______________________________________________________

معه في قبره جريدة رطبة » (١). وقد عرفت أنه مبني على عدم التقييد في أمثال المقام.

[١] للمرسل في الفقيه : « مر رسول الله (ص) على قبر يعذب صاحبه فدعا بجريدة فشقها نصفين فجعل واحدة عند رأسه والأخرى عند رجليه وأنه قيل له لم وضعتهما؟ فقال (ص) : انه يخفف عنه العذاب ما كانتا خضراوين » (٢).

[٢] كأن وجهه ما في مصحح جميل الثاني المتقدم.

[٣] ذكره جماعة كثيرة من الأصحاب ، وفي محكي الغنية : يستحب أن يكتب على الجريدتين وعلى القميص والإزار ما يستحب أن يلقنه الميت من الإقرار بالشهادتين وبالأئمة (ع) وبالبعث والثواب والعقاب بدليل الإجماع.

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب التكفين حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب التكفين حديث : ٤.

٢٠٦

______________________________________________________

فصل في التشييع

يستحب لأولياء الميت إعلام المؤمنين بموت المؤمن ليحضروا جنازته ، والصلاة عليه ، والاستغفار له. ويستحب للمؤمنين المبادرة إلى ذلك. وفي الخبر : « انه لو دعي إلى وليمة وإلى حضور جنازة قدم حضورها لأنه مذكر للآخرة كما ان الوليمة مذكرة للدنيا » (١). وليس للتشييع حد معين ، والأولى أن يكون إلى الدفن ، ودونه إلى الصلاة عليه. والأخبار في فضله كثيرة ففي بعضها : « أول تحفة للمؤمن في قبره غفرانه وغفران من شيَّعه » (٢) ، وفي بعضها : « من شيَّع مؤمناً لكل قدم يكتب له مائة ألف حسنة ، ويمحى عنه مائة ألف سيئة ، ويرفع له مائة ألف درجة ، وإن صلى عليه بشيعة حين موته مائة ألف ملك يستغفرون له إلى أن يبعث » (٣) ، وفي آخر : « من مشى مع جنازة حتى صلى عليها له قيراط من الأجر ، وإن صبر إلى دفنه له قيراطان ، والقيراط مقدار جبل أحد » (٤). وفي بعض الأخبار : يؤجر بمقدار ما مشى معها (٥).

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٣٤ من أبواب الاحتضار ، والمستدرك باب : ٢٤ من أبواب الاحتضار والمنقول في المتن يتفق في المعنى لا في اللفظ مع الأحاديث المذكورة في المصدر.

(٢) راجع الوسائل ومستدركة باب : ٢ من أبواب الدفن ، والمنقول في المتن يختلف لفظاً مع الموجود في المصدر ويتفق معه معنى.

(٣) لم أعثر على مضمون هذا الحديث في المصادر المتداولة ، ولكن يقرب منه ما رواه في الوسائل عن عقاب الأعمال باب : ٢ من أبواب الدفن حديث : ٦ ، إلا أن الموجود فيه : ( مائة ألف ألف ) في كل فقرات الحديث المنقولة في المتن.

(٤) راجع الوسائل ومستدركة باب : ٣ من أبواب الدفن ، والمنقول في المتن مضمون الأحاديث الموجودة في المصدر.

(٥) راجع الوسائل ومستدركة باب : ٣ من أبواب الدفن ، والمنقول في المتن مضمون الأحاديث الموجودة في المصدر.

٢٠٧

______________________________________________________

وأما آدابه فهي أمور :

أحدها : أن يقول إذا نظر إلى الجنازة : « ( إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ، الله أكبر ، ( هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ ، وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ ) ، اللهم زدنا إيماناً وتسليماً ، الحمد لله الذي تعزز بالقدرة وقهر العباد بالموت ». وهذا لا يختص بالمشيِّع ، بل يستحب لكل من نظر الى الجنازة ، كما أنه يستحب له مطلقاً أن يقول : « الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم ».

الثاني : أن يقول حين حمل الجنازة : « بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآل محمد اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات ». الثالث : أن يمشي ، بل يكره الركوب إلا لعذر. نعم لا يكره في الرجوع.

