مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ١

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ١

المؤلف:

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام


المحقق: عبدالكريم أحمد جدبان
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الحكمة اليمانية للتجارة والتوكيلات العامة
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٩٧
الجزء ١ الجزء ٢

الله إلا الحق ، فقد بيّن لكم آثار من مضى من أسلافكم ، وقص عليكم قصة من كان قبلكم ، من المؤمنين والصالحين ، ومن أوليائه المرسلين ، وما أمركم من الاقتداء بهم ، ورغّبكم في مرافقتهم (١) ، وقد خبّركم ما قد أصبح بمن خالفهم (٢) وسلك عكس طريقهم ، من قوم لوط ، وأصحاب فرعون ، فأخذهم الله بذنوبهم فقال : (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) [العنكبوت : ٣٩]. وقال ، سبحانه لنبيه : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام : ٨٢]. وقال : (فَبَشِّرْ عِبادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٨)) [الزمر : ١٧ ـ ١٨].

ثم قال : (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥)) [محمد : ٢٥].

فهذا ما أخبر الله عزوجل ذكره عن جميع عباده ، كيف من ضل منهم ، واهتدى من اهتدى منهم ، ومن بعد ما قد حكى الله من أنبيائه صلوات الله عليهم ، وعلى آدم وحواء ، قال الله : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) [طه : ١٢١] ثم قال : (أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) [الأعراف : ٢٢] ، فاعترفا بذنبهما ، فقالا مقرّين تائبين عن معصيتهما : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣)) [الأعراف : ٢٣].

ولم يقولا : معصيتنا من الرحمن وإرادته.

والقدرية والمجبرة يقولون : معصيتنا بقضاء الله وإرادته ، خلافا على أبي البشرعليه‌السلام.

وقال الله ، عزوجل ، يخبر عن موسى صلى الله عليه : (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) [القصص : ١٥]. ولم يقل : هذا من الله ومشيئته. وقال يعقوب عليه‌السلام : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ) [يوسف : ١٨]. والقدرية

__________________

(١) في (أ) و (ج) : بهم في مرافقتهم.

(٢) في جميع المخطوطات : خالفكم. والسياق يؤكد ما أثبت. فلعلها مصحفة.

٥٠١

تقول : إن الله سوّل لهم ذلك. وقال يوسف صلى الله عليه : (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) [يوسف : ٩٦]. وقال يخبر عن يونس ، عليه‌السلام : (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء : ٨٧]. والقدرية تزعم أن الظلم قضاء رب العالمين. وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) [سبأ : ٥٠]. فجعل ضلالته من قبل نفسه ، وهداه من قبل ربه ، موافقة لله ، إذ يقول سبحانه : (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٢)) [الليل : ١٢]. وقال : (الَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (٣)) [الطارق : ١]. وقال : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء : ١٧٦]. أي لئلا تضلوا. وقال : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) [فصلت : ١٢]. فكل ما كان من هدى فقد أضافه إلى نفسه ، وكل ما كان من ضلال فقد أضافه إلى خلقه ، والله أولى بما أضاف إلى نفسه ، والعباد أولى بما أضاف إليهم ، وكانوا هم المعتدين الظالمين ، الجائرين المخالفين لقضائه وقدره ، تبارك وتعالى.

فأقرّت الأنبياء ، صلوات الله عليهم بالإساءة والتقصير ، فيما أغفلت وقصّرت ، وأضافت ذلك إلى أنفسها ، وإلى الشيطان ، معرفة منهم بالله ، أنهم لم يؤتوا في ذلك من ربهم. وخالفت المجبرة والقدرية كتاب الله ، ووافقت الشيطان ، قلة معرفة منهم بعدل الله في خلقه ، ورحمته لهم ، وانتفائه من ظلمهم ، في قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (٤٠)) [النساء : ٤٠].

فقد ذكرنا جملة مما احتج الله على القدرية الكاذبة على الله في كتابه ، وعلى النبيين.

وكيف يتوهم عاقل ، أو ينطوي قلب مؤمن؟! أنه مصيب مع خلافه لقول الله وقول أنبيائه؟! إن من ظن ذلك لقد جهل جهلا مبينا ، وضل ضلالا بعيدا.

فزعموا من بعد ما حضرنا ما ذكرنا ، وما لم نذكر من حجج الله عليهم ، وما قد رد الله من مقالتهم ، وأكذبهم ما لا يحصى ، فزعموا أن الله خلق الخلق صنفين ، وجعلهم جزءين ، فجعل صنفا يعبدونه ، وصنفا يعبدون الشيطان ، وجعل من يعبد الشيطان أكثر ممن يعبد الله ، فأكذبهم بقوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)) [الذاريات : ٥٦].

