مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٠٩

وإلا فالأحوط الاستئذان من الحاكم الشرعي [١]. والأحوط مراعاة الاستقبال بالكيفية المذكورة في جميع الحالات إلى ما بعد الفراغ من الغسل [٢].

______________________________________________________

وهو في المقام غير ثابت. أو يقال بأن التوجيه إلى القبلة تصرف في الميت لا دليل على جوازه بغير إذن الولي ، والإطلاقات لا تصلح لإثبات الجواز لورودها في مقام وجوب التوجيه نفسه ، إلا أن يدعى أن لازم ذلك عدم جواز توجيهه بغير اذن المحتضر نفسه ، مع الإمكان ، ومع عدمه فبإذن وليه إما الحاكم الشرعي أو الولي الخاص.

[١] لأنه ولي من لا ولي له ، ولازمه تعين استئذانه ، كما في غيره من الأحكام ـ كما سيأتي ـ بل بناء عليه يجب الاستئذان من عدول المؤمنين لو تعذر الاستئذان من الحاكم.

[٢] قال شيخنا الأعظم : « وعلى القول بالوجوب ففي وجوب إبقائه كذلك إلى ما بعد الموت في أقل زمان ، أو مطلقاً ، أو ما لم ينقل عن محله ، أو سقوطه بالموت ، وجوه. ظاهر المرسلة ، بل صريحها : الأخير. قيل : وكذا ظاهر الحسنة بناء على أن المراد بالميت : المشرف على الموت. وفيه تأمل ». وفي الذكرى اختار السقوط بالموت ، ناسبا له إلى ظاهر الأخبار قال في الجواهر : « ولعله لأنه فهم من الميت فيها ما قلناه سابقاً من المشرف على الموت » ، وكأنه لأنه إذا مات خرج عن كونه مشرفاً ، فيخرج عن حكمه. لكن عن المصابيح : أن ظاهر مصحح سليمان المتقدم وجوب الاستقبال إلى ما بعد الغسل. وفيه : أنه غير ظاهر المأخذ ، لأن ذكر الغسل فيه في مقابل الموت يدل على أن المقصود مجرد الوجود حال الموت بلا امتداد ، وإلا كان المناسب أن يقول (ع) : « إلى أن يغسل ».

٢١

وبعده فالأولى وضعه بنحو ما يوضع حين الصلاة عليه الى حال الدفن [١] بجعل رأسه الى المغرب ورجله الى المشرق.

( الثاني ) يستحب تلقينه الشهادتين ، والإقرار بالأئمة الاثني عشر (ع) [٢] ،

______________________________________________________

فقوله (ع) : « وكذلك إذا غسل » يدل على الانتفاء في غير هاتين الحالين. ولأجله لا مجال لجريان الاستصحاب. على أنه لا مجال له على تقدير رفع الجنازة ، لعدم وجوبه حال الرفع فيستصحب العدم إلى ما بعد الوضع. نعم ربما يجري بنحو الاستصحاب التعليقي فيقال : كان قبل الرفع بحيث لو وضع وجب الاستقبال به فكذا بعد ما رفع. لكن الإشكال في الاستصحاب التعليقي مشهور ، وقد أشرنا إليه فيما مضى من المباحث.

والمتحصل مما ذكرنا : أن ظاهر المصحح الاختصاص بحال الموت ، فيسقط بأول آن منه. وكذلك ظاهر المرسلة ، بل صريحها ، وظاهر الموثق. وأما الاستصحاب فيقتضي وجوبه إلى أن يرفع. ومما ذكرنا تعرف وجه الاحتمالات الثلاثة الأخيرة المذكورة في كلام شيخنا الأعظم (ره) وأما الاحتمال الأول فكأن وجهه الانصراف. كما تعرف أيضاً أن الأقوى منها الأخير ، الذي اختاره في الذكرى ، وتبعه عليه غيره ، وأما حال الغسل فظاهر مصحح سليمان وجوبه من غير معارض.

[١] لما في رواية يعقوب بن يقطين عن أبي الحسن الرضا (ع) من قوله (ع) : « فاذا طهر وضع كما يوضع في قبره » (١) ‌:

[٢] إجماعاً ، ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « إذا حضرت الميت قبل أن يموت فلقنه شهادة أن لا إله إلا الله وحده‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب غسل الميت ، حديث : ٢.

٢٢

وسائر الاعتقادات الحقة [١] ، على وجه يفهم [٢]. بل يستحب تكرارها إلى أن يموت ، ويناسب قراءة العديلة.

( الثالث ) تلقينه كلمات الفرج [٣]. وأيضاً هذا الدعاء « اللهم اغفر لي الكثير من معاصيك ،

______________________________________________________

لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله » (١) ، وفي مصحح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « لو أدركت عكرمة عند الموت لنفعته. فقيل لأبي عبد الله (ع) : بما ذا كان ينفعه؟ قال (ع) : يلقنه ما أنتم عليه » (٢) : ونحوهما غيرهما. والأمر بهما في جملة من النصوص محمول على الاستحباب بقرينة الإجماع ، وبعض التعليلات.

