مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ١

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ١

المؤلف:

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام


المحقق: عبدالكريم أحمد جدبان
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الحكمة اليمانية للتجارة والتوكيلات العامة
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٩٧
الجزء ١ الجزء ٢

رسل الله صلى الله عليها ، للأمم التي أرسلها الله إليها ، إذ شكّوا في الله وتحيروا ، ولم يبصروا من الله ما بصروا : (أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [إبراهيم : ٦]. فما دل الله جل ثناؤه على نفسه ، ولا دل عليه العارفون به ، بحلية ولا صورة ، ولا بهيئة منعوتة ولا مذكورة ، ولكن دل سبحانه على نفسه ودلت رسله عليه بخلقه وفطرته ، وبما يرى (١) في ذلك من أثر جلاله وكبريائه وقدرته.

فمن لم يكتف بذلك في المعرفة بالله فلا كفي ، ومن لم يشتف ببيان الله فيه فلا شفي ، ففيما بيّن الله من آياته في ذلك ما يقول سبحانه للمؤمنين والذين لا يعلمون ، إذ قالوا : (لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (١١٨)) [البقرة : ١١٨]. فنسأل الله أن ينفعنا ببيانه ، وبما نزّل من فرقانه.

ومن البيان في ذلك والنور ، قول داود عليه‌السلام في الزبور : (سبحان الله القدوس الأعلى ، ورتلوا أسماءه الحسنى العلى ، مصطفى إسرائيل الفعال لما يريد من الأشياء ، في البحار والأرض والسماء ، الذي أنشأ برحمته السحاب ، وجعل البرق والرياح الهواب ، وغرّق فرعون وجنوده في البحر ، وأظهر ما أظهر من عجيب آياته بأرض مصر ، وقتل ملوك الجبابرة ملك الموراسر وملك نيسان ، وكل من كان من عتاة ملوك بني كنعان ، وأعطى إسرائيل أرضهم عطية ، وهبها لهم هبة هنية) (٢).

__________________

(١) في (ب) و (د) : نراه.

(٢) نص الزبور هكذا : هللويا. سبحوا اسم الرب ، سبحوا يا عبيد الرب ، الواقفين في بيت الرب ، في ديار بيت إلهنا ، سبحوا الرب لأن الرب صالح ، رنّموا لاسمه لأن ذاك حلو ، لأن الرب قد اختار يعقوب لذاته ، وإسرائيل لخاصته ، لأني أنا قد عرفت أن الرب عظيم ، وربنا فوق جميع الآلهة ، كل ما شاء الرب صنع في السماوات وفي الأرض ، وفي البحار وفي كل اللجج ، المصعد السحاب من أقاصي الأرض ، الصانع بروقا للمطر ، المخرج الريح من خزائنه ، الذي ضرب أبكار مصر من الناس إلى البهائم ، أرسل آيات وعجائب في وسطك يا مصر على فرعون وعلى كل عبيده ، الذي ضرب أمما كثيرة وقتل ملوكا أعزاء ، سيحون ملك الأموريين ، وعوج ملك باشان وكل ممالك كنعان ، وأعطى أرضهم ميراثا ، ميراثا لإسرائيل شعبه. المزمور المائة والخامس والثلاثون. من زبور داود. ما يسمى بالمزامير.

٦٦١

وما في نفي التشبيه عن الله بخلقه (١) في الإنجيل ، فكثير بحمد الله غير قليل ، ولو لا كراهتنا للتكثير في (٢) الكتاب والتطويل ، لذكرنا إن شاء الله بعض ما فسّر في ذلك من الأقاويل.

ثم قوله سبحانه فيما فسر المفسرون من التوراة الذي لا كقول ، والذي هو أصدق الصدق (٣) وأفضل الفضول ، إذ قال لموسى صلى الله عليه ، إذ ناجاه في مصيره إليه ، : (يا موسى إني أنا الله) ، (٤) مرتين اثنتين ، زيادة من الله له في التعريف والتبيين ، (إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسحاق ويعقوب) ، (٥) تعريفا له من وحدانيته وإلهيته بما ليس في شيء منه شرك لمربوب.

فهل تسمع لله سبحانه أو لأحد من رسله من قول ، في وصف لله تعالى بعرض أو طول؟! بل وصف نفسه جل ثناؤه ، ووصفه رسله وأنبياؤه ، بالوحدانية والقدرة والجلال ، لا بحسن (٦) صورة ولا هيئة ولا حلية ولا جمال.

والصورة يا بني فلا تكون أبدا إلا من صانع مصوّر ، وما في الصورة من أثر التقدير والتدبير فلا يكون إلا من مدبّر مقدّر ، فسبحان البارئ المصور الذي ليس بمبروّ ولا مصوّر ، والمقدّر المدبّر الذي ليس بمقدّر ولا مدبّر!! وتعالى (٧) الله رب العالمين ، وأكرم الأكرمين ، عن أن يوصف بصور الآدميين ، أو مشابهة (٨) شيء من المخلوقين ، وكيف يكون الخالق في شيء كخلقه ، والمخلوق في شيء ما كان كخالقه؟! فهذا يا بني ما لا يصح في الألباب ، على إله الآلهة ورب الأرباب.

__________________

(١) في (أ) و (ج) : لخلقه.

(٢) في (ب) : في هذا الكتاب.

(٣) سقط من (أ) : الصدق.

(٤) في القرآن الكريم أيضا : (يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ) [النمل / ٧]. و (يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ) [القصص / ٣٠].

(٥) وفي القرآن أيضا وصية يعقوب لبنيه إذ سألهم : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) [البقرة / ١٣١].

(٦) في (ب) و (د) : لا بحسن في صورة.

(٧) سقط من (أ) و (ج) : وتعالى.

(٨) في (أ) و (ج) : بصور أو يشابهه.

