مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ١

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ١

المؤلف:

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام


المحقق: عبدالكريم أحمد جدبان
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الحكمة اليمانية للتجارة والتوكيلات العامة
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٩٧
الجزء ١ الجزء ٢

فكذلك يبقى فيها يوم القيامة ، وفي الآخرة الباقية الدائمة ، من أطاع الله في هذه الحياة الدنيا ، وقام بما يجب له عليه فيها من التقوى ، فيدوم في الجنة له النعيم والتخليد ، ويبقى له ما هو فيه من نعيمها فلا يبيد ، فطاعة الله مفتاح الخلد في الجنة ، واليقين بالله مفتاح كل طاعة وحسنة ، فأيقن بالله تحسن ، وأحسن لله تؤمن.

[صفات المؤمن]

واعلم يا بني أنك لن توقن حتى تعرف الموقنين ، ولن تؤمن حتى تؤمن (١) للمؤمنين ، ومن الموقنين أبوك إبراهيم خليل الرحمن ، والمؤمنون فمن (٢) أمن من الكفر وكبائر العصيان (٣) ، وأعمال الموقنين من البر فدليل على إيقانهم ، وترك المؤمنين (٤) للكفر وكبائر العصيان فحقيقة إيمانهم ، فاسمع يا بني لخبر الله الذي لا خبر كخبره (٥) عن يقينهم ، وما كانوا يعملون به لله في دينهم ، من الصالحات ، ويسارعون فيه من الخيرات ، فإنه يقول سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ)(٦١) [المؤمنون : ٥٧ ـ ٦١].

ويقول سبحانه : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)) [الأنفال : ٢ ـ ٤].

__________________

(١) أي : تصدق.

(٢) في (ص) : ممن.

(٣) في (أ) و (ج) : كبائر الكفر والعصيان.

(٤) في (أ) و (ب) و (ج) و (و) و (ه) : لكبائر الكفر والعصيان. وفي حواشي (و) كما أثبت.

(٥) في (ص) : كخبر.

٢٤١

ويقول عزوجل : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٢)) [النور : ٦٢].

ويقول سبحانه : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥)) [الحجرات : ١٥]. وقال عز من قائل : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)) [السجدة : ١٦ ـ ١٧].

أنظر كيف وصفهم الله سبحانه بالخشوع (١) والدين ، بما نسبه مما سكن قلوبهم من حقيقة اليقين ، فأولئك هم الذين وصفهم الله بالايمان وحلّاهم ، وسمّاهم به في كتابه ودعاهم ، ولهم أوجب الجنان والرحمة ، ومنه استحقوا الرضوان والعصمة ، فمن خرج من (٢) صفتهم ونعتهم فغير مؤمن ولا نعمى عين (٣) ، ولا مستوجب من الله الرحمة ولا (٤) الرضوان في يوم الدين ، وداره غير دار المؤمنين ، ومثواه من النار مثوى الظالمين.

وقد زعم غيرنا أن من لم يؤمن كبير (٥) عصيانه ـ فيكون لأحد منه أمان بإيمانه ، ممن ذكر الله بالإيمان وحلّى ـ أنه ولي لله سبحانه فيمن تولى!! خلافا على الله ومشاقة!! ومجانبة لكتاب الله ومفارقة.

وزعم أن الله لا يعذب من أقر به وبرسله وكتبه بلسانه ، وإن ارتكب كل كبيرة من كبائر عصيانه ، تمنّيا على الله وافتراء ، واستكبارا عن تبيانه (٦) واجتراء!!

__________________

(١) في (أ) و (د) و (ه) : في الخشوع.

(٢) في (ب) و (ج) : عن.

(٣) أي : قرار عين.

(٤) سقط من (أ) : ولا.

(٥) في (ب) و (ج) و (و) و (ه) : كثير.

(٦) في (ص) و (ج) : ببيانه.

٢٤٢

فاسمع يا بني لقول الله في خلافهم ، وما وصف فيما زعموا من خلاف أو صافهم ، فإنه يقول سبحانه : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٦٥)) [النساء : ٦٥]. فلم يرض سبحانه منهم له بالتحكيم ، دون ما وصف من الرضى والتسليم ، فقال سبحانه : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ). وقالوا هم : بلى خلافا على الله هم مؤمنون!! والاقرار بالله ورسله ، غير الرضى والتسليم لحكمه ، فأيّ خلاف ـ لقائل أو اختلاف ، أو فرط عن قول بغير حق أو إسراف ـ أبين مما تسمع وترى ، مما قالوه جرأة وافتراء.

ويقول سبحانه : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٦٢) [النور : ٦٢]. واستئذانهم له ، غير إقرارهم بالله وبرسوله ، فأين ما قالوا في الايمان ووصفوا (١)؟! مما قال الله به إن أنصفوا!! والله يقول سبحانه : (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ)(٤٥) [التوبة : ٤٤ ـ ٤٥]. فالله يقول : لا يؤمنون بالله إن استأذنوا!! وهم يقولون : بلى إن أقروا فقد آمنوا!!