[١] لدخوله في مصحح زرارة‌.

[٢] لأنه المستفاد من النصوص. بل ظاهرها ـ أيضا اعتبار متابعة المريض بلسانه ، كما يقتضيه لفظ التلقين أيضاً.

[٣] إجماعاً ، ففي مصحح زرارة : « إذا أدركت الرجل عند النزع فلقنه كلمات الفرج : لا إله إلا الله الحليم الكريم ، لا إله إلا الله العلي العظيم ، سبحان الله رب السماوات السبع ، ورب الأرضين السبع ، وما فيهن ، وما بينهن ، ورب العرش العظيم ، ( وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) (٣) وفي مصحح الحلبي : أن النبي (ص) لقنها لرجل من بني هاشم ، فلما قالها الرجل قال النبي (ص) : « الحمد لله الذي استنقذه من النار » (٤) لكن فيه تقديم : « العلي العظيم » على : « الحليم الكريم ». والأولى الأخذ‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الاحتضار ، حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب الاحتضار ، حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الاحتضار ، حديث : ١.

(٤) الوسائل ، باب : ٣٨ من أبواب الاحتضار ، حديث : ٢.

٢٣

واقبل مني اليسير من طاعتك » [١]. وأيضاً : « يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير اقبل مني اليسير واعف عني الكثير ، إنك أنت العفو الغفور » [٢]. وأيضاً : « اللهم ارحمني فإنك رحيم » [٣].

( الرابع ) نقله إلى مصلاه إذا عسر عليه النزع [٤].

______________________________________________________

بالأول ، لاعتضاده برواية عبد الله بن ميمون‌ (١) ، ورواية أبي بصير الواردة في القنوت (٢) ، وإن كان مقتضى الجمع التخيير. وعن المفيد (ره) وغيره : زيادة ( وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ) قبل التحميد ، وليس له دليل ظاهر غير ما يحكى عن بعض نسخ مرسل الصدوق (٣) ، وفي الرضوي (٤) كما أن في المرسل : زيادة : « وما تحتهن » بعد قوله : « وما بينهن » ، وفي رواية أبي بصير « لا إله إلا الله رب السماوات » بدل : « سبحان الله رب السماوات ».

[١] كما في رواية سالم بن أبي سلمة (٥).

[٢] كما في مرسلة الصدوق (٦).

[٣] فعن دعوات الراوندي : « أن زين العابدين (ع) لم يزل يردد ذلك حتى توفي صلوات الله عليه » (٧).

[٤] كما عن جماعة ، ففي صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الاحتضار ، حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب القنوت ، حديث : ٤.

(٣) الفقيه ، باب غسل الميت ، حديث : ١.

(٤) مستدرك الوسائل ، باب : ٢٨ من أبواب الاحتضار ، حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب الاحتضار ، حديث : ١.

(٦) الوسائل ، باب : ٣٩ من أبواب الاحتضار ، حديث : ٣.

(٧) مستدرك الوسائل ، باب : ٢٩ من أبواب الاحتضار ، حديث : ٦.

٢٤

بشرط أن لا يوجب أذاه [١].

( الخامس ) قراءة سورة ( ياسين ) و ( الصافات ) لتعجيل راحته [٢] وكذا آية الكرسي [٣]

______________________________________________________

« إذا عسر على الميت موته ونزعه قرّب الى مصلاه الذي كان يصلي فيه » (١) ونحوه غيره. وفي مصحح زرارة : « إذا اشتد عليه النزع فضعه في مصلاه الذي يصلي فيه ، أو عليه » (٢) واحتمل كون الترديد من الراوي لأن لفظ المصلى لا يستعمل في أكثر من معنى. فتأمل.

[١] لحرمة أذاه ، فلا يعارضها الاستحباب.

[٢] لرواية الجعفري : « رأيت أبا الحسن (ع) يقول لابنه القاسم : قم يا بني فاقرأ عند أخيك ( وَالصَّافّاتِ صَفًّا ) حتى تستتمها ، فقرأ ، فلما بلغ ( أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا ) قضى الفتى ، فلما سجي وخرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر فقال له : كنا نعهد الميت إذا نزل به الموت يقرأ عنده ( يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ) فصرت تأمرنا بـ ( الصَّافّاتِ صَفًّا ) فقال : يا بني لم تقرأ عند مكروب من موت قط إلا عجل الله راحته » (٣) ويستفاد منها ، ومن غيرها : استحباب قراءة ( ياسين ).

[٣] فعن دعوات الراوندي : « روي أنه يقرأ عند المريض والميت آية الكرسي ، ويقول : اللهم أخرجه إلى رضى منك ورضوان ، اللهم اغفر له ذنبه ، جل ثناء وجهك. ثمَّ يقرأ آية السخرة : ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ .. ) (٤) ثمَّ يقرأ ثلاث آيات من آخر البقرة :

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب الاحتضار ، حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب الاحتضار ، حديث : ٢.

(٣) الوسائل ، باب : ٤١ من أبواب الاحتضار ، حديث : ١.

