مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ١

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ١

المؤلف:

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام


المحقق: عبدالكريم أحمد جدبان
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الحكمة اليمانية للتجارة والتوكيلات العامة
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٩٧
الجزء ١ الجزء ٢

١٨١

١٨٢

١٨٣

١٨٤

١٨٥

١٨٦

١٨٧

١٨٨

كلمة أخيرة :

لا يسعني إلا أن أرفع أيادي الحمد والشكر والاعتراف بالفضل لله سبحانه على توفيقه لإخراج هذه المجموعة الذهبية من تراث الزيدية المطمور.

ولا أدعي أنني قد جئت بما لم تستطعه الأوائل ، ولكن حسبي أني قد بذلت وسعي ، واستفرغت جهدي وطاقتي ، فإن أوفق فذلك من فضل الله علي ، وإن يكن غير ذلك فكما قال الأول :

ولكن عذري واضح وهو أنني

من الخلق أخطي تارة وأصيب

والحمد لله رب العالمين.

داعيا أبناء الزيدية إلى العمل الجاد لإخراج هذه الكنوز لترى النور ، ففيها الخلاص والانعتاق من القيود الفكرية التي كبلت العقول. والعالم الحر ينتظرها بفارغ الصبر ، ويتلقاها بالحفاوة والتقدير.

والله أسأل أن يغفر لي ولسائر المؤمنين ، وصلى الله وسلم على محمد وآله الطاهرين.

عبد الكريم أحمد جدبان

اليمن ـ صعدة ذي الحجة / ١٤٢١ ه‍

الموافق ١٤ / ٢ / ٢٠٠١ م

* * *

١٨٩
١٩٠

مجموع الإمام القاسم عليه‌السلام

الدليل الكبير

١٩١
١٩٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله وبه نستعين ، وصلواته على خير خلقه أجمعين ، سيدنا محمد (١) وأهل بيته الطاهرين ، وسلم تسليما.

قال الحسين بن القاسم بن إبراهيم : سألت أبي يوما رحمة الله عليه ، عن ما يقال للزنادقة والملحدين ، فيما يسألون عنه من الدليل على الله رب العالمين ، تقدست أسماؤه ، وجل ثناؤه؟!

فقال : سألت يا بنيّ عن أكرم مسائل السائلين ، وعن ما بجهله هلك أكثر قدماء الأولين ، فتخبط فيه منهم ـ عماية ـ من تخبط ، وأفرط بجهله فيه منهم من أفرط ، بغير ما حجة ولا برهان لمنكرهم في إنكاره ، ولا عدم دليل مبين فيما هلك به من احتياره (٢) ، إلا ما اتبعوا من مضل أهواء الأنفس ، وضلوا به لتقليد أسلافهم من غواة الجن والإنس.

وحجج الله عليهم تبارك وتعالى في العلم به قائمة ظاهرة ، وشواهد معرفته سبحانه لكل من خالفها بإنكار أو احتيار (٣) غالبة قاهرة. فالحمد لله ذي الغلبة والسلطان القاهر ، ولمعرفته والعلم به الحجة والبرهان الزاهر.

__________________

(١) في (أ) سيدنا النبي وأهل.

(٢) احتياره : من الحيرة.

(٣) في (ب) : احتيار.

١٩٣

[دليل الحكمة والإتقان] (١)

فدليل العلم بالله يا بني وأعصم (٢) أسبابه ، وأقرب ما جعل للعلم به من مداخل أبوابه ، ما أظهر في الأشياء سبحانه من آثار الحكمة المتقنة ، التي لا تكون إلا من مؤثر متقن ، وأبان في الأشياء من شواهد التدبير الحسنة المحكمة ، التي لا تكون إلا من حكيم محسن ، كما قال سبحانه : (ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) (٩) [السجدة : ٦ ـ ٩]. فكل ما ذكره سبحانه

