مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ١

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ١

المؤلف:

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام


المحقق: عبدالكريم أحمد جدبان
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الحكمة اليمانية للتجارة والتوكيلات العامة
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٩٧
الجزء ١ الجزء ٢

الأنوار ، وإنه سبحانه حبة مسدسة المقدار ، وإنه يعلم بالحركات ويعقل ، وتحف به الأماكن وينتقل ، وتبدو له البدوات ، وتخلو منه السماوات. لأنهم يزعمون أنه على العرش دون ما سواه ، وأنه لا يبصر ما حجبت (١) عنه الحجب ولا يراه ، ويدنو لما يدنو له من الأشياء المشاهدة ، وينأى عما نأى عنه بالمباعدة ، فما نأى عنه فليس له شهيد ، وما قرب منها إليه فهو منه غير بعيد.

والله سبحانه يقول فيما وصف نفسه لعباده ، وما تعرّف إليهم به من الصفات في كتابه : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٦)) [المجادلة : ٦]. وقال سبحانه : (إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [الحج : ١٧]. وقال سبحانه : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦)) [ق : ١٦]. وقال سبحانه : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ (٣)) [الأنعام: ٣]. أفما في هذا بيان قاتلهم الله أنى يؤفكون!!

__________________

وروى الكشي بسنده عن أحمد بن محمد ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : (أما كان لكم في أبي الحسن عظة؟ ما ترى حال هشام بن الحكم فهو الذي صنع بأبي الحسن ما صنع ، وقال لهم وأخبرهم ، أترى الله أن يغفر له ما ركب منا؟!). رجال الكشي / ٢٧٨ ، تنقيح المقال ٣ / ٢٩٨.

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني : (هشام بن الحكم أبو محمد الشيباني من أهل الكوفة ، سكن بغداد وكان من كبار الرافضة ومشاهيرهم ، وكان مجسما يزعم أن ربه طوله سعة أشبار بشبر نفسه ، ويزعم أن علم الله محدث ، ذكر ذلك ابن حزم. وقال ابن قتيبة في مختلف الحديث : كان من الغلاة ، ويقول بالجبر الشديد ، ويبالغ في ذلك ، ويجوّز المحال الذي لا يتردد في بطلانه ذو عقل ...). لسان الميزان ٦ / ١٩٤. الطويل ولا عرضا غير العريض. وقالك ليس ذهابه في جهة الطول أزيد على ذهابه في جهة العرض ، وزعم أيضا أنه نور ساطع يتلألأ كالسبيكة الصافية من الفضة ، وكاللؤلؤة المستديرة من جميع جوانبها ، وزعم أيضا أنه ذو لون وطعم ورائحة ومجسة ، وأن لونه هو طعمه ، وطعمه هو رائحته ، ورائحته هو مجسته ، ولم يثبت لونا وطعما هما غير نفسه ، بل زعم أنه هو اللون وهو الطعم. ثم قال : قد كان الله ولا مكان ، ثم خلق المكان بأن تحرك فحث مكانه بحركته فصار فيه ، ومكانه هو العرش. وحكى بعضهم عن هشام أنه قال في معبوده أنه سبعة أشبار بشبر نفسه). الفرق بين الفرق / ٦٥ ـ ٦٨.

(١) في (ب) و (د) : ما حجبته.

٥٢١

مع ما بيّن في غير هذا من بعده عن شبه الأشياء ، من النور وغيره من كل ظلمة وضياء ، من ذلك قوله سبحانه : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣)) [الأنعام : ١٠٣]. وقوله سبحانه : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى : ١١]. وقوله جل جلاله ، عن أن يحويه قول أو يناله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤)) [الإخلاص : ٤] ، والكفؤ : فهو المثل والند. فلو كان كما قال هشام وأصحابه نورا وجسما ، أو كان كما قال ابن الحكم لحما أو دما ، لكانت أكفاؤه عددا ، وأمثاله سبحانه أشتاتا (١) بددا ، لأن الأنوار في نورها متكافية ، والأجسام في جسميتها متساوية ، وكذلك تكافؤ اللحم والدم ، كتكافؤ الجسمية كلها في الجسم ، ولو كان كما قال أصحاب النور نورا محسوسا ، لكانت الظلمة له ضدا ملموسا ، ولو كان بينهما كذلك لوقع بينهما ما يقع بين (٢) الأضداد ، من التغالب والتنافي والفساد ، فسبحان من ليس له ند يكافيه ، ولا ضد من الأضداد ينافيه ، (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢)) [الزمر : ٦٢].

وما قالت به الرافضة من هذا فقد تعلم (٣) أن كثيرا منها لم يقصد فيه لما قصد ، أو يعتقد من الشرك بالله في قوله به ما اعتقد ، ألا وإن ما قالوا به في الله ، أشرك الشرك بالله ، فنعوذ بالله من الشرك بربوبيته ، والجهل لما تفرد به من وحدانيته.

هذا إلى (٤) ما أتوا به من الضلال بقولهم في الوصية ، وما أعظموا على الله وعلى رسوله في ذلك من الدعوى والفرية ، التي ليس لهم بها في العقول حجة ولا برهان ، ولم ينزل بها من الله وحي ولا فرقان.

وما قالت به الرافضة في (٥) الأوصياء من هذه المقالة فهو قول فرقة كافرة من أهل

__________________

(١) في (ب) و (د) : أشياء.

(٢) في (ب) و (د) : من.

(٣) في (ب) : علمت.

(٤) سقط من (ب) و (د) : إلى.

(٥) في (أ) و (د) : من.

٥٢٢

الهند يقال لهم البرهمية ، (١) تزعم أنها بإمامة آدم من كل رسول وهدى مكتفية ، وأن من ادعى بعده نبوة أو رسالة ، فقد ادعى دعوة كاذبة ضآلة ، وأنه أوصى بنبوته إلى شيث ، وأن شيئا أوصى إلى وصي (٢) من ولده ، ثم يقودون وصيته بالأوصياء إليهم ، ولا أدري لعلهم يزعمون أن وصيته اليوم فيهم.