(٤) الأعراف : ٥٤.

٢٥

إلى ( هُمْ فِيها خالِدُونَ ) [١] وآية السخرة : وهي ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ .. ) إلى آخر الآية ، وثلاث آيات من آخر سورة البقرة : ( لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ .. ) إلى آخر السورة ويقرأ سورة الأحزاب ، بل مطلق قراءة القرآن [٢].

فصل في المستحبات بعد الموت

وهي أمور : ( الأول ) : تغميض عينه [٣] ،

______________________________________________________

( لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) ثمَّ يقرأ سورة الأحزاب » (١) فتأمل.

[١] قد عرفت في آداب التخلي : أن آخر آية الكرسي ( وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ).

[٢] كما عن المعتبر ، والذكرى ، وفي الرضوي : « فإذا حضر أحدهم الوفاة فاحضروا عنده بالقرآن ، وذكر الله ، والصلاة على رسول الله (ص) » (٢).

فصل في المستحبات بعد الموت‌

[٣] بلا خلاف ، كما عن المنتهى ، لرواية أبي كهمش : « حضرت موت إسماعيل وأبو عبد الله (ع) جالس عنده ، فلما حضره الموت شد‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل ، باب النوادر ـ ٣٩ ـ من أبواب الاحتضار ، حديث : ٣٥.

(٢) الباب الثاني من أبواب تجهيز الميت.

٢٦

وتطبيق فمه [١] ( الثاني ) : شد فكيه [٢] ( الثالث ) : مد يديه إلى جنبيه [٣] ( الرابع ) : مد رجليه ( الخامس ) : تغطيته بثوب [٤] ( السادس ) : الإسراج في المكان الذي مات فيه [٥]

______________________________________________________

لحييه ، وغمضه ، وغطى عليه الملحفة » (١) ، ولما في الإرشاد للمفيد من قول الحسن (ع) لأخيه الحسين (ع) : « فاذا قضيت نحبي فغمضني وغسلني » (٢).

[١] كما ذكره جماعة ، وكأنه لما يستفاد من الأمر بشد لحييه في رواية أبي كهمش‌.

[٢] كما في الرواية المتقدمة‌.

[٣] كما ذكره الأصحاب. وعن المعتبر : « لم أعلم أن في ذلك نقلاً عن أهل البيت (ع) ، ولعل ذلك ليكون أطوع للغاسل ، وأسهل للدرج في الكفن ». ومنه يظهر حال مد رجليه.

[٤] بلا خلاف ، كما عن المنتهى ، وجامع المقاصد. ويستفاد من رواية أبي كهمش‌ ، ومصحح سليمان بن خالد المتقدم في الاستقبال ، ومن خبر الجعفري السابق فتأمل.

[٥] ذكره الشيخان ، والأصحاب ، كما عن جامع المقاصد ، وان اختلفت عباراتهم المحكية في مفتاح الكرامة في بعض الخصوصيات. واستدل له بخبر عثمان بن عيسى عن عدة من أصحابنا قالوا : « لما قبض أبو جعفر عليه‌السلام أمر أبو عبد الله (ع) بالسراج في البيت الذي كان يسكنه حتى قبض أبو عبد الله (ع) ، ثمَّ أمر أبو الحسن (ع) بمثل ذلك في بيت‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب الاحتضار حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الدفن ، حديث : ١٠.

٢٧

إن مات في الليل ( السابع ) : إعلام المؤمنين [١] ليحضروا جنازته ( الثامن ) : التعجيل في دفنه [٢] ، فلا ينتظرون الليل إن مات في النهار ، ولا النهار إن مات في الليل ، إلا إذا شك في موته فينتظر حتى اليقين [٣] ، وإن كانت حاملا مع حياة‌

______________________________________________________

أبي عبد الله (ع) حتى أخرج به إلى العراق ، ثمَّ لا أدري ما كان » (١) ودلالته قاصرة كما اعترف به جماعة ، فلم يبق إلا الاعتماد على الفتوى ، ولا بأس به بناءً على قاعدة التسامح ، وجريانها في المقام ، وكلاهما ـ ولا سيما الأول ـ محل إشكال.

[١] للنصوص ، كما في المستند ، منها : صحيح ابن سنان : « ينبغي لأولياء الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت بموته » (٢). وفي الصحيح عن ذريح : « عن الجنازة يؤذن بها الناس؟ قال (ع) : نعم » (٣) وفي مرسل القاسم بن محمد : « إن الجنازة يؤذن بها الناس » (٤).

[٢] بلا خلاف ، كما عن جماعة ، بل إجماعاً ، كما عن آخرين ، ففي خبر جابر عن أبي جعفر (ع) : « قال : قال رسول الله (ص) : يا معشر الناس لا ألفين رجلا منكم مات : له ميت ليلا فانتظر به الصبح ، ولا رجلا مات له ميت نهاراً فانتظر به الليل ، لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس ولا غروبها ، عجلوا بهم إلى مضاجعهم » (٥) ، وفي مرسل الفقيه : « كرامة الميت تعجيله » (٦).