٦٦٢

فهل تعرّف الله قط تبارك وتعالى ، إلى أحد من خلقه بحلية من الحلى ، كلا لن يوجد ذلك من الله أبدا ، ولن يعرف الله من عرفه إلا أحدا واحدا ، غير ذي نواح وأطراف ، ولا مختلف في الأوصاف ، بل تدل أوصافه كلها على واحد أحد ، غير معروف بصورة ولا حلية ولا عدد ، ليس له ند يساويه ، ولا ضد يناويه ، يستدل عليه تبارك وتعالى وعلى جلاله ، بدلائل لا يحصيها غيره من صنعه وفعاله ، فهل يعمى ويصم عما يرى ، إلا من لا يسمع بقلب ولا يرى ، فنحمد الله على ما منّ به في ذلك من الهدى ، وعلى ما بصّر برحمته في ذلك من ضلال أهل الهلكة والردى.

[معنى العرش والكرسي]

وبعد فافهم نفعني الله ونفعك ، بما أسمعني من البيان وأسمعك ، مسألتك عن تأويل ما ذكر الله من كرسيه وعرشه ، فما تأويل ذلك عند من يؤمن بالله إلا كتأويل قبضته وبطشه ، وما ذلك كله ، وفرع ذلك وأصله ، إلا ملكه واقتهاره ، وسلطانه واقتداره ، الذي لا شرك لأحد معه فيه ، ولا ملك ولا سلطان لسواه عليه!

ألا تسمع كيف يقول سبحانه : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) [البقرة : ٢٥٥]. وتأويل يؤده : هو يثقله ، فهو لا يثقله حفظ ما هو من السماوات والأرض مالك (١) له.

وكذلك تأويل : (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣)) [البروج : ١٢ ـ ١٣]. و (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى) [الدخان : ١٦]. وليس يتوهم في كبرها ، طول ولا عرض في ذرعها ولا قدرها ، ولا يتوهم أن القبضة والبطش (٢) من الله على ما يعرف من الآدميين ببنان ولا كف ، وكذلك لا يتوهم أن الكرسي والعرش ذو قوائم ووسط وطرف ، ألا تسمع كيف يقول سبحانه : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ)

__________________

(١) سقط من (ب) : مالك.

(٢) في (د) : البسط. مصحفة.

٦٦٣

[هود : ٧]. تأويل ذلك : وكان ملكه على الماء ، كما كان عرشه الذي هو ملكه بعد خلقه للسماء على السماء.

وكذلك ذكر أن كرسيه قد (١) وسع السماوات والأرض كلها ، ولم يذكر أنه جعل الكرسي موضعا لها ، بل ذكر أنها كلها فيه ، ولم يذكر أنه هو فيها ، وكان ذلك من الدلالة على أن (٢) الحفظ والملك هو الكرسي بعينه ، لا ما يتوهم (٣) من عمي عن تنزيل الله في ذلك وتبيينه ، وإنما ذكر الله الكرسي والعرش دلالة للعباد بذكرهما ، على ما ذكرنا ـ إن شاء الله ـ من أمرهما.

وإنما فهّم الله جل ثناؤه عباده ، وأبان لهم في كثير مما نزل الله من آياته رشاده ، بما (٤) ضرب لهم في ذلك من الأمثال ، وذكر برحمته من شبه ومثال ، وأمثال الأشياء ومثلها ، وفروع الأشياء وأصولها ، فليست بالأشياء أنفسها ، ولا بأعيان ما مثّل بها ، ولكنها أشباه ونظائر يستدل عليها ، من فكّر بعون الله فيها.

وفيما ذكر الله سبحانه من ضربه للأمثال ، وما فيها للمؤمنين من الهدى والاستدلال ، ما يقول سبحانه : (* إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (٢٦)) [البقرة : ٢٦]. ولا يهتدي لذلك إلا من اتقى (٥) ، كما قال تبارك وتعالى : (الم (١) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢)) [البقرة : ١ ـ ٢]. فليس يرتاب ـ والحمد لله ـ في الكتاب ، أحد من أهل التقى والألباب ، فالحمد لله رب العالمين كثيرا ، (٦) على ما نوّر لأهل التقى بكتابه من

__________________

(١) سقط من (ب) و (د) : قد.

(٢) سقط من (ب) : أن.

(٣) في (ج) : لا يتوهم.

(٤) في (ب) و (د) : آيات رشاده. وفي (أ) و (ج) و (ه) : مما ضرب.

(٥) في جميع المخطوطات : اتقاه. ولعلها مصحفة والصواب ما أثبت.

(٦) سقط من (أ) و (ج) : كثيرا.

٦٦٤

الهدى تنويرا.

وفيما ضرب سبحانه للناس من الأمثال ، فيما نزل سبحانه من القرآن ، ما يقول تبارك وتعالى : (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧)) [الزمر : ٢٧]. ويقول سبحانه : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ (٤٣)) [العنكبوت : ٤٣]. وكذلك فقد يجوّز الفكر في الكرسي والعرش ، وما ذكره الله له من القبضة والبطش ، فنفى (١) عنه جل جلاله في قليل ذلك وكثيره ، مشابهة كبير خلقه وصغيره ، كما نفى عنه فيما ذكر من صفاته لنفسه ، مشابهة جن الخلق وإنسه ، كما قال سبحانه : (خَبِيرٌ بَصِيرٌ) [الشورى : ٢٧] ، ولا يمثل في ذلك من خلقه بالمختبرين المبصرين ، وقيل : كبير وقدير (٢) ولا يشبه بكبير الأشياء في الطول والعرض ولا بالمقتدرين ، وكما قال سبحانه : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤)) [الواقعة : ٩٦ ، ٧٤ ، الحاقة : ٥٢]. وقال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). ولا يشبه في العظم ، بعظم جثة ولا جسم ، ولا يمثل في الرحمة (٣) أرحم الراحمين ، بمن كان رحيما من الآدميين ، ومتى ما (٤) توهم ذلك متوهّم واعتقده في الله ، فهو ـ صاغرا ـ من المنكرين لله.

وكذلك صفات الله وأسماؤه كلها الحسنى ، فتعالى فيها كلها عن شبه الخلق في كل معنى.

