مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٠٩

إن لم يمكن جمعه تراباً بالنفض ، وإلا وجب [١] ودخل في القسم الأول. والأحوط اختيار ما غباره أكثر [٢]. ومع فقد الغبار يتيمم بالطين [٣] إن لم يمكن تجفيفه ، وإلا وجب [٤] ودخل في القسم الأول. فما يتيمم به له مراتب ثلاث : ( الأولى ) : الأرض مطلقا غير المعادن. ( الثانية ) : الغبار. ( الثالثة ) : الطين. ومع فقد الجميع يكون فاقد الطهورين ، والأقوى فيه سقوط الأداء [٥].

______________________________________________________

[١] كما تقتضيه الأدلة الأولية لوجوب مقدمة الواجب المطلق ، ومورد النصوص المذكورة صورة الاضطرار.

[٢] كما قواه في الجواهر ونسبه إلى ظاهر جماعة. وكأنه لقاعدة الميسور. وفيه : أنها ـ مع عدم ثبوتها في نفسها ـ منافية لإطلاق الأخبار في المقام ، ولا سيما بملاحظة اختلاف المذكورات في النصوص في كمية الغبار.

[٣] إجماعا محصلا ومنقولاً مستفيضاً ، صريحاً وظاهراً كما في الجواهر. ويشهد له النصوص المتقدمة.

[٤] وقدم على الغبار قطعاً كما في المدارك ، وليس محل خلاف كما عن الرياض. وفي المنتهى وغيره التصريح به ، وتقتضيه الأدلة الأولية كما سبق. والظاهر من قولهم (ع) : « لا يجد إلا الطين » : أنه لا يتمكن إلا منه ، ولا سيما بملاحظة قول الصادق (ع) في صحيح أبي بصير : « فان الله أولى بالعذر ». ولا ينافيه قوله (ع) : « إنه الصعيد » ، إذ المراد منه : أن مادته الصعيد. فلاحظ.

[٥] كما هو المشهور ، بل عن جامع المقاصد : أنه ظاهر مذهب أصحابنا ، وفي المدارك : « أنه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفاً صريحاً » ، بل عن الروض : « لا نعلم فيه مخالفاً » ، للعجز عن أداء الواجب الناشئ‌

٣٨١

______________________________________________________

من العجز عن شرطه. والمنع من الشرطية في هذه الحال خلاف إطلاق أدلتها وخبر : « الصلاة لا تسقط بحال » ‌لم يتحقق بنحو يصح الاعتماد عليه في المقام. نعم‌ في صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) الوارد في النفساء حيث قال (ع) فيه : « ولا تدع الصلاة على حال فإن النبي (ص) قال : الصلاة عماد دينكم » (١). ودلالته على ما نحن فيه غير ظاهرة ، لاختصاص الفقرة الأولى بموردها ، والتعليل ليس وارداً في مقام التشريع ، بل في مقام التأكيد والحث على فعل المشروع ، فلا يصلح للتأسيس. وقاعدة الميسور قد تقدم مراراً أنه لا دليل عليها يجب العمل به. وثبوتها هنا ، ولا سيما وكون خلافها هنا مظنة الإجماع ، وهذا هو الفارق بين المقام وسائر موارد تعذر الجزء أو الشرط ، لا ما قيل من أن لسان دليل الشرطية في المقام شامل لصورتي الاختيار والاضطرار ، بخلاف سائر الموارد ، فان لسان دليله الأمر به ، وهو مختص بحكم العقل بصورة الإمكان. إذ فيه : أن الأمر في أمثال المقام إما إرشادي إلى الجزئية أو الشرطية أو مولوي دال بالالتزام عليها ، والأول : لا اختصاص له بحال دون حال. والثاني : وإن كان مختصاً بحال الاختيار إلا أن مدلوله الالتزامي غير مختص فيجب العمل به ، والتفكيك بين المدلول المطابقي والالتزامي في الحجية وعدمها غير عزيز كما أشرنا إليه مراراً في هذا الشرح وأوضحناه في محله.

ومما ذكرنا يظهر ما فيما نسب الى المبسوط والنهاية من وجوب الأداء والقضاء ، وحكي عن الشافعي وغيره من المخالفين. وما نسب الى جد السيد من وجوب الأول فقط. مع أن النسبة إلى الجميع محل تأمل فلاحظ.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ٥‌

٣٨٢

ووجوب القضاء [١] ، وإن كان الأحوط الأداء أيضاً. وإذا وجد فاقد الطهورين ثلجاً أو جمداً ، قال بعض العلماء بوجوب مسحه على أعضاء الوضوء أو الغسل [٢] ، وإن لم يجر ،

______________________________________________________

نعم لو فرض طروء الفقدان في الوقت أو قبله بناء على ثبوت الوجوب قبله أمكن الرجوع الى استصحاب وجوب ذات الصلاة الثابت قبل طروء الفقدان. اللهم إلا أن يقال : إطلاق دليل الشرطية رافع لاحتمال الوجوب. وموجب للعلم باشتراط جميع مراتب الصلاة بالطهارة. فتأمل.