__________________

(١) دليل الخلق والإبداع والإتقان ، أو التأمل في آثار الصنعة والخلق ، هو دليل قرآني ، أصّل له المتكلمون المسلمون في أصول الدين ، وصار أصلا من أصول النظر والاستدلال في إثبات الخالق ووحدانيته ، وفي الرد على المنكرين للإلهية من الفلاسفة القدماء ، والذين يطلق عليهم بالفلاسفة الدهريين والفلاسفة الطبيعيين ، وقد استفاد المتكلمون من الإمام القاسم الرسي في الاستدلال على الخالق ، لسبقه لهم في هذا الطريق ، وجاء من بعده الجاحظ المتوفي سنة (٢٥٥ ه‍) والذي عاصره فكتب رسالة في (الدلائل والاعتبار على الخلق والتدبير)) وهي رسالة طبعت أكثر من مرة وحققت ، وكذلك الأشعري المتوفي سنة (٣٢٤ ه‍) في كتابه ((اللمع)) عند ما استدل بدليل النطفة / ١١ ـ ١٩ ، وأبو بكر الباقلاني المتوفي سنة (٤٠٣ ه‍) في كتابه ((التمهيد)) وهو كتاب في الرد على فرق الملحدين وغيرهم ، حيث استخدم دليل الخلق والإبداع في الاحتجاج على أهل الطباع ، وكذلك الحافظ أبو بكر البيهقي المتوفي سنة (٤٥٨ ه‍) في كتابه ((الاعتقاد)). عند ما استدل بالأدلة القرآنية في خلق السماوات والأرض وما فيهما من الدلائل على وجود الخالق ووحدانيه / ٣٠ ـ ٤٣ ، وجاء الغزالي المتوفي سنة (٥٠٥ ه‍) ليكتب في هذا المجال بإفاضة ، ويؤلف فيه رسالة على نسق ما كتب الإمام القاسم والجاحظ من قبل ويسميها ((الحكمة في مخلوقات الله)) وهي رسالة مطبوعة ومحققة ضمن مجموعة. والقصد مما سبق أن هذا الدليل إسلامي أصيل ، ونجح المسلمون في استخدامه بطريقة بارعة ، ويرجع الفضل للأوائل منهم في هذا الطريق وعلى رأسهم صاحب هذه الرسالة الذي وظفه في الرد على الزنادقة والملحدين والمعاندين.

(٢) في (أ) : وعصم. وفي (د) : وعظم. والعصم والعصام من الدلو والقربة : حبل يشد به ، ومن الوعاء : عروة يعلق بها ، جمعه : أعصمة وعصم ، واعتصم به امتنع ، والعصمة مأخوذة من هذا ، والمراد به هنا القوة والمنع. والسبب في اللغة : الحبل ، وأسباب السماء : مراقيها أو أبوابها.

١٩٤

فجعائل لا بد لها من جاعل ، وفعائل لا تقوم أبدا إلا بفاعل ، ولن يوجد جاعلها وفاعلها إلا الله سبحانه ذو الأسماء الحسنى ، البريء من مشابهة الجعائل والفعائل في كل معنى.

ومن أسباب العلم به ودلائله ، بعد الذي أبان من أثر التدبير في جعائله ، أوثق وثائق(١) الأسباب ، مما فطر عليه بنية الألباب ، من العلم البتّ (٢) ، واليقين المثبت ، الذي لا يعتري فيه ـ بحقيقة ـ شكّ ولا مرية ، ولا تعترض فيما جعل من بصائره شبهة معشية (٣) ، من أن لكل ما أحسّ أو عقل ، مما أثّر سبحانه وجعل ، خلاقا (٤) متيقن معلوم ، لا تدركه الحواس ولا الوهوم. يعقل ويعرف بخلاف ما عقلت به الأشياء وعرفت ، فتخالفه ويخالفها بغير ما به في نفسها اختلفت. فهذان أصلان (٥) مجملان ، لمعرفة الله عزوجل ثابتان ، وشاهدان عدلان ، على العلم بالله باتّان.

[وسائل المعرفة]

ولن يخلو العلم بالله ، والوصول إلى المعرفة بالله (٦) ، من أن يكون مدركا :

ـ بمباشرة حس فيكون كمحسوس ،

ـ أو يدرك بمباشرة (٧) نفس فيكون كبعض ما يدرك من النفوس.

__________________

(١) الوثائق : أقوى العرى التي يتمسك بها.

(٢) البت : القطع ، أي : من العلم القطعي.

(٣) معشية : ملبسة.

(٤) في (ب) و (ج) : خلاف متيقن معلوم. وفي (د) : خلاق متيقن معلوم. وفي (أ) : خلاقا متيقنا معلوما. وقد لفقت النص من الجميع ليستقيم أسلوب الإمام في السجع ، ولهذا التلفيق وجه في اللغة ، مع احتمال أن تكون العبارة هكذا (من أنه لكل ... إلخ).

(٥) الأصلان اللذان ذكرهما الإمام هما :

١ ـ وجود المخلوقات المحكمة المتقنة التي لا بد لها من خالق.

