مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ١

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ١

المؤلف:

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام


المحقق: عبدالكريم أحمد جدبان
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الحكمة اليمانية للتجارة والتوكيلات العامة
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٩٧
الجزء ١ الجزء ٢

فكيف يسع حجة الله ، إذ كان حجة على ما وصفتم أن يستغل الألوف ، ويأخذ خمس أموالكم ، ويوكّل في كل بلاد لقبض الأموال ، ولا يفرّج على أحد من خلق الله ، ولا يقسمها في الفقراء والمساكين؟! فلم ير منه صفة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ قال الله سبحانه : (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) [الأحزاب : ٤٣]. (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) [التوبة : ١٢٨]. ولم ير منه صفة المؤمنين من أصحاب النبي عليه‌السلام إذ قال الله فيهم : (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) [الفتح : ٢٩]. (وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) [الحشر : ٤] (١).

فلا يرى فيه أن يفرج على أحد من فقراء المؤمنين إن ظلم أو قتل ، ولم ير فيه النّصب حربا لأعداء الله ، ولا يسير فيما يسخط الأعداء ، ولم ير قط (٢) إلا طلب أخذ الأموال من غير أن يقسمها في المستضعفين! فكيف يسعنا أن نقول فيه : هو حجة ، وليس يرى فيه صفة الحجج؟!

وأما قولكم : إنه يعلم ما نفعل ، ويعلم ما بسرائرنا ، ونحن نرى فيكم شرّاب الخمور ، ونرى فيكم الزنا واللواط ، وأخذ أموال الناس ، وظلم العباد ، والتقاطع والجفاء ، والمسير بغير ما أمر الله والقتل! وزعمتم بأنه يعلم منكم هذه الخصال ، إذ زعمتم أنه يرى أفاعيل العباد ، وهو يتولاكم على هذه الخصال ، التي فيكم ، فإن كان يتولاكم على هذا فليس من الله في شيء ، لقول الله تبارك وتعالى : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) [هود : ١١٣]. وقوله : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا (٢٩)) [النجم : ٢٩]. وقوله : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) [المجادلة : ٢٢]. وقال تبارك وتعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) [التوبة : ٧٣ ، التحريم : ٩].

__________________

(١) دمج آيتين على أنها آية للتشابه بينهما وآية الحشر هكذا : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ). وهي في جميع المخطوطات. ولعلها سهو من النساخ.

(٢) سقط من (ب) و (د) : قط.

٥٦١

وقال لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) [الكهف : ٢٨]. فقد أمره الله سبحانه أن لا يتولى أصحاب الدنيا ، ويصبر على الذين يريدون الآخرة ، فلم نر من صاحبكم إلا طلب الدنيا ، مجتهدا للمكاثرة ، وإن كان وصفتم من الأشياء ما ليس فيه!

وزعمتم أنه يرى أفاعيل العباد وأعمالهم ، وهو شاهد عليهم ، وليس فيه الذي وصفتم بأنه يرى أفاعيل العباد! فإن كان يرى أفاعيلكم فليس له أن يتولاكم ، ولا يأخذ منكم شيئا من عرض الدنيا ، وإن كان لا يرى منكم ما وصفتم فيه فقد كفرتم وعبدتموه من دون الله ، وهل هذه إلا صفة رب العالمين؟! أيرى ما غاب عنه ، ويسمع من غير أن يسمع ، وأن يعلم ما في قلوبكم من غير أن يخبر؟! فتعالى الله رب العالمين ، عما يقولون علوا كبيرا ، ما أعظم افتراءكم على الله إذ شاركتم في فعله أحدا من خلقه ، وكيف يكون ذلك كما زعمتم؟! وهو يقول : (عالِمُ الْغَيْبِ) ثم قال : (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (٢٧)) [الجن : ٢٦ ـ ٢٧]. يعني سبحانه : بالوحي. لقوله : (يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) (١). فقد أخبر بأن لا يعلم الغيب إلا الله (٢) ومن ارتضى من رسول ، يوحي إليه بخبر ما يريد ، فإذا مضى رسول الله انقطع الخبر والوحي ، وحجب عن الخلق أمر الوحي ، وعلم الحادثات سوى علم ما جاءت به الأنبياء ، وبعلم الأنبياء يشهدون ، فكيف يعلم أحد الغيب من غير وحي الله جل جلاله؟ عن أن يحويه قول أو يناله.

فإن زعمتم أن في الأرض اليوم من يوحى إليه ، فقد زعمتم أنه نبي ، لأنه لا يكون الوحي إلا إلى النبي ، وإنما سمي نبيئا لأنه نبأ عن الله ، فمن أنبأ عن الله فهو نبي ، فويلكم متى آمنتم بالله وقد كذبتم كتاب الله؟! لقوله : (خاتَمَ النَّبِيِّينَ) [الأحزاب : ٤٠].

__________________

(١) سقط من (أ) و (ج) : يعني سبحانه : بالوحي. لقوله : (يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً).

وأضاف في (ب) و (د) : بعد قوله (رصدا) الأولى ، الوحي.

(٢) سقط من (أ) و (ج) : الله. وفي نسخة بدل (الله) ، كلمة (هو). أشار إليها في (ب) و (د).

٥٦٢

فكيف يكون محمد خاتم النبيين ، وقد نصبتم الأنبياء من بعده؟!

ويقال للروافض : أخبرونا عن أعراب البادية والمستضعفين ، والذين لا يعلمون لصاحبكم اسما ولا نسبا هل لصاحبكم عليهم حجة؟

فإن قالوا : نعم.

يقال لهم : هل بلغتهم (١) منه الحجة ، فيكون حجة عليهم؟.

ويقال للروافض : هل لصاحبكم أن يتبع أثر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويكون تابعا لرسول الله عليه‌السلام لا مخالفا له؟

فإن قالوا : نعم هو تابع لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

يقال لهم : هل رأيتم فيه ما رأيتم في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الزهد وغير ذلك؟ فإن قالوا : نعم. يقال لهم : فهل رأيناه فرّج على أحد منكم أو غيّر حاله؟ وقد رأينا منه أفاعيل لا يجوز أن تكون في نبي ، ولا في مؤمن ، ونستحيي أن نصفه في كتابنا؟.

ويقال للروافض : هل يكون حجة لله إلا بالغا؟ كما أن الله لم يبعث محمدا إلا في وقت بلوغه! وكيف يجوز أن يكون حجة لله طفلا ، وقد قال الله : «حجّة بلغة» (٢) فكيف يكون صبي في ثلاث أو أربع حجة؟! ونحن في أمة محمد ، وسنتنا سنة الإسلام ، وقد قال الله تبارك وتعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) [المائدة : ٤٦]. فمن شرائع محمد أن لا يصلى خلف طفل ، ولا تجوز شهادته ، ولا تؤكل ذبيحته ، ولا يجوز شراؤه ولا بيعه ولا نكاحه ، فكيف يجوز أن يكون إمام المسلمين طفلا صغيرا؟!

فإن زعمتم أنه صاحب الأمر في حال طفوليته ، فإذا بلغ كان حجة.

يقال لهم : أفلا ترون أنه قد خلت الأرض من حجة؟! ولو جاز أن تخلو الأرض

__________________

(١) في (ج) : بلغتم. مصحفة.

(٢) الآية هكذا (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) [الأنعام / ١٤٩]. ولعلها اشتبهت بقوله تعالى : (حِكْمَةٌ بالِغَةٌ) [القمر / ٥].

٥٦٣

طرفة عين لجاز أن تخلو ألف عام!!!