[١] كما عن المشهور ، لعموم ما دل على قضاء ما فات ، إذ يكفي في صدق الفوت وجود الملاك في الفعل بلا مزاحم ، وهو في المقام حاصل كذلك. ولا مجال للنقض في مثل الحائض ونحوها ، لإمكان كون ذلك من باب التخصيص لدليل مفقود في المقام. ومنه يظهر ما في الشرائع ، وعن الجامع والعلامة ـ في جملة من كتبه ـ والكركي وغيرهم من أصحابنا ، وحكي عن مالك من سقوط الأداء والقضاء معاً. لكن اختار في المنتهى سقوط الأداء ووجوب القضاء ـ كما في المتن ـ ونسبه إلى أبي حنيفة والثوري والأوزاعي. فالأقوال في المسألة أربعة : سقوط الأداء والقضاء ، ووجوبهما ، وسقوط الأول دون الثاني ، وثبوت الأول دون الثاني.

[٢] يظهر ذلك من محكي المقنعة والمبسوط والوسيلة ونهاية الأحكام وغيرها. قال في المنتهى ـ بعد أن نقل عن الشيخ فيمن لم يجد إلا الثلج من أنه يمسح به أعضاء الوضوء ـ : « والذي أذهب إليه أنه إن بلغت النداوة حداً يجري على العضو المغسول بحيث يسمى غسلاً فليغتسل الجزء من الماء على جزء من البدن الى آخر ما وجب عليه وكان مقدماً على التراب. وإن لم يكن فالأقرب ما قاله الشيخ رحمه‌الله من استعمال الثلج ».

٣٨٣

______________________________________________________

وقد يستشهد لهم بجملة من النصوص ، مثل صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) في الوضوء : « إذا مس جلدك الماء فحسبك » (١) ، وخبر هارون بن حمزة عن أبي عبد الله (ع) : « يجزئك من الغسل والاستنجاء ما بلت يمينك » (٢) ، وخبر معاوية بن شريح قال : « سأل رجل أبا عبد الله (ع) وأنا عنده فقال : يصيبنا الدمق والثلج ونريد أن نتوضأ ولا نجد إلا ماء جامداً فكيف أتوضأ؟ أدلك به جلدي؟ قال (ع) : نعم » (٣) ، وصحيح محمد بن مسلم : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يجنب في السفر لا يجد إلا الثلج. قال (ع) : يغتسل بالثلج أو ماء النهر » (٤). مضافاً الى قاعدة الميسور كما استدل بها في المنتهى.

وفيه : أنه لو تمَّ ظهور الأولين فيما نحن فيه كان مقتضاه جواز ذلك اختياراً. ولو تمَّ ظهور الأخيرين فيه كان مقتضاه تقديم ذلك على التراب كما هو صريح صحيح علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال : « سألته عن الرجل الجنب أو على غير وضوء لا يكون معه ماء وهو يصيب ثلجاً وصعيداً أيهما أفضل أيتيمم أم يمسح بالثلج وجهه؟ قال (ع) : الثلج إذا بلَّ رأسه وجسده أفضل ، فان لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمم » (٥) ونحوه خبره الآخر (٦) وكذا مقتضى قاعدة الميسور. ولذلك حمل ما في المنتهى على وجوب تقديمه على التراب ، لاستدلاله عليه بقاعدة الميسور. لكنه خلاف ظاهر عبارته. فالقول بوجوب ذلك بشرط فقد الطهورين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب الوضوء حديث : ٣‌

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٢‌

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب التيمم حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ١٠ من أبواب التيمم حديث : ١‌

(٥) الوسائل باب : ١٠ من أبواب التيمم حديث : ٣‌

(٦) الوسائل باب : ١٠ من أبواب التيمم حديث : ٤‌

٣٨٤

ومع عدم إمكانه حكم بوجوب التيمم بهما [١]. ومراعاة هذا القول أحوط ، فالأقوى لفاقد الطهورين كفاية القضاء ، والأحوط‌

______________________________________________________

مما لا دليل عليه.

وأما النصوص المذكورة : فالأولان منهما قد عرفت أن حالهما حال غيرهما مما يوهم عدم اعتبار تحقق مفهوم الغسل في الوضوء والغسل ، محمولة على إرادة المبالغة في عدم الحاجة في تحقق الغسل الى الماء الكثير. وقد تقدم ذلك في محله. وأما الأخيران : فلا يظهر منهما أقل تصرف في الأدلة الأولية ، ولا سيما بملاحظة ذيل ثانيهما. وأما قاعدة الميسور ، فلا دليل على جواز العمل بها بعد مخالفتها لدليل وجوب التيمم. لمن لم يتمكن من الطهارة المائية. فالقول المذكور مما لم يتضح له وجه.

[١] يظهر من العبارة أن الحاكم هو القائل السابق. ولم أقف عليه. نعم في القواعد : « لو لم يجد إلا الثلج فان تمكن من وضع يده عليه باعتماد حتى ينتقل من الماء ما يسمى به غاسلاً وجب وقدمه على التراب وإلا تيمم به بعد فقد التراب » : وهو ـ كما ترى ـ خال عن ذكر المسح. وفي مفتاح الكرامة وفي المراسم والبيان والموجز الحاوي : أنه إذا لم يتمكن من الغسل بالثلج بحيث يسمى غاسلاً تيمم به. ونقل ذلك عن مصباح السيد والإصباح وظاهر الكاتب. وكأن مرادهم ما في القواعد من كون التيمم به بعد فقد التراب.

