وكانت المجاعة الشديدة سنة سبع وتسعين ومائة ، فأكثر فيها مواساة أهل الحاجات ، وفي ذلك يقول عباس بن ناصح الجزيري فيه (١) : [الكامل]
نكد الزمان فآمنت أيّامه |
|
من أن يكون بعصره عسر |
ظلع (٢) الزمان بأزمة فجلا له |
|
تلك الكريهة جوده الغمر |
وكان نقش خاتمه «بالله يثق الحكم ويعتصم».
وذكور ولده عشرون ، وإناثهم عشرون ، وأمّه جارية اسمها زخرف.
وكان أسمر ، طوالا ، أشمّ (٣) ، نحيفا.
ومدّة ملكه ستّ وعشرون سنة ، سامحه الله!.
وقال غير واحد : إنه أول من جعل للملك بأرض الأندلس أبّهة ، واستعدّ بالمماليك حتى بلغوا خمسة آلاف : منهم ثلاثة آلاف فارس ، وألفا راجل.
ثم توفي الحكم بن هشام آخر سنة ست ومائتين لسبع وعشرين سنة من ولايته ، ومولده سنة ١٥٤.
وقال ابن خلدون وغير واحد : إنه أول من جنّد بالأندلس الأجناد والمرتزقة ، وجمع الأسلحة والعدد ، واستكثر من الخدم والحواشي والحشم ، وارتبط الخيول على بابه ، واتّخذ المماليك ، وكان يسمّيهم الخرس لعجمتهم ، وحكى في عدّتهم ما تقدّم. ثم قال : وكانت له عيون يطالعونه بأحوال الناس ، وكان يباشر الأمور بنفسه ، ويقرّب الفقهاء والعلماء والصالحين ، وهو الذي وطّأ الملك لعقبه بالأندلس ، انتهى.
وكان له ـ فيما حكى غير واحد ـ ألفا فرس مرتبطة على شاطىء النهر بقبليّ قصره يجمعها داران. وهو القائل لما قتل أهل الرّبض وهدم ديارهم وحرثها (٤) : [الطويل]
رأبت صدوع الأرض بالسّيف راقعا |
|
وقدما لأمت الشّعب مذ كنت يافعا |
فسائل ثغوري هل بها اليوم ثغرة |
|
أبادرها مستنضي السّيف دارعا |
تنبّيك أني لم أكن في قراعهم |
|
بوان ، وقدما كنت بالسّيف قارعا |
__________________
(١) عباس بن ناصح أبو المعلى الجزيري الأندلسي الثقفي : كان من أهل العربية واللغة والشعر المجودين ، وله خط في الفقه والرواية ، ولي قضاء بلدة وشذونة (بغية الوعاة ٢ : ٢٨).
(٢) ظلع : غمز في مشيه كأنه أعرج.
(٣) طوالا : بالغ الطول. وأشمّ : مرتفع قصبة الأنف.
(٤) وردت الأبيات في أخبار مجموعة ص ١٢٠.