فأيّ مجاهرة لله بخلاف ، أو مقالة بغير حق في إسراف ، أبين على الله خلافا ، أو في قول بغير حق إسرافا ، من قول هذا مخرجه ، وسبيل أهله في القول ومنهجه؟! أو ما سمعوا لقول الله تبارك وتعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١) [الأنفال : ١]. يخبر سبحانه أنهم إن لم يطيعوا أمر رسوله ويقبلوه ، ويفعلوا ما يأمرهم به (٢)

__________________

(١) في (أ) : فوصفوا.

(٢) سقط من (أ) : به.

٢٤٣

أن يفعلوه ، فليسوا مؤمنين به لا ولا بالله ربه ، ولا برسل الله وكتبه.

أو ما سمعوا لقوله سبحانه : (* وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤١) [الأنفال : ٤١]. يقول سبحانه لمن شهد من المهاجرين والأنصار بدرا ، وكان له ولرسوله من عدوهما منتصرا ، إن كنتم بما وصفت آمنتم ، فامضوا لما (١) به أمرتم ، فان لم تمضوه على ما نزلت من حكمه ، فلستم بمستحقين لثواب الايمان ولا اسمه.

فأي حجة لمحتج أقوى ، أو ضياء نور أضوأ ، فيما اختلفنا ، ووصفوا وصفنا ، مما تلونا جملا (٢) لا تأويلا ، ووحيا أنزله الله (٣) تنزيلا.

فاسمع في ذلك يا بني عن الله تنزيل وحيه ، وما نزّل فيه صراحا مكشوفا على نبيه ، فإنه يقول : (وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) [النور : ٤٤]. فالله تبارك وتعالى يقول وما أولئك بالمؤمنين ، وهم يقولون بلى إذا كانوا بالله وبما (٤) جاء من عنده مقرّين!! وإنما أخرجهم الله من الإيمان بتولّيهم ، وبذلك نزل وحيه فيهم ، وعليه عاتبهم لا على إنكار ، ألا ترى أن قولهم آمنا قول إقرار ، لم يدعهم إليه ، ولم يعاتبهم فيه.

[اعرف الحق تعرف أهله]

فاعرف الحق يا بني ومن خالفه ، فإنك تعرف حينئذ الحق ومن آلفه ، واعلم أن معرفة الحق قسمان معلومان ، وجزءان عند المحقين مقسومان :

__________________

(١) في (أ) و (د) و (ه) : ما به.

(٢) في (د) و (ه) : مجملا.

(٣) سقط من (ب) و (ج) : الله.

(٤) في (أ) و (د) و (ه) : وما.

٢٤٤

أحدهما : معرفة الحق في نفسه ونعته ، وما أبانه الله به من ضياء بينته.

والآخر : معرفة ما خالفه من الباطل ، والبراءة إلى الله من جهل كل جاهل ، فاعرفهما جميعا تعرف الحق وتوقنه ، وتعرف قبح كل أمر كان أو يكون وحسنه ، ولا تغتر بهما جاهلا (١) ، ولا تكن لواحد منهما معطلا ، فتجهل بعض الحق أو تعطله ، ولا يؤمن أن ترتكب بعض الباطل أو تفعله ، ومتى لا تعرف الباطل لا تتبرأ من أهله ، ومن لا يتبرأ من المبطل حلّ من السخط في محله ، ومتى تجهل بعض الحق ، لا تؤمن من (٢) البراءة من المحقّ ، ومن تبرأ من المحقين تبرأ الله منه ، ومن أعرض عنه المحقون ـ سخطا ـ أعرض الله عنه ، والمحقون من خلق الله فهم المؤمنون ، والمؤمنون فهم البررة الرحماء المتحابّون ، والمتحابون فهم المحبون في الله لمن أحبهم وتولاهم ، والمعاندون لمن حاد الله ربهم ومولاهم.

فاسمع يا بني لما ذكر الله في ذلك سبحانه عنهم ، وعرّف أولياءه في ذلك منهم ، إذ يقول لا شريك له : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٧١) [التوبة : ٧١]. ويقول سبحانه : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٢٢) [المجادلة : ٢٢]. ومحادة الله تبارك وتعالى في حدوده ، خلاف المخالفين فيما حدد من أمره وعهوده ، فالله يقول سبحانه : (لا تَجِدُ) وهم يقولون : بلى هم كثير موجودون ، والله يشهد سبحانه ومن قبل وحيه على خلاف ما عليه يشهدون. وما في كتاب الله من بيان خلافهم ، وشهادته بغير أوصافهم ، فكثير بمنّ الله جم ، يخص من بيان الله فيه ويعم.

__________________

(١) في (أ) و (د) : جهلا.

(٢) في (د) و (ه) : لا تؤمن على. وفي (ب) و (ج) : لا تؤمن البراءة.

٢٤٥

[أئمة الجور من أسباب الضلال]

وليس لقلة ذلك ولا عسره ، ولا لملتبس (١) لبس من أمره ، ضل القوم عنه ولا تاهوا ، ولكن لما (٢) سنّ فيهم ملوك بني أمية (٣) وشبهوا ، ولقهر بني أمية لهم وغلبة

__________________

(١) في (ه) : بملتبس.

(٢) في (ب) ، ج : بما.