وكيف كان فلم يتضح وجه للقول بالتيمم بالثلج سوى مصحح ابن مسلم : « عن رجل أجنب في سفر ولم يجد إلا الثلج أو ماء جامداً. فقال (ع). هو بمنزلة الضرورة يتيمم ولا أرى أن يعود الى هذه الأرض التي توبق دينه » (١). لكنه غير ظاهر في التيمم بالثلج ، بل ظاهر في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب التيمم حديث : ٩‌

٣٨٥

ضم الأداء أيضاً ، وأحوط من ذلك مع وجود الثلج المسح به أيضاً. هذا كله إذا لم يمكن إذابة الثلج أو مسحه على وجه يجري ، وإلا تعين الوضوء [١] أو الغسل ولا يجوز معه التيمم أيضاً.

( مسألة ١ ) : وإن كان الأقوى ـ كما عرفت ـ جواز التيمم بمطلق وجه الأرض ، إلا أن الأحوط مع وجود التراب عدم التعدي عنه ، من غير فرق فيه بين أقسامه [٢] ، من الأبيض والأسود والأصفر والأحمر ، كما لا فرق في الحجر والمدر أيضاً بين أقسامهما [٣]. ومع فقد التراب الأحوط الرمل [٤] ،

______________________________________________________

التيمم بالتراب ، لأن قول السائل : « لم يجد إلا الثلج أو ماء جامداً » يراد منه عدم التمكن من الطهارة بالماء ، لا عدم التمكن من الطهارة بالماء والتراب معاً. ولكن بعضهم لما فهم الأخير حمله على التيمم بالغبار ، كما يقتضيه الجمع بينه وبين ما سبق من النصوص. ولا ينافي ما ذكرنا قوله (ع) : « ولا أرى .. » ، لإمكان أن يكون ذلك لفوات الطهارة المائية أو الطهارة من الخبث. وأضعف من ذلك الاستدلال على القول المذكور بخبر : « لا تسقط الصلاة بحال » واستصحاب التكليف بها. فان ذلك ـ لو تمَّ ـ لم يقتض جواز التيمم بالثلج ، كما لا يقتضي مشروعية التيمم بغيره من الجامدات غير الأرض وإبدالها كما لا يخفى.

[١] كما تقتضيه الأدلة الأولية من غير معارض كما سبق.

[٢] بإجماع العلماء كما عن التذكرة ، لإطلاق التراب.

[٣] لخروج الجميع عن مفهوم التراب ،

[٤] لاحتمال كون المراد ما يعمه كما ادعي ، وإن حكي عن الجمهرة‌

٣٨٦

ثمَّ المدر [١] ، ثمَّ الحجر.

( مسألة ٢ ) : لا يجوز في حال الاختيار التيمم على الجص المطبوخ والآجر والخزف والرماد وإن كان من الأرض [٢] ، لكن في حال الضرورة بمعنى : عدم وجدان التراب والمدر والحجر ـ الأحوط الجمع [٣] بين التيمم بأحد المذكورات ـ ما عدا رماد الحطب ونحوه ـ وبالمرتبة المتأخرة من الغبار أو الطين ، ومع عدم الغبار والطين الأحوط التيمم بأحد المذكورات والصلاة ثمَّ إعادتها أو قضاؤها.

( مسألة ٣ ) : يجوز التيمم حال الاختيار على الحائط المبني بالطين واللبن والآجر إذا طلي بالطين [٤].

______________________________________________________

عن أبي عبيدة : « ان الصعيد هو التراب الخالص الذي لا يخالطه سبخ ولا رمل ».

[١] وهو : الطين اليابس غير المعمول ، لكونه أقرب الى التراب من الحجر.

[٢] قد عرفت إمكان دعوى الجواز في غير الرماد. أما هو فلا ، وإن كان من الأرض لخروجه عن مفهوم الأرض ، والتعليل في خبر السكوني (١) قد عرفت إشكاله. وعن نهاية الأحكام : « الأقرب جواز التيمم برماد التراب بخلاف رماد الشجر ». وكأنه اعتمد على خبر السكوني‌.

[٣] وجه الاحتياط يظهر من ملاحظة الأقوال والاحتمالات المتقدمة.

[٤] لصدق الأرض ، وللموثق المتقدم فيمن تمر به جنازة (٢).

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب التيمم حديث : ١.

(٢) هو موثق سماعة المتقدم في المسألة السادسة والثلاثين من الفصل السابق‌

٣٨٧

( مسألة ٤ ) : يجوز التيمم بطين الرأس وإن لم يسحق وكذا بحجر الرحى ، وحجر النار ، وحجر السن ، ونحو ذلك ، لعدم كونها من المعادن الخارجة عن صدق الأرض وكذا يجوز التيمم بطين الأرمني [١].

( مسألة ٥ ) : يجوز التيمم على الأرض السبخة إذا صدق كونها أرضاً بأن لم يكن علاها الملح.