ولو كان الهدى في كل فترة كاملا موجودا ، ولم يكن إمام الهدى في كل أمة مفقودا ، لما جاز أن يقال لفترة من الفترات فترة ، ولا كانت للجاهلية في أمة من الأمم قهرة ، وقد ذكر الله لا شريك له أنه لم يرسل محمدا عليه‌السلام إذ أرسله ، ولم يرسل من أرسل من الرسل قبله ، إلا في أمة ضآلة غير مهتدية في دينها لحظها ، ولا مستحقة على الله بإصابة رشد (٣) لحفظها ، ولكن رحمة (٤) منه سبحانه لها وإن ضلت ، وإحسانا منه إليها في تعليمها إذ جهلت ، كما قال الله سبحانه : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) [البقرة : ٢١٣] ، فأخبر أنهم كانوا ضالين غير مهتدين. ولو كان فيهم حينئذ وصي وأوصياء ، لكان فيهم يومئذ لله ولي وأولياء ، ولما جاز مع ذلك ، لو كان كذلك ، أن يقال لهم : أمة واحدة ، لأنهم فرق متضادة ، لا تجمعهم في الهدى كلمة ، ولكنهم في الضلال أمة.

وكما قال سبحانه في بعثته لمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (وَما كُنْتَ

__________________

(١) البراهمة نسبة إلى هندي يدعى (برهم) وهم طوائف ثلاث : فطائفة تقول : بقدم العالم ، وتعترف بمدبر له قديم ، إلا أنها تعتقد أن الإنسان غير مكلف بسوى المعرفة.

وطائفة تقول : بحدوث العالم ، وتعترف بوجود صانع حكيم ، ولكنها تنكر الرسل والكتب السماوية وترى أن لا واسطة بين الله تعالى وخلقه غير العقل.

وطائفة ثالثة تقول : بحدوث العالم ووجود الخالق ، ولكنها تؤمن بأن مدبرات العالم : الأفلاك السبعة (البروج الاثنا عشر) ، ولا تزال هذه النحلة الباطلة قائمة في الهند يعتنقها الكثيرون من أبنائها.

ذكر بعض كتاب الملل والنحل أن من عقائدهم أنهم لا يأكلون البقر وأنهم يغتسلون ببولها. فلعلهم فرقة من الهندوس عباد البقر.

(٢) في (أ) و (د) : أوصى من ولده.

(٣) في (ب) : رشدها.

(٤) في (ب) و (ج) : برحمة.

٥٢٣

بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٦)) [القصص : ٤٦]. فما ذكر سبحانه أنه كان فيهم يوم بعثته له إليهم ، ومنته بالهدى فيه عليهم ، مهتد واحد منهم بهداه ، ولا قائم بما هو الهدى من تقواه ، لا رسول ولا نبي ، ولا إمام ولا وصي ، حتى منّ تبارك وتعالى عليهم ، ببعثته لمحمد عليه‌السلام إليهم ، فأقام لهم به منار الهدى وأعلامها (١) ، ونهج لهم سبل الحجج بأنوار أحكامها ، فبين به من ذلك كله ما كان درس (٢) وهلك خفاتا ، وأحيى به صلى الله عليه وعلى آله ما كان مواتا ، توحّدا منه سبحانه بالمنة فيه على خلقه ، وإفرادا لرسوله صلى الله عليه وعلى آله بالدلالة على حقه ، فلم يبق من هدى المحجوجين من العباد ، باقية بها إليهم حاجة من رشاد ، يكون بها لهم في دنياهم صلاح ، ولا لهم فيها عند الله فلاح ، إلا وقد جاء بها كتاب الله سبحانه منيرة مستقرة ، وكرر ـ لا إله إلا هو ـ بها فيه بعد تذكرة تذكرة ، إحسانا إليهم ورحمة ، وتذكرة لهم وعصمة ، ومظاهرة للنعمة فيهم وإسباغا ، واحتجاجا بكتابه عليهم وإبلاغا ، كما قال سبحانه : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٨)) [آل عمران : ١٣٨]. وقال سبحانه : (هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف : ٢٠٣].

فأين ذكر الرافضة في هذا وأمرها من ذكر الله وأمره ، وما بيّن سبحانه من إكذابهم فيما قالوا بخبره؟! فالله سبحانه يخبر أن كلهم كان ضالا فهداه ، وجاهلا بالهدى حتى علّمه الله بمنة إياه ، كما قال سبحانه لبني آدم : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٨)) [النحل : ٧٨]. وقال سبحانه لرسوله : (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) [النساء : ١١٣]. وقال سبحانه : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي

__________________

(١) في (أ) و (ب) و (ج) : وأعلامه ، فبين.

(٢) درس الشيء : عفى أثره.

٥٢٤

ضَلالٍ مُبِينٍ (٢)) [الجمعة : ٢].

وقال سبحانه : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦)) [النحل : ٣٦].

ولا يهدى أحد (١) أبدا إلا من ضلال ، ولا يهتدي من تركه الله في جهالته من الجهال ، والله سبحانه يخبر أنهم كلهم كانوا في ضلال وعمى ، قد كانوا جميعا جهلة بدينه لا علماء.

والرافضة تزعم أن قد كانت فيهم يومئذ الأوصياء ، وأنها قد كانت تعلم من الدين حينئذ ما كانت تعلمه الأنبياء ، ومن كان لبعض علم الهدى وارثا ، وكان هدى الأنبياءعليهم‌السلام له (٢) تراثا ، كان بريا من الضلال ، وغير معدود في الجهال ، وإذا كان ذلك ، في الأوصياء كذلك ، وكانوا يزعمون أنهم إنما أخذوا هذا عن الكتاب وقبلوه ، وادعوا فيما قالوا به منه حكم الكتاب وتنحّلوه ، (٣) كان فيه للكتاب من التهجين ، ما يلحد فيه كل لعين ، شأنه تعطيل كل دين ، وتلبيس كل برهان مبين. لأن ما قالوا به من هذا فمن القول المتناقض المستحيل ، إذ وصفوا بعضهم بالهدى مع (٤) وصفهم لكلهم بالتضليل ، لأن في أن يكون كلهم عميّا ، دليل على أن لا يكون أحد منهم مهتديا ولا وصيا ، (٥) وفي أن لا يكون منهم وصي ولا مهتدي ، (٦) خبر عن أن كلهم ضال ردي ، وهذا فهو التناقض بعينه ، وما لا يحتاج كثير إلى تبيينه ، ولله الحمد في ذلك كله قبل غيره ، وبالله نستعين على ما أوجب بالهدى من إجلاله (٧) وتكبيره.