ويقال للروافض : أخبرونا عن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وعليهم مشركون أو كفار أو مسلمون؟

فإن زعمتم أنهم مسلمون. يقال : فقد أجمع أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وعليهم وسلم وعلماؤهم بأنكم على غير طريقة الإسلام.

فإن زعموا بأنهم قد يعلمون الحق ، ويجحدون حسدا منهم.

يقال لهم : فنحن نرى منهم أنهم إذا استبان لهم من أحد منهم الفضل والزهد والعلم انقادوا له ، وأقروا بفضله ، ونزلوا عند حكمه ، فكيف حسدوا صاحبكم ، ولم يحسدوا ذاك؟! فلو كان الأمر على ما وصفتم أنه لا يمنعهم من الإقرار إلا الحسد لكانوا لا يقرون لأحد!! وكل واحد منهم يجر إلى نفسه ، ولا يقر بفضل صاحبه. ولكن كذبتم عليهم ، لأنا قد رأينا قولهم يصدقه كتاب الله ، وقولكم يكذبه كتاب الله ، وهم أولى بالصدق منكم ، ونحن نرى منهم من الزهد ما لا نرى من غيرهم ، فهم أعرف بأهل بيتهم منكم ، وهم أعرف بعضهم لبعض منك يا مدعي ما ادعيت بالباطل ، وتريد أن نقبل باطلك بغير بيان ولا برهان ، ونكذب أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله!!

أليس ينبغي لصاحبكم أن يتبع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويقتدي بفعله؟! إذ كان حجة كما زعمتم. وقد قال الله تبارك وتعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) [الأحزاب : ٢١]. أو ليس ينبغي لصاحبكم أن يبدي نصيحته لأهل بيته قبل العوام ، كما أمره الله تعالى فقال : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤)) [الشعراء : ٢١٤]. فجمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربعين رجلا من بني عبد المطلب ، وعبد مناف ، ورجالا من بني مخزوم فيهم أبو جهل بن هشام ، والوليد بن المغيرة ، وفي القوم أبو بكر ، ومن بني أمية عثمان ، وصخر بن حرب أبو سفيان فأنذرهم بعلم ما أوحي إليه وأخبرهم بما أوحى الله إليه (١)

__________________

(١) سقط من (أ) : وأخبرهم بما أوحى الله إليه.

٥٦٤

وأبدى لهم نصيحته ، ودعاهم إلى نصرته ، فأجابه من أجابه ، وخالفه من خالفه ، (١) لم يخف منهم التكذيب ، ولا الجحد ولا (٢) الحيود ، وكان حجة لمن اتبعه ، وحجة على من عصاه ، أفليس يجب على صاحبكم أن يبين لأهل بيته كما بيّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لقربائه؟

فإن قالوا : يخاف أن لا يقبلوا منه ، ويكذبوه ويحسدوه.

يقال لهم : ـ ويلكم ما أعظم افتراءكم على أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أفتراهم أشر ممن وصفنا من قريش الذين بلّغهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟! وتزعمون أن أخيار آل محمد وزهادهم ، مثل زيد (٣) بن علي بن الحسين بن علي ، وعمر (٤) بن علي بن الحسين بن علي ، وعلي (٥) بن علي بن الحسين ، وحسين (٦) بن

__________________

(١) أخرجه البخاري برقم (٢٥٤٧) و (٢٥٤٨). ومسلم برقم (٣٠٣) و (٤٣٤٧).

(٢) سقط من (أ) و (ج) و (د) : لا. والحيود : العدول.

(٣) زيد : هو الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، أبو الحسين ، إمام المسلمين ، وعلم آل البيت عليهم‌السلام ، ولد سنة ٧٥ ه‍ على أصح الأقوال في المدينة ، روى عن أبيه ، وأخيه الباقر ، وأبان بن عثمان وآخرين ، وعنه ابناه حسين وعيسى ، والصادق ، وأبو خالد ، والزهري ، والأعمش ، وشعبة ، وخلق ، استشهد في ٢٥ من شهر محرم سنة ١٢٢ ه‍ في الكوفة ، وهو أشهر من أن يترجم له في هذه العجالة ، وفي سيرته واستشهاده كتب كثيرة.

(٤) عمر الأشرف بن علي زين العابدين. أخو الإمام زيد لأمه ، وأسن منه. ويكنى أبا علي ، وقيل : أبا حفص.

وكان من أفاضل الناس وأخيارهم. لقب بالأشرف بالنسبة إلى عمر الأطرف. عم أبيه ، وذلك لما ناله من شرف وفضيلة ولادة الزهراء ، كان أشرف من ذلك ، وسمي عمه عمر الأطرف ، لأن فضيلته من طرف واحد ، وهو طرف أبيه علي عليه‌السلام ، تولى صدقات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصدقات جده علي عليه‌السلام ، قال الحسين بن زيد : رأيت عمي عمر يشترط على من ابتاع صدقات علي ، أن يثلم في الحائط كذا وكذا ، لا يمنع من دخله أن يأكل. سفينة البحار ٢ / ٢٧٣. وهذا يدل على سخائه ونبله ، وسمو إنسانيته. توفي عن خمس وستين سنة.

(٥) علي بن علي زين العابدين يلقب بالأصغر.

(٦) الحسين الأثرم بن الحسن السبط بن علي. هكذا ذكر بعض النسابين ولم يزيدوا على ذلك.

٥٦٥

علي بن حسن (١) ، والحسن (٢) بن الحسن ، وعبد الله (٣) بن الحسن بن الحسن ، الذي روت الأمة فيه ماروت ، وقال [الباقر] محمد بن علي بن الحسين : «يكون هذا خير أهل زمانه ، يقتله شر أهل زمانه ، لقاتله مثل ثلث عذاب أهل النار ، ويموت قاتله قبل دخول الحرم» (٤) فلما قام أبو جعفر (٥) ، قال عبد الصمد (٦) بن علي : سمعتم ما روى ابن أخي ، والله ما له قاتل غيره.

__________________

(١) سقط من (ب) و (د) : وحسين بن علي بن حسن. وفي (ب) و (د) : زاد (الحسن بن الحسن ، والحسين بن الحسن) فأما الحسين بن الحسين فليس له وجود. وأما الحسين بن الحسن فهو الأثرم ، فمعروف غير أنه ليس مشهورا.

(٢) الحسن المثنى بن الحسن السبط ، يكنى أبا محمد.

أمه خولة بنت منظور بن زبان الذبياني بن ذبيان. وكانت تحت محمد بن طلحة بن عبد الله فقتل عنها يوم الجمل ، ولها منه أولاد ، فتزوجها الحسن بن علي. لم تحدد المصادر التاريخية مولده.

كان كبير الطالبيين وشيخهم في عهده ، وكان وصي أبيه وولي صدقة جده أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، إمامته ووفاته بالمدينة ، كان أهل العراق يكاتبونه ويدعونه للقيام فهابه عبد الملك بن مروان ، زوجه عمه الحسين بابنته فاطمة ، وشهد معه كربلاء وأثخن بالجراح ولكنه نجا ، وعند خروج عبد الرحمن بن الأشعث على عبد الملك بن مروان وعامله على العراق الحجاج دعا إلى الحسن وبايعه ، فلما قتل ابن الأشعث توارى الحسن حتى دس إليه سليمان بن الملك السم فتوفي سنة (٩٣ ه‍) تقريبا عن (٥٣ ه‍).

(٣) أبو محمد ، لقب بالكامل لكمال خصاله ، وحميد خلاله ، ولد سنة (٧٠) للهجرة ، وسجنه المنصور العباسي ، في مطبق الهاشمية ، حتى توفي في السجن سنة (١٤٥) للهجرة ، وأخباره طويلة ، سأفردها في كتاب إن شاء الله.