الرابع : أن يحملوها على أكتافهم لا على الحيوان إلا لعذر كبعد المسافة.

الخامس : أن يكون المشيِّع خاشعاً متفكراً متصوراً أنه هو المحمول ويسأل الرجوع إلى الدنيا فأجيب.

السادس : أن يمشي خلف الجنازة أو طرفيها ولا يمشي قدامها. والأول أفضل من الثاني. والظاهر كراهة الثالث خصوصاً في جنازة غير المؤمن.

السابع : أن يلقى عليها ثوب غير مزين.

الثامن : أن يكون حاملوها أربعة.

التاسع : تربيع الشخص الواحد بمعنى حمله جوانبها الأربعة. والأولى الابتداء بيمين الميت يضعه على عاتقه الأيمن ،

٢٠٨

______________________________________________________

ثمَّ مؤخرها الأيمن على عاتقه الأيمن ، ثمَّ مؤخرها الأيسر على عاتقه الأيسر ، ثمَّ ينتقل إلى المقدم الأيسر واضعاً له على العاتق الأيسر يدور عليها.

العاشر : أن يكون صاحب المصيبة حافياً واضعاً رداءه أو يغير زيه على وجه آخر بحيث يعلم أنه صاحب المصيبة.

ويكره أمور :

أحدها : الضحك واللعب واللهو.

الثاني : وضع الرداء من غير صاحب المصيبة.

الثالث : الكلام بغير الذكر والدعاء والاستغفار ، حتى ورد المنع عن السلام على المشيع‌ (١).

الرابع : تشييع النساء الجنازة وإن كانت للنساء.

الخامس : الإسراع في المشي على وجه ينافي الرفق بالميت ، ولا سيما إذا كان بالعدو ، بل ينبغي الوسط في المشي.

السادس : ضرب اليد على الفخذ أو على الأخرى السابع : أن يقول المصاب أو غيره : « ارفقوا به أو استغفروا له أو ترحموا عليه ». وكذا قول : « قفوا به ».

الثامن : اتباعها بالنار ولو مجمرة إلا في الليل فلا يكره المصباح التاسع : القيام عند مرورها إن كان جالساً إلا إذا كان الميت كافراً لئلا يعلو على المسلم.

العاشر : قيل : ينبغي أن يمنع الكافر والمنافق والفاسق من التشييع.

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٤٢ من أبواب أحكام العشرة.

٢٠٩

فصل في الصلاة على الميت

فصل في الصلاة على الميت يجب الصلاة على كل مسلم [١] من غير فرق بين العادل

______________________________________________________

فصل في الصلاة على الميت‌

[١] بلا خلاف كما عن المنتهى ، بل إجماع كما عن التذكرة ومجمع البرهان ، وعن كشف الرموز : أنه المذهب ، وعن جماعة : نسبته الى المشهور : ويدل عليه خبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (ع) : « صل على من مات من أهل القبلة وحسابه على الله » (١) ، وخبر غزوان السكوني عنه (ع) : « قال رسول الله (ص) : صلوا على المرجوم من أمتي ، وعلى القاتل نفسه من أمتي لا تدعوا أحداً من أمتي بلا صلاة » (٢) وضعفهما منجبر بالعمل. مع أنه ليس في سند الأول من يتأمل فيه سوى طلحة ، وأما هو فقد نص الشيخ في الفهرست على أن كتابه معتمد ، ولعل هذا المقدار ـ بضميمة رواية صفوان عنه في غير المقام ، وأن في السند في المقام الحسن بن محبوب ـ كاف في كونه من الموثق. ومن ذلك يظهر ضعف ما عن المقنعة والوسيلة والسرائر والكافي والإشارة وغيرهم من قصر الوجوب على المؤمن. وتبعهم عليه في كشف اللثام فقال : « وهو قوي ». وفي المدارك فقال : « وهو غير بعيد ». كضعف ما عن الحلي من المنع عن الصلاة على ولد الزنا. والمذكور في كلامهم أن الوجه في خلافهم بناؤهم على كفر غير المؤمن وولد الزنا. لكن عرفت فيما سبق منعه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ٣.