__________________

(١) سقط من (ب) و (د) : أحد.

(٢) في (أ) : وكان علم. وسقط من (ب) و (د) : له.

(٣) التنحل : الادعاء.

(٤) في (ب) و (د) : بالهدى ووصفوا كلهم.

(٥) في (ب) و (د) : مهتديا بالأوصياء.

(٦) في (ب) و (د) : مهتد.

(٧) في (ب) : جلاله.

٥٢٥

ومما يسأل عنه الرافضة إن شاء الله فيما يقولون به من الأوصياء ، أن يقال لهم : حدثونا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أكان وصيا لمن كان قبله من الأنبياء؟

فإن قالوا : نعم. قد كان لمن قبله وصيا. كان أمرهم في المكابرة جليا ، ولم يخرجهم ذلك من كر المسألة إليهم ، وتوكيد الحجة بما في المكابرة عليهم.

فيقال لهم : حدثونا عن الوصي الذي أوصى إلى النبي عليه‌السلام بالوصية أمن أهل اللسان العربي؟ (١) كان؟ أم من أهل اللسان العجمي؟

فإن قالوا : إن من أوصى إليه ، صلوات الله ورضوانه [عليه] ، كان يومئذ وصيا عربيا ، زعموا أن الوصي حينئذ كان أمّيا ، لأن كل عربي كان حينئذ بغير شك أميا ، لأن الله لم ينزل عليهم يومئذ قرآنا ، ولم يفصل لهم حينئذ بوحي فرقانا ، ولم يكن يومئذ أحد من العرب رسولا نبيا ، يجوز أن يكون له أحد وصيا ، لأنه معلوم عند كل أحد من الأمم غير مجهول ، أنه لم يكن في العرب بعد عيسى صلى الله عليه رسول ، ولا مدع يومئذ وإن أبطل ، يدعي أن يكون نبيا قد أرسل.

فإن قالوا : فإن الوصي الذي أوصى إلى النبي صلى الله عليه كان أعجميا.

قيل : أو ليس قد كان يعلّمه علمه وكان عليه‌السلام في علمه (٢) به مقتديا؟!

فإذا قالوا : بلى. قيل (٣) فإن الله تعالى يقول في ذلك بخلاف ما يقولونه ، ويخبر أنه لم يعلّمه يومئذ بشر عربي ولا عجمي يعلمونه ولا يجهلونه ، قال الله سبحانه : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)) [النحل : ١٠٣]. فأخبر أن معلمه صلى‌الله‌عليه‌وآله غير أمي بأنه علمه بلسان عربي مبين. ولو كان الأمر كما تقول الرافضة في الإمامة والوصية ، لما خلا النبي عليه‌السلام فيما نسبت إلى عربية أو أعجمية ، من أن يكون قبل نبوته وبعثته ، وما وهبه الله بالرسالة من نعمته ، لم ير وصيا ولم يصل إليه ،

__________________

(١) في (ب) و (د) : العربية.

(٢) في (ب) و (د) : به في علمه مقتديا.

(٣) في (أ) : قيل لهم. وسقط من (ب) : قيل.

٥٢٦

ولم يعرفه ولم يستدل عليه ، فيكونوا هم اليوم أهدى منه يومئذ في معرفة وصيهم سبيلا ، أو يكون الله أقام لهم في معرفة الأوصياء ولم يقم له دليلا ، أو يزعمون أن قد لقي وصيّ عيسى صلى الله عليه ورآه ، (١) وكان مهتديا يومئذ بهداه ، من قبل مجيء رسالة الله إليه ، وقبل تنزيله سبحانه لوحيه عليه ، فيزعمون أن قد كان يومئذ مهتديا غير ضال ، وبريا قبل نبوته من جهل الجهال ، وعالما بجميع الإيمان ، فيكذبوا بذلك آيا من الفرقان ، منها قوله سبحانه: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (٧)) [الليل : ١٥]. وقوله سبحانه في آية أخرى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢)) [الشورى : ٥٢].

وقوله سبحانه : (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦)) [يونس : ١٦]. فهو صلى الله عليه وعلى آله لم يكن يدري ما الإيمان حتى أدري ، ولا يعلم عليه‌السلام ما الهدى حتى علّم وهدي ، وبعض أئمتهم عندهم فقد علم ما الهدى والإيمان وهو وليد طفل ، ورسول الله صلى الله عليه لم يكن يعلمه حتى علّمه الله إياه وهو رجل كهل.

فأي شنعة أشنع ، أو وحشة أفظع ، من هذا ومثله ، وما يلحق فيه بأهله ، من مزايلة كل حق ، ومخالفة كل صدق؟! فإن هم أبوا ما وصفنا لتفاحشه ، ولما يدخله من شنائع أواحشه (٢) ، فزعموا أنه لم يكن في الأمم ، لا في العرب منها ولا في العجم ، قبل بعثة النبي محمد عليه‌السلام ، وصي يعلم يومئذ ولا إمام ، ظل (٣) رسول الله صلى الله عليه بجهله ، ولا أصاب الهدى يومئذ من قبله ، حتى آتاه الله هداه وأرشده ، وبصّره سبيل الهدى وقصده ، كما فعل بأبيه إبراهيم صلى الله عليه فيما آتاه قبله من رشده ، ودله عليه من الهدى وقصده ، إذ يقول سبحانه : (* وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ

__________________

(١) سقط من (ب) و (د) : ورآه.

(٢) في (ب) و (د) : أو حشه.

(٣) في (ب) : ولا وصي قبل. وفي (د) : ولا إمام قبل. مصحفة.

٥٢٧

وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (٥١)) [الأنبياء : ٥١]. ويقول فيه عند تلمسه ليقين المعرفة لرب العالمين : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (٧٧) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٧٩)) [الأنعام : ٧٦ ـ ٧٩]. فقرّ به (١) صلوات الله عليه قرار اليقين ، في معرفة رب العالمين ، حين برئ عنده من مذموم الأفول والزوال ، وتصرف اختلاف التغيير والأحوال ، وما لا يكون من (٢) ذلك إلا في الأمثال المتعادلة ، وأشباه الصنع المتماثلة ، التي جل الله سبحانه أن يكون بشيء (٣) منها مثيلا ، أو يكون جل جلاله لشيء منها عديلا.