( مسألة ٦ ) : إذا تيمم بالطين فلصق بيده يجب إزالته أولا ثمَّ المسح بها [٢] ، وفي جواز إزالته بالغسل إشكال [٣].

( مسألة ٧ ) : لا يجوز التيمم على التراب الممزوج بغيره من التبن أو الرماد أو نحو ذلك [٤]. وكذا على الطين الممزوج بالتبن ، فيشترط فيما يتيمم به عدم كونه مخلوطاً بما لا يجوز التيمم به إلا إذا كان ذلك الغير مستهلكا.

______________________________________________________

[١] كما في جامع المقاصد ، لأن الظاهر صدق الأرض عليه. ونحوه طين الخاوة ، وطين البصرة. ووجود خصوصية فيها لا توجد في بقية أنواع الطين غير قادح بعد صدق الأرض عليها كغيرها.

[٢] ليتحقق المسح باليد المعتبر فيه المباشرة وعدم الحائل.

[٣] كأنه لاحتمال عدم صدق المسح بأثر الأرض ، بل يكون بأثر الماء ، كما ادعاه بعض المحشين. لكنه غير ظاهر ، لمنافاته للإطلاق. مع أن لازمه عدم جواز مسح اليدين بغير الأرض من ثوب أو نحوه ، وهو خلاف ظاهرهم حيث لم يتعرضوا لهذا الشرط.

[٤] المزج تارة : يكون بلا تمييز للاجزاء ، بحيث يصدق على كل جزء عرفي أنه تراب وغيره ، كخلط التراب الناعم بالرماد كذلك. وقد‌

٣٨٨

______________________________________________________

يكون مع التمييز كالخلط بالتبن والحشيش.

والأول : لا إشكال في المنع عنه إذا كان التراب مستهلكاً عرفاً ، بحيث لا يصدق عليه أنه تراب ولو في الجملة. أما لو كان الخليط مستهلكاً في التراب : فالمشهور جواز التيمم به ، واختاره في المبسوط ، للإطلاق ولا سيما بملاحظة غلبة وجود الأجزاء الأجنبية المستهلكة في الأرض ، كما يقتضيه الاختلاف بالخصوصيات والآثار ، خلافاً لما عن صريح الخلاف وظاهر الغنية من المنع. وضعفه ـ على تقدير صدق النسبة ـ ظاهر. وأما لو لم يستهلك أحدهما في الآخر : ففي الشرائع ، وعن المبسوط والذكرى وجامع المقاصد وغيرها : المنع ، لعدم صدق الأرض أو التراب حينئذ. وصدق أنه تراب وخليط غير كاف ، لظهور الأدلة في اعتبار الصدق مطلقاً. وفي المنتهى ـ بعد ما حكى عن بعض الشافعية اعتبار الغلبة ـ قال : « وهو الأقوى عندي لبقاء الاسم ، ولأنه يتعذر في بعض المواضع ( يعني : التراب الخالص ) ». وفيه : ما عرفت من أن بقاء الاسم في الجملة غير كاف والتعذر في بعض المواضع لا يجدي في رفع اليد عن ظاهر الأدلة.

وأما المزج على النحو الثاني : فقدحه مبني على كون ظاهر الأدلة استيعاب الكف بالضرب. ولو بني على عدمه لم يكن قادحاً. وكأنه الى الثاني يومئ ما في المنتهى في الفرع الرابع : « لو اختلط التراب بما لا يعلق باليد كالشعير جاز التيمم منه ، لأن التراب موجود فيه والحائل لا يمنع من التصاق اليد به فكان سائغاً ». وفي كشف اللثام : « لعله يعني : أنه بالاعتماد يندفن بالتراب ، أو الكف تماس التراب إذا حركت لأنه لا يعلق بها ». وكيف كان لما كان ظاهر الأدلة لزوم الاستيعاب عرفاً كان اللازم البناء على قدح المزج المانع عنه.

٣٨٩

( مسألة ٨ ) : إذا لم يكن عنده إلا الثلج أو الجمد وأمكن إذابته وجب كما مر ، كما انه إذا لم يكن إلا الطين وأمكنه تجفيفه وجب [١].

( مسألة ٩ ) : إذا لم يكن عنده ما يتيمم به وجب تحصيله ولو بالشراء [٢] أو نحوه.

( مسألة ١٠ ) : إذا كان وظيفته التيمم بالغبار : يقدم ما غباره أزيد كما مر [٣].

( مسألة ١١ ) : يجوز التيمم اختياراً على الأرض الندية والتراب الندي [٤] ، وإن كان الأحوط مع وجود اليابسة تقديمها.

______________________________________________________

[١] كما تقدم.

[٢] لإطلاق وجوب الطهارة. نعم قد يشكل ذلك لو كان الشراء موجباً للضرر المالي المعتد به عرفاً ، لعموم نفي الضرر الموجب لرفع اليد عن دليل الوجوب. وثبوت ذلك في شراء ماء الوضوء للنص لا يلزم منه ثبوته في المقام. اللهم إلا أن يستفاد من قوله (ع) في بعض تلك النصوص : « وما يسرني به مال كثير » (١) أهمية الطهارة مطلقاً بالنسبة إلى الضرر لا خصوص الطهارة المائية. أو لأن أدلة التنزيل تقتضي ذلك.