٥٠٢

ثم زعموا أن الله تبارك وتعالى ، رضي بذلك وأراده وأحبّه ، (١) وأنه لا يرضى أن يعبد من أرضاه أن يكفر به ، (٢) تكذيبا بقول الله وردا عليه إذ يقول : (لا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر : ٧]. ويقول : (وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (٢٠٥)) [البقرة : ٢٠٥]. فتعالى الآمر بالعدل والاحسان ، أن يكون راضيا بالمنكر والعدوان ، لأنه لا يريد الظلم (٣) لأنه عدل ، ولا يريد الفساد لأنه مصلح ، ولا يحب المنكر لأنه حكيم حاكم بالحق.

وقال سبحانه ردا على من زعم أن الله أراد الكفر والظلم ، فقال سبحانه : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) [غافر : ٣١]. وقال : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة : ١٨٥]. وقال : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ...) (٤) إلى قوله : (أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (٢٧)) [النساء : ٢٦ ـ ٢٧]. فأخبر أنه يريد أن يبين لنا ويهدينا ، وأن الشيطان يريد خلاف ذلك بنا. إذ كان سبحانه ناظرا رحيما بنا ، وكان الشيطان عدوا لنا مبغضا ، فلا يكون الناظر لنا يريد بنا عدوانا. وقال : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٨)) [الصف : ٨]. وقال : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال : ٦٧]. وقال : (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (٢٨)) [النساء : ٢٨]. في آي كثيرة ، ولو لا طول الكتاب ذكرتها ، وفيما ذكرنا كفاية. والحمد لله.

زعمت القدرية : أن العباد ما شاءوا شيئا قط ، ولا يريدون شيئا ، والله هو المريد

__________________

(١) في (د) : وأوجبه.

(٢) كذا في جميع المخطوطات : وقد استشكل العبارة في (أ) وقال : كذا. والمعنى أن الله لا يرضى أن يعبده الذين قد رضي أن يكفروا به.

(٣) في (ب) و (د) : الظلم ولا يشاؤه.

(٤) تكملة الآية : (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ، وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ).

٥٠٣

للظلم ، والغراة (١) عليه ، فرد الله عليهم بقوله : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : ٢٩]. و : (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) [المزمل : ١٩ ، الإنسان : ٢٩]. وقال : (كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ) (١٣) [عبس: ١١ ـ ١٣]. وقال موسى ، عليه‌السلام : (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) [الكهف : ٧٧]. وقال أهل الجنة : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ) [الزمر : ٧٤]. فذكر الله المشيئة في غير موضع من الكتاب ، وذكر أن العباد يريدون ويفعلون ويشاءون ، تكذيبا لمن قال بخلاف ذلك.

فقد ذكرنا جملة من كتاب الله تبارك وتعالى ، مما فيه رد عليهم ، وحجة بلاغ لقوم عابدين.

[أسئلة إلى المجبرة]

ونحن سائلون بعد ذلك ، وبالله نستعين ، مع أن في المسألة آيات كثيرة مما قد دل الله العباد ، وبين لهم أنهم يشاءون ويريدون ، ويرضون ويحبون.

فأما المشيئة فقال : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [فصلت : ٤٠]. وقال : ما (أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٥٧)) [الفرقان : ٥٧].

فأما الإرادة فقال : (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) [آل عمران : ١٥٢].

وأما الرضى ، فقال : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [المائدة : ١١٩].

وأما المحبة ، فقال : (يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ) [الحشر : ٩]. وفي ذلك آيات كثيرة مما لم نذكره.

ثم يقال لمن زعم أن الله خلق أكثر خلقه ليعبدوا غيره : ما حجتك وما برهانك على ما ادعيت من ذلك؟ أبكتاب الله ما قلت؟! أم بسنة؟ أم بقياس؟

__________________

(١) في جميع المخطوطات : والغراء ويبدو أنها مصحفة. والغراة والاغراء اسمان لمعنى واحد.

٥٠٤

فإن ادعا حجة من الكتاب سئل؟

فإن قال : قلت : يقول الله : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) [الأعراف: ١٧٩].

يقال له : إنا لم (١) نسألك عما أجبت ، وإنما سألناك عن قولك : خلق الله أكثر خلقه ليعبدوا غيره ، فمن زعم أن الله خلق أكثر خلقه للكفر والمعصية ، فلا يجد إلى ذلك سبيلا. مع أن لقوله : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ). تأويل عدل الله ، وإنما ذرأ لجهنم من عصاه ، وابتغى غير سبيله ، فجعلهم ذرو جهنم ، جزاء بما كانوا يكسبون ، ويعملون.

ثم يسأل عن قوله سبحانه : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)) [الذاريات : ٥٦]؟ فإن زعم أن ذلك خاص في المؤمنين! سئل عن الحجة في ذلك والدليل على ما قال؟ ثم يعارض ، فيقال له : إذا زعمت أن ذلك خاص ، ثم زعمتم أن قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [الأعراف : ١٥٨]. فإن كان خاصا إلى المؤمنين ، والمؤمنون قد آمنوا ، فما معنى قوله : آمنوا ، وقد آمنوا؟! فلا يجدون وجه الآية أبدا (٢) إلا قول الحق خاصا في المؤمنين ، دون الكافرين ، ولا يجدون فرقا في ذلك.