(٤) لم أقف على هذه الرواية.

(٥) عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، أبو جعفر المنصور ولد سنة (٩٥ ه‍) ثاني خلفاء بني العباس ولي الخلافة بعد أخيه السفاح سنة (١٣٦ ه‍) ، أمه سرية تدعى سلامة كان سفاحا مجرما قتل أعلام بيت النبوة. توفي سنة (١٥٨ ه‍) عن (٦٣ ه‍) تولى الخلافة (٢٢) سنة. توفي ببئر ليمون من أرض مكة محرما بالحج ، ودفن بالحجون.

(٦) عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس. ولد سنة (١٠٤ ه‍). أمير عباسي وهو عم المنصور. وكان عامله على مكة والطائف سنة (١٤٧ ه‍) ثم ولي المدينة ، ثم عزله سنة (١٦٣ ه‍). حبسه إلى سنة (١٦٦ ه‍). وأخرجه وولاه دمشق ، ثم عزله وعمي في آخر عمره. توفي سنة (١٨٥ ه‍).

٥٦٦

ومثل الحسن (١) بن الحسن بن الحسن ، ومثل علي (٢) سيد العباد بن الحسن بن الحسن بن الحسن ، ومثل الحسين (٣) بن علي ، ومثل محمد بن عبد الله النفس الزكية (٤) ،

__________________

(١) الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي المثلث.

أمه فاطمة بنت الحسين ، ولد سنة (٧٧ ه‍). كان متألها ، فاضلا ، ورعا.

ولما حبس أخوه عبد الله ، آلى ألا يدهن ، ولا يكتحل ، ولا يلبس لينا ، ولا يأكل طيبا ، ما دام عبد الله في السجن ، فكان أبو جعفر المنصور ، يسأل عنه ، فيقول : ما فعل الحاد؟. حبس بالهاشمية ، وتوفي بها سنة (١٤٥ ه‍). وهو ابن (٦٨) سنة.

(٢) علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي ويكنى أبا الحسن ، ويقال له : علي الخير ، وعلي العابد ، وكان يقال له ولزوجه زينب بنت عبد الله بن الحسن الزوج الصالح.

أمه أم عبد الله بنت عامر بن عبد الله بن بشر بن عامر بن ملاعب الأسنة ، كان عابدا زاهد تقيا مستجاب الدعوة.

حبسه المنصور مع بني هاشم في مطبق مظلم فلم يكونوا يميزون أوقات الصلوات إلا بأجزاء يقرؤها علي بن الحسن. توفي وهو ساجد سنة (١٤٦ ه‍) عن (٤٥) سنة.

(٣) الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي الفخي.

أمه زينب بنت عبد الله بن الحسن الكامل ، وكان يعرف أبوه وأمه زينب بالزوج الصالح ، لعبادتهما.

ولد سنة (١٢٨ ه‍).

خرج بالمدينة سنة (١٦٩ ه‍). وبايعه فضلاء أهل البيت وغيرهم ، ثم خرج إلى مكة ، ومعه زهاء (٣٠٠) رجل ، فلما صاروا (بفخ) ـ المسمى اليوم : بالشهداء بمكة أو الزاهر قرب التنعيم ـ لقيتهم جيوش موسى الهادي العباسي ، يوم التروية فاقتتلوا حتى قتل عن (٤١) سنة ، وأخذ رأسه وحمل إلى موسى الهادي ، ودفن بدنه بفخ.

(٤) محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، النفس الزكية.

أبو عبد الله ، وقيل : أبو القاسم ، وكان يسمى المهدي.

وأمه هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي. ولد سنة (١٠٠ ه‍).

كان متناهيا في العلم ، متقدما في الفقه والحديث ، وكان شجاعا فارسا خطيبا بارعا ، وهو أول من ظهر من آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فخوطب بأمير المؤمنين.

ظهر في المدينة في شهر جماد الآخرة ، سنة (١٤٥ ه‍). وخرج على أبي جعفر المنصور ، الذي كان قد بايعه ، وأرسل إليه أبو جعفر عيسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس في جيش كثيف ، فقاتل حتى استشهد في شهر رمضان ، من سنة (١٤٥ ه‍). فكانت مدة قيامه شهرين وأياما.

ولما استشهد وحز رأسه ، وأنفذ إلى أبي جعفر ، استوهبت جثته أخته زينب من عيسى ، واستأذنته في ـ

٥٦٧

الذي قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وروى ذلك جعفر بن محمد قال : «هذا النفس الزكية يقتل بالثنية (١) بالمدينة ، ويبلغ دمه حجر الزيت (٢)».

__________________

ـ دفنه ، فأذن لها في ذلك ، فدفن. وقد زرته أنا ـ عبد الكريم جدبان ـ سنة (١٤١٠ ه‍) تقريبا في المدينة المنورة في حارة تسمى حارة الزكي ، نسبة إليه ، قرب البقيع ، وكان عليه بناء مثل غرفة ، وليس له باب ، وتسلقنا إليه وقبره مرتفع شبرا ، فأصلحنا ما تهدم من قبره الشريف ، وفي السنة الثانية زرناه فلم نجد قبره ، فأخبرنا أنه جرف بالجرافات ، وصار طريقا ، ونقل إلى البقيع.

(١) في (أ) و (ج) : بالبنية.

(٢) النفس الزكية. قال أبو الفرج الأصفهاني : وكان علماء آل أبي طالب يرون فيه أنه النفس الزكية ، وأنه المقتول بأحجار الزيت.

روى المنصور بالله ، والحسن بن بدر الدين : أن النفس الزكية ، يقتل فيسيل دمه إلى أحجار الزيت ، لقاتله ثلث عذاب أهل جهنم. الشافي ١ / ١٩٨. وأنوار اليقين / ١٢٥.

وروى المنصور أيضا عن العقيقي الشريف الحسيني صاحب كتاب الأنساب ، قال : كتب إلي حماد يخبرني عن يحيى عن حماد بن يعلا ، عن عمر قال : كنت مع محمد بن عبد الله في منزله ، فذكرنا النفس الزكية ، فخرجنا حتى انتهينا إلى أحجار الزيت ، فقال : هاهنا يا أبا حفص تقتل النفس الزكية ، قال : ثم قال : والله لوددت أنها قد قتلت ، وإن كنت أنا هو. ومر بنا علي بن الحسين فقال ما يقيمك يا أبا عبد الله هاهنا؟ قال : ذكر النفس الزكية. فقال : ابن عمك كذا وكذا. فقال : علي بن الحسين : أنهما نفسان ، نفس تقتل بالحرم ، ونفس هاهنا. الشافي ١ / ١٩٩. ورواه الأمير الحسين في ينابيع النصيحة ٤١٤. وقال أبو طالب : ويسمى النفس الزكية ، لورود الرواية بأن النفس الزكية يقتل عند أحجار الزيت. الإفادة / ٧٣. والحدائق الوردية / ١٥٤. ومآثر الأبرار / ٩٥.

وروى ابن جرير الطبري ، وابن الأثير ، أن محمد بن عبد الله النفس الزكية قال لعبد الله بن عامر الأسلمي: تغشانا سحابة فإن أمطرتنا ظفرنا ، وإن تجاوزتنا إليهم ، نظر إلى دمي عند أحجار الزيت. قال : فو الله لقد أظلتنا سحابة فلم تمطرنا ، وتجاوزتنا إلى عيسى وأصحابه ، فظفروا وقتلوا محمدا ، ورأيت دمه عند أحجار الزيت. إلى أن قال ابن الأثير : وكان يلقب المهدي ، والنفس الزكية. تاريخ الطبري ٧ / ٥٩٦ ، الكامل ٥ / ١٢.