وفي مثل ذلك ما يقول سبحانه لمحمد صلى الله عليه ، مع إفضائه من يقين المعرفة إلى ما أفضى إليه : (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣)) [الأنعام : ١٦٢ ـ ١٦٣]. فهو عليه‌السلام يخبر أنه أول ـ أمته وقرنه ، ومن كان معه من أهل أيامه وزمنه ، بالله لا شريك له ـ إسلاما وإيمانا ، [ومعرفة بالله وإيقانا] (٤).

والله يخبر أن قد أرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين ، ولو كان معهما صلى الله عليهما يومئذ وصي لمرسلين ، لكان إسلام الوصي وإيمانه قبل إسلام إبراهيم ومحمد وإيمانهما ، ويقين الوصي بالله وعلمه قبل علمهما بالله وإيقانهما ،

__________________

(١) في (أ) : فقرر به.

(٢) سقط من (ب) و (د) : من.

(٣) في (ب) و (د) : لشيء.

(٤) أشار في (أ) : إلى بياض ، وترك في (ب) و (ج) فراغا يسع ثلاث كلمات أو أربع. قد تكون (ومعرفة بالله وإيقانا) كما أثبت بين المعكوفين ، والله أعلم.

٥٢٨

ولما جاز أن يقول محمد صلى الله عليه : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) فيما قد سبقه غيره ممن معه (١) إليه ، وإبراهيم صلى الله عليه يطلب يومئذ المؤمنين ، ويلتمس حينئذ بالله جاهدا اليقين ، بحيلة كل محتال بفكره ، ويخاف الضلال عن الله مع (٢) نظره ، ويقول : (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) ، ويقول للكواكب : (هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) ، ومعه وصي أيامه ودهره ، لا يخطر على باله ولا نظره ، فلا يقع على شيء مما يجيل (٣) بفكره.

والرافضة اليوم تزعم أنها قد تعلم أنه قد كان معه ، وصي يلزمه أن يعرفه بعينه ، ويعلمه ما يلزمها (٤) اليوم من معرفة الوصي ، وما تدعي فيه من باطل الدعاوي ، فهي عند أنفسها تعلم من الأوصياء في دين الله ، ما لم يكن يعلمه منهم خليل الله ، وتهدى من الرشد فيه ، ما لم يهد الله خليله إليه. إلا أن تزعم أنه لم يكن مع إبراهيم وفي (٥) أمته وصي يهديها ، فيكون في ذلك بطلان ما في أيديها ، وما يلزمها من هذا في إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما ، فقد يلزمها في كثير من رسل الله معهما ، صلى الله على رسله وأنبيائه ، وزادهم الله فيما خصهم من كرامته واصطفائه.

وإمامهم ـ اليوم فيما يزعمون ، وكما في إفكهم يقولون ـ يدري ما كان رسول الله داريا ، ويدعو إلى ما كان إليه داعيا ، ودعوته (٦) صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت إلى الخير والهدى ، وتبيين ما كان يبيّن عليه‌السلام من الغي والردى ، وإنذار من أدبر عن الله يومئذ وأعرض ، وإعلام العباد بما حكم الله يومئذ وفرض.

__________________

(١) في (أ) : ممن كان معه.

(٢) في (أ) و (ج) : محتال بكفره. مصحفة. وفي (ب) و (د) : بفكره بخلاف. مصحفة. وفي (ب) و (د): من نظره.

(٣) في (د) : تحيّل.

(٤) في (ب) و (د) : ما يلزمه.

(٥) في (ب) و (د) : من.

(٦) في (ب) و (د) : دعوته.

٥٢٩

فهذه صفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلمه وفعله ونعته (١) ، وقد يزعمون أن للإمام أحواله كلها (٢) لا رسالته ، فأين صفة أئمتهم وأحوالهم من صفة النبي صلى الله عليه وعلى آله وأحوالها؟ وأين (٣) ما نرى من أفعال أئمتهم قديما وحديثا فيما وصفنا كله من أفعاله!؟ لا أين ، وإن كابروا!!! وأقروا بخلاف ذلك أو لم يقروا ، أولا يعلم أنه إذا كان وصيهم غير نذير ، ولا مذكر بما أمر الله به من التذكير ، ولم يكن إلى ما دعا إليه الرسول عليه‌السلام داعيا ، كان عند من يؤمن بالله واليوم الآخر من الهدى بريا قاصيا ، وإذا لم يكن بما كان به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله على من خالفه محتجا ، لم يكن منهجه عند من يؤمن بالله واليوم الآخر لرسول الله عليه‌السلام منهجا.

تم كتاب الرد على الرافضة والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وعلى آله وسلم تسليما كثيرا.

* * *

__________________

(١) في (ب) و (د) : وبعثه.

(٢) في (أ) و (ج) : كلها ورسالته.

(٣) في (ب) و (د) : ولين. مصحفة.

٥٣٠

الرد على الروافض

من أهل الغلو

٥٣١
٥٣٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم (١)

افترق من ادعا التشيع على ثلاثة عشر صنفا ، منهم اثنا عشر في النار وهم الروافض.

١ ـ صنف من الروافض يقال لهم : السحابية ، (٢) وهم يزعمون أن عليا حي لم يمت [ولا يموت] حتى يسوق العرب والعجم بعصاه ، وهم يزعمون أن عليا في السحاب.

٢ ـ وصنف آخر يقال لهم الكيسانية (٣) : وهم أصحاب محمد بن الحنفية ، (٤)

__________________

(١) في (ب) و (د) : الرد على أهل الغلو من أصحاب الروافض.

(٢) السحابية : نسبة إلى السحاب لقولهم : إن عليا في السحاب ، وإن البرق سيفه والرعد صوته. حتى قال فيهم الشاعر :

برئت من الخوارج لست منهم

ومن قول الروافض وابن داب

ومن قوم إذا ذكروا عليا

يردون السلام على السحاب

الحور ١ / ٢٠٦.

ورواه الحلبي في سيرته ٣ / ٣٦٩ ، والإمام يحيى بن حمزة في التصفية / ٤٢٢ ، قال (كان لهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عمامة تسمى (السحاب) كساها علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، فكان ربما طلع عليه علي كرم الله وجهه فيقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أتاكم علي في السحاب. يعني عمامته التي وهبها له صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٣) الكيسانية : نسبة إلى كيسان قيل : إنه لقب للمختار بن عبيد الثقفي لقبه به محمد بن الحنفية لكيسه ، ولما عرف من قيامه ومذهبه فيهم. فرق الشيعة للنوبختي ٧٤ ـ ٤٨.