(٣) أخرج الترمذي عن سفينة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ، ثم ملك بعد ذلك) ثم قال لي سفينة : أمسك عليك خلافة أبي بكر ، ثم قال وخلافة عمر ، وخلافة عثمان ، ثم قال أمسك علي فوجدناها ثلاثين سنة. قال سعيد فقلت له : إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم ، قال كذب بنو الزرقاء : بل هم ملوك من شر الملوك). تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي ٦ / ٤٧٦ (٢٣٢٦). والزرقاء : امرأة من أمهات بني أمية. وأخرجه أبو داود في سننه ٢ / ٦٢٢ (٤٦٤٦).

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن يعلى بن مرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (أريت بني أمية على منابر الأرض ، وسيملكونكم ، فتجدونهم أرباب سوء). واهتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك : فأنزل الله (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلى فتنة للناس).

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عمر رضي الله عنهما : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر ، كأنهم قردة). وأنزل الله في ذلك (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلى فتنة للناس ، والشجرة الملعونة). يعنى الحكم وولده.

وأخرج ابن مردويه ، عن عائشة رضي الله عنها : أنها قالت لمروان بن الحكم : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : لأبيك وجدك (إنكم الشجرة الملعونة في القرآن).

وعن الأسود ، قلت لعائشة : ألا تعجبين لرجل من الطلقاء ينازع أصحاب محمد الخلافة؟ قالت : وما يعجب؟! هو سلطان الله ، يؤتيه البر ، والفاجر ، قد ملك فرعون مصر. سير أعلام النبلاء ٣ / ٩٥.

وعن أبي ذر قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إذا بلغت بنو أمية أربعين اتخذوا عباد الله خولا ، ومال الله نحلا ، وكتاب الله دغلا. أخرجه الحاكم في المستدرك ٤ / ٤٧٩. وذكره في كنز العمال ٦ / ٣٩ ، وقال : ومال الله دخلا ، وقال أخرجه ابن عساكر.

وعن أبي برزة الأسلمي قال : كان أبغض الأحياء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنو أمية ، وبنو حنيفة ، وثقيف. أخرجه الحاكم في المستدرك ٤ / ٤٨٠. وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. وذكره الهيثمي أيضا في مجمعه ١٠ / ٧١. وقال : رواه أبو يعلى.

وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن أهل بيتي سيلقون من ـ

٢٤٦

__________________

ـ بعدي من أمتي قتلا وتشريدا ، وإن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية ، وبنو المغيرة ، وبنو مخزوم. أخرجه الحاكم في المستدرك ٤ / ٤٨٧. وقال هذا حديث صحيح الاسناد. وذكره المتقي في كنز العمال ٦ / ٤٠. وقال : أخرجه نعيم بن حماد في الفتن.

عن بجالة قال : قلت لعمران بن حصين : حدثني عن أبغض الناس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : تكتم عليّ حتى أموت؟ قلت : نعم. قال : بنو أمية ، وثقيف ، وبنو حذيفة. قال أخرجه نعيم بن حماد في الفتن. كنز العمال ٦ / ٦٨.

عن أبي عثمان النهدي عن عمران بن حصين قال : توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يبغض ثلاث قبائل ، بنو حنيفة ، وبني مخزوم ، وبني أمية ، قال : رواه هشام بن حسان عن عمران بن حصين. حلية الأولياء لأبي نعيم ٦ / ٢٩٣.

وعن علي عليه‌السلام في قوله : (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا). قال : هما الأفجران من قريش ، بنو أمية ، وبنو المغيرة ، فأما بنو المغيرة فقطع الله دابرهم يوم بدر ، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين. كنز العمال ١ / ٢٥٢. قال أخرجه ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والطبراني في الجامع الصغير.

وذكره السيوطي أيضا في الدر المنثور في تفسير الآية في سورة إبراهيم ، وقال أخرجه الطبراني في الأوسط ، والحاكم وصححه ، قال : وأخرج ابن مردويه عن علي عليه‌السلام أنه سئل عن (الذين بدلوا نعمة الله كفرا). قال : بنو أمية ، وبنو مخزوم رهط أبي جهل.

وذكره المتقي أيضا بعينه في كنز العمال ١ / ٢٥٢. وقال : أخرجه ابن مردويه عن علي عليه‌السلام.

وعن ابن مسعود قال : إن لكل دين آفة وآفة هذا الدين بنو أمية. كنز العمال ٧ / ١٤٢. قال : أخرجه نعيم بن حماد في الفتن.

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إني رأيت في منامي كأن بني الحكم بن العاص؟ ينزون؟ على منبري كما؟ تنزو؟ القردة. أخرجه الحاكم في المستدرك ٤ / ٤٨٠. قال : فما رئي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستجمعا ضاحكا حتى توفي. قال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.

وذكره المتقي باختلاف يسير. كنز العمال ٦ / ٤٠. وقال : أخرجه أبو يعلى والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة وفي (ص ٩٠). وقال : أخرجه البيهقي في الدلائل ، وابن عساكر وفي (ص ٩٠) ثانيا وقال : أخرجه أبو يعلى ، وابن عساكر.

