مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٠٩

ذكر بعضهم عدم نفوذها إلا بإجازة الولي [١] ، لكن الأقوى صحتها [٢] ووجوب العمل بها ، والأحوط إذنهما معاً.

______________________________________________________

[١] بل في المسالك : انه المشهور. وظاهر محكي المختلف : انه مذهب العلماء. لقوله : « لم يعتبر علماؤنا ما ذكر ابن الجنيد من تقديم الوصي ». وقريب منه ما في جامع المقاصد كما يأتي ، لعموم دليل الولاية ولا يعارضه عموم نفوذ الوصية ، لتخصيصه بغير الجنف ، وهو حاصل ، لأنها وصية بحق الغير ، فيكون دليل الولاية حاكما عليه.

[٢] وعن المدارك : نفي البأس فيه. وفي جامع المقاصد الميل اليه ، قال : « واعلم أن ظاهر العبارة ـ يعني عبارة القواعد ـ حصر الولاية في من ذكر ، فالموصى إليه بالصلاة من الميت لا ولاية له إلا أن يقدمه الولي لإطلاق الآية. ويمكن أن يقال : إطلاق وجوب الوفاء بالوصية يقتضي ثبوت الولاية له ، ولأن الميت ربما آثر شخصاً لعلمه بصلاحه فطمع في إجابة دعائه ، فمنعه من ذلك وحرمانه ما أمله بعيد ، وهو منقول عن ابن الجنيد ». ولم يتعرض لدفع إشكال معارضة إطلاق الولاية مع إطلاق وجوب الوفاء بالوصية ، وكأنه لقرب دعوى انصراف أدلة الولاية عن صورة الوصية ، لأن ولاية الوصي بحسب ارتكاز العقلاء من باب ولاية الميت على نفسه مالا ، وأدلة الولاية إنما تدل على أولوية الأقرب من القريب والأجنبي ، لا على أولويته من الميت نفسه ، فأدلة نفوذ الوصية بلا معارض ، وأدلة الولاية إنما تمنع من تصرف الوصي من حيث نفسه ولا تمنع عنه من حيث كونه كالوكيل عن الميت ، فعموم وجوب العمل بالوصية محكم.

وفي المسالك ـ في كتاب الوصية ـ قال : « الحاكم له الولاية على‌

٦١

ولا يجب قبول الوصية على ذلك الغير [١] وإن كان أحوط.

( مسألة ٨ ) إذا رجع الولي عن إذنه في أثناء العمل لا يجوز للمأذون الإتمام [٢].

______________________________________________________

الوصايا مع عدم الوصي ، وليس له ذلك مع وجوده ». واستظهر منه التفصيل بين ولاية الحاكم فتنفذ الوصية على خلافها ، وولاية غيره فلا تنفذ وفيه : ما أشرنا إليه في ذيل المسألة الاولى من أن ولاية الحاكم من باب الحسبة فرع ثبوت الولاية لغيره ، ليتحقق المنع من التصرف الذي هو شرطها ، فيتعذر التفصيل ، لأن ولاية غيره تكون مانعة من الوصية ، وولايته من باب آخر غير ثابتة.

[١] الظاهر أن المراد صورة الوصية بالفعل ، بأن أوصى أن يباشر بتجهيزه شخص معين. وعليه فعدم وجوب القبول مقتضى أصالة البراءة ، لعدم الدليل على الوجوب. ولو كان مراده صورة الوصية بالولاية ، بأن جعل شخصاً معيناً وليه على التجهيز ، فمقتضى عموم ما دل على عدم جواز رد الوصية وجوب القبول إذا لم يرد حال حياة الموصي ، إذ لم يتضح للمورد خصوصية بالنسبة إلى غيره من الموارد في جواز الرد حال الحياة وعدمه بعد الوفاة ، لإطلاق النصوص المتضمنة للحكمين الشاملة للمورد (١). اللهم إلا أن يدعى انصرافه الى خصوص صورة لزوم ضياع الوصية لو لم يقبل الوصي بل ذلك ظاهر بعض النصوص (٢) ، فلا يشمل ما كان واجباً على عامة المكلفين كفاية ، وقد جعل الشارع له ولياً. فتأمل.

[٢] عملا بمقتضى ولايته. وكذا في ما بعده.

__________________

(١) الوسائل ، باب : ٢٣ من أبواب الوصايا.

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الوصايا.

٦٢

______________________________________________________

وكذا إذا تبدل الولي بأن صار غير البالغ بالغاً ، أو الغائب حاضراً أو جن الولي ، أو مات ، فانتقلت الولاية إلى غيره.

( مسألة ٩ ) إذا حضر الغائب ، أو بلغ الصبي ، أو أفاق المجنون بعد تمام العمل من الغسل أو الصلاة ـ مثلا ـ ليس له الإلزام بالإعادة [١].

( مسألة ١٠ ) إذا ادعى شخص كونه ولياً ، أو مأذوناً من قبله ، أو وصيا فالظاهر جواز الاكتفاء بقوله ما لم يعارضه غيره [٢] ، وإلا احتاج الى البينة ، ومع عدمها لا بد من الاحتياط.

( مسألة ١١ ) إذا أكره الولي أو غيره شخصاً على التغسيل أو الصلاة على الميت ، فالظاهر صحة العمل إذا حصل منه قصد القربة ، لأنه ـ أيضاً ـ مكلف [٣] كالمكره.