وقيل نسبة إلى كيسان أبي عمرة وهو من الموالي ، وكان له غلو في علي عليه‌السلام ، وكان من أقوى أعوان المختار. العقد الثمين / ١٤. للإمام عبد الله بن حمزة.

قال أحد شعرائهم ، قيل : إنه كثير عزة ـ وكان كيسانيا ـ :

ألا إن الأئمة من قريش

ولاة الحق أربعة سواء

علي والثلاثة من بنيه

هم الأسباط ليس بهم خفاء

فسبط سبط إيمان وبر

وسبط غيبته كربلاء

وسبط لا يذوق الموت حتى

يقود الخيل يقدمها اللواء

تغيب لا يرى فيهم زمانا

برضوى عنده عسل وماء

(٤) محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي أبو القاسم المعروف بابن الحنفية. أحد الأبطال الشجعان ـ

٥٣٣

ويزعمون أنه لم يمت ولا يموت حتى يملأها عدلا كما ملئت جورا.

٣ ـ وصنف آخر يقال لهم : الرّاوندية (١).

٤ ـ (وصنف آخر يقال لهم : الموصية) ، (٢) قادوا الوصية إلى جعفر (٣) بن محمد ، وزعموا أن الوصية انتهت إليه وهم الروافض.

وافترقوا من عند جعفر ، وزعموا أن الوصية وراثة يرث ابن عن أب.

٥ ـ ثم افترقت منهم طائفة يزعمون أن جعفر أوصى إلى ابنه إسماعيل ، (٤) وإسماعيل مات قبل جعفر ، وزعموا أنه لم يمت ، وذلك الذي دفنه جعفر جذع نخلة ، وغيّبه جعفر تقية عليه ، وقادوا الوصية إلى ولده ، وهم يقال لهم : المباركية ، (٥) يصومون قبل رمضان بيومين ، ويفطرون قبل الفطر بيومين ، ويزعمون أن الشهر من غيبوبة الهلال إلى غيبوبته.

__________________

ـ الأشداء في صدر الإسلام أخو الحسن والحسين عليهم‌السلام غير أن أمهما فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، وأمه خولة بنت جعفر الحنفية ينسب إليها تمييزا له عنهما ، شارك أباه في جميع حروبه ومعاركه ولد بالمدينة سنة (٢١ ه‍) وتوفي بها سنة (٨١ ه‍) وقيل خرج إلى الطائف هاربا من ابن الزبير فمات هناك وأخباره طويلة. وللخطيب علي بن الحسين الهاشمي النجفي كتاب (محمد بن الحنفية) في سيرته. مطبوع.

(١) الروندية : نسبة إلى عبد الله بن الخرب الكنادي الكوفي الروندي العالم المشهور المتوفي سنة (٢٩٨) وقيل سنة (٣٠١) وهي القائلة بأن عبد الله بن محمد بن الحنفية أوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب.

(٢) سقط من (أ) و (ج) : ما بين القوسين. الموصية : نسبة إلى الوصية.

(٣) جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي ، أبو عبد الله الصادق إمام من أئمة المسلمين ، وعلم من أعلام الإسلام ، ولد سنة ٨٠ ه‍ وتوفي سنة ١٤٨ ه‍ روى عن أبيه ، وعن محمد بن المنكدر ، وعبيد الله بن أبي رافع ، وعطاء ، وعروة ، وجده لأمه القاسم بن محمد ، ونافع ، والزهري وغيرهم ، وعنه ابنه موسى وشعبة والسفيانان ، ومالك وأبو حنيفة ، وابن جريح وخلق كثير ، جمع الحافظ بن عقدة من روى عنه في كتاب فبلغوا أربعة آلاف رجل.

(٤) إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقر الهاشمي القرشي إليه تنسب فرقة الإسماعيلية وهي القائلة بإمامته بعد أبيه جعفر. كان رجلا صالحا وكان أكبر إخوته وكان أبوه شديد المحبة له والبر به ، مات في حياة أبيه بالعريض وحمل على رقاب الرجال إلى المدينة ودفن بالبقيع سنة (١٣٣ ه‍).

(٥) المباركية : نسبة إلى عظيم من عظمائهم يسمى المبارك. العقد الثمين / ٤٥ ، الحور العين / ٢١٦.

٥٣٤

٦ ـ وصنف آخر يقال لهم : الفطحية ، (١) منهم زرارة ، (٢) وحمران ، (٣) وبكير ، (٤)

__________________

(١) الفطحية : سموا فطحية لأن عبد الله بن جعفر كان أفطح الرأس ، وأفطح القدم ، أي عريضهما ، وقيل : إنما نسبوا إلى رجل من رؤسائهم يسمى عبد الله بن أفطح. العقد الثمين / ٤٥ ، الحور العين / ٢١٨.

رجال الكشي ٢ / ٥٢٤. إلا أنهما قالا : عبد الله بن فطيح.

(٢) زرارة : بن أعين بن سنسن الشيباني يعده الإمامية تارة من أصحاب الباقر ، وأخرى من أصحاب الصادق ، وثالثة من أصحاب الكاظم.

اسمه عبد ربه ويكنى أبا الحسن وزرارة لقّب به. معدود من فقهائهم ومتكلميهم له كتاب في الاستطاعة والجبر مات سنة (١٥٠ ه‍).

(٣) حمران بن أعين الشيباني أخور زرارة. معدود من أصحاب الباقر ، وقيل : الصادق ، أحد متكلمي الإمامية. ضعفه جماعة منهم.

(٤) بكير بن أعين الشيباني أخور زرارة وحمران ، أبو الجهم عد من أصحاب الباقر ، وقيل : الصادق ، مات في حياة الإمام الصادق لم يوثق نصا من رجال الجرح والتعديل الإمامية وإنما استفيد توثيقه من قرائن أخر ، كما قال المامقاني في توضيح المقال عند ترجمته.