وفي ذيل تفسير قوله تعالى في تفسير الفخر الرازي الكبير : (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ، والشجرة الملعونة في القرآن). في سورة بني إسرائيل قال : واختلفوا في هذه الشجرة ـ إلى أن قال ـ : القول الثاني. قال ابن عباس : الشجرة بنو أمية ـ يعني الحكم بن أبي العاص. قال : ورأى رسول الله ـ

٢٤٧

__________________

ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام أن ولد مروان يتداولون منبره ، فقص رؤياه على أبي بكر وعمر وقد خلا في بيته معهما ، فلما تفرقوا سمع رسول الله الحكم يخبر برؤيا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاشتد ذلك عليه ، واتهم عمر في إفشاء سره ، ثم ظهر أن الحكم كان يستمع إليهم فنفاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ إلى أن قال ـ : ومما يؤكد هذا التأويل قول عائشة لمروان : لعن الله أباك وأنت في صلبه فأنت بعض من لعنة الله.

وفي ذيل تفسير قوله تعالى : (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ، والشجرة الملعونة في القرآن).

في سورة الإسراء من تفسير السيوطي الدر المنثور. قال : وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنهم القردة وأنزل الله في ذلك (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ، والشجرة الملعونة). يعني الحكم وولده.

وقال أيضا : وأخرج ابن مردويه عن عائشة أنها قالت لمروان بن الحكم : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لأبيك وجدك : إنكم الشجرة الملعونة.

وعن عبد الرحمن بن عوف قال : كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعا له فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال : هو الوزغ بن الوزغ الملعون ابن الملعون. أخرجه الحاكم في المستدرك ٤ / ٤٧٩ قال : هذا حديث صحيح الاسناد.

وعن محمد بن زياد قال : لما بايع معاوية لابنه يزيد قال مروان : سنة أبي بكر وعمر. فقال عبد الرحمن بن أبي بكر : سنة هرقل وقيصر. فقال : أنزل الله فيك (والذي قال لوالديه أف لكما). الآية. قال : فبلغ عائشة فقالت : كذب والله ما هو به ولكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه. فمروان قصص من لعنة الله عزوجل. أخرجه الحاكم في المستدرك ٤ / ٤٨١. قال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.

وذكره السيوطي أيضا في الدر المنثور في تفسير قوله تعالى : (والذي قال لوالديه أف لكما). في سورة الأحقاف. وقال : أخرجه عبد بن حميد ، والنسائي ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، عن محمد بن زياد. وقال : فضفض من لعنة الله.

وعن عمرو بن مرة الجهني ـ وكانت له صحبه ـ إن الحكم بن أبي العاص استأذن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صوته وكلامه ، فقال : ائذنوا له عليه لعنة الله عليه وعلى من يخرج من صلبه ، إلا المؤمن منهم وقليل ما هم ، يشرفون في الدنيا ويوضعون في الآخرة ، ذو مكر وخديعة ، يعطون في الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق. أخرجه الحاكم في المستدرك ٤ / ٤٨١. قال : هذا حديث صحيح الاسناد.

وذكره المتقي ، وقال : أخرجه أبو يعلى ، والطبراني ، والبيهقي ، وابن عساكر. كنز العمال ٦ / ٨٩.

وعن عبد الله بن الزبير أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن الحكم وولده. المستدرك ٤ / ٤٨١ ،

٢٤٨

__________________

ـ قال : هذا حديث صحيح الاسناد.

ثم قال ليعلم طالب العلم أن هذا باب لم أذكر فيه ثلث ما روي ، وأن أول الفتن في هذه الأمة فتنتهم ، ولم يسعني فيما بيني وبين الله تعالى أن أخلي الكتاب من ذكرهم.

وفي كنز العمال ٦ / ٩٠ ذكر حديثا عن يحيى النخعي قال : فيه فغضب الحسن عليه‌السلام وقال له ـ يعني لمروان ـ أقلت : أهل بيت ملعونون فو الله لقد لعنك الله على لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنت في صلب أبيك .. قال : أخرجه ابن سعد ، وأبو يعلى ، وابن عساكر.

وعن زهير بن الأرقم قال : كان الحكم بن أبي العاص يجلس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وينقل حديثه إلى قريش فلعنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما يخرج من صلبه إلى يوم القيامة. كنز العمال ٦ / ٩٠. قال : أخرجه ابن عساكر.

وعن عبد الله بن الزبير قال وهو على المنبر : ورب هذا البيت الحرام والبلد الحرام إن الحكم بن أبي العاص وولده ملعونون على لسان محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. كنز العمال ٦ / ٩٠. قال : أخرجه ابن عساكر.

وعن ابن الزبير أنه قال وهو يطوف بالكعبة : ورب هذه البينة لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحكم وما ولد. كنز العمال ٦ / ٩٠. قال أخرجه ابن عساكر.

وعن عبد الله بن عمرو قال : كنا جلوسا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد ذهب عمرو بن العاص يلبس ثيابه ليلحقني فقال ونحن عنده : ليدخلن عليكم رجل لعين ، فو الله ما زلت وجلا خارجا وداخلا حتى دخل فلان ـ يعني الحكم ـ. الهيثمي في مجمعه ١ / ١١٢. قال : رواه أحمد.