( مسألة ١٢ ) حاصل ترتيب الأولياء : أن الزوج مقدم على غيره ، ثمَّ المالك ، ثمَّ الأب ، ثمَّ الأم ، ثمَّ الذكور من الأولاد البالغين ثمَّ الإناث البالغات ، ثمَّ أولاد الأولاد ، ثمَّ الجد ، ثمَّ الجدة ،

______________________________________________________

[١] لوقوع العمل صحيحاً ، فلا مجال للإعادة. نعم إذا كانت الغيبة غير موجبة لسقوط ولاية الغائب لعدم منافاتها لوجوب التجهيز ، أمكن القول بوقوع العمل باطلا ، لوقوعه بدون إذن الولي.

[٢] كأنه لقيام السيرة على القبول ، لكن في الإطلاق تأمل. نعم لا يبعد ثبوتها إذا كان ظاهر يصدق دعواه.

[٣] يعني فيكون قد أدى ما هو الواجب عليه وعلى غيره كفاية. لكن الإشكال في نية التقرب ، لأن امتثال الأمر يكون بداعي امتثال أمر المكره ـ بالكسر ـ وإشكال التقرب إذا كان بنحو داعي الداعي مشهور‌

٦٣

ثمَّ الأخ ، ثمَّ الأخت ، ثمَّ أولادهما ، ثمَّ الأعمام ، ثمَّ الأخوال ثمَّ أولادهما ، ثمَّ المولى المعتق ، ثمَّ ضامن الجريرة ، ثمَّ الحاكم ، ثمَّ عدول المؤمنين.

فصل في تغسيل الميت

يجب كفاية تغسيل كل مسلم ، سواء كان اثني عشرياً [١]

______________________________________________________

لكن المصنف (ره) لا يعترف بالإشكال المذكور. ويحتمل أن يكون غرضه من حصول نية التقرب له صورة ما لو كان المكره ـ بالفتح ـ قد انبعث قبل الفعل عن أمر المكره ـ بالكسر ـ لكن مقارنا للفعل نوى التقرب غير ملتفت إلى أمر المكره ، وهو بعيد. لكن الاشكال المذكور لا يختص بالمقام ، بل يجري في جميع موارد الأمر بالمعروف إذا كان عبادة ويقوّي الاشكال المذكور ما ذكروه في نية القربة من لزوم امتثال أمر الله تعالى ، إما لأنه أهل ، أو لخوف العقاب ، أو لرجاء الثواب ، أو نحو ذلك ، ولم يذكروا صورة امتثال أمر الله تعالى بداعي أمر شخص خوفا من إدخاله المكروه عليه ، فان حصرهم الصور الصحيحة في غير ذلك يدل على بنائهم على البطلان في غيرها ، ومنه المقام. فلا بد إما من الالتزام بامتناع الأمر بالمعروف إذا كان عبادة للزوم الخلف ، أو الاجتزاء بمجرد صورة العبادة وإن لم تكن واقعة على وجه العبادية ، أو الالتزام بأن الأمر بالمعروف لما كان واجباً شرعا كان الانقياد اليه انقياداً لأمر الشارع. وبذلك افترق عن المقام ، فإن أمر المولى هنا ليس من ذلك القبيل. فلاحظ والله سبحانه أعلم.

فصل في تغسيل الميت‌

[١] بلا خلاف ولا إشكال ، بل الإجماع عليه قطعي.

٦٤

أو غيره [١].

______________________________________________________

[١] على المشهور كما عن جماعة ، منهم الشهيد في الذكرى. بل ظاهر ما عن التذكرة ونهاية الاحكام من الإجماع على وجوب تغسيل كل مسلم : الإجماع عليه. واستدل له بإطلاق بعض النصوص. مثل موثق سماعة عن أبي عبد الله (ع) : « غسل الميت واجب » (١) ، ومضمر أبي خالد قال : « اغسل كل الموتى الغريق وأكيل السبع وكل شي‌ء إلا ما قتل بين الصفين » (٢). وبما دل على وجوب الصلاة عليه (٣) بضميمة عدم الفصل بينها وبين الغسل. ونوقش في إطلاق الأول بأنه وارد مورد أصل التشريع. وفي عموم الثاني بأنه وارد للعموم بلحاظ أنواع سبب الموت ، لا أنواع الاعتقاد ، ولا الافراد ، والإجماع على امتناع الفصل غير ثابت ، مضافاً الى تعليل وجوب الغسل في بعض النصوص (٤) بأنه تنظيف له ، وجعله أقرب الى رحمة الله تعالى ، وأليق بشفاعة الملائكة ، ولتلاقيه الملائكة وهو ظاهر ، ونحو ذلك وهذا مما لا يقصد من تغسيل المخالف قطعاً ، فلم يبق إلا دعوى الإجماع على وجوبه ، لكن لا مجال للاعتماد عليها ، لما عن المقنعة ، والتهذيب والمراسم ، والمهذب ، والمعتبر من عدم وجوب تغسيله ، واختاره جماعة من متأخري المتأخرين ، منهم السيد في المدارك ، وكاشف اللثام ، بل ذكر فيه : أنه لم ير موافقاً لمصنفه في التنصيص على الوجوب ، واحتمل تنزيل الوجوب في كلام مصنفه على الوجوب للتقية ، وحكى عن المفيد النص على الحرمة لغير تقية.