[٣] ففي موثق عمار : « الغريق يحبس حتى يتغير ، ويعلم انه قد‌

__________________

(١) الوسائل ، باب : ٤٥ من أبواب الاحتضار ، حديث : ١.

(٢) الوسائل ، باب : ١ من أبواب صلاة الجنازة ، حديث : ١.

(٣) الوسائل ، باب : ١ من أبواب صلاة الجنازة ، حديث : ٣.

(٤) الوسائل ، باب : ١ من أبواب صلاة الجنازة ، حديث : ٤.

(٥) الوسائل : باب : ٤٧ من أبواب الاحتضار ، حديث : ١.

(٦) الوسائل ، باب : ٤٧ من أبواب الاحتضار ، حديث : ٧.

٢٨

ولدها. فإلى أن يشق جنبها الأيسر [١] لإخراجه ، ثمَّ خياطته.

فصل في المكروهات

وهي أمور : ( الأول ) : أن يمس في حال النزع ، فإنه يوجب أذاه [٢].

______________________________________________________

مات ، ثمَّ يغسل ويكفن » (١) ، وفي رواية إسماعيل بن عبد الخالق : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : خمس ينتظر بهم إلا أن يتغيروا : الغريق ، والمصعوق ، والمبطون ، والمهدوم ، والمدخن » (٢) ، وفي رواية إسحاق : « عن الغريق أيغسل؟ قال (ع) : نعم ، ويستبرأ. قلت : وكيف يستبرأ؟ قال (ع) : يترك ثلاثة أيام قبل أن يدفن ، وكذلك ـ أيضاً ـ صاحب الصاعقة ، فإنه ربما ظنوا أنه مات ولم يمت (٣) ، ونحوها غيرها. ومن الأخير يعلم عموم الحكم لكل مشتبه ، ولا يبعد أن يكون ذكر الثلاثة أيام لأنها توجب العلم بالموت غالباً ، كما يشهد به ـ مضافاً إلى دعوى جماعة الإجماع على اعتبار العلم في جواز الدفن ـ الاقتصار على اليومين في ذيل الموثق المتقدم : « وسئل عن المصعوق فقال (ع) : إذا صعق حبس يومين ، ثمَّ يغسل ويكفن » ، بل هو مقتضى حكومة التعليل في رواية إسحاق على ذكر العدد. فلاحظ.

[١] كما سيأتي إن شاء الله في أواخر فصل الدفن.

فصل في المكروهات‌

[٢] لموثق زرارة : « ثقل ابن لجعفر (ع) وأبو جعفر (ع) جالس‌

__________________

(١) الوسائل ، باب ٤٨ من أبواب الاحتضار ، حديث : ٤.

(٢) الوسائل ، باب : ٤٨ من أبواب الاحتضار ، حديث : ٢.

(٣) الوسائل ، باب : ٤٨ من أبواب الاحتضار ، حديث : ٣.

٢٩

( الثاني ) : تثقيل بطنه بحديد [١]. أو غيره [٢] ( الثالث ) : إبقاؤه وحده [٣] ، فان الشيطان يعبث في جوفه ( الرابع ) : حضور الجنب والحائض [٤] عنده حالة الاحتضار ( الخامس ) :

______________________________________________________

في ناحية ، فكان إذا دنى منه إنسان قال : لا تمسه ، فإنه إنما يزداد ضعفا : وأضعف ما يكون في هذه الحال ، ومن مسه على هذه الحال أعان عليه » (١) ومقتضاه حرمة المس ، ولا سيما إذا كان يوجب أذاه ، كما في المتن.

[١] إجماعاً عن الخلاف ، وجامع المقاصد. وليس عليه نص ظاهر بل الوجه فيه فتوى الجماعة ، وما عن التهذيب انه قال : « سمعناه مذاكرة من الشيوخ » ، بناءً على قاعدة التسامح ، وإن كان المحكي عن الفاخر انه أمر بجعل الحديد على بطنه ، وعن ابن الجنيد انه يوضع شي‌ء عليها. هذا لو أريد ذلك بعد الموت ، كما لعله الظاهر من فحاوى كلمات الأصحاب ، كما في الجواهر ، أما لو أريد حال الاحتضار فيمكن استفادته من النهي عن مسه. فتأمل :

[٢] كما عن المنتهى ، والتذكرة ، والمسالك.

[٣] لرواية أبي خديجة عن أبي عبد الله (ع) : « ليس من ميت يموت ويترك وحده إلا لعب الشيطان في جوفه » (٢) ، وفي مرسل الفقيه : « لا تدعن ميتك وحده فان الشيطان يعبث به في جوفه » (٣).

[٤] وعن المعتبر نسبته إلى أهل العلم ، وفي رواية يونس : « لا تحضر الحائض الميت ، ولا الجنب عند التلقين » (٤) ، وفي مرفوع العلل :

__________________

(١) الوسائل ، باب : ٤٤ من أبواب الاحتضار ، حديث : ١.

(٢) الوسائل ، باب : ٤٢ من أبواب الاحتضار ، حديث : ١.