وقال : المسعودي : وكان يدعى بالنفس الزكية. مروج الذهب ٣ / ٣٠٦.

وروى الشيخ أبو القاسم البستي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : يقتل من ولدي عند أحجار الزيت رجل اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ، وإنه النفس الزكية. ينابيع النصيحة / ٤١٤. حقائق المعرفة / ٢٤٢. بزيادة : على قاتله ثلث عذاب أهل النار.

وعن علي عليه‌السلام أنه قال : النفس الزكية من ولد الحسن. ينابيع النصيحة / ٤١٥.

وعن محمد بن عبد الله النفس الزكية أنه قال : آية قتل النفس الزكية أن يسيل الدم حتى يدخل بيت ـ

٥٦٨

ومثل إبراهيم (١) بن عبد الله بن الحسن ، ومثل يحيى (٢) وإدريس (٣) وسليمان (٤)

__________________

ـ عاتكة. قال : فكانوا يعجبون كيف يسيل الدم حتى يدخل بيت عاتكة؟!!

فكان يوما مطيرا فسال الدم حتى دخل بيت عاتكة. ينابيع النصيحة / ٤١٥. مقاتل الطالبين / ٢٧٢.

وروى أبو الفرج الأصفهاني بسنده عن مسلم بن بشار ، قال : كنت مع محمد بن عبد الله عند غنائم خشرم فقال لي : هاهنا تقتل النفس الزكية. قال : فقتل هناك. مقاتل الطالبين / ٢٤٩.

وقال ابن عنبة : ثم خرج فقاتل حتى قتل بأحجار الزيت ، وكان ذلك مصداق تلقيبه بالنفس الزكية ، لأنه روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : تقتل بأحجار الزيت من ولدي نفس زكية. عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب / ١٠٥.

(١) إبراهيم بن عبد الله الكامل ، أخو محمد النفس الزكية.

أبو الحسن ، أمه أم أخيه محمد ، هند بنت أبي عبيدة ، ولد سنة (٩٧ ه‍) ، خرج بالبصرة بعد مقتل أخيه النفس الزكية ، وبايعه كبار العلماء في عصره ، وخلق كثير ، وسيّر الجموع إلى الأهواز ، وفارس ، وواسط ، وكانت بينه وبين جيوش العباسيين وقائع كثيرة هائلة ، قتل في إحداها ، وحز رأسه وجيء به إلى أبي جعفر المنصور ، ودفن بدنه الزكي بباخمرا ، سنة (١٤٥ ه‍) ، وكان شاعرا عالما بأنباء العرب ، وأيامهم ، وأشعارهم.

(٢) يحيى بن عبد الله الكامل ، أخو النفس الزكية.

أبو الحسين ، وقيل أبو عبد الله.

أمه قريبة بنت عبد الله بن أبي عبيدة ، وهي بنت أخي هند ، بنت أبي عبيدة ، أم أخيه محمد. لم تحدد المصادر التاريخية ، مولده ولا مبلغ عمره.

كان فارسا شجاعا ، له مقامات مشهورة في موقعة فخ ، مع الحسين بن علي الفخي ، استتر بعد وقعة فخ ، ودعا إلى نفسه ، وبايعه خلق وجماعة من أكابر علماء عصره ، وطاف البلدان يدعو إلى الثورة ، فوصل ديلمان وبلاد الترك ، وخافه هارون فأمّنه مع أصحابه ، ثم سمّه في الحبس ، بعد نقض الأمان ، وقيل : خنق ، وقيل : وجد ميتا بين اسطوانتين في قصر القرار ، بعد خرابه أيام فتنة الأمين ، قيل : استشهد سنة (١٧٥ ه‍) ، وقيل : (١٨٠ ه‍).

(٣) إدريس بن عبد الله الكامل ، أخو النفس الزكية.

أمه عاتكة بنت عبد الملك بن الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي.

مؤسس دولة الأدارسة في المغرب ، وإليه نسبتها.

كان مع الإمام الحسين الفخي ، ثم هرب إلى مصر ثم إلى المغرب ، ونزل بمدينة وليلى ، (على مقربة من مكناس ، وهي اليوم مدينة قصر فرعون).

ثم دعا البربر وأقام دولة إسلامية ، ثم بعث هارون الرشيد من سمّمه في قصة معروفة. سنة (١٧٧ ه‍).

وللمزيد من أخبارهم يرجع إلى الحدائق الوردية ، والإفادة ، ومقاتل الطالبين.

(٤) سليمان بن عبد الله الكامل. أخو النفس الزكية.

٥٦٩

وجعفر (١) وموسى (٢) بني عبد الله بن الحسن بن الحسن ، ومثل يحيى بن زيد (٣) وعيسى

__________________

أمه عاتكة بنت عبد الملك ، أم أخيه إدريس. قتل في وقعة فخ مع الإمام الحسين الفخي ، وهو جد السليمانيين ، أصحاب الدولة في تلمسان ، فقد خرج ولده محمد إلى افريقية ، ونزل تلمسان ، فكانت له ولبعض بنيه إمارتها وإمارة ما حولها ، قال ابن حزم : وهم أي أحفاده بالمغرب كثير جدا. جمهرة أنساب العرب / ٤٢.

(١) جعفر بن عبد الله الكامل ، أخو النفس الزكية. لم أقف له على خبر.

(٢) موسى بن عبد الله الكامل. أخو النفس الزكية.

أمه هند بنت أبي عبيدة أم أخيه محمد. وكنيته أبو الحسن ، ولقبه الجون لسواد لونه ، كانت أمه ترقصه وهو صغير. وتقول :

إنك إن تكون جونا أفرعا

يوشك أن تسودهم وتبرعا

كان شاعرا ، ضربه المنصور ألف سوط ، وأرسله إلى الحجاز ليأتي بخبر أخويه ، محمد وإبراهيم ، فهرب إلى مكة ، فلما قتل أخوه حج المهدي العباسي ، في تلك السنة ، فقال له في الطواف قائل ، أيها الأمير لي الأمان وأدلك على موسى الجون بن عبد الله ، فقال المهدي لك الأمان إن دللتني عليه ، فقال : الله أكبر ، أنا موسى بن عبد الله. فقال المهدي من يعرفك ممن حولك من الطالبية؟

فقال : هذا الحسن بن زيد ، وهذا موسى بن جعفر ، وهذا الحسين بن عبد الله بن العباس بن علي ، فقالوا جميعا : صدق. هذا موسى بن عبد الله بن الحسن ، فخلى سبيله ، وعاش إلى أيام الرشيد ، ودخل عليه ذات يوم ، فلما قام من عنده عثر بطرف البساط فسقط ، فضحك الرشيد ، فالتفت موسى إليه وقال : يا أمير المؤمنين إنه ضعف صوم ، لا ضعف سكر. ومات بسويقة ببغداد ، سنة (١٨٠ ه‍). تقريبا.

(٣) يحيى بن زيد بن علي ، أبو عبد الله. وقيل : أبو طالب.

أمه ريطة بنت عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب. ولد سنة (٩٨ ه‍). أحد الأبطال الشجعان ، ثار مع أبيه على بني أمية ، ولما قتل أبوه وصلب ، انصرف إلى بلخ ، ودعا إلى الثورة من جديد ، وكان أبوه مع أبيه على بني أمية ، ولما قتل أبوه وصلب ، انصرف إلى بلخ ، ودعا إلى الثورة من جديد ، وكان أبوه قد سأله قبل موته بلحظات فقال : يا يحيى ما أنت صانع؟ قال : أقاتلهم وأجاهدهم. قال : نعم جاهدهم فو الله إنك لعلى الحق ، وإنهم لعلى الباطل ، وإن قتلاك في الجنة ، وقتلاهم في النار.