ثم يسألون فيقال : أخبرونا عن إبليس ، خلقه الله ليعبده؟ أو ليعبد من دونه؟ ..

فإن قالوا : خلقه ليعبده. تركوا قولهم. وإن قالوا : ليعبد من دون الله ، زعموا أنه أول من أشرك بنفسه ، إذ جعل إبليس ليعبد من دونه ويشركه في عبادته ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

ثم يقال لهم : إن زعمتم أن الله خلق خلقه كفارا ، وأمرهم بالإيمان ، أفليس قد أمرهم أن ينتقلوا من خلقهم ، وأن يصيروا إلى خلاف ما خلقهم عليه؟!

فإن قالوا : نعم. قيل لهم : فلم لا يجوز أن يخلقهم سودا ويأمرهم أن يصيروا بيضا ، كما خلقهم كفارا ، وأمرهم بالإيمان؟! فلا بد من إجازة ذلك ، أو يتركوا قولهم.

__________________

(١) في (أ) : لا نسألك.

(٢) في (ب) و (د) : الآية إذا.

٥٠٥

ثم يسألون أيضا ، فيقال لهم : إذا خلق الكفار كفارا ، أيجوز أن يكون الكفر فعل الكفار؟

فإن قالوا : نعم. قيل لهم : وكذلك يجوز أن يخلق الأبيض أبيض ، ويكون البياض فعله ، ويخلق الأسود أسود ويكون السواد فعله!!

وإن سألوك فقالوا : إذا زعمت أن الله تبارك وتعالى ، خلق العباد للإيمان ، فلم يؤمنوا ، لم لا يجوز أن يخلقهم للموت فلا يموتوا؟

فقل لهم : إنما أعني بقولي : إن الله خلقهم ليفعلوا الايمان ، ولم يخلقهم للموت ليفعلوا الموت ، فهذا فرق ما سألتم عنه.

فإن قالوا : خلقهم للايمان فلا يؤمنون؟

قلنا : نعم. كما أمرهم بالايمان فلم يؤمنوا.

فإن قالوا : فما أنكرتم من أن يخلقهم للايمان كما خلقهم للموت؟

قيل لهم : من قبل : أن معنى قولي : خلقهم للموت ، أريد أن الله خلقهم ليميتهم ويضطرهم إلى ذلك ، فلو كان خلقهم للايمان كما خلقهم للموت كانوا كلهم مؤمنين ، كما كانوا كلهم يموتون ، ولو كان ذلك كذلك ، لم يجز أن يأمرهم بالإيمان ، ولا ينهاهم عن المنكر والكفر ، كما لا يجوز أن يأمرهم بالحياة ، ولا ينهاهم عن الموت ، ولا يجبرهم على شيء من ذلك ، ولا يثيبهم به. فمن هاهنا أنكرنا ما ذكرتم. ثم يقال لهم : إذا زعمتم أن الله خلق الناس كفارا ، فمن جاء بالكفر؟ من خلقه؟! أو من لم يخلقه؟!

فإن قالوا : من خلقه يقال لهم : فما معنى قوله : (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (٨٩) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (٩٢)) [مريم : ٨٩ ـ ٩٢]. وقوله : (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) [الكهف : ٧٤]. فهل يكون هذا على معناكم وأصلكم ومذهبكم إلا كذبا؟! لأنكم زعمتم أن الله تبارك وتعالى ، جاء به. وقال للكفار : أنتم الذين جئتم به. فلو أردتم تصفون ربكم بالكذب كيف كنتم تقولون؟! وهل يجوز هذا عندكم؟! وفي عقولكم أن يكون للصادق أن يفعل شيئا ، ثم يقول لغيره : أنت فعلته!

٥٠٦

ولو جاز أن يكون فاعل هذا صادقا ، جاز أن يكون من فعل شيئا وجاء به ، وقال : أنا جئت به أن يكون كاذبا ، مع أن الله تبارك وتعالى ، قد عاب فاعل ذلك وذمه ، فقال : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (١١٢)) [النساء: ١١٢].

وإن زعم أن الكفر جاء به من لم يخلقه ، ومن خلقه لم يجئ به خرج من المعقول ، ولزمه أن يقول : إن من لم يخلق الموت هو الذي جاء به ، ومن خلقه لم يجئ به ، وهذا خروج من عقول الخلائق.

فإن سأل سائل عن قول الله تبارك وتعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) [الأعراف : ١٧٩]. فقال : إذا كان قد أخبر أنه خلق لجهنم كثيرا من الجن والإنس ، كيف يزعم أنه خلقهم لعبادته؟ وإلا فبينوا ما تأويل الآية عندكم؟!