__________________

(١) الوسائل ، باب : ١ من أبواب غسل الميت حديث : ١.

(٢) الوسائل ، باب : ١٤ من أبواب غسل الميت حديث : ٣.

(٣) الوسائل ، باب : ٣٧ من أبواب صلاة الجنازة.

(٤) الوسائل ، باب : ١ من أبواب غسل الميت ، حديث : ٣ و ٤.

٦٥

______________________________________________________

وأما ما يستدل به عليه مما ورد في وجوب المعاملة مع المحالف معاملة المسلم المؤمن‌ (١) في الأمور المتعلقة بالمعاشرة ، التي من أهمها أن لا يعامل مع موتاهم معاملة الكلاب ، كما في كلام شيخنا الأعظم (ره). ففيه : أن غاية ما يقتضيه هو وجوب المعاملة ظاهراً بذلك مداراة لهم ، والظاهر أن هذا ليس من محل الكلام ، بل محله وجوب الغسل لهم كوجوبه لغيرهم وان لم يترتب عليه شي‌ء من المداراة.

نعم قد يدفع الإشكال في التمسك للوجوب بإطلاق معقد الإجماع بأنه لا يقدح فيه مخالفة من سبق ، لكون ظاهر بعض وصريح آخرين كون الوجه في خلافهم البناء على كفرهم ، كما تقدم ذلك في مبحث نجاسة المخالف ولذلك استدل في التهذيب على ما في المقنعة ـ من أنه لا يجوز لأحد من أهل الايمان ان يغسل مخالفاً للحق في الولاية ـ بأن المخالف لأهل الحق كافر ، فيجب أن يكون حكمه حكم الكفار. لكن عرفت في مبحث نجاسة المخالف أن مرادهم من الكافر معنى آخر غير هذا المعنى. فتأمل مضافاً الى أن الاعتماد على مثل هذا الإجماع التقديري غير ظاهر ، ولا سيما بعد ملاحظة ما تقدم في كشف اللثام من عدم الوقوف على ناص على الوجوب اللهم إلا أن يكون موهوناً بحكاية جماعة من الأساطين الشهرة على الوجوب. فتأمل.

وقد يستدل له أيضاً بما دل على وجوب الصلاة عليهم بضميمة ما دل على اشتراط الغسل في الصلاة. وفيه : أن دليل الترتيب والشرطية إنما يدل على ذلك في ظرف مشروعية الغسل ، فلا يصلح للدلالة على أصل المشروعية. وبما علم من سيرة النبي (ص) وأمير المؤمنين (ع) ومن بعده‌

__________________

(١) الوسائل ، باب : ١ من أبواب أحكام العشرة.

٦٦

لكن يجب أن يكون بطريق مذهب الاثني عشري [١].

______________________________________________________

من أئمة الهدى (ع) من عدم الردع عن وجوب تغسيل أحد المنافقين أو المخالفين. لكن ثبوت ذلك على نحو يمكن فيه الردع وأنه لم يردع غير واضح. وبالجملة : صناعة الاستدلال لا تساعد القول بالوجوب وإن كان الظن يقتضي ذلك ، بل هو الذي تطمئن به النفس. أما التعليل في بعض النصوص بما تقدم فلا يصلح للنفي لكونه من قبيل حكمة التشريع ، فالمسألة لا تخلو من إشكال.

[١] كما ذكر في المستند ، والحدائق ، والجواهر ، وغيرها. لكن في جامع المقاصد : « أن ظاهرهم أنه لا يجوز تغسيله غسل أهل الولاية ، ولا نعرف لأحد تصريحاً بخلافه » ولكنه يتم لو كان المستند في وجوبه المداراة أما لو كان إطلاق رواية سماعة‌ ، أو عموم رواية أبي خالد‌ ، أو ما دل على وجوب الصلاة عليهم بضميمة ما دل على اشتراطها بالغسل ، فالواجب تغسيله غسلنا ، فإنه الغسل الصحيح المأمور به واقعاً. وأما الإجماع على وجوب تغسيل كل مسلم فإطلاقه وان كان يقتضي ذلك ، لكن بناء بعضهم على كون التغسيل على طريقة المخالف مانع من الأخذ بالإطلاق ، بل في كون مقتضى المداراة تغسيله غسلهم منع إذا علم كون تغسيلنا مخالفاً لتغسيلهم إذ معه يعلم أنا نعتقد بطلان الغسل فيكون بمنزلة العدم عندنا. فتأمل. وأما قاعدة : « ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم » ، فدلالتها على تغسيلهم غسلهم لا تخلو من قصور كما في طهارة شيخنا الأعظم ، ومحل مناقشة كما في الجواهر : « لكون التغسيل خطاباً للمغسل لا للميت ». لكن يكفي في صدق الإلزام اعتقاده أن غسل الميت ـ حتى نفسه ـ بالكيفية الخاصة وإن لم يكن مخاطباً بذلك. نعم قد تشكل القاعدة بعدم ظهور شمولها‌

٦٧

ولا يجوز تغسيل الكافر [١] وتكفينه ودفنه بجميع أقسامه من الكتابي ، والمشرك ، والحربي ، والغالي ، والناصبي ، والخارجي والمرتد الفطري ، والملي إذا مات بلا توبة [٢] ، وأطفال المسلمين بحكمهم [٣] ، وأطفال الكفار بحكمهم [٤] ، وولد الزنا من المسلم بحكمه [٥] ،

______________________________________________________

للأموات ، وبعدم اقتضائها لزوم الإلزام لأنها واردة مورد الإرفاق.