وآل أعين كلهم متهمون في دينهم ، روى الكشي عن حنان بن سدير قال : (كنت أنا ومعي رجل أريد أن أسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عما قالت اليهود والنصارى والمجوس الذين أشركوا ، هو مما شاء الله أن يقولوا؟ قال : فقال لي : إن ذا من مسائل آل أعين ليس من ديني ولا دين آبائي. قال : قلت : ما معي مسألة غير هذه). رجال الكشي / ١٥٣ ، وتنقيح المقال ١ / ٤٤٤.

وروى الكشي أيضا عن عبد الرحمن القصير قال : (قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : ائت زرارة وبريدا فقل لهما ما هذه البدعة التي ابتدعتماها أما علمتما أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : كل بدعة ضلالة؟ قلت له : إني أخاف منهما فأرسل معي ليثا المرادي فأتينا زرارة فقلنا له ما قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، فقال : والله لقد أعطاني الاستطاعة وما شعر ، فأما بريد فقال : والله لا أرجع عنها أبدا). رجال الكشي / ١٤٨ ، وتنقيح المقال ١ / ٤٤٤.

وروى الكشي أيضا أن الإمام الصادق سأل أحد شيعته بقوله : متى عهدك بزرارة؟ قال : ما رأيته منذ أيام ، قال ـ أي الإمام الصادق ـ لا تبالي وإن مرض فلا تعده وإن مات فلا تشهد جنازته. قال ـ أي السائل ـ زرارة؟ متعجبا مما قال. قال ـ أي الصادق ـ نعم زرارة. زرارة شر من اليهود والنصارى ومن قال : إن الله ثالث ثلاثة. رجال الكشي / ١٦٠ ، وتنقيح المقال ١ / ٤٤٣.

وروى الكشي أيضا بسنده عن زياد بن أبي الحلال قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : (إن زرارة روى عنك في الاستطاعة شيئا فقبلناه منه وصدقناه وقد أحببت أن أعرضه عليك ، فقال : هاته ، فقلت : يزعم أنه سألك عن قول الله عزوجل : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ ـ

٥٣٥

ومحمد بن مسلم ، (١) وعمار الساباطي ، ..

__________________

ـ سَبِيلاً)؟ فقلت : من ملك زادا وراحلة. فقال : كل من ملك زادا وراحلة فهو مستطيع للحج وإن لم يحج؟ فقلت : نعم. فقال : ليس هكذا سألني ولا هكذا قلت ، كذب علي والله ، كذب علي والله ، كذب علي والله ، لعن الله زرارة ، لعن الله زرارة ، لعن الله زرارة ، إنما قال لي : من كان له زاد وراحلة فهو مستطيع للحج؟ قلت : قد وجب عليه. قال : فمستطيع هو؟ فقلت : لا حتى يؤذن له. قلت : فأخبر زرارة بذلك؟ قال : نعم. قال زياد : فقدمت الكوفة فلقيت زرارة فأخبرته بما قال أبو عبد الله وسكت عن لعنه ، قال ـ أي زرارة ـ أما أنه قد أعطاني الاستطاعة من حيث لا يعلم وصاحبكم هذا ليس له بصر بكلام الرجال). رجال الكشي / ١٤٧ ، وتنقيح المقال ١ / ٤٤٣ ، والخوئي في معجم رجال الحديث ٧ / ١٤١.

وروى الكشي أيضا عن مسمع بن كردين قال : سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : (لعن الله بريدا ولعن الله زرارة). رجال الكشي / ١٤٨ ، والخوئي ٧ / ٢٤٣.

وروى الكشي أيضا عن إسماعيل بن عبد الخالق ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ذكر عنده بنو أعين ، فقال : (والله ما يريد بنو أعين إلا أن يكونوا على غلب). رجال الكشي / ١٣٤.

وروى الكشي أيضا عن ميسر قال : (كنا عند أبي عبد الله عليه‌السلام فمرّت جارية في جانب الدار على عنقها قمقم قد نكسته ، قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : فما ذنبي إن الله قد نكس قلب زرارة كما نكست هذه الجارية القمقم). رجال الكشي / ١٦٠ ، وتنقيح المقال ١ / ٤٤٤.

وروى الكشي أيضا عن أبي مسكان قال : (سمعت زرارة يقول رحم الله أبا جعفر وأما جعفر فإن في قلبي عليه لفته ، فقلت له : وما حمل زرارة على هذا؟ قال : حمله على هذا أن أبا عبد الله أخرج مخازيه) رجال الكشي / ١٤٤ ، وتنقيح المقال ١ / ٤٤٤.

وروى الكشي أيضا بإسناده إلى ليث الراوي قال : سمعت أبا عبد الله عليه يقول : (لا يموت زرارة إلا تائها). رجال الكشي / ١٤٩ ، وتنقيح المقال ١ / ٤٤٣.

(١) محمد بن مسلم بن رباح أبو جعفر الأوقص الطحان ، عد من أصحاب الباقر ، وقيل : الصادق. وقيل : الكاظم مات سنة (١٥٠ ه‍) عن نحو سبعين سنة ، وردت أخبار عن الصادق بذمه ولعنه هو زرارة بن أعين. له كتاب الأربعمائة مسألة في الحلال والحرام.

عن عامر بن عبد الله بن جذاعة قال : (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن امرأتي تقول بقول زرارة ومحمد بن مسلم في الاستطاعة وترى رأيهما؟ فقال : ما للنساء وللرأي والقول لها ، إنهما ليسا بشيء في ولاية. قال : فجئت إلى امرأتي فحدثتها ، فرجعت عن ذلك القول). اختيار معرفة الرجال ١ / ٣٩٣ ٢٨٢).

وعن أبي الصباح قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : (يا أبا الصباح هلك المترئسون في ـ

٥٣٦

(١) ومعاوية بن عمار ، (٢) وكانوا يزعمون أن جعفرا أوصى إلى عبد الله (٣) ابنه ، وهو الإمام من بعده ، ثم أوصى عبد الله إلى موسى (٤).

٧ ـ وصنف آخر من الروافض (٥) يقال لهم : المفضلية (٦) ، زعموا أن موسى وصي جعفر وهو الإمام من بعده.

٨ ـ وصنف آخر يقال لهم : السبطية ، (٧) زعموا أن جعفر أوصى إلى محمد (٨) ابنه،

__________________

ـ أديانهم ، منهم زرارة ، وبريد ، ومحمد بن مسلم ، وإسماعيل الجعفي ، وذكر آخر لم أحفظ). اختيار معرفة الرجال ١ / ٣٩٤ (٢٨٣).