وكذلك قبضته وبطشه ، وكرسيه وعرشه ، فلا يتوهم عرشه وكرسيه (٥) ذا قوائم وأركان ، ولا يتوهم قبضته وبطشه بكف ذات بنان ، ومتى ما توهم (٦) ذلك متوهم أو اعتقده في الله ، فهو مشرك لا شك بالله ، وبريء من توحيد الله ومعرفته ، إذ أشرك غيره

__________________

(١) في (ب) و (د) : فيفنى.

(٢) في (أ) : كبير قدير.

(٣) في (ب) : رحمة.

(٤) في (ب) و (د) : ومتى وهم ذلك متوهم أو اعتقده.

(٥) في (ب) و (د) : كرسيه وعرشه.

(٦) في (أ) و (ج) : ومن توهم.

٦٦٥

في صفته.

وتأويل الكرسي والعرش لرب العالمين ، فغير تأويليهما في الآدميين ، لأن تأويلهما في بني آدم ، وفيما يحاط به لهم فيهما من العلم ، إنما هو مقعد الملك ، وآلة من آلات الملك ، يحمل للملك أو يوضع ، له (١) دعائم ثماني أو أربع. والكرسي والعرش لله فإنما هما (٢) ملك الله وسلطانه ، وتمكّن الله من الأشياء واستمكانه ، وقدرة الله سبحانه وملكه منها لما لم يكن كقدرته وملكه لما قد كان ، وذلك فما لا يصف (٣) به ـ من قال صدقا ـ إلا الله الرحمن ، وكل من اعتقد التشبيه لله بشيء في وهمه ، فقد برئ من الإيمان بالله وحكمه ، وزال عنه اسم التوحيد ، وكان منه أبعد بعيد ، لا تحل له ذبيحة ، ولا موالاة ولا مناكحة.

وفي العرش وما ذكرنا من أمره ، وما قلنا به فيه من التأويل عند ذكره ، وأنه هو القدرة لله والملك ، الذي ليس فيه لغير الله شرك ، ما يقول الله لا شريك له : (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦)) [المؤمنون : ١١٦]. ويقول سبحانه لرسوله ، صلى الله عليه وعلى آله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩)) [التوبة : ١٢٩] ، وتأويل ـ إن شاء الله ـ ذلك الصحيح المستقيم ، إذ (٤) هو العرش العظيم الكريم ، فإنما هو كرم ملك الله وعظمه ، لا طول العرش ولا عرضه ولا ضخمه ، وما في عظمه لو كان كما قالوا وطوله وعرضه ، ما يكون به وإن عظم واتسع أعظم ولا أوسع من سماء الله وأرضه ، ولو كان ذلك ، كما قالوا كذلك ، لكان عظمه في الإكبار والإجلال ، دون عظم السماء والأرض والجبال.

وإني لأحسب ـ والله أعلم ـ أن الهدهد حين أنبأ ، بعظم عرش ملكة سبأ ، ما أراد بالعرش وذكره ، إلا عظم ملكها وكبر قدره ، ألا تسمع قوله : (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ

__________________

(١) في (أ) و (ج) : بها له دعائم.

(٢) في (أ) : هو.

(٣) في (أ) : فيما لا يصف. وفي (ب) و (د) : فما لا يوصف.

(٤) في (ب) : أنه.

٦٦٦

يَقِينٍ (٢٢) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣)) [النمل: ٢٢ ـ ٢٣]. فذكر ملكها لهم وما أوتيت وهو ما أعطيت من كل شيء ثم قال : (وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ) ، وهذا إن كان إياه أراد كما قلنا فهو الإكبار لها والتعظيم ، وإلا فما عظم عرشها أو سريرها ، من التعظيم لها أو لأمرها ، ومن (١) الكبر لقدرها.

وقوله سبحانه : (ذُو الْعَرْشِ) [غافر : ١٥ ، البروج : ١٥]. فتأويله : ذو الملك لا يتوهم ذلك كرسي منصوب ، لقوائمه في جوانبه ثقوب. ومثل ما ذكرنا في العرش من التمثيل للعباد بما يعرفون ، لا على ما يعلمون من خواص أحوالهم ويوقنون ، مما جل تبارك وتعالى عن مماثلتهم فيه ، أو أن يقع شيء من حقائق صفاتهم به عليه ، ما يقول سبحانه : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) [الزمر : ٧٥]. وذلك فمقام الحكم في يوم القيامة والبعث وموقف الجزاء ، ثمّ من الله والقضاء ، بدائم السخطة منه والارتضاء.

وفي ذلك أيضا ومثله ، من موقف حكمه وفصله ، ما يقول سبحانه : (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (١٧) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (١٨)) [الحاقة : ١٧ ـ ١٨]. وذلك فيوم العرض للعباد على المليك ، العلي الذي علا وتقدس عن مشاركة كل شريك ، يمثل ذلك سبحانه لهم بما قد رأوا ، وعرفوا وأبصروا ، من ملوك الدنيا إذا عرضوا ، فحكموا وقضوا ، كيف تنصب لهم يوم ذلك عروشهم وكراسيهم ، للقضاء في أهل مملكتهم ومن تحت أيديهم.

وكل ما أمكن في العرش والكرسي من التمثيل ، فقد يمكن ـ والحمد لله ـ في حملة العرش مثله من التأويل ، وكذلك فقد يكون ذكر الله العرش وحملته من التمثيل ، في موقف الحكم والقضاء والتفصيل ، على ما قد رأوا من ملوك الدنيا (٢) وعرفوا ، لا على ما قال الجاهلون بالله ووصفوا. وكما جاز ذكر العرش للقضاء والفصل ، فقد يجوز مثله فيما ذكر للعرش من الحمل ، ولا تقبل العقول ، أن الله محمول ، كما يعرف

__________________

(١) في (ب) و (د) : أو من.

(٢) في (ب) و (د) : الدنيا في الدنيا.