[١] إجماعا كما عن الشيخ ، والعلامة ، والشهيد. بل قيل : إن دعواه متواترة. ويشهد به موثق عمار عن الصادق (ع) : « سئل عن النصراني يكون في السفر وهو مع المسلمين فيموت. قال (ع) : لا يغسله مسلم ولا كرامة ـ ولا يدفنه ، ولا يقوم على قبره وإن كان أباه » (١) وفي رواية الاحتجاج لكلام وقع بين الحسين (ع) ومعاوية ( لع ) قال الحسين (ع) : « يا معاوية لكنا لو قتلنا شيعتك ما كفناهم ولا غسلناهم ولا صلينا عليهم ولا دفناهم » (٢).

[٢] أما إذا مات بعد التوبة فالظاهر وجوب تغسيله بناء على قبول توبته ظاهراً وباطناً ، كما تقدم ذلك في مبحث مطهرية الإسلام بعد الكفر فراجع.

[٣] بلا إشكال كما في الجواهر ، بل حكي عليه الإجماع ، ويدل عليه ما ورد في تغسيل الصبي والصبية ، كما سيأتي إن شاء الله.

[٤] بلا إشكال كما في الجواهر ، وتقتضيه السيرة القطعية.

[٥] إجماعاً كما في الجواهر عن الخلاف. ويقتضيه العموم المتقدم في المخالف بناءً على تماميته ، والا فالأصل يقتضي العدم.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب غسل الميت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب غسل الميت حديث : ٣.

٦٨

ومن الكافر بحكمه [١] ، والمجنون إن وصف الإسلام بعد بلوغه مسلم [٢] ، وإن وصف الكفر كافر ، وإن اتصل جنونه بصغره فحكمه حكم الطفل في لحوقه بأبيه أو أمه. والطفل الأسير تابع لآسره [٣] إن لم يكن معه أبوه [٤] أو أمه بل أو جدّه‌

______________________________________________________

[١] ولم يستبعد في الجواهر تغسيله ، لعدم الحكم بكفره ، فيدخل تحت عموم وجوب التغسيل المتقدم ، ولا سيما مع ما دل على أن كل مولود يولد على الفطرة (١). وفيه : أن العموم قد عرفت إشكاله ، وحديث الفطرة أعرض الأصحاب عن العمل بمقتضاه ، كما اعترف به في لقطة الجواهر وغيرها.

[٢] إجماعا كما في المستند ، وتقتضيه العمومات. مع أن إجراء مثل هذا الحكم من مرتكزات المتشرعة وعليه سيرتهم ، ولأجلهما يجري حكم الكافر على من وصف الكفر ثمَّ جن. وكذا يجري حكم الطفل على من اتصل جنونه بصغره. مضافاً إلى الاستصحاب ، إلا أنه تعليقي.

[٣] كما عن الإسكافي ، والشيخ ، والقاضي ، والشهيد. وليس عليه دليل ظاهر ، بل مقتضى الاستصحاب خلافه. وقد عرفت في مبحث المطهرات الإشكال في الوجوه المستدل بها على الطهارة بالتبعية المنسوبة إلى الأصحاب فضلا عن المقام الذي يكون مقتضى الأصل فيه العدم. والعمدة فيه دعوى السيرة المستمرة في سائر الأعصار والأمصار على إجراء حكم المسلم عليه حياً وميتاً ، في طهارة وغيرها ، كما في لقطة الجواهر.

[٤] فإنه خارج حينئذ عن مورد السيرة. وقد تقدم عن الرياض‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب الجهاد ، حديث : ٣. وقد تقدم التعرض لسند هذا الحديث ومتنه في مبحث مطهرية التبعية ص ، ١٢٧ من الجزء الثاني.

٦٩

أو جدّته. ولقيط دار الإسلام بحكم المسلم [١] ، وكذا لقيط دار الكفر إن كان فيها مسلم يحتمل تولده منه. ولا فرق في وجوب تغسيل المسلم بين الصغير والكبير ، حتى السقط إذا تمَّ له أربعة أشهر [٢] ،

______________________________________________________

والجواهر : دعوى الوفاق ونفي الخلاف في البقاء على الكفر إذا كان مع أبيه أو جده. وفي لقطة الجواهر نفي وجدان الخلاف في عدم الحكم بإسلامه إذا كان معه أحد أبويه الكافرين.