٢١٠

والفاسق والشهيد وغيرهم [١] ، حتى المرتكب للكبائر ، بل ولو قتل نفسه عمداً. ولا تجوز على الكافر [٢] بأقسامه حتى المرتد فطرياً أو ملياً مات بلا توبة [٣] ، ولا تجب على أطفال المسلمين إلا إذا بلغوا ست سنين [٤].

______________________________________________________

[١] كما يقتضيه إطلاق النص والفتوى. مضافا إلى خبر السكوني المتقدم‌ ، وإلى ما ورد في نصوص الشهيد مما يظهر منه وجوب الصلاة عليه (١). نعم في موثق عمار : إن علياً (ع) لم يصل على عمار ولا هاشم (٢). ولكنه مطروح ، أو محمول على وهم الراوي أو غيره.

[٢] إجماعاً. ويشهد به ما في خبر صالح بن كيسان المروي عن احتجاج الطبرسي من قول الحسين (ع) لمعاوية : « يا معاوية لكنا لو قتلنا شيعتك ما كفناهم ولا صلينا عليهم ولا قبرناهم » (٣).

[٣] أما لو تاب قبل الموت فان كان ملياً قبلت توبته ، وجرى عليه جميع أحكام الإسلام ، ومنها الصلاة عليه. وإن كان فطرياً فقد تقدم في المتن قبول توبته أيضاً فيصلى عليه. والمشهور عدم القبول. وقد تقدم الكلام في ذلك في المطهرات.

[٤] كما هو مذهب الأكثر كما في المدارك ، أو المشهور كما عن جماعة بل عن الانتصار والغنية والمنتهى وظاهر الخلاف : الإجماع عليه إذا بلغ ذلك. واستدل عليه بصحيح زرارة وعبيد الله بن علي والحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « انه سئل عن الصلاة على الصبي متى يصلى عليه؟ قال (ع) إذا عقل الصلاة. قلت : متى تجب الصلاة عليه؟ قال (ع) : إذا كان‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب غسل الميت حديث : ١ و ٧ و ٨ و ٩.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب غسل الميت حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٨ من أبواب غسل الميت حديث : ٣.

٢١١

______________________________________________________

ابن ست سنين والصيام إذا أطاقه » (١) ، وما في صحيح زرارة الوارد في موت ابن لأبي جعفر (ع) قال (ع) فيه : « أما انه لم يكن يصلى على مثل هذا ـ وكان ابن ثلاث سنين ـ كان علي (ع) يأمر به فيدفن ولا يصلى عليه ، ولكن الناس صنعوا شيئاً فنحن نصنع مثله. قلت : فمتى تجب عليه الصلاة؟ قال (ع) : إذا عقل الصلاة وكان ابن ست سنين » (٢) ومرسل الفقيه الوارد في ذلك : « وسئل أبو جعفر (ع) متى تجب الصلاة عليه؟ فقال (ع) : إذا عقل الصلاة .. » (٣).

ويمكن الخدش في الأول بأن الفقرة الثانية موردها صلاته اليومية لا الصلاة عليه ، والفقرة الأولى خالية عن التحديد بالست ، وحمل زمان عقل الصلاة عليه لا قرينة عليه ، بل يأباه العدول عن التحديد به الى التحديد بالست في الفقرة الثانية. ودعوى أنه ظاهر العطف في ذيل صحيح زرارة ممنوعة. بل ظاهر العطف المغايرة بينهما. ومن ذلك يظهر الخدش في الاستدلال بالصحيح الثاني. مضافاً الى أن مورده صلاته لا الصلاة عليه. ومجرد كون مورد صدره الصلاة عليه لا يكفي في صرف الذيل اليه ، لجواز كون السؤال في الذيل لمناسبة يعلمها السائل. وأما المرسل فلفظ « عليه » فيه وإن كان يمكن جعله قيداً للصلاة فيكون وارداً في الصلاة عليه ، إلا أنه يمكن ـ أيضاً ـ جعله قيداً لـ « تجب » ، فيكون وارداً في صلاته ، فلا يكون مما نحن فيه مضافاً إلى ما عرفت من أن ظاهر العطف المغايرة. مع أن الظاهر كونه عين الصحيح الثاني ، فلا مجال للاعتماد عليه. وكأنه لذلك كان المحكي عن المفيد (ره) والمقنع. للتحديد بالعقل دون الست.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ٢.