٦٦٧

من حمل شيء ، على سرير أو عرش أو كرسي!! ومن قال بذلك واعتقده (١) فهو بالله من الجاهلين ، وعن المعرفة لله من الضالّين.

وكيف يتوهم من رفع تبارك وتعالى السماوات بغير عمد ، وأمسكها وأقامها في الأهوية بغير علق (٢) ولا سند ، كما قال سبحانه : (* إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) [فاطر : ٤١]. وقال تبارك وتعالى: (رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ) [الرعد : ٢] ، ثم قال جل ثناؤه (تَرَوْنَها) ، يعني سبحانه تعاينونها وتبصرونها ، غير معمودة من تحتها بعمد ، ولو كانت كذلك لرأى ذلك من أهل الأرض كل أحد ، فكيف يكون من حملها سبحانه محمولا ، أو يكون ذلك عليه في القول مقبولا؟!

وما ذكر (٣) سبحانه من العرش والكرسي ، وبعده في ذكرهما من مشابهة كل شيء ، إلا كما (٤) ذكر سبحانه من إمساكه وإقامته ، لما ذكر من أرضه وسماواته ، لا يتوهم إمساكه لذلك ببنان ولا كف قابضة ، تقدس في ذلك عن كل صفة محدثة عارضة ، ولئن لم يتأولوا العرش لرب العالمين ، إلا على ما رأوا من عروش الآدميين ، ما لهم أن يتأولوا رفع السماوات والأرض إلا على مثال ما يعرفون ، من الآدميين ويتوهمون.

وكذلك يلزمهم أن يتوهموا صنع الله جل ثناؤه لما صنع ، كصنع من خلق الله من الآدميين وابتدع ، فيشبهون الله تعالى بالخلق ، ويقولون عليه بغير الصدق ، فيبين بإذن الله أمرهم ، ويظهر بالله كفرهم ، ولا يخفى شركهم ولا يستتر ، ولا يتوارى عند من عرف الله ولا يستسرّ ، فنستجير بالله من العمى والضلالة ، ومن الحيرة عن الله والجهالة.

وما الذي ذكر الله سبحانه في التمثيل من عرشه وحمله ، إلا كما ذكر الله من حبله ، إذ يقول تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً) [آل عمران : ١٠٣] ، و (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) [آل عمران : ١١٢] ،

__________________

(١) في (ب) و (د) : أو اعتقده.

(٢) العلق : الحبال.

(٣) في (ب) و (د) : ذكره.

(٤) في (أ) و (ج) و (د) : لا كما. وفي (ب) : شيء كما.

٦٦٨

فهل يتوهم ذلك حبل مسد ، (١) أو حبلا من سواه يحصد (٢).

ومثل ذلك قوله سبحانه : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) [البقرة : ٢٥٦]. فهل يتوهم أو يرى ، أن ذلك عروة من العرى ، التي تكون من شعر ، أو ليف أو لحاء من شجر ، قد أمرّ (٣) ذلك وعقد ، بما يعرف له من المرّة والعقد ، فلا يتوهم ذلك ـ والحمد لله ـ ولا يراه ، أحد من خلق الله رأيناه ولا علمناه.

و [ما] ما ذكر الله من العرش والكرسي وحمّاله ، إلا مثل ضربه الله من أمثاله ، فرحم الله عبدا فهم عن الله وحقّه ، فنفى عنه شبه جميع خلقه ، ولئن لزم الكرسي والعرش أن يكونا كالكراسي والأسرة المنصوبة ، ليلزمنّ مثل ذلك في تأويل رفيع الدرجات فتكون الدرجات عتبة بعد عتبة ، وذلك فما لا يتوهمه (٤) صحيح سوي ، ولا ضعيف في العلم ولا قوي. وما ما يسمع من هذا ومثله إلا أمثال مضروبة ، فهي والله المستعان في قلوب الجاهلين بالله محرفة مقلوبة ، فهم فيها ـ والحمد لله ـ لا يعقلون ولا يعلمون ، كما قال الله سبحانه : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ (٤٣)) [العنكبوت : ٤٣].

وفي ذكر التمثيل والأمثال ، ما يقول الله ذو العزة والتعال : (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) [النحل : ٢٦]. فذكر الإتيان وليس يتوهم إتيان الله إتيان مجيء ، ولا يتوهم ما ذكر (٥) من البنيان [أنه] بنيان مبني ، ولا يتوهم السقف الذي ذكره الله سقفا مرفوعا ، ولا قواعد بنيانهم التي هي أساسه (٦) أساسا موضوعا ، من حجر ، ولا طين ولا مدر ، ولكنه مثل وتمثيل

__________________

(١) المسد : الليف.

(٢) في (أ) و (ب) و (ج) : محصد.

(٣) في (ب) و (د) : في الشعر. واللحاء : قشر الشجر. وأمرّ : شدّ. يقال : أمرّ بعيره ، إذا شده.

(٤) في (أ) و (ج) : فما لا يتوهم. وفي (ب) : فلا يتوهم. وفي (د) : فلا يتوهمه. ولفقت النص من الجميع.

(٥) في (ب) و (د) : ما ذكر الله من.

(٦) سقط من (أ) و (ج) : أساسه.

٦٦٩

صادق ، مثّله العزيز الصادق (١) الخالق ، الذي أصدق الأقوال أقواله ، وأصح (٢) الأمثال أمثاله. وكذلك فقد يمكن ما قلنا وفسرنا ، في الكرسي والعرش على ما مثّلنا وذكرنا.

ولفي التمثيل لهم بما (٣) يعرفون من الأمثال ، ما يقول في كتابه ذو الكبرياء والجلال : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) [البقرة : ٧]. فلا يتوهم ختم بخاتم ولا طين ، ولا يتأوله كذلك من يفرق بين لبس وتبيين.

ومثل ذلك قوله سبحانه : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ) [الأنعام : ٢٥]. ولا يتوهم أحد وإن جهل وجفا ، الأكنة أغطية وغلفا.