(٣) الوسائل ، باب : ٤٢ من أبواب الاحتضار ، حديث : ٢.

(٤) الوسائل ، باب : ٤٣ من أبواب الاحتضار ، حديث : ٢.

٣٠

التكلم زائداً عنده [١] ( السادس ) : البكاء عنده ( السابع ) : أن يحضره عملة الموتى ( الثامن ) : أن يخلى عنده النساء وحدهن خوفاً من صراخهن عنده.

فصل

لا تحرم كراهة الموت [٢]. نعم يستحب عند ظهور اماراته أن يحب لقاء الله تعالى [٣] ، ويكره تمني الموت ولو‌

______________________________________________________

« لا يحضر الحائض والجنب عند التلقين لأن الملائكة تتأذى بهما » (١) ، ونحوه رواية ابن أبي حمزة في الحائض‌ (٢). وعن المقنع انه لا يجوز. ولكن لا يساعده التعليل ، ولا التسالم. ولعل مراده الكراهة.

[١] ذكره في كشف الغطاء في أحكام الاحتضار.

فصل‌

[٢] فقد‌ ورد في كلامه سبحانه المروي عن الأئمة (ع) بعدة طرق : « ما ترددت في شي‌ء أنا فاعله كترددي في وفاة المؤمن ، يكره الموت وأكره مساءته » (٣).

[٣] لأنه يدخل تحت حب ما أحب الله تعالى له الذي يدل على رجحانه كثير من النصوص‌ (٤).

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب الاحتضار حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب الاحتضار حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الاحتضار حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٧٥ من أبواب الدفن.

٣١

كان في شدة وبلية [١] ، بل ينبغي أن يقول : « اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي » ويكره طول الأمل [٢] ، وأن يحسب الموت بعيداً عنه. ويستحب ذكر الموت كثيراً [٣]. ويجوز الفرار من الوباء والطاعون [٤] وما في بعض الأخبار من : أن الفرار من الطاعون كالفرار‌

______________________________________________________

[١] للنهي عنه في النبوي (١) ، وعن العلامة في المنتهى عن النبي (ص) « لا يتمنى أحدكم الموت لضر نزل به ، وليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي » (٢).

[٢] لما ورد من النهي عنه (٣) ، وفي رواية السكوني عن الصادق عليه‌السلام : « قال أمير المؤمنين (ع) : ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل » (٤) ، ونحوها غيرها.

[٣] ففي صحيح الحذاء عن أبي جعفر (ع) : « أكثر ذكر الموت فإنه لم يكثر إنسان ذكر الموت إلا زهد في الدنيا » (٥) ، ونحوه غيره مما هو كثير.

[٤] ففي مصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « عن الوباء يكون في ناحية المصر فيتحول الرجل إلى ناحية أخرى ، أو يكون في مصر فيخرج منه إلى غيره. قال (ع) : لا بأس ، إنما نهى رسول الله (ص) عن ذلك لمكان ربيئة كانت بحيال العدو ، فوقع فيهم الوباء فهربوا منه ، فقال رسول الله (ص) : الفار منه كالفار من الزحف ، كراهية أن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب الاحتضار حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب الاحتضار حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الاحتضار.

(٤) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الاحتضار حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الاحتضار حديث : ١.

٣٢

من الجهاد مختص بمن كان في ثغر من الثغور لحفظه. نعم لو كان في المسجد ووقع الطاعون في أهله يكره الفرار منه [١].

فصل

الأعمال الواجبة المتعلقة بتجهيز الميت من التغسيل ، والتكفين ، والصلاة ، والدفن ـ من الواجبات الكفائية [٢] فهي واجبة على جميع المكلفين ، وتسقط بفعل البعض ، فلو تركوا أجمع أثموا أجمع. ولو كان مما يقبل صدوره عن جماعة‌

______________________________________________________

يخلوا مراكزهم » (١) ، ونحوه مصحح أبان الأحمر في الطاعون (٢).

[١] للمرسل المروي عن معاني الأخبار : « روي أنه إذا وقع طاعون في أهل مسجد فليس لهم أن يفروا منه إلى غيره » (٣) ، وصحيح ابن جعفر (ع) : « عن الوباء يقع في الأرض هل يصلح للرجل أن يهرب منه؟ قال (ع) : يهرب منه ما لم يقع في مسجده الذي يصلي فيه فاذا وقع في أهل مسجده الذي يصلي فيه فلا يصلح له الهرب منه » (٤).

فصل‌

[٢] بلا خلاف ، كما عن المبسوط والغنية. ولا نزاع فيه بين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الاحتضار حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الاحتضار حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الاحتضار حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الاحتضار حديث : ٥.