[٣] هذا لم يمر بعنوان الفتوى ، وإنما مر بعنوان الاحتياط ، ومر الكلام فيه. نعم يمكن أن يستفاد من صحيح أبي بصير المتقدم (٢). لكنه كما ترى.

[٤] كما عن جماعة التصريح به. وعن التذكرة : « ليس من شرط‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب التيمم حديث : ١‌

(٢) تقدم في البحث عن التيمم بالغبار‌

٣٩٠

( مسألة ١٢ ) : إذا تيمم بما يعتقد جواز التيمم به فبان خلافه بطل ، وإن صلى به بطل [١] ووجبت الإعادة أو القضاء. وكذا لو اعتقد أنه من المرتبة المتقدمة فبان أنه من المتأخرة مع كون المتقدمة وظيفته.

( مسألة ١٣ ) : المناط في الطين الذي من المرتبة الثالثة كونه على وجه يلصق باليد [٢] ، ولذا عبر بعضهم عنه بالوحل فمع عدم لصوقه يكون من المرتبة الأولى ظاهراً ، وإن كان الأحوط تقديم اليابس والندي عليه.

______________________________________________________

التراب اليبوسة ، فلو كان ندياً لا يعلق باليد منه جاز التيمم به عند علمائنا وخالف الشافعي فمنع منه اختياراً واضطراراً ». وفي كشف اللثام : « يجوز اتفاقاً كما يظهر من التذكرة » ، ويقتضيه إطلاق الأدلة. نعم‌ في صحيح رفاعة : « فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه » (٢). وربما كان ظاهره اعتبار اليبوسة. وكأنه لذلك مال بعض المحدثين الى اعتبارها على ما حكي. اللهم إلا أن يحمل ـ بقرينة‌ قوله (ع) : « مبتلة ليس فيها ماء ولا تراب » ـ على الطين الذي هو غير ما نحن فيه ، ولا سيما بملاحظة أن الجفاف عدم البلل لا اليبوسة ، لا أقل من لزوم الحمل على ذلك من جهة ظاهر إجماع التذكرة. ومن ذلك تعرف وجه الاحتياط الآتي.

[١] لعدم ثبوت الاجزاء.

[٢] لأن الظاهر من الطين المعلق عليه الحكم في النصوص على تقدير تعذر الأرض والغبار هو ذلك ، ولا سيما بملاحظة ما تقدم من جواز التيمم بالأرض الندية.

__________________

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب التيمم حديث : ٤‌

٣٩١

فصل

يشترط فيما يتيمم به أن يكون طاهراً [١] ، فلو كان نجساً بطل وإن كان جاهلا بنجاسته أو ناسياً [٢] ، وإن لم يكن عنده من المرتبة المتقدمة إلا النجس ينتقل إلى اللاحقة [٣] ، وإن لم يكن من اللاحقة أيضاً إلا النجس كان فاقد الطهورين ويلحقه حكمه. ويشترط أيضاً عدم خلطه بما لا يجوز التيمم به كما مرّ. ويشترط أيضاً إباحته [٤] ،

______________________________________________________

فصل

[١] بلا خلاف كما عن المنتهى ، بل إجماعاً كما عن الناصريات والغنية وجامع المقاصد وإرشاد الجعفرية وغيرها. وفي التذكرة : « ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وهو قول الجمهور ». وهو الحجة فيه ، مضافاً الى قرب دعوى دخول الطهارة في مفهوم الطيب المأخوذ قيداً للصعيد في الآية الشريفة كما جزم به في التذكرة وحكي التفسير به عن أكثر المفسرين. والى انصراف الأدلة إليه بقرينة ارتكاز أن فاقد الشي‌ء لا يعطيه ، بل في جامع المقاصد تعليله بأن النجس لا يعقل كونه مطهراً. فتأمل.

[٢] لإطلاق ما تقدم.

[٣] لتعذر المشروط بتعذر شرطه.

[٤] فلا يجوز التيمم بالمغصوب ، وفي التذكرة : « ذهب إليه علماؤنا أجمع » ، لأن حرمة التصرف فيه مانعة من إمكان التقرب بالضرب عليه على نحو ما تقدم في اعتبار إباحة ماء الوضوء. لكنه يتوقف على دخول‌

٣٩٢

وإباحة مكانه [١] ، والفضاء الذي يتيمم فيه [٢] ومكان المتيمم [٣] فيبطل مع غصبية أحد هذه مع العلم والعمد. نعم لا يبطل مع الجهل والنسيان [٤].

( مسألة ١ ) : إذا كان التراب أو نحوه في آنية الذهب أو الفضة فتيمم به مع العلم والعمد بطل لأنه يعد استعمالاً لهما عرفا [٥].

______________________________________________________

الضرب في مفهوم التيمم ، وهو محل إشكال كما سيأتي.

[١] هذا يتم إذا كان الضرب عليه موجباً للتصرف في مكانه عرفاً. أما إذا لم يكن كذلك ، كما لو كان التراب في ظرف عميق مملوء منه ، فان الضرب على سطح التراب لا يعد تصرفاً في الظرف ، فلا يكون التيمم حراماً ولا مانعاً من التقرب به.