وكان يردد :

يا ابن زيد أليس قد قال زيد

من أحب الحياة عاش ذليلا

كن كزيد فأنت مهجة زيد

تتخذ في الجنان ظل ظليلا

وخاض مع جيش بني أمية معارك طاحنة ، فقتل في إحداها بالجوزجان بسهم أصاب جبهته ، كما أصاب أباه سنة (١٢٥) ه. عن (٢٨). سنة.

وحز رأسه وحمل إلى الوليد بن يزيد ، وصلب جسده ، بالجوزجان ، ثم دفن هنالك وقبره مشهور مزور. وقد أعيد بناؤه أخيرا بتوجيهات من مرشد الثورة الإسلامية في إيران السيد علي الخامنئي.

٥٧٠

بن زيد ، (١) ومحمد ، (٢) والحسين ، (٣) ابني زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي

__________________

(١) عيسى بن زيد بن علي. أبو يحيى. ويلقب بمؤتم الأشبال .. ولد سنة (١٢١ ه‍). في الوقت الذي أشخص فيه أبوه إلى هشام بالشام ، وكانت أم عيسى معه في طريقه ، فنزل ديرا للنصارى ، ووافق نزو ـ له إياه ليلة الميلاد ، وضربها المخاض هنالك ، فولدته له تلك الليلة ، وسماه أبوه عيسى باسم المسيح عيسى بن مريم .. خرج عيسى مع محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن ، والحسين الفخي ، وأوصى محمد أصحابه إن هو قتل أن يكون الأمر بعده لأخيه إبراهيم ، فإن أصيب إبراهيم ، فالأمر لعيسى بن زيد ، ولم يجد الناصر الناصح فاختفى ، وظل يتنقل في زي الجمالين ، والعيون ترصده ، وتبحث عنه ، إلى أن توفي سنة (١٦٨ ه‍). وقيل : (١٦٦ ه‍). مسموما ، وقد كان يعد العدة للخروج ، توفي وعمره (٤٥) سنة ، وعند ما بلغ الهادي العباسي موته سجد على الأرض طويلا ، فرحا بموته.

(٢) محمد بن زيد بن علي.

أم أم ولد سندية ، ويكنى أبا جعفر. وكان في غاية الفضل ، ونهاية النبل ، وما يروي عنه بعض المؤرخين من أنه كان يميل إلى العباسيين ضد النفس الزكية ، فرواية ينبغي التثبت فيها ، ويحكى من نبله أنه عرض على المنصور جوهر فاخر وهو بمكة ، فعرفه وقال : هذا جوهر كان لهشام بن عبد الملك الأموي ، وقد بلغني أنه عند محمد ابنه ، ولم يبق منهم غيره.

ثم قال للربيع : إذا كان غدا وصليت بالناس في المسجد الحرام ، فأغلق الأبواب كلها ، ووكّل بها ثقاتك ثم افتح بابا واحدا ، وقف عليه ، ولا تخرج إلا من تعرفه.

ففعل الربيع ذلك ، وعرف محمد بن هشام أنه هو المطلوب فتحير ، وأقبل محمد بن زيد بن علي بن الحسين عليه‌السلام ، فرآه متحيرا وهو لا يعرفه ، فقال له : يا هذا أراك متحيرا فمن أنت؟ قال : ولي الأمان؟ قال : ولك الأمان في ذمتي حتى أخلصك.

قال : أنا محمد بن هشام بن عبد الملك ، فمن أنت؟ قال : محمد بن زيد بن علي. فقال : عند الله احتسب نفسي إذن. فقال : لا بأس عليك ، فإنك لست بقاتل زيد ولا في قتلك درك بثأره. الآن خلاصك أولى مني بإسلامك ، ولكن تعذرني في مكروه أتناولك به وقبيح أخاطبك به يكون فيه خلاصك؟ قال : أنت وذلك. فطرح رداءه على رأسه ووجهه ، ولبّبه وأقبل يجره ، فلما أقبل على الربيع لطمه لطمات ، وقال : يا أبا الفضل إن الخبيث جمال من أهل الكوفة ، أكراني جماله ، ذاهبا وراجعا ، وقد هرب مني في هذا الوقت ، وأكرى بعض قواد الخراسانية ، ولي عليه بذلك بينة ، فضم إلي حرسيين. فمضيا معه فلما بعد عن المسجد ، قال له : يا خبيث تؤدي إلي حقي؟ قال : نعم يا ابن رسول الله ، فقال للحرسيين : انطلقا عنه. ثم أطلقه فقبل محمد بن هشام رأسه ، وقال : بأبي أنت وأمي ، الله يعلم حيث يجعل رسالته. ثم أخرج جوهرا له قدر فدفعه إليه ، وقال : تشرفني بقبول هذا؟ فقال : إنا أهل بيت لا نقبل على المعروف ثمنا ، وقد تركت لك أعظم من هذا ، دم زيد بن علي ، فانصرف راشدا ، ووار شخصك حتى يرجع هذا الرجل فإنه مجد في طلبك. عمدة الطالب / ٢٩٩.

(٣) الحسين بن زيد بن علي.

٥٧١

طالب ، ومثل أحمد (١) بن عيسى بن زيد ، ومثل عبد الله (٢) بن موسى بن عبد الله ،

__________________

الملقب بذي الدمعة ، وذي العبرة ، لكثرة بكائه ، ويكنى أبا عبد الله.

أمه أم ولد ، كان من الأتقياء الصالحين ، خرج مع محمد بن عبد الله النفس الزكية ، قال أبو جعفر المنصور ، لما بلغه خروج الحسين وعيسى ابني زيد : عجبا لهما قد خرجا علي ، وقد قتلنا قاتل أبيهما كما قتله ، وصلبناه كما صلبه ، وأحرقناه كما أحرقه. قال يحيى بن زيد : قالت أمي لأبي : ما أكثر بكاءك؟! فقال : وهل ترك السهمان والنار سرورا يمنعني من البكاء!!. يعني السهمين اللذين قتل بهما أبوه زيد وأخوه يحيى ، والنار التي أحرق بها الإمام زيد عليه‌السلام. توفي سنة (١٣٥) ه. وقيل : (١٤٠ ه‍).

(١) أحمد بن عيسى بن زيد بن علي ، أبو عبد الله. ولد سنة (١٥٧ ه‍). وقيل : (١٥٨ ه‍) ، جبل من جبال العلم ، وبحر من الفقه ، زاهد عابد ، إمام من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام.

أمه عاتكة بنت الفضل بن عبد الرحمن بن العباس بن الحارث الهاشمية. أتى به وبأخيه زيد حاضر صاحب عيسى بن زيد إلى الهادي العباسي ، بعد موت عيسى ، فعاش في كنف الهادي حتى مات ، ثم كان عند الرشيد إلى أن كبر وخرج فأخذ وحبس ، فخلص من السجن واختفى إلى أن مات بالبصرة سنة (٢٥٣ ه‍). وقيل : غير ذلك ، توفي وقد جاوز الثمانين وعمي.