وعن حلام بن جذل الغفاري قال : سمعت أبا ذر جندب بن جنادة الغفاري يقول : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله دولا ، وعباد الله خولا ، ودين الله دغلا. قال حلام فأنكر ذلك على أبي ذر فشهد علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، أني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ما أظلت الخضراء ، ولا أقلت الغبراء ، على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ، وأشهد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قاله. أخرجه الحاكم في المستدرك ٤ / ٤٧٩. قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.

وفي كنز العمال ٦ / ٣٩ : إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله بينهم دولا ، وعباد الله خولا ، وكتاب الله دغلا ، فإذا بلغوا تسعة وتسعين وأربعمائة كان هلاكهم أسرع من لوك تمرة. قال : أخرجه الطبراني ، والبيهقي عن معاوية وابن عباس.

وذكره بنحو أبسط. / ٩١. فقال : عن ابن موهب أن معاوية بينا هو جالس وعنده ابن عباس إذ دخل عليهم مروان بن الحكم في حاجة فقال : اقض حاجتي يا أمير المؤمنين ، فو الله إن مئونتي لعظيمة ، وإني أبو عشرة وعم عشرة وأخو عشرة ، فلما أدبر قال معاوية لابن عباس : أما تعلم أن رسول الله صلى ـ

٢٤٩

__________________

ـ الله عليه وآله وسلم قال : إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين رجلا ، اتخذوا مال الله دولا ، وعباده خولا ، وكتابه دخلا ، فإذا بلغوا تسعة وتسعين وأربعمائة كان هلاكهم أسرع من لوك التمرة. وفي لفظ لوك تمرة.

قال ابن عباس : اللهم نعم ، ثم إن مروان رد عبد الملك إلى معاوية في حاجة فلما أدبر عبد الملك قال معاوية : أنشدك بالله يا بن عباس أما تعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ذكر هذا فقال : أبو الجبابرة الأربعة؟ قال : اللهم نعم ، قال : أخرجه البيهقي في الدلائل ، وابن عساكر.

وفي كنز العمال ٦ / ٣٩ : إن هذا سيخالف كتاب الله وسنة نبيه ، وسيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء ، وبعضكم يومئذ شيعته ـ يعني الحكم بن أبي العاص ـ قال : أخرجه الدارقطني ، في الأفراد عن ابن عمر. وذكره في ص ٤٠. وقال : أخرجه الطبراني عن ابن عمر.

وفي ص ٩٠ بنحو أبسط ، فقال : عن ابن عمر قال : هجرت الرواح إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجاء أبو الحسن ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أدن فلم يزل يدنيه حتى التقم أذنيه فبينما النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسارّه إذ رفع رأسه كالفزع. قال فدعّ الحكم بسيفه الباب فقال لعلي عليه‌السلام : اذهب فقده كما تقاد الشاة إلى حبالها ، فإذا علي عليه‌السلام يدخل الحكم بن أبي العاص آخذا بإذنه له زنمة حتى أوقفه بين يدي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلعنه نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثا ثم قال : أحله ناحية حتى راح إليه قوم من المهاجرين ثم دعا به فلعنه ثم قال : إن هذا سيخالف كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء. فقال ناس من القوم : هو أقل وأذل من أن يكون هذا منه! فقال : بلى وبعضكم يومئذ شيعته. قال أخرجه الدارقطني في الأفراد ، وابن عساكر.

وعن عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمر بن سعيد ، قال : أخبرني جدي ، قال : كنت جالسا مع أبي هريرة في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة ، ومعنا مروان ، قال : أبو هريرة : سمعت الصادق المصدوق يقول : هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش ، فقال مروان : لعنة الله عليهم غلمة. فقال أبو هريرة : لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت. فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام فإذا رآهم غلمانا أحداثا قال لنا : عسى هؤلاء أن يكونوا منهم ، قلنا : أنت أعلم. صحيح البخاري ٦ / ٢٥٨٩ (٦٦٤٩).

يقول الشارح ابن حجر العسقلاني في فتح الباري : ١٣ ـ ٧ ، ٨ : إن أبا هريرة كان يمشي في السوق ويقول : اللهم لا تدركني سنة ستين ولا إمارة الصبيان.

قال الشارح : وفي هذا إشارة إلى أن أول الأغيلمة كان سنة ستين ، وهو كذلك فإن يزيد بن معاوية استخلف فيها وبقي إلى سنة (٦٤ ه‍) ، فمات ثم ولي ولده معاوية ، ومات بعد أشهر. وقال الشارح أيضا : إن أول هؤلاء الغلمان يزيد كما دل عليه قول أبي هريرة سنة ستين وإمارة الصبيان. ثم قال الشارح : تنبيه ، يتعجب من لعن مروان الغلمة المذكورين مع أن الظاهر أنهم من ولده ، فكأن الله تعالى ـ