وكذلك قوله ، جل جلاله : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) [الإسراء : ٢٤] ، و (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) [القصص : ٣٢] ، فهل يتوهم الجناح في ذلك كله كجناح طائر ، إلا كل أحمق من السامعين عم حائر. وما في هذا ومثله من الأمثال ، فيكثر عن أن نذكره في مقال ، فنعوذ بالله من العمى والحيرة ، ونستمتعه بما وهبه من الهدى والبصيرة ، فإنا في دهر عم تمكن فيه الجهلة العمون ، فقالوا على الله تبارك وتعالى بما لا يعلمون ، وخرجوا بمقالتهم (٤) في الله من حقيقة توحيد الله وهم لا يشعرون.

فإن قال قائل : فما وجه التسمية ، في الحمل للعرش لعدة (ثَمانِيَةٌ) [الحاقة : ١٧] ، وما تأويل (فَوْقِهِمْ)؟

قيل : أما فوقهم ، فهو على (٥) الحمال ورءوسهم ، وأما ثمانية فإني أحسب ـ والله أعلم ـ أن أكرم ما كان يعرف الأولون عندهم من العروش (٦) والكراسي ، التي كانت تتخذ فيما خلا لملوك الأمم في الزمان الماضي ، ما كان من العروش ذا ثماني قوائم في

__________________

(١) سقط من (أ) و (ج) : الصادق.

(٢) في (ب) و (د) : وأصلح.

(٣) في (د) : ما. وسقط من (ب).

(٤) في (ب) و (د) : بمقالهم.

(٥) في (ب) و (د) : أعلا.

(٦) في (ب) و (د) : أن كان أكرم ما كان يعرف الأوان عندهم من العرش.

٦٧٠

كل ركن منه قائمتان ، فتلك قوائم حينئذ ثمان ، قائمتان في كل طرف من الطرفين ، وقائمتان في كل جانب من الجانبين.

ولما كان ـ عند الأولين حمل ثمانية حمّال ، عرش (١) كل ملك ذي قدرة في المملكة والجلال ، أكبر في التعظيم والإجلال ، عند الحمّال وعند غيرهم من أهل المملكة ، ومن وصل إليه ذلك من الجبابرة المتملكة ، أن يكون عرش الملك محمولا على الرءوس ، وكان ذلك أجلّ للملك (٢) في النفوس ـ كانت كل قائمة من قوائم عرش الملك إذا حمل العرش محمولة على رأس حامل واحد ، فتلك (٣) ـ يا بني هداني الله وإياك ـ حينئذ ثمانية سواء في العدد ، فهذا والله أعلم عندي (٤) وجه التسمية ، لما سمي في الحمل للعرش من الثمانية.

وإنما ضرب الله للعباد الأمثال بما يعرفون من الأشياء ، على قدر ما قد رأوا منها في الدنيا ، التي لم يروا قط شيئا إلا فيها ، ففهمهم (٥) الأمثال بها وعليها ، وبالله ـ لا شريك له ـ نستعين على ما أبان وبيّن من قصص آياته وأحاديثها ، وقديم دلائله وحديثها.

ومن ذلك يا بني الأمثال التي مثّلها ، وفصّلها تبارك وتعالى في كتابه ونزّلها ، ما يقول سبحانه : (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩)) [القيامة : ٢٩]. لا يتوهم الساق ساق رجل ، أحد ممن له أدنى عقل.

وقال سبحانه : (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨)) [المدثر : ٨] ، ولا يتوهم أحد ذلك كالناقور المنقور.

وكذلك قوله جل ذكره : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) [الكهف : ٩٩ ، يس : ٥١ ، الزمر: ٦٨ ، ق : ٢٠].

__________________

(١) في (ب) : عرش ملك. وفي (ج) : عرش كل مملكة.

(٢) في (ب) و (د) : للملوك.

(٣) في (ب) : فبذلك. مصحفة.

(٤) سقط من (ج) و (د) : عندي.

(٥) في (أ) : نفهمهم. وفي (ب) : فهمهم.

٦٧١

ولا يتوهم بوقا ولا قرنا من القرون ، إلا كل مختل (١) من الناس مجنون.

ومثل ذلك قوله : (عَلى شَفا جُرُفٍ) [التوبة : ١٠٩] ، ولا يتوهمه (٢) جرفا من الجرفة ، إلا من لم يهبه الله في ذلك شيئا من الهدى والمعرفة ، وإنما الجرف من الأرض المعروف ، جانب الوادي أو ما كان من الأرض له حروف.

وفي مثل ذلك من الأمثال ، ما تقوله قريش للرسول عليه‌السلام : (قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) [فصلت : ٥]. ولا يتوهم الأكنة أغطية ولا لبسا ، ولا يتوهم الوقر صمما ولا ما ذكره الله من بكم الكفار خرسا ، إذ يقول سبحانه : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨)) [البقرة : ١٨]. ولا الحجاب سترا مضروبا ، ولا بنيانا من الأبنية منصوبا.

وفيما ضرب الله من الأمثال ما يقول سبحانه : (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) [محمد : ٢٤]. ولا يتوهم ذلك أقفالا من حديد ، إلا كل أخرق (٣) أحمق بليد.

وما في هذا من الأمثال والبيان ، فيما جعل الله للعرب من اللسان ، فيكثر عن الاستقصاء ، والتعديد له والاحصاء ، لا يلتبس (٤) ـ والله محمود ـ على من يعقل وإن لبّس وغطّي ، ولا يخفى مخرجه وبيانه إلا على (٥) من ضلّ وعمي ، فنعوذ بالله من العمى والضلال ، عما ضرب الله ـ برحمته ـ لنا من الأمثال. فكم من جاهل حائر قد عمي!!

يرى أنه في (٦) جهله قد هدي ، أو سامري يقول لا مساس ، لا يعرف البيان ولا الالتباس ، كالبهائم الغافلة المهملة ، التي لا تفرق بين هادية من الأمور ولا مضلة ، فهم كما قال الله سبحانه لقوم يعقلون : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) [الأعراف : ١٧٩].