[١] في الدروس : « المراد بدار الإسلام ما ينفذ فيها حكم الإسلام فلا يكون فيها كافر إلا معاهداً ». وعن غيره تعريفها بغير ذلك. ولا بهم تحقيق المراد منها بعد أن يكون الدار على وجود المسلم الذي يصلح لتولد اللقيط منه ، إذ لا ينبغي التأمل في اعتبار ذلك مطلقاً ، وحينئذ لا فرق بين دار الإسلام ودار الكفر بأي معنى. ولا دليل يصلح للاعتماد عليه في الحكم بإسلام اللقيط في دار الإسلام ودار الكفر إن كان فيها مسلم إلا الإجماع ، أما حديث الفطرة فقد عرفت عدم عمل الأصحاب بمقتضاه ، وحديث : « الإسلام يعلو ولا يعلى عليه » (١) قاصر الدلالة. وإذ كان المعتمد الإجماع فاللازم الاقتصار في مورده على المتيقن والرجوع في غيره إلى الأصل. وتحقيق ذلك كله موكول الى محله من كتاب اللقطة. فراجع.

[٢] نسب إلى الأصحاب ، كما في الذكرى وجامع المقاصد وعن التنقيح بل عن الخلاف : الإجماع عليه. وفي المعتبر : نسبته إلى علمائنا. ويشهد له خبر زرارة عن أبي عبد الله (ع) : « السقط إذا تمَّ له أربعة أشهر‌

__________________

(١) الوسائل ، باب : ١ من أبواب موانع الإرث ، حديث : ١١ ، وقد رواه في كنز العمال حديث : ٢٤٦ و ٣١١ خالياً عن كلمة ( عليه ) ونقله أيضاً خالياً عنها في الجامع الصغير باب الهمزة المحل بال.

٧٠

______________________________________________________

غسل » (١) ، ونحوه مرفوع أحمد بن محمد (٢) ، وضعف السند مجبور بقبول الأصحاب كما في المعتبر ، أو بإطباقهم على الحكم كما في جامع المقاصد مضافا الى‌ موثق سماعة عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عن السقط إذا استوت خلقته يجب عليه الغسل واللحد والكفن؟ قال (ع) : نعم. كل ذلك يجب عليه إذا استوى » (٣) ، ورواه في الكافي عن سماعة عن أبي الحسن الأول (ع) (٤) ، لكن اقتصر في الجواب على قوله (ع) : « كل ذا يجب عليه » ، فيدل على الحكم المذكور بضميمة ما دل على تحقق الاستواء في الأربعة كجملة من النصوص التي رواها في الحدائق ، منها : الموثق عن الحسن بن الجهم : « سمعت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام يقول : قال أبو جعفر عليه‌السلام : إن النطفة تكون في الرحم أربعين يوماً ، ثمَّ تصير علقة أربعين يوماً ، ثمَّ تصير مضغة أربعين يوماً ، فاذا كمل أربعة أشهر بعث الله تعالى ملكين خلاَّقين فيقولان يا رب ما تخلق ذكراً أو أنثى؟ فيؤمران .. » (٥) ، ونحوه غيره. ولأجلهما قال في الحدائق ـ بعد ما نقل ما عن المدارك من أن إثبات التلازم بين الأمرين مشكل ـ : « لا إشكال بحمد الله المتعال بعد ورود ذلك في أخبار الآل » ثمَّ ادعى بعد ذلك صراحة النصوص بتمام الخلقة بتمام الأربعة أشهر. لكن في الجواهر : « لا دلالة في استئذان الملكين على التمامية ، ولا سيما بعد ما عساه يظهر من خبر زرارة عن الصادق (ع) : إذا سقط لستة أشهر فهو‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب غسل الميت ، حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب غسل الميت ، حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب غسل الميت ، حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ١٢ من أبواب غسل الميت ، ملحق الحديث الأول.

(٥) الكافي باب بدء الخلق ـ باب : ٦ ـ من كتاب العقيقة حديث : ٣.

٧١

ويجب تكفينه ودفنه على المتعارف [١] ، لكن لا تجب الصلاة عليه [٢] ، بل لا يستحب أيضاً. وإذا كان للسقط أقل من أربعة أشهر لا يجب غسله [٣] ،

______________________________________________________

تام وذلك أن الحسين بن علي (ع) ولد وهو ابن ستة أشهر .. » (١).

أقول : ظاهر الاستئذان في خلقة الذكر والأنثى إن المخلوق قبل هذا الاستئذان المقدار المشترك بينهما دون ما به الامتياز بينهما ، وذلك يقتضي عدم تمامية الخلقة بالأربعة أشهر لنقصه عما به الامتياز ، وحينئذ تستحكم المعارضة بين هذه النصوص ونصوص الأربعة ، ولكن الجمع العرفي يقتضي حمل الاستواء على المقدار الحاصل بالأربعة أشهر حملا للظاهر على الأظهر. هذا بالإضافة إلى المتن الذي رواه في التهذيب ، أما متن الكافي فالشرط لما لم يذكر في الجواب وإنما ذكر في السؤال فقط لم يكن له مفهوم ، وحينئذ لا يصلح لمعارضة غيره إلاّ إذا تحقق الاستواء قبل الأربعة أشهر. وأما خبر زرارة فالمراد من التام فيه ما يقابل السقط ، وهو المولود في أوانه بقرينة الاستشهاد بولادة الحسين (ع) ، لا مستوي الخلقة.

[١] كما في موثق سماعة المتقدم. والتعبير باللف بخرقة ـ كما في الشرائع وعن التحرير ـ محمول على ذلك ، وإلا فضعفه ظاهر ، وأما التحنيط : فعن جماعة إيجابه ، والنص خال عنه إلا أن يكون مفهوماً بالتبعية.