[٢] لأن غصب الفضاء موجب لحرمة حركة اليد المعتبرة في مسح الأعضاء ، لأنها تصرف فيه.

[٣] حرمة مكان المتيمم لا توجب حرمة فعل التيمم بوجه ، لأن جلوس المتيمم في مكان لا يدخل في مفهوم التيمم.

[٤] لأنهما عذران عقلا في جواز مخالفة الحرمة ، فلا يترتب عليها عقاب ، وحينئذ لا مانع من التقرب بفعل التيمم ، لأن المانع كونه مبعداً فيمتنع أن يكون مقرباً ، ومع العذر لا يكون مبعداً. فيصح أن يكون مقرباً ، كما أشرنا إليه سابقاً. وتحقيقه يطلب من الأصول.

[٥] يعني : فيحرم التيمم ، ولا يمكن التقرب به. وقد تقدم في مبحث الأواني ما له نفع في المقام. فراجع.

٣٩٣

( مسألة ٢ ) : إذا كان عنده ترابان مثلا أحدهما نجس يتيمم بهما [١]. كما أنه إذا اشتبه التراب بغيره يتيمم بهما. وأما إذا اشتبه المباح بالمغصوب اجتنب عنهما [٢]. ومع الانحصار انتقل إلى المرتبة اللاحقة. ومع فقدها يكون فاقد الطهورين كما إذا انحصر في المغصوب المعين.

( مسألة ٣ ) : إذا كان عنده ماء وتراب وعلم بغصبية أحدهما لا يجوز الوضوء ولا التيمم [٣]. ومع الانحصار يكون فاقد الطهورين. وأما لو علم نجاسة أحدهما أو كون أحدهما مضافاً يجب عليه مع الانحصار الجمع بين الوضوء والتيمم [٤] وصحت صلاته.

( مسألة ٤ ) : التراب المشكوك كونه نجساً يجوز التيمم به إلا مع كون حالته السابقة النجاسة.

______________________________________________________

[١] لوجوب الاحتياط عقلا من جهة العلم الإجمالي بوجوب التيمم بالطاهر بينهما. وكذا في الفرض الآني.

[٢] للعلم الإجمالي بحرمة التصرف في المغصوب منهما.

[٣] للعلم الإجمالي المتقدم. وما يتوهم من أن أصالة الحل في الماء توجب الوضوء به ، ويخرج التراب عن كونه محلا للابتلاء ، لعدم صحة التيمم به ، فلا يكون مجرى لأصالة الحل كي تعارض أصالة الحل في الماء. مندفع بأن الابتلاء بالتراب لا يختص بالتيمم به ، بل يكفي فيه كونه معرضاً للتصرف فيه ولو بالمس ونحوه.

[٤] للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما ، وقد عرفت أن الابتلاء بالتراب لا يختص بالتيمم به ، فأصالة الطهارة في الطرفين متعارضة. نعم لو فرض‌

٣٩٤

( مسألة ٥ ) لا يجوز التيمم بما يشك في كونه تراباً وغيره مما لا يتيمم به [١] كما مرّ ، فينتقل إلى المرتبة اللاحقة إن كانت [٢].

______________________________________________________

عدم الابتلاء بالتراب إلا من جهة التيمم فأصالة الطهارة في الماء بلا معارض لأنها ترفع الابتلاء بالتيمم ، فلا مجال لجريان أصالة الطهارة في التراب كي تعارضها.

ثمَّ إنه في فرض العلم بنجاسة أحدهما والابتلاء بهما يجب تقديم التيمم لأنه لو توضأ أولا يعلم بعدم صحة التيمم بعده إما لنجاسة أعضائه وإما لنجاسة التراب ، الملازمة لصحة الوضوء وعدم مشروعية التيمم. ونجاسة الأعضاء وإن لم تمنع من صحة التيمم عند الاضطرار. لكنها توجب نقصه بنحو لا يجوز إيقاع النفس فيه. كما أنه لو قدم التيمم يلزمه مسح الأعضاء عن الغبار ، لئلا يتنجس الماء بملاقاة الأعضاء. واحتمال نجاسة الأعضاء لنجاسة الماء غير قادح على ما هو مقرر في ملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة.

[١] إلا أن تكون حالته السابقة كونه تراباً فتستصحب ، ويصح التيمم به إذا كانت الشبهة موضوعية. أما إذا كانت مفهومية فلم يجر الاستصحاب ، لما عرفت من عدم جريانه في المفهوم المردد.

[٢] لأصالة عدم وجود التراب. والعلم الإجمالي بوجوب التيمم إما بالمشكوك أو بالمرتبة اللاحقة منحل بالأصل المذكور ، لأن الحكم بوجوب التيمم بالمرتبة اللاحقة موضوعه عدم وجود التراب ، وهو يثبت بالأصل المذكور ، وإذا ثبت التكليف تعبداً في أحد أطراف الشبهة انحل العلم الإجمالي وأمكن الرجوع الى أصالة البراءة في الطرف الآخر. نعم لو كان‌

٣٩٥

وإلا فالأحوط الجمع بين التيمم به والصلاة ثمَّ القضاء خارج الوقت أيضاً [١].