٢٥٠

سلطانهم ، قوي عليهم فيه سلطان شيطانهم ، فألفوه حتى أنسوا به لطول الصحبة ، وعز فراقه في أنفسهم لما كان يكون في خلافه من الأنكال المعطبة (١) ، ولمّا كان من جهله يومئذ لديهم منكلا محروما ، عاد مجهوله يومئذ فيهم بعد جهله معلوما ، ثمّ خلفت من بعدهم أخلاف السوّ ، التي أتت (٢) عداوتها للاسلام من وراء عداوة كل عدو ، فكانت أكلف (٣) بما سنّ لها أسلافها كلفا ، وأسرف في الاحتجاج للباطل سرفا ، فالله المستعان للمحقين عليهم وفيهم ، وفيما خالفوهم فيه من حكم ربهم عليهم ، فقد أصبحوا وأمسوا عن الحق بكما وصما وعميا ، وصاروا هم وأئمتهم من بني أمية لأنفسهم في ذلك داء دويا (٤) ، لا يقبل شفاء الأدوية ، ولا يسوغ فيه ولا ينفع دواء الأشفية ، كما لا يسوغ في البكم ، ولا في العمى ولا في الصّمم ، دواء ولا شفاء أبدا ، إلا أن يكون

__________________

ـ أجرى ذلك على لسانه ليكون أشد في الحجة عليهم ، لعلهم يتعظون ، وقد وردت أحاديث في لعن الحكم والد مروان وما ولد. أخرجها الطبراني ، وغيره غالبها فيه مقال وبعضها جيد.

وفي الصواعق المحرقة لابن حجر (ص ١٣٤) : ومات ـ يعني يزيد ابن معاوية ـ سنة أربع وستين لكن عن ولد شاب صالح عهد إليه فاستمر مريضا إلى أن مات ولم يخرج إلى الناس ولا صلى بهم ، ولا أدخل نفسه في شيء من الأمور ، وكانت مدة خلافته أربعين يوما ، وقيل : شهرين ، وقيل : ثلاثة أشهر ، ومات عن إحدى وعشرين سنة ، وقيل : عشرين ، قال : ومن صلاحه الظاهر أنه لما ولي صعد المنبر فقال : إن هذه الخلافة حبل الله ، وإن جدي معاوية نازع الأمر أهله ، ومن هو أحق به منه علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وركب بكم ما تعلمون حتى أتته منيته ، فصار في قبره رهينا بذنوبه ، ثم قلد أبي الأمر وكان غير أهل له ، ونازع ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقصف عمره وانبتر عقبه ، وصار في قبره رهينا بذنوبه ، ثم بكى وقال : من أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه ، وبؤس منقلبه ، وقد قتل عترة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأباح الخمر ، وخرب الكعبة ، ولم أذق حلاوة الخلافة فلا أتقلد مرارتها ، فشأنكم أمركم ، والله لئن كانت الدنيا خيرا فقد نلنا منها حظا ، ولئن كانت شرا فكفى ذرية أبي سفيان ما أصابوا منها ، قال : ثم تغيّب في منزله حتى مات بعد أربعين يوما كما مر ، فرحمه‌الله أنصف من أبيه ، وعرف الأمر لأهله. أقول : بل وأنصف من أبيه وجده ، جميعا فلا تغفل ، ولابن حجر هذا كتاب يحامي فيه عن معاوية بن أبي سفيان.

(١) المهلكة.

(٢) في (ب) و (ج) : بث.

(٣) الكلف : شدة الحب.

(٤) دويا : لازما.

٢٥١

الله بشفائه متوحدا (١) ، وكذلك داؤهم من الجهل والضلالة والكفر ، فلن يشفى منهم إلا بإكراه من الله لهم على الإيمان وجبر ، وذلك فما لا يكون منه بعد أن أمرهم ، ولأنه لو كان منه بجبر لكان الإيمان (٢) لمن جبرهم ، وإذا كان له لا لهم ، وكان فعله لا فعلهم ، لأنه منه لا منهم ، فالاحسان فيه له دونهم.

فهذا يا بني فاعلمه (٣) من أمرهم ، ومما (٤) هم فيه من جهلهم وكفرهم.

[الجهل المركب]

واعلم يا بني أن جهل الناس بالله وبدينه ، وما هم عليه من العمى عن الله وعن تبيينه ، يدعيان جهلا مضعفا (٥) ، وعمى متبّرا (٦) متلفا ، لا يرجى إلا بالله لأهلهما منهما سلامة ، ولا يزدادان على صاحبهما (٧) طول الدهر إلا مداومة ، وإنما قيل في الجهل إنه مضعف ، لأن صاحبه لا يعرف ولا يعرف أنه لا يعرف ، فجهله هذا جهلان ، وهلكته بجهله هلكتان ، بل لو قيل إن جهله هذا جهل مضعف أضعاف ثلاثة متراكبة ، لكانت مقالة من قال ذلك في جهله صادقة غير مكذّبة ، لأنه جهل فكانت تلك منه جهلا ، ثمّ جهل أنّه جاهل فكانت تلك لجهله مثلا ، ثمّ رأى أن جهليه (٨) جميعا علما ، فكان ذلك منه جهلا ثالثا وظلما.

وإنما قيل إن عماه عمى متبّر متلف ، ليس له إلا بالله عنه زوال ولا تكشّف ، لأن

__________________

(١) في (ب) : منفردا.