فأول ما نجيبه أن نقول له : ينبغي أن تعلم أن كتاب الله لا يتناقض ولا يختلف ، ولا يكذب بعضه بعضا ، لأن الاختلاف لا يأتي من عند حكيم ، وقد قال تبارك وتعالى : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٨٢]. فإذا علمت أن ذلك كذلك ، فقد وضح لك الأمر ، أمر الآية من قبل أنه أخبرنا أن خلق الإنس والجن لعبادته ، وقال في موضع آخر : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ). ثم أخبرك من هم فقال : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها ...) إلى آخر الآية [الأعراف : ١٧٩]. فينبغي لك إذا ورد عليك شيء من كتاب الله ، مما ذهب عنك معناه ، أن تسأل عنه العلماء ، فإن الله عزوجل ، يقول : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النحل : ٤٣ ، الأنبياء : ٧]. وقال : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فاطر : ١٩]. وليس ينبغي لعاقل أن يدع ما علم لما جهل ، وليس لك أن تشك في الواضح إذا ذهب عنك الخفي ، فينبغي للعاقل أن يتمسك بالواضح من كتاب الله ، وبالمحكم من كلام الله ، فإن في ذلك تبيانا وشفاء لمن طلب الحق وأراده. وقد رغّب الخلق في التمسك بالمحكم من كتابه ، فقال : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) [آل عمران : ٧].

٥٠٧

وأنا مخبرك بتأويل الآية : قال بعض أهل العلم : إن معنى قوله : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) [الأعراف : ١٧٩]. يريد الإعادة ولم يرد ابتدأهم لجهنم. ألا ترى أنهم كانوا في الدنيا يتمتعون ويأكلون!

ولكن لما علم تبارك وتعالى ، أن أكثر عاقبة هذا الخلق يصيرون إلى جهنم بكفرهم ، جاز على سعة الكلام ومجاز اللغة : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ). وإن كان إنما خلقهم في الابتداء لعبادته ، وذلك جائز في اللغة. وقد قال نظير ما قلنا في كتابه في موسى ، عليه‌السلام ، قال : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨]. وإن كانوا إنما التقطوه ليكون لهم قرة عين ، وهكذا (١) حكى الله عن امرأة فرعون ، إذ قالت : (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) [القصص : ٩]. ومثل قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (١٠)) [النساء : ١٠]. لما كان عاقبة أمرهم إلى ذلك ، وإن كانوا لا يأكلون في الدنيا إلا الأخبصة ، (٢) والفالوذجات ، والأطعمة الطيبة.

وقد قال الشاعر ما يدل على ما قلنا من ذلك :

أموالنا لذوي الميراث نجمعها

ودورنا لخراب الدهر نبنيها

وللمنايا تربي كل مرضعة

وللحتوف برى الأرواح باريها (٣)

والوجه الثاني قال فيه بعض العلماء : إن معنى قوله : (ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ) : خلقنا ، ومعنى خلقنا : على أن سنخلق ، وليس على قد خلقناكم في الابتداء لجهنم ، وإنما أراد

__________________

(١) في (ج) : وهذا.

(٢) في (ب) و (د) : وإن كانوا يأكلون الأخبصة. وفي (أ) و (ج) : وإن كانوا لا يأكلون في الدنيا إلا خبيصة. وما أثبتّ ملفق من الجميع. والله أعلم بالصواب. والخبيصة : الحلوى المخبوصة. والفالوذج : يقال فيه : فالوذ ، وفالوذق. ولا يقال فالوذج ، قاله الجوهري. فارسي معرب. وهو نوع من الحلوي مصنوع من لب الحنطة.

(٣) البيتان من قصيدة للإمام علي عليه‌السلام. ديوان الإمام قافية الهاء.

٥٠٨

به في القيامة ، كما قال : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ) [الأعراف : ٤٤]. على معنى سينادون ، وكما قال : (قالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) [سبأ : ٣٣]. إنما يريد الله بقوله سنخلقهم بمعنى الإعادة ، وهو يوم القيامة في النشأة الأخرى ، فهذا تأويل الآية.

وإنما يدخلون جهنم بأعمالهم جزاء بما كانوا يكسبون ، وجزاء بما كانوا يكفرون ، وجزاء بما كانوا يعملون ، قال الله عزوجل : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها) [الأعراف : ١٧٩]. يعني لا يتفقهون بها ، وقد كانوا يفقهون ما يقولون ، ويبصرون ما هو ألطف من الخردل ، ويسمعون ما يريدون ، ويستثقلون ما لا يريدون. فعلى هذا المعنى تأويل الآية ، وكل آية تشبهها.

ومن سألك فقال : من خلق الشر؟!

فقل له : إن الشر على أمرين : شر هو ألم وأذى وعذاب ، وشر هو ظلم وجور وكذب وعيب .. فعن أي الشرين تسأل؟

فإن قال : عن الظلم والجور.