__________________

(١) في (أ) و (ب) و (د) : مختبل.

(٢) في (ب) : يتوهم.

(٣) الأخرق : الجاهل.

(٤) في (ب) : إلا تلبيس.

(٥) سقط من (ب) : على.

(٦) في (ج) : من جهله.

٦٧٢

قلت : فما تأويل : (حَافِّينَ) [الزمر : ٧٥]؟!

فقال : ما حافّون في التأويل إلا كالكرسي والعرش وحملته في التمثيل ، والملائكة ـ يا بني ـ فحافّون يومئذ بمقام الحكم والتفصيل ، كما قد عرف أهل الدنيا ، أن الملك منهم إذا حكم وقضى ، أحف بعرشه الذي هو الكرسي يوم يحكم ويقضي ، من يختار من أهل مملكته ويرتضي ، فمثّل سبحانه لهم مقام حكمه وفصله ، بما قد (١) عرفوا في الدنيا من مثله ، وليس يتوهم من يعقل العرش والكرسيّ سريرا محمولا ، ولا منبرا منصوبا معمولا.

ومثل ذلك مما يعرف الناس من الأمثال في أمورهم ، قوله سبحانه : (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ) [الأنعام : ٣١] ، فذكر سبحانه ما ذكر في هذا الذكر من الأوزار والحمل ، ولا يتوهم ذلك من له أدنى عقل ، حملا كحمل الأحمال ، على ما يعرف من ظهور الجمال ، ولا كعبء محمول ، ولا كور (٢) منقول ، وإنما هو مثل من الأمثال معقول ، تعرفه الألباب والعقول ، وقد علم الناس أن كل عبء أو وزر ، إنما يحمل على عنق أو ظهر.

وكذلك قوله سبحانه : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) [الكهف : ٢٩] ، ولا يتوهم السرادق (٣) كما يعرف في الدنيا من السرادقات ، ذوات الأوتاد والأطناب والرواقات ، (٤) إلا جاهل عمي ، أحمق بهميّ.

وكذلك لا يتوهم قول الله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [الفتح : ١٠] ، فلا يتوهم أحد له لبّ أن ما ذكر الله من ذلك منهم وفيهم ، على أن لله يدا ذات بنان مصافحة للمبايع رسوله ، (٥) صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

(١) سقط من (أ) و (ج) : قد.

(٢) الكور : الرّحل.

(٣) السرادق : ما أحاط بالبناء.

(٤) الرواق : فسطاط أو سقف في مقدم البيت.

(٥) في (ب) و (د) : لمبايع رسول الله.

٦٧٣

ولا يتوهم قوله سبحانه : (قاتَلَهُمُ اللهُ) [التوبة : ٣٠ ، المنافقون : ٤]. على ما يعرف من المقاتلة ، التي تكون بين المقتتلين (١) عند المواثبة والمصاولة.

ولا يتوهم قوله سبحانه : (* إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) [التوبة : ١١١]. ولا قوله : (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ) [التوبة / ١١١] ، ولا ما جرى في البيع والشراء (٢) من هذا ومثله ، على ما يعرف من المتبايعين ، والمشترين والبائعين ، في (٣) معاني المبايعة ، والشراء والمساومة ، كيف (٤) يكون ذلك وما اشترى سبحانه منهم من أنفسهم وأموالهم ، فهو له تبارك وتعالى لا لهم ، فهل يعرف أن مشتريا يشتري ما هو له؟! إلا الله ـ بكرمه ـ جل جلاله!!

وكذلك لا يتوهم قوله سبحانه لنوح صلى الله عليه : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا) [هود : ٣٧]. ولا قوله : (خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) [يس : ٧١]. على أن لله تبارك وتعالى أعينا. ولا أيديا كثيرة ، ولا كما تعرف الأعين كبيرة ولا صغيرة ، وأيدي ذوي (٥) الأيدي كلهم من الآدميين طويلة أو قصيرة ، ولا يعرف الناس الأعين والأيدي إلا ما كان كبيرا ، ولا أن شيئا من الأيدي يكون أبدا (٦) إلا طويلا أو قصيرا ، ولا يعرف الناس أجمعون ، فيما رأوا ولا فيما يصفون ، أن شيئا من ذلك ، يكون أبدا إلا كذلك ، ولكنها أمثال مثلها تبارك وتعالى لعباده بما يعرفون ، ليس في شيء منها تشبيه لله بما يقول الجهلة بالله ويصفون.

والإحفاف يا بني فهو الإحاطة ، والإحاطة فهي الإحداق (٧) والإدارة ، وفي إحاطة

__________________

(١) في (ب) و (د) : المتقاتلين.

(٢) في (ب) و (د) : في الشراء والبيع.

(٣) في (د) : من. وسقط من (ب).

(٤) في (ب) و (د) : فكيف.

(٥) في (ب) و (د) : دون. مصحفة.

(٦) سقط من (ب) : يكون أبدا.

(٧) الإحداق : الاستدارة.

٦٧٤

الله بالأشياء كلها ، من أواخر الأشياء وأوائلها ، ما يقول سبحانه : (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) [فصلت : ٥٤]. (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠)) [البروج : ٢٠]. والمحيط من الأشياء بما يحيط به ، فهو المحفّ المحدق بجميعه ، المدير بكل ناحية من نواحيه ، من جوانبه كلها ومن خلفه ومن بين يديه ، ولا يتوهم إحاطة الله ـ تعالى ذكره ـ بالأشياء كذلك ، والعرش والكرسي وحمله والإحفاف به فمثل ذلك ، ولا يتوهم (١) كما يعاين ويرى ، من أمور أهل هذه الدنيا ، وإنما إحاطة الله بالأشياء قدرته عليها ، (٢) وسلطانه جل ثناؤه فيها ، لا يتوهم ذلك من الله العزيز الخلاق ، كما تعرف به الأشياء من الإحفاف والإحداق ، الذي يكون من الأشياء ، ويرى من أهل هذه الدنيا ، تقدس الله وتعالى ، عن (٣) أن يكون شيء له مثالا.