( مسألة ٦ ) : المحبوس في مكان مغصوب يجوز أن يتيمم فيه‌

______________________________________________________

موضوع وجوب التيمم بالمرتبة اللاحقة أن لا يكون المشكوك تراباً بنحو مفاد ليس الناقصة ، فحيث لا أصل ينفي كونه تراباً لم يثبت التكليف في الطرف الآخر تعبداً كي ينحل به العلم الإجمالي ، فلا بد من الاحتياط ، لكن عرفت أن ظاهر الأدلة أن موضوع وجوب التيمم بالمرتبة اللاحقة أن لا يكون تراب بنحو مفاد ليس التامة. اللهم إلا أن يقال : وجوب التيمم بالمرتبة السابقة لما كان من قبيل الوجوب المطلق وجب في نظر العقل الاحتياط في موافقته مع الشك في القدرة عليه ، وأصالة عدم المرتبة السابقة لا تنفي ذلك وان ترتب عليها وجوب المرتبة اللاحقة. وقد تقدم نظير ذلك في أول المبحث ، وذكرنا هناك : أن الأصل المذكور لما كان يثبت التيمم في المرتبة الثانية بعنوان البدلية كان موجباً للعذر عند العقل ، ولا مجال لجريان أصالة الاحتياط عند الشك في القدرة. فتأمل جيداً.

[١] أما الجمع فهو مقتضى العلم الإجمالي بوجوب أحد الأمرين ، وعدم الجزم به ناشئ من احتمال كون المقام من قبيل الفرض الأول ، بأن يكون وجوب القضاء مرتباً على عدم وجود ما يتطهر به الذي هو مجرى للأصل ، وإذا ثبت وجوب القضاء بالأصل انحل العلم الإجمالي. هذا ولكن ترتب القضاء على عدم وجود ما يتطهر به ليس شرعياً ، إذ لم يثبت في القضايا الشرعية ، وإنما هو عقلي ، لأنه إذا لم يوجد ما يتطهر به فات الأداء ووجب القضاء ، فاذا لم يثبت ما يوجب انحلال العلم الإجمالي وجب الاحتياط. فتأمل جيداً.

٣٩٦

فيه على إشكال ، لأن هذا المقدار [١] لا يعد تصرفاً زائداً [٢] بل لو توضأ بالماء الذي فيه وكان مما لا قيمة له يمكن أن يقال بجوازه [٣]. والاشكال فيه أشد ، والأحوط الجمع فيه بين‌

______________________________________________________

[١] تعليل لجواز التيمم.

[٢] كما يظهر من جامع المقاصد ، فإنه قال : « ولو حبس المكلف في مكان مغصوب ولم يجد ماء مباحاً أو لزم من استعماله إضرار بالمكان يتيمم بترابه الطاهر وإن وجد غيره ، لان الإكراه أخرجه عن النهي فصارت الأكوان مباحة ، لامتناع التكليف بما لا يطاق إلا ما يلزم منه ضرر زائد على أصل الكون ، ومن ثمَّ جاز له أن يصلي وينام ويقوم ». لكنه إنما يتم بالنسبة إلى الفضاء حيث أن اليد لا بد أن تشغل المقدار الذي يسعها من القضاء ، سواء كان المتصل بالأرض أم غيره ، أما بالنسبة إلى الأرض فلا يتم ، لأن الضرب على الأرض تصرف فيها زائد على التصرف في الفضاء ، فلا يجوّزه الاضطرار الى شغل الفضاء بالجسم. ومن ذلك يظهر الإشكال في جواز الصلاة والنوم.

[٣] مجرد كون الشي‌ء مما لا قيمة له لا يسوغ التصرف فيه إذا كان ملكاً للغير ، فلا يجوز التصرف في حبة من حنطة الغير وإن كانت مما لا قيمة له. وكأن هذا القول مبني على أن دليل تحريم التصرف يختص بما له قيمة. فإن التوقيع الشريف المشهور : « فلا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره .. » (١) ، وموثق سماعة : « لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه » (٢) موضوعهما المال ، وهو يختص بما له قيمة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام حديث : ٦‌

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب مكان المصلي حديث : ١‌

٣٩٧

الوضوء والتيمم والصلاة ثمَّ إعادتها أو قضاؤها بعد ذلك [١].

( مسألة ٧ ) : إذا لم يكن عنده من التراب أو غيره مما يتيمم به ما يكفي لكفيه معاً يكرّر الضرب حتى يتحقق الضرب بتمام الكفين عليه [٢]. وإن لم يمكن يكتفي بما يمكن ويأتي بالمرتبة المتأخرة أيضاً إن كانت ويصلي. وإن لم تكن فيكتفي به ويحتاط بالإعادة أو القضاء أيضاً.

( مسألة ٨ ) : يستحب أن يكون على ما يتيمم به غبار يعلق باليد [٣] ،

______________________________________________________

ولا يشمل ما لا قيمة له. لكن الذي يظهر من كلامهم الاتفاق على عدم جواز غصب ما لا مالية له وحرمة التصرف فيه. فلاحظ كلامهم في مبحث اعتبار إباحة الماء في الوضوء والتراب في التيمم. فالمنع عن الوضوء متعين كما في غير المحبوس.