فقل : إن الظلم من أفعال الظالمين ، والجور من الجائرين ، والكذب من الكاذبين.

فإن قال لك فالجور من خلقه؟

فقل له : لم نقل إنه مخلوق ، فتسألنا عن خالقه. فإن قال لك : فلم يخلق الله الكذب ، والجور؟!

فقل له : إن معنى خلقه : فعله ، والله لم يفعل الجور والكذب والظلم ، لأن الجور والكذب لا يفعله إلا كاذب جائر ظالم.

فإن قال : ما دليلك على أن الحمّى والألم شر؟

فقل له : دليلي على ذلك قول الله تبارك وتعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء : ٢٥]. وقوله : (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠)) [المعارج : ٢٠]. وقول القائل :

٥٠٩

لم أزل البارحة في شر طويل ، من حمى ووجع ضرس ، أو أذن ، أو بدن ، على ما (١) قال المتوجع.

ثم يقال له : أخبرني عن الخير والشر ، كله من الله؟!

فإن قال : نعم.

يقال له : وإذا كان الخير كله من الله ، فهل كان من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخير أيضا؟

فإن قال : نعم. ترك قوله ، وزعم أن النبي فعل خيرا ، وفعل النبي غير فعل الله. فإن قال : لم يفعل النبي خيرا ، فقد شك في الحق وكفره ، وجحد محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجهله.

ثم يسأل عن إبليس ، يقال : كان من إبليس شر قط؟

فإن قال : نعم. ترك قوله. وإن قال : لا. فقل له : فلا ينبغي لك أن تستعيذ من شر إبليس ، لأن من استعاذ من شره فهو أحمق عابث ، وإذا استعاذ من شرّ من لا شر له فقد جهل. هذا مع قول الله عزوجل : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) ...) [الفلق : ١] (٢) إلى آخر السورة.

ومن سأل عن ولد الزنا ، من خلقه؟ فيقال : الله خلق ولد الزنا وولد الكافر ، والناس أجمعين.

فإن قال : فأراد الله أن يخلقه؟ فيقال : نعم. فإن قال : فقد أراد الله الزنا؟! يقال : إنّ ولد الزنا غير الزنا ، والله لم يغضب من ولد الزنا ، وإنما غضب من الزنا ، وكذلك لم ينه الزاني عن الولد ، وإنما نهاه عن الزنا ، فما نهى الله عنه فليس من الله ، وما لم يرده فليس منه.

فإن قال : فيكون ولد إذا لم يزن الزاني؟

يقال له : يكون الولد بأن يتزوج ، فيكون الولد على غير الزنا.

__________________

(١) سقط من (أ) و (ج) : ما.

(٢) كذا في جميع المخطوطات. ولعلها (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ...).

٥١٠

فإن قال : الولد الذي بعد الزنا كان يكون إلا من (١) الزنا؟ يقال له : قد أخبرناك أن الولد لم يكن من الزنا ، وإنما كان لأن الله خلقه. فإن قال : فلو لم يزن الزاني ، كان الله يخلقه؟! يقال : لا ندري بعد ، الله كان يخلقه ولو ولم يزن ، كأن يتزوج.

فإن قال : أرأيتك إذا زعمت أن الله أراد أن يخلق ولد الزنا ولم يرد الزاني يزني ، (٢) كيف يكون ذلك؟ يقال له : مثل ذلك : رجل اغتصب أرض رجل ، فبذر فيها ، وأراد الله أن ينبته ، فالله هو أراد أن ينبت الزرع ، ولم يرد الرجل أن يبذر في أرض غيره.

فإن قال : فما معنى هذا؟ يقال له : مثل ذلك : رجل زنى وسرق فأراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقطعه وأن يجلده ولم يرد أن يسرق ولا يزني ، فإن كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يقطعه ولا يجلده حتى يسرق ويزني ، فكذلك لم يرد الزنا ، وإن كان الولد لا يكون إلا بعد الزنا.

تم الكلام والحمد لله ولي الأنعام. وصلى الله على رسوله محمد وآله الكرام ، وحسبي الله وحده وكفى ، ونعم الوكيل.

* * *

__________________

(١) في (أ) : إلا بعد الزنا.

(٢) يعني : ولم يرد الله أن يزني الزاني.

٥١١
٥١٢

الرد على الرافضة

٥١٣
٥١٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله على كل حال (١).

زعمت الرافضة أنه لم يكن قرن من القرون خلا ، ولا أمة من الأمم الأولى ، إلا وفيها وصي نبي ، أو وصي وصي ، حجة لله قائمة عليهم ، وعالم بأحكامه (٢) فيهم ، مفروضة عليهم طاعته ومعرفته ، ليس لأحد ممن معه في دهره حاله (٣) ولا صفته ، لا يهتدي إلى الله أبدا من ضلّه ، ولا يعرف الله سبحانه أبدا من جهله.