وكذلك قوله سبحانه : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) [النساء : ١٦٤] ، (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا) [الأعراف : ١٤٣] ، (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢)) [الفجر : ٢٢]. فلا يتوهم في ذلك كلامه ، من قرّر في قلبه توحيده وإعظامه ، ككلام (٤) الإنسان ، بشفتين ولسان ، ولا يتوهم ـ تجلّيه للجبل كتجلّي ما نرى ، من تجلّى أهل هذه الدنيا ، إلا من لم يكن به تباركت أسماؤه وتعالى عارفا ، ولا له بما وصف به نفسه من الوحدانية واصفا ، ولا يتوهم مجيئه مجيء غائب ، ولا كمجيء ماش ولا راكب ـ إلا من لم يكن مؤمنا ، ولا بوحدانيته ولا بربوبيته موقنا.

وكذلك فينبغي لمن علم أو جهل ، أن يتوهم الكرسي والعرش والإحفاف والحمل ، على خلاف ما يعرف من الأشياء كلها ، لفرق ما بين الأشياء وجاعلها ، في كل صفة ومعنى من معانيها ، وكلما يعرفه عارف فيها. وبذلك ـ والله محمود ـ بان توحيده ، ووجب على العباد تمجيده ، ومن التبس عليه ذلك التبس عليه التوحيد ، ولم

__________________

(١) في (ب) و (د) : لا يتوهم.

(٢) سقط من (أ) و (ج) : عليها.

(٣) في (أ) و (ج) : من.

(٤) في (أ) و (ج) : كلام.

٦٧٥

يصح منه لله جل جلاله (١) تمجيد ، وكان بالله سبحانه جاهلا ، وفي ادعائه لتوحيد الله مبطلا.

ومما ضرب الله سبحانه في كتابه من الأمثال ، قوله سبحانه : (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ) [آل عمران : ١٠٣] ، ولا يعرف أحد الحفرة ، إلا محفورة منقعرة ، وقد جاز في ذلك ما نزل الله سبحانه من المثل ، وقد يجوز مثل ذلك في الكرسي والعرش والإحفاف والحمل ، لا يأبى ذلك ـ إن شاء الله ـ ولا يجهله ، من يعرف لسان العرب ولا من يعقله ، وقد تدعا من الحفرة شفا ، وما كان منها ولها حرفا ، وعليها من فمها (٢) مشرفا ، فهل كان من المؤمنين الأتقياء البررة؟! أحد على فم ما ذكرنا من هذه الحفرة!!!

وكذلك قوله سبحانه : (وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (١٤)) [الكهف : ١٤]. ولا يتوهّم ـ والحمد لله شيئا (٣) من ذلك كله عقدا ولا ربطا ، مربوطة ولا معقودة ، مقصرة ولا ممدودة ، ولا يتوهم منها رباطا واحدا ، ـ إلا من لم يهبه الله في ذلك هداية ولا رشدا ، وما من هذا في القرآن ، وفيما للعرب من اللسان ، فيكثر عن أن نذكره كله ، والحمد لله لا شريك له ، ولو لا كراهتنا للتكثير (٤) والتطويل ، لذكرنا بعض ما قالت العرب في ذلك من الأقاويل ، وسنذكر إن شاء الله بعض ما نزل الله سبحانه في ذلك تنزيلا ، وبعض ما قالت العرب في الجاهلية والإسلام تمثيلا.

فمن أمثال الله سبحانه في ذلك البينة النّيرة ، وأقواله جل ثناؤه المقوّية فيه للعلم والبصيرة ، قوله : (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [الأحزاب : ٤٣ ، الحديد : ٩]. وليس يتوهم الظلمات ليلا أسود ولا مثله ، إلا من لا عقل له ، ولا يتوهم ما ذكر الله من النور شمسا ولا قمرا ، إلا من لم يجعل الله له لبا ولا فكرا.

__________________

(١) في (ب) و (د) : ذكره.

(٢) في (ب) و (د) : فيها.

(٣) سقط من (أ) : شيئا.

(٤) في (ج) : للكثرة.

٦٧٦

ومن ذلك قوله سبحانه : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) [الشورى : ٥٢]. ولا يتوهم الروح كأرواح البشر ، إلا من لم يعمر الله قلبه بضياء ولا بصر.

ومما ضرب الله من الأمثال ، وما يفهم بها وفيها من المقال ، قوله سبحانه : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠)) [الشورى : ٢٠]. فدعا تبارك وتعالى ذلك كله حرثا وسمّاه ، ولم يرد بذلك سبحانه الحرث الذي نعرفه نحن ونراه ، من حرث الأرض الذي لا يكون حرثا عند من لا يعقل سواه ، وقد عرفنا بمنّ الله ما أراد بذلك (١) وعناه.

وكذلك الكرسي والعرش والحمل فقد علمنا ، أنه ليس يشبهه بما يفنى ، وأن لله في ذلك كله الأسماء الحسنى ، والمباينة للخلق من المشابهة له في كل معنى.

ومن الأمثال أيضا التي لا تخفى ، إلا على من جهل من الناس وجفا ، قوله سبحانه: (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ) [الحديد : ٢٥]. وإنما معنى الميزان : معنى القضاء (٢) والفصل ، وما حكم به بين عباده من العدل.

ومثل ذلك يقول أرحم الراحمين ، وأحكم الحاكمين : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (٤٧)) [الأنبياء : ٤٧]. ولا يتوهم الموازين ذات كفف ، ولا الوزن (٣) وزنا بالأيدي والأكف ، إلا كل بائر ، عم جائر ، وكلما ذكر الله من ذلك (٤) فبيّن والحمد لله معروف ، لا يعمى عنه ولا يعتسف العلم فيه إلا عسوف (٥).