٣٣

كالصلاة ـ إذا قام به جماعة في زمان واحد ـ اتصف فعل كل منهم بالوجوب. نعم يجب على غير الولي الاستئذان منه‌

______________________________________________________

المسلمين ، كما عن مجمع البرهان ، وإجماعاً ، كما عن الذكرى ، وقال في المعتبر : « غسل الميت ، وتكفينه ، والصلاة عليه ، ودفنه فرض على الكفاية. وهو مذهب العلماء كافة » ، ونحوه عن التذكرة ، ونهاية الأحكام. وفي المنتهى في التغسيل : « وهو فرض على الكفاية ، إذا قام به بعض سقط عن الباقين ، بلا خلاف فيه بين أهل العلم » ، وفي مبحث الصلاة زاد قوله : « وإن لم يقم به أحد استحق بأسرهم العقاب ، بلا خلاف بين العلماء ». ويقتضيه إطلاق الأمر بها من دون توجيهه إلى شخص بعينه ، مثل ما ورد : « غسل الميت واجب » (١) ، و« صل على من مات من أهل القبلة » (٢) ، و« عجلوا بموتاكم » (٣) ، ونحوه. نعم استشكل فيه في الحدائق ، لعدم الدليل عليه ، ولا حديث يرجع فيه اليه ، بل قال : « إن الذي يظهر لي من الأخبار أن توجه الخطاب يجمع هذه الأحكام ونحوها من التلقين ونحوه من المستحبات أيضاً إنما هو إلى الولي ، كاخبار الغسل ، وأخبار الصلاة ، والدفن ، والتلقين ، ونحوها كما ستقف عليه .. ».

أقول : المناقشة في الوجوب الكفائي ( تارة ) : من جهة عدم الدليل عليه. ( وأخرى ) : من جهة معارضة الدليل عليه ـ لو ثبت ـ بما دل على أولوية الولي ، نحو قوله (ع) : « يغسل الميت أولى الناس به » (٤)

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب غسل الميت حديث : ١.

(٢) الوسائل ، باب : ٣٧ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ٢.

(١) الوسائل باب ٤٧ من أبواب الاحتضار حديث : ١. وقد نقله المؤلف ـ دام ظله ـ بالمعنى.

(٣) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب غسل الميت حديث : ١ و ٢.

٣٤

ولا ينافي وجوبه وجوبها على الكل ، لأن الاستئذان منه شرط صحة الفعل لا شرط وجوبه. وإذا امتنع الولي من المباشرة‌

______________________________________________________

« ويصلي على الجنازة أولى الناس بها ، أو يأمر من يحب » (١) ، فيجب الجمع بينهما بحمل الأول على الإيجاب على الولي. ( وثالثة ) : من جهة أن ثبوت الولاية لبعض المكلفين مانع عقلا من ثبوت الوجوب الكفائي ، لامتناع إناطة صحة الواجب برأي أحد ، كما ذكر المحقق الثاني في جامع المقاصد قال (ره) : ـ في شرح قول العلامة : « وإلا قدم من يختاره » ـ « ولا يخفى أن إذن الولي إنما تعتبر في الجماعة ، لا في أصل الصلاة ، لوجوب ذلك على الكفاية ، فكيف يناط برأي أحد من المكلفين؟ فلو صلوا فرادى بغير إذن أجزأ ». لكن الجميع محل المنع.

أما الأول : فلثبوت إطلاق جملة من أدلة الأحكام أو عمومها ، كما اعترف به غير واحد ، ويظهر ذلك للمتتبع في نصوص أبوابها ، وتقدمت الإشارة إلى بعضها ، وإن كانت المناقشة في دلالتها قريبة ، فان ما ورد من : أن غسل الميت واجب‌ ، ليس وارداً في مقام البيان من هذه الجهة وكذلك : « صل على من مات من أهل القبلة » ، فإنه وارد للتعميم في المغسَّل ـ بالفتح ـ بقرينة قوله في ذيله : « وحسابه على الله ». وكذلك غيرهما فإن المناقشة في دلالة الجميع على عموم الوجوب الكفائي قريبة. فتأمل.

وأما الثاني : فلمنع المنافاة عرفاً بين الدليلين ، حيث أن الظاهر من أدلة الولاية ـ ولا سيما بملاحظة ورودها مورد الإرفاق ـ ثبوت حق للولي ، بل هو صريح خبر السكوني عن جعفر (ع) عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام : « قال : قال أمير المؤمنين (ع) : إذا حضر سلطان من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ١ و ٢.

٣٥

______________________________________________________

سلطان الله جنازة فهو أحق بالصلاة عليها إن قدمه ولي الميت ، وإلا فهو غاصب » (١) إذا الغصب إنما يكون في الحق لا في التكليف. فلا دلالة في أدلة الولاية على اختصاص التكليف بالولي ، لتكون منافية لما دل على عمومه لغيره ، فيجمع بينهما بالتقييد.