فيسألون ـ ولا قوة إلا بالله ـ عن فترات الرسل في الأيام الماضية ، وما لم يزل فيها لا ينكره منكر ولا يجهله من الأمم الخالية ، هل خلت منها كلها فترة؟ وأمة منهم مستقلة أم مستكثرة!؟ من أن يكون فيها إمام هاد؟ حجة لله على من معه من العباد ، يعلم من حلال الله وحرامه ، وجميع ما حكم الله به في العباد من أحكامه ، ما يعلم من تقدمه وكان قبله ، من كل ما حكم الله به ونزله؟

فإن (٤) قالوا : لا تخلو فترة من الفترات مضت ، ولا أمة من الأمم كلها التي خلت ، من أن يكون فيها إمام هاد على العباد لله حجة ، ليس بأحد معه إلى غيره من الخلق كلهم (٥) حاجة محوجة ، في احتجاج بحق ولا تبيين ، ولا في حكم من أحكام الدين ، من نذارة لغيّ ولا ردى ، ولا تبصرة لرشد ولا هدى ، كما قالت الرافضة فلا حاجة إذا بعد آدم ، بأمة من الأمم ، إلى أن يبعث الله فيهم نبيا ، ولا يجدد لهم لرشده وحيا ، يعلّمهم في دين الله علما ، ولا يحكم عليهم لله حكما ، ومن كان من ذلك وفيه ، ففضل لا فاقة بأحد إليه ، لأنه لا يبعث نبي في فترة ، ولا أمة مستقلة ولا مستكثرة ، إلا ووصيها فيها ، كاف في الحجة عليها ، مستغنى به عن التبصرة والتعريف ، وما حمّلها الله من فرض أو تكليف ، تامة به النعمة في الهدى من الله عليهم ، لعلمه بجميع أحكام الله

__________________

(١) سقط من (أ) و (ج) : الحمد لله على كل حال.

(٢) في (أ) و (ج) : لأحكامه.

(٣) في (ب) و (د) : حالته.

(٤) في (أ) : فإذا.

(٥) في (ب) و (د) : كلهم أجمعين.

٥١٥

سبحانه فيهم ، وفيما قالوا به من هذا القول ، الغنى عن كل نبي أو رسول ، جاء عن الله بنذارة لجاهل من عباده أو تعليم ، أو هداية لضال من خلقه أو تقويم.

وفي هذا من إكذاب كتاب الله ووحيه ، وخلاف خبره تبارك وتعالى على لسان نبيه ، ما لا خفاء به ولا فيه عن موحّد ولا ملحد ، ولا خصم لدّ (١) أو لم يلدّ ، والله تبارك وتعالى يقول في إكذاب من قال بهذا القول عليه في كتابه ، بما لا يأباه مكابر مرتاب وإن عظمت بليته في ارتيابه ، قال الله سبحانه : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ) (١٠) [الحجر : ١٠]. وقال سبحانه : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل : ٣٦]. وقال سبحانه : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ (٢٤) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (٢٥)) [فاطر : ٢٤ ـ ٢٥]. وقال سبحانه : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤)) [فاطر : ٤] ، مع ما ذكر لا شريك له مما يكثر ، عن(٢) أن نحصيه من تبعيثه في الماضين للرسل والنذر ، وما لم يزل يجدده من نعمه من ذلك في البشر ، لا يذكر سبحانه في ذلك كله وصيا ، ولا مما ذكرت الروافض في ذلك كله شيا ، ولو كان الهدى يصاب بغير كتب الله ورسله ، لعرف الله في ذلك بمنته (٣) وفضله ، ولذكر حجته على عباده ، وما دلهم عليه به من رشاده ، كما قال سبحانه فيما أنعم به من وحيه ، ومنّ به فيه من أمره ونهيه : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧)) [يونس : ٥٧]. وقال سبحانه : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (١٧٤)) [النساء : ١٧٤]. مع ما يكثر في هذا ومثله ، من ذكر نعم الله فيه وفضله ، وكما قال سبحانه لرسوله ، صلى الله عليه وعلى أهله : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧)) [الأنبياء : ١٠٧]. وقال سبحانه : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ

__________________

(١) اللّدّ : الشديد الخصوبة.

(٢) سقط من (أ) و (ب) و (د) : عن.

(٣) في (أ) و (ج) : بمننه.

٥١٦

يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١٦٤)) [آل عمران : ١٦٤].