[٢] كما سيأتي.

[٣] وهو مذهب العلماء خلا ابن سيرين ، ولا عبرة بخلافه. كذا في المعتبر. وعن التذكرة : انه مذهب العلماء كافة. وعن الخلاف والغنية : الإجماع عليه. ويشهد له مفهوم الأخبار المتقدمة ، وخبر محمد بن الفضيل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب غسل الميت حديث : ٣.

٧٢

بل يلف في خرقة [١] ويدفن.

فصل

يجب في الغسل نية القربة [٢] على نحو ما مر في الوضوء‌

______________________________________________________

قال : « كتبت الى أبي جعفر (ع) أسأله عن السقط كيف يصنع به؟ فكتب إلي : السقط يدفن بدمه في موضعه » (١) بعد حمله على ما دون الأربعة جمعاً.

[١] بلا خلاف كما عن مجمع البرهان ، وفي المعتبر : نسبته الى العلماء خلا ابن سيرين ، وفي الحدائق : نسبته إلى الأصحاب ، لكن قال : « ولم أقف على مستنده ، والمفهوم من عبارة كتاب الفقه أنه يدفن من غير تعرض للفه (٢) وكذا رواية محمد بن الفضيل ».

أقول : بل ظاهر الرواية عدم وجوبه. اللهم إلا أن يعتمد على ذكره في معقد إجماع المعتبر وغيره. وكذا في الدفن مضافاً إلى المكاتبة :

فصل‌

[٢] نسب الى المشهور ، والى الأكثر ، والى المعظم ، والى ظاهر المذهب ، وفي الرياض عن الخلاف : الإجماع عليه ، وإن كان محكي عبارته غير ظاهر في ذلك. واستدل له بمثل : « لا عمل إلا بنية » (٣) » ، و « إنما‌

__________________

(١) الوسائل ، باب : ١٢ من أبواب غسل الميت حديث : ٥.

(٢) مستدرك الوسائل ، باب : ١٢ من أبواب غسل الميت حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١.

٧٣

والأقوى كفاية نية واحدة للأغسال الثلاثة [١]. وإن كان الأحوط تجديدها عند كل غسل. ولو اشترك اثنان يجب على‌

______________________________________________________

الاعمال بالنيات » (١) ، وبقوله تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ). » (٢). ولا يخلو من إشكال كما أشرنا إليه في نية الوضوء. وبما دل على أنه كغسل الجنابة ، كما ذكر في الذكرى والرياض وغيرهما. لكنه يتوقف على عموم التشبيه لمثل النية التي هي خارجة عن الغسل بالمرة ، وإنما تكون شرطاً في ترتب الأثر لا غير. فالعمدة : أن عباديته من مرتكزات المتشرعة ، ولا فرق عندهم بينه وبين بقية الطهارات في كونها عبادة يعتبر فيها ما يعتبر في سائر العبادات ، وهذا الارتكاز حجة على ثبوته في الشرع ، وإلا لم ينعقد ، لوجوب الردع عنه. ولذلك قال في جامع المقاصد : « قطع الشيخ في الخلاف على وجوب النية في غسل الميت ، ونقل فيه الإجماع ، وتردد في المعتبر نظراً إلى أنه تطهير للميت من نجاسة الموت. وباقي المتأخرين على الوجوب. وهو ظاهر المذهب لأنه عبادة .. » ، وفي الذكرى : « قد مر أنه كغسل الجنابة وتجب فيه قطعاً ، ولأنه عبادة ». ومن ذلك يظهر ضعف ما عن مصريات السيد والمنتهى وجماعة ـ كما في الرياض ـ من عدم اعتبارها ، وان كان الذي وجدته فيه أن الأصح الوجوب ، وما في المعتبر عن جماعة من متأخري المتأخرين من التردد فيه.

[١] كما عن صريح جماعة وظاهر آخرين ، لظهور الأدلة في كونها عملا واحداً يعبر عنه بغسل الميت. وفي الرياض ، وعن الروض والروضة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب مقدمة العبادات ، حديث : ١٠.

(٢) البينة : ٥.

٧٤

كل منهما النية [١]. ولو كان أحدهما معيناً والآخر مغسلا وجب على المغسل النية [٢] ، وإن كان الأحوط نية المعين أيضاً. ولا يلزم اتحاد المغسل [٣] فيجوز توزيع الثلاثة على ثلاثة. بل يجوز في الغسل الواحد التوزيع مع مراعاة الترتيب. ويجب حينئذ النية على كل منهم.

______________________________________________________

وغيرها : وجوب تعددها للأغسال الثلاثة ، لعموم ما دل على أنه لا عمل إلا بنية ، ووضوح كون كل واحد منها عملا. بل لو لا الإجماع على الاكتفاء بنية واحدة لكل واحد منها كان المتجه تعددها بتعدد أجزائها ، لصدق العمل على كل منها. وفيه : أنك عرفت أن دليل اعتبار النية ليس مثل ذلك العموم المتضمن أنه لا عمل إلا بالنية ، ليكون مرجعاً في المقام.

وكيف كان فهذا الخلاف مبني على كون النية الاخطار. وقد عرفت في مبحث نية الوضوء أنها الداعي. فيجب أن يقع كل جزء من أجزاء الأغسال الثلاثة بعنوان العبادة والطاعة لأمر الشارع الأقدس ، ولا فرق بين الأول والآخر ، ولا أول جزء وآخره.