٢ ـ أن خالقها يجب أن يختلف عنها وأن يعرف بخلاف ما به عرفت.

(٦) في (أ) و (ب) و (ج) : لله.

(٧) في (ب) : أو يكون مدركا بمباشرة ، وفي (ج) : أو يدرك من مباشرة.

١٩٥

وليعلم من وصل إليه كتابنا هذا في ذكر درك النفس أن فلاسفة الروم ، يزعمون : أن للنفس دركا ليس بدرك الحواس ولا درك الوهوم. ولا سيما عندهم إذا كانت النفس معرّاة من الأجسام ، ومبرّأة مما هي عليه من أوعية الأجرام (١).

ـ أو يدرك من وهم جائل (٢) ، فيكون كمتوهّم بالمخايل (٣).

ـ أو يكون دركه سبحانه بظن ، فيكون دركه كالمتظنّن (٤) ، الذي يصيب فيه الظن مرة ويخطي ، ويسرع المتظنن بظنه فيه ويبطئ.

ـ أو يدرك من دليل مبين ، فيكون مدلولا عليه ببتّ يقين.

ـ أو يكون مدركا سبحانه بحال واحدة دون أحوال ، أو بما (٥) يمكن اجتماعه من كل ما وصفنا من الخلال.

ـ أو مدركا بجميع ما قلنا وحددنا ، ووصفنا من الأمور كلها وعددنا.

__________________

(١) الأجرام : جمع جرم ، وهو الجسم.

(٢) وهم جائل : أي خيال طائف.

والإمام القاسم هنا ينقد الفلاسفة اليونان في تعريفهم للنفس حيث ذهب بعضهم إلى ((أنها ليست بجسم ، وإنما هي جوهر بسيط محرك للبدن)) ، وهو أفلاطون ، وطالما أنها ليست جسما فهي لا تدرك ، كما أن أدوات الإدراك الحسي والعقلي ليست مما تدرك به النفس الأشياء ، وإذا هي تدرك بشيء خارج عن ذلك ، وهو ما يرفضه الإمام القاسم ، فالإدراك إما حسي أو عقلي ، أو حسي عقلي معا ، وليست هناك طريق أخرى للإدراك سوى ذلك ، أما الإدراك الباطني الإلهامي الحدسي الذي يطبع في النفس الإنسانية فهو ظني وغير قطعي ، وهو طريق لا يستقل بذاته عند المعرفة ، ولا يصلح أن يكون طريقا لمعرفة الله. يبقى هنا الإشارة بنقد الإمام القاسم للفلاسفة اليونان ، وهو دليل قاطع على معرفته ، وهضمه للفلسفة القديمة ، ونقده لها في مقابل ما يملكه من معرفة إسلامية راسخة ، لها قواعدها ومفاهيمها آن ذاك ، والتي في ضوءها رفض كون النفس جوهرا ليس بجسم ، لأن الأشياء إما أجسام أو غير أجسام ، والأجسام هي العالم والكون بما فيه ، وكلّ محدث ، وغير الجسم هو الله ، والأجسام لا تدرك إلا عن طريق أدوات معرفية محددة ومقننة ، أثبتها الله في النفس الإنسانية هي المدارك الحسية والعقلية ، وليس غير ذلك.

(٣) المخايل : جمع مخيلة كمدينة مدائن ، والخيال ما تشبّه لك في اليقظة والحلم من صورة.

(٤) في (ب) : بالمتظنن.

(٥) في (ب) و (د) و (ه) : أو بكل ما.

١٩٦

ـ أو مدركا سبحانه بخلافه لكل محسوس الأشياء ومعقولها ، في جميع ما يدرك (١) من فروع الأشياء وأصولها.

وهذا الباب من خلافه سبحانه لأجزاء الأشياء كلها ، فيما يدرك (٢) من فروع الأشياء جميعا وأصلها (٣) ، فما لا يوجد أبدا إلا بين الأشياء وبينه ، ولا يوصف بها أبدا غيره سبحانه. وهي الصفة (٤) التي لا يشاركه عزوجل فيها مشارك ، ولا يملكها عليه تعالى مالك.