٢١٢

______________________________________________________

نعم‌ في صحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع) : « في الصبي متى يصلي؟ قال (ع) : إذا عقل الصلاة. قلت : متى يعقل الصلاة وتجب عليه؟ قال (ع) : لست سنين » (١). وعليه فيجب حمل العقل في الصحيح الأول على الست ، وحمل العطف في صحيح زرارة على العطف التفسيري بشهادة الصحيح المذكور ، ويتم الاستدلال بهما على المشهور. ولعل مراد المفيد والمقنع ذلك أيضاً ، كما يقتضيه دعوى الإجماع المتقدمة.

نعم قد ينافي التحديد بذلك‌ صحيح علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى بن جعفر (ع) : « عن الصبي أيصلى عليه إذا مات وهو ابن خمس سنين؟ قال (ع) : إذا عقل الصلاة فصل عليه (٢). وجعل الشرطية من قبيل ما يكون شرطها محالا ـ جمعاً بين الصحيح المذكور وصحيح محمد ـ ليس أولى من حمل التحديد بالست على كونه تحديداً غالبياً ، بل الثاني أظهر عرفاً. فتأمل.

هذا وعن ابن أبي عقيل عدم وجوب الصلاة على من لم يبلغ ، لأن الصلاة استغفار للميت ودعاء ، ومن لم يبلغ لا يحتاج الى ذلك. وهو كما ترى. نعم استدل له بموثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « عن المولود ما لم يجر عليه القلم هل يصلى عليه؟ قال (ع) : لا ، إنما الصلاة على الرجل والمرأة إذا جرى عليهما القلم » (٣). وأظهر منه خبر هشام الوارد في مقام تلقين الاحتجاج على العامة القائلين بوجوب الصلاة على الطفل ، قال (ع) في ذيله : « إنما يجب أن يصلى على من وجبت عليه الصلاة والحدود ، ولا يصلى على من لم تجب عليه الصلاة ولا الحدود » (٤).

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ١٥ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ٣.

٢١٣

نعم تستحب على من كان عمره أقل من ست سنين [١] ، وإن كان مات حين تولده بشرط أن يتولد حياً ،

______________________________________________________

مضافاً إلى عدم ظهور النصوص المتقدمة في الوجوب ، والمتيقن منها مجرد المشروعية ، ولا عموم يقتضي وجوب الصلاة على الطفل ، لاختصاص الخبرين السابقين بغيره. والطعن في سند الموثق بعدم الصحة غير قادح في الحجية. كما أن حمل جريان القلم فيه على جريان قلم الخطاب الشرعي ولو تمرينياً ، أو قلم الثواب ـ بناء على شرعية عبادات الصبي كما هو التحقيق ـ خلاف الظاهر أيضاً. فالعمدة في الطعن في الموثق إعراض الأصحاب عنه ، وخبر هشام ضعيف في نفسه. ويبقى الإشكال في دلالة النصوص المتقدمة على الوجوب. ولعل الظاهر من الصلاة فيها الصلاة المفروضة على الأموات. فتأمل جيداً.

[١] على المشهور كما عن جامع المقاصد والكفاية وغيرهما ، للنصوص الآمرة بالصلاة عليه ، كصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « لا يصلى على المنفوس وهو المولود الذي لم يستهل ولم يصح ولم يورث من الدية ولا من غيرها ، وإذا استهل فصل عليه وورثه » (١). ونحوه صحيح علي بن يقطين عن أبي الحسن (ع) (٢) ، وخبر السكوني عن جعفر (ع) (٣) وغيرهما المحمولة على الاستحباب جمعاً بينها وبين ما سبق مما اقتضى التحديد بالست ، ولا سيما صحيح زرارة المشتمل صدره على موت ابن لأبي جعفر (ع) كان عمره ثلاث سنين ، وأنه (ع) صلى عليه وأنه قال لزرارة : « لم يكن يصلى على مثل هذا ، كان علي (ع) يأمر به‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ٣.