[١] لأنهما بمنزلة مغسل واحد.

[٢] لأنه فاعل الغسل فيجب صدوره عن نيته.

[٣] كما هو ظاهر كلماتهم في المقام ، بل يظهر منهم التسالم عليه ، ويقتضيه إطلاق الأدلة. واحتمال اعتبار الانفراد ، لتوجيه الخطاب الى الواحد في جملة من النصوص : ضعيف جداً ، لتوجيه الخطاب إلى الجماعة في بعض النصوص أيضاً.

٧٥

فصل

يجب المماثلة بين الغاسل والميت في الذكورية والأنوثية [١] فلا يجوز تغسيل الرجل للمرأة ، ولا العكس ولو كان من فوق اللباس [٢] و [ لم يلزم لمس أو نظر إلا في موارد لم يلزم لمس أو نظر إلا في موارد :

______________________________________________________

فصل

[١] إجماعاً حكاه جماعة ، منهم الشيخ والفاضلان والشهيد وغيرهم ، ويدل عليه جملة من النصوص ، كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « أنه سأله عن المرأة تموت في السفر وليس معها ذو محرم ولا نساء. قال (ع) : تدفن كما هي بثيابها. وعن الرجل يموت وليس معه إلا النساء ليس معهن رجال. قال (ع) : يدفن كما هو بثيابه » (١) ، وصحيح ابن أبي يعفور : « أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن الرجل يموت في السفر مع النساء ليس معهن رجل كيف يصنعن به؟ قال (ع) : يلففنه لفاً في ثيابه ويدفنه ، ولا يغسلنه » (٢) ‌، وصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : « سألته عن امرأة ماتت مع رجال. قال (ع) : تلف وتدفن ، ولا تغسل » (٣) ، ونحوها غيرها.

[٢] لإطلاق معاقد الإجماعات والنصوص ، بل ظهورها في عدمه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب غسل الميت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب غسل الميت حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢١ من أبواب غسل الميت ، حديث : ٣.

٧٦

أحدها : الطفل الذي لا يزيد سنه عن ثلاث سنين ، فيجوز لكل منهما تغسيل مخالفه [١]

______________________________________________________

نعم إذا تعذر المماثل أصلا فعن المقنعة ، والتهذيب ، والكافي ، والغنية : وجوب التغسيل كذلك. ويشهد به بعض النصوص. وسيأتي التعرض له في المسألة الرابعة.

[١] أما تغسيل الرجل للصبية : فعن التذكرة ونهاية الأحكام والروض الإجماع عليه ، وفي المعتبر : « عندي في ذلك توقف » ثمَّ قال : « والاولى المنع ، والأصل حرمة النظر » : وفيه : أنه لا دليل على هذا الأصل ، بل الأصل الجواز ، ضرورة جواز النظر قبل الوفاة فيستصحب ، مضافاً الى أصل البراءة ، وعمومات حرمة النظر لا شمول فيها للأموات كسائر الجمادات. ودعوى عدم الخلاف فيه. مع أن حرمته لا تقتضي اشتراط المماثلة حتى في ما يتوقف عليه ، فاذن لا مانع من الأخذ بإطلاق ما دل على كيفية التغسيل الرافع للشك في اعتبار المماثلة. وأما إطلاق ما دل على اعتبارها فغير شامل للمقام. لكون موضوعه المرأة غير الشاملة للصبية أو المنصرفة عنها ، نعم قد ينافيه ما في موثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « أنه سئل عن الصبي تغسله امرأة. قال (ع) : إنما يغسل الصبيان النساء وعن الصبية تموت ولا تصاب امرأة تغسلها. قال (ع) : يغسلها رجل أولى الناس بها » (١) لكن لا مجال للأخذ به بعد إعراض الأصحاب عنه ، ويمكن حمل التقييد فيه بالأولى على بيان الأولوية ، لا على اعتبار المماثلة في الغسل.

وأما تغسيل المرأة للصبي : فقد حكي الإجماع عليه عن غير واحد :

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب غسل الميت ، حديث : ٢.

٧٧

______________________________________________________

وفي الجواهر : « الإجماع عليه محصل ». ويدل عليه خبر أبي النمير مولى الحرث بن المغيرة : « قلت لأبي عبد الله (ع) : حدثني عن الصبي إلى كم تغسله النساء؟ فقال (ع) : الى ثلاث سنين » (١) ، وما في صدر موثق عمار المتقدم‌ ، المعتضدان بالإطلاق المتقدم.

ثمَّ إن الظاهر من خبر أبي النمير جواز تغسيل ابن ثلاث لكون الظاهر إرادة : إلى نهاية ثلاث ، فيلحق الغاية حكم ما قبلها ، وهذا هو المنسوب الى المشهور والمدعى عليه الإجماع في كتب العلامة ، لكن ظاهره وظاهر الشرائع التحديد بما دون الثلاث ، ولعل مرادهما ما هو المشهور. وعن المقنعة والمراسم : « إذا كان الصبي ابن خمس سنين غسله بعض النساء الأجنبيات مجرداً عن ثيابه ، وإن كان ابن أكثر من خمس سنين غسلنه من فوق ثيابه ، وصبين عليه الماء صباً ، ولم يكشفن له عورة ، ودفنوه بثيابه بعد تحنيطه. وإن ماتت صبية بين رجال ليس لها فيهم محرم ، وكانت بنت أقل من ثلاث سنين جردوها من ثيابها وغسلوها ، وإن كانت أكثر من ثلاث سنين غسلوها في ثيابها وصبوا عليها الماء صباً ، وحنطوها بعد الغسل ودفنوها في ثيابها ». وعن المدارك دوران الجواز مدار جواز المس والنظر.