(٢) في (أ) : إيمان. وفي (ج) : إيمانا.

(٣) في (أ) : فاعرفه.

(٤) في (د) : وبما.

(٥) في (أ) : مضاعفا.

(٦) أي : مهلكا.

(٧) في (ب) و (ج) و (د) و (ه) : لأهلها على طول.

(٨) في (أ) و (د) و (ه) : أن جهليه. وفي (ب) و (ج) : أن جهله ، وفي حواشي (و) كما أثبت.

٢٥٢

صاحبه لا يألم له (١) ولا يجده ، فهو يزيده دائبا ويمده ، إذ لا يجد له في نفسه ألما ، ولا يعدّ عماه فيه عمى ، فلذلك ما (٢) ازداد داؤه ، وقلّ من عماه شفاؤه ، ولو وجده فلمسه ، أو ألمّ بألمه فحسه (٣) ، لطلب له الشفاء ، ولما كان متبّرا متلفا ، ولو طلب ـ ويله ـ طب ما به من دائه ، عند من جعل الله عنده طبّه من أهل الحق وأوليائه ، لوجد عندهم من ذلك شفاء له شافيا ، ونورا لما عدم من بصره كافيا ، ولكنه أصر عن آيات الله مستكبرا ، وعدّ عماه عن الله وعن تبيينه بصرا ، فكانت مقالته على الله كاذبة ، ونفسه فيما بينه وبين الله للآثام كاسبة ، كما قال الله العليم بإصرار المصرين ، في أمثاله من الأئمة (٤) المستكبرين : (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٨) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٩) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠) هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (١١) * اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (١٣) [الجاثية : ٧ ـ ١٣].

فكذلك (٥) هو فكما قال وإلا فمن سخّره ، هل ادعا تسخير ذلك أحد قط أو ذكره؟! لا ولو ادعاه مدّع إذا لكان كذبه مكشوفا ، ولكان بكذبه (٦) في كل قرن خلا أو بقي من القرون موصوفا ، وما ادعا ذلك فرعون في جهله وعتائه (٧) ولقد ادعا غيره

__________________

(١) في (أ) و (د) : به.

(٢) ما زائدة.

(٣) في (أ) : فأحسه.

(٤) في (ب) و (ج) و (د) : الأئمة.

(٥) في (د) و (ه) : وكذلك هو كما.

(٦) في (ب) : تكذيبه. وفي (د) : كذبه.

(٧) العتيّ : الاستكبار ومجاوزة الحد.

٢٥٣

في (١) ملكه لنظرائه ، وما ادعا لهم خلقا ولا صنعا ، ولو ادعاه لكان ذلك كذبا مستشنعا ، وإنما تأويل قول فرعون : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (٢٤) [النازعات : ٢٤] ، أنا سيدكم ومليككم لا ما قال موسى ، ولم يرد أنا لكم رب خلاق ، ولا أنا لكم إله رزاق ، لأن كل رب في لسان العرب فسيد ومليك ، ولا سيما إذا كان وليس له عند نفسه فيما ملك شريك.

أولا تسمع يا بني وترى ، أنّه لم يزعم أنّه رب لغيرهم من أهل القرى ، التي لا ملك له عليها ، ولا سلطان له فيها ، فلما لم يوقن بغيره ، ولم يستدل على الله بتدبيره ، وكذّب من(٢) الله بما لم تره عيناه ، وكان كل من صدّقه مثله لا يوقن إلّا بما عاينه ورآه ، وما كان لذلك مثلا ونظيرا ، قال أنا ربكم ومليككم ولم يدّع لهم صنعا ولا تدبيرا ، صغرا منه وتضاؤلا عن تلك ودعواها ، فلما صغر عنها وتضاءل كان ادعاؤه لسواها ، مما يدخل به وفيه غلط وامتراء ، وما يمكن في مثله له عندهم الادّعاء ، ولو ادعا فيهم خلقا ، أو انتحل لهم رزقا ، لما اعترتهم في كذبه مع تلك مرية ، ولا أعمتهم من الشبهة في أمره معمية ، ولكنهم لما لم يوقنوا بالله وتدبيره ، ولم يقروا إلّا بما رأوا مثله (٣) من فرعون وغيره ، وأنكروا ما لم يروا أو يكون مثلا لما رأوا فدفعوه ، جاز عندهم لفرعون ولهم في فرعون ما ادعوه ، فنحمد الله الذي حسّر (٤) كل من أيقن أو تحيّر عن أن يدعي من صنعه وإن جهله صنعا ، فيكون فيه لشبهة أو تحيّر لمبطل مدّعا ، وإن كان أثر التدبير فيه بأنه صنع مصنوع باديا ، وكان هدى الله فيه لمن لم يهتد إليه بالهدى مناديا ، فنداؤه بإحداث الله له أعلى من كل علي ، وتبدّيه بأنه صنع لله وتدبير أبدى من كل جلي ، فتبارك الله أحسن الخالقين خلقا ، وأحق (٥) جميع الحقائق متحققا ، الذي لم يزل ولا يزال ، ومن له الكبرياء والجلال ، رب الأرباب المعظمة ، وولي كل إحسان

__________________

(١) في (د) و (ه) : من.