٢١٤

______________________________________________________

فيدفن ولا يصلي عليه ، ولكن الناس صنعوا شيئاً فنحن نصنع مثله » (١) ونحوه صحيحه الآخر‌ (٢). وفي خبر علي بن عبد الله : « انه لما مات إبراهيم لم يصل عليه النبي (ص) فقال الناس نسي رسول الله (ص) أن يصلي عليه لما دخله من الجزع عليه. فقال (ع) : أتاني جبرئيل بما قلتم زعمتم أني نسيت أن أصلي على ابني لما دخلني من الجزع ، ألا وإنه ليس كما ظننتم .. إلى أن قال (ص) : وأمرني أن لا أصلي إلا على من صلى » (٣).

ومن هذه النصوص يظهر ضعف ما عن ابن الجنيد من القول بالوجوب ، بل قد يشكل القول بالاستحباب ، لظهور النصوص المذكورة في عدم مشروعيتها ، وان إيقاعها من أبي جعفر (ع) كان على وجه المجاراة لأهل المدينة ، كما قد يومئ إليه أيضاً ما في صحيح زرارة الثاني : من أنه (ع) كبر أربع تكبيرات. ولأجل ذلك جزم في الحدائق بعدم الاستحباب ( ودعوى ) أن غاية ما يستفاد من النصوص عدم استحباب الصلاة بعنوانها الأولي ، واستحبابها بعنوانها الثانوي ، وأن الحكمة فيه المجاراة والمداراة ، وهو كاف في دعوى الاستحباب مطلقاً. ( مندفعة ) بأن ذلك خلاف ظاهرها ، ولا سيما ما تضمن أن أمير المؤمنين (ع) كان يأمر به فيدفن‌ ، وقوله (ص) : « أمرني أن لا أصلي إلا على من صلى ». فلاحظ. نعم لو تمت قاعدة التسامح بمجرد الفتوى ـ ولو مع قيام الدليل على نفي الاستحباب ـ كان الحكم بالاستحباب في محله.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ٢.

٢١٥

وإن تولد ميتاً فلا تستحب أيضاً [١]. ويلحق بالمسلم في وجوب الصلاة عليه من وجد ميتاً في بلاد المسلمين [٢] ، وكذا لقيط دار الإسلام [٣] ، بل دار الكفر إذا وجد فيها مسلم يحتمل كونه منه.

( مسألة ١ ) : يشترط في صحة الصلاة أن يكون المصلي مؤمناً [٤] ، وأن يكون مأذوناً من الولي على التفصيل الذي مرَّ سابقاً ، فلا تصح من غير إذنه [٥] جماعة كانت أو فرادى [٦].

______________________________________________________

[١] لما في صحيح ابن سنان المتقدم وغيره.

[٢] بلا خلاف ظاهر ، وتقتضيه السيرة القطعية ، وما ورد في شراء الجلد من مجهول الإسلام من قوله (ع) : « إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس » (١).

[٣] على ما تقدم في الغسل وغيره.

[٤] لبطلان عبادة غيره للنصوص الدالة عليه ، وقد عقد لها في الوسائل باباً في مقدمة العبادات (٢).

[٥] على ما تقدم في فصل الولاية من عدم جواز العمل على خلافها. فراجع.

[٦] خلافاً لما عن الروض ـ بل نسبه الى ظاهر الأصحاب. من أن إذن الولي إنما يتوقف عليها في الجماعة لا في أصل الصلاة لوجوبها على الكفاية فلا تناط برأي أحد. وقد تقدم في أول المبحث التعرض لهذا الاشكال. فراجع.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب النجاسات حديث : ٥.

(٢) وهو باب : ٢٩ من أبواب مقدمة العبادات.

٢١٦

( مسألة ٢ ) : الأقوى صحة صلاة الصبي المميز [١] ، لكن في إجزائها عن المكلفين البالغين إشكال.

