حين تتعلق مشيئته بإنشاره.
و (أَنْشَرَهُ) بعثه من الأرض وأصل النشر إخراج الشيء المخبأ يقال : نشر الثوب ، إذ أزال طيّه ، ونشر الصحيفة ، إذا فتحها ليقرأها. ومنه الحديث : «فنشروا التوراة».
وأما الإنشار بالهمز فهو خاص بإخراج الميت من الأرض حيّا وهو البعث ، فيجوز أن يقال : نشر الميت ، والعرب لم يكونوا يعتقدون إحياء الأموات إلا أن يكونوا قد قالوه في تخيلاتهم التوهمية. فيكون منه قول الأعشى :
حتى يقول الناس ممّا رأوا |
|
يا عجبا للميّت النّاشر |
ولذلك قال الله تعالى : (وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) [هود : ٧].
وفي قوله : (إِذا شاءَ) ردّ لشبهتهم إذ كانوا يطلبون تعجيل البعث تحديا وتهكما ليجعلوا عدم الاستجابة بتعجيله دليلا على أنه لا يكون ، فأعلمهم الله أنه يقع عند ما يشاء الله وقوعه لا في الوقت الذي يسألونه لأنه موكول إلى حكمة الله ، واستفادة إبطال قولهم من طريق الكناية.
(كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ (٢٣))
تفسير هذه الآية معضل وكلمات المفسرين والمتأولين فيها بعضها جافّ المنال ، وبعضها جاف عن الاستعمال. ذلك أن المعروف في (كَلَّا) أنه حرف ردع وزجر عن كلام سابق أو لاحق ، وليس فيما تضمنه ما سبقها ولا فيما بعدها ما ظاهره أن يزجر عنه ولا أن يبطل ، فتعين المصير إلى تأويل مورد (كَلَّا)
فأما الذين التزموا أن يكون حرف (كَلَّا) للردع والزجر وهم الخليل وسيبويه وجمهور نحاة البصرة ويجيزون الوقف عليها كما يجيزون الابتداء بها ، فقد تأولوا هذه الآية وما أشبهها بتوجيه الإنكار إلى ما يومئ إليه الكلام السابق أو اللاحق دون صريحه ولا مضمونه.
فمنهم من يجعل الردع متوجها إلى ما قبل (كَلَّا) ممّا يومئ إليه قوله تعالى : (ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) [عبس : ٢٢] ، أي إذا شاء الله ، إذ يومئ إلى أن الكافر ينكر أن ينشره الله ويعتلّ بأنه لم ينشر أحدا منذ القدم إلى الآن. وهذا الوجه هو الجاري على قول البصريين