وأما الثالث : فلأن العمدة فيه ما أشار إليه المحقق الثاني ـ كما تقدم ـ من أن ولاية الأحكام إذا كانت حقاً من حقوق الولي كان الفعل بدون إذنه تصرفاً في حقه ، فيحرم ، ويبطل. فاذا كانت صحة الفعل مشروطة بإذن الولي الخارجة عن الاختيار كانت الصحة خارجة عن الاختيار ، فلا يجوز عقلا التكليف بالفعل ، لاعتبار القدرة عقلا في صحته ، ويختص بالولي لقدرته على الفعل ، ولو فرض الاذن منه لغيره شاركه في التكليف دون غيره ممن لم يأذن له. وفيه : أن العجز المذكور وإن كان يوجب سقوط التكليف عن العاجز ، لكن لقصور فيه ، لا في فعله ، وإلا ففعله كفعل الولي ـ مشتمل على المصلحة ، وربما يكون ذلك العجز في الولي لنوم ، أو غفلة ، أو جهل بموت المولى عليه ، ولا يصح في مثله أن يقال : إن التكليف غير عام ومختص بالولي ، أو من يأذن له الولي ، وإلا كان اللازم أن يقال : إن التكليف مختص بالولي المتنبه ، دون النائم ، والغافل والجاهل. مضافاً إلى أنه يتم لو كانت الاذن شرطاً مطلقاً ، لكنه ليس كذلك ، ضرورة وجوب الفعل من غير الولي ، وصحته مع عدم الاذن عند امتناع الولي منها في آخر الوقت ، أو عدم حضوره. فالولي وغيره يشتركان في الوجوب ، ويختلفان في وقت الواجب ، فيصح من الولي مطلقاً ، ولا يصح من غيره إلا في آخر الوقت ، وهذا المقدار من الاختلاف لا يوجب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ٤.

٣٦

______________________________________________________

كون الوجوب في أول الوقت عينياً على الولي مع فرض قدرة غيره عليه في آخر الوقت. نعم لو بني على امتناع الوجوب التعليقي ـ كما هو مذهب جماعة ـ كان القول باختصاص الوجوب في أول الوقت بالولي في محله.

لكن في ترتب الثمرة ـ أعني : جواز الاستئجار بناء على الاختصاص وعدمه بناء على الاشتراك ، لعدم جواز أخذ الأجرة على الواجب ولو كان كفائياً ـ إشكال ، لأنه إذا آجر الولي الغير فقد أذن له في الفعل ، وصار مقدوراً ، فيجب منجزاً ، ولا يجوز أخذ الأجرة عليه بناء على امتناع أخذ الأجرة على الواجب. هذا إذا استأجره على أن يفعل عن نفسه ، وأما إذا استأجره على أن يفعل نيابة عن الولي ، فالظاهر صحة الإجارة على القولين ، لاختصاص المنع عن أخذ الأجرة بما إذا كان الفعل بعنوان الأصالة ، لا بعنوان النيابة. نعم قد يشكل من جهة الإجماع على عدم جواز النيابة عن الحي في الواجبات ، لكن عمومه للواجبات الكفائية محل إشكال أو منع. ولعل السيرة الجارية اليوم على أخذ الأجرة على التغسيل مبنية على ذلك.

كما أن ثمرة الخلاف الأخرى ـ وهي : أنه على القول بالاختصاص لا يجب الفعل عقلا إلا بعد العلم ، أو الظن بامتناع الولي ، أو فقده ، إذ مع عدمها يكون الشك في التكليف ، والأصل فيه البراءة ، وعلى القول بالاشتراك يجب الفعل عقلا إلا مع العلم ، أو الظن بالامتثال ، لكون الشك في الفراغ ـ أيضاً لا يخلو من إشكال ، إذ الشك في الوجوب ـ على الاختصاص ـ إن كان للشك في الفعل فهو كالشك فيه على الاشتراك ، لأصالة عدم الفعل على كل حال. وأصالة حمل الولي على الصحة ليس : بنحو يصلح لإثبات فعله كما حقق في محله. فيجب الفعل على غير الولي‌

٣٧

والاذن يسقط اعتبار إذنه [١]. نعم لو أمكن للحاكم الشرعي إجباره له أن يجبره على أحد الأمرين [٢] ، وإن لم يمكن‌

______________________________________________________

على كل حال. هذا في آخر الوقت. وأما في أوله فلا يمكن الإتيان به بعنوان المشروعية ، إما للشك في التكليف ، أو للشك في الاذن المعتبرة في صحة الفعل. فلا فرق بين القولين من هذه الجهة. وكذا الحكم لو علم بعدم الفعل وشك في الاذن ، فإنه أيضاً في آخر الوقت يجب على غير الولي المبادرة إلى الفعل ، وفي أوله لا يجب ، بل لا يشرع ، إما لعدم التكليف ، أو لأصالة عدم الاذن التي هي شرط الصحة. نعم يختلف القولان في بعض اللوازم ، مثل : ما لو صلى غير الولي في أول الوقت باعتقاد إذن الولي ، فعلى الاختصاص لا تجزئ ، وعلى الاشتراك تجزئ. وسيأتي التعرض لبعض موارد الاختلاف.

[١] في الجملة بلا خلاف ، ولا إشكال. وتشير إليه أخبار العراة الذين وجدوا ميتاً قد قذفه البحر (١) ، وما ورد في تغسيل الذمي المسلم والذمية المسلمة إذا لم يوجد مماثل ، ولا ذو رحم (٢) ، وما ورد في تغسيل بعض الميت (٣) ، وغير ذلك.