ومن الأمثال التي لم تزل تمثلها العرب حديثا وقديما ، لا يجهل ما تريد بها إلا من كان من معرفة لسانها عديما ، قول زهير بن أبي سلمى ، في الجاهلية الجهلاء :

__________________

(١) في (أ) : من ذلك.

(٢) سقط من (أ) و (ج) : وإنما معنى الميزان. وفي (ب) و (د) : معنى للقضاء.

(٣) في (ب) : والوزن.

(٤) في (أ) و (ج) : ذكرنا الله من هذا من ذلك. مصحفة.

(٥) في (ج) : ولا يعسف. والعسوف : المائل عن العدل.

٦٧٧

 ..................................

ما عضنى الدهر إلا زادني كرما (١)

ولا يتوهم العض إلا لما كان فما.

وقالت الخنساء :

تعرّقني الدهر نهشا وحزا

وأوجعني الدهر قرعا وغمزا (٢)

ولم ترد خنساء أنه ينهش بفم ولا ناب ، ولا يتوهم ذلك أحد من الحمقاء فضلا عن ذوي الألباب ، ولا يتوهم الحز ولا الغمز بكف ذات أصابع ، ولا القرع بقرع من مقارع.

وقالت هند بنت عتبة (٣) ترثي أباها :

وكان لنا جبلا راسيا

طويل المزاد كثير العشب (٤)

وقال بعض الشعراء بعد الإسلام :

معن بن زائدة الذي زيدت به

شرفا على شرف بنو شيبان

جبل تلوذ به نزار كلها

صعب الذرى متمنع الأركان (٥)

وقد علم أنه ليس أحد من الرجال ، بجبل مما يعرف من الجبال ، ولما جعلوه جبلا وصفوه بما يمكن من صفة الجبل في العشب والمرعى ، وتمنّع الأركان وصعوبة الذرى ، وجاز ذلك كله عندهم في المثل ، وكذلك فقد يمكن مثل ذلك في العرش وما ذكر من الحملة له والحمل.

وفي ضرب الأمثال ، وما يجوز منها في المقال ، ما يقول امرؤ القيس بن حجر :

أميمة إن الدهر في وثباته

أصاب جيادا نابه ومخالبه (٦)

__________________

(١) لم أقف عليه في ديوانه.

(٢) هذا البيت مطلع قصيدة للخنساء. انظر ديوانها.

(٣) في (ب) و (د) : وقد قالت.

(٤) لم أقف عليه.

(٥) أقف عليهما ولا على قائلهما.

(٦) لم أقف عليه.

٦٧٨

وليس أحد عقل أو لم يعقل من الناس ، يتوهم أن الدهر ذو مخالب ولا أنياب ولا أضراس.

وقال ابن ميادة :

فإن يك ظني صادقى وهو صادقى

بعبس يكن بالمشرفي عتابها

ويحتلبوها أم سقبين لاقحا

عنيفا بأيدي الحالبين احتلابها (٢)

يريد بقوله الحرب ، وقد علم أن كل حرب ليست تلقح بسقبين ولا سقب ، ولا بذات درّ ولا حلب. والسقب فهو ولدها إذا كان صغيرا ، والحلب فهو لبنها قليلا كان أو كثيرا ، وقد علم أن هذا كله لا يتوهم فيها ولا عليها ، وقد جاز أن ينسب كما ترى في الأمثال إليها.

وكذلك قال النميري :

وحرب قد حلبناها صراها

وحرب قد حلبناها علالا

إذا لبست عوان الحرب جلّا

كشفنا عن مشاعرها الجلالا (٣)

والمشاعر : هي القوائم. والصرا : هو جمع اللبن في الضرع حينين ، والعلال : فهو حلب (٤) اللبن في كل حين.

وقد قال زهير في الحرب :

فتعرككم عرك الرحا بثفالها

وتلقح كشافا ثم تحمل فتتئم

فتنتج لكم غلمان أشأم كله

كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم (٥)

__________________

(٢) لم أقف عليه.

(٣) لم أقف عليه.

(٤) في (أ) : حلاب.

(٥) البيتان من معلقة زهير إحدى المعلقات السبع.

٦٧٩

وقد علم أن الحرب لا تلقح ولا تتأم ، (١) ولا تنتج ولا ترضع ولا تفطم ، وقد جاز ما قال (٢) كله في الأمثال ، وكان القول به عند العرب من أصح المقال.

وفي مثل ذلك من المثل ، ما يقول :

وهم حملوا المئين فلم تؤدهم

 ............................ (٣)

ولا يعرف الحمل ، المحمول (٤) إلا كما يحمل الحاملون.

وقال زهير أيضا :

وما إن بيتهم إن عد بيت

فطال السمك واتسع البناء

فأما أسه فعلا قديما

على الأحساب إذ رفع النماء (٥)

ولم يرد ببيتهم بيتا من مدر ولا شعر ، ولا بأسه أسّا من صخر ولا حجر.

وقال ابن ميادة :

لنا قبة في المجد خضراء ضخمة

تبذ القباب ذات موج وساحل

لنا راية فوق السماء كأنها

زبيبة وكر روّقت فوق حامل (٦)

وليس يتوهم ما ذكر من القبة قبّة (٧) ذوات عوارض مشبكة ، (٨) ولا أنها قبة مصبوغة بخضرة ولا ملككة (٩). فيا ويل من شبه الله جل ثناؤه ، وتباركت بقدسه (١٠)

__________________

(١) في (ب) و (د) : تتئم.

(٢) في (أ) و (ج) : ما كان كله.

(٣) في (أ) : الميان فلم يأدهم جمالاتها. وفي (ج) : فلم يأدهم حمالتها. وفي (د) : حملوا المئين فلم تؤدهم حمالتها.

(٤) في (ب) و (د) : لمحمول.

(٥) لم أقف عليه.

(٦) لم أقف عليه.

(٧) في (ب) و (د) : فيه. مصحفة.

(٨) في (ب) و (د) : مسبلة. مصحفة.

(٩) في (ب) و (د) : بملككة.

(١٠) في (ب) و (د) : بالقدس.

٦٨٠