ولا يعم جميع (٥) الأشياء ما يقع من الاختلاف ، فلن يوجد واقعا إلا بين ذوات الأوصاف. وكل واحد منها وإن خالف غيره في صفة فقد يوافقه في صفة أخرى ، كان مما يعقل أو كان مما يلمس أو يرى. فإن اختلف محسوسان في لون أو طعم ، اتفقا فيما لهما من حدود الجسم ، وإن اختلف معقولان في فعال أو همّة ، اتفقا فيما يعقل من أصولهما المتوهّمة. كالملائكة والإنس والشياطين التي أصولها في النفسانية واحدة متفقة ، وهممها وأفعالها مختلفة مفترقة.

فهمم الملائكة الاحسان والتسبيح ، وهمم الشياطين العصيان والقبيح ، وهمم أنفس الانس فمختلفة كاختلافها ، في قصدها وإسرافها ، فتحسن مرة وتبرّ ، وتسيء تارة وتشرّ(٦).

وكل خلق من الملائكة والانس والشياطين فقد جعل الله له صفة متممة ذاتية ، بها

__________________

(١) في (ب) : ما يورد.

(٢) في (ب) : يوجد.

(٣) في (ب) و (ج) : وأصولها.

(٤) وهي ما تسمى : الصفة الأخص ، عند المعتزلة. ومن هنا أخذ من نقل عن الإمام القول بالصفة الأخص.

(٥) أي : أن جميع الأشياء لا تختلف في صفاتها من كل وجه ، وإن كانت مختلفة في أصولها كالحيوان والنبات والجماد ، فقد تختلف في صفة وتتفق في أخرى ، بخلاف الله سبحانه ، فإن جميع الأشياء لا تتفق معه في صفة من صفاته سواء ، وإن اتفقت معه في صفة كالوجود مثلا ، فالفرق شاسع وواضح بين وجودها ووجوده.

(٦) أي : تفعل الشر.

١٩٧

بان بعضهم من بعض وكانت لكل من جعلها الله له خاصة صنفية ، فهي لهم وبينهم ولهم اختلاف ، وكلهم بها وبما جعل الله منها أصناف ، بعضهم غير بعض ، كما السماء غير الأرض.

وليس من وراء ما قلنا في الدرك لمعرفة الله والوصول إلى العلم بالله قول ، ولا بعد الذي عددنا وحددنا في أصول المعارف بالله أصل معقول.

ولا بد من النظر لمن أراد يقين المعرفة بالله ، في تصحيح كل ما وصفنا صفة بعد صفة في معرفة الله ، ليأتي المعرفة بالله من بابها ، وليسلم بذلك من شكوك النفس وارتيابها ، فإنه لن تزكو نفس ولن تطيب ، ولن يهتدي امرؤ ولن يصيب ، اعتلج في صدره بالله ريب مريب ، ولا كان فيه لشك في الله نصيب.

فنستعين بالله على معرفته ويقينها ، ونرغب إليه في يقين أوليائه ودينها ، فان ذلك ما لا يثبت لمن ادعاه بدعوى غير ذات بيّنة ولا أصل ، فضلا عن من كذّب دعواه في ذلك من العامة سوء الفعل ، فقال : أعرف الله بلسانه ، وكذّب ما ادعى من المعرفة له بكبير عصيانه(١).

فإذا قيل له : بم عرفت ما تزعم ، ومن أين علمت ما تقول إنك تعلم؟!

قال : يا سبحان (٢) الله! ومن يجهل الله؟! وهل يسأل أحد عن معرفة الله؟!

وليس عنده من وجوه المعارف التي عددنا كلها وجه! ولا له في الجهل بالله لفاحش عصيانه مثل ولا شبه ، يقول أبدا فيكذب ، ويخوض أبدا ويلعب ، فقوله خوض وزور ، وفعاله فساد وبور ، ولا يصدّق قوله بفعال ، ولا يقوّم دعواه إلّا بمحال ، لا يفهمه عنه لبيب ، ولا يصوّب مذهبه فيه مصيب ، كالبهيمة المهملة الراتعة ، التي لا همة لها إلا في مأكل أو متعة ، كما قال الله جل جلاله ، عن أن يحويه قول أو يناله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) [محمد : ١٢]. وقال سبحانه : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ

__________________

(١) في (ب) و (ج) : بكثير. ومن هذا يؤخذ للإمام أن مرتكب الكبيرة كافر ، لأن من لم يعرف الله فهو كافر.

(٢) في (أ) : قال : سبحان.

١٩٨

الْغافِلُونَ) [الأعراف : ١٧٩]. وقال سبحانه : (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣)) [الحجر : ٣].