(٢) عبد الله بن موسى بن عبد الله الكامل ، أمه أم سلمة بنت طلحة بن عبد الرحمن بن أبي بكر ، وكان في أيام المأمون متواريا ، فكتب إليه بعد وفاة الرضا ، يدعوه إلى الظهور ليجعله مكانه ، ويبايع له ، فأجابه عبد الله بن موسى برسالة طويلة منها :

«فبأي شيء تغرني؟ ما فعلته بأبي الحسن صلوات الله عليه بالعنب الذي أطعمته إياه فقتلته. والله ما يقعدني عن ذلك خوف من الموت ، ولا كراهة له ، ولكن لا أجد لي فسحة في تسليطك على نفسي ، ولو لا ذلك لأتيتك حتى تريجني من هذه الدنيا الكدرة ، هبني لا ثأر لي عندك! وعند آبائك المستحلين لدمائنا ، الآخذين حقنا ، الذين جاهروا في أمرنا فحذرناهم ، وكنت ألطف حيلة منهم بما استعملته من الرضى بنا والتستر بمحبتنا ، تختل واحدا فواحدا منا ، ولكني كنت امرأ حبب إلي الجهاد ، كما حبب إلى كل امرئ بغيته ، فشحذت سيفي ، وركبت سناني على رمحي ، واستفرهت فرسي ، لم أدر أي العدو أشد ضررا على الإسلام ، فعلمت أن كتاب الله يجمع كل شيء ، فقرأته فإذا فيه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ ، وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً). فما أدري من يلينا منهم ، فأعدت النظر ، فوجدته يقول : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ، وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ ، أَوْ أَبْناءَهُمْ ، أَوْ إِخْوانَهُمْ ، أَوْ عَشِيرَتَهُمْ). فعلمت أن عليّ أن أبدأ بما قرب مني ، وتدبرت فإذا أنت أضر على الإسلام والمسلمين ، من كل عدو لهم ، لأن الكفار خرجوا منه وخالفوه فحذرهم الناس وقاتلوهم ، وأنت دخلت فيه ظاهرا ، فأمسك الناس وطفقت تنقض عراه عروة عروة ، فأنت ـ

٥٧٢

صاحب سويقة ، ومثل القاسم (١) بن إبراهيم ، ومثل محمد (٢) بن إبراهيم ، ومثل الحسن (٣) بن إبراهيم ، ومثل أحمد بن إبراهيم ، ومثل علي بن إبراهيم ، ومثل جعفر (٤) بن عبد الله.

فلو وصفتهم لك لطال عليك المجلس ، الذين (٥) كانوا أزهد الخلق ، وأعلم الخلق ، وكانوا فرجا للمستضعفين من عباد الله ، الذين كانت وجوههم كصفائح الفضة ، ملس يبس من خوف الله ، صفر الألوان من سهر الليل ، قد انحنت أصلابهم من العبادة ، باكية أعيانهم من خوف الله ، وشفقة من عذاب الله. لم يستحلوا مثل ما استحل غيرهم من قبض أموال الناس ، ولا يستأثرون بشيء من فيء المسلمين ، مثل ما استأثر غيرهم ، أحدهم إذا وصل المؤمن وصله بمائة ألف فما دونها من صميم أموالهم ، وخرجوا من أموالهم زهدا في الدنيا ، ورغبة لما عند الله.

أفترون أن جميع هؤلاء ، وجميع أهل بيتهم كانوا أجهل للحق ، وأشد حسدا ، وأشد بغيا ، وأشد إنكارا من أبي جهل بن هشام ، ومن الوليد بن المغيرة ، ومن أبي لهب ، وأبي سفيان ، ومن معاوية بن أبي سفيان ، ومن قريش ، الذين كان جمعهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنذرهم ، وأبدى لهم النصيحة كما أمره الله سبحانه وتعالى لقرابته؟! أفليس كان يجب على صاحبكم أن يبدي نصيحته لأهل بيته وهم مسلمون أخيار؟!! كما أبدى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصيحته لبني عبد مناف ، ونفر من بني مخزوم ، وزهرة ، لأنهم كانوا أخواله؟

أفترى هؤلاء أهل بيت النبي الذين سميناهم في كتابنا ، ومن لم نسم في كتابنا ،

__________________

أشد أعداء الإسلام ضررا عليه».

ولم يزل متواريا إلى أن مات في أيام المتوكل سنة (٢٤٧ ه‍).

(١) القاسم بن إبراهيم (صاحب هذا الكتاب).

(٢) محمد بن إبراهيم (أخو القاسم بن إبراهيم ، سبق الحديث عنه).

(٣) الحسن بن إبراهيم ، وأحمد ذكرهما بعض النسابين عند ذكر أبيهما ، أما علي بن إبراهيم فلم أقف عليه.

(٤) جعفر بن عبد الله ، لم أقف له على ذكر.

(٥) سقط من (أ) : الذين.

٥٧٣

أجحد من قريش هؤلاء الذين جمعهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذين وصفنا في كتابنا ما لا تنكرهم الأمة؟! فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبدى نصيحته لهم أول الخلق. فكيف تزعمون أن صاحبكم يبدي لكم الحق ، ويكتمه عن أهل بيته! عظم فراؤكم على أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ووصفتم فعل صاحبكم مضادا لكتاب الله ، وفعل رسوله(١). ومن خالف رسول الله ، فقد خرج من حيّز (٢) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لقول الله تبارك وتعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب : ٢١]. وقوله تبارك وتعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء : ١]. فأمر الله بصلة الأرحام ، ونهى عن قطيعة الأرحام. أفترون أن صاحبكم وصلكم وقطع رحمه؟! وأي قطيعة أعظم من أن يكتم دين الله ، والحق الذي به يتقرب إلى الله ، ودينه الذي به يعبد الله ، فكتم أرحامه فهلكوا بزعمكم ، حتى استوجبوا النار لتركهم الحق ، فأي قطيعة أعظم من هذا وقد أمر الله أن توصل؟!.

ولكن كذبتم وغيّرتم وأظهرتم الباطل ، فلما أنكر عليكم أهل بيت نبيكم ، رويتم فيهم ما رويتم كذبا وبهتانا ، وخلاف كتاب الله ؛ لأن يصدّق باطلكم في زماننا هذا.

فإن زعمتم أنه يبين لنا ويكتم غيرنا ، لأنه يعلم منا أنا لا نذيع سره ، لما أعطاه الله من علم الغيب ، وتأولتم كتاب الله على غير تأويله ، وزعمتم أنهم المتوسمون ، لقوله سبحانه: (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥)) [الحجر : ٧٥]. وقد عرف منا صاحبنا النصيحة ما لم يعرف من غيرنا ، وأخبرنا بما نحتاج إليه ، وعرّفنا نفسه لما علم منا النصيحة والكتمان عليه ، وأنا لا نذيع سره ، وقد كتمكم إذ علم منكم غير ما علم منا.

يقال لهم : أو ليس قد كذّبتم قولكم ، وجهّلتم صاحبكم؟! إذ زعمتم أنه علم منكم أنكم لا تذيعون سره ، أو ليس قد ادعيتم وقلتم للناس واحتججتم على من خالفكم ، ووصفتم فيه ما لم يدّعه هو لنفسه ، مثل علم الغيب ، ومثل قولكم يرانا في

__________________

(١) في (ب) : رسول الله.

(٢) في (أ) و (ج) : خبر. مصحفة.

٥٧٤

كل بلاد ، ويرى حالنا وأعمالنا وأفاعيلنا ، ويسمع كلامنا ، ويخبرنا أنا نرجع إلى الدنيا بعد موتنا ، (١) وأشباه هذا مما لو وصفناه لكثر وطال؟!

__________________

(١) الرجعة عند الإمامية تعني : رجوع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة إلى دار الدنيا للانتقام من أعدائهم وظالميهم.

والقول بالرجعة مما أجمعت عليه الإمامية في جميع الأعصار قال المجلسي بعد سرد الأخبار الكثيرة عن الرجعة :

اعلم يا أخي أني لا أظنك ترتاب بعد ما مهدت وأوضحت لك بالقول في الرجعة التي أجمعت عليها الشيعة في جميع الأعصار ، واشتهرت بينهم كالشمس في رابعات النهار ... وكيف يشك مؤمن بأحقية الأئمة الأطهار فيما تواترت عنهم من مائتي حديث صريح رواها نيف وأربعون من الثقات العظام والعلماء الأعلام في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم. بحار الأنوار ١٣ / ٢٢٥ الطبعة الأولى.