[٢] لتخلفه عن مقتضى ولايته. وفي الذكرى : « إن في إجباره نظراً ينشأ من الشك في أن الولاية هل هي نظر له ، أو للميت؟ » وفي الجواهر : « لا ريب في قوة العدم ، للأصل ، مع ما يستفاد من فحوى الأدلة » ، وكأنه يشير بفحوى الأدلة إلى أنها تضمنت : أنه أحق وأولى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب صلاة الجنازة.

(٢) الوسائل باب : ١٩ من أبواب غسل الميت.

(٣) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب صلاة الجنازة.

٣٨

يستأذن من الحاكم. والأحوط الاستئذان من المرتبة المتأخرة أيضاً [١].

( مسألة ١ ) الإذن أعم من الصريح ، والفحوى ، وشاهد الحال القطعي [٢].

______________________________________________________

مما يقتضي ثبوت الحق له إرفاقاً به ، وتسلية له ، فتنفي الاخبار المنافي للإرفاق به ، إذ لا يجبر ذو الحق على استيفاء حقه. لكن يمكن المناقشة فيه : بأنه لو سلم في الجملة فظاهرها ـ أيضاً ـ ثبوت الولاية له ثبوتها لسائر الأولياء إرفاقاً بالمولى عليه أيضاً ، فيجري عليه ما يجري ، على سائر الأولياء من لزوم نظره في أمر الميت أداء لحقه عليه ، فيجبر مع الامتناع عنه. ولأجل ذلك يبنى على وجوب الاستئذان من الحاكم الشرعي مع عدم إمكان الإجبار ، لأنه ولي الممتنع ، لكن وفاء الأدلة بالأمرين معاً لا يخلو من إشكال ، كما سيأتي.

[١] للتوقف في أن الولاية ثابتة لجميع الطبقات فعلا ، وإن ترجح بعضها على بعض ، فلا يجوز لغير من في الطبقة المتأخرة تولي أمر الميت ، كما يقتضيه الجمود على مدلول هيئة التفضيل ، أو أنها منحصرة في الطبقة السابقة لا غير. كما يقتضيه المفهوم من هيئة التفضيل عرفاً ، يظاهر ذلك من ملاحظة أمثاله من الموارد ، فمع امتناعها يرجع الى الحاكم الشرعي ، لأنه وليها ، وسيأتي في البحث عن الولاية التعرض لذلك. ومن هذا يظهر أن التوقف في وجوب الاستئذان من المرتبة المتأخرة يستلزم التوقف في وجوب الاستئذان من الحاكم الشرعي. لأن الحاكم الشرعي متأخر عنها ، فلا يتضح وجه الجزم بالثاني ، والتوقف في الأول. اللهم إلا أن يكون الاحتياط المذكور استحبابياً ، لكنه خلاف الظاهر. فلاحظ.

[٢] لأن الجميع طريق إليها. وكذا شاهد الحال الظني إذا كان له‌

٣٩

( مسألة ٢ ) إذا علم بمباشرة بعض المكلفين يسقط وجوب المبادرة. [١] ولا يسقط أصل الوجوب إلا بعد إتيان الفعل منه ، أو من غيره ، فمع الشروع في الفعل أيضاً لا يسقط الوجوب ، فلو شرع بعض المكلفين بالصلاة يجوز لغيره الشروع فيها بنية الوجوب. نعم إذا أتم الأول يسقط الوجوب عن الثاني ، فيتمها بنية الاستحباب.

______________________________________________________

ظهور معتد به عند العقلاء.

[١] الوجوب الكفائي وإن كان لا يسقط إلا بعد حصول متعلقه في الخارج ، إلا أنه تسقط محركيته بالنسبة الى ما قد حصل من المقدمات أو الأجزاء ، وكذا تسقط محركيته الإلزامية بالنسبة الى ما لم يحصل منها ، إذا علم بأنه سيحصل من الغير لو لم يفعله المكلف ، وإن كان يصلح للمحركية غير الإلزامية بالنسبة الى ما ذكر ، ولذا يجوز له التعبد بالغسل والصلاة مع الشروع فيهما من الغير وإن علم أنه سيتمهما لو لم يفعلهما المكلف.

فان قلت : التكليف بالكل وإن لم يسقط لعدم حصول الكل ، لكن التكليف بالجزء يسقط لحصول متعلقه ، وحينئذ لا مقتضي لفعل الجزء ثانياً لسقوط الأمر به.

قلت : التكليف الضمني المتعلق بالجزء لما كان ارتباطياً مع التكليف بالاجزاء الباقية ، والتكاليف الارتباطية متلازمة في مقام الثبوت والسقوط ، فما دام التكليف بالباقي ثابتاً. فالتكليف بالجزء المأتي به ثابت أيضاً ، ولذلك يصلح للداعوية إلى فعل الجزء ثانياً.

فان قلت : الأمر بالجزء المأتي به وإن لم يسقط لما ذكر ، لكن الجزء المأمور به لما كان ملحوظاً بنحو صرف الوجود المنطبق على وجود‌

٤٠