وعن مفضل بن عمر قال : (سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لعن الله محمد بن مسلم كان يقول : إن الله لا يعلم الشيء حتى يكون). اختيار معرفة الرجال ١ / ٣٩٤ (٢٨٤).

(١) عمار بن موسى أبو اليقظان الساباطي. عد من أصحاب الصادق ، وأخرى من أصحاب الكاظم ، قال في الفهرست : عمار بن موسى الساباطي وكان فطحيا له كتاب كبير جيد ، وكذلك قال عنه الكشي وغيره. ضعفه جماعة من الإمامية.

(٢) معاوية بن عمار أبو معاوية بن خباب بن عبد الله البجلي الرهبي أبو القاسم الكوفي من أصحاب الصادق له كتب منها الحج وكتاب يوم وليلة وكتاب الزكاة. مات سنة (١٥٠ ه‍) ضعفه وقدح فيه جماعة.

(٣) عبد الله بن جعفر الصادق أكبر إخوته بعد أخيه إسماعيل. خرج مع الإمام زيد بن علي عليه‌السلام.

(٤) موسى الكاظم بن جعفر الصادق أبو الحسن سابع الأئمة الاثني عشر عند الإمامية ولد سنة (١٢٨ ه‍) في الأبواء قرب المدينة ، كان من سادات بني هاشم ، ومن أعبد أهل زمانه ، وأحد كبار العلماء الأجواد ، حبسه هارون الرشيد في البصرة سنة واحدة ثم نقله إلى بغداد فتوفي فيها سجينا مسموما ، وقيل قتل سنة (١٨٣ ه‍).

(٥) سقط من (ب) و (د) : من الروافض.

(٦) المفضلية : نسبة إلى رئيس لهم كان صيرفيا يسمى المفضل. الحور العين / ٢٢٢. انظر رجال الكشي ٢ / ٦١٢ ـ ٦١٥.

(٧) السبطية ، لعلها نسبة إلى عمار الساباطي ، أحد رءوسهم.

ويقال : السمطية نسبة إلى يحيى بن أبي سمط. ويقال الشمطية نسبة إلى يحيى بن أبي شمط ، ولا يعدو أن يكون الاسم مصحفا.

(٨) محمد بن جعفر الصادق يكنى أبا جعفر ، كان فاضلا مقدما في أهله ، خرج بالمدينة وبويع بإمرة المؤمنين يوم الجمعة لثلاث خلون من شهر ربيع الآخر سنة مائتين ، وكان على مذهب الزيدية. قيل ـ

٥٣٧

وهو الإمام من بعده ، وهو مفقود.

٩ ـ وصنف آخر يقال لهم : الخطابية (١) : زعموا أن الإمامة انتقلت من جعفر إلى الخطاب ، والخطاب خليفة جعفر ووصيه ، وجعفر غائب حتى يرجع.

١٠ ـ وصنف آخر من الروافض من أصحاب موسى ، وقفوا على موسى وزعموا أن موسى حي لم يمت ، ولا يموت حتى يملأها عدلا كما ملئت جورا ، ويقال لهم الواقفة (٢) والممطورية.

١١ ـ وصنف آخر منهم يقال لهم القطعية ، (٣) وهم أصحاب علي بن موسى (٤).

__________________

ـ كتب رجل كتابا في أيام أبي السرايا يسب فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجميع أهل البيت ، وكان محمد بن جعفر معتزلا العمل السياسي الجهادي لم يدخل في شيء منه. فجاءه الطالبيون فقرءوه عليه فلم يرد عليهم جوابا حتى دخل بيته ، فخرج عليهم وقد لبس الدرع ، وتقلد السيف ، ودعا إلى نفسه وتسمى بالخلافة وهو يتمثل :

لم أكن من جناتها علم الله

وإني بحرّها اليوم صالي

شكا ذات يوم على مالك بن أنس عالم المدينة ما هم فيه وما يلقون فقال : اصبر حتى يجيء تأويل هذه الآية (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ).

وكان في أيام هارون وحاصره جيش هارون حتى تفرق عنه أصحابه فاضطر لأخذ الأمان لأصحابه من هارون. ومات بخراسان أيام المأمون.

قيل : عند ما خرجت جنازته دخل المأمون بين عمودي السرير فحمله حتى وضعه في لحده ، وقال : هذه رحم مجفوة منذ مائتي سنة ، وقضى دينه وكان عليه نحو ثلاثين ألف دينار.

(١) الخطابية : نسبة إلى أبي الخطاب محمد بن أبي زينب ، مولى لبني أسد. الحور العين / ٢٢٠. كان يدعي أن الصادق عليه‌السلام جعله قيمه ووصيه من بعده ، وأنه علمه اسم الله الأعظم ، ثم ترقى إلى أن ادعى النبوة ، ثم ادعى الرسالة ، ثم ادعى أنه من الملائكة ، وأنه رسول الله إلى أهل الأرض والحجة عليهم.

(٢) الواقفة : سموا بذلك لوقوفهم على موسى بن جعفر ، وسموا بالممطورية لأن رجلا منهم ناظر يونس بن عبد الرحمن ، وهو من القطعية ، فقال له يونس : لأنتم أنتن من الكلاب الممطورة. أي : المبتلة بالمطر.

العقد الثمين / ٤٦ ، والحور العين / ٢١٩.

(٣) القطعية : سموا بذلك لقطعهم بموت موسى بن جعفر.

(٤) في جميع المخطوطات علي بن محمد ولعله سهو من النساخ والأصح علي بن موسى الرضا.

علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق ولد بالمدينة سنة (١٥٣ ه‍) وقيل غير ذلك ، ثامن ـ

٥٣٨

١٢ ـ وصنف آخر منهم يقال لهم البشرية ، (١) وهم من أصحاب علي بن محمد أيضا يزعمون أنا إذا عرفنا إمام زماننا فليس علينا شيء من الأعمال لا صلاة ولا صوم ، ولا زكاة ولا حج ، ولا شيء من الفرائض ، حتى يظهر حكم صاحبنا ، لأنا في الفترة ، وقد غيّرت وبدّلت الأحكام والفرائض ، فليس علينا من هذا شيء إلى يوم القيامة.