روى الجزائري أن المفضل بن عمر روى عن جعفر أنه قال في آخر حديث طويل بعد صلب أبي بكر وعمر ... قال المفضل : يا سيدي هذا آخر عذابهما؟ قال : هيهات يا مفضل والله ليردن وليحضرن السيد الأكبر محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والصديق الأعظم أمير المؤمنين ، وفاطمة والحسن ، والحسين ، والأئمة عليهم‌السلام ، وكل من محض الإيمان محضا ، وكل من محض الكفر محضا ، وليقتصن منهما بجميع المظالم ثم يأمر بهما فيقتلان في كل يوم وليلة ألف قتلة ويردان إلى أشد العذاب. الأنوار النعمانية ٢ / ٨٦ ـ ٨٧.

وإن أول من يرجع إلى الدنيا الحسين بن علي عليه‌السلام فيملك حتى يقع حاجباه على عينيه من الكبر. بحار الأنوار ١٣ / ٢١١ ، البرهان ٢ / ٤٠٧ ، الصافي ١ / ٩٥٩ ، إثبات الهداة للعاملي ٧ / ١٠٢.

ويرجع معه سبعون رجلا من أصحابه الذين قتلوا معه. تفسير العياشي ٢ / ١٨١ ، وفي رواية يرجع معه خمسة وسبعون ألفا من الرجال ويملك الدنيا كلها بعد وفاة المهدي ثلاث مائة سنة وتسع سنين. الأنوار النعمانية ٢ / ٩٨ ٩٩.

ويرجع معه يزيد بن معاوية وأصحابه ليأخذ ثأرهم منهم. تفسير العياشي ٢ / ٢٨٢ ، البرهان ٢ / ٤٠٨ ، الصافي ١ / ٢٥٩ عند تفسير قوله تعالى : (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ) ، بحار الأنوار ١١٣ / ٢١٩.

والأئمة الاثنى عشر كلهم يرجعون إلى الدنيا في زمن القائم مع جماعتهم. الصافي ١ / ٣٤٧.

وأنه لم يبعث الله نبيا ولا رسولا إلا ردهم جميعا إلى الدنيا حتى يقاتلوا بين يدي علي بن أبي طالبعليه‌السلام. نور الثقلين ١ / ٣٥٩ ، بحار الأنوار ١٣ / ٢١٠.

وليس أحد من المؤمنين قتل إلا سيرجع حتى يموت ، ولا أحد من المؤمنين مات إلا سيرجع حتى يقتل.

بحار الأنوار ١٣ / ٢١٠.

ولو قام قائمنا (المهدي) ردت الحميراء (عائشة) حتى يجلدها الحد ، وحتى ينتقم لابنة محمد صلى الله ـ

٥٧٥

فيا سبحان الله! أو ليس يكفي دون ما وصفنا لمن وهب الله له أدنى فهم ، واستقر في قلبه أدنى إيمان ، أن يعرف اختلاف قولكم ، وتكذيب دعواكم ، وعيوب ما أنتم فيه من(١) باطلكم ، ولكن الله يهدي لدينه من يشاء.

زعمتم [أنه] يخبركم لمعرفته بقبولكم ، ويكتم غيركم لمعرفته بجحودهم ، فسبحان الله ما أبين هذا الفعل أنه مضاد لفعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ إذ زعمتم أن صاحبكم يقوم مقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويهدي بهدي رسول الله عليه‌السلام ، ويفعل أفاعيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أفهكذا كان فعل رسول الله عليه‌السلام أن يكتم بعضا ، ويخبر بعضا؟! أو أخبر الجميع؟ قبله من قبله ، وعصاه من عصاه.

فإن زعمتم أنه أخبر بعضا وكتم بعضا ، فقد عظم فراؤكم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وزعمتم بأنه لم ينصح العباد إذ نصح قوما دون قوم ، وزعمتم بأنه لم يبلغ رسالات الله إلا قوما دون قوم ، ويلكم كيف وقد قال الله لنبيه أن يبلغ الناس لقوله : (إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [الأعراف : ١٥٨]. ولقوله تبارك وتعالى : (* يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٥] ، فوعده أن يحفظه ممن كان يحذره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ، فأبلغ الثقلين الجن والإنس عامة كافرهم ومؤمنهم ، فقبل من قبل ، وعصى من عصى ، فكان حجة لمن قبل ، وحجة على من عصى ، وكذلك أهله. (٣) وبدون هذا يكتفي المؤمن.

وأول من حاز الوصية وادعا علم آدم قوم يقال لهم الإبراهيمية ، وجعلوا الوصية وراثة من أب عن أب ، وهم من الهند ، وهم سادات البلاد ، وزعموا أن آدم أوصى إلى

__________________

ـ عليه وآله فاطمة عليها‌السلام منها ، قيل : ولم يجلدها؟ قال : لفريتها على أم إبراهيم. تفسير الصافي سورة الأنبياء ٢ / ١٠٨.

(١) في (أ) و (ج) : فيه وباطلكم.

(٢) في (أ) : ويخلي أهله فأبلغ ... ولعلها زيادة.

(٣) في المخطوطات : من عصى وعلى أهله. وبدون ولعلها مصحفة ، والصواب ما أثبت والله أعلم.

٥٧٦

شيث ، وشيث أوصى إلى ابنه ، وقادوا الوصية إلى أنفسهم ، وزعموا أن الوصية فيهم اليوم ، وزعموا أن كل نبي ادعا النبوة من بعد شيث مدع كاذب ؛ لأنه لا (١) يخبرنا بعلم آدم.

وقالوا : إن الله علّم آدم الأسماء ، والعلم كله ، فدفع كل رجل إلى وصيه العلم كاملا ، ثم ادعوا بأن العلم الذي نزل من السماء فيهم كاملا ، وأبطلوا كل نبي بعثه الله من ولد آدم.

ثم قاد الوصية قوم من اليهود ، وزعموا أن الوصية انتهت إلى ولد داود ، فجعلوا الوصية في ولد داود ، وجعلوها وراثة ، وزعموا أنه يرث ابن عن أب ، وهم بالعراق يقال لهم : رأس الجالوت ، (٢) يدفعون إليه خمس أموالهم ، وعن الذكر البكر من الولد والمواشي والدواب ، وإذا ذبح ثور حمل إليه درهم قفلة ، (٣) وثلث وثمن كبده ، وإذا تزوج أعطاه أربعة دراهم قفلة ، وإذا بنى أحدهم دارا أعطاه مثل ذلك ، وإذا تزوج لا يقدر أن يطلق إلا بأمره ، أو أمر وكيله ، فإذا طلقها أخذ منه أربعة دراهم قفلة ، وعليه أن يربي أولاد الزنا من اليهود ، ومن لا يعرف له أب حتى يكبر ، فإذا كبر كان مولاه إن شاء أعتقه ، وإن شاء باعه ، وهم الذين يحملونه إذا خرج من منزله لا يتركونه يمشي ، ويقولون : إن اليهود فيئهم ، (٤) فإن أيديهم أطول من أيدي الناس ، وأنه يبلغ الركبتين ، إذا استوى قائما ، كذبا وزورا ، واسمهم : رأس الجالوت. ويزعمون أن موسى وهارون سيرجعون إلى الدنيا ، فتكون لهم الدولة على المسلمين. وكل نبي بعثه الله في بني إسرائيل من غير هؤلاء ونسلهم كذبوه وقتلوه ، وقالوا : بأنه لو كان نبيئا لكان من

__________________

(١) في (أ) و (ج) : كاذب لا يخبرنا. وفي (ب) : كاذب لأنه يخبرنا. وفي (د) : لأنه لم يخبرنا. ولفقت النص من الجميع ، والله أعلم.