[١] هذا أحوط بالإضافة إلى التكليف بالصلاة لا بالإضافة إلى حرمة الغصب.

[٢] هذا وإن لم يتضح وجهه سوى قاعدة الميسور التي لم تثبت كلية ، إلا أن الظاهر أنه لا إشكال فيه ، وإن لم أقف عاجلاً على من تعرض له. ومن ذلك تعرف الوجه في الاحتياط الآتي.

[٣] بل الذي اختاره جماعة لزومه ، منهم السيد والبهائي ووالده والكاشاني والبهبهاني والبحراني على ما حكى عنهم ، بل حكي عن أكثر الطبقة الثالثة ، للأصل ولظهور أدلة الطهورية في كون التراب كالماء ، ولقوله تعالى : ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) (١) لظهور « من » في التبعيض كما يظهر من‌

__________________

(١) المائدة : ٦.

٣٩٨

ويستحب أيضاً نفضها بعد الضرب [١].

______________________________________________________

ملاحظة النظائر. فعن الكشاف : « لا يفهم أحد من العرب من قول القائل : ( مسحت برأسي من الدهن ومن الماء ومن التراب ) إلا معنى التبعيض ». ومنه يظهر الاستدلال بما في بعض الصحاح من قولهم (ع) : « فليمسح من الأرض » (١). ولما في صحيح زرارة المتقدم من قول أبي جعفر (ع) : « لأنه علم أن ذلك أجمع لم يجر على الوجه لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها » (٢).

لكن الجميع لا يخلو من خدش إذ الأصل مقطوع بالأدلة البيانية. وكذا أدلة الطهورية. ولأجل تلك الأدلة البيانية تحمل الآية ونحوها من النصوص على إرادة المسح من أثر الصعيد لا من نفسه ، فان التصرف المذكور أقرب من حمل تلك الأدلة على اعتبار العلوق ، ولا سيما مع كون ما يعلق باليد مما لا يعد صعيداً عرفاً ، ولا يجوز التيمم به اختياراً ، ولا سيما بملاحظة ما دل على استحباب النفض من النص (٣) والإجماع. وبه أيضاً يشكل ما في صحيح زرارة. مضافاً الى إشكال ظاهره في نفسه كما أشرنا إلى ذلك في أول المبحث. فراجع ومما ذكرنا يظهر وجه ما هو المشهور من عدم اعتبار العلوق. بل في جامع المقاصد : نسبة اعتبار العلوق الى ابن الجنيد لا غير. وعن ظاهر المنتهى الإجماع على العدم. بل مما ذكرنا يشكل الحكم باستحبابه إلا بناء على قاعدة التسامح ، والاكتفاء فيها بفتوى الفقيه. فلاحظ وتأمل.

[١] في المدارك : « انه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفاً. وأسنده‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب التيمم حديث : ٧‌

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب التيمم حديث : ١‌

(٣) يأتي ذكرها في التعليقة الآتية‌

٣٩٩

( مسألة ٩ ) : يستحب أن يكون ما يتيمم به من ربي الأرض وعواليها [١] ، لبعدها عن النجاسة.

( مسألة ١٠ ) : يكره التيمم بالأرض السبخة [٢] إذا لم‌

______________________________________________________

في المنتهى الى علمائنا ». وعن المختلف : انه مذهب الأصحاب عدا ابن الجنيد : ويشهد له صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « تضرب بيديك مرتين ثمَّ تنفضهما ، نفضة للوجه ومرة لليدين » (١) ، وخبر ليث : « تضرب بكفيك على الأرض مرتين ثمَّ تنفضهما وتمسح بهما. » (٢) ، وخبر زرارة : « تضرب بكفيك الأرض ثمَّ تنفضهما » (٣) ، وغيرها المحمولة على الاستحباب بقرينة ما سبق. وما يظهر من المقاصد العلية من القول بوجوبه ضعيف. قال في المدارك : « وقد أجمع الأصحاب على عدم وجوبه. قاله في التذكرة ».

[١] إجماعاً كما عن الخلاف والمعتبر وظاهر التذكرة وجامع المقاصد. وفي محكي الرضوي : تفسير الصعيد بالموضع المرتفع (٤).

[٢] أما الجواز : فعليه الإجماع صريحاً ـ كما عن المعتبر والتذكرة ـ وظاهراً كما عن غيرها. وفي المدارك : نسبته إلى علمائنا أجمع عدا ابن الجنيد. ويشهد له إطلاق الأدلة. وما عن ابن الجنيد من المنع ضعيف غير ظاهر الوجه. وما عن أبي عبيدة من أن الصعيد التراب الذي لا يخالطه سبخ ولا رمل لا يعارض ما عن غيره من أهل اللغة. وأما الكراهة : فعليها الإجماع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب التيمم حديث : ٤. هكذا وردت هذه الرواية في النسخ المصححة ولكن رواها في المعتبر هكذا ( مرة للوجه ومرة لليدين ) راجع مسألة : ١٨ من فصل كيفية التيمم.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب التيمم حديث : ٢‌

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب التيمم حديث : ٧‌

(٤) مستدرك الوسائل باب : ٥ من أبواب التيمم حديث : ٢‌

٤٠٠