( مسألة ٣ ) : يشترط أن تكون بعد الغسل والتكفين [٢]. فلا تجزئ قبلهما [٣] ولو في أثناء التكفين ، عمداً كان أو جهلا أو سهواً [٤]. نعم لو تعذر الغسل والتيمم أو التكفين‌

______________________________________________________

[١] قد تكرر في هذا الشرح الإشارة إلى وجه كون عبادات الصبي شرعية كعبادات غيره ، ولأجل ذلك كان الأقرب إجزاءها عن المكلفين. وقد تقدم من المصنف (ره) أنه لا يبعد كفايتها إذا علمنا بوقوعها صحيحة جامعة للشرائط.

[٢] بلا خلاف يعلم كما عن المنتهى ، وبلا خلاف كما في كشف اللثام وهو قول العلماء كافة كما في المدارك ، وهو العمدة فيه ، لا أصالة الاشتغال لعدم الدليل عليها ، ولا أصالة عدم المشروعية لاختصاصها بالشك في أصل المشروعية لا في خصوصية المشروع ، بل المرجع فيه أصالة البراءة من شرطية الترتيب المذكور. نعم يشعر به عطف الصلاة بالواو على التكفين والغسل في غير واحد من النصوص ، لكن هذا المقدار لا يصلح حجة على الترتيب.

[٣] لفوات المشروط بفوات شرطه. وعن كشف اللثام : احتمال الاجزاء ولكنه في غير محله.

[٤] لإطلاق معقد الإجماع المقتضي للشرطية. واحتمل في الجواهر الاجزاء في الناسي لحديث رفع النسيان. وفيه : أن المحقق في محله عدم صلاحية الحديث للدلالة على صحة الناقص ، فلا يصلح لتقييد إطلاق دليل الشرطية ، ولذا لا يقتضي حديث رفع الاضطرار وجوب المقدار الممكن‌

٢١٧

أو كلاهما لا تسقط الصلاة [١] ، فإن كان مستور العورة فيصلى عليه [٢] ، وإلا يوضع في القبر ويغطى عورته [٣] بشي‌ء من التراب أو غيره ويصلى عليه. ووضعه في القبر‌

______________________________________________________

بل يحتاج في إثباته إلى قاعدة الميسور. وأضعف منه ما في المستند من الجزم بالاجتزاء في الجاهل والناسي ، لعدم ثبوت الإجماع. إذ فيه : أنه خلاف إطلاق معقده.

[١] بلا خلاف ظاهر. ويقتضيه إطلاق دليل وجوب الصلاة على الأموات ، ولا دليل على تقييده مع تعذر الغسل أو الكفن فيكون محكماً مع التعذر. ولا حاجة في البناء على وجوبها معه إلى تمامية قاعدة الميسور.

[٢] لإطلاق دليل وجوبها. ولا حاجة الى وضعه في القبر لعدم الدليل عليه ، والخبران الآتيان الدالان على ذلك موردهما الصورة الثانية. وحينئذ فما قد يظهر من قول الأصحاب ـ : « ان لم يكن له كفن جعل في القبر وسترت عورته وصلي عليه بعد ذلك » ـ من أنه يجب وضعه في القبر حتى مع ستر عورته ، غير مراد ، بل مرادهم خصوص الصورة الثانية ، وإلا فلا وجه له. ولذا قال في الذكرى : « إن أمكن ستره بثوب صلي عليه قبل الوضع في اللحد » ، وفي المدارك : انه لا ريب في الجواز. فلاحظ.

[٣] في المدارك : « هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب » لموثق عمار : « قلت لأبي عبد الله (ع) : ما تقول في قوم كانوا في سفر لهم يمشون على ساحل البحر فاذا هم برجل ميت عريان قد لفظه البحر وهم عراة وليس عليهم إلا إزار ، كيف يصلون عليه وهو عريان وليس معهم فضل ثوب يلفونه فيه؟ قال (ع) : يحفر له ويوضع في لحده ويوضع اللبن‌

٢١٨

على نحو وضعه خارجه للصلاة [١] ، ثمَّ بعد الصلاة يوضع على كيفية الدفن.