(٢) الجالوتية : فرقة من اليهود ينتسبون إلى زعيمهم رأس الجالوت وهو (الكهنوت ـ رئيس اليهود) كالجاثليق (كاثلوليك ـ رئيس النصارى) يدعون أن معبودهم أبيض الرأس واللحية ، وأن الله ملك الأرض يوسف بن يعقوب وهم وارثوه والناس مماليك لهم.

(٣) القفلة : اعطاؤك إنسانا شيئا مرة ، يقال : أعطاه ألفا قفلة. وقال ابن دريد : ودرهم قفلة ، أي : وازن.

لسان العرب. وهو درهم ثقيل يزن ثمان وأربعين شعيرة من الفضة الخالصة.

(٤) في (أ) و (ب) و (د) : فيهم. مصحفة.

٥٧٧

ولد هؤلاء ونسلهم ، الذين قادوا فيهم الوصية ، فقال الله سبحانه تصديق ما قلنا : (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (٨٧)) [البقرة : ٨٧] فقد ارتكبت هذه الأمة ما ارتكبت بنوا إسرائيل القذة بالقذة ، (١) والحذو بالحذو (٢) كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فرحم الله عبدا تفهّم ونظر لنفسه قبل لقاء الله ، ونظر في سنة الماضين ، وما ارتكبوا من البدع والضلالة ، وما جحدوا من الحق والبيان ، وحذر أن يكون كأحدهم.

[صفة الإمام]

وإنما صفة الإمام ، الحسن في مذهبه ، الزاهد في الدنيا ، العالم في نفسه ، بالمؤمنين رءوف رحيم ، يأخذ على يد الظالم ، وينصر المظلوم ، ويفرج عن الضعيف ، ويكون لليتيم كالأب الرحيم ، وللأرملة كالزوج العطوف ، يعادي القريب في ذات الله ، ويوالي البعيد في ذات الله ، لا يبخل بشيء مما عنده مما تحتاج إليه الأمة ، من أتاه من مسترشد أرشده ، ومن أتاه متعلما علّمه ، يدعو الناس مجتهدا إلى طاعة الله ، ويبصّرهم عيوب ما فيه غيهم ، ويرغّبهم فيما عند الله ، لا يحتجب عن من طلبه ، فهو من نفسه في تعب من شدة الاجتهاد ، والناس منه في أدب ، فمثله كمثل الماء الذي هو حياة كل شيء حياته تمضي ، وعلمه يبقى ، يصدق فعله قوله ، يعرف (٣) منه الخاص والعام ، لا ينكر فضله من خالفه ، ولا يجحد علمه من خالطه ، كتاب الله شاهد له ومصدق له ، وفعله

__________________

(١) أخرجه أحمد برقم (١٦٥١٢). ورواه القرطبي في الجامع لأحكام القرآن في تفسير قوله تعالى : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً). والسيوطي في الدر المنثور في تفسير قوله تعالى : (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ). وهو في مختصر تفسير ابن كثير ، في تفسير قوله تعالى : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ). وقوله تعالى : (قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً).

(٢) أخرجه الترمذي برقم (٢٥٦٥).

(٣) في (ب) و (د) : يعرف.

٥٧٨

مصدق لدعواه ، وشواهده في كتاب الله ، والدليل عليه كتاب الله ، يقول الله تبارك وتعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) [يوسف : ١٠٨] من الدعاة من أهل بيتي (١).

أليس وصف لنا رب العالمين ، بأن حجته داع إليه ، كما بدأ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ). فقال رب العالمين : إن الحجج هم الدعاة ، فمن رأيتم من أهل بيت نبيئكم دعا إلى الله علانية غير مكتتم إلا ما قلنا ، فإن أنكرتم لم تنكره الأمة ، الذين قالوا بخلاف قولنا وقولكم ، فلنا عليكم البيان من غير أهل مقالتنا ومقالتكم ، بأن قوما من أهل بيت النبي مخصوصين ، بأنهم دعوا إلى الله ، وجاهدوا في سبيل الله ، وقاتلوا وقتلوا ، ومضوا إلى الله على سبيل جدهم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وعلي ، والحسن ، والحسين ، الذين جاهدوا في الله حق جهاده حتى أتاهم اليقين.

وقال الله تبارك وتعالى في الأئمة من أهل بيته : (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ) [النساء : ١٣٥] (٢) وقال : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) [البقرة : ١٤٣] (٣)

__________________

(١) قل هذه سبيلي نزلت في أهل البيت.

عن زيد بن علي عليهم‌السلام قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قول الله تعالى : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) من أهل بيتي ، لا يزال الرجل بعد الرجل يدعو إلى ما أدعو إليه.

وعن أبي جعفر الباقر عليهما‌السلام في هذه الآية قال : لا نالني شفاعة جدي إن لم تكن هذه الآية نزلت في علي خاصة.

أخرج الروايتين فرات الكوفي في تفسيره ١ / ٢٠٣٢٠١ برقم (٢٦٤) ، (٢٦٥) ، (٢٦٥) ، (٢٦٦) و (٢٦٧) و (٢٦٨) ، ورواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ، عند تفسير الآية ، ورواه المجلسي في بحار الأنوار ٣٦ / ٥٢.

(٢) لم أقف للآية على تخريج فيما لدي من مصادر.

(٣) وكذلك جعلناكم. عن جعفر بن محمد الصادق قال في الآية : نحن أمة الوسط ، ونحن شهداء الله على خلقه ، وحجته في أرضه.

٥٧٩

فبما (١) يكونون شهداء عليهم ، بما دعوا الأمة فخالفوهم وعصوهم؟! أو بما لم يدعوهم وجلسوا في بيوتهم؟! أفترى بما يشهدون عليهم يوم القيامة ، بكتمانهم الحق وجلوسهم في منازلهم ، وإظهارهم التقية ، أو في إظهارهم الحق ودعائهم إلى الله ، وبيان الحق؟ فأيهم أحق، وأولى أن يكون شاهدا في كل زمان ، من أظهر وبيّن ودعا ، أو من كتم؟! وأوفى شواهدنا في كتاب الله من دلائل الإمام ، قال الله تبارك وتعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) [آل عمران : ١١٠] فهل شك أحد من خلق الله في زيد بن علي؟ ومن قام مقامه من أهل بيت نبيئه ، ومن مضى من أهل بيته من الأئمة ، أنهم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، وجاهدوا في الله حق جهاده ، علانية غير سر ، فيا ويحكم أليس هذه دلائل من كتاب الله؟! ينبغي للعاقل أن يكتفي بها إن شاء الله.

تم الرد على الروافض ، وصلى الله على رسوله سيدنا محمد النبي وآله وسلم.

* * *

__________________

وروى الحسكاني في شواهد التنزيل عند تفسير الآية نحوه ١ / ٩٣ ٩٥ (١٣٠) و (١١٣١) و (١٣٢).

عن أبي جعفر الباقر عليهما‌السلام قال في الآية : منا شهيد على كل زمان : علي بن أبي طالب في زمان ، والحسن في زمان ، والحسين في زمان ، وكل من يدعو منا إلى أمر الله تعالى.

أخرج الروايتين فرات الكوفي في تفسيره ١ / ٦٢ رقم (٢٦) و (٢٧).

(١) في المخطوطات : فيما. والصواب ما أثبت.

٥٨٠