وكما قال سبحانه : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥) وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (٤٦)) [الأحزاب : ٤٥ ـ ٤٦]. فذكر سبحانه منته على عباده ، برسوله وكتابه. وما ذكر في ذلك مما تقول الرافضة ـ بحمد الله ـ قليلا ولا كثيرا ، ولا أنه جعل غير رسوله كما جعله سراجا منيرا ، فنحمد الله على ما أفرد به رسوله صلى الله عليه وعلى أهله من التقدمة والتبيين ، إلى الدلالة به لعباده على كل رشد أو دين ، فهدى به في أيام حياته ، وقبل نزول حمامه (١) ووفاته ، خلقا كثيرا من خلقه ، ودلّهم سبحانه على سبيل حقه ، وهو بينهم سويّ حيّ ، ينزل عليه ـ وهم معه أحياء ـ الوحي ، ببيان (٢) ما التبس عليهم ، وبما منّ الله به من بعث رسوله فيهم ، وقد أكمل لهم سبحانه قبل وفاته الدين ، وأبان لهم به (٣) صلى الله عليه وعلى أهله التبيين ، بأنور دليل ، وأقوم سبيل ، وأبلغ حجة في هدى وتبصير ، وأهدى هداية تكون بنذارة أو تذكير.

وفيهم ما يقول سبحانه : (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٠١)) [آل عمران : ١٠١]. وكما قال سبحانه : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) [المائدة : ٣] ، خبرا منه سبحانه عن أنه قد بيّن لهم دينهم كله جميعا تبيينا ، ومن ذلك ما يقول سبحانه : (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) [الأنعام : ١٤٩]. وقوله سبحانه : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) (١١٩) [الأنعام : ١١٩]. ويقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا

__________________

(١) الحمام : الموت.

(٢) سقط من (أ) و (ج) : الوحي. وفي (أ) : بيان.

(٣) سقط من (أ) و (ج) : به.

٥١٧

رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧) وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٧٨)) [الحج : ٧٧ ـ ٧٨]. فجعلهم جميعا برحمته وفضله ، وإكرامه لآبائهم من أوليائه ورسله ، شهداء على خلقه وعباده ، وأمناءه في أرضه وبلاده.

وجعلهم سبحانه أئمة شهداء كما جعلهم ، وفضّلهم من ولادة إبراهيم وإسماعيلعليهما‌السلام بما فضّلهم ، فبفعلهم للخيرات ، وعملهم للصالحات ، في كل ما حكم به عليهم من فرضه ، وعدهم ما وعدهم من الاستخلاف لهم في أرضه ، وما وعدهم في ذلك من مواعيده ، وتكفّل لهم به في الشكر عليه من مزيده.

وأخبر سبحانه بأصدق الخبر عن فسق من كفر منهم نعمه فيه ، ولم يؤد من شكره به ما يجب لله عليه ، فقال سبحانه : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٥٥)) [النور : ٥٥].

فمن لم يفعل من الإيمان ما فعلوا ، ويعمل من الصالحات كما عملوا ، فلم يجعل الله له (١) إيمانا ولا إسلاما ، فكيف يجعله الله في الهدى إماما؟! وإنما جعل الله الإمام من هدى بأمره ، وعرف بالجهاد في الله مكان صبره ، كما قال الله لرسوله ، صلى الله عليه وعلى آله : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٢٣) وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (٢٤)) [السجدة : ٢٣ ـ ٢٤].

__________________

(١) سقط من (أ) : له.

٥١٨

فكيف (١) يكون بالله موقنا أو معتصما ، أو عند الله مؤمنا أو مسلما ، من يشبه الله بصورة آدم ، وبما فيه من صور الشعر واللحم والدم؟ وأولئك فأصحاب هشام بن سالم (٢).

أو كيف يكون كذلك من قال بقول ابن الحكم ، (٣) وهو يقول : إن الله نور من

__________________

(١) في (ب) و (د) : وكيف.

(٢) هشام بن سالم الجواليقي الجعفي العلاف ، عدّه الإمامية تارة من أصحاب الصادق وأخرى من أصحاب الكاظم.

كان يتهم بالتجسيم ، ذكر ذلك عنه غير واحد من كتّاب الفرق كالشهرستاني وغيره ، بل ذكره بذلك أصحابه الإمامية ، فقد روى الطوسي في رجال الكشي عن عبد الملك بن هشام الحناط ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام أسألك جعلني الله فداك؟ قال : سل يا جبلي عما ذا تسألني؟

فقلت : جعلت فداك زعم هشام بن سالم أن الله عزوجل صورة ، وان آدم خلق على مثال الرب ، ويصف هذا ويصف هذا وأوميت إلى جانبي وشعر رأسي ، وزعم يونس مولى آل يقطين وهشام بن الحكم : أن الله شيء لا كالأشياء ، بائنة منه وهو بائن من الأشياء.

وزعما أن إثبات الشيء أن يقال : جسم فهو جسم لا كالأجسام ، شيء لا كالأشياء ، ثابت موجود غير مفقود ولا معدوم ، خارج من الحدين حد الإبطال وحد التشبيه ، فبأي القولين أقول؟

قال : فقال عليه‌السلام : أراد هذا الإثبات ، وهذا شبّه ربه تعالى بمخلوق ، تعالى الله الذي ليس له شبيه ولا عدل ولا مثل ولا نظير ، ولا هو بصفة المخلوقين ، لا تقل بمثل ما قال هشام بن سالم ... إلخ. اختيار معرفة الرجال ٢ / ٥٦٧ (٥٠٣).