( مسألة ٤ ) : إذا لم يمكن الدفن لا يسقط سائر الواجبات [٢]

______________________________________________________

على عورته فيستر عورته باللبن والحجر ثمَّ يصلى عليه ثمَّ يدفن. قلت : فلا يصلى عليه إذا دفن. فقال (ع) : لا يصلى على الميت بعد ما يدفن ولا يصلى عليه وهو عريان حتى توارى عورته » (١) وقريب منه خبر محمد بن أسلم عن رجل عن أبي الحسن (ع) (٢). هذا ومقتضى الجمود على ظاهر النص عدم جواز الصلاة بدون وضعه في القبر وإن أمكن ستر عورته بالتراب ونحوه. لكن في كشف اللثام : « الظاهر أن لا خلاف في جواز الصلاة عليه خارجاً إذا سترت عورته بلبن أو تراب أو نحوهما ». وكأن وجهه حمل الأمر بالوضع في اللحد على الرخصة لكونه مورد توهم الحظر. لكنه لا يخلو من إشكال. فالجمود على ظاهر النص ـ كما هو ظاهر المتن ـ أقرب.

[١] لإطلاق دليله ، والخبران لا يصلحان لمعارضته ، لخلوهما عن التعرض لذلك ، لسوقهما لبيان غير هذه الحيثية. نعم قد يشعر عدم التعرض في النص لتبديل كيفية الوضع بعد الصلاة ، وإطلاق الأمر بالدفن بعدها بكون كيفية وضعه حالها هي كيفيته حال الدفن ، لكنه لم يبلغ حداً يعول عليه في رفع اليد عن إطلاق دليل الاعتبار ، وإن ادعاه بعض الأعيان ناسباً له الى ظاهر الفتاوى أيضاً.

[٢] بلا خلاف ظاهر لإطلاق أدلتها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ٢.

٢١٩

من الغسل والتكفين والصلاة. والحاصل كلما يتعذر يسقط وكلما يمكن يثبت [١] ، فلو وجد في الفلاة ميت ولم يمكن غسله ولا تكفينه ولا دفنه يصلى عليه ويخلى ، وإن أمكن دفنه يدفن.

( مسألة ٥ ) : يجوز أن يصلي على الميت أشخاص متعددون فرادى في زمان واحد [٢]. وكذا يجوز تعدد الجماعة وينوي كل منهم الوجوب ما لم يفرغ منها أحد ،

______________________________________________________

[١] هذا ظاهر إذا كان المتعذر اللاحق لعدم الارتياب في عدم تقييد السابق به ، فلا وجه لسقوطه بتعذره. وأما إذا كان المتعذر السابق ، فقد يشكل البناء على وجوب اللاحق لفوات شرط الترتيب ، إلا أن يبنى على قاعدة الميسور. لكن عرفت الوجه في وجوب الصلاة مع تعذر الغسل والتكفين. وأما وجوب الدفن مع تعذرهما أو أحدهما ، مع الصلاة أو مع إمكانها فلأن الظاهر أن مصلحة الدفن قائمة به بلا دخل لما قبله من شؤون التجهيز فيها ، وإنما يجب بعدها لأن فعله قبلها يوجب فواتها ، فلا وجه لسقوطه بتعذرها أو بعضها. وكذا يقال في وجوب التكفين عند تعذر التغسيل هذا كله مضافاً الى الاتفاق على عدم السقوط ، والى بعض النصوص الواردة في بعض الصور ، كمن تعذر تغسيله لفقد المماثل (١) أو لفقد الماء (٢) ، أو تعذر تكفينه لفقد الكفن (٣). فلاحظ.

[٢] لصلاحية الخطاب الكفائي لبعث كل واحد من المكلفين الى الامتثال ، لصدق المأمور به على جميع أفعالهم وانطباقه عليها في عرض واحد بلا ترتيب.

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٢١ من أبواب غسل الميت.

(٢) راجع الوسائل باب : ١٨ من أبواب التيمم.

(٣) راجع الوسائل باب : ٣٦ من أبواب صلاة الجنازة.

٢٢٠