فنعوذ بالله يا بني من مثل حالهم ، ونرغب إليه في السلامة من سوء فعالهم ، وحسبنا الله في معرفته دليلا وداعيا ، وموفقا سبحانه للعلم به وهاديا.

[تفصيل طرق المعرفة]

فأول باب : وصفناه من دركه سبحانه بمباشرة الحس ، والباب الثاني : من دركه سبحانه بمباشرة النفس ، ففاسد أن يكون الله سبحانه بواحد منهما مدركا أو معروفا ، لأنّه إن عرف أو أدرك بما أدركا به أو عرفا كان بصفتهما موصوفا ، يجري عليه ما يجري عليهما ، ويضاف إليه تعالى ما يضاف إليهما ، من تجزئة الكل والأبعاض ، وألمّ به ما يلم بهما من الآلام والأعراض.

لأن ما يدرك من كل محسوس ، وإن كان خلافا لما يعقل من النفوس ، فلن يخلو من أن يكون خليطين خلطا فامتزجا فتوحدا ، أو أخلاطا كثيرة عدن مزاجا واحدا ، فتبدلن عن حالهن الأولى ، وصرن كونا من الأكوان التي تبلى ، وما كان كونا لزمه ما يلزم الأكوان ، ولم يتقدم الحركة ولا الأزمان ، وكان فيهما محظورا ، وبما حصرهما (١) من الحدث محصورا.

وحدث الحركة والزمان (٢) ، وقرائنهما من الجسم والصورة والمكان ، فما لا ينكره ـ إلا بمكابرة لعقله ، أو فاحش مستنكر من جهله ـ من سلمت من الخبل نفسه ، ونجت من نقص الآفات حواسه.

وكل نفس فذات قوى شتى مختلفة ، كل صفة منها فسوى غيرها من كل صفة ،

__________________

(١) في (أ) و (ه) : حظرهما.

(٢) في (أ) : والأزمان.

١٩٩

واختلاف قوى كلّ نفس فمعروف غير منكر ، منها التوهم (١) والفكر ، وغيرهما من التذكر والخطر (٢).

وقوى كل نفس فمتممة لها ، لا يمكن أن تزايلها ، لأنها (٣) إن زايلتها قوة من قواها المتممة لكونها ، وما وصفناه من محدود كمال شئونها ، كان في ذلك من زواله زوالها ، وزال عن النفس بزواله عنها كمالها ، وفنيت النفس بفنائه ، ولم تبق النفس بعد بلائه.

ألا ترى أن قوى النفس المتممة لكونها ، ومحدود كمال شئونها ، كحرّ الشمس ونورها ، وغيرهما مما لا قوام للشمس دونه من أمورها ، وكذلك قوى النار في إحراقها وحرها ، كقوى النفس في توهمها وذكرها ، فإن فني حر الشمس أو نورها فنيت ، وإن بلي إسخان النار أو إحراقها بليت ، وكذلك النفس إن زايلها ، ما جعله الله من القوى لها ، فزال فكرها عنها ، أو فني توهمها منها ، فنيت بفنائه ، وبليت مع بلائه.

وفي ذلك ، إذا كان كذلك ، دليل مبين ، وعلم ثابت صحيح يقين ، أن (٤) النفس كثيرة عددا ، وأنها ليست شيئا واحدا ، فكل نفس فغير واحدة ، ولكنها كثيرة ذات عدّة (٥) ، والله تبارك وتعالى فواحد فرد ، وقوته فمفردة ليس لها حد ، ومن لم يكن واحدا فردا ، ونهاية في الدرك صمدا ، كان متحادا معدودا ، وأشتاتا متناهيا محدودا.

والباب الثالث : من دركه سبحانه بمخائل الأوهام ، ففاسد لتشبيهه فيه (٦) بمتوهّم مخايل الأجسام.

والباب الرابع : من دركه سبحانه بالظن فقد يمكن ويكون ، إذ كانت قد تخطئ وتصيب الظنون.

__________________

(١) في (أ) : للتوهم.

(٢) الخطر : ما يخطر في النفس.

(٣) سقط من (ج) : لأنها إن زايلتها. ومن (ب) : لأنها.

(٤) في (أ) : فإن. وفي (ج) و (ه) : بأن.

(٥) في (ب) : وكل نفس فذات قوى شتى مختلفة ، كل صفة منها فسوى غيرها فغير واحدة ، ولكنها كثيرة ذات عدد.

(٦) في (ج) : بتشبيهه.

٢٠٠