وكل من قال بجعفر من الروافض يزعم أن الإمام يخلق عالما ، وطبعه العلم ، والعلم مطبوع فيه ، ويزعمون أن الإمام يعلم الغيب ، ويعلم ما في تخوم الأرضين السابعة السفلى ، وما في السماوات السابعة العليا ، وما في البر والبحر ، والليل والنهار (٢) عنده

__________________

ـ الأئمة الاثنى عشر عند الإمامية من أجلاء أهل البيت وفضلائهم ، أحبه المأمون العباسي فعهد إليه بالخلافة من بعده ، وزوجه ابنته ، وضرب اسمه على الدينار والدرهم ، وغيّر من أجله الزي العباسي الذي هو السواد ، فجعله أخضر ، وكان هذا شعار أهل البيت ، وتوفي سنة (٢٠٣ ه‍) بطوس. قيل : سمه المأمون ، ودفنه إلى جانب أبيه الرشيد.

(١) البشرية : نسبة إلى محمد بن بشير ، كان صاحب شعبذة ومخاريق. ادعا أن موسى بن جعفر كان ظاهرا بين الخلق يرونه جميعا ، يتراءى لأهل النور بالنور ، ولأهل الكدورة بالكدورة في مثل خلقهم ، بالإنسانية والبشرية اللحمانية ، ثم حجب الخلق جميعا عن إدراكه. رجال الكشي ٢ / ٧٧٥.

(٢) بوّب الكليني في كتابه الكافي بابا مستقلا تحت عنوان «إن الأئمة عليهم‌السلام يعلمون علم ما كان وما يكون وإنه لا يخفى عليهم الشيء».

ونقل عن الإمام جعفر الصادق أنه قال : إني أعلم ما في السماوات والأرض ، وأعلم ما في الجنة وما في النار ، وأعلم ما كان وما يكون. الأصول من الكافي كتاب الحجة ١ / ٢٦١.

ونقل عن الإمام الباقر أنه قال : لا يكون والله عالم جاهلا أبدا ، عالما بشيء جاهلا بشيء ، ثم قال : الله أجل وأعز وأكرم من أن يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه وأرضه ، ثم قال : لا يحجب ذلك عنه. المصدر السابق ١ / ٢٦٢.

وعن سالم بن قبيصة قال : شهدت علي بن الحسين عليه‌السلام يقول : أنا أول من خلق الله وآخر من يهلكها (كذا) ، فقلت : يا بن رسول الله وما آية ذلك؟ قال : آية ذلك أن أرد الشمس من مغربها إلى مشرقها ومن مشرقها إلى مغربها ، فقيل له : افعل ذلك ، ففعل. دلائل الإمامة / ٨٥٨٤.

وأن الأئمة يعلمون متى يموتون ، وأنهم يموتون باختيار منهم. الأصول من الكافي ١ / ٢٥٨.

وأن الأئمة لو ستر عليهم لأخبروا كل امرئ بما له وما عليه. المصدر السابق ١ / ٢٦٤.

وعند الأئمة علم لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل. المصدر السابق ١ / ٤٠٢.

٥٣٩

مجرى واحدا. فسبحان الله!! وما هذه إلا صفات (١) رب العالمين!!

فكيف يخلقون علماء ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يخلق عالما ، ولم يكن طبعه العلم ، ولم يعلم إلا بعد تعلّم ، ولم يعرف حتى عرّف! وكيف وقد حدّث بعض أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن آبائه (٢) قال : قال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (أنا عبد مخلوق مربوب لم أكن نبيئا فنبئت ، ولم أكن رسولا

__________________

وأن الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شيء فيه روح. قرب الإسناد للحميري / ١٤٦ طبعة مكتبة نينوى طهران.

وعن المفضل بن عمر قال : قلت لأبي عبد الله : جعلت فداك ما لإبليس من السلطان؟ قال : ما يوسوس في قلوب الناس ، قلت : ما لملك الموت؟ قال : يقبض أرواح الناس. قلت : وهما سلطان على من في المشرق والمغرب؟ قال : نعم. قلت : فما لك أنت جعلت فداك من السلطان؟ قال : أعلم ما في المشرق والمغرب وما في السماوات والأرض وما في البر والبحر وعدد ما فيهن ، وذلك لا لإبليس ولا لملك الموت. دلائل الإمامة / ١٢٤.

وعن يزيد بن عبد الملك قال : كان لي صديق وكان يكثر الرد على من قال إنهم يعلمون الغيب. قال : فدخلت على أبي عبد الله فأخبرته بأمره ، فقال : قل له إني والله لأعلم ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما دونهما. دلائل الإمامة / ١٢٦.

وعن إبراهيم بن منصور ، قال : رأيت الحسن بن علي وقد خرج مع قوم يستسقون ، فقال للناس : أيما أحب إليكم المطر أم البرد أم اللؤلؤ؟ فقالوا : يا بن رسول الله ما أحببت ، فقال : على أن لا يأخذ أحد منكم لدنياه شيئا بالثلاثة ، قال : ورأيناه يأخذ الكواكب من السماء ثم يرسلها فتطير كما تطير العصافير إلى مواضعها. دلائل الإمامة / ٦٤.

وعن محمد بن راشد عن أبيه ... في حديث طويل قال في آخره : قال يعني الصادق : إنكم معاشر أهل الحديث تركتم العلم. فقلت له : يرحمك الله أنت إمام هذا الزمان؟ قال : نعم والله إني إمام هذا الزمان. فقلت : علامة ودليل. فقال : سلني عما بدا لك أخبرك به إن شاء الله. فقلت : إن أخا لي مات في هذه المقبرة فأمر أن يحيا. فقال لي : وما أنت أهل لذلك ، ولكن أخوك ما كان اسمه؟ فقلت : أحمد. فقال : يا أحمد ، قم بإذن الله تعالى ، وبإذن جعفر بن محمد ، فقام والله ويقول : يا أخي اتبعه ، وحلفني بالطلاق والعتاق ألا أخبر أحدا.

الخرائج والجرائح ٢ / ٧٤٢ ، مدينة المعاجز : ٤٠٩ / ٩٩.

(١) في (ب) و (ج) : وما هذه إلا صفة. وفي (ب) و (د) : وما هذه الصفة إلا صفة.

(٢) في (ب) و (د) : آبائهم.

٥٤٠