والأخير غير ظاهر ، فإن حرمة المس والنظر تكليفاً لا ترتبط باعتبار المماثلة في صحة الغسل كما هو محل الكلام. وأما ما قبله فلا يظهر له مستند. نعم‌ روى في التهذيب مرسلا قال : « روي في الجارية تموت مع الرجل فقال إذا كانت بنت أقل من خمس سنين أو ست دفنت ولم تغسل » (٢) وفي الفقيه عن جامع محمد بن الحسن في الجارية تموت مع الرجال في السفر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب غسل الميت ، حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب غسل الميت ، حديث : ٣.

٧٨

ولو مع التجرد [١] ومع وجود المماثل ،

______________________________________________________

قال : « إذا كانت ابنة أكثر من خمس سنين أو ست دفنت ولم تغسل ، وإن كانت بنت أقل من خمس سنين غسلت » (١). والأول مضطرب كما اعترف به جماعة ، والثاني لا يدل عليه. نعم مقتضى إطلاق موثق عمار : الجواز مطلقاً في الصبي ، المعتضد بإطلاق ما دل على كيفية الغسل لكن لا مجال له بعد انجبار ضعف خبر أبي النمير بالعمل ، الموجب لتقييد غيره به.

ومن ذلك يظهر الحكم في الصبية فإن حملها على الصبي ـ كما هو المشهور للأولوية ، كما اعترف بها غير واحد ـ هو المتعين. وبذلك ترفع اليد عن الإطلاق المقتضي للجواز مطلقاً. ولأجله يضعف ما عن الصدوق من تحديد الجواز بما إذا كانت أقل من خمس ، وكأنه اعتمد على ما عن الجامع ، لكن مضمونه لا يوافقه. كما أن الظاهر من النص والفتوى كون المعيار في التحديد الموت. فما قد يظهر من جامع المقاصد من كون المعيار فيه الغسل ـ حيث قال : « ولا يخفى أن الثلاث سنين هي نهاية الجواز فلا بد من كون الغسل واقعاً قبل تمامها بحيث يتم بتمامها ، فإطلاق ابن ثلاث سنين يحتاج الى التنقيح ، إلا أن يصدق على من شرع في الثالثة انه ابن ثلاث » ـ غير ظاهر ، ولعل مراده الأول.

[١] إجماعاً كما عن التذكرة والنهاية. واعترف غير واحد بعدم العثور على مخالف فيه. ويقتضيه إطلاق النص والفتوى. وما تقدم عن المقنعة والمراسم قد عرفت أنه لا دليل عليه ، ومثله ما عن المبسوط من أن الصبي إذا مات وله ثلاث سنين فصاعداً فحكمه حكم الرجل سواء ، وإن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب غسل الميت حديث : ٤.

٧٩

وإن كان الأحوط الاقتصار على صورة فقد المماثل [١].

الثاني : الزوج والزوجة ، فيجوز لكل منهما تغسيل الآخر [٢] ولو مع وجود المماثل [٣].

______________________________________________________

كان دونه جاز للاجنبيات غسله مجرداً عن ثيابه.

[١] بل عن ظاهر السرائر والوسيلة : لزوم ذلك ، بل حكي ـ أيضاً ـ عن النهاية والمبسوط في المسألة الأولى أو مطلقاً ، وكأن الوجه فيه في المسألة الأولى : ما في موثق عمار من قول السائل : « ولا تصاب امرأة » ، وفي الثانية : عدم الإطلاق في خبر أبي النمير لوروده مورد بيان الحد لا أصل الجواز. وفيه : ان غاية ما يقتضي ذلك عدم حجية الخبرين على الجواز في صورة وجود المماثل ، لا صلاحيتهما مقيداً للإطلاق الذي قد عرفت أنه كاف في الجواز ، الذي هو ـ أيضاً مقتضى أصالة البراءة من شرطية المماثلة.

[٢] أما الجواز في الجملة : فمن ظاهر الخلاف أو صريحه : الإجماع عليه ، والنصوص متفقة عليه. نعم في صحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « في الرجل يموت وليس معه إلا النساء. قال (ع) : تغسله امرأته لأنها منه في عدة ، وإذا ماتت لم يغسلها لأنه ليس منها في عدة » (١) وحمل على التقية.

[٣] كما عن الأكثر ، أو الأشهر ، أو المشهور ، أو في الصدر الأول أو الأظهر عند أصحابنا ، بل عن ظاهر الخلاف : الإجماع عليه. ويدل عليه صحيح عبد الله بن سنان قال : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن الرجل أيصلح له أن ينظر إلى امرأته حين تموت ، أو يغسلها إن لم يكن عنده‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب غسل الميت ، حديث : ١٣.

٨٠