(٣) هشام بن الحكم الشيباني بالولاء الكوفي أبو محمد : متكلم مناظر ، كان شيخ الإمامية في وقته ولد بالكوفة ونشأ بواسط وسكن بغداد ، وانقطع إلى يحيى بن خالد البرمكي ، فكان القيم بمجالس كلامه ونظره وصنف كتبا عدة منها الإمامية ، والرد على هشام الجواليقي ، والرد على شيطان الطاق ، وغيرها. وتوفي بالكوفة سنة (١٩٠ ه‍) تقريبا ، وكان يقول بالتجسيم روى ذلك عنه كتّاب الفرق والملل والنحل ، حتى أصحابه الإمامية رووا ذلك عنه ، قال الطوسي : عن أبي محمد الحجال ، عن بعض أصحابنا ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : ذكر الرضا عليه‌السلام العباسي ، فقال : هو من غلمان أبي الحارث ـ يعني ـ يونس بن عبد الرحمن ، وأبو الحارث من غلمان هشام ، وهشام من غلمان أبي شاكر الديصاني ، وأبو شاكر زنديق.

وعلق المحقق على قول الأصل : وهشام من غلمان أبي شاكر الديصاني بقوله : وحكى السيد جمال الدين بن طاوس رحمه‌الله تعالى أيضا عن كتاب أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، أنه قال : هشام بن ـ

٥١٩

__________________

ـ الحكم مولى بني شيبان ، كوفي تحول من الكوفة إلى بغداد ، وكنيته أبو محمد ، وفي كتاب سعد له كتاب ، وكان من غلمان أبي شاكر الزنديق ، وهو جسمي ردي. اختيار معرفة الرجال ٢ / ٥٦١ (٤٩٧).

وفي أصول الكافي في باب النهي عن الجسم والصورة ١ / ١٠٤. عن علي بن أبي حمزة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم أن الله جسم صمدي نوري ، معرفته ضرورة يمن بها على من يشاء من خلقه. فقال سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلا هو ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، لا يحد ولا يحس ولا يجس ، ولا تدركه الحواس ، ولا يحيط به شيء ، ولا جسم ولا صورة ، ولا تخطيط ولا تحديد.

روى الكليني بسنده عن الحسن بن عبد الرحمن الحماني قال : (قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام : إن هشام بن الحكم زعم أن الله جسم ليس كمثله شيء ، عليم سميع بصير قادر متكلم ناطق ، والكلام والقدرة والعلم يجري مجرى واحدا ، ليس شيء منها مخلوقا. فقال : قاتله الله ، أما علم أن الجسم محدود والكلام غير المتكلم معاذ الله ، وأبرأ إلى الله من هذا القول لا جسم ولا صورة ...). الكافي ١ / ١٠٦.

وروى الكليني أيضا بسنده عن محمد بن الفرج الرحمي قال : (كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام أسأل عما قال هشام بن الحكم في الجسم ، وهشام بن سالم في الصورة ، فكتب : دع عنك حيرة الحيران واستعذ بالله من الشيطان ، ليس القول ما قال الهشامان). الكافي ١ / ١٠٥. والصدوق في التوحيد / ٩٧ ، والأمالي / ٢٢٨.

وعن محمد بن حكيم قال : (وصفت لأبي إبراهيم عليه‌السلام قول هشام بن سالم الجواليقي ، وحكيت له قول هشام بن الحكم : أنه مجسم ، فقال : إن الله لا يشبهه شيء). الكافي ١ / ١٠٦ ، والصدوق في التوحيد / ٩٧ ، وتنقيح المقال ٣ / ٢٩٤.

وعن يونس بن ظبيان قال : (دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقلت : إن هشام بن الحكم يقول قولا عظيما ، إلا أني أختصر لك منه أحرفا ، فزعم أن الله جسم لأن الأشياء شيئان جسم وفعل ، والجسم فلا يجوز أن يكون الصانع بمعنى الفعل ، ويجوز أن يكون بمعنى الفاعل. فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ويحه أما علم أن الجسم محدود متناه والصورة محدودة ومتناهية؟!). الكافي ١ / ١٠٦ ، والصدوق في التوحيد / ٩٩.

وعن أبي علي بن راشد ، عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام قال : قلت : (جعلت فداك قد اختلف أصحابنا فأصلّي خلف أصحاب هشام بن الحكم؟ فقال : يا أبا علي عليك بعلي بن حديد. قلت : فآخذ بقوله؟ فقال : نعم. فلقيت علي بن حديد فقلت له : نصلي خلف أصحاب هشام بن الحكم؟ قال : لا). رجال الكشي / ٢٧٩ ، وصححه السيد بحر العلوم في الفوائد الرجالية ١ / ٤٠٣ ، ٤٠٤.

٥٢٠