(٢) سقط من (د) و (ه) : من.

(٣) في (د) و (ه) : رأوا أو مثله.

(٤) الحسر : الإعياء والتعب.

(٥) في (أ) و (ج) : وأحق من. وفي (ب) : وأحق في.

٢٥٤

ونعمة ، الأول الذي ليس كمثله شيء وهو القوي العزيز القهار الغلاب ، (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (٨) [آل عمران : ٨]. وصلّ على جبريل أمينك وعلى ملائكتك المصطفين ، وعلى محمد رسولك وعلى جميع الرسل والنبيين ، والحمد لله رب العالمين ، وصلواته على سيدنا محمد خير خلقه أجمعين ، وأهله الطاهرين وسلامه.

تم كتاب الدليل على الواحد الجليل

* * *

٢٥٥
٢٥٦

الدليل الصغير

٢٥٧
٢٥٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

قال أبو محمد الحسن بن القاسم رضي الله عنه :

سألت أبي رضي الله عنه عن الحجة على من ألحد في الله تمردا ، وجهل المعرفة بالله حيرة وتلددا ، فظن أنه موقن بمعرفة رب الأرباب ، وهو من ظنه لذلك في مرية وحيرة وارتياب ، فكثير أولئك ، ومن هو كذلك ، وإن هو لم يظهر ما في قلبه ، من الحيرة والجهل بربه ، جل جلاله وسلطانه ، وظهر دليل الإيقان به وبرهانه؟!

فقال : إنما يستدل يا بني : على إيقان الموقنين ، بمعرفة رب العالمين ، بطاعتهم لله وتقواهم ، فبهما يعرف يقينهم بالله وهداهم.

ولذلك يا بني وفيه ، من الدلائل عليه ، قول الله سبحانه (لرسوله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) [التوبة : ١٠٥]. وقوله سبحانه :) (١) (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥)) [الحجرات : ١٥]. وقوله سبحانه : (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (١٦) [السجدة : ١٥ ـ ١٦]. وآياته سبحانه فهي وحيه وتنزيله ، وشواهد الإيقان به ودليله ، والإيمان فمن الإيقان ، وهو الأمان من كبائر العصيان. وأكبر الكبائر عند الله ، وعند الصالحين من خلق الله ، فهو الإنكار لله ، والإلحاد في الله ، والارتياب في معرفة الله.

وفي ارتياب المرتابين ، وصفة الله للمؤمنين ، ما يقول أرحم الراحمين : (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) (٤٥) [التوبة : ٤٤ ـ ٤٥].

وفي الحيرة والمرية والشك والارتياب ، ما يقول سبحانه لأهل إضاعة طاعته والغفلة

__________________

(١) سقط من (أ) : ما بين القوسين.

٢٥٩

والتقصير والألعاب (١) : (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧) لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ)(٩) [الدخان: ٧ ـ ٩]. فأخبر (٢) تبارك وتعالى بلعبهم ، عن شكهم في ربهم ، ودل بذلك على أن من اشتغل عن طاعة الله بلعبه ، فليس من الموقنين مع ذلك بالمعرفة بالله ربه.

[التفكير طريق المعرفة بالله]

وفي قلة اليقين بالغيب ، وما يعرض للجاهلين فيه من الريب ، ما يقول الله سبحانه فيما قص من نبإ (٣) قوم نوح وعاد وثمود وآدم وقوم لوط وأصحاب الأيكة ، وما أحل بهم بعد ما أراهم من الآيات والدلالات البينات من التدمير والهلكة ، (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٩٠) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٩١) [الشعراء : ١٩٠ ـ ١٩١]. ففي كل ما قص الله من ذلك لمن يعقل فيوقن بيان من الله فيما ذكرنا من قلة اليقين وتعريف وتفهيم ، واليقين بالغيب فإنما يكون ، بما يدركه (٤) الفكر لا بما تدركه العيون ، فمن لم يفكر بقلبه فيما غاب عنه ، لم يؤمن أبدا بشيء منه.

والآية في كل ما كانت من الأشياء فيه ، فهي الدلالة البينة المستدل بها عليه ، ومن استدل بالآيات على ما غاب صح له به (٥) يقينه ، وإن لم يره ولم يبصره لغيبته عنه ، وكان أصح عنده صحة ، وأوضح له ضحّة (٦) ، من كل ما وضح من الأمور كلها فاستنار ، وأيقن به كما يوقن بالليل (٧) والنهار ، بل كان أصح عنده في الإيقان ، من كل ما أدركه برؤية أو عيان ، لفضل درك اليقين ، على درك الرؤية والعين ، ومن لم

__________________

(١) في (أ) و (ج) : والألعاب ما يقول.

(٢) سقط من (ب) : فأخبر.

(٣) في (ب) : أنباء.

(٤) في (أ) : يذكره.

(٥) سقط من (ب) : له به. ومن (د) : به.

(٦) الضحة : الظهور والوضوح. يقال : ما لكلامه ضحى ـ كهدى ـ بيان.

(٧) في (أ) و (ج) : الليل.

٢٦٠